You are on page 1of 21

‫اللّي ُث ب ُن �سع ٍد‬

‫"الإما ُم المت�ص ّد ُق"‬

‫د‪� .‬سناء �شعالن‬

‫�شعل ُة النّو ِر‬


‫�سعد على بابِ‬ ‫الطف ُل ال ّليثُ ُبن ٍ‬ ‫وقف ّ‬ ‫َ‬
‫بح�سن حالِ‬‫بي ِت ِه الذي ي�شي (ي�شي ُر �إلى) ِ‬
‫أجال (�أدا َر وح ّر َك)‬ ‫�أ�صحا ِب ِه وثرا ِئ ُه ْم‪ ،‬و� َ‬
‫نظ َر ُه بعيد ًا في حقولِ قري ِت ِه َق ْلق ََ�شن َْد َة‬
‫التي تق ُع في جنوبِ م�ص َر‪ ،‬وتبع ُد‬
‫عن القاهر ِة مقدا َر ثالث ِة فرا�سخَ‬
‫فر�سخ‪ ،‬وه َو ثالث ُة �أميالٍ )‬ ‫(جم ُع ٍ‬
‫حيثُ ُو َلد �سن َة ‪ 94‬للهجر ِة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ت��ن��فّ��� َ��س ب��ع��م��قٍ ‪ ،‬وه َ��و‬
‫الطبيع ِة‬ ‫ي�ست�س ِل ُم لجمالِ ّ‬
‫ون���ق���ا ِء ال����ه����وا ِء‪ ،‬و����ش��� َر َع‬
‫(ب�����د َ�أ) ي��ب��ح ُ��ث ع��ن � ٍ‬
‫��ش��يء‬
‫يلفت نظ َر ُه وي�س ّلي ِه‪ ،‬فما َ‬
‫وجد‬ ‫ُ‬
‫ال�صبي ِة ولع ِب َهم ما يعني ِه‬ ‫ِم ْن له ِو ّ‬
‫اهتمام ُه‪� ،‬ش�أن‬
‫َ‬ ‫(يه ّم ُه)‪� ،‬أو يثي ُر‬
‫ولكن حلق ُة‬ ‫(مثل) ك ِّ��ل الأط��ف��الِ ‪ّ ،‬‬
‫��اب (م��ك��انٍ �صغيرٍ‬ ‫ال�صبي ِة في ك�� ّت ِ‬ ‫ّ‬
‫ال�صبي ِة ال��ق��راء ِة والكتاب ِة‬ ‫لتعليم ّ‬ ‫ِ‬
‫أ�شعلت في قل ِب ِه جذو َة (�شعل َة)‬
‫اهتمام ُه) و� ْ‬
‫َ‬ ‫خطفت ل َّب ُه ْ‬
‫(نالت‬ ‫ْ‬ ‫هي ما‬ ‫الكريم) القري ِة َ‬ ‫ِ‬ ‫وحفظ القر�آنِ‬ ‫ِ‬
‫ويحفظون‬
‫َ‬ ‫ـون القراء َة والكتاب َة‪،‬‬ ‫ذلك ِ‬
‫الوقت) يتع ّلم َ‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ (في َ‬ ‫كان ال�صبي ُة‬ ‫العلم والتع ّل ِم‪َ .‬‬ ‫حب ِ‬ ‫ِّ‬

‫‪67‬‬
‫يث �إلى‬ ‫عندها �أ�سر َع ال ّل ُ‬
‫وي�صح ُح) �أم َر ُهم‪َ ،‬‬‫ّ‬ ‫جال�س بي َن ُهم‪ ،‬يق ّو ُم (يع ّد ُل‬
‫الكريم‪ ،‬و�شيخُ ُهم ٌ‬ ‫َ‬ ‫القر� َآن‬
‫اب‬ ‫)ال�صغيرتين متجه ًا �إلى بي ِت ِه‪ ،‬وعا َد �سريع ًا �إلى الك ّت ِ‬ ‫(رك�ض �سريع ًا ّ‬ ‫َ‬ ‫منز ِل ِه‪ ،‬و� َ‬
‫أطلق لل ّر ِيح �ساق ْي ِه‬
‫اب‪ ،‬وا�ستع َّد ببراء ٍة طفول ّي ٍة‬‫واند�س في حلقـ ِة الك ّت ِ‬
‫َّ‬ ‫ويحمل قلم ًا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إبط ِه) �أوراق ًا‪،‬‬‫تحت � ِ‬
‫أبط (ي�ض ُع َ‬ ‫يت� ُ‬
‫‪68‬‬
‫ونف�س يمل ؤ� َُها �إيما ٌن طاه ٌر‪،‬‬ ‫(محب ب�ش ّد ٍة) بالمعرف ِة‪ٍ ،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫�شغوف‬ ‫العلم ٍ‬
‫بقلب‬ ‫ينهل (ي�أخذَ ) مـن ِ‬ ‫كي َ‬
‫متعط�ش ٍة �إلى نو ِر االت�صالِ باهلل ِ عبرِ (بطريق ِة) التف ّق ِه بدي ِن ِه‪ ،‬وال ّدعو ِة �إلى عباد ِت ِه‪،‬‬ ‫وبروح ّ‬ ‫ٍ‬
‫والعملِ على مر�ضا ِت ِه‪.‬‬
‫ولل�صبي ِة الذين يجل�سون على مقرب ٍة م ْنهُ‪ ،‬وته ّي َ�أ‬ ‫اب‪ّ ،‬‬ ‫ال�صغي ُر ال ّليثُ ِ‬
‫ل�شيخ الك ّت ِ‬ ‫الطف ُل ّ‬ ‫ابت�سم ّ‬
‫َ‬
‫�سعد بن عبد‬ ‫يث ِبن ٍ‬ ‫�سعد ِبن ال ّل ِ‬ ‫بن ٍ‬ ‫بنف�س ِه قائ ًال‪� :‬أنا ال ّليثُ ُ‬ ‫در�س عل ٍم في حيا ِت ِه‪ ،‬وع ّر َف ِ‬ ‫أخذ �أ ّو َل ِ‬ ‫ل ِ‬
‫أ�صبهان (مدين ٍة في‬ ‫َ‬ ‫إيران) من �أهلِ �‬ ‫الفر�س (�أهلِ � َ‬ ‫ِ‬ ‫الفهمي‪� ،‬أه ُل بيتي يقولون �إ ّننا من‬ ‫ّ‬ ‫حمن‬
‫ال ّر ِ‬
‫خالد ِبن‬ ‫حمن ِبن ٍ‬ ‫عبد ال ّر ِ‬ ‫قي�س ِبن رفاع َة‪ ،‬وهو مولى ِ‬ ‫(هم العبي ُد المح ّررون) ٍ‬ ‫إيران)‪ ،‬و�إ ّننا موالي ُ‬ ‫� َ‬
‫إ�سالم �إلى الب�شر ّي ِة‪.‬‬
‫الفهمي‪ ،‬ولك ّنني م�سل ٌم‪� ،‬أفخ ُر بحملِ ر�سال ِة ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫م�سافرٍ‬
‫والعلوم‬
‫ِ‬ ‫الحديث والفق ِه‬
‫ِ‬ ‫درو�س‬
‫يث َ‬ ‫هم ِب ِه المر ُء من �أمرٍ ليفع َل ُه) عالي ٍة بد�أَ ال ّل ُ‬ ‫وبهم ٍة (ما َّ‬
‫نبوغ ُه (براع ُت ُه و�إجاد ُت ُه) المب ّك ُر‪ ،‬وذكا ؤ�ُ ُه الفري ُد عون ًا َل ُه‬ ‫وكان ُ‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬‫ف�سبق زمال َء ُه في َ‬ ‫العرب ّي ِة‪َ ،‬‬
‫فكيرِ ‪ ،‬قادر ًا على‬ ‫عميق ال ّت ِ‬ ‫قوي الذّاكر ِة‪ ،‬ج ّي َد الح ِف ِظ‪َ ،‬‬ ‫كان َّ‬ ‫فقد َ‬ ‫ُ‬
‫ويحفظ‪ْ ،‬‬ ‫كل ما يتع ّل ُم‬ ‫على �إتقانِ ِّ‬
‫ِ‬
‫(البعيد)‬ ‫الحترام القا�صي‬ ‫ِ‬ ‫أ�صبح �أه ًال (ي�ستحقُ )‬ ‫و�سرعان ما � َ‬ ‫َ‬ ‫والفهم وال ِ‬
‫إدراك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اال�ستنباط‬
‫وورع�� ِه (خو ِف ِه من اهللِ)‪،‬‬ ‫بعلم ِه ِ‬ ‫ولفت الأنظا َر �إلي ِه ِ‬ ‫وال ّداني (القريبِ )‪َ ،‬‬
‫بين �أه�� ِل�� ِه‪ ،‬الذين‬ ‫أ�صبحت) َل�� ُه مكان ٌة كبير ٌة َ‬ ‫ْ‬ ‫وباتت (�‬ ‫ْ‬
‫�أدركوا (عرفوا) ف�ض َل ُه‪ ،‬وق ّدمو ُه (جعلو ُه مق ّدم ًا)‬
‫ال�صغي ُر لم‬ ‫على َم ْن �سوا ِه (غيرِ ِه)‪ّ ،‬‬
‫ولكن الفتى ّ‬
‫(ي�صاب بالغرورِ) بهذ ِه ال�شّ هر ِة‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫يغت ّر‬
‫‪69‬‬
‫(ي�ست�سلم) �إلى الك�سلِ ‪ ،‬بل ا�ستم َّر يتع ّل ُم‪ ،‬ويتز ّو ُد‪ ،‬وينه ُل من العلما ِء‪ ،‬ويقب ُل‬
‫ْ‬ ‫يركن‬
‫ولم ْ‬
‫التّقديرِ ‪ْ ،‬‬
‫ي�صبح عالم ًا َل ُه حلق ٌة‬
‫َ‬ ‫(بولع ورغب ٍة) على الكتبِ وعلى القراء ِة‪ ،‬حتى � َآن (جا َء ُ‬
‫وقت) َل ُه � ْأن‬ ‫بنهم ٍ‬‫ٍ‬
‫(توج َه �إلي ِه) طالبو ِ‬
‫العلم‪.‬‬ ‫ق�ص َد ُه ّ‬‫بعد � ْأن َ‬
‫العلم‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫حلقات ِ‬ ‫من‬
‫‪70‬‬
‫العلم‬
‫م�سير ُة ِ‬
‫العلم لتر�ضى بنهاي ٍة ِ‬
‫للعلم والتع ّل ِم‪،‬‬ ‫المزيد من ِ‬ ‫ِ‬ ‫يث التائق ُة (ال ّراغب ُة) دائم ًا �إلى‬ ‫نف�س ال ّل ِ‬ ‫تكن ُ‬ ‫ْلم ْ‬
‫�صقع‪ ،‬وهي النّاحي ُة)‬ ‫كل مكانٍ ‪ ،‬ويطل ُب ُه في �أ�صقا ِع (جم ُع ٍ‬ ‫العلم في ِّ‬
‫يبحث عن ِ‬ ‫طفق (بد َ�أ) ُ‬ ‫فقد َ‬ ‫لذلك ْ‬ ‫َ‬
‫عدد كبيرٍ من كبا ِر علما ِء ع�صرِ ِه في‬ ‫العلم على �أيدي ٍ‬ ‫م�ص َر و�أقاليم َها و�سائرِ ديا ِر الم�سلمين‪ .‬فتلقّى َ‬
‫الحرام وزيار ِة قبرِ الم�صطفى‬ ‫ِ‬ ‫بيت اهلل ِ‬ ‫نف�س ُه في عام ‪ 113‬للهجر ِة �إلى زيار ِة ِ‬ ‫م�ص َر‪ ،‬ثم ا�شتا َق ْت ُ‬
‫ابن ع�شرين �سن ًة‪ ،‬و�أع َّد َ‬
‫نف�س ُه‬ ‫لل�سفرِ ) وهو ُ‬ ‫محمد –�ص ّلى اهلل ُ علي ِه و�س ّل َم‪ ،-‬ف�ش َّد رحا َل ُه (ته ّي َ�أ ّ‬ ‫ٍ‬
‫ر�سوخ ِه‬
‫غم من ِ‬ ‫كل مكانٍ على ال ّر ِ‬ ‫كانت منت�شر ًة في ِّ‬ ‫العلم التي ْ‬ ‫بحلقات ِ‬ ‫ِ‬ ‫التحق عب َر ُه‬‫َ‬ ‫لل�سفرِ ‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬
‫ابن عم َر‪،‬‬ ‫ونافع مولى ِ‬ ‫وابن �أبي ملكي َة‪ٍ ،‬‬ ‫رباح‪ِ ،‬‬ ‫العلم)‪ ،‬والتقى بالعطا ِء ِبن �أبي ٍ‬ ‫العلم (تم ّك ِن ِه من ِ‬ ‫في ِ‬
‫العلم في �سن ِة ‪ 161‬للهجر ِة‪،‬‬ ‫للمزيد من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك �إلى بغداد طلب ًا‬ ‫بعد َ‬ ‫هري‪ ،‬ثم �ساف َر َ‬ ‫�شهاب ال ّز ّ‬ ‫وابن ِ‬ ‫ِ‬
‫و�شهد الأ�ضحى في بغداد‪.‬‬ ‫�شعبان‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وذلك في‬
‫العلم حتى وهو فقي ُه ال ّديا ِر الم�صر ّي ِة‪ ،‬وعال ُم َها‪ ،‬ومفخر ُة ال ِ‬
‫أقاليم في َها‪،‬‬ ‫يطلب َ‬ ‫يث ُ‬ ‫زال ال ّل ُ‬ ‫وما َ‬
‫حفظ القر�آنِ وتف�سير ِه وفق ِه‬ ‫قد تواف َر َل ُه ك َّل الف�ضلِ في ِ‬ ‫العلم والإفتا ِء‪َ ،‬‬
‫وكان ْ‬ ‫حلقات ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور� ُأ�س �أكبرِ‬
‫يث‪،‬‬ ‫حلم ال ّل ِ‬
‫العربي البلي ِغ �إلى � ْأن تحق َّق ُ‬ ‫ّ‬ ‫وح�سن المذاكر ِة وف�صاح ِة ال ّل�سانِ‬ ‫ِ‬ ‫ال�شعرِ‬‫وحفظ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫النّح ِو‬
‫أ�صبح)‬ ‫إ�سالمي ون�صر ِت ِه ون�شرِ ِه‪ ،‬وغدا (� َ‬
‫ّ‬ ‫أ�صبح من �أكبرِ علما ِء ا أل ّم ِة القائمين على خدم ِة ال ّد ِين ال‬ ‫و� َ‬
‫ولزم ُه والي م�ص َر و�سلطا ُن َها وقا�ض َيها‬ ‫وعلم ِه) العا ّمة‪َ ،‬‬ ‫(�شهدت بتفو ِق ِه ِ‬
‫ْ‬ ‫فدانت‬
‫ْ‬ ‫فقي َه م�ص َر الأ ّو َل‪،‬‬
‫يوم �أربعاء‪ ،‬في�شاورو َن ُه في �أمو ِر ال ّرعي ِة‬ ‫كل ِ‬ ‫يعقد في ِّ‬ ‫علم ِه الذي َ‬ ‫مجل�س ِ‬ ‫َ‬ ‫وناظ ُر َها‪ ،‬فكانوا يح�ضرونِ‬
‫أمان)‬ ‫وهي العه ُد وال ُ‬‫ذمم ُهم (جم ُع ذم ٍة‪َ ،‬‬ ‫�سعد رقيب ًا على ِ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث ُ‬ ‫وال ّدول ِة‪ ،‬ويطيعون �أم َر َه؛ �إذْ َ‬
‫كان ال ّل ُ‬
‫‪71‬‬
‫كتب �إلى �أميرِ الم�ؤمنين‪ ،‬ليعز َل ُهم عن وظائ ِفهِ م‪،‬‬ ‫و�أمانا ِتهِ م‪ ،‬ف� ْإن حادوا (خرجوا) عن طريقِ الهدى‪َ ،‬‬
‫العبا�سي �أبو جعفرٍ المنّ�صو ُر‬ ‫ُّ‬ ‫ر�ض علي ِه الخليف ُة‬ ‫وقد َع َ‬ ‫والتقي‪ ،‬كيف ال ؟! ْ‬ ‫ُّ‬ ‫وه ُو الم�سمو ُع الكلم ِة‪ ،‬والثق ُة‪،‬‬
‫يث‪" :‬ال‬ ‫ي�صبح والي ًا علي َها‪َ ،‬‬
‫فقال َل ُه ال ّل ُ‬ ‫َ‬ ‫أقاليم م�ص َر‪ ،‬و� ْأن‬‫ي�صبح نا ِئ َب ُه ووالي ًا َل ُه) َل ُه على � َ‬ ‫َ‬ ‫ينوب (� ْأن‬‫�أن َ‬
‫بك‬ ‫فقال �أبو جعفرٍ المنّ�صو ُر‪" :‬ما َ‬ ‫ذلك‪ ،‬إ� ّني رج ٌل ِم ْن الموالي"‪َ .‬‬ ‫أ�ضعف ِم ْن َ‬ ‫يا �أمي َر الم�ؤمنين‪� ،‬إ ّني � ُ‬
‫تكون والي ًا)"‪.‬‬
‫ترغب في � ْأن َ‬ ‫ذلك لي (� ّأي لم ْ‬ ‫نيتك في العملِ عن َ‬ ‫�ضعفت ُ‬ ‫ْ‬ ‫�ضعفٌ معي‪ ،‬ولكن‬
‫بيت المالِ مئ َة‬ ‫يوم � ْأن يتو ّلى الق�ضا َء‪ ،‬ويعطي ِه من ِ‬ ‫ذات ٍ‬ ‫المهدي َ‬ ‫ُّ‬ ‫العبا�سي‬
‫ُّ‬ ‫ر�ض علي ِه الخليف ُة‬ ‫كذلك َع َ‬ ‫َ‬
‫ـدت اهلل َ أ� ّال �ألي (�أ�صب ُـح والي ًا) �شيئ ًا‪ ،‬و�أعي ُـذ‬ ‫وقال معتذر ًا‪�" :‬إ ّني عاه ُ‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬ ‫يث َ‬ ‫فرف�ض ال ّل ُ‬
‫َ‬ ‫درهم‪،‬‬
‫ألف ٍ‬ ‫� ِ‬
‫انطلق‪ ،‬فق ْـد �أعفيت َُك"‪ .‬وال‬ ‫(تعج َب) ْ‬ ‫المهدي‪" :‬اهلل !!! ّ‬ ‫ُّ‬ ‫�أمي َر الم�ؤمنين باهلل �أ ّال �أفي بعهدي"‪َ .‬‬
‫فقال َلـ ُه‬
‫العلم الذي كان بحقٍ �سا َد َن ُه‬ ‫لي�شتغل بالوالي ِة �أو الق�ضا ِء عن ِ‬ ‫َ‬ ‫كان ال ّل ُ‬
‫يث‬ ‫ذلك‪ ،‬فما َ‬ ‫عجب) في َ‬ ‫غر َو (ال َ‬
‫ٌ‬
‫ومالك‬ ‫ّا�س"‪،‬‬‫�سعد ل�ض َّل الن ُ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث ُ‬ ‫أن�س وال ّل ُ‬ ‫بن � ٍ‬ ‫مالك ُ‬ ‫كان النّا�س يقولون‪" :‬لوال ٌ‬ ‫ذلك َ‬ ‫(خادم ُه)‪ ،‬وفي َ‬ ‫َ‬
‫أحد المذاهبِ الفقه ّي ِة‬ ‫و�صاحب � ِ‬ ‫َ‬ ‫عالم الأ ّم ِة‪ ،‬وفقي َه المدني ِة المن ّور ِة‬ ‫كان َ‬ ‫الوقت) َ‬ ‫ذلك ِ‬ ‫حينئذ (في َ‬ ‫ٍ‬
‫علم ِه وفقه ِه ون�شر ِه‬ ‫بتدوين ِ‬
‫ِ‬ ‫خام�س‪ ،‬إ� ّال � َّأن تالميذَ ُه لم يقوموا‬ ‫ٌ‬ ‫فقهي‬
‫مذهب ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫يكون ِ‬
‫لليث‬ ‫الأربع ِة‪ ،‬بل كا َد ُ‬
‫يث �أفق ُه‬ ‫افعي‪" :‬ال ّل ُ‬‫إمام ال�شّ ُّ‬ ‫قال ال ُ‬ ‫مالك‪ ،‬وكثير ًا ما َ‬ ‫ـام ٍ‬ ‫تالميذ ا إلم ِ‬ ‫ُ‬ ‫كل مكانٍ ) كما َ‬
‫فعل‬ ‫في الآفاقِ (في ِّ‬
‫إمام‬
‫وكان ال ُ‬ ‫أتباع ُه – لم يقوموا ِب ِه (� ّأي لم ين�شروا عل َم ُه) َ‬ ‫مالك �إال � َّأن �أ�صحا َب ُه – يعني تالميذَ ُه و� َ‬ ‫من ٍ‬
‫ِ‬
‫الحديث"‪.‬‬ ‫�صحيح‬
‫ُ‬ ‫يث ثق ٌة َث َب ٌت (حج ٌة ُيوثقُ به)‪ ،‬كثي ُر العلم‪،‬‬ ‫يقول‪" :‬ال ّل ُ‬ ‫بن حنبلٍ ُ‬ ‫�أحم ُد ُ‬

‫‪72‬‬
‫أن�س الذي‬ ‫مالك ِبن � ٍ‬‫�سعد �أكث َر علم ًا وفقه ًا من �صدي ِق ِه ومعا�صرِ ِه ٍ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث َ‬ ‫وكثي ٌر من العلما ِء ر�أوا � َّأن ال ّل َ‬
‫قواعد مذه ِب ِه (منهجِ ِه وطريق ِت ِه)‬ ‫يعر�ض ك ُّل من ُه َما في َها ِ‬ ‫مرا�سالت علمي ٌة كثيرةٌ‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وبين ال ّل ِ‬
‫يث‬ ‫كان بي َن ُه َ‬ ‫َ‬
‫رفيع‪.‬‬
‫إ�سالمي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫قوي‪ ،‬وبلغ ٍة ف�صيح ٍة جميل ٍة‪ ،‬وخلقٍ �‬ ‫أ�سلوب ٍّ‬‫ويدا ُف ُع عن َها‪ ،‬وي ّر ُد على �صاح ِب ِه ب� ٍ‬
‫أحاديث كثير ٌة في ُكتبِ‬‫ٌ‬ ‫ب�صحيحها‪ ،‬و َل ُه �‬ ‫ِ‬ ‫ّبي‪ ،‬وعارف ًا‬ ‫أحاديث الن ِّ‬‫�سعد حافظ ًا ل ِ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث ُ‬ ‫وكان ال ّل ُ‬
‫َ‬
‫حاح‪.‬‬
‫ال�ص ِ‬ ‫ّ‬
‫نتدب ( ُيختا ُر مندوب ًا وممث ًال) من علما ِء ع�صرِ ِه ال �سيما �أ�ساتذته َ‬
‫ليكون‬ ‫كان ُي ُ‬ ‫يث �أ َّن ُه َ‬ ‫علم ال ّل ِ‬‫وبل َغ من ِ‬
‫كل م�س�أل ٍة مع�ضل ٍة (م�شكل ٍة �صعب ٍة)‬ ‫�شيد في ِّ‬ ‫مق�صد الخليف ِة ال ّر ِ‬ ‫َ‬ ‫كان‬
‫كذلك َ‬ ‫المناظرات‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫المجادل في‬
‫بن داو َد قائ ًال‪:‬‬ ‫يعقوب َ‬
‫َ‬ ‫المهدي وزي َر ُه‬
‫ُّ‬ ‫وقد �أو�صى‬‫ي�س َر ُه اهلل ُ َل ُه‪ْ .‬‬
‫ت�صعب علي ِه‪ ،‬فيحلُّ َها ال ّليثُ بعل ِّم ِه الذي ّ‬ ‫ُ‬
‫حمل من ُه"‪.‬‬‫أعلم بما َ‬ ‫يبق �أح ٌد � ُ‬ ‫ثبت عندي �أ ّن ُه لم َ‬ ‫فقد َ‬ ‫�سعد– ْ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث َ‬ ‫ال�ش َيخ –يعنى ال ّل َ‬ ‫"الزم هذا ّ‬ ‫ْ‬
‫القد�س‬
‫ِ‬ ‫المقد�س (مدين ِة‬
‫ِ‬ ‫�سعد في ِ‬
‫بيت‬ ‫بن ٍ‬‫يث ُ‬‫العبا�سي �أبو جعفرٍ المنّ�صو ُر ل ّما و ّد َع ال ّل ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وقال الخليف ُة‬ ‫َ‬
‫جعل في رعيتي مث َل َك"‪.‬‬ ‫هلل الذي َ‬ ‫وعلم ِه‪" :‬الحم ُد ِ‬ ‫وقد �أعج َب ُه ما ر�أى من ذكا ِئ ِه وحكم ِت ِه ِ‬ ‫في فل�سطين)‪ْ ،‬‬
‫ال�صحابي الجلي ُل‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ّان‪ ،‬وه َو‬ ‫بن عف َ‬ ‫عثمان َ‬ ‫َ‬ ‫أهل م�ص َر ينتق�صون‬ ‫يجد � َ‬‫�سعد �أن َ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث ُ‬ ‫وقد � َآلم ال ّل ُ‬
‫انتقا�ص ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فح َّدث ُهم طوي ًال بف�ض ِل ِه ومكان ِت ِه‪ ،‬ف�أج ّلو ُه‪ ،‬وكفّوا (توقفوا) عن‬

‫‪73‬‬
‫الإما ُم ال ّ�سخي‬
‫كل من‬ ‫�سعد كرم ًا و�سخا ًء وعطا ًء وح ّب ًا على ِّ‬
‫يث ِبن ٍ‬ ‫ِ‬
‫الحارث ال ّل ِ‬ ‫إمام �أبي‬
‫نف�س ال ِ‬
‫فا�ضت ُ‬‫ْ‬
‫والم�ساكين ح ٌق معلو ٌم في ِه‪ ،‬و� َّأن ّ‬
‫الغني ه َو‬ ‫َ‬ ‫مال اهللِ‪ ،‬و� ّأن للفقرا َء‬ ‫حو ِل ِه‪ ،‬ف�إيمان ِه ب� َّأن َ‬
‫المال هو ُ‬

‫‪74‬‬
‫(يكرم‬
‫ُ‬ ‫يطيب نف�س ًا‪ ،‬ويجو ُد‬ ‫يوم القيام ِة جع َل ُه ُ‬ ‫ورك َل ُه في ميزانِ ح�سنا ِت ِه َ‬ ‫من ُب َ‬
‫فكان‬‫بارك َل ُه في ما ِل ِه وفي تجار ِت ِه‪َ ،‬‬ ‫ذلك ب� ْأن َ‬ ‫ب�شد ٍة) يد ًا‪ ،‬و�أعا َن ُه اهلل ُ على َ‬
‫والم�ساكين �أكث َر‬
‫ِ‬ ‫كل �سن ٍة من ما ِل ِه على الفقرا ِء‬ ‫تاجر ًا ثر ّي ًا وكريم ًا‪ ،‬ينفقُ في ِّ‬
‫ال�شي ِء للم�ستقبلِ ) من َها‬ ‫بجزء من ّ‬ ‫(يحتفظ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ألف دينارٍ‪ ،‬وال ي ّدخ ُر‬ ‫من خم�سين � َ‬
‫تجب علي ِه زكا ٌة ُّ‬
‫قط‬ ‫العام‪ ،‬وعلي ِه ديو ٌن‪ ،‬فال ُ‬ ‫لنف�س ِه‪ ،‬بل ينتهي ُ‬ ‫�شيئ ًا ِ‬
‫ُ‬
‫الحول‬ ‫يحول علي ِه‬
‫قبل � ْأن َ‬ ‫بكل ما ِل ِه َ‬ ‫(�أبد ًا)؛ �إذ كان يت�ص ّدقُ ِّ‬
‫(العام)‪.‬‬
‫ُ‬
‫يوم على ثالثمئ ٍة‬ ‫كان يت�ص ّدقُ في ِّ‬
‫كل ٍ‬ ‫كرم ال ّل ِ‬
‫يث �أ ّن ُه َ‬ ‫وبل َغ من ِ‬
‫ال�شتا ِء‪،‬‬‫و�سمن البقرِ في ّ‬ ‫َ‬ ‫ع�سل النّحلِ‬ ‫ّا�س َ‬ ‫ويطعم الن َ‬ ‫ُ‬ ‫م�سكين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫زمن‬‫ّ�صف الثاني من ِ‬ ‫ويجعل الن َ‬ ‫ُ‬ ‫ال�ص ِ‬
‫يف‪،‬‬ ‫وال�سك َر في ّ‬ ‫وال ّلو َز ّ‬
‫ّا�س ولحوائجِ ُهم‪ ،‬ال‬ ‫يوم �أربعاء لم�سائلِ الن ِ‬ ‫كل ِ‬ ‫مجل�س ِه في ِّ‬
‫ِ‬
‫�صغرت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫كبرت حاج ُت ُه �أم‬ ‫فيرد ُه‪ْ ،‬‬ ‫ي�س أ� َل ُه �أح ٌد َّ‬

‫‪75‬‬
76
‫أكل‬ ‫وقالت َل ُه‪" :‬يا �شيخَ نَا � َّإن لي ابن ًا مري�ض ًا ي�شتهي � َ‬ ‫ذات يو ٍم‪ْ ،‬‬ ‫وقد جاء َت ُه امر�أ ُة َ‬
‫ْ‬
‫(المرط مئ ٌة وع�شرون رط ًال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يث‪" :‬يا ُغالم‪� ،‬أعط َها مرط ًا"‬ ‫فقال ال ّل ُ‬
‫الع�سلِ "‪َ .‬‬
‫الحجم‪ ،‬فلما ر�آ ُه‬
‫ِ‬ ‫وكان مع المر�أ ِة إ�ن��ا ٌء �صغي ٌر‬ ‫طل ثالثة كيلو) من ع�سلٍ ‪َ ،‬‬ ‫وال ّر ُ‬
‫طلبت‬ ‫يث‪�" :‬إنَّها ْ‬ ‫تطلب قلي ًال من الع�سلِ "‪َ .‬‬
‫فقال ال ّل ُ‬ ‫قال‪" :‬يا �شيخَ نَا‪� ،‬إ ّن َها ُ‬ ‫الغالم‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫المرط كام ًال‪.‬‬
‫َ‬ ‫ونحن نعط َيها على قد ِر َنا"‪ .‬و�أم َر ُه � ْأن يعط َيها‬ ‫على قدر َِها‪ُ ،‬‬
‫ألف دينارٍ‪ ،‬وكثير ًا‬ ‫ابن لهيع َة‪ ،‬فو�ص َل ُه ال ّليثُ (�أعطا ُه) ب� ِ‬ ‫إمام ِ‬ ‫واحترقت دا ُر ال ِ‬
‫ْ‬
‫وان كانوا‬ ‫العلم‪ ،‬ويعينهم على ِ‬
‫معا�ش ُهم‪ْ ،‬‬ ‫كان ي�ص ُل العلما َء وط ّالبِ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كان ي�ص ُل ال َ‬
‫إمام‬ ‫خارج م�ص َر‪ ،‬فقد ُروي �أ َّن ُه َ‬ ‫يقطنون (ي�سكنون) َ‬
‫مالك �إلي ِه يوم ًا‬
‫وكتب ٌ‬ ‫ال�سن ِة‪َ ،‬‬ ‫أن�س بمئ ِة دينا ٍر في ّ‬ ‫مالك ًا َبن � ٍ‬
‫يخب ُر ُه ب� َّأن علي ِه دين ًا‪ ،‬فبعثَ �إلي ِه ال َّليثُ‬
‫ع��ل��ى ال���ف���و ِر بخم�سمئ ٍة‬
‫دي��ن��ارٍ‪ ،‬وعندما � َآن‬
‫������ت)‬
‫��������ان وق ُ‬
‫(ح َ‬
‫م��وع�� ُد زف ِ‬
‫��اف‬
‫ابنت ِه َ‬
‫طلب‬

‫‪77‬‬
‫فبعث �إلي ِه ال ّليثُ ح ّب ًا وكرام ًة (ب�سعاد ٍة‬
‫ير�سل َل ُه �شيئ ًا من ُع�صفرٍ (�صبغ ٍة ل ُو َنها �أ�صف ُر) َ‬
‫يث �أن َ‬ ‫من ال ّل ِ‬
‫(الحمل ما تحم َل ُه ال ّداب ُة الواحدةَ) ُع�صفر ًا‪ ،‬فبا َع من ُه بخم�سمئ ِة دينارٍ‪َ ،‬‬
‫وبقي‬ ‫َ‬ ‫ورغب ٍة) ثالثين حم ًال‬
‫عند ُه ف�ضل ٌة (زيادةٌ)‪.‬‬
‫َ‬
‫‪78‬‬
‫أن�س طبق ًا‬
‫بن � ٍ‬ ‫مالك ُ‬ ‫بعث �إلي ِه ال ُ‬
‫إمام ٌ‬ ‫�سعد المدين َة المن ّورةَ‪َ ،‬‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث ُ‬ ‫وعندما زا َر ال ّل ُ‬
‫مالك فارغ ًا‪،‬‬
‫إمام ٍ‬ ‫الط َبق �إلى ال ِ‬ ‫يث في �أن ير َّد ّ‬ ‫يرغب ال ّل ُ‬
‫من ال ّرطبِ (ال َّتمرِ )‪ ،‬فلم ْ‬
‫ألف دينارٍ‪.‬‬‫أر�سل �إلي ِه في ِه � َ‬‫ف� َ‬
‫الم�سلم �أن يظه َر نعم َة اهلل علي ِه‪ ،‬و�أن َ‬
‫ي�سعد‬ ‫ِ‬ ‫�سعد ب� َأن من واجبِ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث ُ‬ ‫آمن ال ّل ُ‬
‫و� َ‬
‫الف�سطاط (مدين ِة م�صر العتيق ِة التي‬ ‫ِ‬ ‫بكل لذ ٍة ونعم ٍة حاللٍ ‪ ،‬فبنى دار ًا كبير ًة في‬ ‫ِّ‬
‫وجعل فيها حديق ًة‬ ‫يقارب) ع�شرون باب ًا‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫بناها عمرو بن العا�ص)‪َ ،‬لها نح َو (ما‬
‫كتب‪.‬‬‫مليئ ًة بالأ�شجا ِر والزّهرِ وال ّريحانِ ‪ ،‬وملأ دا َر ُه بما ا�ستطا َع الو�صولِ �إلي ِه من ٍ‬
‫نف�س ُه يومين متتاليين‪،‬‬ ‫وب َ‬ ‫يلب�س ال ّث َ‬ ‫ال�سن ِة‪ ،‬فما ُ‬ ‫ـام ّ‬ ‫يث ثياب ًا بعد ِد �أي ِ‬ ‫عند ال ّل ِ‬‫وكان َ‬ ‫َ‬
‫حم في‬ ‫ويخرج للتن ّز ِه في الحدائقِ والأ�سواقِ ‪ ،‬وي� ُ‬
‫أكل ال ّل َ‬ ‫ُ‬ ‫عام‪،‬‬
‫الط ِ‬‫ينعم ب�أطيبِ ّ‬ ‫وكان ُ‬ ‫َ‬
‫يوف)‪.‬‬ ‫(ال�ض ِ‬ ‫ّا�س ّ‬ ‫عام �إال مع الن ِ‬ ‫الط ِ‬ ‫يجل�س �إلى ّ‬ ‫يوم‪ ،‬وال ُ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫����ام م��ال ُ��ك ب ُ��ن أ�ن��� ٍ��س ب�ش�أ ِن ِه (ب���أم��رِ ِه)‬
‫علم الأم ُ‬ ‫وعندما َ‬
‫(الخبز‬
‫َ‬ ‫كتب �إلي ِه معاتب ًا‪" :‬بلغني �أ ّن َ��ك ت� ُ‬
‫أكل ال�� ّرق��اقَ‬ ‫َ‬
‫الثياب‬
‫َ‬ ‫وتلب�س ال�� ّرق��اقَ (� ّأي‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫المنب�سط ال�� ّرق��ي َ��ق)‪،‬‬
‫ال ّرقيق َة ال��ف��اخ��رةَ) وتم�شي في ا أل���س��واقِ ‪َ ،‬‬
‫فكتب‬
‫قل َم ْن ح ّر َم زين َة ا ِ‬
‫هلل‬ ‫"قال تعالى‪ْ :‬‬ ‫يث‪َ :‬‬ ‫�إلي ِه ال ّل ُ‬

‫‪79‬‬
‫هي للذين �آمنوا في الحيا ِة ال ّدنيا خال�ص ًة َ‬
‫يوم‬ ‫يبات من ال ّرزقِ قل َ‬ ‫أخرج لعبا ِد ِه ّ‬
‫والط ِ‬ ‫التي � َ‬
‫أن�س‬
‫بن � ٍ‬ ‫أمام مالك ًا َ‬ ‫لقوم يعلمون الأع��راف (‪ ،)32‬ويبدو � َّأن ال َ‬ ‫آيات ٍ‬ ‫نف�ص ُل ال ِ‬
‫كذلك ّ‬ ‫القيام ِة َ‬
‫يث‪ ،‬ف�شر َع (بد َ�أ) ه َو الآخ ُر ُيعتني (يهت ُّم) ِ‬
‫بملب�س ِه وم�أك ِل ِه‪ ،‬ويتن ّع ُم بهِ َما‪.‬‬ ‫قد اقتن َع بر ِّد ال ّل ِ‬
‫‪80‬‬
‫كان ُ‬
‫ي�صل ال ّل َيل‬ ‫�سليم‪ ،‬وهو َم ْن َ‬ ‫يعبد اهلل َب�صح ٍة جيد ٍة‪ ،‬وبدنٍ ٍ‬ ‫يث � ْأن َ‬ ‫ولكي ي�ستطي َع ال ّل ُ‬
‫كان ُيعنى �أبل َغ العناي ِة ب�صح ِت ِه حتى ليبد َو �أ�صغ َر من �س ّن ِه ب� ٍ‬
‫أعوام‪،‬‬ ‫فقد َ‬ ‫بالنّها ِر عبادةً‪ْ ،‬‬
‫وكان يت ّب ُع �س َن َة ال ّر�سولِ –�ص ّلى اهلل ُ علي ِه‬ ‫فيظن الرائي �أ ّن ُه �أ�صغ ُر م ّم ْن هو يك ُب ُر ُهم‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫حظ ُه‬‫ج�سد ُه ح َّق ُه من ال�� ّراح�� ِة‪ ،‬ويعطي قل َب ُه َّ‬ ‫بال�صح ِة‪ ،‬فيعطي َ‬ ‫و�س ّلم– في العناي ِة ّ‬
‫ٍ‬
‫وهدوء‬ ‫ونف�س ُه ما يحتاجان �إلي ِه من �سكين ٍة‬ ‫ويهب (يعطي) عق َل ُه َ‬ ‫المرح‪ُ ،‬‬ ‫(ن�صيب ُه) من ِ‬
‫ال�صح َة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تتلف (تف�س ُد وتخ ّر ُب)‬ ‫ِ‬
‫لالنفعاالت التي ُ‬ ‫و�إيمانٍ بق�ضا ِء اهلل ِوقدر ِه تجنب ًا‬
‫ؤمن ِب ِه‬
‫�سعد ع َّما ي� ُ‬ ‫بن ٍ‬ ‫يث ُ‬ ‫َ‬
‫لي�شغل ال ّل ُ‬ ‫نعيم الحيا ِة ما َ‬
‫كان‬ ‫ولكن َ‬ ‫َّ‬
‫والقيام‬
‫ِ‬ ‫إ�سالم‪،‬‬
‫ّا�س‪ ،‬ون�شرِ ال ِ‬ ‫وتعليم الن ِ‬
‫ِ‬ ‫من �أهمي ِة تح�صيلِ ِ‬
‫العلم‪،‬‬
‫وتح�سين �أح��وال��هِ ِ��م‪،‬‬
‫ِ‬ ‫على الت�ص ّدقِ على الم�سلمين ال��ف��ق��را ِء‪،‬‬
‫كانت �آرا�ؤ ُه بمثاب ٍة‬‫والتعليم والفق ِه حتى ْ‬ ‫ِ‬ ‫فان�صرف �إلى الإفتا ِء‬
‫َ‬
‫مدر�سـ ٍة فقهي ِة‪ ،‬ولطالما �أنك َر على ال ّتجا ِر تع ّل َق‬
‫القيام‬
‫ِ‬ ‫قلوبهِ ِم بحوانيتهِ ِم‪ ،‬وتق�صيرِ ِهم في‬
‫بواجبا ِتهِ م ال ّدين ّي ِة على خيرِ وج ٍ��ه‪ ،‬ونادى‬
‫(طالب) بالعدلِ ‪ ،‬والت�ص ّدقِ على الم�سلمين‬ ‫َ‬
‫والإح�سانِ �إليهم‪.‬‬
‫‪81‬‬
82
‫ترج ُل ِ‬
‫الفار�س‬ ‫ُّ‬
‫يترج َل ال ّليثُ‬
‫كائن �أن ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫الموت م� َآل ِّ‬
‫جعلت َ‬ ‫واقت�ضت حكم ُة اهلل ِالتي ْ‬ ‫ْ‬
‫كر�سي �سخا ِئ ِه‪ ،‬و� ْأن يفارقَ محب ّي ِه‬ ‫ِّ‬ ‫ينزل عن‬ ‫علم ِه‪ ،‬و� ْأن َ‬ ‫هرم ِ‬ ‫�سعد عن ِ‬ ‫بن ٍ‬ ‫ُ‬
‫وعا�ش‬‫أنفق ما َل ُه عليهم‪َ ،‬‬ ‫وتالميذَ ُه و�سائ َر الفقرا ِء والم�ساكين الذين � َ‬
‫�شعبان ‪ 175‬للهجر ِة الموافقِ ‪16‬‬ ‫َ‬ ‫يوم الجمع ِة ‪15‬‬ ‫وذلك في ِ‬ ‫رحيم ًا بِهِ م‪َ ،‬‬
‫كانون ا أل ّو َل ‪ 791‬ميالدي‪.‬‬ ‫َ‬
‫أعظم ما ر�أى‬ ‫كانت جناز ُت ُه � َ‬ ‫خرج في جناز ِت ِه خل ٌق كثي ٌر‪ ،‬حتى ْ‬ ‫وقد َ‬ ‫ْ‬
‫بع�ض‬ ‫بع�ضهم على ٍ‬ ‫أقبل ُ‬ ‫ّا�س عليه حزن ًا عظيم ًا‪ ،‬و� َ‬ ‫وحزن الن ُ‬ ‫َ‬ ‫معا�صرو ُه‪،‬‬
‫�ضرب َل ُه ْم‬
‫َ‬ ‫المحب ال��ذي‬‫ِّ‬ ‫بعد رحيلِ الفقي ِه الحاني‬ ‫ويبكون َ‬‫َ‬ ‫يع ّزون‪،‬‬
‫هد بمنا�صبِ ال ّدنيا‪ ،‬والإن�شغالِ عن الجا ِه‬ ‫أجمل �صو َر ال ُّز ِ‬ ‫(�أعطى مثا ًال) � َ‬
‫ّا�س‪ ،‬حتى � ّأن‬ ‫بغر�س الأخالقِ العظيم ِة في ِ‬
‫نفو�س الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال�سلطانِ والمالِ‬ ‫ّ‬
‫علم ِه ال ّث ِّر (الكثيرِ والغزيرِ ) في‬ ‫قد �شغ َل ُه عن ِ‬
‫تدوين ِ‬ ‫الهدف الن َ‬
‫ّبيل ْ‬ ‫َ‬ ‫هذا‬
‫وانتقل �إلى الحيا ِة الآخر ِة �إلى جوا ِر ر ِّب ِه‪ ،‬ال يحم ُل م َع ُه‬ ‫َ‬ ‫ّفات ٍ‬
‫(كتب)‪،‬‬ ‫م�صن ٍ‬
‫يب‪ ،‬وعل َم ُه الذي �أفا َد الم�سلمين ِب ِه‪.‬‬ ‫�إ ّال عم َل ُه ّ‬
‫الط َ‬
‫فوقف يوم ًا على‬ ‫لكن القد َر لم يمهل ُه‪َ ،‬‬ ‫يث‪ ،‬ويتمنّا ُه‪ ،‬وي�سعى �إلي ِه‪َّ ،‬‬ ‫يحب لقا َء ال ّل ِ‬ ‫افعي ُّ‬‫أمام ال�شّ ُّ‬
‫وكان ال ُ‬
‫َ‬
‫تعجب يعني دعا ٌء بكثر ِة الخيرِ ) يا‬ ‫أ�سلوب ٍ‬ ‫وقال‪" :‬للهّ ِ د ُّر َك !!! (� ُ‬ ‫ال�صغرى‪َ ،‬‬ ‫قبرِ ِه في القاهر ِة في القراف ِة ّ‬
‫هد‪ ،‬والور َع"‪.‬‬ ‫َ‬
‫والعمل‪ ،‬وال ّز َ‬ ‫العلم‪،‬‬
‫لعالم‪َ :‬‬ ‫يكملن ٍ‬ ‫أخذت) �أرب َع خ�صالٍ لم َ‬ ‫زت (� َ‬ ‫قد ُح َ‬
‫أمام‪ْ ،‬‬
‫� ُ‬
‫‪83‬‬
‫ل ّون معنا‬

‫‪84‬‬
85

You might also like