Professional Documents
Culture Documents
الم
ال ِّع ُّز ب ُن عب ِد ال ّ�س ِ
الملوك)
ِ وبائع
(�سلطا ُن العلما ِء ُ
3
ذات الرائح ِة
ذات الحدائقِ الفيحا ِء (المت�سع ِة ِ
المر�صع ِة بالذّهبِ ،والجيا ِد الأ�صيل ِة ،والق�صو ِر ِ
ّ وال�س ِ
يوف المالب�س الزّاهي ِةّ ،
ِ أ�صحاب
ُ �
ٍ
�شديد): أ�سى (بحزنٍ ُ
يت�ساءل ب� ً وكان أكلون) الأَ�سى وال َ
أحالمَ ، فيقتاتون (ي� َ
َ الطيب ِة) ،والفقر الذي ُيغرقُ الكثي َر من �أمثا ِل ِه في الحرمانِ ،
الحزين.
ِ العلم؟! فال يج ُد �إجاب ًة �شافي ًة (مقنع ًة) على �س�ؤال ِه ِّ
الملح (كثيرِ التكرارِ) ال�صبي ِة الفقرا ِء كي ُيحرموا من ِ ما ذن ُب ُه و�أمثا ُل ُه من ّ
4
(يعي�ش في ِه) ،وال َيد ُ مكان ي�أويه نف�س ُه يتيم ًا ،ال َ مات والد ُه على حينِ ِغ َّر ٍة (ب�شكلٍ مفاجئٍ )َ ،
فوجد َ وزا َد �شقا ُء (ب� ُؤ�س) العزِّ عندما َ
عند ُه الم�ساعد َة في الح�صولِ يلتم�س (يبحثُ ) َ (تم�سح) على ر� ِأ�س ِه ،فلج�أَ �إلى ال�شّ ِيخ الذي دعا ل ُه في الما�ضي؛ ُ ُ حاني ًة (حنون ًة) ّ
تم�س ُد
ليقوم ب�أعمالِ النّظاف ِة، أموي؛ َ بالجام ِع ال ّ فتو�س َط َل ُه ال�شّ يخُ ،و�ألح َق ُه ّ
(ينام) في ِهّ ، يبيت ُ من َدخ ِل ِه) ،ومكان ُ (يعي�ش ُْ يقتات من ُه
ُ على عملٍ
أحد دهاليز (جم ُع دهليز ،وهو المم ُّر ينام في � ِ مح له ب�أن َ و�س َ
الجام ِعُ ، باب ّ وبحرا�س ِة نعالِ (�أحذي ِة) الم�ص ّلين الذين يتركو َن َها على ِ
خام البار ِد. الجام ِع على ال ّر ِ الباب والداخلِ ) ّ بين ِ الوا�صل َُ
ي�صرف ه َّم ُهُ ال�شديد ،وكثير ًا ما َ
كان ِ العلم على ال ّرغم من فقر ِه حلقات ُط ّال ِب ِ ِ باالن�ضمام �إلى
ِ حلم العزِّ ْلم يفارقهُ ،وظ َّل ُ
يحلم ولكن ََّ
ويلهب �أ�شوا َق ُه (ي� ّشو ُقهُ) �إلى دنيا �أخرى ،ال يجو ُع فيها وال كالم ُهم خيا َلهُُ ، الحلقات ،فيثي ُر َ ِ ُ
ال�شيوخ في باهتمام) �إلى ما يقو ُل ُه ٍ (ي�ستم ُع
ت�شج َع ذات ِيد ِه (فقرِ ِه)� ،إلى �أن ّ الحلقات ف�ض ًال (�إ�ضاف ًة �إلى) عن �ضيقِ ِ ِ االن�ضمام �إلى َ
تلك ِ وكان ثو ُب ُه ال ُمم ّزقُ هو ما يمن ُع ُه من يعرىَ .
أموي ،فر�آه �شيخُ الحلق ِة ،ونه َر ُه الجام ِع ال ّ العلم في ّحلقات ِ ِ (دخل بهدو ٍء) �إلى �إحدى َ يوم ًا ،وت َر َك مكا َن ُه في حرا�س ِة الأحذي ِة ،وت�س ّل َل
باب (رك�ض م�سرع ًا) الع ُّز �إلى ِ َ علم ،فجرى ينا�سب) بطالبِ ٍ ُ يلب�س ثوب ًا ممزّق ًا ال يليقُ (ال (ز ََج َر ُه و�أغ�ض َبهُ) ،ثم طر َد ُه من الحلق ِة؛ أل ّن ُه ُ
بن ع�ساكر ،وهو إمام الفخ ُر ُ
الجام ِع ،وهو ال ُ ف�صادف � ْأن ر آ� ُه ال�شّ يخُ الذي �ألح َق ُه بخدم ِة ّ َ الجام ِع ،و�ش َر َع (بد َ�أ) يبكي بحرق ٍة، ّ
ك�سيف حزين القلبِ َ ، افعي ،و�س�أ َل ُه عما يبكي ِه ،فروى َل ُه الع ُّز ما جرى ل ُه َ �صاحب حلق ِة الفق ِه ال�شّ ّ ُ ذلك ِ
الوقت) حينئذ (في َ ٍ
ووعد ُه ب�أن الكالمَ ،
ِ (العبهُ) بط ّيبِ (�شديد الحزنِ ) ،فط ّيب ال�شّ يخُ خاط َر ُه (قالَ َل ُه كالم ًا لطيف ًا) ،وداع َبه َ َ الخاطرِ
قلب العزِّ فرح ًا بهذا ِ
الوعد. يكون يوم ًا عالم ًا يفي ُد ا أل ّم َة والم�سلمين ،فكا َد يطي ُر ُ العلم والتع ّل ِم ،لع ّل ُه ُ بحلقات ِ ِ ُيلح َق ُه
بحلقات تع ّل ِم القراء ِة والكتاب ِةِ وعد ِب ِه) ،و�ألحقَ الع َّزبوعد ِه (نفّذَ ما َ ابن ع�ساكر ِ وب َّر ال�شّ يخُ ُ
فاكب (� َ
أقبل بملب�س ِه وبحاجا ِت ِهَّ ، وحفظ القر�آنِ على نفق ِت ِه الخا�ص ِة ،وتكف َّل ِ والخط ِ ِّ
يجل�س �إلى العلم ،ال ينقط ُع ع ُنهُ ،وال يخج ُل من �أن َ غل ب ِه) الع ُّز على ِ و�ش َعلي ِه ُ
�ساعد ُه ذلك قد َ علم ك ُّل من فيها �صبي ٌة ،وهو فتى �أكب ُر منهم ِ�س ّن ًا ،بل � ّإن َ حلقات ٍ ِ
حفظ وبفهم �أعمق ،حتى أ� ّن ُه قد َ ٍ (يتقن) ما يتع ّل ُم في �أق�صرِ ٍ
وقت، َ على �أن يحذقَ
إعجاب أيام فقط ،مما �أثا َر � َ افعي في ثالث ِة � ٍ كتاب “التنبيه” في الفق ِه ال�شّ ِّ وا�ستوعب َ َ
�شيخ ِه ابن ع�ساكر ِب ِه. ِ
5
العمل ،فقالَ :بل العمل؛ لأ ّن ُه يهدي (يقو ُد) �إلى العلم �أم َ الم� ،أتري ُد َ ال�س ِ ابن ِ
عبد ّ يقول َل ُه“ :يا َحلم ِه ُو ِق َيل � َّإن الع َّز �سم َع ندا ًء في ِ
أ�صبحت رج ًال) ،وهذاَ بلغت مبل َغ الرجالِ (� لقد َ الحلم ،فقالَ َل ُه ال�شّ يخُ م�سرور ًاْ “ :ل�شيخ ِه ابن ع�ساكر هذا َ أ�صبح روى ِ العلم” .ولم ّا � َ ِ
نف�س َك ِ
للعلم”. تهب َ أمرك ب�أن َ ال�سما ِء ،ي� َ الندا ُء هاتفٌ (ر�سال ٌة) من ّ
أتقن القراء َةفحفظ القر� َآن ،و� َ َ دائم) �شيخَ ُه ابن ع�ساكر يتع ّل ُم من ُه، ولزم (راف َق ُه ب�شكلٍ ٍ للعلمَ ، نف�س ُه ِ
وهب (�أعطى) الع ُّز َ وقد َ ْ
ِ
والفلك، ِ
يا�ضيات والطب والكيميا ِء وال ّر
ِّ علم الطبيع ِة ِ
المترجمات في حقولِ ِ الح�سن والفل�سف َة ،و� ّأطل َع على الكثيرِ من َ َّ
والخط والكتاب َة
الكالم (العلم الذيِ وكان له معرف ٌة كبير ٌة ِ
بعلم ال�شعرِ َ ، رف والنّحوِِ ،
وحفظ ِّ ال�ص ِعلوم ال ّلغ ِةّ :أتقن َ افعي ،كما � َالمذهب ال�شّ ّ َ وف ِق َه (فَهِ َم)
هلل و�صفا ِت ِه و�أ�سما ِئ ِه).يتك ّل ُم عن ا ِ
كان �شيخ ًا زاهد ًا (من ير�ضى بالقليلِ )، ب�شيخ ِه ابن ع�ساكر ،و�أخذَ عن ُه كثير ًا من �صفا ِت ِه الحميد ِة (الجيد ِة)� ،إذ َ وقد ت�أ ّث َر ع ُّز ال ّد ِين ِ ْ
الحق مهما ك ّل َف ُه الأم ُر ،وهو في يقول َّ الئمُ ، هلل لوم َة ٍ ال�صدقات ،وخطيب ًا ال يخ�شى في ا ِ ِ (يخاف اهلل) ،ووا�س َع المعرف ِة ،وكثي َر َ ُ وورع ًا
حك). ال�ض َ(يحب ّ
ُّ ديد) ،مرح ًا نف�س ِه �شدي ُد الحيا ِء (الخجلِ ال�شّ ِ الوقت ِ ِ
أحد من علما ِء دم�شق مث َل ُه، عند � ٍ
لي�س َ الحديث ما َ ِ علم عام 597هـ �ساف َر الع ُّز �إلى بغداد؛ ليلقى فيها �شيخ ًا ِق َيل � َّإن َ
عند ُه من ِ وفي ِ
علوم ِه على �أيدي كبا ِر علما ِئها ،وهمُ :
جمال ليكمل تلقّي ِ جديد �إلى دم�شق؛ َ الحديث عن ُه ،ثم عا َد من ٍ َ َ
وحفظ وقد التقى ِب ِه ،و�سم َع ِمن ُه، ْ
الوقت جهابذ ُة (جم ُع جِ ْه ٍ
باذ، ذلك ِ آمدي ،فقد اجتم َع في دم�شق في َ و�سيف ال ّد ِين ال ّ المر�ستانيُ ،
ّ ال�ص ِ
مد الحر�ستاني ،وعب ُد ّ
ّ بن
ال ّد ِين ُ
العالم الخبي ُر المجي ُد) العلما ُء البارعين في فنونِ (�أنوا ِع) ِ
العلم. ُ وهو
الحل ُم ي�صبحُ حقيق ًة
يدر�سون مع ُه)،
َ مجال�س العلما ِء ،فب َّز �أقرا َن ُه (تف ّوقَ ع ّمن
ِ ْ
ين�صرف عن ُه) وعلى العلم ولم
أقبل على ِالعلم (� َ
نف�س ُه على ِ
عكف الع ُّز َ
َ
�شيخ ِه الفخرِ بن ع�ساكر وغيرِ ِه من يدي ِ يكد ينتهي من الدرا�س ِة على ّ �شيوخ ِه ِب ِه .ولم ْ
إعجاب ِ �صفوف ط ّال ِب ِ
العلم ،مما �أثا َر � َ َ وتق َّدم
وع ّي َن مدر�س ًا في دم�شق ،ثم َ
انتقل �إلى مدر�س ٍة �أعلىُ ،يد ّر ُ�س الفق َه بالتدري�س)ُ ،
ِ ال�شيوخ في جام ِع دم�شق ،حتى �أجازو ُه (�سمحوا ل ُه
ِ
حكم ا أل ّيوبيين.
الوقت في دم�شق �إ ّب َان ِ ذلك ِ
ال�سائ ُد (ال�شائ ُع) في َ
المذهب ّ
ُ وكان هو
افعيَ ،و�أ�صو َل ُه على المذهبِ ال�شّ ّ
6
خفي في ِه ،ي�سخ ُر�شيء ٍّ يبحث عن ٍ تقتحم المجهولَ ،وك�أ ّن ُه ًُ ُ الطولِ ،نحي ًال ،نظرا ُت ُه َ
متو�سط ّ وكان
المَ ،ال�س ِ عبد ّ بن ِّا�س الع َّز َ وعرف الن ُ َ
وت �إذا ال�ص ِ
منخف�ض ّ َ ِ
الحديث، وح ْل ِم ِه)َ ،
عذب ّا�س لرزان ِت ِه ُ التب�س ِم) ،وقور ًا (يحتر ُم ُه الن ُ ال�سن (كثي َر ّ �ضاحك ّ َ ال�سخري َة، م ّما ي�ستح ُّق ّ
يجد ما يت�ص ّدقُ به قط َع جزء ًا من عمام ِت ِه (هي وب ،ال ير ُّد �سائ ًال ،ف� ْإن لم ْ وت) �إذا خَ َط َبَ ،
نظيف ال ّث ِ ال�ص ِ وت (مرتف َع ّ ال�ص ِتك ّلم ،جهي َر ّ
القما�ش يلفُّ بها الر� ُأ�س) ،ودف َع بها (�أعطى) �إلى �سائ ِل ِه. ِ قطع ٌة من
(باهتمام ِه)
ِ وبي ،وكان م�شهور ًا باحتفا ِئ ِه �صالح ال ّد ِين ا أل ّي ّ
ِ الملك الكاملِ ِبن العادلِ �شقيقِ حاكم م�ص َر ِ كان للعزِّ عالق ٌة طيب ٌة مع ِ وقد َ
الملك ال َ
أ�شرف الملك الكام ُل علي ِه ر ّد ًا ط ّيب ًا ،و�أو�صى �أخا ُه َ ذلك ،فر َّد ُ أر�سل الع ُّز كتاب ًا (ر�سال ًة) �إلي ِه ،ي�شك ُر ُه على َ بالعلم وبالعلما ِء ،وقد � َ ِ
(حاكم) دم�شق خير ًا ِب ِه. َ �صاحب
َ
تعرف هواد ًة (ت�ساه ًال) و�شن حرب ًا ال ًُ بالمعروف ،وينهى عن المنكرِ برحم ٍة وحكم ٍة وموعظ ٍة ح�سن ٍةَّ ، ِ وانطلقَ الع ُّز �إلى الأ�سواقِ ،ي�أم ُر
المال لجهة ٍما) ال�ضرائبِ المرت�شين ،وعلى الجائرين (جم ُع جائرٍ ، يقوم بجم ِع ٍِ جاب ،وهو من ُ الظالمين ،وعلى ُجبا ِة (جم ُع ٍ ِ على ال ّتجا ِر
وق�صد ُه ط ّال ُب ِ
العلم ،ود�أبوا َ ّا�س ،والتفّوا حو َل ُه، ّا�س) ،ف�أح ّب ُه الن ُ (يحكمون الن َ
َ الظ ِلم) ممن يلون �أمر ًا من �أمو ِر الم�سلمين وهو �شدي ُد ّ
�شيوخ ع�صرِ ِه ،فكادوا له (�أع ّدوا َل ُه مكيدةً) المر َة تل َو الأخرى، (غ�ضب) الكثيرِ من ِ َ (ا�ستم ّروا) على ح�ضو ِر حلقا ِت ِه ،ف�أثا َر ذلك حفيظ َة
أ�شرف م ُن ُه ،وع ّين ُه �شيخَ حلق ٍة في الملك ال ُ ملك دم�شق ُ كيد ِهم ،فق ّر َب ُه ُ إيمان العزِّ بر ِب ِه ،و�إ�صرا ِر ِه على موق ِف ِه جعال ِن ُِه ينجو من ِ لكن � َ َّ
الغزالي يد ّر ُ�س ،وبد�أَ يد ّر ُ�س ط ّال َب
ّ إمام
كان ال ُ علمي في دم�شق ،فاختا َر الع ُّز ال ّزاوي َة الغزال ّي َة ،حيثُ َ من�صب ّ ٍ أموي ،وهو �أكب ُر الجام ِع ال ّ ّ
العلم ،ثم ُع ّي َن خطيب ًا للجام ِع ال ّ
أموي. ِ
أموي تز ّو َج الع ُّز من امر أ� ٍة فا�ضل ٍة الجام ِع ال ِّ تدري�س ِه في ّ ِ َ
(مقابل) أ�صبح) الع ُّز يتقا�ضاه لقا َءوبالأجرِ (ال ّراتبِ ) الكبيرِ الذي غدا (� َ
دقات (ت�ص ّدقَ كثير ًا) على الفقرا ِء والم�ساكين وط ّال ِب ِ
العلم بال�ص ِ الجام ِع ،و�أغدقَ ّ قرب ّ و�سكن في منزلٍ �صغيرٍ َ (�صاحب ِة خلقٍ ح�سنٍ )َ ،
ثمنزوجت ُه من ِ يملك من مالٍ قد ا ّدخر ْت ُه َ كل ما ُ ال�سبيل ،وهو الم�ساف ُر المنقط ُع عن �أه ِل ِه وماله) حتى �أ ّن ُه �أنفقَ َّ ال�سبيلِ (جم ُع بن ّ و�أبنا ِء ّ
الح ّلي التي تتز ّي ُن بها المر�أةُ) على الفقرا ِء بدلَ �أن ي�شتري به بيت ًا �أكبر لزوج ِت ِه ولأبنا ِئ ِه ،وقالَ لها با�سم ًا :إ�نّه قد ا�شترى م�صاغ َها (هي ُ ِ
ودعت َل ُه بالبرك ِة (ال ّزياد ِة والنّما ِء). ففرحت الزوج ُة ب�صني ِع (ت�ص ّر ِف) زوجِ َهاْ ، ْ لها منز ًال �أكبر في الج ّن ِة،
7
8
الملك العادلِ �سلطانِ م�ص َر قا�ضي ًا للق�ضا ِة في دم�شقَ في ِ
عهد �أخي ِه عام 635هـ ُع ّي َن ب�أمرٍ المعزِّ من ِ وفي ِ
التقاليد البالي ِة
ِ من�صب ل ُه نفو ٌذ كبي ٌر .وقد تح ّل َل (تخ ّل َ�ص) الع ُّز من ٌ َ
إ�سماعيل ،وهو الح � الملك ّ
ال�ص ِ ِ الأ�صغرِ
(�صوف) م�ص َر ،وهو غطا ُء الر� ِأ�سَ فطرح (خَ َل َع) العمام َة ،وو�ض َع على ر� ِأ�س ِه قبع ًة من ل ّبا ِد
َ (القديم ِة) للق�ضا ِة،
الوقت) ،وقدال�سوا َد كعاد ِة الق�ضا ِة �آنذاك (في ذلك ِ يلب�س ّ ّا�س في م�ص َر وال�شّ ِام ،ولم ْ الذي ال ي�ستعم ُل ُه إ� ّال فقرا ُء الن ِ
أمات ك َّل �ضالل ٍة، حارب ك َّل بدع ٍة (ك ِّّل ُم َ
�ستحد ٍث في ال ّد ِين) ،و� َ ا�شته َر بالعدلِ في الق�ضا ِء ،وبالجر�أ ِة في الحقِّ ،كما َ
نن”. أعان على �إمات ِة البد ِع و�إحيا ِء ّ
ال�س ِ الم�سلمين ،ف� َ
َ يقول“ :طوبى (خي ٌر) لمن تو َّلى �شيئ ًا من �أمو ِر وكان ُ َ
الرحي ُل عن ِ
الوطن
ال�صالح �إ�سماعي ُل،
ُ الظلم والف�سقِ بعد � ْأن تو ّلى �أم َرها ُ
الملك �شرف في مهاوي ِ موت الملك الِأ ِ منذ ِ وقعت دم�شقُ ُ ْ
ملك م�ص َر ،وتنازلَ لهم عن �صيدا الح �أ ّيوب ِ
ال�ص ِ �ضد ابن �أخيه ّ فتحالف معهم َ َ يميل �إلى ال�صليبيين، كان ُ الذي َ
حكم ِه
(رف�ض ِ
َ أعلن خل َع بيع ِت ِه
فعل ،و� َ (يرف�ض) بما َ
ُ و�شقيف و�صفد (مدنٍ عربي ٍة) ،عندها �شَ ر َع (بد�أَ) الع ُّز ين ّد ُد
ومن يف َعل
الح حرا ٌمْ ، ال�س َ َ
التعامل مع ال�صليبيين �أو بي َع ُهم ّ ّا�س علي ِه ،ون ّبه ُهم �إلى � ّأن لهم) على المنابـرِ ،وح ّر َ�ض الن َ
دم ِه (قت ِل ِه).�سفك ِ بيح ُ خان اهلل ور�سو َل ُه ،و�أُ َ ذلك فقد َ َ
أفرج عن ُه �شريط َة �أن يرحل من ليل ِت ِه �إلى م�ص َر؛ وغ�ضب عليه ب�شد ٍة ،و�أم َر ب�سج ِن ِه ،ثم � َ َ فعلم ُ
الملك ب�أمرِ العزِّ ، َ
وحمل زوج َت ُه و�أبنا َء ُه على حمارين ،وكان عام 638هـَ ، ذلك في ِ ففعل الع ُّز َ ترك دم�شقَ ، عند ُه رغب ًة في ِ �إذ ع ِل َم � َّأن َ
ال�صالح
ُ أر�سل �إليه ُ
الملك فل�سطينَ � ،
َ وخرج بهم من دم�شق ،حتى �إذا و�صل �إلى ال�ستين من عمرِ ِهَ ، عندها قد جاو َز ّ
كنت علي ِه وزياد ًة �أن تنك�س َر َ
منا�صبك وما َ وبين �أن تعو َد �إلى
بينك َ للملك قائ ًال للعزِّ َ “ : أحد معاوني ِه؛ ليقن َع ُه باالعتذا ِر ِ � َ
يدي ف�ض ًال عن هلل يا م�سكين ما �أر�ضا ُه �أن يق ّب َل ّ (بكبرياء)“ :وا ِ
ٍ ب�شموخ
ٍ لل�سلطانِ ،وتق ّب َل َيد ُه ال غير” ،فقالَ الع ُّز َل ُه ّ
هلل الذي عافاني مما ابتال ُكم ِب ِه” ،فقالَ ل ُه الوزي ُر“ :قد �أمرني واد ،والحم ُد ِ واد و�أنا في ٍ قوم �أنتم في ٍ �أن �أق ّب َل َي َد ُه ،يا ُ
اعتقلتك” ،فقال الع ُّز“ :افعلوا ما بدا (ما تريدون) لكم”. َ بذلك ،ف�إ ّما �أن تقب َل ُه ،و�إ ّال
ال�سلطان َ ّ
9
المقد�س
ِ الروم في ِ
بيت جي�ش ِ ال�صالح بر ِّد ِه �أم َر باعتقا ِل ِه في خيم ٍة قريب ٍة من خيم ِت ِه ،وكان عندها مرابط ًا مع ِ ُ علم ُ
الملك ول ّما َ
فقال في ليل ٍة ل�ضيو ِف ِه من ِ
ملوك الح ي�سم ُع ُه من خيم ِت ِهَ ، ال�ص ُ ُ
والملك ّ فكان الع ُّز يقط ُع (يم�ضي) ال ّل َيل والنَّها َر بتالو ِة القر�آنِ ،
(القد�س)َ ،
ِ
�شيوخ الم�سلمين ،وقد حب�س ُت ُه لإنكا ِر ِه قال“ :هذا �أكب ُر ِ ال�شيخَ الذي يقر�أُ القر� َآن ،قالوا“ :نعم”َ ، أت�سمعون هذا ّ
َ العرب)�“ :
ِ الفرنج (غيرِ
ِ
حب�سهُ،دت َ القد�س ،وقد ج ّد ُ
ِ الم�سلمين ،وعزل ُت ُه عن الخطاب ِة بدم�شق ،وعن منا�ص ِب ِه ،ثم �أخرج ُتهُ ،فجا َء �إلى ِ ح�صون
َ (رف�ض ِه) ت�سليمي لكم
ِ
الم�سيحي) لغ�سلنا رجلي ِه ،و�شربنا مرق َت َها (ما َء غ�سي ِل َها)”.ّ ق�سي�س ًا َ
(رجل ال ّد ِين كان هذا ّ الفرنج“ :لو َ ِ فقال ُ
ملوك واعتق ُل ُت ُه لأجلكم”َ .
10
�سلطا ُن العلما ِء
الفرنج ومن ِ المقد�س ،وهزموا ُج ِند ِ بيت نجم ال ّد ِين �أ ّيوب �إلى ِ ال�صالح ِ ِ الجديد ِ
الملك ِ الجيو�ش الم�صري ُة بقياد ِة ِ
ملك م�ص َر ُ جاءت
ْ
الم�صريون على
َ عام 639هـ ،فقاب َل ُه وو�صل �إليها َ َ �سراح العزِّ ،فانطلقَ في طري ِق ِه �إلى القاهر ِة، العرب ،و�أطلقوا َ من ِ واالها (�ساعدها) َ َ
الخيل المط ّهم َة (الأ�صيل َة) بدلَ َ الجي�ش ،وقد �أع ّدوا َل ُه ولعيا ِل ِه ِ نف�س ُه وقاد ُة هم ُ
الملك ُ وبالهتاف ،وعلى ر� ِأ�س ْ
ِ أبواب القاهر ِة بال ّز ِ
ينات � ِ
لطان �إلى جوا ِر ِه،وال�س ُ يزف ال�شّ يخَ بالتهليلِ وبالتّكبيرِ ّ الموكب ُّ ُ ُركب) المنهك ِة (المتعب ِة) ،و�سا َر المطايا (جم ُع مطي ٍة ،وهي ال ّداب ُة التي ت ُ
تتو�س ُط َها دا ٌر ف�سيح ٌة الموكب �إلى حديق ٍة وا�سع ٍةّ ، ُ َ
(و�صل) أعيان والعلما ُء ،وانتهى ومن خل ِف ِه �أمرا ُء ال ّدول ِة وال ُ
الم.
ال�س ِ عبد ّللعالم الجليلِ العزِّ ِبن ِ الم�صري قد ا�شتراها ،ووه َب َها هدي ًة ِ ُّ عب (مت�سع ٌة)َ ،
كان ال�شّ ُ
ال�سلطان �إمام ًا وخطيب ًا لجام ِع عمرو بن عين (�س ِع َد) المع ُّز بالإقام ِة في م�ص َر ،وع ّين ُه ّ وق َّر ْت ُ
وقام ب�أمو ِر الإفتا ِء في م�ص َر ،وانقط َع ِ
للعلم العا�صَّ ،ثم قا�ضي ًا للق�ضا ِة (كبي َر الق�ضا ِة) َ ِ
أليف ،فو�ض َع ك َّل م�صنفا ِت ِه (م�ؤ ّلفا ِت ِه) في م�ص َر ،ف�أ ّل َف وللتدري�س وللت� ِ ِ وللعلما ِء
وال�سير ِة النّبو ّي ِة ال�شّ ريف ِةوالحديث النّبوي ّ ِ وعلوم القر�آنِ
ِ في الفق ِه والتف�سيرِ
أحكام في التوحيد والأ�صولِ وال ّت� ّصو ِف .ومن �أ�شهرِ كت ِب ِه“ :قواع ُد ال ِ ِ وعلم
ِ
م�سلم” ،و“تف�سي ُر القر�آنِ ٍ �صحيح
ِ ّا�س)” ،و“مخت�ص ُر ��ام (الن ِ م�صالح الأن ِ ِ
ال�صال ِة بع�ض �أنوا ِع المجا ِز” و“مقا�ص ُد ّ العظيم” و“الإ�شار ُة �إلى الإيجا ِز في ِ ِ
ال�ص ِوم”. ومقا�ص ُد ّ
بالمعروف ،وينهى عن المنكرِ ،وير ُّد ِ وطاف الع ُّز في الأ�سواقِ ،ي�أم ُر َ
وق�صد ُه ط ّال ُب
َ ّا�س،المظالم (الحقوقَ الم�سروق َة) �إلى �أه ِل َها ،ف�أح َّب ُه الن ُ َ
كل جه ٍة) ،ف�أطلقَ علي ِه طال ُب ُه تقي ال ّد ِين و�صوب (من ِّ ٍ كل ٍ
حدب العلم من ِّ ِ
لقب �سلطانِ العلما ِء. العيد ،وهو من علما ِء م�ص َرَ ، ابن دقيقِ ِ ِ
11
12
الملوك
ِ بائع
ُ
عرف � َّأن �أمرا َء البال ِد وقاد َة الجي�ش لي�سوا من �أهلِ لم يط ُل المقا ُم بالعزِّ في م�ص َر حتى َ
بيت المالِ ،وع ّلم ُهم م�ص َر ،بل هم مجلوبون (عبي ٌد م�شترون) ،ا�شتراهم �سلطانُ م�ص َر من ِ
مماليك ٌ وفنون الفرو�سي ِة ،وعندما �ش ّبوا ع ّين ُهم في منا�ص ِبهِم ،فهم �أمرا ٌء وعلوم ال ّد ِين َ العربي َة َ
وال�شرا ِء والز ِ
ّواج. حقوق الأحرا ِر بالبي ِع ّ ولي�س لهم ُ �أر ّقاء (جم ُع رقيق ،وهو العب ُد) ال �أحرا ٌرَ ،
المماليك من عقو ِد البي ِع وال�شّ را ِء والإيجا ِر ُ (عقد ُه)
أبرم ُه َ عندئذ � َ
أبطل الع ُّز ك َّل ما � َ ٍ
بيت المالِ ال�سوقِ ،و ُير ُّد ثم ُنهم �إلى ِ المماليك في ُّ واج .و�ص َّم َِم على �أن ُيبا َع الأمرا ُء وال ّز ِ
ذلك ،وينالون ما بعد َ(ي�صبحون �أحرار ًا) ََ لطان من ما ِل ِهّ ،ثم ُيعتقوا ال�س ُ الذي ا�شتراهم ّ
(ي�صبح حاكم ًا). ُ واج والإيجا ِر والإمام ِة مثل البي ِع وال ّز ِ ينا ُل ُه (ي�أخُ ُذ ُه) الأحرا ُر من حقوقٍ َ ،
من عرف حك ُم ُه َ (الجواب ع ّما ال ُي ُ
ِ فغ�ضب من فتوى َ ِ
المماليك، ال�سلطانِ من نائب ّ وكان ُ َ
ونحن (يعر�ضنَا للبي ِع) هذا ال�شّ يخُ ؟ ُ ُ كيف ُينادي علينا الم�سائلِ ال�شّ رع ّي ِة) العزِّ ،وقالَ َ “ :
بنف�س ِه في جماع ٍة من رجا ِل ِه ،وهو وركب ِ هلل لأ�ضرب ّن ُه ب�سيفي هذا”َ . أر���ض! وا ِ ملوك ال ِ ُ
خاف بن العزِّ َ ، باب بي ِت ِه ،فلما ر آ� ُه عب ُد ال ّل ِ
طيف ُ يقتل الع َّز ،وطرقَ َ م�شه ٌر �سي َف ُه ،وينوي �أن َ
ابت�سم ،وقالَ َل ُه“ :يا ولدي �أبوك �أق ُّل من � ْأن ُي َ
قتل َ لكن الع َّز ِ
بالهربَّ ، والد ُه
ون�صح َ َ ب�ش ّد ٍة،
وا�ضطرب ،وو َق َع هو َ يب�ست ي ُد ُه عندما ر�آ ُه، ال�سلطن ِة ،الذي ْ هلل” ،وخ َر َج لنائبِ ّ في �سبيلِ ا ِ
و�سي ُف ُه �أر�ض ًا ،وبكى ،و�س ّلم �أم َر ُه للعزِّ يفع ُل ِب ِه ما ي�شا ُء.
ألمحلملك م�ص َر ،الذي � َ رف�ضهم لفتوى العزِّ ،و�شكوه ِ المماليك ظ ّلوا على ِ ِ لكن �أمرا َءّ
غ�ض َب (قالَ ب�شكلٍ غير مبا�شرٍ ) للع َّز ب� ّْأن ال عالق َة َل ُه بهذا ال�شّ �أنِ (المو�ضو ِع) ،عندها ِ
�ست�ضعف فيها �أه ُل ال�شّ ريع ِة، ُ أر�ض ُيالمقام ب� ٍ
ُ الع ُّز �أ�ش َّد الغ�ضبِ ،وقالَ “ :فيم (لماذا)
13
14
علم حمل �أه َل ُه على ُحميرٍ (ت�صغيرِ حمارٍ) ،وح َم َل َ
متاع ُه على حمارٍ ،وغاد َر م�ص َر ،فل ّما َ و ُيعتدي فيها على الق�ضا ِء؟” ثم َ
بنف�س ِه
فخرج ِ
َ بذهاب ال�شّ ِ
يخ” ِ الملك بالأمرِ ،و ِق َيل ل ُه“ :تداركْ (�أنقذْ ) مل َك َك و�إ ّال َ
ذهب �أه ُل َها برحي ِل ِه ،لحقوا ِب ِه ،ف َع ِل َم ُ
فر�س ِه ،وتق ّد َم من ُه معتذر ًا ،وقالَ َل ُه“ :ال تفارقناُ ،ع ْد يا �إمام ،وا�صن ْع ما بدا
(و�صل �إلي ِه) ،ونزَ لَ عن ِ
َ ورا َء العزِّ ،و�أدر َك ُه
أردت)”.
لك (ما � َ َ
(تحت ت�ص ّر ِف العزِّ )،
َ لطان ك َّل ا ألم��را ِء في القلع ِة ب�أمرِ الع ّز
ال�س ُ وجم َع ّ
���زاد ،ون��ادى ال�شّ يخُ عليهم (عر�ضهم للبي ِع) ،وغالى في وعر�ضوا في م ٍ ُ
الرتفاع ِه ِ
الفاح ِ�ش ِ ثمنهم ،حتى �إذا امتن َع الحا�ضرون عن المزايد ِة في ال ّث ِ
من
الخا�ص ،ال من
ِ ال�سعرِ ،ودف َع ُه من ما ِل ِه لطان ،وزا َد في ّ ال�س ُ (الكبيرِ ) ،تق ّد َم ّ
بيت الم�سلمين ،حتى ا�شترى جمي َع الأمرا ِء المماليك ،و�أعتق ُهم لوج ِه ا ِ
هلل، ِ
ف�أ�صبحوا �أحرار ًا.
كان المع ُّز مهيب ًا جلي ًال وهو ينادي على �أمرا ِء ال ّدول ِة واحد ًا تل َو َ
(بعد) وكم َ
بعد هذ ِه الحادث ِة التاريخ ّي ِة ّ
الطريف ِة َ
ليحمل َ لل�سلطانِ ،
ا آلخ��رِ َّ ،ثم يبيعهم ّ
ِ
الملوك. لقب بائ ِع
الحدوث) َِ (نادر ِة
ِ
أ�صحابفقد وز َّع ُه على الفقرا ِء و�
الفاح�ش ْ
ِ قب�ض ُه الع ُّز من ثم ِنهم
�أ ّما ما َ
وعلوم
والخط ِِّ أقام ب ِه دور ًا ِ
لتعليم القر�آنِ العلم وط ّال ِب ِه ،و� ِ
الحاجات من �أهلِ ِ ِ
ال ّلغ ِة العرب ّي ِة.
15
سبيل ال
الجها ُد في � ِ
بتحري�ض من � ِ
أحد ٍ الل�صو�ص
ِ هاج َم بي َت ُه جماع ٌة من
ال�سوقِ حتى َ ِ
المماليك في ّ بعد بي ِع ِه لأمرا ِء
ما كا َد الع ُّز ي�ستق ًِّر في دا ِر ِه َ
الل�صو�ص � ْأن يفتكوا بالعزِّ وب�أه ِل ِه َ
الذين ارتعدوا ُ المماليك الذين حنقوا (حقدوا) على العزِّ ب�سببِ فتوى بي ِعهِ م ،وكا َد ِ �أمرا ِء
16
الطيب ِة ،وع ّدهم طف وبال ّل ِين وبالكلم ِة ّ لكن الع َّز قابل ُه ْم بال ّل ِ
�شديد)َّ ، بخوف ٍ خوف ًا منهم(�شعروا ٍ
أكرم وفادت ُهم (ح�ضورهم) ،فعادوا ع ّما هم عليه طعام الع�شا ِء ،و� َ�ضيوف ًا ال ل�صو�ص ًا ،وق ّد َم لهم َ
يدي العزِّ ،وطلبوا من ُه � ْأن ي�ستغف َر
بين ّ أنف�سهم ،وبكوا َ (تراجعوا ع ّما جاءوا من �أجلِ فع ِل ِه) ،وخجلوا من � ِ
(�سامحهم)،
َ بعد الو�ضو ِء ،و�ص ّلى بهم (� َّأم بهم) �صال َة ال ّتوب ِة ،وعفا عنهم ال�صال ِة َ فدعاهم �إلى ّ ُ ل ُهم،
لطان بفع ِلهِ م. ال�س َ ولم يبلغ ّ
هلل –ع َّز وج َّل -و�أن�صا ِرحزب ا ِنزعم �أنّا من جمل ِة ِ منهج العزِّ في الحيا ِة يتلخّ ُ�ص في جمل ِت ِه�“ :إنّا ُ وكان ُ َ
بجندي”.
ّ بنف�س ِهَ ،
فلي�س والجندي �إذا لم يخاط ْر ِ ُّ دي ِن ِه ِ
وجند ِه،
ِ
الملك ال�سلطان ،فقد ت�ص ّدى يوم ًا لموكبِ كان في ح�ضر ِة ّ يقول �إ ّال الحقَ ،ولو َهلل ،وال ُ يكن يخ�شى غي َر ا ِ لذلك لم ْ
تبيح الخمو َر؟” ملك م�ص َر ثم ُ لك َ لك �ألم �أبوئ َ هلل �إذا ق َال َ
عند ا ِ جتك َ وب ،ما ُح َ وقال َلهُ“ :يا �أ ّي ُ عيدَ ، يوم ٍ في ِ
ِ
المنكرات، قال العزُّ“ :نعم ،الحان ُة الفالني ُة تبي ُع الخمو َر ،وغيرها من ذلك؟” َ لطان“ :هل جرى َ ال�س ُ َ
فقال ّ
(تنعم) في نعم ِة هذ ِه المملك ِة”. أنت تتق ّل ُب ُ و� َ
لطان“ :يا �سيدي هذا �أنا ما علم ُت ُه ،هذا من زمانِ �أبي” ،فقالَ ال�شّ يخُ : ال�س ُ فقالَ ّ
دون
�سبقك َ َ أنت من الذين يقولون �إنّا وجدنا �آبا َء َنا على �أ ّم�� ٍة؟! (� ّأي تق ّل ُد من “�أ� َ
لطان ب�إغالقِ الحان ِة. ال�س َ تفكيرٍ )” .ف� َأم َر ّ
تالميذ ِه ع ّما فع َل ُه ،فقالَ ال�شّ يخُ “ :ر�أي ُت ُه في
ِ َ
ان�صرف الع ُّز� ،س�أ َل ُه �أح ُد وبعد �أن
َ
التلميذ�“ :أما
ُ نف�س ُه ،فت�ؤذي” ،فقالَ أردت �أن �أهي َن ُه كي ال تكب َر ُ تلك العظم ِة ،ف� ُ َ
ا�ستح�ضرت هيب َة ا ِ
هلل ُ لقد
بني ْهلل يا َّ أجاب ال�شّ يخُ ب�إيمانٍ عميقٍ “ :وا ِ خف َت ُه؟!” � َ
ِّ
كالقط”. لطان �أمامي ال�س ُ تعالى ،ف�ص َار ّ
17
18
عي ُن جالو َت وهزيم ُة التّتا ِر
إ�سالم زحفان (جي�شان) خطيران� ،أخذا ينه�شانِ داهم ديا َر (بال َد) ال ِ زمن) �إقام ِة العزِّ في م�ص َر َ
�إ ّب َان (في ِ
ج�سد ال ّدول ِة الإ�سالم ّي ِة ،ويطمعان في اال�ستيال ِء على (الح�صولِ على) مق ّد�سا ِتها� ،أحدهما ال�صليبيون ،والآخر في ِ
نفو�س الم�سلمين ،ف�أ ّل َّب (ح ّر َ�ض) الم�سلمين ونفوذ وت�أثيرٍ ح�سنٍ في ِ بكل ما أُ�وتي من قو ٍة ٍ ال ّتتا ُر .وقد ت�ص ّدى الع ُّز لهما ِّ
ُ
جيو�ش وزحف مع المجاهدين �إلى المن�صور ِة (مدين ٍة في �شمالِ م�ص َر) حيثُ ت�ص ّد ْت َ العلم،
حلقات ِ َ عليهم ،وهج َر
أ�سرت مل َكهم لوي�س ال ّتا�سع. الم�سلمين لل�صليبيين بقياد ِة م ِل ِكهم لوي�س ال ّتا�سع ،وهزمتهم �ش َّر هزيم ٍة ،و� ْ
ملك م�ص َر نجم ال ّدين بعد ِ الحكم َ َ ال�سلطان قطز الذي تو ّلى عندئذ ّ ٍ كما ح ّر َ�ض المع ُّز الم�صريين ومل َك ُهمَ ،
وكان
عامجيو�ش م�ص َر ِ ُ فخرجت
ْ الت�صدي للتتار،
ِّ �أ ّيوب الذي توفّي في ح�صا ِر الم�سلمين لل�صليبيين في المن�صورة ،على
وعاثت فيهما ف�ساد ًا وقت ًال ،ذلك ْ ا�ستولت على بغداد عام 656هـ وعلى حلب، ْ كانت قد 658هـ لمالقا ِة ِ
جيو�ش ال ّتتا ِر التي ْ
بيت مالِ الم�سلمين ،وذلك بقياد ِة الأميرِ المماليك ومن ِ ِ ال�سلطانِ ومن �أمرا ِء بعد � ْأن �أع ّد ْت الع ّد َة لذلك بتمويلٍ من ّ
َ
قطز.
بتحري�ض
ِ كان
لكن جها َد ُه َ الحّ ، وكان الع ُّز عندها عجوز ًا في الثمانين ،ال يقد ُر على حملِ ّ
ال�س ِ َ
وجي�ش ال ّتتا ِر في منطق ٍة ُ جي�ش الم�سلمينالم�سلمين على الجها ِد ،والتقى الجي�شانُ : ِ
الم�صري بقياد ِة قطز َ
جي�ش ال ّتتا َر ُّ ُ
الجي�ش فل�سطينَ ،
وهزم َ جالوت فيَ عين
تُ�س ّمى ُ
تقم لهم بعدها قائم ٌة. هزيم ًة نكرا َء ،لم ْ
(هجم) القائ ُد بيبر�س َ الم�صري �إلى القاهر ِة َ
وثب ِّ الجي�ش
ِ وفي طريقِ عود ِة
أهل م�ص َر �إ ّال الع ّز الذي عر�ش م�ص َر ،وباي َع ُه � ُ على قطز ،وقتَل ُه ،وج َل َ�س على ِ
(يقبل به حاكم ًا) إ� ّال عندما ت�أ ّك َد من �أ ّن ُه ح ٌّر قد ح ّرر ُه َ رف�ض �أن يباي َع ُه َ
يعد مملوك ًا (عبد ًا). �سي ُد ُه ،و�أ ّن ُه لم ْ
19
20
العلم
في حلق ِة ِ
أحد علما ِء م�ص َر ،وتخ ّر َج طيف � َ أ�صبح اب ُن ُه عب ُد ال ّل ِ
وبل َغ الع ُّز من العمرِ الثالث َة والثمانين ،وكب َر �أبنا ؤ�ُه و�أحفا ُد ُه ،و� َ
الظ ِلم واالنت�صا ِر للمظلومين. التعليم وفي محارب ِة ّ ِ العلم وفي على يديه �أئم ٌة وعلما ُء بعد �أن �أنفَقَ عم َر ُه في طلبِ ِ
�سيموت
ُ كان قد تن ّب�أَ في �شبابه ب�أ َّن ُه
الموت� ،إذ �إنّه َ َ عف ال�شدي ُد) ،وتو ّق َع (ال�ض ُ
الوه ُن ّ ومر�ض الع ُّز ،وغل َب ُه َ
َ
العلم .وفي يوم 10من جمادى الأولى عام 660هـ درو�س ِ
رف�ض �أن ينقط َِع عن ِ عندما يبل َغ الثالث َة والثمانين ،لك ّن ُه َ
ال�صالحي ِة التي اعتا َد على التدري�س فيها على ال ّر ِ
غم درو�س ِه في مدر�س ِة ّ
لي�صل �إلى ِ
َ طلب من �أبنا ِئ ِه �أن ي�سندوه؛ َ
ج�سد ِه)
(خرجت من ِْ فا�ضت
ْ روح ُه
لكن َأر�ض َّ ، ِ
ال�سموات وال ِ يف�س ُر الآي َة الكريم َةَ :
اهلل نو ُر من �شد ِة وه ِن ِه ،و�ش َر َع ّ
ولزم َها طوالَ عمرِ ِه. (�سقط) م ّيت ًا في حلق ِة ِ
العلم التي �أح َّبهاَ ، َ عند َها ،وخ َّر
َ
نع�ش ِه،
�سلطان م�ص َر في حملِ ِ
ُ َ
و�شارك �سلطان م�ص َر وال�شّ ِام ،بل
ُ وخرج �أه ُل القاهر ِة في جناز ِت ِه ،و�ص ّلى عليه َ
يوم مو ِت ِهُ “ :
اليوم ا�ستق َّر �أمري لطان بيبر�س َ ال�س ُعظيم في القاهر ِة) ،وقد قالَ ّ ٍ ّ
المقط ِم (جبلٍ فح جبلِ
فن في َ�س ِو ُد َ
ّا�س :اخرجوا عليه (ثوروا عليه) النتز َع (�أخذَ ) َ
الملك منّي”. كان ُ
يقول للن ِ الملك؛ ل ّأن هذا ال�شّ َيخ لو َ في ِ
أنارت طريقَ الأ ّم ِة ،وح ّثتها (�أمرت َها) على
كان منار ًة � ْ فقد َ المْ ، ال�س ِ
عبد ّ بن ِ َ
الجليل المع َّز َ رح َم ُ
اهلل �شيخَ نَا ِ
علم تهدي يحر�س �أحذي َة الم�ص ّلين �إلى منار ِة ٍُ ٍ
�ضعيف ال حولَ وال قو ًة َل ُه، العلم الذي �ص ّي َر ُه (ح ّو َل ُه) من ٍ
يتيم ِ
أخل�ص ِ
هلل عالم � َالطين بي�سا ِر ِه ،فل ّله د ّر ُه (�أ�سلوب دعاء بالخير) من ٍ وال�س َ النّا�س ،وجع َل ُه يه ُّز ال�شّ عوب بيمن ِهّ ،
(كتاب كبيرٍ ) عظما ِء �أمت ِنَا الإ�سالم ّي ِة.
ٍ عم ًال وقو ًالَ ،
فن�ص َر ُه ،وخ ّل َد ُه في ِ�سفْرِ
21
ل ّون معنا
22
23