Professional Documents
Culture Documents
الليث بن سعد
الليث بن سعد
66
ت��ن��فّ��� َ��س ب��ع��م��قٍ ،وه َ��و
الطبيع ِة ي�ست�س ِل ُم لجمالِ ّ
ون���ق���ا ِء ال����ه����وا ِء ،و����ش��� َر َع
(ب�����د َ�أ) ي��ب��ح ُ��ث ع��ن � ٍ
��ش��يء
يلفت نظ َر ُه وي�س ّلي ِه ،فما َ
وجد ُ
ال�صبي ِة ولع ِب َهم ما يعني ِه ِم ْن له ِو ّ
اهتمام ُه� ،ش�أن
َ (يه ّم ُه)� ،أو يثي ُر
ولكن حلق ُة (مثل) ك ِّ��ل الأط��ف��الِ ّ ،
��اب (م��ك��انٍ �صغيرٍ ال�صبي ِة في ك�� ّت ِ ّ
ال�صبي ِة ال��ق��راء ِة والكتاب ِة لتعليم ّ ِ
أ�شعلت في قل ِب ِه جذو َة (�شعل َة)
اهتمام ُه) و� ْ
َ خطفت ل َّب ُه ْ
(نالت ْ هي ما الكريم) القري ِة َ ِ وحفظ القر�آنِ ِ
ويحفظون
َ ـون القراء َة والكتاب َة، ذلك ِ
الوقت) يتع ّلم َ ٍ
عندئذ (في َ كان ال�صبي ُة العلم والتع ّل ِمَ . حب ِ ِّ
67
يث �إلى عندها �أ�سر َع ال ّل ُ
وي�صح ُح) �أم َر ُهمَ ،ّ جال�س بي َن ُهم ،يق ّو ُم (يع ّد ُل
الكريم ،و�شيخُ ُهم ٌ َ القر� َآن
اب )ال�صغيرتين متجه ًا �إلى بي ِت ِه ،وعا َد �سريع ًا �إلى الك ّت ِ (رك�ض �سريع ًا ّ َ منز ِل ِه ،و� َ
أطلق لل ّر ِيح �ساق ْي ِه
اب ،وا�ستع َّد ببراء ٍة طفول ّي ٍةواند�س في حلقـ ِة الك ّت ِ
َّ ويحمل قلم ًا،
ُ إبط ِه) �أوراق ًا،تحت � ِ
أبط (ي�ض ُع َ يت� ُ
68
ونف�س يمل ؤ� َُها �إيما ٌن طاه ٌر، (محب ب�ش ّد ٍة) بالمعرف ِةٍ ، ٍّ ٍ
�شغوف العلم ٍ
بقلب ينهل (ي�أخذَ ) مـن ِ كي َ
متعط�ش ٍة �إلى نو ِر االت�صالِ باهلل ِ عبرِ (بطريق ِة) التف ّق ِه بدي ِن ِه ،وال ّدعو ِة �إلى عباد ِت ِه، وبروح ّ ٍ
والعملِ على مر�ضا ِت ِه.
ولل�صبي ِة الذين يجل�سون على مقرب ٍة م ْنهُ ،وته ّي َ�أ ابّ ، ال�صغي ُر ال ّليثُ ِ
ل�شيخ الك ّت ِ الطف ُل ّ ابت�سم ّ
َ
�سعد بن عبد يث ِبن ٍ �سعد ِبن ال ّل ِ بن ٍ بنف�س ِه قائ ًال� :أنا ال ّليثُ ُ در�س عل ٍم في حيا ِت ِه ،وع ّر َف ِ أخذ �أ ّو َل ِ ل ِ
أ�صبهان (مدين ٍة في َ إيران) من �أهلِ � الفر�س (�أهلِ � َ ِ الفهمي� ،أه ُل بيتي يقولون �إ ّننا من ّ حمن
ال ّر ِ
خالد ِبن حمن ِبن ٍ عبد ال ّر ِ قي�س ِبن رفاع َة ،وهو مولى ِ (هم العبي ُد المح ّررون) ٍ إيران) ،و�إ ّننا موالي ُ � َ
إ�سالم �إلى الب�شر ّي ِة.
الفهمي ،ولك ّنني م�سل ٌم� ،أفخ ُر بحملِ ر�سال ِة ال ِ ّ م�سافرٍ
والعلوم
ِ الحديث والفق ِه
ِ درو�س
يث َ هم ِب ِه المر ُء من �أمرٍ ليفع َل ُه) عالي ٍة بد�أَ ال ّل ُ وبهم ٍة (ما َّ
نبوغ ُه (براع ُت ُه و�إجاد ُت ُه) المب ّك ُر ،وذكا ؤ�ُ ُه الفري ُد عون ًا َل ُه وكان ُ ذلكَ ،ف�سبق زمال َء ُه في َ العرب ّي ِةَ ،
فكيرِ ،قادر ًا على عميق ال ّت ِ قوي الذّاكر ِة ،ج ّي َد الح ِف ِظَ ، كان َّ فقد َ ُ
ويحفظْ ، كل ما يتع ّل ُم على �إتقانِ ِّ
ِ
(البعيد) الحترام القا�صي ِ أ�صبح �أه ًال (ي�ستحقُ ) و�سرعان ما � َ َ والفهم وال ِ
إدراك. ِ ِ
اال�ستنباط
وورع�� ِه (خو ِف ِه من اهللِ)، بعلم ِه ِ ولفت الأنظا َر �إلي ِه ِ وال ّداني (القريبِ )َ ،
بين �أه�� ِل�� ِه ،الذين أ�صبحت) َل�� ُه مكان ٌة كبير ٌة َ ْ وباتت (� ْ
�أدركوا (عرفوا) ف�ض َل ُه ،وق ّدمو ُه (جعلو ُه مق ّدم ًا)
ال�صغي ُر لم على َم ْن �سوا ِه (غيرِ ِه)ّ ،
ولكن الفتى ّ
(ي�صاب بالغرورِ) بهذ ِه ال�شّ هر ِة ،وهذا ُ يغت ّر
69
(ي�ست�سلم) �إلى الك�سلِ ،بل ا�ستم َّر يتع ّل ُم ،ويتز ّو ُد ،وينه ُل من العلما ِء ،ويقب ُل
ْ يركن
ولم ْ
التّقديرِ ْ ،
ي�صبح عالم ًا َل ُه حلق ٌة
َ (بولع ورغب ٍة) على الكتبِ وعلى القراء ِة ،حتى � َآن (جا َء ُ
وقت) َل ُه � ْأن بنهم ٍٍ
(توج َه �إلي ِه) طالبو ِ
العلم. ق�ص َد ُه ّبعد � ْأن َ
العلمَ ، ِ
حلقات ِ من
70
العلم
م�سير ُة ِ
العلم لتر�ضى بنهاي ٍة ِ
للعلم والتع ّل ِم، المزيد من ِ ِ يث التائق ُة (ال ّراغب ُة) دائم ًا �إلى نف�س ال ّل ِ تكن ُ ْلم ْ
�صقع ،وهي النّاحي ُة) كل مكانٍ ،ويطل ُب ُه في �أ�صقا ِع (جم ُع ٍ العلم في ِّ
يبحث عن ِ طفق (بد َ�أ) ُ فقد َ لذلك ْ َ
عدد كبيرٍ من كبا ِر علما ِء ع�صرِ ِه في العلم على �أيدي ٍ م�ص َر و�أقاليم َها و�سائرِ ديا ِر الم�سلمين .فتلقّى َ
الحرام وزيار ِة قبرِ الم�صطفى ِ بيت اهلل ِ نف�س ُه في عام 113للهجر ِة �إلى زيار ِة ِ م�ص َر ،ثم ا�شتا َق ْت ُ
ابن ع�شرين �سن ًة ،و�أع َّد َ
نف�س ُه لل�سفرِ ) وهو ُ محمد –�ص ّلى اهلل ُ علي ِه و�س ّل َم ،-ف�ش َّد رحا َل ُه (ته ّي َ�أ ّ ٍ
ر�سوخ ِه
غم من ِ كل مكانٍ على ال ّر ِ كانت منت�شر ًة في ِّ العلم التي ْ بحلقات ِ ِ التحق عب َر ُهَ لل�سفرِ ،الذي ّ
ابن عم َر، ونافع مولى ِ وابن �أبي ملكي َةٍ ، رباحِ ، العلم) ،والتقى بالعطا ِء ِبن �أبي ٍ العلم (تم ّك ِن ِه من ِ في ِ
العلم في �سن ِة 161للهجر ِة، للمزيد من ِ ِ ذلك �إلى بغداد طلب ًا بعد َ هري ،ثم �ساف َر َ �شهاب ال ّز ّ وابن ِ ِ
و�شهد الأ�ضحى في بغداد. �شعبانَ ، َ َ
وذلك في
العلم حتى وهو فقي ُه ال ّديا ِر الم�صر ّي ِة ،وعال ُم َها ،ومفخر ُة ال ِ
أقاليم في َها، يطلب َ يث ُ زال ال ّل ُ وما َ
حفظ القر�آنِ وتف�سير ِه وفق ِه قد تواف َر َل ُه ك َّل الف�ضلِ في ِ العلم والإفتا ِءَ ،
وكان ْ حلقات ِ ِ ور� ُأ�س �أكبرِ
يث، حلم ال ّل ِ
العربي البلي ِغ �إلى � ْأن تحق َّق ُ ّ وح�سن المذاكر ِة وف�صاح ِة ال ّل�سانِ ِ ال�شعرِوحفظ ِّ ِ النّح ِو
أ�صبح) إ�سالمي ون�صر ِت ِه ون�شرِ ِه ،وغدا (� َ
ّ أ�صبح من �أكبرِ علما ِء ا أل ّم ِة القائمين على خدم ِة ال ّد ِين ال و� َ
ولزم ُه والي م�ص َر و�سلطا ُن َها وقا�ض َيها وعلم ِه) العا ّمةَ ، (�شهدت بتفو ِق ِه ِ
ْ فدانت
ْ فقي َه م�ص َر الأ ّو َل،
يوم �أربعاء ،في�شاورو َن ُه في �أمو ِر ال ّرعي ِة كل ِ يعقد في ِّ علم ِه الذي َ مجل�س ِ َ وناظ ُر َها ،فكانوا يح�ضرونِ
أمان) وهي العه ُد وال ُذمم ُهم (جم ُع ذم ٍةَ ، �سعد رقيب ًا على ِ بن ٍ يث ُ وال ّدول ِة ،ويطيعون �أم َر َه؛ �إذْ َ
كان ال ّل ُ
71
كتب �إلى �أميرِ الم�ؤمنين ،ليعز َل ُهم عن وظائ ِفهِ م، و�أمانا ِتهِ م ،ف� ْإن حادوا (خرجوا) عن طريقِ الهدىَ ،
العبا�سي �أبو جعفرٍ المنّ�صو ُر ُّ ر�ض علي ِه الخليف ُة وقد َع َ والتقي ،كيف ال ؟! ْ ُّ وه ُو الم�سمو ُع الكلم ِة ،والثق ُة،
يث" :ال ي�صبح والي ًا علي َهاَ ،
فقال َل ُه ال ّل ُ َ أقاليم م�ص َر ،و� ْأني�صبح نا ِئ َب ُه ووالي ًا َل ُه) َل ُه على � َ َ ينوب (� ْأن�أن َ
بك فقال �أبو جعفرٍ المنّ�صو ُر" :ما َ ذلك ،إ� ّني رج ٌل ِم ْن الموالي"َ . أ�ضعف ِم ْن َ يا �أمي َر الم�ؤمنين� ،إ ّني � ُ
تكون والي ًا)".
ترغب في � ْأن َ ذلك لي (� ّأي لم ْ نيتك في العملِ عن َ �ضعفت ُ ْ �ضعفٌ معي ،ولكن
بيت المالِ مئ َة يوم � ْأن يتو ّلى الق�ضا َء ،ويعطي ِه من ِ ذات ٍ المهدي َ ُّ العبا�سي
ُّ ر�ض علي ِه الخليف ُة كذلك َع َ َ
ـدت اهلل َ أ� ّال �ألي (�أ�صب ُـح والي ًا) �شيئ ًا ،و�أعي ُـذ وقال معتذر ًا�" :إ ّني عاه ُ ذلكَ ، يث َ فرف�ض ال ّل ُ
َ درهم،
ألف ٍ � ِ
انطلق ،فق ْـد �أعفيت َُك" .وال (تعج َب) ْ المهدي" :اهلل !!! ّ ُّ �أمي َر الم�ؤمنين باهلل �أ ّال �أفي بعهدي"َ .
فقال َلـ ُه
العلم الذي كان بحقٍ �سا َد َن ُه لي�شتغل بالوالي ِة �أو الق�ضا ِء عن ِ َ كان ال ّل ُ
يث ذلك ،فما َ عجب) في َ غر َو (ال َ
ٌ
ومالك ّا�س"،�سعد ل�ض َّل الن ُ بن ٍ يث ُ أن�س وال ّل ُ بن � ٍ مالك ُ كان النّا�س يقولون" :لوال ٌ ذلك َ (خادم ُه) ،وفي َ َ
أحد المذاهبِ الفقه ّي ِة و�صاحب � ِ َ عالم الأ ّم ِة ،وفقي َه المدني ِة المن ّور ِة كان َ الوقت) َ ذلك ِ حينئذ (في َ ٍ
علم ِه وفقه ِه ون�شر ِه بتدوين ِ
ِ خام�س ،إ� ّال � َّأن تالميذَ ُه لم يقوموا ٌ فقهي
مذهب ُّ ٌ يكون ِ
لليث الأربع ِة ،بل كا َد ُ
يث �أفق ُه افعي" :ال ّل ُإمام ال�شّ ُّ قال ال ُ مالك ،وكثير ًا ما َ ـام ٍ تالميذ ا إلم ِ ُ كل مكانٍ ) كما َ
فعل في الآفاقِ (في ِّ
إمام
وكان ال ُ أتباع ُه – لم يقوموا ِب ِه (� ّأي لم ين�شروا عل َم ُه) َ مالك �إال � َّأن �أ�صحا َب ُه – يعني تالميذَ ُه و� َ من ٍ
ِ
الحديث". �صحيح
ُ يث ثق ٌة َث َب ٌت (حج ٌة ُيوثقُ به) ،كثي ُر العلم، يقول" :ال ّل ُ بن حنبلٍ ُ �أحم ُد ُ
72
أن�س الذي مالك ِبن � ٍ�سعد �أكث َر علم ًا وفقه ًا من �صدي ِق ِه ومعا�صرِ ِه ٍ بن ٍ يث َ وكثي ٌر من العلما ِء ر�أوا � َّأن ال ّل َ
قواعد مذه ِب ِه (منهجِ ِه وطريق ِت ِه) يعر�ض ك ُّل من ُه َما في َها ِ مرا�سالت علمي ٌة كثيرةٌُ ، ٌ وبين ال ّل ِ
يث كان بي َن ُه َ َ
رفيع.
إ�سالمي ٍ ٍّ قوي ،وبلغ ٍة ف�صيح ٍة جميل ٍة ،وخلقٍ � أ�سلوب ٍّويدا ُف ُع عن َها ،وي ّر ُد على �صاح ِب ِه ب� ٍ
أحاديث كثير ٌة في ُكتبٌِ ب�صحيحها ،و َل ُه � ِ ّبي ،وعارف ًا أحاديث الن ِّ�سعد حافظ ًا ل ِ بن ٍ يث ُ وكان ال ّل ُ
َ
حاح.
ال�ص ِ ّ
نتدب ( ُيختا ُر مندوب ًا وممث ًال) من علما ِء ع�صرِ ِه ال �سيما �أ�ساتذته َ
ليكون كان ُي ُ يث �أ َّن ُه َ علم ال ّل ِوبل َغ من ِ
كل م�س�أل ٍة مع�ضل ٍة (م�شكل ٍة �صعب ٍة) �شيد في ِّ مق�صد الخليف ِة ال ّر ِ َ كان
كذلك َ المناظراتَ ، ِ َ
المجادل في
بن داو َد قائ ًال: يعقوب َ
َ المهدي وزي َر ُه
ُّ وقد �أو�صىي�س َر ُه اهلل ُ َل ُهْ .
ت�صعب علي ِه ،فيحلُّ َها ال ّليثُ بعل ِّم ِه الذي ّ ُ
حمل من ُه".أعلم بما َ يبق �أح ٌد � ُ ثبت عندي �أ ّن ُه لم َ فقد َ �سعد– ْ بن ٍ يث َ ال�ش َيخ –يعنى ال ّل َ "الزم هذا ّ ْ
القد�س
ِ المقد�س (مدين ِة
ِ �سعد في ِ
بيت بن ٍيث ُالعبا�سي �أبو جعفرٍ المنّ�صو ُر ل ّما و ّد َع ال ّل ُ ُّ وقال الخليف ُة َ
جعل في رعيتي مث َل َك". هلل الذي َ وعلم ِه" :الحم ُد ِ وقد �أعج َب ُه ما ر�أى من ذكا ِئ ِه وحكم ِت ِه ِ في فل�سطين)ْ ،
ال�صحابي الجلي ُل،
ُّ ّان ،وه َو بن عف َ عثمان َ َ أهل م�ص َر ينتق�صون يجد � َ�سعد �أن َ بن ٍ يث ُ وقد � َآلم ال ّل ُ
انتقا�ص ِه.
ِ فح َّدث ُهم طوي ًال بف�ض ِل ِه ومكان ِت ِه ،ف�أج ّلو ُه ،وكفّوا (توقفوا) عن
73
الإما ُم ال ّ�سخي
كل من �سعد كرم ًا و�سخا ًء وعطا ًء وح ّب ًا على ِّ
يث ِبن ٍ ِ
الحارث ال ّل ِ إمام �أبي
نف�س ال ِ
فا�ضت ُْ
والم�ساكين ح ٌق معلو ٌم في ِه ،و� َّأن ّ
الغني ه َو َ مال اهللِ ،و� ّأن للفقرا َء حو ِل ِه ،ف�إيمان ِه ب� َّأن َ
المال هو ُ
74
(يكرم
ُ يطيب نف�س ًا ،ويجو ُد يوم القيام ِة جع َل ُه ُ ورك َل ُه في ميزانِ ح�سنا ِت ِه َ من ُب َ
فكانبارك َل ُه في ما ِل ِه وفي تجار ِت ِهَ ، ذلك ب� ْأن َ ب�شد ٍة) يد ًا ،و�أعا َن ُه اهلل ُ على َ
والم�ساكين �أكث َر
ِ كل �سن ٍة من ما ِل ِه على الفقرا ِء تاجر ًا ثر ّي ًا وكريم ًا ،ينفقُ في ِّ
ال�شي ِء للم�ستقبلِ ) من َها بجزء من ّ (يحتفظ ٍ ُ ألف دينارٍ ،وال ي ّدخ ُر من خم�سين � َ
تجب علي ِه زكا ٌة ُّ
قط العام ،وعلي ِه ديو ٌن ،فال ُ لنف�س ِه ،بل ينتهي ُ �شيئ ًا ِ
ُ
الحول يحول علي ِه
قبل � ْأن َ بكل ما ِل ِه َ (�أبد ًا)؛ �إذ كان يت�ص ّدقُ ِّ
(العام).
ُ
يوم على ثالثمئ ٍة كان يت�ص ّدقُ في ِّ
كل ٍ كرم ال ّل ِ
يث �أ ّن ُه َ وبل َغ من ِ
ال�شتا ِء،و�سمن البقرِ في ّ َ ع�سل النّحلِ ّا�س َ ويطعم الن َ ُ م�سكين،
ٍ
زمنّ�صف الثاني من ِ ويجعل الن َ ُ ال�ص ِ
يف، وال�سك َر في ّ وال ّلو َز ّ
ّا�س ولحوائجِ ُهم ،ال يوم �أربعاء لم�سائلِ الن ِ كل ِ مجل�س ِه في ِّ
ِ
�صغرت.
ْ كبرت حاج ُت ُه �أم فيرد ُهْ ، ي�س أ� َل ُه �أح ٌد َّ
75
76
أكل وقالت َل ُه" :يا �شيخَ نَا � َّإن لي ابن ًا مري�ض ًا ي�شتهي � َ ذات يو ٍمْ ، وقد جاء َت ُه امر�أ ُة َ
ْ
(المرط مئ ٌة وع�شرون رط ًال، ُ يث" :يا ُغالم� ،أعط َها مرط ًا" فقال ال ّل ُ
الع�سلِ "َ .
الحجم ،فلما ر�آ ُه
ِ وكان مع المر�أ ِة إ�ن��ا ٌء �صغي ٌر طل ثالثة كيلو) من ع�سلٍ َ ، وال ّر ُ
طلبت يث�" :إنَّها ْ تطلب قلي ًال من الع�سلِ "َ .
فقال ال ّل ُ قال" :يا �شيخَ نَا� ،إ ّن َها ُ الغالمَ ،
ُ
المرط كام ًال.
َ ونحن نعط َيها على قد ِر َنا" .و�أم َر ُه � ْأن يعط َيها على قدر َِهاُ ،
ألف دينارٍ ،وكثير ًا ابن لهيع َة ،فو�ص َل ُه ال ّليثُ (�أعطا ُه) ب� ِ إمام ِ واحترقت دا ُر ال ِ
ْ
وان كانوا العلم ،ويعينهم على ِ
معا�ش ُهمْ ، كان ي�ص ُل العلما َء وط ّالبِ ِ ما َ
كان ي�ص ُل ال َ
إمام خارج م�ص َر ،فقد ُروي �أ َّن ُه َ يقطنون (ي�سكنون) َ
مالك �إلي ِه يوم ًا
وكتب ٌ ال�سن ِةَ ، أن�س بمئ ِة دينا ٍر في ّ مالك ًا َبن � ٍ
يخب ُر ُه ب� َّأن علي ِه دين ًا ،فبعثَ �إلي ِه ال َّليثُ
ع��ل��ى ال���ف���و ِر بخم�سمئ ٍة
دي��ن��ارٍ ،وعندما � َآن
������ت)
��������ان وق ُ
(ح َ
م��وع�� ُد زف ِ
��اف
ابنت ِه َ
طلب
77
فبعث �إلي ِه ال ّليثُ ح ّب ًا وكرام ًة (ب�سعاد ٍة
ير�سل َل ُه �شيئ ًا من ُع�صفرٍ (�صبغ ٍة ل ُو َنها �أ�صف ُر) َ
يث �أن َ من ال ّل ِ
(الحمل ما تحم َل ُه ال ّداب ُة الواحدةَ) ُع�صفر ًا ،فبا َع من ُه بخم�سمئ ِة دينارٍَ ،
وبقي َ ورغب ٍة) ثالثين حم ًال
عند ُه ف�ضل ٌة (زيادةٌ).
َ
78
أن�س طبق ًا
بن � ٍ مالك ُ بعث �إلي ِه ال ُ
إمام ٌ �سعد المدين َة المن ّورةََ ، بن ٍ يث ُ وعندما زا َر ال ّل ُ
مالك فارغ ًا،
إمام ٍ الط َبق �إلى ال ِ يث في �أن ير َّد ّ يرغب ال ّل ُ
من ال ّرطبِ (ال َّتمرِ ) ،فلم ْ
ألف دينارٍ.أر�سل �إلي ِه في ِه � َف� َ
الم�سلم �أن يظه َر نعم َة اهلل علي ِه ،و�أن َ
ي�سعد ِ �سعد ب� َأن من واجبِ بن ٍ يث ُ آمن ال ّل ُ
و� َ
الف�سطاط (مدين ِة م�صر العتيق ِة التي ِ بكل لذ ٍة ونعم ٍة حاللٍ ،فبنى دار ًا كبير ًة في ِّ
وجعل فيها حديق ًة يقارب) ع�شرون باب ًاَ ، ُ بناها عمرو بن العا�ص)َ ،لها نح َو (ما
كتب.مليئ ًة بالأ�شجا ِر والزّهرِ وال ّريحانِ ،وملأ دا َر ُه بما ا�ستطا َع الو�صولِ �إلي ِه من ٍ
نف�س ُه يومين متتاليين، وب َ يلب�س ال ّث َ ال�سن ِة ،فما ُ ـام ّ يث ثياب ًا بعد ِد �أي ِ عند ال ّل ِوكان َ َ
حم في ويخرج للتن ّز ِه في الحدائقِ والأ�سواقِ ،وي� ُ
أكل ال ّل َ ُ عام،
الط ِينعم ب�أطيبِ ّ وكان ُ َ
يوف). (ال�ض ِ ّا�س ّ عام �إال مع الن ِ الط ِ يجل�س �إلى ّ يوم ،وال ُ كل ٍ ِّ
����ام م��ال ُ��ك ب ُ��ن أ�ن��� ٍ��س ب�ش�أ ِن ِه (ب���أم��رِ ِه)
علم الأم ُ وعندما َ
(الخبز
َ كتب �إلي ِه معاتب ًا" :بلغني �أ ّن َ��ك ت� ُ
أكل ال�� ّرق��اقَ َ
الثياب
َ وتلب�س ال�� ّرق��اقَ (� ّأي
ُ َ
المنب�سط ال�� ّرق��ي َ��ق)،
ال ّرقيق َة ال��ف��اخ��رةَ) وتم�شي في ا أل���س��واقِ َ ،
فكتب
قل َم ْن ح ّر َم زين َة ا ِ
هلل "قال تعالىْ : يثَ : �إلي ِه ال ّل ُ
79
هي للذين �آمنوا في الحيا ِة ال ّدنيا خال�ص ًة َ
يوم يبات من ال ّرزقِ قل َ أخرج لعبا ِد ِه ّ
والط ِ التي � َ
أن�س
بن � ٍ أمام مالك ًا َ لقوم يعلمون الأع��راف ( ،)32ويبدو � َّأن ال َ آيات ٍ نف�ص ُل ال ِ
كذلك ّ القيام ِة َ
يث ،ف�شر َع (بد َ�أ) ه َو الآخ ُر ُيعتني (يهت ُّم) ِ
بملب�س ِه وم�أك ِل ِه ،ويتن ّع ُم بهِ َما. قد اقتن َع بر ِّد ال ّل ِ
80
كان ُ
ي�صل ال ّل َيل �سليم ،وهو َم ْن َ يعبد اهلل َب�صح ٍة جيد ٍة ،وبدنٍ ٍ يث � ْأن َ ولكي ي�ستطي َع ال ّل ُ
كان ُيعنى �أبل َغ العناي ِة ب�صح ِت ِه حتى ليبد َو �أ�صغ َر من �س ّن ِه ب� ٍ
أعوام، فقد َ بالنّها ِر عبادةًْ ،
وكان يت ّب ُع �س َن َة ال ّر�سولِ –�ص ّلى اهلل ُ علي ِه فيظن الرائي �أ ّن ُه �أ�صغ ُر م ّم ْن هو يك ُب ُر ُهمَ ، َّ
حظ ُهج�سد ُه ح َّق ُه من ال�� ّراح�� ِة ،ويعطي قل َب ُه َّ بال�صح ِة ،فيعطي َ و�س ّلم– في العناي ِة ّ
ٍ
وهدوء ونف�س ُه ما يحتاجان �إلي ِه من �سكين ٍة ويهب (يعطي) عق َل ُه َ المرحُ ، (ن�صيب ُه) من ِ
ال�صح َة.
ّ تتلف (تف�س ُد وتخ ّر ُب) ِ
لالنفعاالت التي ُ و�إيمانٍ بق�ضا ِء اهلل ِوقدر ِه تجنب ًا
ؤمن ِب ِه
�سعد ع َّما ي� ُ بن ٍ يث ُ َ
لي�شغل ال ّل ُ نعيم الحيا ِة ما َ
كان ولكن َ َّ
والقيام
ِ إ�سالم،
ّا�س ،ون�شرِ ال ِ وتعليم الن ِ
ِ من �أهمي ِة تح�صيلِ ِ
العلم،
وتح�سين �أح��وال��هِ ِ��م،
ِ على الت�ص ّدقِ على الم�سلمين ال��ف��ق��را ِء،
كانت �آرا�ؤ ُه بمثاب ٍةوالتعليم والفق ِه حتى ْ ِ فان�صرف �إلى الإفتا ِء
َ
مدر�سـ ٍة فقهي ِة ،ولطالما �أنك َر على ال ّتجا ِر تع ّل َق
القيام
ِ قلوبهِ ِم بحوانيتهِ ِم ،وتق�صيرِ ِهم في
بواجبا ِتهِ م ال ّدين ّي ِة على خيرِ وج ٍ��ه ،ونادى
(طالب) بالعدلِ ،والت�ص ّدقِ على الم�سلمين َ
والإح�سانِ �إليهم.
81
82
ترج ُل ِ
الفار�س ُّ
يترج َل ال ّليثُ
كائن �أن ّ كل ٍ الموت م� َآل ِّ
جعلت َ واقت�ضت حكم ُة اهلل ِالتي ْ ْ
كر�سي �سخا ِئ ِه ،و� ْأن يفارقَ محب ّي ِه ِّ ينزل عن علم ِه ،و� ْأن َ هرم ِ �سعد عن ِ بن ٍ ُ
وعا�شأنفق ما َل ُه عليهمَ ، وتالميذَ ُه و�سائ َر الفقرا ِء والم�ساكين الذين � َ
�شعبان 175للهجر ِة الموافقِ 16 َ يوم الجمع ِة 15 وذلك في ِ رحيم ًا بِهِ مَ ،
كانون ا أل ّو َل 791ميالدي. َ
أعظم ما ر�أى كانت جناز ُت ُه � َ خرج في جناز ِت ِه خل ٌق كثي ٌر ،حتى ْ وقد َ ْ
بع�ض بع�ضهم على ٍ أقبل ُ ّا�س عليه حزن ًا عظيم ًا ،و� َ وحزن الن ُ َ معا�صرو ُه،
�ضرب َل ُه ْم
َ المحب ال��ذيِّ بعد رحيلِ الفقي ِه الحاني ويبكون ََ يع ّزون،
هد بمنا�صبِ ال ّدنيا ،والإن�شغالِ عن الجا ِه أجمل �صو َر ال ُّز ِ (�أعطى مثا ًال) � َ
ّا�س ،حتى � ّأن بغر�س الأخالقِ العظيم ِة في ِ
نفو�س الن ِ ِ وال�سلطانِ والمالِ ّ
علم ِه ال ّث ِّر (الكثيرِ والغزيرِ ) في قد �شغ َل ُه عن ِ
تدوين ِ الهدف الن َ
ّبيل ْ َ هذا
وانتقل �إلى الحيا ِة الآخر ِة �إلى جوا ِر ر ِّب ِه ،ال يحم ُل م َع ُه َ ّفات ٍ
(كتب)، م�صن ٍ
يب ،وعل َم ُه الذي �أفا َد الم�سلمين ِب ِه. �إ ّال عم َل ُه ّ
الط َ
فوقف يوم ًا على لكن القد َر لم يمهل ُهَ ، يث ،ويتمنّا ُه ،وي�سعى �إلي ِهَّ ، يحب لقا َء ال ّل ِ افعي ُّأمام ال�شّ ُّ
وكان ال ُ
َ
تعجب يعني دعا ٌء بكثر ِة الخيرِ ) يا أ�سلوب ٍ وقال" :للهّ ِ د ُّر َك !!! (� ُ ال�صغرىَ ، قبرِ ِه في القاهر ِة في القراف ِة ّ
هد ،والور َع". َ
والعمل ،وال ّز َ العلم،
لعالمَ : يكملن ٍ أخذت) �أرب َع خ�صالٍ لم َ زت (� َ قد ُح َ
أمامْ ،
� ُ
83
ل ّون معنا
84
85