You are on page 1of 8

‫الجذور الباطنية " للعالم الرقمي" الحديث ‪ :‬الكاباال و علم األرقام‬

‫فالنتين كاتاسونوف‬

‫تتجه البشرية بشكل متسارع نحو بناء " عالم رقمي "‪ ،‬دون إدراك منها في أغلب األحيان‬
‫لجذور هذا الهوس باألرقام‪.‬‬

‫"وللحياة المتدنية كانت األرقام" ‪ ..‬نيكوالي غوميليف‬

‫"يقولون أن األرقام تحكم العالم ؟‬

‫ال‪ ،‬إنهم يظهرون فقط كيف يحكمون العالم " ‪ ..‬يوهان فولفغانغ فون غوته‬

‫كلمة و رقم ‪ ،‬سمو وانحطاط‬

‫بالنسبة للكثيرين كان دخول المجتمع في العصر الرقمي مفاجئ تماما‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫االستعدادات الالزمة ألنشائه كانت قد بدأت منذ قرون عديدة ‪ ،‬ببساطة تم ذلك من دون ضجيج‬
‫ملفت للنظر ـ أي في الخفاء‪ .‬في األيام السابقة‪ ،‬كانت " الكلمة " أساس الحياة البشرية ‪،‬‬
‫اليوم‪ ،‬استبدلت الكلمة بالرقم‪ .‬والحروف التي تعبر عن الكلمة‪ ،‬بالرقم‪ ،‬والذي بدوره يعبر عن‬
‫رقم ‪.‬‬

‫قبل ألفي عام بدأت الحضارة المسيحية بالتشكل في أوروبا استنادا إلى الكتاب المقدس‪ ،‬تم‬
‫تعميد األوروبيين‪ .‬حتى أولئك األميين تذكروا الكلمات االولى من إنجيل يوحنا ‪ :‬فى البدء كان‬
‫الكلمة و الكلمة كان عند هللا و كان الكلمة هللا ( مع تنبيه القارئ على أن الجملة برمتها‬
‫المنتشاة من مقدمة يوحنا الملفق تنقض بعضها بعضا لما تحمله من إضداد صارخ وتجعل من‬
‫المسيح عليه السالم ربا ال نبيا مرسال)‪ .‬في تلك الحقبة المسيحية استخدم الناس األعداد‬
‫واألرقام‪ ،‬لكن ذلك موازة بالكلمة والحرف كان أمرا ثانويا هامشيا‪ .‬وكما قال نيكوالي‬
‫غوميليف (‪ )1921-1886‬في قصيدته الرائعة "الكلمة"‪ ،‬كانت الكلمة تشير للحياة األعلى‬
‫وكان الرقم لما هو دون ‪:‬‬

‫في ذاك اليوم ‪ .‬عندما كنت في عالم جديد ‪ ..‬أطل هللا بأمره ‪ ..‬فتوقفت الشمس بكلمة ‪ ،‬بكلمة‬
‫دمرت مدن والعقاب لم يخفق جناحيه‪ ،‬انكمشت النجوم في رعب نحو القمر‪ ،‬إذا هو بالضبط‬
‫لهيب وردي ‪ ..‬الكلمة تطفوا عاليا ‪ ..‬للحياة الهابطة كان العدد ‪ ،‬تماما كما هو حال الماشية‬
‫المنزلية الذليلة‪ .‬ألن كل ظالل المعاني واألفكار رقم ذكي ينقله ! العصر الحديث ‪ :‬أستبدلت‬
‫الكلمة بالرقم ‪.‬‬

‫بدأ االهتمام المتسارع لألوروبيين تجاه األعداد واألرقام أواخر القرون الوسطى ( عصر‬
‫النهضة ) ومع االنتقال للعصر الجديد ( بداية اإلصالح ) ‪.‬‬

‫أوال ‪ .‬من وجهة النظر االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬كان هذا التحول يعني أن أوروبا بدأت في‬
‫االنتقال والسير على قضبان الرأسمالية‪ .‬والرأسمالية – نموذج لمجتمع يصبح فيه اإلثراء هو‬
‫الهدف النهائي األعلى‪ ،‬من دون حد كمي‪ .‬يتم تقييم مدى النجاح في تحقيق الهدف عبر كمية‬
‫األموال المتراكمة (الممتلكات‪ ،‬الثروة واألصول وما إلى ذلك ) أي على شكل رقم‪ .‬غالبا ما‬
‫يعبر عن القيمة بالوحدات النقدية‪.‬‬

‫يستند تحقيق الهدف إلى معايير تتطلب أيضًا تقييما كميا‪ :‬السعر‪ ،‬التعرفة‪ ،‬سعر الفائدة‪،‬‬
‫الربحية‪ ،‬النفقات‪ ،‬الخصوم‪ ،‬األصول‪ ،‬العائد‪ ،‬الخسائر‪ ،‬األرباح‪ ،‬اإليجار‪ ،‬مؤشر األسهم‪،‬‬
‫القيمة السوقية‪ ،‬القيمة الدفترية‪ ،‬سعر الصرف‪ ،‬الهامش‪ ،‬معدل الضرائب‪ ،‬األجور‪ ،‬التكاليف‪،‬‬
‫الخصوم‪ ،‬التصنيف‪ ،‬إلخ السمات الحتمية للرأسمالية هي الميزانيات العمومية وغيرها من‬
‫الوثائق المالية‪ ،‬والعديد من العقود والعقود‪ ،‬اإلحصاءات العادية ‪ ،‬وأسعار األسهم وأكثر من‬
‫ذلك بكثير التي تتكون كليا أو أساسا من األرقام واألرقام‪ .‬السمات الحتمية للرأسمالية هي‬
‫الميزانيات العمومية والوثائق المالية المختلفة األخرى‪ ،‬والعديد من االتفاقات والعقود ‪،‬‬
‫واإلحصاءات المنتظمة ‪ ،‬وأسعار األسهم وأكثر من ذلك بكثير ‪ ،‬والتي تتكون بالكامل أو بشكل‬
‫أساسي من أعداد وأرقام‪.‬‬

‫اللغة اليومية للناس تغيرت جذريا‪ ،‬ففي الخطاب االوروبي أوائل القرون الوسطى‪ ،‬كانت‬
‫الكلمات التي تعبر عن الكمية نادرة‪ ،‬كانت هنالك كلمات " قليل" "كثير" "عدة" إلخ ‪ .‬لكن‬
‫بالفعل في القرن التاسع عشر وبشكل أوسع في القرن العشرين دخلت الكلمات التي تحدد‬
‫الكمية بقوة في ا لمحادثات ‪ ،‬ليست كلمات من قبيل " كثير أو قليل " إنما الكلمات ذات المعنى‬
‫العددي المحدد‪ ،‬وكما قال الكالسيكيون " الوجود يحدد الوعي " ‪ .‬وكما أتضح الحقا ‪ ،‬ويحدد‬
‫اللغة كذلك ‪.‬‬

‫ثانيا‪ .‬اتسم دخول أوروبا بالعصر الجديد بظهور معهد خاص سمي ( العلم )‪ ،‬بدأت مجاالته‬
‫المختل فة باالزدهار والتطور السريع ‪ :‬الفيزياء والميكانيكا والكيمياء وعلم األحياء‪ .‬مع العلم‬
‫أن اإلنسان كان منخرطا قبل ذلك في دراسة علوم الطبيعة‪.‬‬
‫يعتقد البعض أن العلم كان قبل العصر الجديد على حد معين‪ .‬لكن العلم المبكر يختلف اختالفا‬
‫جذريا عن العلم الالحق والذي يطلق عليه أحيانا ( حتى ال يتم الخلط) " العلم الجديد " ‪ .‬أوال‬
‫وقبل كل شيء‪ ،‬كانت مراكز النشاط العلمي المبكرة في األديرة‪ .‬كما أنشئت الجامعات األولى‬
‫في العصور الوسطى في كثير من األحيان على أساس األديرة‪ ,‬في ( العصر الجديد ) بات‬
‫العلم يطالب برفع مكانته‪ .‬كان العلم في السابق يؤدي دور "الخادم" في حين كان "الالهوت"‬
‫هو "السيد"‪ .‬أعلن العلم الذي ظهر في اوروبا أنه مساوي "لالهوت" ثم بدأ تدريجيا بالمطالبة‬
‫بدور "السيد" نفسه‪ .‬حاول "العلم" فيما بعد تحويل "الالهوت" إلى خادم أو حتى إعالن عدم‬
‫قانونيته وحظره بالكلية‪ ،‬أهم ما يميز العلم الحديث هو االلتزام باستخدام الطرق الكمية في‬
‫البحث‪.‬‬

‫ثورة العصر الجديد ‪" :‬السيد" و "الخادم" يغيران األماكن ‪.‬‬

‫أصبحت الرياضيات "ملكة العلوم" ‪ ،‬وأصبح العدد سمة ال غنى عنه لجميع العلوم الطبيعية‪.‬‬
‫تحدث علماء تلك الحقبة وكتبوا عن الدور الرئيسي للرياضيات في العلوم الطبيعية ‪ :‬ديكارت ‪،‬‬
‫وكيبلر ‪ ،‬وغاليليو ‪ ،‬ونيوتن ‪ ،‬وليبنيز ‪ ،‬وغيرهم كثيرون‪ .‬تم استدعاء التبريرات المختلفة‬
‫لرفع "العدد والرياضيات" وجعلها أعلى مكانة من "الكلمات والالهوت" وأستدعوا نصوص‬
‫الكتاب لفعل ذلك‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬تذكروا الكلمات من سفر الحكمة ‪ :‬لكنك رتبت كل شيئ‬
‫بمقدار وعدد و وزن‪( .‬حك ‪.)21 :11‬‬

‫في كثير من األحيان ناشدوا الفيلسوف اليوناني القديم أفالطون ‪ ،‬الذي يقدر الرياضيات بدرجة‬
‫عالية‪ .‬وفقا للفيلسوف فإن معاصريه لم يبدوا التقدير واالنضباط التام تجاهها بشكل واضح‪.‬‬
‫فاستخدموها بشكل أساسي إلجراء الحسابات اليومية وحل المشاكل العملية‪ .‬كما هو معلوم‬
‫ففي فلسفة أفالطون عالمنا الطبيعي مستمد من عالم األفكار األولي أو األساسي‪ .‬اعتقد هذا‬
‫الفيلسوف أن الهندسة والقياس الفراغي والحساب وعلم الفلك والموسيقى يمكن أن يساعدوا‬
‫األفراد على فهم عالم األفكار على نحو أفضل ‪ .‬طور أفالطون مشروع الحالة المثالية وأعتقد‬
‫أيضا أن هناك حاجة لمعرفة جيدة بالرياضيات لتنفيذها ‪.‬‬

‫صرح الفيلسوف األلماني إيمانويل كانت في نهاية القرن الثامن عشر وعلى نحو قاطع‪" :‬‬
‫عقيدة الطبيعة سوف تحتوي على العلم بمعناه الصحيح فقط إلى الحد الذي يمكن أن تطبق‬
‫الرياضيات فيها "‪.‬‬

‫بالتأكيد ‪ ،‬أدى صعود دور العدد في الحياة األوروبية إلى بعض االنتقاص من دور الكلمة‪ .‬على‬
‫أقل تقدير بدأ المعنى المقدس للكلمة يزول‪ .‬وبدأت الكلمة بمهارة تتحول إلى" خادم "‪ ،‬والرقم‬
‫إلى" سيد " ‪ ،‬يخدم من قبل الكلمة "‪ .‬كلمة هللا استبدلت بكلمة بشرية كلمة مكتوبة بحرف‬
‫صغير وضعها عقل زائف لرجل ساقط ‪ ،‬في النهاية باتت كلمات الرب وتعاليمه خاطئة‪.‬‬

‫قال سليمان الحكيم أن الكلمة الكاذبة تظهر حينما يتم استبدال الصالحين باألشرار ‪ :‬الصديق‬
‫يبغض كالم كذب و الشرير يخزي ويخجل‪ .‬كانت الكلمات الكاذبة مطلوبة من قبل األشرار‬
‫(الثوريون الملحدون ‪ ،‬الماسون ) للتعبير عن إيدلوجياتهم والتي ساقت المجتمع األوربي‬
‫المسيحي في النهاية للدمار والخراب‪ .‬ثالثة كلمات نقشت على راية الثورة الفرنسية‬
‫البرجوازية ‪ :‬الحرية ‪ ،‬المساوة ‪ ،‬األخوة والتي باتت مثاال صارخا على الكذب‪ .‬باتت الكلمات‬
‫جوفاء وخالية من معناها المقدس ‪ ،‬فقدت الكلمة قوتها وارتباطها باهلل كما كتب نيكوالي‬
‫جوميلوف في قصيدته " الكلمة " ‪ ،‬الكلمة التي باتت رهن االعتقال‪.‬‬

‫الكاباال واألعداد يدخالن الساحة األوربية‬

‫الشيء المزعج حقا هو استبعاد "الكلمة بالرقم" حتى داخل حرم الكنيسة‪ .‬بدأت هذه العملية‬
‫في وقت مبكر من العصور الوسطى في أوروبا ‪ .‬داخل المجتمع المثقف والمفكر األوربي (‬
‫وحتى بين رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية ) حدث افتتان بالكاباال – وهو تعليم فلسفي نشأ‬
‫في اليهودية وهو ضرب من ضروب التنجيم‪ .‬وبالعودة لموضوعنا ‪ ،‬فإن الكاباال تنطلق من‬
‫تكافؤ الكلمة والرقم‪ ،‬والحرف والرقم‪ .‬كل حرف من حروف األبجدية العبرية له قيمة خاصة‬
‫به‪ ،‬وبذلك يمكن تحويل الحروف والكلمات إلى أرقام‪ ،‬كان الهدف من مثل هذه التالعبات بين‬
‫الفالسفة اليهود ‪ ..‬أوال وقبل كل شيء نص التوراة !! ( أسفار موسى الخمسة )‪.‬‬

‫في إطار الكاباال اليهودية يجري استخدام التالعبات األبجدية الرقمية لدراسة التورة مثل ‪ :‬علم‬
‫األعداد اليهودي‪ ،‬أختصار الكلمات العبرية‪ ،‬تبديل الحروف‪ ،‬تهدف هذه األساليب إلى مساعدة‬
‫الكابليين على اختراق أسرار الكتاب المقدس والطبيعة ‪ ،‬ومن ثم السيطرة على الطبيعة‬
‫واإلنسان والمجتمع‪ .‬بمرور الوقت ‪ ،‬تم دمج األساليب المتناثرة والمتباينة لتحويل الحروف‬
‫والكلمات إلى رقم وأعداد داخل كاباال في مذهب واحد يسمى علم األعداد‪ .‬عرف هذا األخير‬
‫على أنه نظام من المعتقدات الباطنية حول االتصاالت الصوفية المباشرة والعكسية لألرقام مع‬
‫األشياء المادية ‪ ،‬واألفعال وحياة الناس و وعييهم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يعتقد بعض من يعرفون أنفسهم‬
‫أنهم علماء في الباطنية والتنجيم أن علم األرقام والعرافة التخمينية العددية (التنبؤات) كانا‬
‫شائعان في وقت مبكر عند الفالسفة وعلماء الرياضيات األوائل‪ ،‬مثل فيثاغورس‪ .‬ومنهم من‬
‫يعتقد أن مؤسس علم األعداد هو الفيلسوف اليوناني القديم وعالم الرياضيات والصوفي‬
‫فيثاغورس (‪ 490-570‬قبل الميالد)‪ .‬تنسب إليه الكثير من الجمل الطنانة التي يرددها‬
‫الكاباليين والمنجمين في هذا العصر‪ ،‬من قبيل ‪ :‬كل األشياء تشبه العدد ‪ ..‬تبارك العدد اإللهي‬
‫الذي أوجد اآللهة والناس ‪ ..‬كل ما هو موجود هو رقم ‪ ..‬األرقام تحكم العالم‪.‬‬

‫لقد كتب المفكر الروسي ليف ألكسندروفيتش تيخوميروف (‪ )1923-1852‬بدقة شديدة عن‬
‫الكاباال وتأثيرها على المسيحية في أوروبا في كتابه الشهير "األسس الدينية والفلسفية‬
‫للتاريخ"‪ .‬تيخوميروف كتب ‪ :‬كل هذا العمل على الكتاب المقدس تم إنجازه منذ فترة طويلة (‬
‫يقصد الكاتب استخدام علم األعداد ) ‪ ،‬وهناك في الكاباال عدد من الجداول التي توضح العالقة‬
‫بين أسماء هللا والرتب المالئكية واألرقام والحروف واألقسام المختلفة من الكون وعناصر‬
‫الطبيعة وأعضاء الجسم وما إلى ذلك‪ .‬بعد جمع الجداول والتحديد لهذه النسب تكون الكاباال‬
‫هذا الشكل الغريب من "الدراسة" للكتاب المقدس‪ .‬والذي وجدناه بالفعل في الدراسات‬
‫التلمودية ‪ " .‬أن هذا بكل تأكيد ترميز خيالي ال حدود له‪ ،‬تقطيع النصوص والحروف الفردية‬
‫وتفكيك رموز الكلمات بل حتى الحروف "‬

‫ثم يتسأل الكاتب ما الهدف من تقطيع النصوص المقدسة ؟ لإلجابة على هذا السؤال يستشهد‬
‫تيخوميروف بالعالم الفرنسي الساحر المنجم المشهور عالميا ‪ ،‬الماسوني ‪ ،‬حامل الصليب‬
‫الوردي والكابالي "بابوس" (‪ :)1916-1865‬تعطي األبجدية العبرية الوسائل الخارجية‬
‫للكاباال بالقيمة الثالثية لحروفها‪ :‬الحساب والهيروغليفية والمباشرة‪ ،‬والعالقة الرمزية‬
‫للحروف مع سائر العوالم الثالثة‪ .‬إن الجمع بين الكلمات العبرية يعني التأثير على الكون‬
‫بأكمله‪.‬‬

‫العلوم األوروبية ‪ :‬من العقالنية و الوضعية إلى التصوف والتنجيم ‪.‬‬

‫كان معظم الكباليين والمنجميين المشهورين األوائل الذين شاركوا في التالعب األبجدي‬
‫الرقمي معارضين صريحين للمسيحية‪ ،‬إال ان الكاباال والكاباال العددية أصابت بعدوها الكثير‬
‫من المسيحيين‪ .‬كل من ديكارت‪ ،‬كيبلر‪ ،‬غاليليو‪ ،‬نيوتن‪ ،‬اليبنيز وآخرين من جنسهم كانوا‬
‫يعدون أنفسهم شكليا مسيحيين‪ ،‬لكن من الناحية المجازية‪ ،‬قد كانوا في خدمة الرب وأبولو في‬
‫آن معا (وفقا ً لألساطير اليونانية ‪ ،‬كان أبولو راعيا للعلوم والفنون ) ‪ ،‬ومع مرور الوقت باتوا‬
‫مثقلين من العقيدة الكنسية مما أعطى األولوية ألبولو بوضوح‪.‬‬

‫على سبيل المثال ‪ ،‬قام غاليليو غاليلي (‪ )1642-1564‬في العمل الجدلي العلمي الفلسفي "‬
‫‪( " Assay Master‬الذي نشر أيضا ً تحت اسم "‪ " Assay Scales‬و "‪، )" Assay Man‬‬
‫الذي نشر في روما في أكتوبر ‪ ، 1623‬بصياغة المبدأ األساسي للنهج العلمي في معرفة‬
‫العالم‪ ::‬أولوية األدلة القائمة على المالحظة والتجربة والحساب الرياضي الدقيق ‪ ،‬على‬
‫العقائد والقواعد البالغية‪ .‬الرياضيات ‪ ،‬من وجهة نظره أن الرياضيات كانت أعلى وأكثر‬
‫أهمية من العقائد التي ال معنى لها في المسيحية ‪:‬‬

‫الفلسفة مكتوبة في ذلك الكتاب العظيم (أعني الكون)‪ ،‬وهو مفتوح لألعيين على الدوام ‪ ،‬ولكن‬
‫ال يمكن قراءته إال من قبل شخص يتقن اللغة أوال ويتعلم فهم العالمات التي نقش بها‪ .‬وهي‬
‫مكتوبة بلغة الرياضيات‪ ،‬وعالماتها هي المثلثات والدوائر واألشكال الهندسية االخرى‪ ،‬من‬
‫دون ذلك ال يمكن فهم كلمة واحدة فيه‪ ،‬وسنبقى ندور في متاهة مظلمة‪.‬‬
‫وبعيدا عن التحيز لمحكمة التفتيش الكاثوليكية والتي أدانت غاليليو فيها‪ ،‬أود القول ‪ :‬لم تكن‬
‫دراسة غاليليو لمركزية الشمس هي التي أزعجت الكنيسة ( باإلمكان أن تبقى رأيا خاصا )‬
‫إنما (وهو األهم) تصريحات جاليليو االستفزازية حول أولوية الرياضيات على العقيدة‬
‫الكنسية وعلم الالهوت‪ .‬على نحو أوضح ‪ ،‬كان الجدال على أيهما أكثر أهمية‪ :‬الرقم أم الكلمة‪.‬‬

‫في نهاية المطاف أبتعد بعض العماء األوروبيين عن البحث عن الحقيقة في مسارات العقالنية‬
‫والوضعية واآللية‪ .‬وبات شغفهم بالعلم الجديد بالضمور‪ ،‬وتحولوا تدريجيا إلى التصوف‪،‬‬
‫ولكن هذا التصوف لم يكن له عالقة بالروحانية المسيحية‪ .‬لقد كان بالفعل تصوف الكاباال‬
‫والتنجيم‪ .‬وبهذا باتت كلمات المسيح تنطبق عليهم تماما ‪ :‬انتم من اب هو ابليس وشهوات‬
‫اال للناس من البدء ولم يثبت في الحق النه ليس فيه حق‪.‬‬ ‫ابيكم تريدون ان تعملوا‪ .‬ذاك كان قتَّ ً‬
‫متى تكلَّم بالكذب فانما يتكلَّم م َّما له النه كذَّاب وابو الكذَّاب‪.‬‬

‫ألمثال هؤالء الصوفيين‪ ،‬أصبح العلم والطبيعة فعليا‪ ،‬موضوعات بحثية ثانوية األهمية‪ .‬أرادوا‬
‫"الذهاب لذلك العالم الموازي المجهول"‪ .‬تذكروا األدوات الكابالية التقليدية لمعرفة األسرار‬
‫وأن "الباب" للهروب من العالم المادي المرئي هو عينه الكتاب المقدس‪ .‬تم توسيع البحث‬
‫عن أسرار الكون ببساطة من خالل تضمينه في مجال الدراسة باإلضافة إلى التوراة وجميع‬
‫الكتب األخرى من العهد القديم ‪ ،‬فضال عن كتب العهد الجديد‪ .‬وبمساعدة تقنيات األعداد‬
‫الجديدة‪ ،‬تم توليف العقائد القبالية القديمة والوحي المسيحي حول آدم الجديد‪..‬‬

‫وبالنظر إلى أن البحوث الكابالية باتت تدرس من المسيحيين‪ ،‬قام البعض وعلى وجه السرعة‬
‫بتسميتها بـ ( الكابالية المسيحية )‪ ،‬يعتبر فيلسوف عصر النهضة اإليطالي جيوفاني بيكو ديال‬
‫ميراندوال (‪ )1494-1463‬األب للمسيحية الكابالية‪ .‬ومن الممثلين الالحقين ‪ ،‬أخص بالذكر‬
‫الصوفي األلماني ‪ ،‬الالهوتي جاكوب بوهمه (‪ ، )1624-1575‬والكيميائي والفيزيولوجي‬
‫والطبيب الهولندي فان هيلمونت (‪ ، )1644-1580‬والفيلسوف األلماني والصوفي والكيميائي‬
‫كريستيان كنور فون روزنروث (‪ .)1689- )1636‬أبدى الكابالييون المسيحيون اهتماما‬
‫خاصا باللغة العبرية وجعلوها نقطة انطالق لشتى البحوث الصوفية‪ ،‬بما في ذلك علم األعداد ‪.‬‬

‫( تعليق المترجم ‪ :‬من بين كل الشخصيات البارزة في عصر النهضة من مايكل أنجلو إلى‬
‫البابا بيوس الخامس ‪ ،‬ومن لوثر وكالفن إلى الملكة إليزابيث األولى‪ ،‬ال يمكن ألي شحص من‬
‫أعيان تلك الحقبة أن يصل للتأثير الذي أحدثه بيكو ديال ميراندوال‪ .‬تقول المؤرخة فرانسيس‬
‫ييتس (‪ 1981 – 1899‬م) المهتمة في دراسة تاريخ الكاباال والغنوصية األوروبية ودورها‬
‫في خلق الثورة العلمية ‪ :‬ال يمكن التقليل من األهمية العميقة لبيكو ديال ميراندوال على تاريخ‬
‫البشرية ‪ ،‬فهو أول من صاغ بجرأة موقفا جديدا لإلنسان األوروبي‪ ،‬رجل كمثل الكاهن‬
‫الزرادشتي أستخدم الكاباال والسحر للعمل على العالم‪ ،‬للتحكم في مصيره‪ :‬من خالل العلم ‪.‬‬
‫عند بيكو يمكن دراسة االرتباط العضوي للتولد السحري‪.‬‬

‫كان بيكو مسؤال عن صياغة التقاليد السحرية في أوائل أوروبا الحديثة والتي عززت من‬
‫مسار العلوم الميكانيكية ‪ ،‬وخلف األبواب المغلقة حضي بحماية الباباوات والدعم المالي من‬
‫المصرفيين‪ ،‬تم غرس الحكم المستقبلي لآللة الميتة على حياة اإلنسان ‪ ،‬البابوية وعائلة‬
‫ميديشي الفلورنسية كرسوا التعاليم الهرمسية في خطبة بيكو ‪ :‬خطبة في كرامة اإلنسان‪.‬‬
‫الحقا قام المنجم الملكي البروتستانتي الدكتور جون دي بتطويرها ‪ ،‬إن واحدة من أكبر‬
‫المفارقات عمقا في تاريخ الحركات الباطنية السرية الغربية ـ أن الذكاء االصطناعي في القرن‬
‫الحادي والعشرين نشأ من المفهوم المحكم والكابالي المتمثل بـ " عصيان التمثال أو‬
‫االستحضار لمن أشكل عليه الفهم "‪ .‬من أبرز األسماء التي تسطع في حياة بيكو العالم‬
‫اليهودي الكابالي والمترجم فالفيو ميثريداتس ‪ ،‬والذي قام بتعليم بيكو أسرار الكاباال وكان‬
‫عنصرا مؤثرا عليه ‪ ،‬كما هو حال حاخام إيطاليا يوهانان أليمان بن إسحاق‪ .‬وللتأكيد على دور‬
‫البابوية في احتضان هذا التوجه نشير إلى أن البابا إنوسنتيوس الثامن وفر له الحماية‬
‫والترقية ‪ ،‬اما بخصوص بيكو فقد قام البابا ألكسندر السادس بتبرئته من الهرقطة مع كونه‬
‫فايروس قاتل للعقائد الكنسية‪ .‬لذا يجب أن نفهم أن هذا التحول الصارخ في الكنيسة‬
‫الكاثلويكية والذي تفاجئ به الناس اآلن كالحرية الجنسية والشذوذ والموقف من اإللحاد بل‬
‫حتى إبادة عدد هائل من الجنس البشري لبقاء المليون الذهبي والمليار القذر الذي سيحظى‬
‫بكرامة العبودية لألول‪ .‬لم يأتي بصورة مفاجئة بل هو نتجية مرض قديم متجذر داخل الكنيسة‬
‫أصابها وستقر فيها وكان يظهر للعلن بين فترة وأخرى حتى كشر عن أنيابه اآلن ‪ :‬إن‬
‫المجمع الفاتيكاني الثاني والباباوات بولس السادس ويوحنا بولس الثاني وبنيديكتوس‬
‫السادس عشر وفرانسيس ‪ ،‬هم مجرد كشف علني لتجليات هذا المسار في عصر ما بعد‬
‫الحداثة‪ ،‬الهوت الجحيم الذي سيطر على روما بعد عام ‪ ، 1450‬من خالل تبرئة اإلسكندر‬
‫السادس ومباركته لجيوفاني بيكو ديال ميراندوال ‪ ،‬الذي كان نوعًا من الفيروسات الالهوتية‬
‫البابوية ‪.‬‬

‫غالييوا فضال عن ما ذكره األستاذ فالنتين كاتاسونوف كان محور صراع داخل خطين في‬
‫الكنيسة‪ ،‬خط الكاباال الكنسية ‪ :‬األيدلوجية الوثنية المتحجرة للعقائد الفرعونية البابلية والتي‬
‫نقلت بالمراسيم الحاخامية اليهودية السرية جيال بعد جيل وزينت على أنها وحي باطني لعلوم‬
‫مشفرة من الكتاب‪ ،‬وبين الكنيسة الكالسيكية والتي فشلت في النهاية في الوقوف أمام هذا‬
‫الطوفان الغنوصي الباطني‪.‬‬

‫نهضة األعداد في القرن الحادي والعشرين‬

‫اليوم بات علم األعداد شائعا جدا يعود الفضل في ذلك إلى حد كبير لإلنترنيت‪ ،‬لم يعد علم‬
‫األعداد الحديث مرتبط بشكل عام بالكتاب المقدس‪ ،‬فقد ظهر علم األعداد اليومي‪ ،‬والذي يعتمد‬
‫على الرقم أو أي أرقام تصاحبه‪ .‬على سبيل المثال ‪ :‬األرقام التي تصاحب حياة الشخص‪ .‬يتم‬
‫صرف تفكير الفرد عن حقيقة التهديدات التي تصاحب نقل جميع بياناته الشخصية إلى أجهزة‬
‫الحاسوب والتي قد تنتهي به إلى معسكر اعتقال إلكتروني كبير‪ .‬سعادة األفراد ورفاهيتهم في‬
‫العرف الجدد قائم بشكل مباشر على أرقام جوازات السفر المختارة بشكل صحيح ‪ ،‬ورخص‬
‫القيادة ‪ ،‬وأرقام السيارات ‪ ،‬وتواريخ اإلجراءات والقرارات‪.‬‬

‫تقدم شبكة اإلنترنيت لمستخدميها مواد مثيرة متنوعة ال تدعي فيها معرفة أسرار العالم‬
‫فحسب بل حتى مستقبله ( تحديدا موعد ظهور المسيح الدجال أو نزول المسيح ‪ ..‬كل حسب‬
‫اهتماماته وتوجهاته ) ‪ ،‬وبكل تأكيد مستقبل كل شخص ( على سبيل المثال تاريخ الوفاة )‪.‬‬
‫اليوم ظهر شيء مثل علم األعداد لألعمال ‪ .‬فإن كنت ترغب في فتح شركتك فينصح بشدة‬
‫باالختيار الصحيح لتاريخ تسجيلها‪ ،‬كما لو أن نجاح قضيتك سيعتمد على هذا‪.‬‬

‫الحمد هلل أن العلم الحقيقي يعلن زيف ودجل علم األعداد‪ ،‬أنه أمر غير مقبول وبشكل أكبر في‬
‫الدين ‪ ،‬والذي يصنف علم األعداد بحق كاباال غنوصية‪ .‬علم األعداد يشبه التنجيم وكروت‬
‫التاروت وقراءة الطالع وما شابه ذلك من األعمال الشيطانية‪ .‬مرادف علم األعداد هو سحر‬
‫األرقام‪ ,‬ومع األسف نشهد هذا اليوم أفتتانا بهذا التوجه حتى بين أولئك الذين يسمون أنفسهم‬
‫مسيحيين ‪ ..‬المزيد سيكون في المقالة التالية ‪..‬‬

‫محمد سليمان‬

‫@‪Mohammadtajdeed‬‬

You might also like