You are on page 1of 5

‫تأثيرات التغير المناخى فى اقتصادات الدول‬

‫ارتبط النمو االقتصادى العالمى على مدى العقود الخمسة الماضية بتدهور سريع فى البيئة العالمية‪ ،‬حيث لم يكن هناك اهتمام فى الفكر‬
‫االقتصادى باستنزاف الموارد الطبيعية‪ .‬إن العالم كله مشغول بقضية تغير المناخ واالرتفاع غير المنضبط فى معدل درجات الحرارة‪ ،‬بفعل‬
‫تداعياتها المتوقعة على االقتصادات العالمية‪ .‬فكل األزمات التى يعانيها االقتصاد العالمى فى الوقت الحالي‪ ،‬يؤكد إدوارد ويلسون‪ ،‬عالم‬
‫األحياء األمريكي‪ ،‬أنها فى األساس متصلة بالبيئة‪ .‬كما تؤكد العديد من الدراسات أن االنبعاثات الغازية الناتجة عن النشاط البشرى فى‬
‫‪.‬المجاالت المختلفة الستخدام الطاقة أدت إلى احتباس حرارى عالمى غير مسبوق‪ ،‬كانت له تداعياته السلبية على االقتصادات العالمية‬

‫ويُعرف العلماء‪ W‬تغير المناخ بأنه «أى تغير مؤثر وطويل المدى يحدث لمنطقة معينة فى معدل حالة الطقس‪ ،‬التى تشمل درجات الحرارة‬
‫ومعدل تساقط األمطار وحالة الرياح»‪ .‬وتحدث التغيرات بسبب العمليات الديناميكية لألرض كالبراكين‪ ،‬أو بسبب قوى خارجية كالتغير فى‬
‫شدة أشعة الشمس أو سقوط النيازك الكبيرة‪ ،‬أو بسبب نشاط اإلنسان»‪ .‬ويؤكد قطاع واسع من العلماء أن النشاطات‪ W‬البشرية حاليا ً هى السبب‬
‫الرئيسى الرتفاع درجة حرارة األرض‪ .‬ويشار إلى أن حدوث ارتفاع متزايد فى درجات الحرارة سيزيد من االضطرابات المناخية خالل الـ‬
‫‪ 30‬عاما المقبلة‪ ،‬ومن ثم سيزيد ذلك الضغوط على طلب الغذاء والمياه‪ ،‬مع ازدياد موجات الهجرة‪ .‬وال يمكن استبعاد احتمالية حدوث‬
‫‪».‬احتباس حرارى كارثى فى وقت الحق‪ ،‬قد ينتج عنه ذوبان القمم الجليدية فى «جرينالند‬

‫وعلى الرغم من أن الحكومات قدمت‪ W‬فى قمة المناخ ‪ 2021‬التى عقدت فى أبوظبى مجموعة من التعهدات المهمة لمواجهة هذه األزمة‪ ،‬فإنه‬
‫‪.‬لم يتم االلتزام بهذه التعهدات‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بقطاع الصناعات المرتبطة بالوقود األحفوري‬

‫‪:‬أزمة معقدة‬

‫أصبحت قضية تغير المناخ أكثر إلحاحا ً‪ ،‬وأحد أهم األخطار التى تواجه البشرية فى الوقت الراهن‪ ،‬خصوصا ً مع إعالن الواليات المتحدة‬
‫األمريكية فى يوليو ‪ 2017‬االنسحاب‪ W‬من اتفاقية باريس لمجابهة تغيرات المناخ‪ ،‬بحجة الدعوة التى أطلقها الرئيس األمريكى السابق دونالد‬
‫ترامب‪ ،‬خالل حملته االنتخابية‪ ،‬تحت شعار «الدفاع عن الوظائف األمريكية»‪ .‬وكان ترامب يعتقد أن االتفاق ال يصب فى مصلحة‬
‫واشنطن‪ ،‬حيث يفرض قيودا مالية واقتصادية شديدة عليها‪ .‬وتفاقمت‪ W‬أزمة المناخ مع اتجاه البرازيل نحو فتح غابة األمازون أمام االستغالل‬
‫التجاري‪ ،‬ما سيشكل خطرا على صحة الكرة األرضية برمتها‪ ،‬السيما أن ضخامة‪ W‬حجم غابات األمازون‪ ،‬التى تبلغ مساحتها‪ W‬ما يقرب من‬
‫‪ 600.‬مليون هكتار‪ ،‬تجعل ألى تغيرات بسيطة فى نظامها البيئى أثراً مهما ً على دورة الكربون فى الغالف الجوي‬

‫فى المقابل‪ ،‬تتفاوت استجابة باقى الدول االقتصادية الكبرى والدول النامية‪ .‬فمثالً‪ ،‬ترى الهند والصين ‪-‬رغم إعدادهما برامج لمجابهة تغير‬
‫المناخ على المستوى القومي‪ -‬أن مساعى إلزامهما بخفض انبعاثاتهما تهدف إلى وأد النمو االقتصادى فيهما‪ .‬هنا‪ ،‬يمكن فهم تراجع الدول‬
‫الغنية عن تعهدات سابقة بجمع ‪ 100‬مليار دوالر من األموال العامة‪ W‬والخاصة لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية بحلول عام ‪،2020‬‬
‫وذلك لدعم اقتصادات الدول الفقيرة‪ ،‬وتعزيز قدرتها على مواجهة التغيرات المناخية‪ .‬لكن دراسة نشرها موقع «ساينتفك أمريكان» عام‬
‫‪ 2015‬تحت عنوان «موجات الصدمة‪ :‬إدارة تأثيرات تغير المناخ على الفقر»‪ ،‬ذكرت أن «حجم األموال التى يجب على الدول الغنية دفعها‬
‫‪».‬إلى الدول الفقيرة للتكيف مع آثار تغير المناخ سيبقى نقطة خالف رئيسية بين الدول الغنية والفقيرة‬

‫‪:‬تحذيرات الفتة‬
‫فى خطاب مطول له فى أكتوبر ‪ ،2015‬حذر محافظ‪« W‬بنك إنجلترا المركزي»‪ ،‬مارك كارني‪ ،‬من آثار التغير المناخى على االقتصاد‬
‫واالستقرار المالى العالمي‪ ،‬وحض خبراء االقتصاد على التحرك فى شكل سريع لمحاولة احتواء الضرر االقتصادي‪ ،‬ولو جاء ذلك التحرك‬
‫متأخراً‪ .‬وصف «كارني» الضرر الذى يسببه التغير المناخى على االقتصاد بـ«مأساة فى األفق»‪ ،‬مؤكداً أن التكاليف المترتبة على‬
‫التغيرات المناخية تتجاوز توقعات السلطات التكنوقراطية‪ ،‬التى ال تأخذ فى الحسبان استنزاف الموارد المشتركة من قبل األفراد الذين‬
‫يتشاركون فيها‪ ،‬وفقا للمصلحة الذاتية لكل منهم‪ ،‬على الرغم من إدراكهم أن استنزاف هذه الموارد يتعارض مع المصلحة المشتركة‬
‫‪.‬للمجموعة فى المدى الطويل‬

‫من جهته‪ ،‬اتجهت الواليات المتحدة إلى تبنى إجراءات لمواجهة قضية التغيرات المناخية‪ ،‬وتجلى ذلك فى تصريحات للرئيس األمريكى جو‬
‫بايدن أمام قمة افتراضية بشأن تغير المناخ فى أبريل ‪ ،2021‬حيث قال إننا نعيش فى «عقد حاسم» فيما يتعلق بمواجهة ظاهرة تغير المناخ‪.‬‬
‫‪.‬وأشار إلى تعهد بالده بخفض انبعاثات الكربون بحلول عام ‪ 2030‬بنسبة تتراوح بين ‪ 50‬و‪ %52‬مقارنة بمستويات عام ‪2005‬‬

‫بيد أن التعهد األمريكى يعنى حدوث تغييرات كبيرة فى طريقة الحياة األمريكية‪ ،‬إذ يجب اختفاء الفحم من مزيج الكهرباء‪ ،‬بينما تتحول‬
‫‪.‬السيارات والشاحنات‪ W،‬التى تستهلك كميات كبيرة من الغاز‪ ،‬إلى الكهرباء‬

‫فى المقابل‪ ،‬حذر صندوق النقد الدولى من تداعيات تزايد الكوارث المرتبطة بالمناخ على النمو االقتصادى فى الشرق األوسط‪ .‬وقالت‬
‫مديرة صندوق النقد الدولي‪ ،‬كريستالينا جورجيفا‪ ،‬فى ‪ 30‬مارس الماضى (‪ )2022‬إن «تواتر وشدة الكوارث المرتبطة بالمناخ تتزايد فى‬
‫الشرق األوسط ووسط آسيا على نحو أسرع من أى مكان آخر فى العالم‪ ،‬ما يشكل خطرًا كبي ًرا على النمو والرخاء فى المنطقة»‪ .‬كما‬
‫أظهرت وثيقة جديدة لصندوق النقد الدولى أن الكوارث المناخية فى المنطقة أصابت وشردت سبعة ماليين شخص‪ ،‬وأسفرت عن أكثر من‬
‫‪ 2600.‬حالة وفاة وأضرار مادية بقيمة مليارى دوالر(‪)1‬‬

‫يشار إلى أن الكوارث المناخية تقلل النمو االقتصادى السنوى بنسبة ‪ 2-1‬نقطة مئوية للفرد‪ ،‬كما تسببت الكوارث فى خسارة دائمة بمنطقة‬
‫القوقاز وآسيا الوسطى دون اإلقليمية بنسبة ‪ 5.5‬نقطة مئوية‪ .‬كما أنه على المدى الطويل‪ ،‬يُتوقع أن يضعف التغير المناخى النشاط‬
‫االقتصادى العالمى نتيجة األضرار المترتبة على قطاعات اقتصادية حيوية مثل الزراعة‪ ،‬واألضرار فى الممتلكات‪ W‬والبنى التحتية‪ ،‬وارتفاع‬
‫‪.‬تكاليف التأمين‪ ،‬وضعف اإلنتاجية‪ ،‬والتهجير‬

‫‪:‬خسائر متصاعدة‬

‫تعد التغيرات المناخية مجموعة من اإلختالالت التى تطرأ على حالة المناخ العامة فى الكرة األرضية‪ ،‬التى تسبب تغيرا جذريا فى الطقس‬
‫نتيجة عوامل عدة‪ .‬وتتأثر القطاعات االقتصادية فى مختلف أنحاء العالم تأثرا بالغا بأية تغيرات مناخية‪ .‬وتعد العالقة بين التغير المناخى‬
‫‪.‬واألوضاع االقتتصادية إحدى العالقات‪ W‬المعقدة‪ ،‬حيث يتداخل بها تأثير المناخ والبيئة والظروف اإلجتماعية واالقتصادية‬

‫‪:‬لذلك‪ ،‬فإن التغيرات المناخية تحمل فى جوهرها ارتدادات سلبية على األوضاع االقتصادية العالمية‪ ،‬وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي‬

‫‪1-‬‬ ‫تراجع االقتصادات الكبرى‪ :‬وفقا لدراسة أعدتها شركة «سويس ريإنشورانس» إلعادة التأمين» فى‬
‫أبريل ‪ ، 2021‬ستشهد البلدان األعضاء فى «منظمة التعاون االقتصادى والتنمية»‪ ،‬وهى مجموعة‬
‫من أغنى دول العالم‪ ،‬انخفاضا بنسبة ‪ %5‬فى حجم اقتصاداتها‪ ،‬مقارنة بـ ‪ % 9‬فى أمريكا الجنوبية‪،‬‬
‫‪.‬ونحو ‪ %17‬فى الشرق األوسط وإفريقيا‪ ،‬و ‪ %25‬فى دول «رابطة جنوب شرق آسيا‪ /‬آسيان»(‪)2‬‬

‫وقد تأتى األشكال الرئيسية للضرر االقتصادى من خالل المخاطر المادية‪ ،‬مثل األضرار التى تلحق بالممتلكات واالضطرابات التجارية‬
‫الناجمة عن زيادة مستويات األحداث المناخية القاسية‪ ،‬وفقدان اإلنتاجية‪ ،‬واضطرار الحكومات إلى إعادة توزيع الموارد الشحيحة لمواجهة‬
‫‪.‬التغير المناخي‬

‫فى المقابل‪ ،‬تشير بعض الدراسات إلى احتمال أن يؤدى ارتفاع الحرارة‪ ،‬بمعدل ‪ 2‬إلى ‪ 2.6‬درجة مئوية‪ ،‬إلى خسائر اقتصادية عالمية‬
‫بنسبة ‪ 11‬إلى ‪ ،%13.9‬أى أعلى بنحو ‪ % 10‬من خط األساس‪ .‬لكن السيناريو األسوأ سيحدث إذا ارتفعت الحرارة بمعدل ‪ 3.2‬درجة‪ ،‬إذ قد‬
‫‪.‬يؤدى ذلك إلى خسارة ‪ %18.1‬من الناتج االقتصادى العالمى بحلول منتصف القرن‬

‫‪2-‬‬ ‫تدهور االقتصادات الضعيفة‪ :‬قد تسفر التغيرات المناخية عن ارتدادات سلبية على اقتصادات الدول‬
‫الفقيرة‪ .‬وقد كشف عن ذلك تصريحات كريستينا الجارد‪ ،‬مدير صندوق النقد الدولي‪ ،‬حيث قالت‬
‫«نحن نُقَدِّر االحتياجات السنوية بأكثر من ‪ %1‬من إجمالى الناتج المحلى فى نحو ‪ 50‬من‬
‫االقتصادات المنخفضة الدخل والنامية على مدى السنوات العشر القادمة‪ ،‬وذلك بفعل التغيرات‬
‫المناخية‪ .‬ويمكن أن تصل التكاليف فى البلدان الجزرية الصغيرة المعرضة لألعاصير االستوائية‬
‫وارتفاع مستويات البحار إلى ‪ %20‬من إجمالى الناتج المحلي»‪ .‬وأضافت «من المؤسف أن البلدان‬
‫األشد احتياجا إلى التكيف غالبا ما تفتقر إلى سبل القيام بذلك‪ .‬فهى فى العادة ال تملك التمويل‬
‫والقدرات المؤسسية الالزمين لتنفيذ برامج التكيف المطلوبة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن بعض البلدان‬
‫األشد عرضة لموجات الحرارة الشديدة ونوبات الجفاف والعواصف وارتفاع مستويات البحار غالبا‬
‫ما تواجه احتياجات تنموية ملحة أخرى‪ .‬يعنى هذا أنه من المهم أكثر من أى وقت مضى االستثمار‬
‫فى النمو القادر على الصمود‪ ،‬مع إدماج التكيف إدماجا كامال فى األهداف األخرى للتنمية‬
‫‪.‬المستدامة»(‪)3‬‬

‫وتشكل تبعات التغير المناخى خطرًا شديدًا يهدد اقتصادات دول القارة اإلفريقية‪ .‬وبالرغم من إسهام إفريقيا بنسبة ضئيلة فى إجمالى‬
‫االنبعاثات الضارة العالمية‪ ،‬فإنها األكثر تضر ًر ا من تداعيات المناخ‪ ،‬حيث تتأثر اقتصادات القارة اإلفريقية بأنماط المناخ المتطرفة؛ إذ‬
‫تعتمد معظم االقتصادات فى القارة على الموارد الطبيعية (المعادن والزراعة والحياة البرية)‪ .‬ووفقًا لألمم المتحدة‪ ،‬من المتوقع أن ينخفض‬
‫‪.‬إجمالى الناتج المحلى للقارة بنسبة ‪ %2.25‬ليصل إلى ‪)4(%12.12‬‬

‫‪3-‬‬ ‫تهديد اإلنتاجية الزراعية‪ :‬تمثل التأثيرات المحتملة لتغيُّر المناخ تهديدًا لإلنتاجية الزراعية فى تلك‬
‫المناطق‪ ،‬التى تمثل الزراعة فيها الجانب األكبر من اقتصاداتها‪ ،‬وهى فى الوقت ذاته األقل قدرةً‬
‫واستعدادًا للتكيف مع تلك المخاطر‪ ،‬نتيجة لضعف إمكانيات تلك الدول من النواحى البشرية‪،‬‬
‫‪.‬والمؤسسية‪ ،‬والتقنية‪ ،‬والمالية‬

‫فى المقابل‪ ،‬يعمل تغير المناخ على تقليل اإلنتاج الزراعي‪ ،‬إذ تمثل التغيرات المناخية تهديداً كبيراً لإلنتاج الزراعي‪ .‬فمع تغير المناخ‪،‬‬
‫تصبح الظروف الجوية غير مواتية بدرجة كبيرة لزراعة محاصيل بعينها‪ .‬أضف إلى ذلك أن طرق الزراعة التقليدية تُش ِّكل خطورة‬
‫وضغطا ً كبيرين على النظم البيئية العالمية‪ ،‬إذ ينتج عنها كميات كبيرة من انبعاثات غازات االحتباس الحراري‪ ،‬بما يسهم بالتبعية فى مزيد‬
‫من التغيرات المناخية‪ .‬عالوةً على ذلك‪ ،‬يستهلك اإلنتاج الزراعى كميات كبيرة من المياه العذبة‪ ،‬ما يُمثِّل خطورةً على كميات المياه العذبة‬
‫‪.‬المتوافرة على الكرة األرضية(‪)5‬‬
‫وقد يسفر تراجع اإلنتاج الزراعى بفعل التغيرات المناخية عن ازدياد محتمل لعدد الجياع فى العالم‪ .‬وبحسب بعض الدراسات‪ ،‬يُقدر عدد‬
‫األشخاص الذين يعانون الجوع بنحو ‪ 800‬مليون شخص حول العالم‪ .‬ويقدر آخرون بأن ‪ 1‬من كل ‪ 9‬أشخاص يعانى الجوع يوميا ً ونقص‬
‫التغذية نتيجة لذلك‪ .‬ووفقا ً لبرنامج الغذاء العالمي‪ ،‬فإن البلدان التى لديها أعلى مستوى من انعدام األمن الغذائي‪ ،‬لديها أيضًا أعلى معدالت‬
‫الهجرة الخارجية لالجئين‪ .‬وبحسب اإلحصاءات‪ W‬األخيرة‪ ،‬هناك ما يقدر بنحو ‪ 821‬مليون شخص يعانون حاليًا سوء التغذية‪ ،‬ونحو ‪151‬‬
‫التقزم‪ ،‬وما يقرب من ‪ 613‬مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين ‪ 15‬و‪ 49‬عاما ً يعانين نقص‬ ‫ُّ‬ ‫مليون طفل دون سن الخامسة يعانون‬
‫‪.‬الحديد‪ ،‬وما ال يقل عن مليارى بالغ يعانون زيادة الوزن أو السمنة(‪)6‬‬

‫‪4-‬‬ ‫ارتفاع أسعار الغذاء‪ :‬قد يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير محتمل فى طبيعة التركيب‬
‫المحصولي‪ ،‬ما يؤدى إلى ارتفاع أسعار األغذية نتيجة لتباطؤ زيادة اإلمدادات الغذائية العالمية نسبةً‬
‫إلى زيادة الطلب العالمى عليها‪ .‬أى ستتسبب التغيرات المناخية فى تناقص المحاصيل المختلفة‪ ،‬ما‬
‫يؤدى إلى انخفاض مستوى األمن الغذائي‪ ،‬خاصة بالنسبة للدول المستوردة للغذاء‪ .‬يزداد هذا األمر‬
‫‪.‬سوءاً نتيجة جائحة كورونا التى أثرت سلبا ً فى سالسل اإلمداد العالمية للغذاء(‪)7‬‬

‫‪5-‬‬ ‫تأثيرات فى حركة النقل العالمية‪ :‬ثمة ارتدادات سلبية ألزمة جفاف المسطحات‪ W‬المائية التى تعصف‬
‫بعدد واسع من اقتصادات الدول الكبرى‪ ،‬وفى الصدارة منها الصين والدول الغربية‪ .‬فقد أدى‬
‫الجفاف الذى يعصف بهذه الدول إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة‪ ،‬لم تقتصر تداعياتها على إنتاج‬
‫الحبوب والكهرباء فى تلك الدولة‪ ،‬بل ربما تؤدى أيضا إلى نقص عالمى فى المواد الغذائية‬
‫والصناعية على نطاق أكبر بكثير من تلك التى أحدثتها جائحة فيروس كورونا (كوفيد‪)19-‬‬
‫‪.‬والحرب فى أوكرانيا‬

‫ونظرا لألهمية البالغة التى تتمتع بها الصين والدول األوروبية فى االقتصاد العالمي‪ ،‬فإن الجفاف الحادث فى بعض مسطحاتها المائية قد‬
‫ينعكس على األوضاع االقتصادية العالمية‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬الماء عنصر حيوى فى التطور السريع للصين التى تستهلك يوميا ‪10‬‬
‫مليارات برميل من المياه‪ ،‬أى ما يعادل نحو ‪ 700‬ضعف استهالكها‪ W‬اليومى من النفط‪ .‬كما أن موجة الجفاف التى تتعرض لها أوروبا فى‬
‫الوقت الحالى‪ ،‬وتعد األسوأ فى القارة العجوز منذ نحو ‪ 500‬عام‪ ،‬قد تؤدى إلى تآكل جانب واسع من اقتصادات الدول األوروبية‪ .‬فعلى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬تسهم أنهار أوروبا التى تعرضت للجفاف «نهرا الراين والدانوب» بنحو ‪ 80‬مليار دوالر فى اقتصاد المنطقة كوسيلة نقل‬
‫‪.‬لحركة التجارة‬

‫أما فى الصين‪ ،‬فقد أدى الصيف القاسى إلى خسائر فادحة فى نهر يانجتسي‪ ،‬أطول أنهار آسيا‪ .‬كما أدى انخفاض مستويات المياه إلى إعاقة‬
‫توليد الكهرباء فى عدد من محطات الطاقة الكهرومائية الرئيسية‪ .‬وقد ترتب على ذلك إطفاء المدن الضخمة‪ ،‬ومنها شنغهاي‪ W،‬األنوار للحد‬
‫من استخدام الطاقة‪ ،‬وتحذير شركة «تسال» من حدوث اضطرابات فى سلسلة التوريد فى مصنعها‪ W‬المحلي‪ ،‬وإغالق شركة «تويوتا‬
‫أكبر شركة لصناعة ( »‪ «Contemporary Amperex Technology‬موتورز» وهى أكبر شركة إلنتاج السيارات فى العالم‪ ،‬وشركة‬
‫‪.‬مصانعهما(‪) )8‬بطاريات السيارات الكهربائية فى العالم‬

‫‪6-‬‬ ‫اختالل الخريطة السياحية‪ :‬سيسبب ارتفاع درجة الحرارة تراجعا ً شديداً فى مؤشر التصنيفات‬
‫السياحية للعديد من الوجهات السياحية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬سيؤثر ابيضاض الشعاب‪ W‬المرجانية ‪-‬‬
‫الناتج عن ازدياد معدل درجات الحرارة وحموضة مياه البحر‪ -‬فى اقتصادات السياحة ببلدان حوض‬
‫البحر األحمر‪ ،‬وبالدرجة األولى مصر واألردن‪ .‬كما سيؤثر تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات‬
‫البحار فى المراكز السياحية الشاطئية‪ ،‬وبالدرجة األولى فى مصر‪ ،‬وتونس‪ ،‬والمغرب‪ ،‬وسوريا‪،‬‬
‫واألردن‪ ،‬ولبنان‪ ،‬وتمثل السياحة فى هذه الدول مصدراً مهما ً للعملة الصعبة‪ .‬كما كان للتغير البيئى‬
‫المصاحب‪ W‬إلزالة الغابات فى كينيا تأثير مباشر فى السياحة التى تمثل العمود الفقرى لالقتصاد‬
‫‪.‬الكيني‪ ،‬وتعد المحميات الطبيعية وما فيها من حياة برية عنصر الجذب األساسى لهذه الصناعة‬

‫بالتوازى مع ذلك‪ ،‬ثمة ارتدادات سلبية مباشرة للتغيرات المناخية على صناعة السياحة فى الدول الكبرى‪ ،‬خاصة إسبانيا‪ ،‬وإيطاليا‪ ،‬واليونان‬
‫وغيرها من الدول األوروبية‪ ،‬التى تعد السياحة أحد أهم مصادرها المالية‪ .‬بذلك‪ ،‬يمكن أن تتحول المناطق المصنفة سياحيا ً فى الوقت‬
‫الحالي‪ ،‬وفقا ً لبعض التقديرات‪ ،‬بين «جيدة» و«ممتازة» إلى تصنيفات تتراوح بين «هامشية» و«غير مواتية» بحلول عام ‪ .2080‬هنا‪،‬‬
‫يمكن فهم اعتماد منظمة السياحة العالمية عام ‪ 2021‬رسميًا إعالن «سورينتو»‪ ،‬الذى صدر فى ختام قمة السياحة الشبابية األولى التى‬
‫أقيمت فى إيطاليا‪ ،‬وهو اإلعالن الذى وقعه ‪ 120‬مشار ًكا‪ W‬من ‪ 57‬دولة‪ ،‬عن تأثير التغيرات المناخية فى السياحة‪ ،‬وأهمية اعتماد أنماط‬
‫‪.‬سياحة مستدامة منخفضة االنبعاثات صديقة للبيئة‬

‫اختالل النظام الصحي‪ :‬يتوقع أن تؤدى التغيرات المناخية المتسارعة إلى تعرض بعض أنواع النباتات والحيوانات لخطر االنقراض ‪7-‬‬
‫بنسبة ‪ 20‬إلى‪ ٪30‬تقريبا ً‪ .‬وإذا استمر ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمي‪ ،‬فمن المتوقع انقراض العديد من النباتات والحيوانات وما‬
‫يتبعه من آثار مادية نتيجة لتأثر األنشطة االقتصادية مثل السياحة والصيد والزراعة‪ ،‬واتساع المدى الجغرافى النتشار األمراض المعدية‪،‬‬
‫‪.‬وما يترتب عليه من تأثيرات ضارة فى صحة اإلنسان‪ ،‬خاصة فى القارة اإلفريقية‬

‫‪7-‬‬ ‫التأثيرات فى البنية التحتية‪ :‬تتصاعد التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية فى البنى التحتية‬
‫لالقتصادات العالمية‪ ،‬خاصة داخل االقتصادات التى تتجاهل أنظمة استخدام األراضى والتخطيط‬
‫‪.‬العمرانى فيها المتطلبات األساسية للتكيف مع تغير المناخ‬

‫فى هذا السياق‪ ،‬ومع كثافة التحوالت فى المناخ‪ ،‬تتصاعد فرص ازدياد معدل حدوث االنهيارات األرضية الناجمة عن شدة هطول األمطار‪،‬‬
‫إلى جانب ازدياد معدل حدوث الفيضانات بالمستوطنات القائمة على ضفاف األنهار‪ .‬ومع التوسع العمرانى السريع فى المناطق الساحلية‬
‫المنخفضة عن سطح البحر ‪-‬سواء فى الدول النامية أو المتقدمة‪ -‬وما يصاحبه من ارتفاع معدالت الكثافة السكانية واالستثمارات والبنية‬
‫التحتية المصاحبة لهذا التطور العمرانى فى تلك المناطق‪ ،‬سوف تزداد قيمة الخسائر البشرية والمادية المتوقعة فى تلك المناطق‪ ،‬نتيجة‬
‫الرتفاع مستوى سطح البحر واألعاصير الناجمة عن تغير المناخ‪ .‬تقدر قيمة الخسائر المحتملة فى البنية األساسية فى المناطق الساحلية‪،‬‬
‫نتيجة الرتفاع مستوى سطح البحر‪ ،‬بعشرات المليارات من الدوالرات األمريكية ببعض البلدان مثل مصر وبولندا وفيتنام‪ .‬وفى القارة‬
‫اإلفريقية‪ ،‬سوف تتأثر المستوطنات الساحلية مثل خليج غينيا‪ ،‬والسنغال‪ ،‬وجامبيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬والساحل الشرقى الجنوبى إلفريقيا‪ ،‬نتيجة‬
‫الرتفاع مستوى البحر وما ينتج عنه من غمر األراضى وتآكل السواحل‪ .‬كما تكشف بعض الدراسات عن أن ما يقرب من ‪ %75‬من‬
‫المبانى والبنى التحتية فى بعض دول المنطقة العربية معرضة بشكل مباشر لخطر تأثيرات تغير المناخ‪ ،‬وبالدرجة األولى ارتفاع مستويات‬
‫البحار‪ ،‬وتكرار األيام الحارة‪ ،‬واشتداد العواصف‪ ،‬األمر الذى يعرض نظم النقل وشبكات المياه‪ ،‬والصرف الصحي‪ ،‬ومحطات توليد الطاقة‬
‫‪.‬لخطر شديد‬

‫‪:‬الخالصة‬

‫يتطلب التعامل الناجح مع قضية التغييرات المناخية اعتماد رؤية شاملة‪ ،‬تأخذ فى الحسبان األبعاد المتشابكة والمترامية لتأثيرات التغيرات‬
‫المناخية‪ ،‬وفى الصدارة منها ضرورة تحول العالم إلى اقتصاد من نوع جديد‪ ،‬يعتمد على موارد جديدة للطاقة‪ ،‬وتكنولوجيا جديدة فى‬
‫الصناعة‪ ،‬وممارسات مختلفة فى االستهالك والحياة‪ ،‬وتوجه أكبر نحو االقتصادين األخضر‬

You might also like