Professional Documents
Culture Documents
بحث قضايا
بحث قضايا
يكن هناك اهتمام فى الفكر االقتصادى باستنزاف الموارد الطبيعية .إن العالم كله مشغول بقضية تغير المناخ
واالرتفاع غير المنضبط فى معدل درجات الحرارة ،بفعل تداعياتها المتوقعة على االقتصادات العالمية .فكل
األزمات التى يعانيها االقتصاد العالمى فى الوقت الحالي ،يؤكد إدوارد ويلسون ،عالم األحياء األمريكي ،أنها
فى األساس متصلة بالبيئة .كما تؤكد العديد من الدراسات أن االنبعاثات الغازية الناتجة عن النشاط البشرى
فى ال مجاالت المختلفة الستخدام الطاقة أدت إلى احتباس حرارى عالمى غير مسبوق ،كانت له تداعياته
السلبية على االقتصادات العالمية.
ويُعرف العلماء تغير المناخ بأنه « أى تغير مؤثر وطويل المدى يحدث لمنطقة معينة فى معدل حالة الطقس،
التى تشمل درجات الحرارة ومعدل تساقط األمطار وحالة الرياح» .وتحدث التغيرات بسبب العمليات الديناميكية
لألرض كالبراكين ،أو بسبب قوى خارجية كالتغير فى شدة أشعة الشمس أو سقوط النيازك الكبيرة ،أو بسبب
نشاط اإلنسان» .ويؤكد قطاع واسع من العلماء أن النشاطات البشرية حاليا ً هى السبب الرئيسى الرتفاع درجة
حر ارة األرض .ويشار إلى أن حدوث ارتفاع متزايد فى درجات الحرارة سيزيد من االضطرابات المناخية
خالل الـ 30عاما المقبلة ،ومن ثم سيزيد ذلك الضغوط على طلب الغذاء والمياه ،مع ازدياد موجات الهجرة.
وال يمكن استبعاد احتمالية حدوث احتباس حرارى كارثى فى وقت الحق ،قد ينتج عنه ذوبان القمم الجليدية فى
«جرينالند».
وعلى الرغم من أن الحكومات قدمت فى قمة المناخ 2021التى عقدت فى أبوظبى مجموعة من التعهدات
المهمة لمواجهة هذه األزمة ،فإنه لم يتم االلتزام بهذه التعهدات ،خاصة فيما يتعلق بقطاع الصناعات المرتبطة
بالوقود األحفوري.
أزمة معقدة:
أصبحت قضية تغير المناخ أكثر إلحاحاً ،وأحد أهم األخطار التى تواجه البشرية فى الوقت الراهن ،خصوصا ً
مع إعالن الواليات المتحدة األمريكية فى يوليو 2017االنسحاب من اتفاقية باريس لمجابهة تغيرات المناخ،
بحجة الدعوة التى أطلقها الرئيس األمريكى السابق دونالد ترامب ،خالل حملته االنتخابية ،تحت شعار «الدفاع
عن الوظائف األمريكية» .وكان ترامب يعتقد أن االتفاق ال يصب فى مصلحة واشنطن ،حيث يفرض قيودا
مالية واقتصادية شديدة عليها .وتفاقمت أزمة المناخ مع اتجاه البرازيل نحو فتح غابة األمازون أمام االستغالل
التجاري ،ما س يشكل خطرا على صحة الكرة األرضية برمتها ،السيما أن ضخامة حجم غابات األمازون ،التى
تبلغ مساحتها ما يقرب من 600مليون هكتار ،تجعل ألى تغيرات بسيطة فى نظامها البيئى أثرا ً مهما ً على
دورة الكربون فى الغالف الجوي.
فى المقابل ،تتفاوت استجابة باقى الدول االقتصادية الكبرى والدول النامية .فمثالً ،ترى الهند والصين -رغم
إعدادهما برامج لمجابهة تغير المناخ على المستوى القومي -أن مساعى إلزامهما بخفض انبعاثاتهما تهدف إلى
وأد النمو االقتصادى فيهما .هنا ،يمكن فهم تراجع الدول الغنية عن تعهدات سابقة بجمع 100مليار دوالر من
األ موال العامة والخاصة لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية بحلول عام ،2020وذلك لدعم اقتصادات الدول
الفقيرة ،وتعزيز قدرتها على مواجهة التغيرات المناخية .لكن دراسة نشرها موقع «ساينتفك أمريكان» عام
2015تحت عنوان « موجات الصدمة :إدارة تأثيرات تغير المناخ على الفقر» ،ذكرت أن «حجم األموال التى
يجب على الدول الغنية دفعها إلى الدول الفقيرة للتكيف مع آثار تغير المناخ سيبقى نقطة خالف رئيسية بين
الدول الغنية والفقيرة».
تحذيرات الفتة:
فى خطاب مطول له فى أكتوبر ،2015حذر محافظ «بنك إنجلترا المركزي» ،مارك كارني ،من آثار التغير
المناخى على االقتصاد واالستقرار المالى العالمي ،وحض خبراء االقتصاد على التحرك فى شكل سريع لمحاولة
احتواء الضرر االقتصادي ،ولو جاء ذلك التحرك متأخراً .وصف «كارني» الضرر الذى يسببه التغير المناخى
على االقتصاد بـ«مأساة فى األفق» ،مؤكدا ً أن التكاليف المترتبة على التغيرات المناخية تتجاوز توقعات
السلطات التكنوقراطية ،التى ال تأخذ فى الحسبان استنزاف الموارد المشتركة من قبل األفراد الذين يتشاركون
فيها ،وفقا للمصلحة الذاتية لكل منهم ،على الرغم من إدراكهم أن استنزاف هذه الموارد يتعارض مع المصلحة
المشتركة للمجموعة فى المدى الطويل.
من جهته ،اتجهت الواليات المتحدة إلى تبنى إجراءات لمواجهة قضية التغيرات المناخية ،وتجلى ذلك فى
تصريحات للرئيس األمريكى جو بايدن أمام قمة افتراضية بشأن تغير المناخ فى أبريل ،2021حيث قال إننا
نعيش فى «عقد حاسم» فيما يتعلق بمواجهة ظاهرة تغير المناخ .وأشار إلى تعهد بالده بخفض انبعاثات الكربون
بحلول عام 2030بنسبة تتراوح بين 50و %52مقارنة بمستويات عام .2005
بيد أن التعهد األمريكى يعنى حدوث تغييرات كبيرة فى طريقة الحياة األمريكية ،إذ يجب اختفاء الفحم من مزيج
الكهرباء ،بينما تتحول السيارات والشاح نات ،التى تستهلك كميات كبيرة من الغاز ،إلى الكهرباء.
فى المقابل ،حذر صندوق النقد الدولى من تداعيات تزايد الكوارث المرتبطة بالمناخ على النمو االقتصادى فى
الشرق األوسط .وقالت مديرة صندوق النقد الدولي ،كريستالينا جورجيفا ،فى 30مارس الماضى ( )2022إن
«تواتر وش دة الكوارث المرتبطة بالمناخ تتزايد فى الشرق األوسط ووسط آسيا على نحو أسرع من أى مكان
كبيرا على النمو والرخاء فى المنطقة» .كما أظهرت وثيقة جديدة لصندوق النقد
خطرا ًً آخر فى العالم ،ما يشكل
الدولى أن الكوارث المناخية فى المنطقة أصابت وشردت سبعة ماليين شخص ،وأسفرت عن أكثر من 2600
حالة وفاة وأضرار مادية بقيمة مليارى دوالر(.)1
يشار إلى أن الكوارث المناخية تقلل النمو االقتصادى السنوى بنسبة 2-1نقطة مئوية للفرد ،كما تسببت الكوارث
فى خسارة دائمة بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى دون اإلقليمية بنسبة 5.5نقطة مئوية .كما أنه على المدى
الطويل ،يُتوقع أن يضعف التغير المناخى النشاط االقتصادى العالمى نتيجة األضرار المترتبة على قطاعات
اقتصادية حيوية مثل الزراعة ،واألضرار فى الممتلكات والبنى التحتية ،وارتفاع تكاليف التأمين ،وضعف
اإلنتاجية ،والتهجير.
خسائر متصاعدة:
تعد التغيرات المن اخية مجموعة من اإلختالالت التى تطرأ على حالة المناخ العامة فى الكرة األرضية ،التى
تسبب تغيرا جذريا فى الطقس نتيجة عوامل عدة .وتتأثر القطاعات االقتصادية فى مختلف أنحاء العالم تأثرا
بالغا بأية تغيرات مناخية .وتعد العالقة بين التغير المناخى واألوضاع االقتتصادية إحدى العالقات المعقدة،
حيث يتداخل بها تأثير المناخ والبيئة والظروف اإلجتماعية واالقتصادية.
لذلك ،فإن التغيرات المناخية تحمل فى جوهرها ارتدادات سلبية على األوضاع االقتصادية العالمية ،وهو ما
يمكن بيانه على النحو التالي:
-1تراجع االقتصادات الكبرى :وفقا لدراسة أعدتها شركة «سويس ريإنشورانس» إلعادة التأمين» فى أبريل
،2021ستشهد البلدان األعضاء فى «منظمة التعاون االقتصادى والتنمية» ،وهى مجموعة من أغنى دول
العالم ،انخفاضا بنسبة %5فى حجم اقتصاداتها ،مقارنة بـ % 9فى أمريكا الجنوبية ،ونحو %17فى الشرق
األوسط وإفريقيا ،و %25فى دول «رابطة جنوب شرق آسيا /آسيان»(.)2
وقد تأتى األشكال الرئيسية للضرر االقتصادى من خالل المخاطر المادية ،مثل األضرار التى تلحق بالممتلكات
واالضطرابات التجارية الناجمة عن زيادة مستويات األحداث المناخية القاسية ،وفقدان اإلنتاجية ،واضطرار
الحكو مات إلى إعادة توزيع الموارد الشحيحة لمواجهة التغير المناخي.
فى المقابل ،تشير بعض الدراسات إلى احتمال أن يؤدى ارتفاع الحرارة ،بمعدل 2إلى 2.6درجة مئوية ،إلى
خسائر اقتصادية عالمية بنسبة 11إلى ،%13.9أى أعلى بنحو %10من خط األساس .لكن السيناريو األسوأ
سيحدث إذا ارتفعت الحرارة بمعدل 3.2درجة ،إذ قد يؤدى ذلك إلى خسارة %18.1من الناتج االقتصادى
العالمى بحلول منتصف القرن.
-2تدهور االقتصادات الضعيفة :قد تسفر التغيرات المناخية عن ارتدادات سلبية على اقتصادات الدول الفقيرة.
وقد كشف عن ذلك تصريحات كريستينا الجارد ،مدير صندوق النقد الدولي ،حيث قالت «نحن نُقَدِّر االحتياجات
السنوية بأكثر من %1من إجمالى الناتج المحلى فى نحو 50من االقتصادات المنخفضة الدخل والنامية على
مدى السنوات العشر القادمة ،وذلك بفعل التغيرات المناخية .ويمكن أن تصل التكاليف فى البلدان الجزرية
الصغي رة المعرضة لألعاصير االستوائية وارتفاع مستويات البحار إلى %20من إجمالى الناتج المحلي».
وأضافت « من المؤسف أن البلدان األشد احتياجا إلى التكيف غالبا ما تفتقر إلى سبل القيام بذلك .فهى فى العادة
ال تملك التمويل والقدرات المؤسسية الالزمين لتنفيذ برامج التكيف ا لمطلوبة .باإلضافة إلى ذلك ،فإن بعض
البلدان األشد عرضة لموجات الحرارة الشديدة ونوبات الجفاف والعواصف وارتفاع مستويات البحار غالبا ما
تواجه احتياجات تنموية ملحة أخرى .يعنى هذا أنه من المهم أكثر من أى وقت مضى االستثمار فى النمو القادر
على الصمود ،مع إدماج التكيف إدماجا كامال فى األهداف األخرى للتنمية المستدامة»(.)3
خطرا شديدًا يهدد اقتصادات دول القارة اإلفريقية .وبالرغم من إسهام إفريقيا
ً وتشكل تبعات التغير المناخى
تضررا من تداعيات المناخ ،حيث تتأثر
ً بنسبة ضئيلة فى إجمالى االنبعاثات الضارة العالمية ،فإنها األكثر
اقتصادات القارة اإلفريقية بأنماط المناخ المتطرفة؛ إذ تعتمد معظم االقتصادات فى القارة على الموارد الطبيعية
(المعادن والزراعة والحياة البرية) .ووفقًا لألمم المتحدة ،من المتوقع أن ينخفض إجمالى الناتج المحلى للقارة
بنسبة %2.25ليصل إلى .)4(%12.12
-3تهديد اإلنتاجية الزراعية :تمثل التأثيرات المحتملة لتغيُّر المناخ تهديدًا لإلنتاجية الزراعية فى تلك المناطق،
التى تمثل الزراعة فيها الجانب األكبر من اقتصاداتها ،وهى فى الوقت ذاته األقل قدرة ً واستعدادًا للتكيف مع
تلك المخاطر ،نتيجة لضعف إمكانيات تلك الدول من النواحى البشرية ،والمؤسسية ،والتقنية ،والمالية.
فى المقابل ،يعمل تغير المناخ على تقليل اإلنتاج الزراعي ،إذ تمثل التغيرات المناخية تهديدا ً كبيرا ً لإلنتاج
الزراعي .فمع تغير المناخ ،تصبح الظروف الجوية غير مواتية بدرجة كبيرة لزراعة محاصيل بعينها .أضف
إلى ذلك أن طرق الزراعة التقليدية تُش ِّكل خطورة وضغطا ً كبيرين على النظم البيئية العالمية ،إذ ينتج عنها
كميات كبيرة من انبعاثات غازات االحتباس الحراري ،بما يسهم بالتبعية فى مزيد من التغيرات المناخية .عالوة ً
على ذلك ،يستهلك اإلنتاج الزراعى كميات كبيرة من المياه العذبة ،ما يُمثِّل خطورة ً على كميات المياه العذبة
المتوافرة على الكرة األرضية(.)5
وقد يسفر تراجع اإلنتاج الزراعى بفعل التغيرات المناخية عن ازدياد محتمل لعدد الجياع فى العالم .وبحسب
بعض الدراسات ،يُقدر عدد األشخاص الذين يعانون الجوع بنحو 800مليون شخص حول العالم .ويقدر آخرون
بأن 1من كل 9أشخاص يعانى الجوع يوميا ً ونقص التغذية نتيجة لذلك .ووفقا ً لبرنامج الغذاء العالمي ،فإن
ضا أعلى معدالت الهجرة الخارجية لالجئين. البلدان التى لديها أعلى مستوى من انعدام األمن الغذائي ،لديها أي ً
وبحسب اإلحصاءات األخيرة ،هناك ما يقدر بنحو 821مليون شخص يعانون حاليًا سوء التغذية ،ونحو 151
التقزم ،وما يقرب من 613مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 ُّ مليون طفل دون سن الخامسة يعانون
و 49عاما ً يعانين نقص الحديد ،وما ال يقل عن مليارى بالغ يعانون زيادة الوزن أو السمنة(.)6
-4ارتفاع أسعار الغذاء :قد يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير محتمل فى طبيعة التركيب المحصولي،
ما يؤدى إلى ارتفاع أسعار األغذية نتيجة لتباطؤ زيادة اإلمدادات الغذائية العالمية نسبةً إلى زيادة الطلب العالمى
عليها .أى ستتسبب التغيرات المناخية فى تناقص المحاصيل المختلفة ،ما يؤدى إلى انخفاض مستوى األمن
الغذائي ،خاصة بالنسبة للدول المستوردة للغذاء .يزداد هذا األمر سوءا ً نتيجة جائحة كورونا التى أثرت سلبا ً
فى سالسل اإلمداد العالمية للغذاء(.)7
-5تأثيرات فى حركة النقل العالمية :ثمة ارتدادات سلبية ألزمة جفاف المسطحات المائية التى تعصف بعدد
واسع من اقتصادات الدول الكبرى ،وفى الصدارة منها الصين والدول الغربية .فقد أدى الجفاف الذى يعصف
بهذه الدول إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة ،لم تقتصر تداعياتها على إنتاج الحبوب والكهرباء فى تلك الدولة،
بل ربما تؤدى أيضا إلى نقص عالمى فى المواد الغذائية والصناعية على نطاق أكبر بكثير من تلك التى أحدثتها
جائحة فيروس كورونا (كوفيد )19-والحرب فى أوكرانيا.
ونظرا لألهمية البالغة التى تتمتع بها الصين والدول األوروبية فى االقتصاد العالمي ،فإن الجفاف الحادث فى
بعض مسطحاتها المائية قد ينعكس على األوضاع االقتصادية العالمية .فعلى سبيل المثال ،الماء عنصر حيوى
فى التطور السريع للصين التى تستهلك يوميا 10مليارات برميل من المياه ،أى ما يعادل نحو 700ضعف
استهالكها اليومى من النفط .كما أن موجة الجفاف التى تتعرض لها أوروبا فى الوقت الحالى ،وتعد األسوأ فى
القارة العجوز منذ نحو 500عام ،قد تؤدى إلى تآكل جانب واسع من اقتصادات الدول األوروبية .فعلى سبيل
المثال ،تسهم أنهار أوروبا التى تعرضت للجفاف «نهرا الراين والدانوب» بنحو 80مليار دوالر فى اقتصاد
المنطقة كوسيلة نقل لحركة التجارة.
أما فى الصين ،فقد أدى الصيف القاسى إلى خسائر فادحة فى نهر يانجتسي ،أطول أنهار آسيا .كما أدى انخفاض
مستويات المياه إلى إعاقة توليد الكهرباء فى عدد من محطات الطاقة الكهرومائية الرئيسية .وقد ترتب على ذلك
إطفاء المدن الضخمة ،ومنها شنغهاي ،األنوار للحد من استخدام الطاقة ،وتحذير شركة «تسال» من حدوث
اضطرابات فى سلسلة التوريد فى مصنعها المحلي ،وإغالق شركة «تويوتا موتورز» وهى أكبر شركة إلنتاج
السيارات فى العالم ،وشركة «( »Contemporary Amperex Technologyأكبر شركة لصناعة
بطاريات السيارات الكهربائية فى العالم) مصانعهما(.)8
-6اختالل الخريطة السياحية :سيسبب ارتفاع درجة الحرارة تراجعا ً شديدا ً فى مؤشر التصنيفات السياحية
للعديد من الوجهات السياحية .على سبيل المثال ،سيؤثر ابيضاض الشعاب المرجانية -الناتج عن ازدياد معدل
درجات الحرارة وحموضة مياه البحر -فى اقتصادات السياحة ببلدان حوض البحر األحمر ،وبالدرجة األولى
مصر واألردن .ك ما سيؤثر تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار فى المراكز السياحية الشاطئية ،وبالدرجة
األولى فى مصر ،وتونس ،والمغرب ،وسوريا ،واألردن ،ولبنان ،وتمثل السياحة فى هذه الدول مصدرا ً مهما ً
للعملة الصعبة .كما كان للتغير البيئى المصاحب إلزالة الغابات فى كينيا تأثير مباشر فى السياحة التى تمثل
العمود الفقرى لالقتصاد الكيني ،وتعد المحميات الطبيعية وما فيها من حياة برية عنصر الجذب األساسى لهذه
الصناعة.
بالتوازى مع ذلك ،ثمة ارتدادات سلبية مباشرة للتغيرات المناخية على صناعة السياحة فى الدول الكبرى،
خاصة إسبانيا ،وإيطاليا ،و اليونان وغيرها من الدول األوروبية ،التى تعد السياحة أحد أهم مصادرها المالية.
بذلك ،يمكن أن تتحول المناطق المصنفة سياحيا ً فى الوقت الحالي ،وفقا ً لبعض التقديرات ،بين «جيدة»
و«ممتازة» إلى تصنيفات تتراوح بين «هامشية» و«غير مواتية» بحلول عام .2080هنا ،يمكن فهم اعتماد
منظمة السياحة العالمية عام 2021رسميًا إعالن «سورينتو» ،الذى صدر فى ختام قمة السياحة الشبابية األولى
التى أقيمت فى إيطاليا ،وهو اإلعالن الذى وقعه 120مشار ًكا من 57دولة ،عن تأثير التغيرات المناخية فى
السياحة ،وأهمية اعتماد أنماط سياحة مستدامة منخفضة االنبعاثات صديقة للبيئة.
-7اختالل النظام الصحي :يتوقع أن تؤدى التغيرات المناخية المتسارعة إلى تعرض بعض أنواع النباتات
والحيوانات لخطر االنقراض بنسبة 20إلى ٪30تقريباً .وإذا استمر ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمي،
فمن المتوقع انقراض العديد من النباتات وا لحيوانات وما يتبعه من آثار مادية نتيجة لتأثر األنشطة االقتصادية
مثل السياحة والصيد والزراعة ،واتساع المدى الجغرافى النتشار األمراض المعدية ،وما يترتب عليه من
تأثيرات ضارة فى صحة اإلنسان ،خاصة فى القارة اإلفريقية.
-8التأثيرات فى البنية التحتية :تتصاعد التأ ثيرات المحتملة للتغيرات المناخية فى البنى التحتية لالقتصادات
العالمية ،خاصة داخل االقتصادات التى تتجاهل أنظمة استخدام األراضى والتخطيط العمرانى فيها المتطلبات
األساسية للتكيف مع تغير المناخ.
فى هذا السياق ،ومع كثافة التحوالت فى المناخ ،تتصاعد فرص ازدياد معدل حدوث االنهيارات األرضية
الناجمة عن شدة هطول األمطار ،إلى جانب ازدياد معدل حدوث الفيضانات بالمستوطنات القائمة على ضفاف
األنهار .ومع التوسع العمرانى السريع فى المناطق الساحلية المنخفضة عن سطح البحر -سواء فى الدول النامية
أو المتقدمة -وما يصاحبه من ارتفاع معدالت الكثافة السكانية واالستثمارات والبنية التحتية المصاحبة لهذا
التطور العمرانى فى تلك المناطق ،سوف تزداد قيمة الخسائر البشرية والمادية المتوقعة فى تلك المناطق ،نتيجة
الرتفاع مستوى سطح البحر واألعاصير الناجمة عن تغير المناخ .تقدر قيمة الخسائر المحتملة فى البنية
األساسية فى المناطق الساحلية ،نتيجة الرتفاع مستوى سطح البحر ،بعشرات المليارات من الدوالرات
األمريكية ببعض البلدان مثل مصر وبولندا وفيتنام .وفى القارة اإلفريقية ،سوف تتأثر المستوطنات الساحلية
مثل خليج غينيا ،والسنغال ،وجامبيا ،ومصر ،والساحل الشرقى الجنوبى إلفريقيا ،نتيجة الرتفاع مستوى البحر
وما ينتج عنه من غمر األراضى وتآكل السواحل .كما تكشف بعض الدراسات عن أن ما يقرب من %75من
المبانى والبنى التحتية فى بعض دول المنطقة العربية معرضة بشكل مباشر لخطر تأثيرات تغير المناخ،
وبالدرجة األولى ارتفاع مستويا ت البحار ،وتكرار األيام الحارة ،واشتداد العواصف ،األمر الذى يعرض نظم
النقل وشبكات المياه ،والصرف الصحي ،ومحطات توليد الطاقة لخطر شديد.
الخالصة:
يتطلب التعامل الناجح مع قضية التغييرات المناخية اعتماد رؤية شاملة ،تأخذ فى الحسبان األبعاد المتشابكة
والمترامية لتأثيرات التغيرات المناخية ،وفى الصدارة منها ضرورة تحول العالم إلى اقتصاد من نوع جديد،
يعتمد على موارد جديدة للطاقة ،وتكنولوجيا جديدة فى الصناعة ،وممارسات مختلفة فى االستهالك والحياة،
وتوجه أكبر نحو االقتصادين األخضر واألزرق