Professional Documents
Culture Documents
بحث قضايا
بحث قضايا
تعد التغيرات المناخية مجموعة من اإلختالالت التى تطرأ على حالة المناخ العام ة فى الك رة األرض ية ،ال تى
تسبب تغيرا جذريا فى الطقس نتيجة عوامل عدة .وتتأثر القطاعات االقتصادية فى مختلف أنح اء الع الم ت أثرا
بالغا بأية تغيرات مناخية .وتعد العالقة بين التغير المناخى واألوض اع االقتتص ادية إح دى العالق ات المعق دة،
حيث يتداخل بها تأثير المناخ والبيئة والظروف اإلجتماعية واالقتصادية.
لذلك ،فإن التغيرات المناخية تحمل فى جوهرها ارتدادات سلبية على األوضاع االقتصادية العالمي ة ،وه و م ا
يمكن بيانه على النحو التالي:
-1تراجع االقتصادات الكبرى :وفقا لدراسة أعدتها شركة «سويس ريإنشورانس» إلعادة الت أمين» فى أبري ل
،2021ستشهد البلدان األعضاء فى «منظمة التع اون االقتص ادى والتنمي ة» ،وهى مجموع ة من أغ نى دول
العالم ،انخفاضا بنسبة %5فى حجم اقتصاداتها ،مقارنة بـ % 9فى أمريكا الجنوبية ،ونحو %17فى الش رق
األوسط وإفريقيا ،و %25فى دول «رابطة جنوب شرق آسيا /آسيان»(.)2
وق د ت أتى األش كال الرئيس ية للض رر االقتص ادى من خالل المخ اطر المادي ة ،مث ل األض رار ال تى تلح ق
بالممتلكات واالضطرابات التجارية الناجمة عن زيادة مستويات األحداث المناخية القاسية ،وفق دان اإلنتاجي ة،
واضطرار الحكومات إلى إعادة توزيع الموارد الشحيحة لمواجهة التغير المناخي.
فى المقابل ،تشير بعض الدراسات إلى احتمال أن يؤدى ارتفاع الحرارة ،بمعدل 2إلى 2.6درجة مئوي ة ،إلى
خس ائر اقتص ادية عالمي ة بنس بة 11إلى ،%13.9أى أعلى بنح و %10من خ ط األس اس .لكن الس يناريو
األس وأ س يحدث إذا ارتفعت الح رارة بمع دل 3.2درج ة ،إذ ق د ي ؤدى ذل ك إلى خس ارة %18.1من الن اتج
االقتصادى العالمى بحلول منتصف القرن.
-2ت$$دهور االقتص$$ادات الض$عيفة :ق د تس فر التغ يرات المناخي ة عن ارت دادات س لبية على اقتص ادات ال دول
الفقيرة .وقد كشف عن ذلك تصريحات كريستينا الجارد ،مدير صندوق النقد ال دولي ،حيث ق الت «نحن نُقَ دِّر
االحتياجات السنوية بأكثر من %1من إجمالى الناتج المحلى فى نح و 50من االقتص ادات المنخفض ة ال دخل
والنامية على م دى الس نوات العش ر القادم ة ،وذل ك بفع ل التغ يرات المناخي ة .ويمكن أن تص ل التك اليف فى
البلدان الجزرية الصغيرة المعرضة لألعاصير االس توائية وارتف اع مس تويات البح ار إلى %20من إجم الى
الناتج المحلي» .وأضافت «من المؤسف أن البلدان األشد احتياجا إلى التكي ف غالب ا م ا تفتق ر إلى س بل القي ام
بذلك .فهى فى العادة ال تملك التمويل والقدرات المؤسسية الالزمين لتنفيذ برامج التكي ف المطلوب ة .باإلض افة
إلى ذلك ،فإن بعض البلدان األشد عرض ة لموج ات الح رارة الش ديدة ونوب ات الجف اف والعواص ف وارتف اع
مستويات البحار غالبا ما تواج ه احتياج ات تنموي ة ملح ة أخ رى .يع نى ه ذا أن ه من المهم أك ثر من أى وقت
مضى االستثمار فى النمو القادر على الصمود ،مع إدماج التكيف إدماجا ك امال فى األه داف األخ رى للتنمي ة
المستدامة»(.)3
وتشكل تبعات التغير المناخى خطرًا شديدًا يهدد اقتصادات دول القارة اإلفريقي ة .وب الرغم من إس هام إفريقي ا
بنسبة ضئيلة فى إجمالى االنبعاثات الضارة العالمي ة ،فإنه ا األك ثر تض ررًا من ت داعيات المن اخ ،حيث تت أثر
اقتص ادات الق ارة اإلفريقي ة بأنم اط المن اخ المتطرف ة؛ إذ تعتم د معظم االقتص ادات فى الق ارة على الم وارد
الطبيعية (المع ادن والزراع ة والحي اة البري ة) .ووفقً ا لألمم المتح دة ،من المتوق ع أن ينخفض إجم الى الن اتج
المحلى للقارة بنسبة %2.25ليصل إلى .)4(%12.12
-3تهدي$$د اإلنتاجي$$ة الزراعي$$ة :تمث ل الت أثيرات المحتمل ة لتغيُّر المن اخ تهدي دًا لإلنتاجي ة الزراعي ة فى تل ك
المناطق ،التى تمثل الزراعة فيها الجانب األكبر من اقتصاداتها ،وهى فى ال وقت ذات ه األق ل ق درةً واس تعدادًا
للتكيف مع تلك المخاطر ،نتيج ة لض عف إمكاني ات تل ك ال دول من الن واحى البش رية ،والمؤسس ية ،والتقني ة،
والمالية.
فى المقابل ،يعمل تغير المناخ على تقليل اإلنتاج الزراعي ،إذ تمث ل التغ يرات المناخي ة تهدي داً كب يراً لإلنت اج
الزراعي .فمع تغير المناخ ،تصبح الظروف الجوية غير مواتية بدرجة كبيرة لزراعة محاصيل بعينها .أضف
إلى ذلك أن طرق الزراعة التقليدية تُش ِّكل خطورة وض غطا ً كب يرين على النظم البيئي ة العالمي ة ،إذ ينتج عنه ا
كميات كبيرة من انبعاثات غازات االحتب اس الح راري ،بم ا يس هم بالتبعي ة فى مزي د من التغ يرات المناخي ة.
عالوةً على ذلك ،يستهلك اإلنتاج الزراعى كميات كبيرة من المياه العذبة ،ما يُمثِّل خطورةً على كمي ات المي اه
العذبة المتوافرة على الكرة األرضية(.)5
وقد يسفر تراجع اإلنتاج الزراعى بفعل التغيرات المناخية عن ازدياد محتمل لعدد الجياع فى الع الم .وبحس ب
بعض الدراسات ،يُقدر عدد األشخاص الذين يع انون الج وع بنح و 800ملي ون ش خص ح ول الع الم .ويق در
آخ رون ب أن 1من ك ل 9أش خاص يع انى الج وع يومي ا ً ونقص التغذي ة نتيج ة ل ذلك .ووفق ا ً لبرن امج الغ ذاء
أيض ا أعلى مع دالت الهج رة العالمي ،فإن البلدان ال تى ل ديها أعلى مس توى من انع دام األمن الغ ذائي ،ل ديها ً
الخارجية لالجئين .وبحسب اإلحصاءات األخيرة ،هناك ما يقدر بنحو 821مليون شخص يعانون حاليً ا س وء
التغذية ،ونحو 151مليون طفل دون س ن الخامس ة يع انون التق ُّزم ،وم ا يق رب من 613ملي ون ام رأة وفت اة
تتراوح أعمارهن بين 15و 49عاما ً يعانين نقص الحديد ،وما ال يقل عن مليارى بالغ يعانون زيادة ال وزن أو
السمنة(.)6
-4ارتفاع أسعار الغذاء :قد يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير محتمل فى طبيعة ال تركيب المحص ولي،
ما يؤدى إلى ارتفاع أسعار األغذي ة نتيج ة لتب اطؤ زي ادة اإلم دادات الغذائي ة العالمي ة نس بةً إلى زي ادة الطلب
العالمى عليها .أى ستتسبب التغيرات المناخية فى تناقص المحاصيل المختلفة ،ما يؤدى إلى انخف اض مس توى
األمن الغذائي ،خاصة بالنسبة للدول المستوردة للغذاء .ي زداد ه ذا األم ر س وءاً نتيج ة جائح ة كورون ا ال تى
أثرت سلبا ً فى سالسل اإلمداد العالمية للغذاء(.)7
-5تأثيرات فى حركة النقل العالمية :ثمة ارتدادات سلبية ألزمة جفاف المسطحات المائية ال تى تعص ف بع دد
واسع من اقتصادات الدول الكبرى ،وفى الصدارة منها الصين والدول الغربية .فقد أدى الجفاف الذى يعص ف
بهذه الدول إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة ،لم تقتصر تداعياتها على إنتاج الحبوب والكهرباء فى تلك الدولة،
بل ربما تؤدى أيض ا إلى نقص ع المى فى الم واد الغذائي ة والص ناعية على نط اق أك بر بكث ير من تل ك ال تى
أحدثتها جائحة فيروس كورونا (كوفيد )19-والحرب فى أوكرانيا.
ونظرا لألهمية البالغة التى تتمتع بها الصين والدول األوروبية فى االقتصاد العالمي ،فإن الجفاف الحادث فى
بعض مسطحاتها المائية قد ينعكس على األوضاع االقتصادية العالمية .فعلى سبيل المثال ،الماء عنصر حيوى
فى التطور السريع للصين التى تستهلك يوميا 10مليارات برميل من المياه ،أى م ا يع ادل نح و 700ض عف
استهالكها اليومى من النفط .كما أن موجة الجفاف التى تتعرض لها أوروبا فى الوقت الحالى ،وتعد األسوأ فى
القارة العجوز منذ نحو 500عام ،قد تؤدى إلى تآكل جانب واسع من اقتصادات الدول األوروبية .فعلى س بيل
المثال ،تسهم أنهار أوروبا التى تعرضت للجفاف «نهرا الراين والدانوب» بنحو 80ملي ار دوالر فى اقتص اد
المنطقة كوسيلة نقل لحركة التجارة.
أما فى الصين ،فقد أدى الص يف القاس ى إلى خس ائر فادح ة فى نه ر يانجتس ي ،أط ول أنه ار آس يا .كم ا أدى
انخفاض مستويات المياه إلى إعاقة تولي د الكهرب اء فى ع دد من محط ات الطاق ة الكهرومائي ة الرئيس ية .وق د
ترتب على ذلك إطفاء الم دن الض خمة ،ومنه ا ش نغهاي ،األن وار للح د من اس تخدام الطاق ة ،وتح ذير ش ركة
«تسال» من حدوث اضطرابات فى سلس لة التوري د فى مص نعها المحلي ،وإغالق ش ركة «تويوت ا موت ورز»
وهى أكبر ش ركة إلنت اج الس يارات فى الع الم ،وش ركة « »Contemporary Amperex Technology
(أكبر شركة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية فى العالم) مصانعهما(.)8
-6اختالل الخريطة السياحية :سيسبب ارتفاع درجة الحرارة تراجع ا ً ش ديداً فى مؤش ر التص نيفات الس ياحية
للعديد من الوجهات السياحية .على سبيل المثال ،سيؤثر ابيضاض الشعاب المرجانية -الناتج عن ازدياد مع دل
درجات الحرارة وحموضة مياه البحر -فى اقتصادات السياحة ببلدان حوض البحر األحمر ،وبالدرج ة األولى
مص ر واألردن .كم ا س يؤثر تآك ل الش واطئ وارتف اع مس تويات البح ار فى المراك ز الس ياحية الش اطئية،
وبالدرجة األولى فى مصر ،وتونس ،والمغرب ،وس وريا ،واألردن ،ولبن ان ،وتمث ل الس ياحة فى ه ذه ال دول
مصدراً مهما ً للعمل ة الص عبة .كم ا ك ان للتغ ير البي ئى المص احب إلزال ة الغاب ات فى كيني ا ت أثير مباش ر فى
السياحة التى تمثل العمود الفقرى لالقتصاد الكيني ،وتعد المحميات الطبيعية وم ا فيه ا من حي اة بري ة عنص ر
الجذب األساسى لهذه الصناعة.
بالتوازى مع ذلك ،ثمة ارتدادات سلبية مباشرة للتغ يرات المناخي ة على ص ناعة الس ياحة فى ال دول الك برى،
خاصة إسبانيا ،وإيطاليا ،واليونان وغيرها من الدول األوروبية ،التى تعد السياحة أحد أهم مص ادرها المالي ة.
ب ذلك ،يمكن أن تتح ول المن اطق المص نفة س ياحيا ً فى ال وقت الح الي ،وفق ا ً لبعض التق ديرات ،بين «جي دة»
و«ممتازة» إلى تصنيفات تتراوح بين «هامشية» و«غير مواتية» بحلول ع ام .2080هن ا ،يمكن فهم اعتم اد
منظمة السياحة العالمية عام 2021رس ميًا إعالن «س ورينتو» ،ال ذى ص در فى خت ام قم ة الس ياحة الش بابية
األولى ال تى أقيمت فى إيطالي ا ،وه و اإلعالن ال ذى وقع ه 120مش ار ًكا من 57دول ة ،عن ت أثير التغ يرات
المناخية فى السياحة ،وأهمية اعتماد أنماط سياحة مستدامة منخفضة االنبعاثات صديقة للبيئة.
-7اختالل النظام الصحي :يتوقع أن ت ؤدى التغ يرات المناخي ة المتس ارعة إلى تع رض بعض أن واع النبات ات
والحيوانات لخطر االنقراض بنسبة 20إلى ٪30تقريباً .وإذا استمر ارتفاع متوس ط درج ة الح رارة الع المي،
فمن المتوقع انقراض العديد من النباتات والحيوانات وما يتبعه من آثار مادية نتيجة لتأثر األنشطة االقتص ادية
مثل السياحة والصيد والزراعة ،واتساع المدى الجغرافى النتش ار األم راض المعدي ة ،وم ا ي ترتب علي ه من
تأثيرات ضارة فى صحة اإلنسان ،خاصة فى القارة اإلفريقية.
-8التأثيرات فى البنية التحتية :تتصاعد التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية فى البنى التحتي ة لالقتص ادات
العالمية ،خاصة داخل االقتصادات التى تتجاهل أنظمة استخدام األراضى والتخطيط العمرانى فيها المتطلب ات
األساسية للتكيف مع تغير المناخ.
فى هذا السياق ،ومع كثافة التحوالت فى المناخ ،تتصاعد ف رص ازدي اد مع دل ح دوث االنهي ارات األرض ية
الناجم ة عن ش دة هط ول األمط ار ،إلى ج انب ازدي اد مع دل ح دوث الفيض انات بالمس توطنات القائم ة على
ضفاف األنهار .ومع التوسع العمرانى السريع فى المن اطق الس احلية المنخفض ة عن س طح البح ر -س واء فى
الدول النامية أو المتقدمة -وما يص احبه من ارتف اع مع دالت الكثاف ة الس كانية واالس تثمارات والبني ة التحتي ة
المصاحبة لهذا التطور العمرانى فى تلك المناطق ،سوف تزداد قيم ة الخس ائر البش رية والمادي ة المتوقع ة فى
تلك المناطق ،نتيجة الرتفاع مستوى سطح البحر واألعاصير الناجم ة عن تغ ير المن اخ .تق در قيم ة الخس ائر
المحتملة فى البنية األساسية فى المناطق الساحلية ،نتيجة الرتفاع مس توى س طح البح ر ،بعش رات الملي ارات
من ال دوالرات األمريكي ة ببعض البل دان مث ل مص ر وبولن دا وفيتن ام .وفى الق ارة اإلفريقي ة ،س وف تت أثر
المستوطنات الساحلية مثل خليج غيني ا ،والس نغال ،وجامبي ا ،ومص ر ،والس احل الش رقى الجن وبى إلفريقي ا،
نتيجة الرتفاع مستوى البحر وما ينتج عنه من غمر األراضى وتآكل الس واحل .كم ا تكش ف بعض الدراس ات
عن أن ما يقرب من %75من المبانى والبنى التحتية فى بعض دول المنطقة العربية معرض ة بش كل مباش ر
لخط ر ت أثيرات تغ ير المن اخ ،وبالدرج ة األولى ارتف اع مس تويات البح ار ،وتك رار األي ام الح ارة ،واش تداد
العواصف ،األمر الذى يعرض نظم النقل وشبكات المياه ،والصرف الصحي ،ومحط ات تولي د الطاق ة لخط ر
شديد.
الخالصة:
يتطلب التعامل الناجح مع قضية التغييرات المناخية اعتماد رؤية شاملة ،تأخ ذ فى الحس بان األبع اد المتش ابكة
والمترامية لتأثيرات التغيرات المناخية ،وفى الصدارة منها ضرورة تحول العالم إلى اقتص اد من ن وع جدي د،
يعتمد على موارد جديدة للطاقة ،وتكنولوجيا جديدة فى الصناعة ،وممارسات مختلف ة فى االس تهالك والحي اة،
وتوجه أكبر نحو االقتصادين األخضر واألزرق