Professional Documents
Culture Documents
تغير المناخ تحدياً خطيراً «لإعادة الاستقرار لليمن» ولاستقرار دول القرن الأفريقي وشرعيتها.
تغير المناخ تحدياً خطيراً «لإعادة الاستقرار لليمن» ولاستقرار دول القرن الأفريقي وشرعيتها.
تغير المناخ في المشهد الطبيعي العالمي من شأنه أن يحدث تحويرا على مستوى الجغرافيا السياسية وأن يزعزع إن تأثير ّ
استقرار المناطق الضعيفة ،مثل اليمن و القرن األفريقي .وقد يؤدي إلى المساس من قدرة الدول على إدارة شؤونها وإ لى
تغي ر المناخ ِ
لعوام ل خطر أخرى على األمن الدولي ،يعتبر ّ نتصور وقوعها .وخالفا التسبب في اندالع صراعات لم نكن
ّ
قابال لوضع أمثلة نموذجية توقعية موثوقة للغاية .لكن ،بين التوقّع والتأهب ،يبقى لنا أن نخطو خطوة جبارة.
يعتبر تزايد مستويات الفقر والبطالة وعدم المساواة وانعدام العدالة والمشاركة السياسية والتنافس على الموارد الطبيعية النادرة
خاصة المياه ،من بين المحفزات للصراع في اليمن.
كما ويفرض تغير المناخ ضغوطا متزايدة على موارد المياه الشحيحة في اليمن وتشمل توقعات تأثير تغير المناخ في اليمن على
ما يلي )1( :ارتفاع درجات الحرارة ب ١و ٤،٥درجة مئوية قرب نهاية القرن )2( ،تقلب أنماط هطول األمطار خالل س نوات،
( )3زيادة تواتر هطول االمطار الغزيرة وبالتالي زيادة مخاطر الفيضانات والجفاف )4( ،انخفاض اإلنتاجية الزراعية
مع م رور الزمن ،وباإلض افة إلى الضغوط الديموغرافية واالقتص ادية والسياسية القائمة ،قد ينج ر عن تأثير تغير المن اخ
على الموارد الطبيعية إضعاف قدرة الدول على الحوكمة الذاتية ،بما في ذلك قدرتها على االستجابة لحاجيات مواطنيها
المتعلقة بتوفير الموارد األساسية ـ مثل الغذاء ،والمي اه ،والطاقة والشغل ـ والتي تدعى «الشرعية المنتجة» .والحال أن
التهديد المسلط على هذه الشرعية من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة ،ونشوب نزاعات داخلية ،بل وحتى إلي
انهيار الدولة .ومن هذا المنظور ،قد يشكل تغير المناخ تحدياً خطيراً إلعادة االستقرار لليمن ،وأيض اً الستقرار دول القرن
األف ريقي وش رعيتها ـ علم ا وأنه ا بل دان تواجه ع ددا ال يحصى من الصعوبات ،قب ل أن تض اف له ا تل ك المتأتية من تغير
المناخ.
و قد تم التأكيد على هذه التحديات من قبل مجلس األمن لألمم المتحدة في بيان أصدره رئيس المجلس في يناير (2018
)link is externalج اء في ه« :ويق ر مجلس األمن باآلث ار الض ارة لتغ ير المن اخ والتغ يرات اإليكولوجي ة ،وغ ير ذل ك من
العوامل ،على اسـتقرار غرب أفريقي ا ومنطق ة الساحل ،بما في ذلك بسـبب الجفاف والتص حر وت دهور األراضي وانعـدام
األمن الغـذائي ،ويشـدد على ضـرورة قيـام الحكومـات واألمم المتحـدة ب إجراء تقييمـات وافيـة للمخ اطر المرتبط ة به ذه
العوامل ووضع استراتيجيات إلدارة هذه المخاطر».
2
الهشة( )link is externalالصادر عن مؤسسة صندوق السالم ،صنف اليمن و بعضاً من بلدان القرن
ووفقاً لمؤشر الدول ّ
األفريقي من أشد البلدان ضعفاً في العالم ـ أال وهي الصومال ،وأثيوبيا ،وإ ريتريا ،كما أن هذه المنطقة تسجل العديد من
المؤشرات الواضحة حول العالقة بين تغير المناخ والنزاعات ـ والسيما النزاعات بين المجتمعات الزراعية والمجتمعات
الرعوية الناجمة عن حاالت الجفاف وعدم استقرار الموارد المائية ،وتزداد الحالة حدة جراء األوضاع المناخية.
ونذكر في هذا الصدد ما تسببت فيه فترة الجفاف القصوى وطويلة األمد التي عاشها الصومال عام 2011 .جراء تغير
المن اخ ،من ض غط إضافي على وضع ك ان مت وترا أص ال لن درة الم وارد .وقد تس اهم هذه الض غوطات في تفاقم الت وترات
والنزاع ات بين المجموع ات الس كنية وفي تح ريض الس كان على الهج رة ـ باإلض افة إلى تأثيره ا على أس عار المواش ي
والممتلكات األخرى .وقد يفضي هذا الوضع أيض اً إلى استفحال سوء التغذية وتفشي األمراض والتأثير سلبياً على األمن
الغذائي (لمزيد من المعلومات :المجلة األمريكية الزراعية( ،)link is externalيوليو 2014ص 1157 .ـ.)1182
وقد يمتد أثر حاالت التوتر المحلية المتولدة عن صعوبة النفاذ إلى الموارد الغذائية والمائية إلى البلدان المجاورة ،حيث أن
السكان المحرومين يتوجهون عادة إليها للحصول على المواد الغير متوفرة محليا ،فيشتد الضغط على موارد تلك البلدان
المجاورة ،وقد يزداد الوضع تأزما .وللتوضيح ،تجدر اإلشارة إلى أن تغير المناخ الذي يتسبب في تقلص الموارد المائية
شدة الضغوط على الموارد الطبيعية ،فتزداد مخاطر نشوب
ال يمثل المصدر المباشر الندالع النزاعات ،ولكنه يضاعف ّ
النزاع ات .وفي غي اب ترش يد الحوكم ة وتحس ين التص رف في الم وارد الطبيعي ة ،فس وف تتك رر مث ل ه ذه الح االت في
المستقبل.
تش ير بعض الدراس ات الحديث ة وم ا يق ترن به ا من نم اذج وتق ديرات استش رافية ،مش فعة بالتفاص يل الدقيق ة ،إلى أن تغ ير
الظ روف المناخي ة بإمكان ه تهدي د أمن ال دول وال ترفيع في احتم ال نش وب الص راعات ،إذا ال يتم اتخ اذ االج راءات الالزم ة
للح د من مفعول ه .كم ا أن ع ددا كب يرا من البح وث ّبينت الرواب ط بين تغ ير المن اخ ،وع دم اس تقرار هط ول األمط ار،
تفسر كيف أن التداخل بين وقع المناخ والوضع األمني يؤدي إلى والنزاعات .وثمة العديد من السيناريوهات األخرى التي ّ
د: ي جدي رافي سياس هد جغ ميم مش تص
يجري التوسع العمراني في اليمن وبلدان القرن األفريقي بوتيرة سريعة ،بما في ذلك على السواحل .وتعتبر المدن الساحلية
المتنامية ،مثل عدن ،والحديدة (اليمن) ،مقديشو (الصومال) ،ومدينة جيبوتي ،مهددة بارتفاع مستوى البحر .فهن اك احتمال
في أن تغم ر مي اه البح ر الهياك ل الحضرية األساس ية ،وأن تتسبب في تل وث إم دادات المي اه العذب ة من خالل تسرب المي اه
المالحة ،وأن تحد من إنتاجية األراضي الصالحة للزراعة ،فتدفع بمجموعات سكنية بأكملها إلى الهجرة.
مضيق خطير
لخليج عدن ،وهو ممر مائي على امتداد القرن األفريقي ،أهمية قصوى .وبما أن تغير المناخ يقلّص الفرص االقتصادية
في المنطقة أكثر فأكثر ،فمن المحتمل أن تتزايد عمليات القرصنة على طول السواحل .و قد بينت البحوث وجود تقاطع
هام بين البلدان التي تسجل معدالت مرتفعة لهجمات القرصنة (قبالة سواحل الصومال ،وأثيوبيا ،وإ رتريا) ،وبين البلدان
األفريقية األكثر هشاشة من حيث الظروف المناخية .وتوفر الرسوم البيانية صورة مقلقة لكيفية تأثير تراكم المخاطر على
تكريس عجز اليمن ودول القرن األفريقي.
3
مصائد األسماك واألمن الغذائي
يساهم ارتفاع درجة حموضة المحيطات وحرارتها في الهجرة وفي استنفاذ كميات األسماك في العالم ،وبشكل خاص على
طول سواحل اليمن و القرن األفريقي ـ لكن متابعة الوضع ليست على المستوى المطلوب كي يتم تحديد مدى اتساع هذه
التداعيات بصفة دقيقة .وقد يؤدي تغيير كيمياء المحيطات ودرجات حرارتها إلى تفاقم احتماالت التوتر في اليمن والقرن
األفريقي ،بين الدول واألطراف الفاعلة في المناطق الداخلية ،إذ هم يتقاسمون نفس الساحل ،مما يزيد في احتمال نشوب
نزاعات حول ممارسة صيد األسماك ،حيث أن السفن تجوب المياه المجاورة ،أو تتنافس على موارد في تضاؤل مستمر
في المياه الدولية.
الهجرة
تزيد ح االت الجف اف وم ا يقترن به ا من عوام ل أخ رى ،في حث الس كان على الهجرة ،سواء في بل دان الق رن اإلف ريقي أو
خارجها .ويبقى السكان الذين يتعذر عليهم الرحيل مهددين بـ«الحصار» ،أو عاجزين على التنقل إلى أماكن أكثر أمان اً.
ومن المحتم ل أن يفض ي انخف اض هط ول األمط ار وزي ادة الح وادث الجوي ة الش ديدة في اليمن و الق رن األف ريقي إلى تف اقم
الهجرة من حيث العدد والوتيرة .ويعتبر روبرت ماكليمان( )link is externalمن جامعة ويلفريد لوريي (كندا) أن «هناك
احتمال في أن تشكل الدول الهشة سياسيا في المستقبل مراكز أحداث العنف والهجرة الجبرية المرتبطة بالمناخ» (مراكز
المناخ واألمن( ،)link is externalيونيو .)2017وبالفعل ،من بين الدول العشرين التي تتصدر مؤشر الدول الهشة لعام
،)link is external(2017هن اك اثنت ا عش رة دول ة تق ع في من اطق الش رق األوس ط ،وجن وب آس يا وأفريقي ا ،ال تي من
المتوقع أن تشتد فيها أزمة ندرة المياه بسبب تغير المناخ .ومن بينها اليمن والصومال ،وإ رتريا. ،
إن التغير الطارئ على توفر الموارد المائيه ـ ندرة الموارد وصعوبة بلوغها ـ جراء تغير المناخ قد أدى أيضا إلى استخدام
الم اء كس الح من ط رف ال دول والجه ات الفاعل ة غ ير الحكومي ة .وفق ا لدراس ة حديث ة أنجزه ا م اركوس كينغ(link is
)externalمن جامع ة ج ورج واش نطن (الوالي ات المتحدة) ،تعت بر الص ومال معرض ة بص فة خاص ة الى ه ذا التراب ط بين
المناخ والنزاعات وعسكرة مراكز الموارد المائية( مراكز المناخ واألمن( ،)link is externalيونيو .)2017وفي عام
،2011ع انت الص ومال من ح االت جف اف إقليمي ة تم ربطه ا بتغ ير المن اخ .ويالح ظ م اركوس كين غ أن ه في تل ك اآلون ة،
ق امت جماع ة الش باب الجهادي ة األص ولية «بتغي ير خط ة تحركاته ا الميداني ة وب دأت في ع زل الم دن المح ّررة عن م وارد
المي اه ،لتد ّل على ح د أدنى من نفوذه ا وحض ورها .وك ان لتغ ير المن اخ واالفتق ار للم واد الغذائية واس تمرار ال نزاع وكذلك
عس كرة مراك ز الم وارد المائي ة ،انعكاس ات فادح ة على الس كان ال ذين لم يتمكن وا من الحص ول على المس اعدات اإلنس انية
بسبب العمليات التي تشنها حركة الشباب ،وقد ترتب عن ذلك وفاة أكثر من 250.000نسمة وتشرد مئات اآلالف من
األشخاص».
بريق من األمل
وإ ن كانت فترات الجفاف واألحداث الجوية الشديدة تشكل ظواهر مألوفة في المنطقة ،إاّل أن سرعة التغير وتقلّص الف ترات
الفاص لة بين األح داث س وف تض اعف من ش دة الض غط على الحكوم ات ال تي تتحم ل أص الً أعب اء ثقيل ة ،مم ا ي ؤول إلى
تضاعف مخاطر زعزعة استقرار الدول ونشوب النزاعات بشكل دائم .ولكن ،يلوح في األفق بريق من األمل ألن تغير
المناخ ،والسيما مقارنة بعوامل أخرى تهدد األمن الدولي ،يبقى قابال لوضع نماذج توقعية موثوقة بدرجة عالية ولو نسبياً.
4
ورغم أن التوقعات على الصعيد المحلي تبقى غير مضمونة ،فإن النماذج المناخية االستشرافية ترسم صورة واضحة لما
يحمل ه المس تقبل ،مم ا ي تيح للحكوم ات والمجتمع ات وض ع المخطط ات المناس بة .لكن إحك ام الق درة على التنب ؤ ال تض اهي
االستعداد .إن التزامن بين «وجود مخاطر غير مسبوقة» و«قدرة على االستشراف غير مسبوقة» يدفع بنا إلى «مسؤولية
التـأهب(( »)link is externalتقري ر رف ع إلى مجلس األمن لألمم المتح دة ،ديس مبر )2021وهي مس ؤولية ال ب د أن
تتحملها المؤسسات المحلية ،والوطنية والدولية من خالل تدعيم قدرتها على المرونة المناخية في اليمن و القرن األفريقي.
وإ ن لم تقم ب ذلك ،فس وف يتم المس اس بص فة هائل ة ال فق ط باس تقرار المنطق ة ب ل باس تقرار الع الم بأس ره.
5