Professional Documents
Culture Documents
فالنتين كاتاسونوف
تتجه البشرية بشكل متسارع نحو بناء " عالم رقمي " ،دون إدراك منها في أغلب األحيان
لجذور هذا الهوس باألرقام.
ال ،إنهم يظهرون فقط كيف يحكمون العالم " ..يوهان فولفغانغ فون غوته
بالنسبة للكثيرين كان دخول المجتمع في العصر الرقمي مفاجئ تماما .ومع ذلك ،فإن
االستعدادات الالزمة ألنشائه كانت قد بدأت منذ قرون عديدة ،ببساطة تم ذلك من دون ضجيج
ملفت للنظر ـ أي في الخفاء .في األيام السابقة ،كانت " الكلمة " أساس الحياة البشرية ،
اليوم ،استبدلت الكلمة بالرقم .والحروف التي تعبر عن الكلمة ،بالرقم ،والذي بدوره يعبر عن
رقم .
قبل ألفي عام بدأت الحضارة المسيحية بالتشكل في أوروبا استنادا إلى الكتاب المقدس ،تم
تعميد األوروبيين .حتى أولئك األميين تذكروا الكلمات االولى من إنجيل يوحنا :فى البدء كان
الكلمة و الكلمة كان عند هللا و كان الكلمة هللا ( مع تنبيه القارئ على أن الجملة برمتها
المنتشاة من مقدمة يوحنا الملفق تنقض بعضها بعضا لما تحمله من إضداد صارخ وتجعل من
المسيح عليه السالم ربا ال نبيا مرسال) .في تلك الحقبة المسيحية استخدم الناس األعداد
واألرقام ،لكن ذلك موازة بالكلمة والحرف كان أمرا ثانويا هامشيا .وكما قال نيكوالي
غوميليف ( )1921-1886في قصيدته الرائعة "الكلمة" ،كانت الكلمة تشير للحياة األعلى
وكان الرقم لما هو دون :
في ذاك اليوم .عندما كنت في عالم جديد ..أطل هللا بأمره ..فتوقفت الشمس بكلمة ،بكلمة
دمرت مدن والعقاب لم يخفق جناحيه ،انكمشت النجوم في رعب نحو القمر ،إذا هو بالضبط
لهيب وردي ..الكلمة تطفوا عاليا ..للحياة الهابطة كان العدد ،تماما كما هو حال الماشية
المنزلية الذليلة .ألن كل ظالل المعاني واألفكار رقم ذكي ينقله ! العصر الحديث :أستبدلت
الكلمة بالرقم .
بدأ االهتمام المتسارع لألوروبيين تجاه األعداد واألرقام أواخر القرون الوسطى ( عصر
النهضة ) ومع االنتقال للعصر الجديد ( بداية اإلصالح ) .
أوال .من وجهة النظر االجتماعية واالقتصادية ،كان هذا التحول يعني أن أوروبا بدأت في
االنتقال والسير على قضبان الرأسمالية .والرأسمالية – نموذج لمجتمع يصبح فيه اإلثراء هو
الهدف النهائي األعلى ،من دون حد كمي .يتم تقييم مدى النجاح في تحقيق الهدف عبر كمية
األموال المتراكمة (الممتلكات ،الثروة واألصول وما إلى ذلك ) أي على شكل رقم .غالبا ما
يعبر عن القيمة بالوحدات النقدية.
يستند تحقيق الهدف إلى معايير تتطلب أيضًا تقييما كميا :السعر ،التعرفة ،سعر الفائدة،
الربحية ،النفقات ،الخصوم ،األصول ،العائد ،الخسائر ،األرباح ،اإليجار ،مؤشر األسهم،
القيمة السوقية ،القيمة الدفترية ،سعر الصرف ،الهامش ،معدل الضرائب ،األجور ،التكاليف،
الخصوم ،التصنيف ،إلخ السمات الحتمية للرأسمالية هي الميزانيات العمومية وغيرها من
الوثائق المالية ،والعديد من العقود والعقود ،اإلحصاءات العادية ،وأسعار األسهم وأكثر من
ذلك بكثير التي تتكون كليا أو أساسا من األرقام واألرقام .السمات الحتمية للرأسمالية هي
الميزانيات العمومية والوثائق المالية المختلفة األخرى ،والعديد من االتفاقات والعقود ،
واإلحصاءات المنتظمة ،وأسعار األسهم وأكثر من ذلك بكثير ،والتي تتكون بالكامل أو بشكل
أساسي من أعداد وأرقام.
اللغة اليومية للناس تغيرت جذريا ،ففي الخطاب االوروبي أوائل القرون الوسطى ،كانت
الكلمات التي تعبر عن الكمية نادرة ،كانت هنالك كلمات " قليل" "كثير" "عدة" إلخ .لكن
بالفعل في القرن التاسع عشر وبشكل أوسع في القرن العشرين دخلت الكلمات التي تحدد
الكمية بقوة في ا لمحادثات ،ليست كلمات من قبيل " كثير أو قليل " إنما الكلمات ذات المعنى
العددي المحدد ،وكما قال الكالسيكيون " الوجود يحدد الوعي " .وكما أتضح الحقا ،ويحدد
اللغة كذلك .
ثانيا .اتسم دخول أوروبا بالعصر الجديد بظهور معهد خاص سمي ( العلم ) ،بدأت مجاالته
المختل فة باالزدهار والتطور السريع :الفيزياء والميكانيكا والكيمياء وعلم األحياء .مع العلم
أن اإلنسان كان منخرطا قبل ذلك في دراسة علوم الطبيعة.
يعتقد البعض أن العلم كان قبل العصر الجديد على حد معين .لكن العلم المبكر يختلف اختالفا
جذريا عن العلم الالحق والذي يطلق عليه أحيانا ( حتى ال يتم الخلط) " العلم الجديد " .أوال
وقبل كل شيء ،كانت مراكز النشاط العلمي المبكرة في األديرة .كما أنشئت الجامعات األولى
في العصور الوسطى في كثير من األحيان على أساس األديرة ,في ( العصر الجديد ) بات
العلم يطالب برفع مكانته .كان العلم في السابق يؤدي دور "الخادم" في حين كان "الالهوت"
هو "السيد" .أعلن العلم الذي ظهر في اوروبا أنه مساوي "لالهوت" ثم بدأ تدريجيا بالمطالبة
بدور "السيد" نفسه .حاول "العلم" فيما بعد تحويل "الالهوت" إلى خادم أو حتى إعالن عدم
قانونيته وحظره بالكلية ،أهم ما يميز العلم الحديث هو االلتزام باستخدام الطرق الكمية في
البحث.
أصبحت الرياضيات "ملكة العلوم" ،وأصبح العدد سمة ال غنى عنه لجميع العلوم الطبيعية.
تحدث علماء تلك الحقبة وكتبوا عن الدور الرئيسي للرياضيات في العلوم الطبيعية :ديكارت ،
وكيبلر ،وغاليليو ،ونيوتن ،وليبنيز ،وغيرهم كثيرون .تم استدعاء التبريرات المختلفة
لرفع "العدد والرياضيات" وجعلها أعلى مكانة من "الكلمات والالهوت" وأستدعوا نصوص
الكتاب لفعل ذلك ،على سبيل المثال ،تذكروا الكلمات من سفر الحكمة :لكنك رتبت كل شيئ
بمقدار وعدد و وزن( .حك .)21 :11
في كثير من األحيان ناشدوا الفيلسوف اليوناني القديم أفالطون ،الذي يقدر الرياضيات بدرجة
عالية .وفقا للفيلسوف فإن معاصريه لم يبدوا التقدير واالنضباط التام تجاهها بشكل واضح.
فاستخدموها بشكل أساسي إلجراء الحسابات اليومية وحل المشاكل العملية .كما هو معلوم
ففي فلسفة أفالطون عالمنا الطبيعي مستمد من عالم األفكار األولي أو األساسي .اعتقد هذا
الفيلسوف أن الهندسة والقياس الفراغي والحساب وعلم الفلك والموسيقى يمكن أن يساعدوا
األفراد على فهم عالم األفكار على نحو أفضل .طور أفالطون مشروع الحالة المثالية وأعتقد
أيضا أن هناك حاجة لمعرفة جيدة بالرياضيات لتنفيذها .
صرح الفيلسوف األلماني إيمانويل كانت في نهاية القرن الثامن عشر وعلى نحو قاطع" :
عقيدة الطبيعة سوف تحتوي على العلم بمعناه الصحيح فقط إلى الحد الذي يمكن أن تطبق
الرياضيات فيها ".
بالتأكيد ،أدى صعود دور العدد في الحياة األوروبية إلى بعض االنتقاص من دور الكلمة .على
أقل تقدير بدأ المعنى المقدس للكلمة يزول .وبدأت الكلمة بمهارة تتحول إلى" خادم " ،والرقم
إلى" سيد " ،يخدم من قبل الكلمة " .كلمة هللا استبدلت بكلمة بشرية كلمة مكتوبة بحرف
صغير وضعها عقل زائف لرجل ساقط ،في النهاية باتت كلمات الرب وتعاليمه خاطئة.
قال سليمان الحكيم أن الكلمة الكاذبة تظهر حينما يتم استبدال الصالحين باألشرار :الصديق
يبغض كالم كذب و الشرير يخزي ويخجل .كانت الكلمات الكاذبة مطلوبة من قبل األشرار
(الثوريون الملحدون ،الماسون ) للتعبير عن إيدلوجياتهم والتي ساقت المجتمع األوربي
المسيحي في النهاية للدمار والخراب .ثالثة كلمات نقشت على راية الثورة الفرنسية
البرجوازية :الحرية ،المساوة ،األخوة والتي باتت مثاال صارخا على الكذب .باتت الكلمات
جوفاء وخالية من معناها المقدس ،فقدت الكلمة قوتها وارتباطها باهلل كما كتب نيكوالي
جوميلوف في قصيدته " الكلمة " ،الكلمة التي باتت رهن االعتقال.
الشيء المزعج حقا هو استبعاد "الكلمة بالرقم" حتى داخل حرم الكنيسة .بدأت هذه العملية
في وقت مبكر من العصور الوسطى في أوروبا .داخل المجتمع المثقف والمفكر األوربي (
وحتى بين رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية ) حدث افتتان بالكاباال – وهو تعليم فلسفي نشأ
في اليهودية وهو ضرب من ضروب التنجيم .وبالعودة لموضوعنا ،فإن الكاباال تنطلق من
تكافؤ الكلمة والرقم ،والحرف والرقم .كل حرف من حروف األبجدية العبرية له قيمة خاصة
به ،وبذلك يمكن تحويل الحروف والكلمات إلى أرقام ،كان الهدف من مثل هذه التالعبات بين
الفالسفة اليهود ..أوال وقبل كل شيء نص التوراة !! ( أسفار موسى الخمسة ).
في إطار الكاباال اليهودية يجري استخدام التالعبات األبجدية الرقمية لدراسة التورة مثل :علم
األعداد اليهودي ،أختصار الكلمات العبرية ،تبديل الحروف ،تهدف هذه األساليب إلى مساعدة
الكابليين على اختراق أسرار الكتاب المقدس والطبيعة ،ومن ثم السيطرة على الطبيعة
واإلنسان والمجتمع .بمرور الوقت ،تم دمج األساليب المتناثرة والمتباينة لتحويل الحروف
والكلمات إلى رقم وأعداد داخل كاباال في مذهب واحد يسمى علم األعداد .عرف هذا األخير
على أنه نظام من المعتقدات الباطنية حول االتصاالت الصوفية المباشرة والعكسية لألرقام مع
األشياء المادية ،واألفعال وحياة الناس و وعييهم .ومع ذلك ،يعتقد بعض من يعرفون أنفسهم
أنهم علماء في الباطنية والتنجيم أن علم األرقام والعرافة التخمينية العددية (التنبؤات) كانا
شائعان في وقت مبكر عند الفالسفة وعلماء الرياضيات األوائل ،مثل فيثاغورس .ومنهم من
يعتقد أن مؤسس علم األعداد هو الفيلسوف اليوناني القديم وعالم الرياضيات والصوفي
فيثاغورس ( 490-570قبل الميالد) .تنسب إليه الكثير من الجمل الطنانة التي يرددها
الكاباليين والمنجمين في هذا العصر ،من قبيل :كل األشياء تشبه العدد ..تبارك العدد اإللهي
الذي أوجد اآللهة والناس ..كل ما هو موجود هو رقم ..األرقام تحكم العالم.
لقد كتب المفكر الروسي ليف ألكسندروفيتش تيخوميروف ( )1923-1852بدقة شديدة عن
الكاباال وتأثيرها على المسيحية في أوروبا في كتابه الشهير "األسس الدينية والفلسفية
للتاريخ" .تيخوميروف كتب :كل هذا العمل على الكتاب المقدس تم إنجازه منذ فترة طويلة (
يقصد الكاتب استخدام علم األعداد ) ،وهناك في الكاباال عدد من الجداول التي توضح العالقة
بين أسماء هللا والرتب المالئكية واألرقام والحروف واألقسام المختلفة من الكون وعناصر
الطبيعة وأعضاء الجسم وما إلى ذلك .بعد جمع الجداول والتحديد لهذه النسب تكون الكاباال
هذا الشكل الغريب من "الدراسة" للكتاب المقدس .والذي وجدناه بالفعل في الدراسات
التلمودية " .أن هذا بكل تأكيد ترميز خيالي ال حدود له ،تقطيع النصوص والحروف الفردية
وتفكيك رموز الكلمات بل حتى الحروف "
ثم يتسأل الكاتب ما الهدف من تقطيع النصوص المقدسة ؟ لإلجابة على هذا السؤال يستشهد
تيخوميروف بالعالم الفرنسي الساحر المنجم المشهور عالميا ،الماسوني ،حامل الصليب
الوردي والكابالي "بابوس" ( :)1916-1865تعطي األبجدية العبرية الوسائل الخارجية
للكاباال بالقيمة الثالثية لحروفها :الحساب والهيروغليفية والمباشرة ،والعالقة الرمزية
للحروف مع سائر العوالم الثالثة .إن الجمع بين الكلمات العبرية يعني التأثير على الكون
بأكمله.
كان معظم الكباليين والمنجميين المشهورين األوائل الذين شاركوا في التالعب األبجدي
الرقمي معارضين صريحين للمسيحية ،إال ان الكاباال والكاباال العددية أصابت بعدوها الكثير
من المسيحيين .كل من ديكارت ،كيبلر ،غاليليو ،نيوتن ،اليبنيز وآخرين من جنسهم كانوا
يعدون أنفسهم شكليا مسيحيين ،لكن من الناحية المجازية ،قد كانوا في خدمة الرب وأبولو في
آن معا (وفقا ً لألساطير اليونانية ،كان أبولو راعيا للعلوم والفنون ) ،ومع مرور الوقت باتوا
مثقلين من العقيدة الكنسية مما أعطى األولوية ألبولو بوضوح.
على سبيل المثال ،قام غاليليو غاليلي ( )1642-1564في العمل الجدلي العلمي الفلسفي "
( " Assay Masterالذي نشر أيضا ً تحت اسم " " Assay Scalesو "، )" Assay Man
الذي نشر في روما في أكتوبر ، 1623بصياغة المبدأ األساسي للنهج العلمي في معرفة
العالم ::أولوية األدلة القائمة على المالحظة والتجربة والحساب الرياضي الدقيق ،على
العقائد والقواعد البالغية .الرياضيات ،من وجهة نظره أن الرياضيات كانت أعلى وأكثر
أهمية من العقائد التي ال معنى لها في المسيحية :
الفلسفة مكتوبة في ذلك الكتاب العظيم (أعني الكون) ،وهو مفتوح لألعيين على الدوام ،ولكن
ال يمكن قراءته إال من قبل شخص يتقن اللغة أوال ويتعلم فهم العالمات التي نقش بها .وهي
مكتوبة بلغة الرياضيات ،وعالماتها هي المثلثات والدوائر واألشكال الهندسية االخرى ،من
دون ذلك ال يمكن فهم كلمة واحدة فيه ،وسنبقى ندور في متاهة مظلمة.
وبعيدا عن التحيز لمحكمة التفتيش الكاثوليكية والتي أدانت غاليليو فيها ،أود القول :لم تكن
دراسة غاليليو لمركزية الشمس هي التي أزعجت الكنيسة ( باإلمكان أن تبقى رأيا خاصا )
إنما (وهو األهم) تصريحات جاليليو االستفزازية حول أولوية الرياضيات على العقيدة
الكنسية وعلم الالهوت .على نحو أوضح ،كان الجدال على أيهما أكثر أهمية :الرقم أم الكلمة.
في نهاية المطاف أبتعد بعض العماء األوروبيين عن البحث عن الحقيقة في مسارات العقالنية
والوضعية واآللية .وبات شغفهم بالعلم الجديد بالضمور ،وتحولوا تدريجيا إلى التصوف،
ولكن هذا التصوف لم يكن له عالقة بالروحانية المسيحية .لقد كان بالفعل تصوف الكاباال
والتنجيم .وبهذا باتت كلمات المسيح تنطبق عليهم تماما :انتم من اب هو ابليس وشهوات
اال للناس من البدء ولم يثبت في الحق النه ليس فيه حق. ابيكم تريدون ان تعملوا .ذاك كان قتَّ ً
متى تكلَّم بالكذب فانما يتكلَّم م َّما له النه كذَّاب وابو الكذَّاب.
ألمثال هؤالء الصوفيين ،أصبح العلم والطبيعة فعليا ،موضوعات بحثية ثانوية األهمية .أرادوا
"الذهاب لذلك العالم الموازي المجهول" .تذكروا األدوات الكابالية التقليدية لمعرفة األسرار
وأن "الباب" للهروب من العالم المادي المرئي هو عينه الكتاب المقدس .تم توسيع البحث
عن أسرار الكون ببساطة من خالل تضمينه في مجال الدراسة باإلضافة إلى التوراة وجميع
الكتب األخرى من العهد القديم ،فضال عن كتب العهد الجديد .وبمساعدة تقنيات األعداد
الجديدة ،تم توليف العقائد القبالية القديمة والوحي المسيحي حول آدم الجديد..
وبالنظر إلى أن البحوث الكابالية باتت تدرس من المسيحيين ،قام البعض وعلى وجه السرعة
بتسميتها بـ ( الكابالية المسيحية ) ،يعتبر فيلسوف عصر النهضة اإليطالي جيوفاني بيكو ديال
ميراندوال ( )1494-1463األب للمسيحية الكابالية .ومن الممثلين الالحقين ،أخص بالذكر
الصوفي األلماني ،الالهوتي جاكوب بوهمه ( ، )1624-1575والكيميائي والفيزيولوجي
والطبيب الهولندي فان هيلمونت ( ، )1644-1580والفيلسوف األلماني والصوفي والكيميائي
كريستيان كنور فون روزنروث ( .)1689- )1636أبدى الكابالييون المسيحيون اهتماما
خاصا باللغة العبرية وجعلوها نقطة انطالق لشتى البحوث الصوفية ،بما في ذلك علم األعداد .
( تعليق المترجم :من بين كل الشخصيات البارزة في عصر النهضة من مايكل أنجلو إلى
البابا بيوس الخامس ،ومن لوثر وكالفن إلى الملكة إليزابيث األولى ،ال يمكن ألي شحص من
أعيان تلك الحقبة أن يصل للتأثير الذي أحدثه بيكو ديال ميراندوال .تقول المؤرخة فرانسيس
ييتس ( 1981 – 1899م) المهتمة في دراسة تاريخ الكاباال والغنوصية األوروبية ودورها
في خلق الثورة العلمية :ال يمكن التقليل من األهمية العميقة لبيكو ديال ميراندوال على تاريخ
البشرية ،فهو أول من صاغ بجرأة موقفا جديدا لإلنسان األوروبي ،رجل كمثل الكاهن
الزرادشتي أستخدم الكاباال والسحر للعمل على العالم ،للتحكم في مصيره :من خالل العلم .
عند بيكو يمكن دراسة االرتباط العضوي للتولد السحري.
كان بيكو مسؤال عن صياغة التقاليد السحرية في أوائل أوروبا الحديثة والتي عززت من
مسار العلوم الميكانيكية ،وخلف األبواب المغلقة حضي بحماية الباباوات والدعم المالي من
المصرفيين ،تم غرس الحكم المستقبلي لآللة الميتة على حياة اإلنسان ،البابوية وعائلة
ميديشي الفلورنسية كرسوا التعاليم الهرمسية في خطبة بيكو :خطبة في كرامة اإلنسان.
الحقا قام المنجم الملكي البروتستانتي الدكتور جون دي بتطويرها ،إن واحدة من أكبر
المفارقات عمقا في تاريخ الحركات الباطنية السرية الغربية ـ أن الذكاء االصطناعي في القرن
الحادي والعشرين نشأ من المفهوم المحكم والكابالي المتمثل بـ " عصيان التمثال أو
االستحضار لمن أشكل عليه الفهم " .من أبرز األسماء التي تسطع في حياة بيكو العالم
اليهودي الكابالي والمترجم فالفيو ميثريداتس ،والذي قام بتعليم بيكو أسرار الكاباال وكان
عنصرا مؤثرا عليه ،كما هو حال حاخام إيطاليا يوهانان أليمان بن إسحاق .وللتأكيد على دور
البابوية في احتضان هذا التوجه نشير إلى أن البابا إنوسنتيوس الثامن وفر له الحماية
والترقية ،اما بخصوص بيكو فقد قام البابا ألكسندر السادس بتبرئته من الهرقطة مع كونه
فايروس قاتل للعقائد الكنسية .لذا يجب أن نفهم أن هذا التحول الصارخ في الكنيسة
الكاثلويكية والذي تفاجئ به الناس اآلن كالحرية الجنسية والشذوذ والموقف من اإللحاد بل
حتى إبادة عدد هائل من الجنس البشري لبقاء المليون الذهبي والمليار القذر الذي سيحظى
بكرامة العبودية لألول .لم يأتي بصورة مفاجئة بل هو نتجية مرض قديم متجذر داخل الكنيسة
أصابها وستقر فيها وكان يظهر للعلن بين فترة وأخرى حتى كشر عن أنيابه اآلن :إن
المجمع الفاتيكاني الثاني والباباوات بولس السادس ويوحنا بولس الثاني وبنيديكتوس
السادس عشر وفرانسيس ،هم مجرد كشف علني لتجليات هذا المسار في عصر ما بعد
الحداثة ،الهوت الجحيم الذي سيطر على روما بعد عام ، 1450من خالل تبرئة اإلسكندر
السادس ومباركته لجيوفاني بيكو ديال ميراندوال ،الذي كان نوعًا من الفيروسات الالهوتية
البابوية .
غالييوا فضال عن ما ذكره األستاذ فالنتين كاتاسونوف كان محور صراع داخل خطين في
الكنيسة ،خط الكاباال الكنسية :األيدلوجية الوثنية المتحجرة للعقائد الفرعونية البابلية والتي
نقلت بالمراسيم الحاخامية اليهودية السرية جيال بعد جيل وزينت على أنها وحي باطني لعلوم
مشفرة من الكتاب ،وبين الكنيسة الكالسيكية والتي فشلت في النهاية في الوقوف أمام هذا
الطوفان الغنوصي الباطني.
اليوم بات علم األعداد شائعا جدا يعود الفضل في ذلك إلى حد كبير لإلنترنيت ،لم يعد علم
األعداد الحديث مرتبط بشكل عام بالكتاب المقدس ،فقد ظهر علم األعداد اليومي ،والذي يعتمد
على الرقم أو أي أرقام تصاحبه .على سبيل المثال :األرقام التي تصاحب حياة الشخص .يتم
صرف تفكير الفرد عن حقيقة التهديدات التي تصاحب نقل جميع بياناته الشخصية إلى أجهزة
الحاسوب والتي قد تنتهي به إلى معسكر اعتقال إلكتروني كبير .سعادة األفراد ورفاهيتهم في
العرف الجدد قائم بشكل مباشر على أرقام جوازات السفر المختارة بشكل صحيح ،ورخص
القيادة ،وأرقام السيارات ،وتواريخ اإلجراءات والقرارات.
تقدم شبكة اإلنترنيت لمستخدميها مواد مثيرة متنوعة ال تدعي فيها معرفة أسرار العالم
فحسب بل حتى مستقبله ( تحديدا موعد ظهور المسيح الدجال أو نزول المسيح ..كل حسب
اهتماماته وتوجهاته ) ،وبكل تأكيد مستقبل كل شخص ( على سبيل المثال تاريخ الوفاة ).
اليوم ظهر شيء مثل علم األعداد لألعمال .فإن كنت ترغب في فتح شركتك فينصح بشدة
باالختيار الصحيح لتاريخ تسجيلها ،كما لو أن نجاح قضيتك سيعتمد على هذا.
الحمد هلل أن العلم الحقيقي يعلن زيف ودجل علم األعداد ،أنه أمر غير مقبول وبشكل أكبر في
الدين ،والذي يصنف علم األعداد بحق كاباال غنوصية .علم األعداد يشبه التنجيم وكروت
التاروت وقراءة الطالع وما شابه ذلك من األعمال الشيطانية .مرادف علم األعداد هو سحر
األرقام ,ومع األسف نشهد هذا اليوم أفتتانا بهذا التوجه حتى بين أولئك الذين يسمون أنفسهم
مسيحيين ..المزيد سيكون في المقالة التالية ..
محمد سليمان
@Mohammadtajdeed