You are on page 1of 524

‫مذكرات‬

Author: Jawad Hashim ‫ جواد ها�شم‬:‫ا�سم الم�ؤلف‬


Title: Iraqi minister diary ‫ مذكرات وزير عراقي‬:‫عنوان الكتاب‬
Memories in Iraqi politics 1967 - 2000 2000 - 1967 ‫ذكريات في ال�سيا�سة العراقية‬
Cover Designed by: Majed Al-Majedy ‫ ماجد الماجدي‬:‫ت�صميم الغالف‬
P.C.: Al-Mada ‫ دار المدى‬:‫النا�شر‬
First Edition: 2017 2017 :‫الطبعة الأولى‬

Copyright © Al-Mada ‫ دار المدى‬:‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫ﻧﻮﺭ ﻛﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭﻱ‬


Intellectual_revolution

‫للإعالم والثقافة والفنون‬


Al-mada for media, culture and arts
+ 964 (0) 770 2799 999 141 ‫ بناية‬- 13 ‫ ���ش��ارع‬- 102 ‫ حملة‬- ‫ ح��ي اب��و ن ��ؤا���س‬:‫ب��غ��داد‬
+ 964 (0) 770 8080 800 Iraq/ Baghdad- Abu Nawas-neigh. 102 - 13 Street - Building 141
+ 964 (0) 790 1919 290 www.almada-group.com email: info@almada-group.com

+ 961 706 15017 ‫ ال��ط��اب��ق الأول‬-‫ بناية من�صور‬-‫ ���ش��ارع ل��ي��ون‬-‫ احل��م��را‬:‫ب�ي�روت‬
+ 961 175 2616 dar@almada-group.com
+ 961 175 2617

+ 963 11 232 2276 ‫ �أي���ار‬29 ‫ م��ت��ف��رع م��ن ���ش��ارع‬-‫ ���ش��ارع ك��رج��ي��ة ح����داد‬:‫دم�����ش��ق‬
+ 963 11 232 2275 al-madahouse@net.sy
+ 963 11 232 2289 8272 :‫ب‬.‫�ص‬

All rights reserved. No part of this ‫اليجوز ن�رش �أي جزء من هذا الكتاب �أو‬
publication may be reproduced or stored ‫ �أو‬،‫تخزين �أي مادة بطريقة اال�سرتجاع‬
in a retrieval system, or transmitted in
‫ �أو ب�أي طريقة �سواء‬،‫ على �أي نحو‬،‫نقله‬
any form or by any means; electronic,
mechanical, photocopying, recoding or
،‫ �أو بالت�صوير‬،‫كانت الكرتونية �أو ميكانيكية‬
otherwise, without the prior permission in ‫ �إال مبوافقة‬،‫�أو بالت�سجيل �أو خالف ذلك‬
writing of the publisher. .‫مقدم ًا‬
ّ ‫كتابية من النا�رش‬

@Borsippa_Library
Tele: @Intellectual_revolution
‫جواد ها�شم‬

‫مذكرات وزير عراقي‬ ‫ﻧﻮﺭ ﻛﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭﻱ‬

‫ذكريات يف ال�سيا�سة العراقية‬


Intellectual_revolution

2000 - 1967

@Borsippa_Library
Tele: @Intellectual_revolution
‫مقدمة الطبعة الثانية للكتاب‬

‫تختلف الطبعة الثانية من هذه املذكرات عن الطبعة الأوىل يف جمالني‪:‬‬


‫املجال الأول هو ت�صحيح الأخطاء املطبعية واللغوية يف الطبعة الأوىل‪.‬‬
‫�أما املجال الثاين‪ ،‬وهو الأهم ‪ ،‬فهو يف �إ�ضافة ‪ 13‬ملحق ًا يت�ضمن جداول‬
‫�أح�صائية دقيقة عن الرتكيبة ال�سكانية للعراق منذ عام ‪ 1947‬وحتى‬
‫نهاية عام ‪ 2015‬معتمدين على م�صادر ر�سمية خمتلفة‪ .‬ومبوجب هذه‬
‫املالحق فقد مت توزيع �سكان العراق ح�سب انتمائهم املذهبي والقومي‪:‬‬
‫�شيعة‪� ،‬س ّنة ‪ ،‬عرب‪ ،‬اكراد ‪ ،‬تركما‪ ،‬م�سيحيني ‪� ... ،‬ألخ‪.‬‬
‫الهدف الرئي�سي من هذه املالحق هو اعطاء �صورة حقيقية ووا�ضحة‬
‫عن موزائيك ال�شعب العراقي وتركيبته االجتماعية‪ ،‬تلك الرتكيبة التي‬
‫حتتم على اجلميع التعاي�ش مع ًا يف �أمان و�سالم‪.‬‬
‫هذه املالحق الثالثة ع�رش �ستكون م�صدراً موحداً ودائم ًا للباحثني‬
‫�أو ًال ولل�سيا�سيني ثاني ًا‪.‬‬
‫فيما يلي موجز لتلك املالحق وللقارئ العودة اىل املالحق ملزيد من‬
‫التفا�صيل‪.‬‬

‫امللحق رقم ‪ : - 1-‬ال�سكان‬


‫يحتوي هذا امللحق على خم�سة جداول تف�صيلية وجدو ًال اح�صائي ًا‬
‫‪-5-‬‬
‫واح��داً خال�صة جلميع اجل��داول‪ .‬يتناول املحلق التكوين ال�سكاين‬
‫للعراق‪ .‬وتوزيعهم ديني ًا وعرقي ًا وفق ًا لالح�صاءات ال�سكانية ‪ ،‬الفعلية‬
‫والتقديرية‪ ،‬التي اجرتها احلكومات العراقية املتعاقبة ابتداءاً من االح�صاء‬
‫ال�سكاين الر�سمي لعام ‪ 1947‬واتنهاءاً بالتقديرات ال�سكانية التي اجرتها‬
‫احلكومة العراقية حتى نهاية عام ‪. 2015‬‬
‫‪ -1‬يف عام ‪ 1947‬اجرت احلكومة العراقية تعداداً ل�سكان العراق‪،‬‬
‫يت�ضح من الأرقام التي ن�رشتها حينئذٍ وزارة ال�ش�ؤون االجتماعية)*( ان‬
‫ن�سبة امل�سلمني اىل جمموع ال�سكان بلغت ‪%93.3‬‬

‫‪% 6.7‬‬ ‫ون�سبة االقليات غري امل�سلمني ‬


‫‪%71.1‬‬ ‫وبلغت ن�سبة العرب امل�سلمني ‬
‫وامل�سلمني من غري العرب (كرد ‪ ،‬تركمان) ‪% 22.2‬‬

‫كان عدد �سكان العراق وفق ًا لأح�صاء ‪ 1947‬حوايل ‪ 4.6‬مليون‬


‫ن�سمة موزعني على النحو التايل‪:‬‬

‫‪% 51.4‬‬ ‫‪ -‬ال�شيعة العر ‬


‫ب‬
‫‪% 19.7‬‬ ‫‪ -‬ال�س ّنة العرب ‬
‫‪% 18.4‬‬ ‫‪ -‬ال�س ّنة الكرد ‬
‫‪% 0.6‬‬ ‫‪ -‬ال�شيعة الكرد ‬
‫‪%1.1‬‬ ‫‪ -‬ال�سنة الرتكمان ‬
‫‪%1.0‬‬ ‫‪ -‬ال�شيعة الرتكمان ‬
‫‪%1.1‬‬ ‫‪ -‬اقليات �شيعية اخرى ‬
‫‪%6.7‬‬ ‫‪ -‬اقليات غري اال�سالم ‬
‫(*) ‪ -‬مل يكن يف ذلك الوقت وزارة للتخطيط او دائرة االح�صاء املركزي‪ .‬وزارة‬
‫ال�ش�ؤون االجتماعية كانت هي امل�س�ؤولة عن التعداد ال�سكاين عام ‪.1947‬‬

‫‪-6-‬‬
‫‪ -2‬بعد ع�رش �سنوات من االح�صاء ال�سكاين امل�شار �إليه اعاله ‪،‬‬
‫اجرت احلكومة العراقية تعداداً �سكاني ًا �آخر عام ‪ . 1957‬ولو نظرنا �إىل‬
‫اجلدول ‪ 3‬من امللحق االول لوجدنا ب�أن عدد ال�سكان بلغ ‪ 6.1‬مليون‬
‫ن�سمة ‪ ،‬موزعني على النحو التايل‪:‬‬

‫‪% 95.5‬‬ ‫‪ -‬ن�سبة امل�سلمني اىل املجموع ‬


‫‪% 4.5‬‬ ‫‪ -‬ن�سبة االقليات من غري امل�سلمني ‬
‫‪% 51.5‬‬ ‫‪ -‬ن�سبة ال�شيعة العرب ‬
‫‪% 19.7‬‬ ‫‪ -‬ن�سبة ال�سنة العرب ‬
‫‪% 19.0‬‬ ‫‪ -‬ن�سبة الكرد ‬
‫‪% 5.4‬‬ ‫‪ -‬ن�سبة الرتكمان ‬
‫‪%4.5‬‬ ‫‪ -‬اقليات اخرى ‬

‫‪ -3‬لو نظرنا �إىل بقية جداول امللحق رقم (‪ )1‬التي تبني التقديرات‬
‫ال�سكانية لالعوام ‪2010 ، 2005 ،2000 ،1995 ، 1990‬‬
‫و‪� 2015‬سنجد ب�أن ن�سب التوزيع ال�سكاين بني مكونات املجتمع‬
‫العراقي بقيت ثابتة تقريب ًا وهو امر طبيعي ذلك لأن معدل النمو ال�سكاين‬
‫هو ذاته بني جميع املكونات‪.‬‬

‫امللحق رقم ‪ : -2-‬ر�ؤ�ساء الوزارات العراقية‪:‬‬


‫‪:2003 – 1920‬‬
‫امللحق رقم ‪ -2-‬يبني لنا �أ�سماء ال�شخ�صيات التي ت�سنمت من�صب‬
‫رئا�سة الوزارة العراقية يف العراق خالل الفرتة ‪ 2003 – 1920‬ح�سب‬
‫مكونهم املذهبي ‪� :‬سني ‪� ،‬شيعي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4‬خالل تلك الفرتة تعاقب على رئا�سة ال��وزارة العراقية ‪34‬‬
‫‪-7-‬‬
‫�شخ�صية ‪� ،‬سبعة وع�رشون منهم من املذهب ال�سني (‪ )%80‬و�سبعة‬
‫�شخ�صيات فقط من املذهب ال�شيعي (‪.)%20‬‬
‫‪ -5‬خالل الفرتة ‪/14 – 1920‬متوز‪( 1958 /‬العهد امللكي) اي‬
‫خالل الفرتة الزمنية البالغة ‪� 453‬شهراً ‪ ،‬تعاقب على رئا�سة الوزارة‬
‫‪� 23‬شخ�صية‪ 19 ،‬منهم ينتمون �إىل املذهب ال�سني واربعة منهم اىل‬
‫املذهب ال�شيعي‪ .‬وجتدر اال�شارة هنا �إىل ان جمموع اال�شهر التي تر�أ�س‬
‫فيها املكون ال�سني رئا�سة الوزارة يف العهد امللكي بلغ ‪� 431‬شهراً من‬
‫جمموع ‪� 453‬شهراً اي (‪� . )%95.0‬أما جمموع اال�شهر التي تر�أ�س‬
‫الوزارة فيها �شخ�صيات من املكون ال�شيعي فقد بلغ ‪� 22‬شهراً (‪)%5.0‬‬
‫على النحو التايل‪:‬‬
‫‪� -‬صالح جرب – ثمانية �أ�شهر‬
‫‪ -‬حممد ال�صدر – خم�سة �أ�شهر ‪.‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬فا�ضل اجلمايل – �سبعة �أ�شهر ‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الوهاب مرجان – ثالثة �أ�شهر تقريب ًا‪.‬‬
‫‪ -6‬خالل الفرتة من ‪ /14‬متوز ‪ -‬ولغاية ‪ / 17‬متوز‪ 1979 /‬والتي‬
‫متثل العهد اجلمهوري (ولكن قبل ت�سلم �صدام ح�سني احلكم من احمد‬
‫ح�سن البكر) اي ‪� 190‬شهراً تعاقب على رئا�سة الوزارة �سبعة ا�شخا�ص‬
‫ال�سني با�ستثناء ال�سيد ناجي طالب الذي مل تدم‬
‫جميعهم من املكون ّ‬
‫وزارته �سوى ت�سعة ا�شهر‪.‬‬
‫‪ -7‬خالل الفرتة من ‪ / 17‬متوز ‪ 1979 /‬ولغاية �سقوط نظام �صدام‬
‫ح�سني وحزب البعث يف ‪ /9‬ني�سان ‪ ، 2003 /‬اي ما يقارب ‪279‬‬
‫�شهراً كان �صدام ح�سني هو احلاكم املطلق حيث كان هو رئي�س ًا ملجل�س‬
‫قيادة الثورة‪ ،‬رئي�س ًا للجمهورية ورئي�س ًا ملجل�س الوزراء با�ستثناء فرتة‬
‫‪-8-‬‬
‫ق�صرية تر�أ�س جمل�س الوزراء فيها �شكلي ًا الدكتور �سعدون حمادي‪ ،‬حممد‬
‫الزبيدي واحمد ح�سني ال�سامرائي‪.‬‬
‫‪ -8‬خال�صة ملا �أو�ضحناه اعاله ‪ ،‬الفرتة الزمينة منذ ا�ستقالل العراق‬
‫ولغاية ‪/9‬ني�سان‪ 2003/‬والبالغة ‪� 922‬شهرا كان رئي�س الوزراء‬
‫ال�سني با�ستثناء فرتة ‪� 22‬شهراً يف العهد امللكي‬‫العراقي من املكون ّ‬
‫وت�سعة �أ�شهر يف العهد اجلمهوري وهي الفرتة التي تر�أ�س الوزارة فيها‬
‫ناجي طالب‪ ،‬اي ما جمموعه ‪� 31‬شهراً فقط من جمموع ‪� 922‬شهراً‬
‫�أي بن�سبة ‪.%3.1‬‬

‫امللحق رقم ‪ -3-‬القيادات القطرية حلزب البعث يف العراق‪:‬‬


‫‪ -9‬يتناول هذا امللحق ا�سماء اع�ضاء القيادات القطرية حلزب البحث‬
‫العراقي منذ عام ‪ 1953‬ولغاية يوم ا لتا�سع من ني�سان ‪ 2003‬ح�سب‬
‫انتمائهم املذهبي‪ .‬ففي القيادة القطرية الأوىل والثانية والثالثة كانت‬
‫ال�سني ‪ %63‬ومن املكون ال�شيعي ‪. %37‬‬ ‫ن�سبة االع�ضاء من املكون ّ‬
‫�أما القيادة القطرية بعد قيام ثورة ‪ / 14‬متوز‪ 1958 /‬فقد كانت ن�سبة‬
‫ال�سني ‪ %44‬ومن املكون ال�شيعي ‪. %56‬‬ ‫االع�ضاء من املكون ّ‬
‫يف الثامن من �شباط ‪ 1963‬عند ت�سلم حزب البعث احلكم يف‬
‫العراق كانت القيادة القطرية ت�ضم يف ع�ضويتها ‪ %55‬من املكون‬
‫ال�سني‪.‬‬
‫ال�شيعي و‪ %45‬من املكون ّ‬
‫‪ -10‬يف ‪ /17‬متوز‪ 1968 /‬ت�سلم البعث احلكم يف العراق مرة ثانية‪.‬‬
‫ال�سني ‪.%100‬‬ ‫يف هذه املرة كان اع�ضاء القيادة القطرية كلهم من املكون ّ‬
‫يف ايار (ماي�س) ‪ 1971‬اعيد ت�شكيل القيادة القطرية ب�ضم ع�ضو‬
‫�شيعي واحد بناء على ا�رصار مي�شيل عفلق‪ .‬ا�صبحت القيادة م�ؤلفة من‬
‫‪-9-‬‬
‫‪ 13‬ع�ضواً‪ ،‬جميعهم من املكون ّ‬
‫ال�سني با�ستثناء ع�ضو واحد هو نعيم‬
‫حداد‪.‬‬
‫‪ -11‬بعد انعقاد امل�ؤمتر القطري الثامن حلزب البعث العراقي يف ‪/8‬‬
‫يناير‪ 1974 /‬ت�شكلت القيادة القطرية مرة �أخرى من ‪ 13‬ع�ضواً ت�سعة‬
‫ال�سني واربعة من املكون ال�شيعي ‪� ،‬أي ‪�ّ %69.2‬سنة‬‫منه من املكون ّ‬
‫و‪� % 30.8‬شيعة‪.‬‬
‫‪ -12‬يف عام ‪ 1977‬جرى تو�سيع ع�ضوية القيادة القطرية حيث‬
‫ا�صبح عدد االع�ضاء ‪ 21‬ع�ضواً ‪ 15 ،‬ع�ضواً من املكون ّ‬
‫ال�سني و‪ 5‬من‬
‫املكون ال�شيعي وع�ضواً واحداً من املكون امل�سيحي هو ال�سيد طارق‬
‫عزيز‪.‬‬
‫بقي عدد اع�ضاء القيادة القطرية ‪ 21‬ع�ضواً حتى يوم �سقوط النظام‬
‫يف ‪ /9‬ني�سان‪ ،2003 /‬حيث كان فيها ‪ 16‬ع�ضواً من املكون ال�سني‪،‬‬
‫‪ 4‬من املكون ال�شيعي وواحد من املكون امل�سيحي‪.‬‬
‫امللحق رقم ‪ -4-‬املجل�س الوطني لقيادة الثورة ‪:‬‬
‫‪ -13‬يف الثامن من �شباط ‪� 1963/‬سيطر حزب البعث على احلكم‬
‫يف العراق ب�أنقالب دموي اغتيل فيها زعيم الثورة اللواء عبد الكرمي قا�سم‬
‫وجمموعة من �صحبه ا�ضافة اىل قتل عدد كبري من �أع�ضاء احلزب ال�شيوعي‬
‫العراقي‪ .‬ومبوجب بيانهم االول �شكل االنقالبيون جمل�س ًا ُ�سمي( املجل�س‬
‫الوطني لقيادة الثورة ) من ‪ 18‬ع�ضواً ‪ ،‬خم�سة منهم مدنيون من املكون‬
‫ال�سني معظمهم من الع�سكريني‪.‬‬ ‫ال�شيعي وثالثة ع�رش منهم من املكون ّ‬

‫امللحق رقم ‪ -5-‬جمل�س قيادة الثورة كما يف ايار (ماي�س) ‪:1971‬‬


‫‪ -14‬يف �شهر ايار من عام ‪� 1971‬أعيد ت�شكيل جمل�س قيادة الثورة‬
‫‪-10-‬‬
‫من �أحد ع�رش ع�ضواً جميعهم من املكون ّ‬
‫ال�سني‪ ،‬خم�سة اع�ضاء منهم‬
‫من الع�سكريني و�ستة اع�ضاء مدنيني‪.‬‬

‫امللحق رقم ‪ -6-‬جمل�س قيادة الثورة كما يف ‪ / 8‬ني�سان‪2007 /‬‬


‫‪ -15‬قبل �سقوط نظام �صدام ح�سني بيوم واحد كان جمل�س قيادة‬
‫الثورة م�شكال من �سبعة اع�ضاء برئا�سة �صدام ح�سني‪ ،‬خم�سة اع�ضاء‬
‫ال�سني‪ ،‬ع�ضواً واحداً من القومية الكردية هو طه حميي الدين‬
‫من املكون ّ‬
‫معروف وع�ضواً واحداً من املكون امل�سيحي (طارق عزيز)‪.‬‬

‫امللحق رقم ‪ -7-‬جمل�س الوزراء كما يف ‪ /14‬ايار (ماي�س) ‪:1972‬‬


‫‪ -16‬يف م�ساء يوم ‪ /14‬ايار‪ 1972 /‬اعلن عن ت�شكيلة وزارية‬
‫جديدة اطلق عليها وزارة اجلبهة الوطنية لأنها �ضمت يف ع�ضويتها‬
‫اع�ضاء من احلزب ال�شيوعي العراقي‪ ،‬القوميني العرب‪ ،‬االكراد‪ ،‬احمد‬
‫ح�سن البكر كان هو الرئي�س عدد اع�ضاء الوزارة ب�ضمنهم الرئي�س كان‬
‫‪ 28‬ع�ضواً اكرث من ‪ %82.0‬من املكون ال�سني (العربي والكردي)‬
‫و‪ %18‬من املكون ال�شيعي‪.‬‬

‫امللحق رقم ‪ -8-‬جمل�س الوزراء امل�شكل مبوجب قرار جمل�س احلكم‬


‫رقم ‪ 28‬يف ‪:2003/8/31‬‬
‫‪ -17‬بلغ عدد الوزراء ‪ 25‬ع�ضواً موزعني ح�سب الن�سب التالية‪%48 :‬‬
‫ال�سني و‪ %4‬من املكون امل�سيحي‪.‬‬
‫من املكون ال�شيعي‪ %48 ،‬من املكون ّ‬
‫‪%32‬‬ ‫ال�سنة ‬
‫ن�سبة الوزراء العرب ّ‬
‫‪%48‬‬ ‫ن�سبة الوزراء العرب ال�شيعة ‬
‫‪%16‬‬ ‫ن�سبة الوزراء الكرد ‬
‫‪%4‬‬ ‫ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي ‬
‫‪-11-‬‬
‫امللحق رقم ‪ -9-‬وزارة الدكتور �إياد عالوي امل�شكلة يف حزيران‬
‫‪:2004/‬‬
‫‪ -18‬ت�شكلت وزارة الدكتور �إياد عالوي مبوجب قرار �صادر من‬
‫جمل�س احلكم‪� .‬ضمت الوزارة ‪ 33‬ع�ضواً وفقا للن�سب التالية‪:‬‬

‫‪%48.5‬‬ ‫ن�سبة الوزراء العرب ال�شيعة ‬


‫‪%30.5‬‬ ‫ال�سنة ‬
‫ن�سبة الوزراء العرب ّ‬
‫‪%18.0‬‬ ‫ن�سبة الوزراء الكرد ‬
‫‪%3.0‬‬ ‫ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي ‬

‫امللحق رقم ‪ -10-‬وزارة الدكتور ابراهيم اجلعفري امل�شكلة يف ايار‬


‫(ماي�س) ‪:2005‬‬
‫‪ -19‬ت�شكلت هذه الوزارة من ‪ 36‬ع�ضواً وفق ًا للن�سب التالية‪:‬‬

‫‪%47.2‬‬ ‫ن�سبة الوزراء العرب ال�شيعة ‬


‫‪%19.4‬‬ ‫ال�سنة ‬
‫ن�سبة الوزراء العرب ّ‬
‫‪%30.6‬‬ ‫ن�سبة الوزراء الكرد ‬
‫‪%2.8‬‬ ‫ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي ‬

‫امللحق رقم ‪ -11-‬وزارة نوري املالكي االوىل ‪: 2010 – 2006‬‬


‫‪ -20‬بلغ عدد اع�ضاء هذه الت�شكيلة الوزارية ‪� 40‬شخ�ص ًا (وهي‬
‫اكرب ت�شكيلة وزارية من حيث العدد يف تاريخ العراق منذ ا�ستقالله)‬
‫وفق ًا للن�سب التالية‪:‬‬

‫‪%48.7‬‬ ‫ن�سبة الوزراء العرب ال�شيعة ‬


‫‪%30.8‬‬ ‫ال�سنة ‬
‫ن�سبة الوزراء العرب ّ‬
‫‪-12-‬‬
‫‪%17.9‬‬ ‫ن�سبة الوزراء الكرد ‬
‫‪%2.6‬‬ ‫ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي ‬

‫امللحق رقم ‪ -12-‬وزارة نوري املالكي الثانية من ‪2010/12/22‬‬


‫لغاية ‪:2014/9/18‬‬
‫ت�شكلت وزارة نوري املالكي الثانية بعد مفاو�ضات ع�سرية ومطولة‬
‫مع الكتل ال�سيا�سية املتباينة مبا يف ذلك مفاو�ضات �رسية جرت مع رئي�س‬
‫اقليم كرد�ستان ال�سيد م�سعود البارزاين‪ .‬هذه الت�شكيلة بلغت رقم ًا‬
‫قيا�سي ًا يف عدد اع�ضائها الذي بلغ ‪ 46‬ع�ضواً بينهم ‪ 15‬ع�ضواً مبن�صب‬
‫«وزير الدولة» �أي وزيراً بال وزارة‪ ،‬ن�سب التوزيع االثني والقومي هي‪:‬‬
‫‪%53.4‬‬ ‫ن�سبة الوزراء العرب ال�شيعة ‬
‫‪%32.7‬‬ ‫ال�سنة ‬
‫ن�سبة الوزراء العرب ّ‬
‫‪%11.6‬‬ ‫ن�سبة الوزراء الكرد ‬
‫‪%2.3‬‬ ‫ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي ‬

‫امللحق رقم ‪ -13-‬وزارة الدكتور حيدر العبادي امل�شكلة يف �سبتمرب‬


‫‪ /‬ايلول ‪: 2014 /‬‬
‫ت�شكلت هذه الوزارة من ‪ 34‬ع�ضواً وفق ًا للن�سب التالية‪:‬‬
‫‪%50‬‬ ‫ن�سبة الوزراء العرب ال�شيعة ‬
‫‪%32‬‬ ‫ال�سنة ‬
‫ن�سبة الوزراء العرب ّ‬
‫‪%15‬‬ ‫ن�سبة الوزراء الكرد ‬
‫‪%3‬‬ ‫ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي ‬

‫‪-13-‬‬
‫ملاذا هذا الكتاب؟‬

‫الأربعاء ‪ 27‬فرباير ‪1980‬‬


‫�أم�سية جميلة‪� ،‬صدح فيها ال�شاعر الكبري حممد مهدي اجلواهري‬
‫و�أن�شد من ق�صائده الرائعة بني �أ�صدقاء يف منزيل‪ ،‬يف مدينة �أبو ظبي‪.‬‬
‫كان ذلك �أول لقاء يل مع اجلواهري‪ ،‬لقاء ابتد�أ يف التا�سعة م�ساء‬
‫وانتهى يف الرابعة من �صباح اليوم التايل‪.‬‬
‫وخالل تلك ال�ساعات اجلميلة حتدثنا عن العراق ال�سيا�سي وعن‬
‫البعث وعن �صدام ح�سني‪ .‬و�أنتقل احلديث بنا �إىل تاريخ العراق حتت‬
‫ال�سيطرة الأجنبية وكيف نا�ضل �أبنا�ؤه لنيل حريتهم وا�ستقاللهم‪ .‬وكيف‬
‫ا�ستلمت حفنة من اجلهلة والأميني احلكم لت�صبح بعد حني نخبة «ممتازة»‬
‫مار�ست الت�سلط فا�ستطابته‪ ،‬ومت�سكت بال�سلطة بيدين من حديد ونار‪،‬‬
‫ثم فتحت �أبواب ال�سجون ودهاليز املعتقالت لتلقي فيها خرية �شباب‬
‫الوطن‪ ،‬وعلقت امل�شانق ملعار�ضيها‪ ،‬ومل ترتك جماال للتعبري عن الر�أي‬
‫�سوى جدران �شوارع لندن وباري�س يكتب عليها املعار�ضون �شعاراتهم‬
‫وباللغة العربية طبع ًا!‬
‫وحتى هذه الكتابات على اجلدران البعيدة �أ�صبحت م�صدر قلق‬
‫وخوف للحاكم امل�ستبد‪ ،‬فلج�أ �إىل الت�صفيات اجل�سدية يف اخلارج‬
‫�أو قتل الأقارب يف الداخل‪ ،‬مع ا�ستمرار ذلك احلاكم امل�ستبد يف بيع‬
‫‪-15-‬‬
‫الأحالم ل�شعبه املغلوب على �أمره‪� :‬أحالم التنمية والرفاه‪� ...‬أحالم‬
‫حترير فل�سطني‪ ...‬ثم افتعال الأزمات اخلارجية لتربير بقائه الال�رشعي‬
‫يف كر�سي احلكم‪.‬‬
‫ومع هذا احلديث ال�سيا�سي كان اجلواهري ي�سمعنا‪:‬‬
‫يا دجلة اخلري �شكوى �أمرها عجب‬
‫�إن الذي جئت �أ�شــكو منه ي�شـــكوين‬
‫ماذا �صنعت بنف�سي قد �أحقت بها‬
‫ما مل يحق ُه بـ‪« ‬روما» «ع�سف» نريون‬

‫وين�شد فينا‪:‬‬
‫و�شطيه واجلرف واملنحنى‬ ‫�سالم على ه�ضبات العراق‬
‫عليــهــا هفا و�إليـها رنى‬ ‫�سالم على قمر فوقــهـــــــا‬

‫وطال بنا الليل وال�سمر‪...‬‬


‫ويف اليوم التايل جاءين اجلواهري وبيده ق�صا�صة ورق وقال‪:‬‬
‫لقد هزتني امل�شاعر ليلة البارحة فنظمت �أبيات ًا بحقك �أريد طباعتها‪.‬‬
‫�س�أعطيك الق�صيدة �إذا وعدتني ب�شيء واحد فقط‪.‬‬
‫– وما هو هذا ال�شيء يا �أبا فرات؟‬
‫�أريد منك وعداً ب�أنك �ستكتب يوما لي�س بالبعيد كتاب ًا عن جتربتك‬
‫مع البعث العراقي‪.‬‬
‫وملا قلت �س�أحاول‪ ،‬ناولني الق�صيدة بعد توقيعها‪ .‬وافرتقنا‪ ،‬ومل �ألتق‬
‫اجلواهري بعدها‪ ،‬ولكني بقيت حمتفظا بالق�صيدة بخط يده وتوقيعه‪.‬‬
‫‪-16-‬‬
‫ومرت �سنوات عديدة‪...‬‬
‫وجاء عام ‪ 1986‬حيث بد�أت بكتابة اخلطوط العري�ضة للكتاب‬
‫الذي وعدت به اجلواهري‪ ،‬ويف عام ‪ 1988‬انتهيت من الكتابة‪،‬‬
‫و�أودع��ت ن�سخة من ال�صفحات التي كتبتها لدى �صديق ليقر�أها‬
‫وي�شذبها متهيداً لن�رشها‪.‬‬
‫بد�أ ال�صديق عمله بكل ما �آتاه اهلل من مقدرة‪ ،‬وبكل ما �سمح به‬
‫الزمن من فر�ص‪.‬‬
‫ثم جاء عام ‪ 1989‬وبد�أت مرة �أخرى يف �إعادة النظر فيما كتبت‬
‫بعدما ح�صلت على وثائق ومعلومات �أخرى‪ .‬وما �أن انتهيت من �إعادة‬
‫الكتابة والإ�ضافة والتنقيح حتى �أحتل العراق الكويت ون�شبت �أزمة‬
‫اخلليج‪ ،‬و�أ�صبح �صدام ح�سني ومعه العراق مو�ضوع كتب كثرية ظهرت‬
‫على رفوف املكتبات‪ ،‬وحتليالت �سيا�سية و�سايكولوجية ملحطات الإذاعة‬
‫والتليفزيون يف كل �أرجاء العامل‪ ،‬وت�سارع البع�ض من الكتاب العرب‬
‫والأجانب �إىل ن�رش العديد من الكرا�سات واملقاالت بع�ضها مليء بال�سباب‬
‫وال�شتائم ال�شخ�صية وبع�ضها الآخر م�ؤيد له دون �أن يكون كاتب املقال �أو‬
‫م�ؤلف الكتاب قد عا�ش حتت نري ت�سلطه وظلمه الالمتناهي‪.‬‬
‫وت�أججت �أزمة اخلليج‪ ،‬وبد�أت طبول احلرب تدق‪ ...‬وحتولت‬
‫الأزمة التي يعي�شها املواطن العراقي �إىل م�سل�سل تليفزيوين مثري عنوانه‪:‬‬
‫�صدام ح�سني‪.‬‬
‫وحتت مظلة احلقد على بلدي العراق‪ ،‬ب�سبب �صدام ح�سني و�سيا�ساته‬
‫الرعناء‪ ،‬قررت عدم ن�رش الكتاب واالنتظار لفرتة �أخرى �أ�ستعني خاللها‬
‫مبعلومات وم�صادر �إ�ضافية‪.‬‬
‫ويف فرتة االنتظار �أعطيت امل�سودات الأوىل من الكتاب لعدد من‬
‫‪-17-‬‬
‫الأ�صدقاء ممن �شاركوا يف ال�سلطة يف العراق لت�صحيح �أخطاء رمبا كنت‬
‫قد وقعت فيها‪� ،‬أو لإ�ضافة معلومات �سهوت عنها �أو غابت عني‪.‬‬
‫بع�ض من ق��ر أ� امل�سودات الأوىل �سجل عتابه الحتواء الكتاب‬
‫على �أحداث من �ش�أنها �إظهار �صدام ح�سني مبظهر الإن�سان الوديع‬
‫وامل�س�ؤول العطوف على عك�س حقيقته املت�سمة بالق�سوة والفظاظة‪.‬‬
‫وذهب �أ�صدقاء �آخرون �إىل اقرتاح ف�صل خا�ص �أ�رسد ما ارتكبه �صدام‬
‫وعائلته من جرائم وح�شية بحق العراقيني يف �ضوء الوثائق املتوفرة لدى‬
‫منظمات حقوق الإن�سان ومنظمة الأمم املتحدة‪.‬‬
‫كل ما قاله واقرتحه الأ�صدقاء �صحيح �إال �أن موقع تلك الأمور لي�س‬
‫هذا الكتاب بل م�ؤلفات �أخرى تزخر بها املكتبات العربية والأجنبية‪.‬‬
‫هذا الكتاب ي�رسد الأحداث التي ع�شتها �شخ�صي ًا �أثناء عملي كوزير‬
‫للتخطيط �أو كم�ست�شار يف جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬وخالل فرتة مل يكن فيها‬
‫�صدام ح�سني متمتع ًا بـ‪« ‬ال�صفات» التي تالزمه الآن‪.‬‬
‫يف تلك الفرتة كان �صدام ح�سني نائب ًا لرئي�س جمل�س قيادة الثورة‪،‬‬
‫وكان حذراً يف ت�رصفاته‪ ،‬عملي ًا يف ممار�سته لل�سلطة‪ ،‬ي�ستمع جيداً لكل‬
‫املناق�شات‪ ،‬ينفذ ما يعد به وال يفقد اتزانه �أبداً‪ .‬كما كان جريئ ًا يف اتخاذ‬
‫القرار‪.‬‬
‫مل يخطر ببايل �أن �صدام ًا �سي�صل يف ظلمه وبط�شه وطي�شه احلد‬
‫الذي و�صله بعد فرتة ق�صرية من ا�ستالمه مقاليد احلكم يف العراق‪ .‬مل‬
‫يكن بحاجة اىل كل هذا العنف الالحمدود وكل هذه اال�ستهانة ب�أب�سط‬
‫الأعراف والقواعد القانونية‪ .‬لقد كان ب�إمكانه البقاء يف احلكم طوال‬
‫حياته يف عراق ت�سوده الرفاهية واالطمئنان و�سيادة القانون لو �أنه تروى‬
‫وتعقل وتخل�ص من عقدة اخلوف من الت�آمر عليه‪ ،‬ولو مل يحط نف�سه‬
‫‪-18-‬‬
‫بحفنة من اجلهلة واملتخلفني ومبجموعة غري عراقية من املنتفعني‪ ...‬جتار‬
‫ال�سالح وحمرتيف ال�سيا�سة‪.‬‬
‫قال �صدام ح�سني يف �أول خطاب له بعد ا�ستالمه من�صب رئي�س‬
‫اجلمهورية يف يوليو (متوز) ‪ 1979‬انه �سيكون فار�س ًا بني الفر�سان وراية‬
‫بني الرايات ولي�س الراية الوحيدة‪� ،‬إال �أنه �رسعان ما ا�ستدار �إىل رفاقه يف‬
‫احلزب والقيادة لينحرهم يف مذبحة م�شهودة مل ينج منها �سوى من‬
‫ال‪ ،‬كما وعد يف اخلطاب ذاته كل �أم‬ ‫ارت�ضى لنف�سه �أن يكون تابع ًا ذلي ً‬
‫عراقية باالطمئنان على ولدها و�أن ينام العراقيون ب�أمان و�سالم‪ .‬لقد‬
‫وعد بذلك لكنه مل يف بالوعد فح�سب بل �أحال العراق الغني ب�أنواع‬
‫الرثوات اىل دولة معزولة متخلفة‪ ،‬وجعل �شعبه‪ ،‬وريث احل�ضارة الأوىل‬
‫وال بالبحث عما ي�سد �أوده و�سط ركام اخلراب والدمار‬ ‫يف التاريخ‪ ،‬م�شغ ً‬
‫الذي خلفته مغامراته احلمقاء‪ ،‬عدا جموع املنفيني والهاربني من �أبنائه‬
‫املنت�رشين يف كل �أ�صقاع املعمورة‪.‬‬

‫***‬
‫ال‪ .‬يبد�أ الف�صل الأول بجدول لتواريخ‬ ‫يقع الكتاب يف ‪ 24‬ف�ص ً‬
‫بع�ض الأحداث والوقائع املتعلقة بالعراق‪ .‬وحتى ال ي�ضيع القارئ يف‬
‫خ�ضم الأ�سماء الكثرية التي ترد يف الكتاب فقد �أفردت الف�صل الثاين‬
‫للتعريف ببع�ض تلك الأ�سماء والأ�شخا�ص ثم �أنتقل �إىل الف�صل الثالث‬
‫لإعطاء نبذة عن مراحل درا�ستي الأوىل وتعريف على بع�ض �شخو�ص‬
‫حزب البعث ابتداء من لندن عام ‪ 1955‬وانتهاء ببغداد يف الأعوام التي‬
‫تلت عودتي �إىل العراق‪.‬‬
‫ي�رسد الف�صل الرابع �أحداثا ع�شتها منذ يناير (كانون الثاين) ‪1967‬‬
‫وحتى ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ 1968‬حيث تعرفت خاللها على رئي�س‬
‫‪-19-‬‬
‫ال��وزراء الفريق طاهر يحيى عام ‪ 1967‬و�أحمد ح�سن البكر الذي‬
‫�أ�صبح رئي�سا للجمهورية يف يوليو (متوز) ‪ ،1968‬والفريق �صالح‬
‫مهدي عما�ش �أحد قادة انقالب ‪� .1968‬أما الف�صل اخلام�س في�رسد‬
‫�أحداث ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ ،1968‬عندما �أعلن راديو بغداد ا�ستالم‬
‫البعث لل�سلطة‪ ،‬وما رافق تلك الأحداث من مفارقات انتهت ب�إبعاد‬
‫رئي�س الوزراء عبد الرزاق النايف‪ ،‬و�إمتام �سيطرة البعث على ال�سلطة يوم‬
‫‪ 30‬يوليو (متوز) ‪.1968‬‬
‫ويبحث الف�صل ال�ساد�س يف جتربتي يف العمل ال�سيا�سي يف الأيام‬
‫الأوىل ال�ستيزاري وما �أثاره اختياري ملن�صب الوزارة من ح�سا�سيات‬
‫وهواج�س لدى بع�ض امل�س�ؤولني نتيجة مت�سكهم بتعريف خاطئ‬
‫مل�صطلح «الطائفية» متنا�سني �أن الطائفية هي ممار�سة ال تتم �إال من خالل‬
‫ال�سلطة وعلى �أيدي من يحتلون كرا�سيها العالية‪.‬‬
‫ويروي الف�صل ال�سابع املالب�سات التي رافقت زياراتي ملدن كربالء‬
‫والنجف واحللة‪ ،‬وحمتوى التقرير الذي رفعته لرئي�س اجلمهورية �أحمد‬
‫ح�سن البكر‪ ،‬وكيف جعلني �أكت�شف بع�ض ًا من طباعه الغريبة ومزاجه‬
‫املتقلب‪.‬‬
‫�أما الف�صل الثامن فيعطي و�صف ًا موجزاً للزيارة الر�سمية التي قمت‬
‫بها �إىل باري�س ولندن يف �شهر دي�سمرب (كانون الثاين) ‪ 1968‬لت�سليم‬
‫ر�سالة خطية للجرنال ديغول يف فرن�سا‪ ،‬ولبحث العالقات العراقية –‬
‫الربيطانية مع وزير اخلارجية الربيطاين‪.‬‬
‫ويف الف�صل التا�سع �أتعر�ض لتفا�صيل العالقة بني جمال عبد النا�رص‬
‫وحزب البعث والتي مل تكن على ما يرام لأ�سباب تت�صل بتجربة عام‬
‫‪ .1963‬فعبد النا�رص ال يثق باحلزب كما �أن القيادة احلزبية العراقية‬
‫‪-20-‬‬
‫وعلى ر�أ�سها البكر ال حتمل الود لعبد النا�رص‪ .‬ومن �أجل الوقوف على‬
‫موقف عبد النا�رص من جهة‪ ،‬وتطمينه بنوايا القيادة العراقية‪ ،‬قرر جمل�س‬
‫قيادة الثورة ترتيب زيارة يل �إىل م�رص ملقابلة عبد النا�رص وت�سليمه ر�سالة‬
‫�شفوية من الرئي�س البكر‪.‬‬
‫وقد �أفردت الف�صل العا�رش لتفا�صيل املحاولة االنقالبية التي خطط‬
‫لها العقيد عبد الغني الراوي نهاية عام ‪ 1969‬وحاول تنفيذها يف‬
‫يناير (كانون الثاين) ‪ ،1970‬ولأحكام االعدام االنتقامية التي �أعقبت‬
‫ف�شلها‪.‬‬
‫الف�صل احلادي ع�رش ي�رسد بع�ض التفا�صيل ذات العالقة بت�رصفات‬
‫طه اجلزراوي ع�ضو القيادة ووزير ال�صناعة وحتر�شه امل�ستمر بوزارتي‬
‫التخطيط واالقت�صاد والتدخل يف �ش�ؤونهما‪ ،‬والتي �أدت يف النهاية �إىل‬
‫ا�ستقالة وزير االقت�صاد الدكتور فخري قدوري بعد تركه العراق ومعه‬
‫�إعفائي من وزارة التخطيط يوم ‪ 25‬يناير (كانون الثاين) ‪ .1971‬يف هذا‬
‫الف�صل �سريى القارئ كيف كانت التقارير احلزبية ت�صل �إىل امل�ستويات‬
‫العليا يف القيادة‪ ،‬وكيف كانت القيادة تهدر الكثري من وقتها للتحقيق‬
‫يف ما يرد يف تلك التقارير من مزاعم واتهامات باطلة يف غالبيتها‪.‬‬
‫الف�صل الثاين ع�رش خم�ص�ص للتفا�صيل التي �سبقت ت�أميم النفط يف‬
‫الأول من يونيو (حزيران) ‪ 1972‬ثم الت�شكيلة الوزارية التي دخل فيها‬
‫ال�شيوعيون والقوميون احلكومة متهيداً لك�سب ت�أييد �أحزابهم يف �إطار‬
‫ما �سمي وقتها بـ‪« ‬اجلبهة القومية التقدمية» خلطوة الت�أميم‪ .‬ويف نهاية‬
‫الف�صل‪� ،‬أ�ستعر�ض ظروف و�ضع واردات النفط من ت�أميم ح�صة الـ ‪5%‬‬
‫املعروفة بح�صة كولبنكيان والتي و�ضعت مبوجب قانون خا�ص يف‬
‫ح�ساب م�ستقل عن امليزانية احلكومية لدعم موارد حزب البعث!‬
‫‪-21-‬‬
‫وبالرغم من �أن هذا الكتاب ال يبحث تف�صيال يف اقت�صاديات العراق‬
‫فقد وجدت من املنا�سب �إعطاء نبذة موجزة عن ال�سيا�سة االقت�صادية‬
‫التي تبنتها القيادة العراقية خالل الفرتة التي �شاركت امل�س�ؤولية فيها‪.‬‬
‫هذا املوجز االقت�صادي يتناوله الف�صل الثالث ع�رش‪.‬‬
‫الف�صل الرابع ع�رش ي�صف الزيارة الر�سمية التي قام بها �صدام ح�سني‬
‫�إىل باري�س بعد ت�أميم النفط مبا�رشة‪ .‬كانت تلك الزيارة ذات �أهمية كبرية‬
‫ل�سببني �أولهما حماولة �صدام ا�ستخدام النفوذ الفرن�سي و�رشكات النفط‬
‫الفرن�سية (التي مل ي�ؤمم العراق ح�صتها) يف ال�ضغط على ال�رشكات التي‬
‫�أممت ح�صتها لإجراء ت�سوية عاجلة مع العراق‪ ،‬وثانيهما �إعطاء �أف�ضلية‬
‫خا�صة لفرن�سا من �أجل احل�صول على التكنولوجيا املتقدمة من خالل‬
‫القنوات الفرن�سية‪.‬‬
‫الف�صل اخلام�س ع�رش خ�ص�ص للحديث عن العالقات العراقية مع‬
‫دول اخلليج وكيف ات�سمت تلك العالقات‪ ،‬يف حقيقتها‪ ،‬باالرجتال‬
‫وق�رص النظر‪ .‬ويف نهاية الف�صل يجد القارئ خال�صة لتقرير �رسي �صادر‬
‫عن الإدارة الأمريكية حول االجتماع الذي عقد يف وا�شنطن بني وزير‬
‫خارجية العراق عام ‪ 1989‬طارق عزيز ونظريه الأمريكي جيم�س بيكر‪.‬‬
‫يتناول الف�صل ال�ساد�س ع�رش ب�إيجاز العالقات العراقية – الدولية‬
‫بعد ا�ستالم البعث لل�سلطة‪� .‬أما الف�صل ال�سابع ع�رش فيقدم خال�صة عن‬
‫املحاولة االنقالبية التي اتهم فيها ناظم كزار مدير الأمن العام والتي �أدت‬
‫�إىل �إعدامه مع جمموعة كبرية من قياديي حزب البعث‪ ،‬واتهام عبد اخلالق‬
‫ال�سامرائي ع�ضو القيادتني القومية والقطرية وع�ضو جمل�س قيادة الثورة‬
‫يف تدبري تلك امل�ؤامرة واحلكم عليه بالإعدام دون تنفيذه يف حينه‪.‬‬
‫الف�صل الثامن ع�رش ي�رسد ق�صة اختطايف وعائلتي �إىل �إ�رسائيل يف‬
‫‪-22-‬‬
‫العا�رش من �شهر �أغ�سط�س (�آب) عام ‪ 1973‬ودور املخابرات الإ�رسائيلية‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫الف�صل التا�سع ع�رش وعنوانه الزنزانة رقم ‪ 7‬يوجز ق�صة اعتقايل يف‬
‫بغداد بعد ا�ستالم �صدام ح�سني رئا�سة اجلمهورية يف يوليو (متوز) ‪1979‬‬
‫بتهمة توجيه االنتقاد لبع�ض امل�س�ؤولني من �أع�ضاء القيادة القطرية‪.‬‬
‫ولكن قبل الولوج يف تفا�صيل االعتقال يبد�أ الف�صل ب�رسد �أحداث يعود‬
‫ت�أريخها �إىل يونيو (حزيران) ‪ 1973‬لينتقل بعدئذ �إىل خلفيات التعديل‬
‫الوزاري الكبري يف نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1974‬عندما ابعد الوزراء‬
‫الذين ي�شك يف والئهم ل�صدام ح�سني وعني �آخرون �أغلبهم من �أع�ضاء‬
‫القيادة القطرية من الذين يدينون بالوالء املطلق ل�صدام‪.‬‬
‫الف�صل الع�رشون يلقي ال�ضوء على اخلطوات التي اتبعت لب�سط‬
‫�سيطرة جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬وبالتايل �صدام ح�سني على جميع �أجهزة‬
‫الدولة ومرافقها‪ ،‬منذ الأي��ام الأوىل النقالب يوليو (متوز) ‪1968‬‬
‫حتى �أ�صبح عراق اليوم حمكوم ًا و ُمداراً لي�س من قبل م�ؤ�س�سات علمية‬
‫وقوانني عادلة بل من خالل �شبكة من املنظمات ال�رسية مرتبطة الواحدة‬
‫بالأخرى تلتقي جميعها حتت مظلة �سوداء واحدة يجل�س حتتها �شخ�ص‬
‫واحد فقط يتخذ القرار كيفما ارت�أى ومتى �شاء‪.‬‬
‫وقد وجدت مفيدا بع�ض ال�شي ترجمة وثيقة �رسية �صادرة عن وزارة‬
‫اخلارجية الأمريكية يف نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1974‬حول الت�شكيلة‬
‫الوزارية العراقية يف ذلك العام‪.‬‬
‫و�أفرد الف�صل احلادي والع�رشون اللقاء ال�ضوء على �أحكام الإعدام‬
‫يف العراق والأفعال التي قرر جمل�س قيادة الثورة ب�أن تكون عقوبتها‬
‫الإعدام‪ ،‬و�إلغاء حق ا�ستئناف �أحكام الإعدام والتنفيذ الفوري لهذه‬
‫‪-23-‬‬
‫الأحكام‪ ،‬وهي �أم��ور �أ�صبحت لكرثتها وتكرارها اليومي طبيعية‬
‫يخو�ض فيها العراقيون ويكتب عنها املتابعون لل�ش�أن العراقي وتعرت�ض‬
‫عليها املنظمات الإقليمية والدولية حلقوق الإن�سان با�ستمرار دون �أن‬
‫يرعوي النظام‪.‬‬
‫ويركز ه��ذا الف�صل على ��سرد الكثري من القوانني وال��ق��رارات‬
‫واال�ستثناءات التي �أ�صدرها جمل�س قيادة الثورة وو�سع مبوجبها قاعدة‬
‫الأفعال التي يعاقب مرتكبوها بالإعدام‪.‬‬
‫الف�صول‪ :‬الثاين والع�رشون والثالث والع�رشون والرابع والع�رشون‬
‫تتحدث على التوايل عن �أحمد ح�سن البكر رئي�س اجلمهورية ورئي�س‬
‫جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬و�صالح مهدي عما�ش احلزبي امللتزم‪ ،‬الع�سكري‬
‫ال�شاعر والإن�سان املتوا�ضع ونائب رئي�س اجلمهورية حتى �إعفائه من‬
‫منا�صبه القيادية وتعيينه �سفريا يف مو�سكو‪ ،‬وعن �صدام ح�سني نائب‬
‫رئي�س جمل�س قيادة الثورة نائب �أمني �رس قيادة العراق حلزب البعث ثم‬
‫رئي�س جمل�س قيادة الثورة والقائد العام للقوات امل�سلحة و�أمني �رس قيادة‬
‫البعث العراقي‪ ،‬وامل�ؤمن ب�أن «الإن�سان ي�ستطيع �أن يفعل كل �شيء مما هو‬
‫لي�س من واجبات الإله»‪ ،‬على حد تعبريه !‬
‫وبانتهاء الف�صل الرابع والع�رشين تنتهي الأحداث التي ع�شتها داخل‬
‫العراق‪.‬‬
‫يف ختام هذه املقدمة �أود الإ�شارة �إىل مو�ضوع مل يتناوله هذا الكتاب‬
‫هو تفا�صيل تر�شيحي لرئا�سة �صندوق النقد العربي وال�سنوات اخلم�س‬
‫التي ق�ضيتها يف �أبو ظبي والإ�شاعات التي دارت بعد انتهاء مهمتي‬
‫كرئي�س لل�صندوق واملالب�سات القانونية التي �أعقبت تلك الإ�شاعات‬
‫يرافقها ال�ضغط ال�سيا�سي الذي مار�سه النظام العراقي ودولة عربية �أخرى‬
‫‪-24-‬‬
‫للإمعان يف التعقيبات القانونية وال�رصف الالمعقول عليها‪ .‬جميع تلك‬
‫الأمور �سبق �أن كتبت حولها يف كتاب م�ستقل �صدر يف �إبريل (ني�سان)‬
‫عام ‪ 1986‬لذلك مل �أجد مربرا لتكرار ما كتبت عنه يف هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪-25-‬‬
‫العراق‪ :‬بيانات ومعلومات �أ�سا�سية‬

‫ •تبلغ م�ساحة العراق ‪ 438317‬كيلومرتا مربعا ب�ضمنها ‪924‬‬


‫كيلومرتا مربعا من املياه الإقليمية‪ ،‬ولكن با�ستثناء املنطقة املحايدة‬
‫التي تبلغ ح�صة العراق فيها ‪ 3522‬كيلومرتا مربعا‪ .‬وتقع املنطقة‬
‫املحايدة بني العراق والكويت واململكة العربية ال�سعودية ولي�س فيها‬
‫�سكان دائميون بل بدو رحل ينتقلون يف املنطقة املحايدة بحرية‪.‬‬
‫ •وفقا للمادة الرابعة من الد�ستور امل�ؤقت‪ ،‬الإ�سالم هو دين الدولة‪.‬‬
‫وي�شكل امل�سلمون ما يقارب ‪ %95‬من ال�سكان‪� .‬أكرث من ‪%60‬‬
‫منهم يعتنقون املذهب اجلعفري والباقي يعتنقون املذهب احلنفي‪.‬‬
‫�أما الأقليات الدينية الأخرى فتتكون بدرجة رئي�سية من امل�سيحيني‬
‫�إىل جانب اليزيديني وال�صابئة املندائيني والعلويني‪.‬‬
‫ •يت�ألف العراق من ‪ 18‬حمافظة هي‪ :‬بغداد‪ ،‬نينوى (املو�صل)‪،‬‬
‫�صالح الدين (تكريت)‪ ،‬الت�أميم (ك��رك��وك)‪ ،‬دي��اىل‪ ،‬الأنبار‬
‫(الرمادي)‪ ،‬بابل (احللة)‪ ،‬كربالء‪ ،‬النجف‪ ،‬القاد�سية (الديوانية)‪،‬‬
‫املثنى (ال�سماوة)‪ ،‬ذي قار (النا�رصية)‪ ،‬وا�سط (الكوت)‪ ،‬مي�سان‬
‫(العمارة)‪ ،‬الب�رصة‪ ،‬دهوك‪� ،‬أربيل‪ ،‬ال�سليمانية‪.‬‬
‫ •ميثل العرب الن�سبة الأكرب من �سكان العراق يليهم االكراد مبا تفوق‬
‫ن�سبته على ‪ %20‬يف املئة تقريب ًا‪ ،‬ثم الرتكمان بن�سبة ‪ %2‬تقريب ًا‪.‬‬
‫‪-27-‬‬
‫ •يحد العراق �شماال تركيا‪� ،‬رشقا �إيران‪ ،‬جنوبا الكويت واخلليج‬
‫العربي‪ ،‬ومن اجلنوب الغربي اململكة العربية ال�سعودية والأردن‪،‬‬
‫ومن ال�شمال الغربي �سوريا‪.‬‬
‫وميكن القول ب�أن الطريقة التي ر�سمت فيها احلدود العراقية �أثارت‬
‫عدة ظواهر غري طبيعية‪ .‬الظاهرة الأوىل‪ ،‬وجود املنطقة املحايدة‬
‫ذات ال�شكل املعيني بني العراق والكويت واململكة العربية‬
‫ال�سعودية دون �أن يقطن تلك املنطقة �سكان دائمني‪ .‬والظاهرة‬
‫الثانية هي �أن حدود العراق مع �إيران من �أق�صى نقطة يف جنوب‬
‫مدينة الب�رصة ت�سري وفقا ملجرى �شط العرب ابتداء من ملتقى نهري‬
‫دجلة والفرات‪.‬‬
‫ومنذ ‪ 1936‬كانت احلدود العراقية – الإيرانية متتد �إىل اجلانب‬
‫ال�رشقي من �شط العرب‪� ،‬أي �أن كامل �شط العرب كان يقع �ضمن‬
‫احلدود الإقليمية العراقية وهو �أمر مل تقبل به �إيران و�أدى �إىل تدهور‬
‫يف العالقات العراقية – الإيرانية ومل يح�سم �إال يف مار�س (�آذار)‬
‫‪ 1975‬وفقا لالتفاقية التي وقعها كل من �صدام ح�سني و�شاه �إيران‪.‬‬
‫وطبقا لهذه االتفاقية التي �سميت بـ‪« ‬اتفاقية اجلزائر» �أ�صبح اخلط‬
‫احلدودي بني العراق و�إيران من منت�صف �أعمق نقطة مالحية يف‬
‫م�صب �شط العرب وي�سمى بـ‪« ‬خط الثالويك» ‪.Thalweg line‬‬
‫ •يف العراق نهران رئي�سيان هما دجلة والفرات ينبعان كالهما‬
‫من جبال تركيا‪ .‬يبلغ طول نهر دجلة ‪ 1850‬كيلومرتا‪� .‬أما نهر‬
‫الفرات فيبلغ طوله ‪ 2350‬كيلومرتا ومير عرب الأرا�ضي ال�سورية‬
‫قبل و�صوله العراق‪ .‬يلتقي نهرا دجلة والفرات يف منطقة القرنة‬
‫جنوب العراق ليكونا ما ي�سمى بـ‪�« ‬شط العرب» الذي يبلغ طوله‬
‫‪ 185‬كيلومرتا‪.‬‬
‫‪-28-‬‬
‫ •بلغ �إجمايل الناجت القومي مباليني الدنانري العراقية‪:‬‬
‫‪20.321.5 = 1989‬‬
‫‪22.523.0 = 1990‬‬
‫‪19.289.0 = 1991‬‬

‫‪-29-‬‬
‫الف�صل الأول‬
‫وقائع من تاريخ العراق املعا�رص‬

‫• الأربعاء ‪ 2‬يونيو (حزيران) ‪ :1920‬انطالقة ثورة الع�رشين �ضد‬


‫احلكم الربيطاين‪.‬‬
‫• ال�سبت ‪� 27‬أغ�سط�س (�آب) ‪ :1921‬بريطانيا تن�صب في�صل‬
‫الأول ملك ًا على العراق بعد �أن كان قد طرد من دم�شق يف ‪ 24‬يوليو‬
‫(متوز) ‪.1920‬‬
‫• الثالثاء ‪� 10‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ :1922‬توقيع املعاهدة‬
‫العراقية‪ – ‬الربيطانية والتي و�ضع العراق مبوجبها حتت االنتداب الربيطاين‪.‬‬
‫• الأح��د ‪ 16‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ :1930‬م�صادقة الربملان‬
‫العراقي على اتفاقية جديدة بني العراق وبريطانيا حدد مبوجبها تاريخ‬
‫انتهاء االنتداب الربيطاين على العراق ولكن ب�رشوط تف�ضيلية ل�صالح‬
‫بريطانيا‪.‬‬
‫• االثنني ‪� 3‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ :1932‬قبول العراق ع�ضواً يف‬
‫ع�صبة الأمم‪.‬‬
‫• اجلمعة ‪� 8‬سبتمرب (�أيلول) ‪ :1933‬وفاة امللك في�صل الأول‬
‫واعتالء ابنه غازي عر�ش العراق‪.‬‬
‫‪-31-‬‬
‫• ‪ :1937‬توقيع حلف �سعد �آباد بني العراق وتركيا و�أفغان�ستان و�إيران‪.‬‬
‫مبوجب هذا احللف اتفقت الدول الأربع على الت�شاور فيما بينها حل�سم‬
‫جميع املنازعات التي قد تن�شب ولها عالقة مبا�رشة مب�صاحلهم امل�شرتكة‪.‬‬
‫• الأحد ‪ 4‬يوليو (متوز) ‪ :1937‬التوقيع على اتفاقية احلدود بني‬
‫العراق و�إيران حيث �أقر البلدان حدودهما امل�شرتكة ا�ستنادا �إىل الرت�سيم‬
‫الذي مت �سنة ‪.1914‬‬
‫• الأربعاء ‪� 7‬سبتمرب (�أيلول) ‪ :1938‬وكيل وزارة اخلارجية‬
‫العراقية يوجه كتابا �إىل احلكومة الربيطانية ي�شري فيه �إىل تهديدات �إيرانية‬
‫يف منطقة �شط العرب وي�ؤكد �أي�ضا على رغبة العراق يف املبا�رشة ب�شق‬
‫قناة من �أجل �ضمان منفذ بحري له عرب الأرا�ضي الكويتية‪.‬‬
‫احلكومة الربيطانية ترد على املقرتح العراقي مطمئنة العراقي بعدم‬
‫احتمال قيام �إيران ب�أي عمل عدواين �ضد العراق باعتبار �إيران هي‬
‫الأخرى حليفة لربيطانيا‪ .‬ومت�ضي احلكومة الربيطانية �إىل القول ب�أن من‬
‫غري املحتمل �أن توافق الكويت على �شق قناة بحرية عرب �أرا�ضيها‪.‬‬
‫يف نهاية ال�شهر‪ ،‬يبعث توفيق ال�سويدي (وزير اخلارجية العراقية)‬
‫مبذكرة �إىل احلكومة الربيطانية يقول فيها‪ :‬لو �أن الكويت توافق على‬
‫�إعطاء جزيرة وربا للعراق‪ ،‬ف�أن ذلك �سي�ضع خور عبد اهلل حتت ال�سيطرة‬
‫العراقية وهو �أمر �سي�ضمن ميناءاً ومنفذاً بحري ًا للعراق‪.‬‬
‫• امللك غازي (ملك العراق) يبد�أ حملة �إعالمية ي�ستخدم فيها‬
‫ال�صحافة وحمطة �إذاعية خا�صة يف ق�رص الزهور‪ ،‬يدعو فيها �إىل �ضم‬
‫الكويت للعراق باعتبار الكويت جزء ال يتجز�أ منه‪ ،‬ويهاجم كذلك‬
‫اال�ستعمار الفرن�سي يف �سوريا واملطامع ال�صهيونية يف فل�سطني والتواجد‬
‫اال�ستعماري الربيطاين يف منطقة اخلليج العربي‪.‬‬
‫‪-32-‬‬
‫ومي�ضي امللك بعيداً‪ ،‬حيث يقوم بح�شد قطعات ع�سكرية عراقية‬
‫على احلدود مع الكويت‪ ،‬وي�شن حملة �إعالمية وا�سعة يدعو فيها �إىل‬
‫الق�ضاء على الأ�رسة الكويتية احلاكمة باعتبارها �أ�رسة متخلفة ن�صبتها‬
‫بريطانيا على الكويت دون وجه حق �أو �سند قانوين‪.‬‬
‫بريطانيا تعلم العراق ب�أنها �ست�ضطر �إىل التدخل ع�سكريا حلماية‬
‫الكويت يف حالة دخول القوات العراقية الأرا�ضي الكويتية‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪� 4‬إبريل (ني�سان) ‪ :1939‬مقتل امللك غازي يف حادث‬
‫طريق بعد ا�صطدام �سيارته التي كان يقودها �شخ�صيا بعمود �إنارة يف‬
‫�أحد �شوارع بغداد‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪� 1‬أبريل (ني�سان) ‪ :1941‬انقالب ر�شيد عايل الكيالين‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 29‬مايو (�أيار) ‪ :1941‬الق�ضاء على انقالب ر�شيد عايل‬
‫الكيالين بوا�سطة اجلي�ش الربيطاين وهروب الكيالين و�أعوانه �إىل طهران‪.‬‬
‫• ال�سبت ‪ 24‬يوليو (متوز) ‪� :1943‬إعالن ت�أ�سي�س حزب البعث‬
‫ون�رش �أول ميثاق له يف دم�شق‪.‬‬
‫• فرباير (�شباط) ‪� – 1955‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ :1955‬العراق‬
‫وتركيا يوقعان معاهدة للدفاع والتعاون امل�شرتك بينهما‪ .‬بريطانيا تن�ضم‬
‫�إىل هذه املعاهدة يف �إبريل (ني�سان) وتوافق على �إنهاء املعاهدة العراقية‬
‫الربيطانية املوقعة �سنة ‪ 1930‬كما توافق على التنازل عن القاعدة اجلوية‬
‫يف ال�شعيبة والقاعدة اجلوية يف احلبانية‪.‬‬
‫ويف �سبتمرب (�أيلول) من العام نف�سه‪ ،‬تن�ضم باك�ستان �إىل هذه املعاهدة‬
‫لتعقبها �إيران يف االن�ضمام يف �أكتوبر (ت�رشين الأول)‪� .‬أ�صبحت املعاهدة‬
‫تعرف بـ‪« ‬حلف بغداد»‪.‬‬
‫‪-33-‬‬
‫• االثنني ‪ 14‬يوليو (مت��وز) ‪ :1958‬قيام ثورة متوز يف العراق‬
‫و�إ�سقاط النظام امللكي‪ .‬الزعيم عبد الكرمي قا�سم يتوىل رئا�سة الوزارة‬
‫العراقية ومن�صب القائد العام للقوات امل�سلحة‪� .‬أما من�صب رئا�سة‬
‫اجلمهورية فقد تواله جمل�س �أطلق عليه ا�سم «جمل�س ال�سيادة» م�ؤلف من‬
‫ثالثة �أ�شخا�ص برئا�سة الفريق الركن جنيب الربيعي‪ .‬وتوىل العقيد الركن‬
‫عبد ال�سالم عارف من�صب نائب رئي�س الوزراء وزير الداخلية‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 24‬يوليو (متوز) ‪ :1958‬مي�شيل عفلق‪� ،‬أحد م�ؤ�س�سي‬
‫حزب البعث ي�صل بغداد بدعوة من املهند�س ف�ؤاد الركابي �سكرتري‬
‫حزب البعث العراقي ووزير الإعمار يف حكومة الثورة‪.‬‬
‫مي�شيل عفلق يطالب بان�ضمام العراق �إىل الوحدة التي كانت قائمة‬
‫بني م�رص و�سورية‪ .‬العقيد عبد ال�سالم عارف ي�ؤيد عفلق يف مطلبه دون‬
‫�أن ي�ست�شري رفاقه ال�ضباط الأحرار الذين قادوا الثورة‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪� 30‬سبتمرب (�أيلول) ‪� :1958‬إعفاء عبد ال�سالم حممد‬
‫عارف من جميع منا�صبه وتعيينه �سفرياً للعراق يف �أملانيا الغربية‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 24‬مار�س (�آذار) ‪ :1959‬العراق يعلن االن�سحاب من‬
‫ميثاق بغداد ومن منطقة العملة اال�سرتلينية‪.‬‬
‫• اجلمعة ‪ 1‬مايو (�أيار) ‪ :1959‬العراق يحتفل بعيد العمال العاملي‪.‬‬
‫مظاهرات �صاخبة يف بغداد تطالب مب�شاركة احلزب ال�شيوعي يف‬
‫احلكومة‪ .‬يف هذه املظاهرات احلزب ال�شيوعي يرفع �شعاره املعروف‪:‬‬
‫«عا�ش زعيمي عبد الكرميي‬
‫حزب ال�شيوعي باحلكم مطلب عظيمي»‬
‫• الأربعاء ‪� 7‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ :1959‬حزب البعث العراقي‬
‫‪-34-‬‬
‫يقوم مبحاولة الغتيال عبد الكرمي قا�سم يف �شارع الر�شيد‪� .‬صدام ح�سني‬
‫كان �أحد امل�شاركني يف املحاولة‪ ،‬حيث �أ�صيب بر�صا�صة يف قدمه‪،‬‬
‫يهرب بعدها �إىل دم�شق ومنها �إىل القاهرة‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 19‬يونيو (حزيران) ‪ :1961‬احلكومة الربيطانية تعلن يف‬
‫جمل�س العموم الربيطاين �أنها قررت �إنهاء انتدابها للكويت مما �سيرتتب‬
‫عليه تويل احلكومة الكويتية �ش�ؤون �سيا�ستها اخلارجية مع �إبقاء م�س�ؤولية‬
‫الدفاع عنها بناء على رغبة �أمري الكويت‪.‬‬
‫• الأحد ‪ 25‬يونيو (حزيران) ‪ :1961‬عبد الكرمي قا�سم يعلن يف بيان‬
‫ر�سمي �أن الكويت جزء ال يتجز�أ من العراق‪ ،‬و�أن العراق ال يعرتف ب�أية‬
‫اتفاقية مزورة تفر�ضها القوى الإمربيالية على الكويت‪ ،‬مبا يف ذلك اتفاقية‬
‫عام ‪ 1899‬التي فر�ضت مبوجبها بريطانيا االنتداب على الكويت‪ .‬البيان‬
‫الر�سمي العراقي ي�ؤكد ب�أن الكويت كانت جزءا من والية الب�رصة �أثناء‬
‫احلكم العثماين لذلك فان احلكومة العراقية �ست�صدر مر�سوما يق�ضي بتعيني‬
‫�أمري الكويت عبد اهلل ال�سامل ال�صباح حاكما ملنطقة الكويت‪ .‬يف ظل هذا‬
‫الو�ضع ت�سارع احلكومة الربيطانية �إىل �إعالن ا�ستعدادها مل�ساعدة الكويت‬
‫وحمايتها ع�سكريا �إذا طلب �أمري الكويت ذلك‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 26‬يونيو (حزيران) ‪� :1961‬أمري الكويت يعلن ا�ستقالل‬
‫بالده يف الوقت الذي يقوم فيه وزير خارجية العراق بت�سليم مذكرة‬
‫ر�سمية �إىل �أع�ضاء ال�سلك الدبلوما�سي العربي والأجنبي املعتمدين يف‬
‫بغداد يو�ضح فيها مطالب العراق يف الكويت‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 27‬يونيو (حزيران) ‪:1961‬‬
‫– جمال عبد النا�رص يعلن ت�أييد بالده ال�ستقالل و�سيادة الكويت‬
‫ومعار�ضته حماولة العراق �ضم الكويت �إليه‪.‬‬
‫‪-35-‬‬
‫– بريطانيا حتذر عبد الكرمي قا�سم من �أية حماولة لإحلاق الكويت‬
‫بالعراق وت�ؤكد وقوفها �إىل جانب الكويت يف الدفاع عن ا�ستقاللها‬
‫و�سيادتها‪.‬‬
‫– الواليات املتحدة الأمريكية ت�ؤكد ا�ستقالل الكويت‪.‬‬
‫– امللك �سعود ملك اململكة العربية ال�سعودية يبعث مبذكرة �إىل‬
‫امللوك والر�ؤ�ساء العرب يدين فيها ت�رصيحات عبد الكرمي قا�سم‪ ،‬وي�ؤكد‬
‫وقوف ال�سعودية �إىل جانب الكويت يف حمنتها‪.‬‬
‫• اجلمعة ‪ 30‬يونيو (حزيران) ‪ :1961‬الكويت (بوا�سطة احلكومة‬
‫الربيطانية) تتقدم ب�شكوى �إىل جمل�س الأمن تدعي فيها ب�أن العراق يهدد‬
‫�أمنها و�سالمتها ويعر�ض ال�سالم العاملي للخطر‪.‬‬
‫كما تعرب احلكومة الأمريكية عن �أملها يف �إيجاد حل �سلمي ملطالب‬
‫العراق يف الكويت‪ .‬يف الوقت نف�سه تعلن وزارة اخلارجية الربيطانية‬
‫�أنها قد التم�ست حكومات �أمريكا واجلمهورية العربية املتحدة وبع�ض‬
‫الدول العربية م�ساعدتها يف �صد �أي هجوم ع�سكري قد ي�شنه العراق‬
‫على الكويت‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 6‬يوليو (متوز) ‪ :1961‬عبد الكرمي قا�سم ي�ؤكد ب�أن‬
‫العراق لن يلج�أ �إىل ا�ستخدام القوة الع�سكرية �ضد الكويت‪ ،‬كما يعلن‬
‫ب�أن العراق مل يكن ينوي مهاجمة الكويت ع�سكري ًا بل ت�سوية امل�شكلة‬
‫العراقية – الكويتية بالطرق ال�سلمية والقنوات الدبلوما�سية‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 24‬دي�سمرب (كانون الأول) ‪ :1962‬يبد أ� البعثيون‬
‫والقوميون يف بغداد �إ�رضابا �شامال يف املدار�س واجلامعات �ضد حكومة‬
‫عبد الكرمي قا�سم‪ .‬الإ�رضاب ي�ستمر حتى يوم ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪.1963‬‬
‫‪-36-‬‬
‫• اجلمعة ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪ :1963‬يقود البعث العراقي انقالبا �ضد‬
‫حكومة عبد الكرمي قا�سم‪ .‬بعد قتال عنيف ا�ستمر عدة �أيام متكن البعث‬
‫من ال�سيطرة على مقاليد احلكم وتنفيذ حكم الإعدام بعبد الكرمي قا�سم‬
‫وبع�ض �ضباطه منهم فا�ضل عبا�س املهداوي وماجد حممد �أمني‪.‬‬
‫يطلق البعثيون على هذا االنقالب «ثورة ‪ 14‬رم�ضان» حيث �صادف‬
‫يوم ‪ 8‬فرباير (�شباط) اليوم الرابع ع�رش من �شهر رم�ضان من ذلك العام‪.‬‬
‫– عبد ال�سالم حممد عارف ي�صبح رئي�سا للجمهورية و�أحمد ح�سن‬
‫البكر رئي�س ًا للوزراء‪.‬‬
‫– جمال عبد النا�رص يبعث برقية تهنئة �إىل عارف مبنا�سبة تعيينه‬
‫رئي�س ًا للجمهورية يف العهد اجلديد‪.‬‬
‫– وزارة اخلارجية الأمريكية ترحب باالنقالب وت�ؤكد �أنها تعترب‬
‫«الثورة» يف بغداد حركة �ضد ال�شيوعية‪.‬‬
‫– عدنان الباجه جي ممثل العراق يف الأمم املتحدة يبلغ يوثانت‬
‫ال�سكرتري العام للأمم املتحدة �أن الثوار ي�سيطرون �سيطرة تامة على مقاليد‬
‫احلكم يف العراق‪.‬‬
‫– الكويت تبادر باالعرتاف باحلكم اجلديد يف بغداد‪.‬‬
‫– القيادة القومية حلزب البعث ت�صدر بيانا يف دم�شق ت�ؤيد فيه‬
‫االنقالبيني‪.‬‬
‫• ال�سبت ‪ 9‬فرباير (�شباط) ‪:1963‬‬
‫– احلاكم الع�سكري العام يف بغداد الزعيم ر�شيد م�صلح التكريتي‬
‫يعلن عن اعتقال وحماكمة ثم تنفيذ �أحكام الإع��دام بكل من عبد‬
‫‪-37-‬‬
‫الكرمي قا�سم‪ ،‬فا�ضل عبا�س املهداوي‪ ،‬طه ال�شيخ �أحمد‪ ،‬وكنعان‬
‫خليل حداد‪.‬‬

‫– املجل�س الوطني لقيادة الثورة ي�صدر بيانه املرقم ‪ 15‬يعلن فيه‬


‫تخويل نف�سه جميع ال�سلطات الت�رشيعية والتنفيذية والق�ضائية‪ ،‬كل ذلك‬
‫بناء على مقت�ضيات امل�صلحة العامة!‬

‫– املجل�س الوطني لقيادة الثورة يعني عبد ال�سالم حممد عارف‬


‫رئي�سا للجمهورية حلني انتهاء الفرتة االنتقالية‪.‬‬

‫– ا�ستنادا �إىل قرار املجل�س الوطني لقيادة الثورة رقم ‪ ،15‬املجل�س‬


‫يقرر ت�شكيل احلكومة على الوجه التايل‪:‬‬

‫�أحمد ح�سن البكر (ع�سكري – �سني)‬ ‫رئي�س الوزراء‬


‫نائب رئي�س الوزراء‬
‫علي �صالح ال�سعدي (مدين‪� – ‬سني)‬
‫ووزير الداخلية‬
‫�صالح مهدي عما�ش (ع�سكري‪� – ‬سني)‬ ‫وزير الدفاع‬
‫طالب ح�سني ال�شبيب (مدين‪� – ‬شيعي)‬ ‫وزير اخلارجية‬
‫عبد ال�ستار عبد اللطيف (ع�سكري‪� – ‬سني)‬ ‫وزير املوا�صالت‬
‫الدكتور عزت م�صطفى العاين (مدين‪� – ‬سني)‬ ‫وزير ال�صحة‬
‫مهدي الدولعي (مدين‪� – ‬سني)‬ ‫وزير العدل‬
‫حممود �شيت خطاب (ع�سكري‪� – ‬سني)‬ ‫وزير البلديات‬
‫بابا علي (ع�سكري‪ – ‬كردي‪� – ‬سني)‬ ‫وزير الزراعة‬
‫عبد العزيز الوتاري (مدين‪� – ‬سني)‬ ‫وزير النفط‬

‫‪-38-‬‬
‫الدكتور �أحمد عبد ال�ستار اجلواري (مدين‪� – ‬سني)‬ ‫وزير الرتبية‬
‫�صالح كبة (مدين‪� – ‬شيعي)‬ ‫وزير املالية‬
‫عبد ال�ستار علي احل�سني (مدين‪� – ‬سني)‬ ‫وزير الإ�سكان‬
‫�شكري �صالح زكي (مدين‪� – ‬سني)‬ ‫وزير التجارة‬
‫الدكتور �سعدون حمادي (مدين‪� – ‬شيعي)‬ ‫وزير الإ�صالح الزراعي‬
‫وزير ال�ش�ؤون االجتماعية حميد خلخال (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫الدكتور م�سارع الراوي (مدين – �سني)‬ ‫وزير الإر�شاد‬
‫الدكتور عبد الكرمي العلي (مدين‪� – ‬سني)‬ ‫وزير التخطيط‬
‫ناجي طالب (ع�سكري‪� – ‬شيعي)‬ ‫وزير ال�صناعة‬
‫ف�ؤاد عارف (ع�سكري‪ – ‬كردي‪� – ‬سني)‬ ‫وزير الدولة‬
‫حازم جواد (مدين‪� – ‬شيعي)‬ ‫وزير الدولة‬

‫• االثنني ‪ 18‬فرباير (�شباط) ‪ :1963‬وفد من القيادة القومية حلزب‬


‫البعث برئا�سة مي�شيل عفلق ي�صل بغداد للتهنئة بنجاح حركة ‪ 8‬فرباير‬
‫(�شباط) ‪.1963‬‬
‫• الثالثاء ‪ 19‬فرباير (�شباط) ‪ :1963‬جالل الطالباين �أحد زعماء‬
‫احلركة الكردية يف �شمال العراق يجتمع مع عبد ال�سالم عارف رئي�س‬
‫اجلمهورية‪� ،‬أحمد ح�سن البكر رئي�س الوزراء‪ ،‬و�صالح مهدي عما�ش‬
‫وزير الدفاع‪ ،‬ثم ي�رصح بان مباحثاته الأولية مع امل�س�ؤولني يف بغداد‬
‫ان�صبت حول �إقامة عالقة �أخوية بني القوميتني العربية والكردية‪.‬‬
‫يف اليوم نف�سه‪ ،‬و�صل وفد كردي �آخر برئا�سة املال م�صطفى البارزاين‬
‫�إىل بغداد وبد أ� مفاو�ضات ال�سلم مع حكومة بغداد‪.‬‬
‫‪-39-‬‬
‫• الأربعاء ‪ 20‬فرباير (�شباط) ‪ :1963‬عبد ال�سالم حممد عارف‬
‫يعلن يف ت�رصيح ر�سمي ب�أنه وحكومة الثورة يرحبان ترحيبا حارا ب�سفري‬
‫�أمريكي جديد يف بغداد‪� ،‬إذا ما رغبت وا�شنطن بذلك‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 28‬فرباير (�شباط) ‪ :1963‬املال م�صطفى البارزاين زعيم‬
‫احلركة الكردية يف �شمال العراق ي�صدر �أوامره �إىل قواته للت�أهب للقتال‬
‫�ضد حكومة البعث يف حال رف�ضها منح الأكراد حق احلكم الذاتي‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪� 2‬أبريل (ني�سان) ‪ :1963‬املجل�س الوطني لقيادة‬
‫الثورة ي�صدر قراراً بتخويل املجل�س نف�سه جميع ال�صالحيات الت�رشيعية‬
‫والتنفيذية و�صالحيات �إ�صدار القوانني‪ ،‬تعيني الوزراء‪ ،‬امل�صادقة على‬
‫االتفاقيات‪� ،‬إعالن احلرب‪ ،‬قيادة القوات امل�سلحة‪ ،‬تعيني �ضباط اجلي�ش‬
‫و�إحالتهم على التقاعد‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 6‬مايو (�أيار) ‪ :1963‬ممثل العراق يف الأمم املتحدة يطالب‬
‫املنظمة بت�أجيل الت�صويت على قبول الكويت ع�ضواً يف الأمم املتحدة‬
‫حلني ت�سوية اخلالفات بني العراق والكويت‪.‬‬
‫الأمم املتحدة ترف�ض الطلب العراقي‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪ 8‬مايو (�أيار) ‪ :1963‬وفد عراقي برئا�سة �صالح مهدي‬
‫عما�ش وزير الدفاع‪ ،‬طالب �شبيب وزير اخلارجية‪ ،‬وحردان التكريتي‬
‫قائد القوة اجلوية ي�صل الكويت ويجري مباحثات مع احلكومة الكويتية‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 9‬مايو (�أيار) ‪ :1963‬طالب �شبيب وزير اخلارجية‬
‫ي�رصح بان اجلهود قد بذلت لإزال��ة جميع العقبات واخلالفات بني‬
‫العراق والكويت‪ ،‬وان كل �شيء على ما يرام‪ .‬جاء هذا الت�رصيح بعد‬
‫عودة الوفد �إىل بغداد‪.‬‬
‫‪-40-‬‬
‫• ال�سبت والأحد ‪ 12 – 11‬مايو (�أيار) ‪ :1963‬خم�سة وزراء‬
‫من غري البعثيني يقدمون ا�ستقالتهم من حكومة �أحمد ح�سن البكر هم‪:‬‬
‫وزير الدولة – كردي – �سني‬ ‫ف�ؤاد عارف‬
‫وزير املالية – �شيعي‬ ‫�صالح كبة‬
‫وزير التجارة – �سني‬ ‫�شكري �صالح زكي‬
‫وزير ال�صناعة – �شيعي‬ ‫ناجي طالب‬
‫وزير الإ�سكان – �سني‬ ‫عبد ال�ستار علي احل�سني‬

‫• البكر يعيد ت�شكيل وزارة جديدة على النحو التايل‪:‬‬


‫رئي�س الوزراء – �سني‬ ‫�أحمد ح�سن البكر‬
‫نائب رئي�س الوزراء ووزير الإر�شاد –‬ ‫علي �صالح ال�سعدي‬
‫�سني‬
‫وزير الدفاع – �سني‬ ‫�صالح مهدي عما�ش‬
‫وزير �ش�ؤون رئا�سة اجلمهورية ووزير‬ ‫حازم جواد‬
‫الداخلية بالوكالة – �شيعي‬
‫وزير اخلارجية – �شيعي‬ ‫طالب ح�سني ال�شبيب‬
‫وزير املوا�صالت – �سني‬ ‫عبد ال�ستار عبد اللطيف‬
‫وزير النفط – �سني‬ ‫عبد العزيز الوتاري‬
‫وزير ال�صناعة – �شيعي‬ ‫ناجي طالب‬
‫وزير الإ�سكان – �سني‬ ‫رجب عبد املجيد‬

‫‪-41-‬‬
‫وزير البلديات – �سني‬ ‫حممود �شيت خطاب‬
‫وزير الرتبية – �سني‬ ‫الدكتور احمد عبد ال�ستار اجلواري‬
‫وزير الإ�صالح الزراعي – �شيعي‬ ‫الدكتور �سعدون حمادي‬
‫وزير التجارة – �سني‬ ‫�شكري �صالح زكي‬
‫وزير التخطيط – �سني‬ ‫الدكتور عبد الكرمي العلي‬
‫وزير العدل – �سني‬ ‫مهدي الدولعي‬
‫وزير املالية – �سني‬ ‫الدكتور حممد جواد العبو�سي‬
‫وزير ال�صحة‪� – ‬سني‬ ‫الدكتور عزت م�صطفى العاين‬
‫وزير ال�ش�ؤون االجتماعية – �شيعي‬ ‫حميد خلخال‬
‫وزير الزراعة – كردي – �سني‬ ‫بابا علي‬
‫وزير الدولة ل�ش�ؤون الوحدة االحتادية‬ ‫الدكتور م�سارع الراوي‬
‫– �سني‬
‫وزير الدولة ل�ش�ؤون الأوقاف – كردي‬ ‫ف�ؤاد عارف‬
‫– �سني‬

‫• الثالثاء ‪ 21‬مايو (�أيار) ‪� :1963‬أعلن يف بريوت بان حكومة‬


‫البعث منذ ا�ستالمها ال�سلطة يف ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪ 1963‬قد اعتقلت‬
‫ما ال يقل عن ‪� 14‬ألف �شخ�ص من خ�صومها ال�سيا�سيني‪ ،‬و�أودعتهم‬
‫غياهب ال�سجون‪ ،‬كما �أغلقت جميع ال�صحف التي كانت ت�صدر يف‬
‫العراق با�ستثناء ثالث �صحف تنطق با�سم احلكومة �أو ت�سري يف ركابها‪.‬‬

‫• الأربعاء ‪ 22‬مايو (�أي��ار) ‪ :1963‬ناطق ر�سمي با�سم وزارة‬


‫‪-42-‬‬
‫اخلارجية الربيطانية يعلن بان حكومة �صاحبة اجلاللة قد وافقت على‬
‫بيع الأ�سلحة واملعدات للحكومة العراقية‪ .‬يف ذات الوقت‪ ،‬احلكومة‬
‫العراقية تعلن عن اكت�شاف م�ؤامرة كبرية لقلب نظام احلكم و�إلقاء القب�ض‬
‫على «املت�آمرين» وتنفيذ �أحكام الإعدام ب�أحد ع�رش �شخ�ص ًا ع�رشة منهم‬
‫من الع�سكريني‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 10‬يونيو (حزيران) ‪ :1963‬بيان للحكومة العراقية تعلن‬
‫فيه �إعادة القتال مع الأكراد بقيادة املال م�صطفى البارزاين‪ .‬البيان ميهل‬
‫الأكراد مدة ‪� 24‬ساعة لال�ست�سالم و�إعالن الوالء املطلق حلكومة بغداد‪.‬‬
‫• جلنة الدفاع عن حقوق الأكراد‪ – ‬ومقرها مدينة لوزان ب�سوي�رسا‪– ‬‬
‫تعلن �أن البارزاين قد رف�ض الإنذار العراقي‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 27‬يونيو (حزيران) ‪� :1963‬صحيفة الأهرام امل�رصية‬
‫تن�رش خرباً مفاده �أن احلكومة العراقية واحلكومة الكويتية قد وقعتا اتفاق ًا‬
‫يعرتف العراق مبوجبه ب�سيادة وا�ستقالل الكويت‪ ،‬وان الكويت قد‬
‫وافقت على منح العراق قر�ض ًا مببلغ ‪ 30‬مليون دينار عراقي ي�سدد على‬
‫مدى ‪� 20‬سنة بدون فائدة ثمن ًا العرتاف العراق بالكويت‪.‬‬
‫• الأحد ‪� 4‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ :1963‬احلكومة العراقية‬
‫تعرتف ر�سمي ًا با�ستقالل و�سيادة الكويت �ضمن حدودها احلالية‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 11‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ :1963‬قيادة حزب البعث‬
‫العراقي تعقد اجتماعا ا�ستثنائيا وتعني �أحمد ح�سن البكر �سكرترياً عام ًا‬
‫وتطرد علي �صالح ال�سعدي و�أربعة من �أعوانه‪ ،‬وتبعدهم �إىل مدريد‪.‬‬
‫ال�سعدي ي�رصح يف مدريد بان القيادة اجلديدة يف العراق قيادة غري‬
‫�رشعية جاءت بقطار �أمريكي وا�ستلبت بالقوة من قبل ع�سكريني غري‬
‫بعثيني بقيادة احمد ح�سن البكر وع�صابته‪ ،‬على حد تعبري ال�سعدي‪.‬‬
‫‪-43-‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 14‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ :1963‬القيادة القومية‬
‫حلزب البعث برئا�سة مي�شيل عفلق تعلن �أنها عقدت اجتماع ًا يف مقر‬
‫قيادة احلر�س القومي يف بغداد ح�رضه رئي�س الوزراء احمد ح�سن البكر‬
‫ووزير الدفاع �صالح مهدي عما�ش و�أع�ضاء �آخرون‪ .‬بعد ذلك �صدر‬
‫بيان من القيادة القومية بحل القيادة القطرية يف العراق‪ ،‬وا�ستالم مقاليد‬
‫احلكم من قبل القيادة القومية برئا�سة عفلق حلني انتخاب قيادة قطرية‬
‫جديدة‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪ 17‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ :1963‬ت�شكيل وزارة م�ؤقتة‬
‫يف العراق برئا�سة �أحمد ح�سن البكر الذي �أ�صبح وزيراً للداخلية �إ�ضافة‬
‫�إىل من�صبه كرئي�س للوزراء‪� .‬صالح مهدي عما�ش ي�صبح وزيراً للخارجية‬
‫�إ�ضافة �إىل من�صبه كوزير للدفاع‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 18‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ :1963‬عبد ال�سالم حممد‬
‫عارف‪� ،‬أحمد ح�سن البكر‪ ،‬طاهر يحيى يعاونهم جمموعة من البعثيني‬
‫املدنيني والع�سكريني‪ ،‬يقودون انقالب ًا �آخر �ضد جناح حزب البعث‬
‫املتطرف بقيادة علي �صالح ال�سعدي وحمدي عبد املجيد‪.‬‬
‫عارف‪ – ‬رئي�س اجلمهورية‪ – ‬يتوىل ال�سلطة احلقيقية ي�سانده يف‬
‫ذلك جمموعة من ال�ضباط املوالني له‪ .‬البكر يتوىل من�صب نائب رئي�س‬
‫اجلمهورية دون �أن تكون له �سلطات حقيقية‪.‬‬
‫• الأرب��ع��اء ‪� 13‬أب��ري��ل (ني�سان) ‪ :1966‬مقتل عبد ال�سالم‬
‫حممد عارف رئي�س اجلمهورية يف حادث �سقوط طائرته العمودية‬
‫(الهيلوكبرت)‪� ،‬إثر تعر�ضها لعا�صفة رملية بني مدينة الب�رصة والقرنة‪ .‬وقد‬
‫قتل �أي�ضا ت�سعة من املرافقني ومالحي الطائرة‪ ،‬ب�ضمنهم عبد اللطيف‬
‫الدراجي وزير الداخلية‪ ،‬م�صطفى عبد اهلل وزير ال�صناعة‪.‬‬
‫‪-44-‬‬
‫رئي�س الوزراء عبد الرحمن البزاز يعلن احلداد مدة ‪ 30‬يوم ًا‪ ،‬كما‬
‫يعلن فر�ض منع التجول يف مدينة بغداد خوف ًا من قيام حتركات مناوئة‬
‫للحكم‪.‬‬
‫• ال�سبت ‪� 16‬أبريل (ني�سان) ‪ :1966‬تعيني عبد الرحمن حممد‬
‫عارف رئي�س ًا للجمهورية بعد مقتل �شقيقه عبد ال�سالم حممد عارف يف‬
‫حادث �سقوط طائرته العمودية واحرتاقها مبن فيها‪ .‬راديو بغداد يعلن بان‬
‫التعيني قد مت يف اجتماع م�شرتك ملجل�س الوزراء وجمل�س الدفاع القومي‪.‬‬
‫قبل ا�ستالم من�صبه اجلديد‪ ،‬كان عبد الرحمن عارف معاون ًا لرئي�س‬
‫�أركان اجلي�ش‪.‬‬
‫• الأرب��ع��اء ‪� 6‬سبتمرب (�أي��ل��ول) ‪ :1967‬ح��زب البعث يقود‬
‫مظاهرات �صاخبة يف بغداد �ضد نظام عبد الرحمن حممد عارف‬
‫حتت �ستار م�ساندة املقاومة الفل�سطينية‪ .‬ت�صدر املظاهرات جمموعة من‬
‫الع�سكريني املتقاعدين منهم �أحمد ح�سن البكر‪� ،‬صالح مهدي عما�ش‪،‬‬
‫وحردان التكريتي‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ :1968‬حزب البعث‪ ،‬بالتعاون مع‬
‫جمموعة من الع�سكريني غري البعثيني‪� ،‬أمثال عبد الرزاق النايف (معاون‬
‫مدير اال�ستخبارات الع�سكرية) و�إبراهيم الداوود و�سعدون غيدان (�آمر‬
‫احلر�س اجلمهوري)‪ ،‬يقودون انقالب ًا ع�سكري ًا‪ /‬مدني ًا يطيح بحكم عبد‬
‫الرحمن عارف الذي اقتيد �إىل مطار بغداد وت�سفريه على منت طائرة‬
‫ع�سكرية �إىل تركيا‪ .‬املقدم �سعدون غيدان لعب دوراً مهم ًا يف ت�سهيل‬
‫مهمة االنقالبيني بفتحه �أبواب الق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 30‬يوليو (متوز) ‪ :1968‬اجلناح املدين حلزب البعث‬
‫العراقي يلقي القب�ض على رئي�س ال��وزراء عبد ال��رزاق النايف بعد‬
‫‪-45-‬‬
‫ا�ستدراجه �إىل الق�رص اجلمهوري لتناول الغذاء مع رئي�س اجلمهورية‬
‫احمد ح�سن البكر‪ .‬النايف ي�سفر �إىل املغرب‪ .‬البعث ي�سيطر �سيطرة‬
‫كاملة على مقاليد احلكم‪� .‬صدام ح�سني يلعب دوراً مهم ًا يف اعتقال‬
‫النايف‪� .‬صدام ي�ستمر يف ممار�سة ن�شاطه احلزبي والأمني من وراء ال�ستار‪.‬‬
‫• الأح��د ‪ 5‬يناير (كانون الثاين) ‪� :1969‬إع��دام جمموعة من‬
‫العراقيني ب�ضمنهم ثالثة ع�رش من يهود العراق بتهمة التج�س�س‪ .‬تعليق‬
‫جثث املعدومني يف �ساحة التحرير ببغداد الأمر الذي �أثار �ضجة دولية‬
‫واحتجاج ًا يف �أروقة الأمم املتحدة‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪ 21‬يناير (كانون الثاين) ‪ :1970‬جمل�س قيادة الثورة‬
‫يعلن الك�شف عن م�ؤامرة لقلب نظام احلكم بقيادة العقيد املتقاعد‬
‫عبد الغني الراوي‪ .‬راديو بغداد يعلن تنفيذ �أحكام الإعدام مبجموعة‬
‫كبرية من املدنيني والع�سكريني‪ .‬الراوي يهرب �إىل �إيران‪ ،‬ثم يلج�أ �إىل‬
‫ال�سعودية بعد حماولة فا�شلة الغتياله يف �أحد �شوارع طهران‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪ 11‬مار�س (�آذار) ‪� :1970‬إعالن قانون احلكم الذاتي‬
‫للأكراد يف املنطقة ال�شمالية من العراق‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 30‬مار�س (�آذار) ‪ :1971‬جمموعة من عنا�رص املخابرات‬
‫العراقية تغتال الفريق الطيار حردان عبد الغفار التكريتي يف مدخل‬
‫امل�ست�شفى الأمريي يف الكويت‪ ،‬بعد �أن كان قد �أعفي من من�صبه كنائب‬
‫لرئي�س اجلمهورية وع�ضو جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 1‬يونيو (حزيران) ‪ :1972‬العراق يعلن ت�أميم ح�صة‬
‫ال�رشكات الربيطانية يف �رشكة نفط العراق‪ – ‬نفط كركوك فقط‪.‬‬
‫• الأحد ‪ 8‬يوليو (متوز) ‪ :1973‬تنفيذ حكم الإعدام مبدير الأمن‬
‫‪-46-‬‬
‫العام ناظم كزار وجمموعة كبرية من �أعوانه بتهمة الت�آمر لقلب نظام‬
‫احلكم‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 6‬مار�س (�آذار) ‪ :1975‬توقيع اتفاقية اجلزائر بني العراق‬
‫و�إيران حول احلدود ومياه �شط العرب‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 16‬يناير (كانون الثاين) ‪� :1979‬شاه �إيران يغادر طهران‬
‫بعد مظاهرات �صاخبة‪.‬‬
‫�شاهبور بختيار يتوىل من�صب رئي�س الوزراء‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 1‬فرباير (�شباط) ‪ :1979‬الإمام اخلميني يعود �إىل طهران‬
‫بعدما كان قد ابعد من العراق �إىل باري�س بناء على طلب �شاه �إيران‪.‬‬
‫• الأحد ‪ 15‬يوليو (متوز) ‪ :1979‬وكالة الأنباء العراقية توزع بيان ًا‬
‫تقول فيه �إن القيادة القطرية حلزب البعث قررت ف�صل حمي عبد احل�سني‬
‫م�شهدي (ال�شمري) من ع�ضويتها وع�ضوية جمل�س قيادة الثورة و�أمانة‬
‫�رس جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ :1979‬ا�ستقالة رئي�س اجلمهورية‬
‫احمد ح�سن البكر من جميع منا�صبه‪ ،‬وتعيني �صدام ح�سني يف جميع‬
‫تلك املنا�صب وهي‪ :‬رئي�س جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬رئي�س اجلمهورية‪،‬‬
‫رئي�س الوزراء‪ ،‬القائد العام للقوات امل�سلحة‪ ،‬الأمني العام حلزب البعث‬
‫العراقي‪ ،‬نائب الأمني العام للقيادة القومية حلزب البعث‪.‬‬
‫• اجلمعة ‪� 31‬أغ�سط�س (�آب) ‪ :1979‬منيف الرزاز (الأردين‬
‫اجلن�سية) يجرد من جميع منا�صبه احلزبية يف القيادة القومية ويو�ضع‬
‫حتت الإقامة الإجبارية يف منزله ببغداد‪.‬‬
‫‪-47-‬‬
‫امللك ح�سني يتو�سط لدى �صدام ح�سني لإطالق �رساح الرزاز‪� ،‬إال‬
‫انه يخرب بوفاته نتيجة �إ�صابته بنوبة قلبية !!‬
‫• الأربعاء ‪� 9‬أبريل (ني�سان) ‪� :1980‬إعدام �آية اهلل حممد باقر‬
‫ال�صدر و�شقيقته �آمنة (بنت الهدى) بعد حماكمة �رسية‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪� 4‬سبتمرب (�أيلول) ‪ :1980‬القوات العراقية تهاجم‬
‫�إيران وحتتل خم�س مدن �إيرانية‪ .‬هذا اليوم هو بداية حرب طاحنة بني‬
‫البلدين ا�ستمرت ثماين �سنوات‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪� 30‬سبتمرب (�أيلول) ‪ :1980‬الدكتور �سعدون حمادي‬
‫وزير اخلارجية يجتمع يف نيويورك مع ادموند مو�سكي وزير خارجية‬
‫الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬رغم عدم وجود عالقات دبلوما�سية بني‬
‫البلدين‪.‬‬
‫• الأحد ‪ 7‬يونيو (حزيران) ‪� :1980‬رسب من الطائرات الإ�رسائيلية‬
‫يهاجم بغداد ويدمر املفاعل النووي العراقي ‪ osirak‬الذي �أقيم مب�ساعدة‬
‫فرن�سا‪.‬‬
‫• الأحد ‪ 11‬مايو (�أيار) ‪ :1987‬ي�صيب العراق البارجة الأمريكية‬
‫(�ستارك) ب�صاروخ عن طريق اخلط�أ مما ي�ؤدي �إىل مقتل ‪ 37‬بحاراً‬
‫�أمريكيا‪ .‬الرئي�س الأمريكي رونالد ريغان ي�رصح ب�أنه بالرغم من هذا‬
‫احلادث فان البوارج الأمريكية �ستبقى يف اخلليج ويف م�ضيق هرمز‬
‫�ضمانا حلرية املالحة‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 20‬يوليو (متوز) ‪ :1987‬جمل�س الأمن يتخذ قراره املرقم‬
‫‪ 598‬يحث مبوجبه الطرفني املتحاربني العراق و�إي��ران على وقف‬
‫�إطالق النار‪ ،‬والعودة �إىل حدودهما الدولية‪ .‬العراق يوافق على القرار‬
‫‪-48-‬‬
‫دون حتفظ‪ ،‬يف حني ت�صف �إيران القرار ب�أنه غري عادل وترف�ض املوافقة‬
‫عليه‪.‬‬
‫• اجلمعة ‪ 1‬يوليو (متوز) ‪ :1988‬وزير اخلارجية طارق عزيز يعلن‬
‫ر�سمي ًا ولأول مرة بان العراق قد ا�ستخدم الغازات ال�سامة يف حربه مع‬
‫�إيران‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 18‬يوليو (متوز) ‪ :1988‬ال�سكرتري العام للأمم املتحدة‬
‫ي�ستلم موافقة احلكومة الإيرانية على قبول قرار جمل�س الأمن ‪598‬‬
‫القا�ضي بوقف �إطالق النار بني العراق و�إي��ران‪ ،‬وان�سحاب كل من‬
‫الدولتني �إىل حدودها الدولية‪ ،‬وت�شكيل جلنة دولية لتحديد م�س�ؤولية‬
‫ن�شوب احلرب‪.‬‬
‫• اجلمعة ‪ 5‬مايو (�أيار) ‪ :1989‬مقتل الفريق الركن عدنان خري‬
‫اهلل وزير الدفاع يف حادث �سقوط طائرته العمودية (الهليكوبرت) وهو‬
‫يف طريقه من املو�صل �إىل بغداد‪ ،‬وقد �أ�شيع يف حينه بان �صدام ح�سني‬
‫قد دبر احلادث بالتواط�ؤ مع �صهره (زوج ابنته) ح�سني كامل بهدف‬
‫التخل�ص من مناف�س حمتمل‪ .‬عدنان خري اهلل هو ابن خال �صدام و�شقيق‬
‫زوجته‪ .‬وقد قتل ح�سني كامل يف �أعقاب عودته �إىل العراق من الأردن‬
‫التي كان قد جل أ� �إليها عام ‪.1995‬‬
‫• االثنني ‪ 28‬مايو (�أيار) ‪ :1990‬انعقاد م�ؤمتر القمة العربية يف‬
‫بغداد‪� .‬صدام ح�سني يلقي خطاب ًا يوجه فيه انتقاداً �شديداً �إىل دول‬
‫اخلليج املنتجة للنفط‪.‬‬
‫• ال�سبت والأحد ‪15 – 14‬يوليو (متوز) ‪ :1990‬وزراء خارجية‬
‫الدول العربية يعقدون اجتماع ًا يف تون�س‪.‬‬
‫‪-49-‬‬
‫طارق عزيز وزير اخلارجية يلقي خطابا يهاجم فيه الكويت ويتهمها‬
‫ب�رسقة نفط حقل الرميلة العراقي‪.‬‬
‫املراقبون الدوليون يعتربون اخلطاب حلقة من حلقات ال�سيا�سة‬
‫العراقية �ضد بع�ض دول اخلليج وبالأخ�ص الكويت‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ :1990‬العراق يحتفل مبنا�سبة �سيطرة‬
‫حزب البعث على مقاليد احلكم يف العراق‪� .‬صدام ح�سني يلقي خطاب ًا‬
‫يتهم فيه الكويت ودولة الإمارات العربية باتباع �سيا�سة متعمدة لتخفي�ض‬
‫�أ�سعار النفط والإ�رضار مب�صالح العراق االقت�صادية‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪25‬يوليو (متوز) ‪� :1990‬صدام ح�سني ي�ستقبل �سفرية‬
‫الواليات املتحدة الأمريكية يف بغداد �أبريل كال�سبي وي�شري �إىل احتمال‬
‫قيامه باحتالل الكويت‪ .‬ال�سفرية ت�سيء فهم كالم �صدام وت�ؤكد له‬
‫بان حكومتها ال �ش�أن لها ب�سيا�سة العراق الداخلية �أو ب�سيا�سته املتعلقة‬
‫ب�ضمان ا�ستقالله االقت�صادي‪.‬‬
‫• االثنني ‪ 31‬يوليو (متوز) ‪ :1990‬اجتماع يف اململكة العربية‬
‫ال�سعودية برعاية امللك فهد بني وفد عراقي برئا�سة عزت �إبراهيم‬
‫الدوري نائب رئي�س جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬ووفد كويتي برئا�سة ويل العهد‬
‫�سعد العبد اهلل‪.‬‬
‫ا�ستمر االجتماع حتى ع�رص اليوم التايل دون �أن يتو�صل الطرفان‬
‫�إىل نتيجة‪ .‬عزت الدوري يهدد باحتالل الكويت و�سعد العبد اهلل يرد‬
‫بان �أي تعر�ض لأمن الكويت و�سالمتها �سيعقبه حترك �أمريكي �ضد‬
‫العراق‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪� 2‬أغ�سط�س (�آب) ‪ :1990‬يف ال�ساعة الثانية من �صباح‬
‫‪-50-‬‬
‫هذا اليوم‪ ،‬القوات العراقية تغزو الكويت دون �أن ت�ستطيع القب�ض على‬
‫العائلة احلاكمة كونها هربت �إىل ال�سعودية‪.‬‬
‫�صدام ح�سني يعني قريبه علي ح�سن املجيد امللقب بـ‪« ‬علي‬
‫كيمياوي» حاكم ًا عام ًا على الكويت‪ ،‬حيث يبد�أ يف تغيري �أ�سماء‬
‫�شوارعها و�ضواحيها مبا يف ذلك منطقة املطالع احلدودية التي �أطلق‬
‫عليها ا�سم «�صداميات املطالع»‪.‬‬
‫• االثنني ‪� 6‬أغ�سط�س (�آب) ‪ :1990‬جمل�س الأمن يتخذ قراره‬
‫املرقم ‪ 661‬بفر�ض العقوبات االقت�صادية على العراق مبا يف ذلك حجز‬
‫جميع الأموال واملوجودات العائدة للعراق والكويت يف اخلارج‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪� 28‬أغ�سط�س (�آب) ‪ :1990‬جمل�س قيادة الثورة ي�صدر‬
‫قرارا ب�إحلاق الكويت بالعراق واعتبارها املحافظة العراقية رقم ‪ 19‬مع‬
‫ت�سمية مدينة الكويت بـ‪« ‬الكاظمة»‪.‬‬
‫• الأح��د ‪� 9‬سبتمرب (�أي��ل��ول) ‪ :1990‬الرئي�سان الأمريكي‬
‫وال�سوفياتي ي�صدران بيان ًا م�شرتك ًا يف العا�صمة الفندلندية هل�سنكي‬
‫يدينان فيه قرار العراق �ضم الكويت اليه‪.‬‬
‫• االثنني ‪� 29‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ :1990‬جمل�س الأمن ي�صدر‬
‫قراره املرقم ‪ 674‬يحمل فيه العراق م�س�ؤولية جرائم احلرب ودفع‬
‫تعوي�ضات احلرب‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪29‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ :1990‬جمل�س الأمن ي�صدر‬
‫قراره املرقم ‪ 678‬يجيز مبوجبه ا�ستعمال القوة الع�سكرية �ضد العراق �إذا‬
‫مل ين�سحب الأخري من الكويت خالل مدة �أق�صاها يوم ‪ 15‬يناير (كانون‬
‫الثاين) ‪.1991‬‬
‫‪-51-‬‬
‫ا • لأحد ‪ 6‬يناير (كانون الثاين) ‪ :1991‬العراق يحتفل بيوم اجلي�ش‬
‫العراقي‪� .‬صدام ح�سني يوجه خطاب ًا يهدد فيه دول التحالف وعلى‬
‫ر�أ�سها الواليات املتحدة الأمريكية بان «�أم املعارك» مت�أهبة للقتال‪ ،‬وان‬
‫جميع ق�ضايا ال�رشق الأو�سط هي جزء من املعركة القادمة‪.‬‬
‫يف الوقت نف�سه‪ ،‬يعلن جيم�س بيكر وزير اخلارجية الأمريكي ب�أنه‬
‫�سوف يزود طارق عزيز بال�صور الف�ضائية التي حتدد بدقة جميع حتركات‬
‫�صدام ح�سني و�أماكن اختفائه‪ ،‬بحيث ي�سهل قتله يف حال ن�شوب احلرب‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪ 9‬يناير (كانون الثاين) ‪ :1991‬لقاء بني جيم�س بيكر‬
‫وط��ارق عزيز يف جنيف بح�ضور ب��ارزان التكريتي ممثل العراق يف‬
‫املكتب الأوربي للأمم املتحدة بجنيف‪ .‬اللقاء ي�ستمر خم�س �ساعات‪.‬‬
‫بيكر يرف�ض حتويل اللقاء �إىل «مفاو�ضات»‪ .‬طارق عزيز يهاجم بعنف‬
‫�سيا�سة الغرب املزدوجة التي ت�سمح لإ�رسائيل �إهمال ق��رارات الأمم‬
‫املتحدة‪ ،‬ويهدد ب�رضب �إ�رسائيل �إذا ن�شبت احلرب‪.‬‬
‫• الثالثاء ‪ 15‬يناير (كانون الثاين) ‪ :1991‬يعقد جمل�س الأمن‬
‫اجتماع ًا لبحث امل�رشوع الفرن�سي الذي يربط بني ان�سحاب العراق من‬
‫الكويت وم�شاكل ال�رشق الأو�سط الأخرى‪.‬‬
‫جمل�س الأمن يرف�ض امل�رشوع‪.‬‬
‫الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش يوقع قراراً يق�ضي مبهاجمة العراق‬
‫ع�سكري ًا‪.‬‬
‫الأربعاء ‪ 16‬يناير (كانون الثاين) ‪ :1991‬يف ال�ساعة التا�سعة‬
‫والدقيقة اخلم�سني م�ساء بتوقيت كرينج‪ ،‬قوات التحالف املتواجدة يف‬
‫ال�سعودية تبد أ� ق�صفها اجلوي لبغداد وبقية املدن العراقية‪.‬‬
‫‪-52-‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 17‬يناير (كانون الثاين) ‪� :1991‬صدام ح�سني يعلن من‬
‫راديو بغداد بدء املعركة الع�سكرية التي �أطلق عليها ا�سم «�أم املعارك»‪.‬‬
‫الق�صف اجلوي ي�ستمر حتى يوم ‪ 27‬دون �أن حتقق «�أم املعارك» �أي‬
‫انت�صار على قوات التحالف‪.‬‬
‫• الأربعاء ‪ 6‬فرباير (�شباط) ‪ :1991‬العراق يعلن ر�سمي ًا قطع‬
‫عالقاته الدبلوما�سية مع كل من‪ :‬الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬بريطانيا‪،‬‬
‫فرن�سا‪� ،‬إيطاليا‪ ،‬م�رص‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬
‫• اجلمعة ‪ 15‬فرباير (�شباط) ‪ :1991‬العراق يعلن ا�ستعداده‬
‫للتعاون مع جمل�س الأمن ب�ش�أن قرارات املجل�س حول الكويت غري انه‬
‫يربط ذلك اال�ستعداد بقائمة طويلة من ال�رشوط منها عدم عودة عائلة �آل‬
‫ال�صباح �إىل احلكم‪.‬‬
‫جمل�س الأمن يرف�ض املقرتح العراقي‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 21‬فرباير (�شباط) ‪ :1991‬العراق يوافق على امل�رشوع‬
‫ال�سوفياتي خلطة ال�سالم واملت�ضمن ‪ 8‬نقاط هي‪:‬‬
‫‪ – 1‬االن�سحاب الفوري وغري امل�رشوط للقوات العراقية من‬
‫الكويت‪.‬‬
‫‪ – 2‬يبد أ� االن�سحاب يف اليوم الذي يلي وقف �إطالق النار‪.‬‬
‫‪ – 3‬يكتمل االن�سحاب �ضمن فرتة زمنية حمددة‪.‬‬
‫‪ – 4‬عند �إكمال ان�سحاب ثلثي القوات العراقية يتم �إلغاء العقوبات‬
‫االقت�صادية املفرو�ضة على العراق‪.‬‬
‫‪ – 5‬عند �إكمال االن�سحاب كلي ًا تلغى بقية العقوبات املفرو�ضة‬
‫مبوجب قرارات الأمم املتحدة‪.‬‬
‫‪-53-‬‬
‫‪� – 6‬إطالق �رساح جميع �سجناء احلرب بعد وقف �إطالق النار‪.‬‬
‫‪ – 7‬يتم االن�سحاب ب�إ�رشاف دول حمايدة بعد وقف �إطالق النار‪.‬‬
‫‪� – 8‬أية �أمور تف�صيلية �أخرى تبحث بعدئذ‪.‬‬
‫مل توافق الواليات املتحدة الأمريكية وحلفا�ؤها على امل�رشوع‬
‫ال�سوفياتي‪.‬‬
‫• اخلمي�س ‪ 28‬فرباير (�شباط) ‪ :1991‬الرئي�س الأمريكي جورج‬
‫بو�ش يعلن �أن الكويت قد حررت وانه يعلن وقف �إطالق النار‪.‬‬
‫ي�سارع العراق �إىل املوافقة التامة على ذلك وعلى قبول جميع‬
‫قرارات الأمم املتحدة‪.‬‬

‫‪-54-‬‬
‫الف�صل الثاين‬
‫�شخ�صيات و�أحداث‬

‫يحاول هذا الف�صل تقدمي بع�ض ال�شخ�صيات التي ترد �أ�سما�ؤها يف‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬لي�س الق�صد هنا تقدمي تفا�صيل م�سهبة‪� ،‬إمنا تعريفا خمت�رصا‬
‫بها‪ ،‬خا�صة للقياديني يف حزب البعث العراقي ممن برزوا على م�رسح‬
‫الأحداث العراقية‪ ،‬بعد ا�ستيالء احلزب على ال�سلطة يف يوليو (متوز)‬
‫‪ ،1968‬ثم اختفوا �أو تقل�صت �أدوارهم �أما ب�سبب االعتزال ال�سيا�سي‬
‫اختيارا‪� ،‬أو ب�سبب العزل ال�سيا�سي �إجباراً‪.‬‬
‫هناك كثري من الأ�سماء مل يرد بها تعريف نظراً لعدم توفر معلومات‬
‫كافية عنها‪ ،‬كما �أن �شخ�صيات مثل جمال عبد النا�رص و�صدام ح�سني مل‬
‫�أ�سهب يف التعريف بها‪ ،‬لأنها ال حتتاج �إىل تعريف من ناحية‪ ،‬ولوجود‬
‫كتب كثرية تتحدث عنها‪.‬‬

‫***‬
‫�أحمد ح�سن البكر‪ :‬ولد يف تكريت عام ‪ .1914‬تخرج من دار‬
‫املعلمني عام ‪ 1932‬وعني معلما يف �إحدى املدار�س االبتدائية‪ .‬دخل‬
‫الكلية الع�سكرية عام ‪ 1938‬وتخرج منها برتبة مالزم ثان‪ .‬تدرج يف‬
‫املنا�صب الع�سكرية حتى و�صل �إىل رتبة عقيد عام ‪� .1958‬شارك يف‬
‫انقالب البعث الأول يف ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪ 1963‬وتوىل من�صب رئي�س‬
‫‪-55-‬‬
‫ال��وزراء‪ .‬ويف انقالب ‪ 18‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1963‬عني نائبا‬
‫لرئي�س اجلمهورية دون �أن تكون له �سلطات حقيقية‪ ،‬وبعد فرتة ق�صرية‬
‫ا�ستقال من من�صبه‪.‬‬
‫اعتقل يف �سبتمرب (�أيلول) ‪ 1964‬مع جمموعة من البعثيني بتهمة‬
‫الت�آمر لقلب نظام احلكم‪ .‬ويف ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ 1968‬ا�شرتك مع‬
‫جمموعة من ال�ضباط وقيادة حزب البعث يف م�ؤامرة �أ�سقطت النظام‬
‫ال�سابق وا�ستولت على مقاليد احلكم ف�أ�صبح رئي�سا للجمهورية ورئي�سا‬
‫ملجل�س قيادة الثورة يف �آن واحد‪.‬‬
‫ا�ستقال يف ‪ 16‬يوليو (متوز) ‪ 1979‬من جميع منا�صبه و�سلم احلكم‬
‫�إىل نائبه �صدام ح�سني‪ ،‬وقد �أم�ضى بقية �أيامه يف عزلة �سيا�سية كاملة‬
‫حتى وفاته عام ‪.1982‬‬
‫�أحمد �صالح العبدي‪ :‬ولد يف بغداد عام ‪� .1912‬أحد عنا�رص‬
‫جمموعة ال�ضباط الأحرار التي فجرت ثورة ‪ 14‬يوليو (متوز) ‪.1958‬‬
‫�أ�صبح حاكما ع�سكريا عاما بعد جناح الثورة وبقي يف ذلك املن�صب‬
‫حتى انقالب ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪ .1963‬تويف عام ‪.1964‬‬
‫جمال عبد النا�رص‪� :‬أحد ال�ضباط الأحرار يف اجلي�ش امل�رصي‪ ،‬ولد‬
‫يوم ‪ 16‬يناير (كانون الثاين) ‪ 1918‬يف حمافظة �أ�سيوط‪� .‬أكمل درا�سته‬
‫االبتدائية والثانوية يف الإ�سكندرية والقاهرة‪ .‬تخرج من الكلية الع�سكرية‬
‫امل�رصية عام ‪ ،1938‬يف ‪ 23‬يوليو (متوز) ‪ 1952‬ا�شرتك مع جمموعة من‬
‫ال�ضباط يف قلب نظام احلكم يف م�رص‪ .‬بقي عبد النا�رص رئي�سا للجمهورية‬
‫امل�رصية حتى وفاته بال�سكتة القلبية يف ال�ساعة ال�ساد�سة والدقيقة اخلام�سة‬
‫ع�رشة من يوم االثنني ‪� 28‬سبتمرب (�أيلول) ‪.1970‬‬
‫• حردان عبد الغفار التكريتي‪ :‬ولد يف تكريت عام ‪ .1926‬قائد‬
‫‪-56-‬‬
‫القوة اجلوية بني فرباير (�شباط) و‪ 17‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪.1963‬‬
‫نائب رئي�س الوزراء ووزير الدفاع وع�ضو جمل�س قيادة الثورة من يوليو‬
‫(متوز) ‪� 1968‬إىل حني تعيينه نائبا لرئي�س اجلمهورية عام ‪ ،1970‬ثم‬
‫�أعفي من جميع منا�صبه وعني �سفريا ب�أ�سبانيا يف ‪� 15‬أكتوبر (ت�رشين‬
‫الأول) ‪ ،1970‬لكنه مل يلتحق مبن�صبه اجلديد‪ .‬اغتيل يف مدينة الكويت‬
‫يف ‪ 30‬مار�س (�آذار) ‪.1971‬‬
‫• حماد �شهاب التكريتي‪ :‬ولد يف تكريت عام ‪ .1925‬عني رئي�س ًا‬
‫لأركان اجلي�ش بعد انقالب ‪ ،1968‬عني وزيراً للدفاع ‪ .1970‬قتل يف‬
‫ما �سمي «م�ؤامرة ناظم كزار» يف ‪ 20‬يونيو (حزيران) ‪.1973‬‬
‫• �سعدون حمادي (الدكتور)‪ :‬ولد يف كربالء عام ‪،1930‬‬
‫�أكمل درا�سته االبتدائية والثانوية يف كربالء‪ .‬ح�صل على �شهادة‬
‫البكالوريو�س من اجلامعة الأمريكية يف بريوت‪ ،‬و�شهادة الدكتوراه‬
‫من جامعة و�سكان�سون بالواليات املتحدة الأمريكية‪ .‬عمل �أ�ستاذا‬
‫م�ساعدا يف كلية الزراعة‪ – ‬جامعة بغداد ‪ .1958 – 57‬بعد ثورة‬
‫يوليو (متوز) ‪ 1958‬عني رئي�سا لتحرير جريدة «اجلمهورية»‪ ،‬وبعد‬
‫انقالب البعث الأول يف فرباير (�شباط) ‪ 1963‬عني وزيرا للإ�صالح‬
‫الزراعي وع�ضواً يف قيادة البعث ويف املجل�س الوطني لقيادة‬
‫االنقالب‪ .‬وبعد االنقالب الثاين عام ‪ 1968‬عني رئي�س ًا ل�رشكة النفط‬
‫العراقية (‪ .)1969‬وتقلد منا�صب وزارية عديدة منها وزير النفط‬
‫واملعادن‪ ،‬وزير اخلارجية‪ ،‬رئي�س الوزراء‪ ،‬ثم رئي�س املجل�س الوطني‬
‫(جمل�س النواب)‪.‬‬
‫• �سعدون غيدان‪ :‬ولد يف بغداد ‪� .1929‬آم��ر ق��وات احلر�س‬
‫اجلمهوري حتى ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ .1968‬ع�ضو جمل�س قيادة الثورة‬
‫بعد انقالب يوليو (متوز) ‪ ،1968‬وزير الداخلية من �أبريل (ني�سان)‬
‫‪-57-‬‬
‫‪ 1970‬لغاية نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ ،1974‬وزير املوا�صالت حتى‬
‫‪ ،1979‬حيث عني نائب ًا لرئي�س الوزراء‪ .‬يف يونيو (حزيران) ‪1982‬‬
‫�أعفي من جميع منا�صبه‪ .‬تويف عام ‪.1985‬‬
‫• �صالح مهدي عما�ش‪ :‬ولد يف بغداد عام ‪ .1925‬وزير الدفاع‬
‫من ‪ 8‬فرباير (�شباط) لغاية ‪ 17‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ ،1963‬نائب‬
‫رئي�س الوزراء ووزير الداخلية يف يوليو (متوز) ‪ ،1968‬ع�ضو القيادة‬
‫القطرية للبعث وع�ضو جمل�س قيادة الثورة من يوليو (متوز) ‪،1968‬‬
‫وحتى �إعفائه من جميع منا�صبه يف ‪� 28‬سبتمرب (�أيلول) ‪ 1971‬وتعيينه‬
‫�سفريا للعراق يف االحتاد ال�سوفيتي‪ .‬تويف عام ‪.1985‬‬
‫• �صدام ح�سني‪ :‬ولد يف قرية العوجة التابعة لتكريت يف ‪� 28‬إبريل‬
‫(ني�سان) ‪ .1937‬انتقل �إىل بغداد عام ‪ 1955‬ويف عام ‪ 1957‬انتمى‬
‫حلزب البعث‪ .‬كان �أحد امل�شاركني يف حماولة اغتيال عبد الكرمي قا�سم‬
‫عام ‪ ،1959‬وبعد ف�شل املحاولة هرب �إىل �سوريا ومنها �إىل القاهرة‪،‬‬
‫و�أكمل هناك درا�سته الثانوية‪ .‬عاد �إىل العراق عام ‪ 1963‬بعد انقالب‬
‫البعث الأول‪ ،‬ليعمل يف املكتب الفالحي للحزب‪ .‬ع�ضو امل�ؤمتر‬
‫الرابع للقيادة القومية‪ ،‬ع�ضو امل�ؤمتر ال�ساد�س للقيادة القطرية (‪)1963‬‬
‫وع�ضو امل�ؤمتر القطري (‪ .)1964‬ع�ضو القيادة القطرية (‪.)1965‬‬
‫�شارك يف انقالب يوليو (متوز) ‪ ،1968‬و�أ�صبح نائبا لرئي�س جمل�س‬
‫قيادة الثورة حتى يوليو (متوز) ‪ ،1979‬حيث توىل من�صب رئي�س‬
‫اجلمهورية‪.‬‬
‫• طارق عزيز‪ :‬ولد يف املو�صل عام ‪ .1936‬تخرج من كلية الآداب‬
‫جامعة بغداد‪ – ‬فرع اللغة الإجنليزية‪ .‬عمل حمرراً يف جريدة «اجلمهورية»‬
‫(‪ )1958‬عني بعد انقالب البعث الأول يف ‪ 1963‬رئي�سا لتحرير‬
‫جريدة «اجلماهري»‪ .‬وبعد انقالب عبد ال�سالم حممد عارف يف نوفمرب‬
‫‪-58-‬‬
‫(ت�رشين الثاين) من ذلك العام‪ ،‬هرب �إىل �سوريا وعمل يف مطبعة البعث‬
‫بدم�شق حتى فرباير (�شباط) ‪.1966‬‬
‫توىل رئا�سة حترير جريدة «الثورة» الناطقة بل�سان حزب البعث‬
‫العراقي (‪ )1969‬وعني ع�ضواً احتياطيا يف القيادة القطرية للحزب‬
‫(‪ )1974‬ويف ذات العام عني وزيرا للإعالم‪ ،‬و�أ�صبح ع�ضواً يف القيادة‬
‫القطرية وع�ضواً يف جمل�س قيادة الثورة (‪ .)1977‬عني نائب ًا لرئي�س‬
‫ال��وزراء (‪ )1979‬ووزي��راً للخارجية (‪ .)1991 – 1982‬ثم نائب ًا‬
‫لرئي�س الوزراء (‪.)1991‬‬
‫• طالب ح�سني ال�شبيب‪ :‬مهند�س‪ ،‬ع�ضو قيادة البعث العراقي‬
‫(‪ )1963‬عني وزيراً للخارجية بعد انقالب البعث الأول يف ‪ 8‬فرباير‬
‫(�شباط) ‪ ،1963‬واعفي من من�صبه يف نوفمرب (ت�رشين الثاين) من العام‬
‫نف�سه‪ .‬وبعد ت�سلم البعث ال�سلطة مرة ثانية عام ‪ 1968‬عني �سفريا يف‬
‫ال بني الواليات املتحدة‬ ‫بون‪ ،‬ثم �أعفي من من�صبه وعا�ش حياته متنق ً‬
‫الأمريكية ودم�شق ثم ا�ستقر يف لندن‪ ،‬حيث تويف فيها عام ‪.1998‬‬
‫• طاهر يحي التكريتي‪� :‬ضابط‪ ،‬توىل رئا�سة �أركان اجلي�ش بعد ا�ستالم‬
‫البعث ال�سلطة يف ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪ .1963‬يف ‪ 18‬نوفمرب (ت�رشين‬
‫الثاين) ‪� 1963‬شارك عبد ال�سالم حممد عارف يف ال�سيطرة على احلكم‬
‫والتخل�ص من البعثيني‪� .‬أ�صبح رئي�سا للوزراء يف ‪ 20‬نوفمرب (ت�رشين‬
‫الثاين) ‪ 1963‬لغاية ‪� 3‬سبتمرب (�أيلول) ‪� .1965‬أعيد تعيينه رئي�سا‬
‫للوزراء يف ‪ 10‬يوليو (متوز) ‪ .1967‬يف يوليو (متوز) ‪ 1968‬بعد‬
‫ا�ستالم البعث ال�سلطة للمرة الثانية �أعتقل ومات يف ال�سجن‪.‬‬
‫• طه يا�سني رم�ضان اجلزراوي‪ :‬ولد يف املو�صل عام ‪ .1929‬عمل‬
‫عريف ًا يف اجلي�ش ثم موظفا يف «م�رصف الرافدين»‪ .‬ع�ضو القيادة‬
‫‪-59-‬‬
‫القطرية حلزب البعث وع�ضو جمل�س قيادة الثورة بعد انقالب ‪.1968‬‬
‫وزير ال�صناعة (‪ )1976 – 1972‬نائب رئي�س الوزراء (‪ )1979‬نائب‬
‫رئي�س اجلمهورية (‪.)1991‬‬
‫• عبد اخلالق ال�سامرائي‪ :‬ولد يف �سامراء عام ‪ .1935‬ع�ضو القيادة‬
‫القطرية حلزب البعث العراقي منذ ‪� .1964‬أنتخب ع�ضوا يف القيادة‬
‫القومية للحزب يف منت�صف ‪ .1965‬ع�ضو جمل�س قيادة الثورة يف‬
‫نوفمرب (ت�رشين الثاين ‪� .1969‬أعتقل يف يونيو (حزيران) ‪ 1973‬بتهمة‬
‫اال�شرتاك فيما �أطلق عليه «م�ؤامرة ناظم كزار» وحكم عليه بال�سجن‬
‫امل�ؤبد‪ .‬مت تنفيذ حكم الإعدام به يف �أغ�سط�س (�آب) ‪ ،1979‬بعد تويل‬
‫�صدام ح�سني رئا�سة اجلمهورية‪.‬‬
‫• عبد الرحمن البزاز‪ :‬ا�ستاذ قانون‪ .‬ح�صل على البكالوريو�س يف‬
‫القانون من كلية احلقوق ببغداد‪ ،‬ثم �أكمل درا�سته العليا يف جامعة لندن‪.‬‬
‫كان �أحد امل�ؤيدين حلركة ر�شيد عايل الكيالين‪ ،‬حيث �سجن بعد ف�شل‬
‫انقالبها يف مايو (�أيار) ‪ .1941‬يف نهاية احلرب العاملية الثانية عني عميدا‬
‫لكلية احلقوق وبقي يف ذلك املن�صب حتى عام ‪ ،1956‬حيث �أعفي‬
‫من من�صبه الحتجاجه على موقف احلكومة العراقية ال�سلبي من العدوان‬
‫الثالثي (�إجنلرتا‪� ،‬إ�رسائيل‪ ،‬فرن�سا) على م�رص‪ .‬بعد ثورة ‪ 14‬يوليو (متوز)‬
‫‪� 1958‬أعيد تعيينه عميدا لكلية احلقوق حتى مار�س (�آذار) ‪1959‬‬
‫ليعتقل بعد اختالفه مع حكومة عبد الكرمي قا�سم‪ ،‬وعند الإفراج عنه‬
‫غادر �إىل القاهرة وبقي فيها الجئا �سيا�سيا حتى فرباير (�شباط) ‪،1963‬‬
‫حيث عني �سفريا يف م�رص ثم �سفريا يف بريطانيا‪.‬‬
‫خالل الفرتة ‪ 1965 – 1964‬انتخب �سكرتريا عاما ملنظمة الأوبك‬
‫�إ�ضافة �إىل من�صبه ك�سفري للعراق‪ .‬يف ‪� 6‬سبتمرب (�أيلول) ‪ 1965‬عني‬
‫نائبا لرئي�س الوزراء وبعد �أ�سبوعني تقريب ًا توىل من�صب رئي�س الوزراء‪،‬‬
‫‪-60-‬‬
‫وبهذا �أ�صبح �أول رئي�س وزراء مدين عراقي منذ عام ‪ ،1958‬وا�ستمر‬
‫يف من�صبه حتى بعد وفاة عبد ال�سالم حممد عارف وتعيني �شقيقه عبد‬
‫الرحمن حممد عارف رئي�سا للجمهورية‪.‬‬
‫يف ‪� 6‬أغ�سط�س (�آب) ‪ 1966‬ا�ستقال من رئا�سة ال��وزارة نتيجة‬
‫لل�ضغوط التي مار�سها اجلي�ش لإزاحته بعدما حاول التقلي�ص من نفوذ‬
‫وامتيازات امل�ؤ�س�سة الع�سكرية‪ ،‬وخلق جو من الدميوقراطية والإدارة‬
‫املدنية يف البالد‪ .‬بعد انقالب حزب البعث عام ‪ 1968‬بفرتة وجيزة‬
‫�أعتقل وذلك يف ‪ 24‬يناير (كانون الثاين) ‪ 1969‬بتهمة الت�آمر على‬
‫ال�سلطة وحكم عليه بال�سجن مدة ‪� 15‬سنة‪ ،‬وقد تعر�ض للتعذيب‬
‫ال�شديد يف �سجنه بـ‪« ‬ق�رص النهاية»‪ ،‬ويف عام ‪� 1970‬أفرج عنه لأ�سباب‬
‫مر�ضية ليغادر �إىل لندن‪ ،‬تويف هناك عام ‪.1971‬‬
‫• عبد الرحمن حممد عارف‪ :‬ولد يف عانة عام ‪ 1916‬وتخرج من‬
‫الكلية الع�سكرية عام ‪ 1937‬برتبة مالزم ثان‪ .‬ظل �ضابطا مغمورا‬
‫حتى مقتل �أخيه عبد ال�سالم حممد عارف (رئي�س اجلمهورية) حيث‬
‫عني رئي�سا للجمهورية نتيجة لل�ضغوط التي مار�سها بع�ض كبار �ضباط‬
‫اجلي�ش ملنع انتخاب عبد الرحمن البزاز ملن�صب رئا�سة اجلمهورية‪ .‬يف‬
‫يوليو (متوز) ‪� 1968‬أبعده نظام البعث اجلديد �إىل �أنقرة‪ ،‬وبقي فيها‬
‫حتى عام ‪ 1980‬عاد بعدها �إىل بغداد ليعي�ش عي�شة �ضابط متقاعد‪.‬‬
‫• عبد ال�سالم حممد عارف‪� :‬أحد ال�ضباط الأحرار الذين قادوا ثورة‬
‫‪ 14‬يوليو (متوز) ‪ .1958‬بعد جناح الثورة عني نائبا لرئي�س الوزراء‬
‫وزي��را للداخلية‪ .‬يف ‪� 12‬سبتمرب ( �أيلول) ‪�1958‬أعفي من جميع‬
‫منا�صبه وعني �سفريا يف �أملانيا الغربية (�آنذاك)‪ .‬يف نوفمرب (ت�رشين الثاين)‬
‫من العام نف�سه عاد �إىل العراق حيث �ألقي القب�ض عليه وحوكم وحكم‬
‫عليه بالإعدام يف ‪27‬دي�سمرب (كانون الأول) ‪ 1958‬ثم �أعفي عنه‪.‬‬
‫‪-61-‬‬
‫بعد انقالب البعث يف ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪� ،1963‬أ�صبح رئي�سا‬
‫للجمهورية‪ ،‬ورقي �إىل رتبة مهيب وهي �أعلى رتبة ع�سكرية يف اجلي�ش‬
‫العراقي‪ .‬ويف ‪ 18‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1963‬تزعم انقالب ًا ع�سكريا‬
‫�ضد البعثيني واحتفظ لنف�سه مبن�صب رئي�س اجلمهورية والقائد العام‬
‫للقوات امل�سلحة‪� .‬أعيد تعيينه رئي�سا للجمهورية طبقا لد�ستور جديد يف‬
‫‪ 10‬مايو (�أيار) حتى ‪ .1964‬قتل يف حادث �سقوط طائرته العمودية‬
‫يوم ‪� 12‬أبريل (ني�سان) ‪.1966‬‬
‫عبد الكرمي ال�شيخلي‪ :‬ع�ضو القيادة القطرية حلزب البعث العراقي‬
‫وع�ضو جمل�س قيادة الثورة عام ‪ 1968‬عني وزيرا للخارجية يف ‪30‬‬
‫يوليو (متوز) من العام نف�سه‪ ،‬و�أعفي من من�صبه يف �سبتمرب ‪،1971‬‬
‫حيث عني ممثال دائم ًا للعراق يف الأمم املتحدة‪.‬‬
‫ا�ستدعي يف فرباير (�شباط) ‪� 1978‬إىل بغداد للت�شاور ثم اعتقل وحكم‬
‫عليه بال�سجن مدة ‪� 6‬سنوات بتهمة الت�آمر‪ .‬بعد فرتة �أفرج عنه‪ ،‬ويف �أبريل‬
‫(ني�سان) ‪ ،1980‬قتل بر�صا�صة يف ر�أ�سه وهو يف طريقه �إىل دائرة الكهرباء‬
‫يف منطقة الأعظمية ببغداد‪ ،‬يف حني فر اجلناة ب�سيارة من نوع «مت�سوبي�شي»‬
‫وهو النوع الذي كان ي�ستخدمه وقتها جهاز املخابرات العراقية‪.‬‬
‫• عبد الكرمي قا�سم‪� :‬ضابط عراقي المع‪ ،‬ولد يف منطقة املهدية ببغداد‬
‫يف ‪ 21‬دي�سمرب (كانون الأول) ‪ ،1914‬تخرج من الكلية الع�سكرية‬
‫برتبة مالزم ثان (‪ )1934‬ومن كلية الأركان (‪ )1941‬وتدرج يف‬
‫الرتب الع�سكرية حتى عام ‪ ،1947‬حيث �أر�سل �إىل فل�سطني على ر�أ�س‬
‫الفرقة الع�سكرية العراقية للم�شاركة يف حرب فل�سطني‪ .‬عام ‪1950‬‬
‫�أوفد �إىل بريطانيا لإكمال تدريباته الع�سكرية‪ ،‬وبعد عودته بد أ� بتنظيم‬
‫خاليا �رسية لل�ضباط الأحرار‪ ،‬ويف عام ‪� 1958‬أ�صبح رئي�سا لتنظيمات‬
‫ال�ضباط الأحرار‪ ،‬وكانت رتبته �آنذاك زعيم ركن‪.‬‬
‫‪-62-‬‬
‫يف ‪ 14‬يوليو (مت��وز) ‪ 1958‬قاد الثورة �ضد النظام امللكي يف‬
‫العراق و�أ�صبح رئي�سا للوزراء وقائداً عام ًا للقوات امل�سلحة‪� .‬أما رئا�سة‬
‫اجلمهورية فقد عهد بها �إىل هيئة م�ؤلفة من ثالثة �أ�شخا�ص �أطلق عليها‬
‫ا�سم «جمل�س ال�سيادة»‪.‬‬
‫ا�ستمرت حكومة قا�سم من ‪ 14‬يوليو (متوز) ‪ 1958‬حتى فرباير‬
‫(�شباط) ‪ .1963‬وكان لفرتة احلكم هذه ت�أثري كبري على البنية االجتماعية‬
‫واالقت�صادية للعراق‪ .‬ففي عام ‪� 1958‬صدر قانون الإ�صالح الزراعي‬
‫الذي حدد امللكية الزراعية اخلا�صة‪ ،‬وق�ضى على النظام الإقطاعي‪،‬‬
‫ويف دي�سمرب (كانون الأول) ‪� 1959‬صدر قانون مهم �آخر هو قانون‬
‫الأحوال ال�شخ�صية الذي �أعطى مبوجبه حقوقا �أو�سع للمر�أة العراقية يف‬
‫ما يتعلق بالزواج والطالق واملرياث‪ .‬ويعد القانون رقم ‪ 80‬ل�سنة ‪1960‬‬
‫واحداً من �أهم منجزات تلك الفرتة يف حقل االقت�صاد‪ ،‬فبموجب هذا‬
‫القانون �سيطر العراق على جميع الأرا�ضي غري امل�ستثمرة من قبل �رشكة‬
‫نفط العراق (الأجنبية) وهي الأرا�ضي التي كانت تقع �ضمن االمتيازات‬
‫النفطية التي ح�صلت عليها ال�رشكة عندما كان العراق يرزح حتت نري‬
‫االنتداب الربيطاين‪.‬‬
‫كان قا�سم ليربالي ًا م�ؤمنا بالدميوقراطية �أكرث من �إميانه بالآراء التي‬
‫كان يروج لها حزب البعث �أو احلركات القومية العربية‪ ،‬وهو �أمر �أدى‬
‫�إىل �رصاع م�ستمر بينه وبني العنا�رص البعثية والقومية حتى و�صل الأمر‬
‫بالبعثيني �إىل تدبري م�ؤامرة الغتياله يف يوم ‪� 7‬أكتوبر (ت�رشين الأول)‬
‫‪ ،1959‬وقد باءت امل�ؤامرة بالف�شل‪ .‬ويف فرباير (�شباط) ‪ 1963‬قاد‬
‫البعثيون بالتحالف مع تيارات قومية انقالب ًا ع�سكري ًا و�سيطروا على‬
‫مقاليد احلكم‪ ،‬ونفذوا حكم الإع��دام بعبد الكرمي قا�سم غدراً بعد‬
‫ا�ست�سالمه لهم‪.‬‬
‫‪-63-‬‬
‫• عدنان خرياهلل طلفاح‪ :‬ولد عام ‪ 1940‬يف تكريت‪ ،‬وتخرج من‬
‫الكلية الع�سكرية العراقية عام ‪ 1961‬برتبة مالزم ثان‪ .‬تخرج من كلية‬
‫الأركان عام ‪ ،1970‬ومن كلية القانون عام ‪ .1976‬انتخب ع�ضوا يف‬
‫القيادة القطرية للبعث يف ‪ 10‬يناير (كانون الثاين) ‪ .1977‬عني وزيرا‬
‫للدولة يف ‪ 23‬يناير (كانون الثاين) من العام نف�سه‪ .‬يف �سبتمرب (�أيلول)‬
‫‪ 1977‬عني ع�ضوا يف جمل�س قيادة الثورة‪ .‬ثم وزيراً للدفاع يف ‪15‬‬
‫�أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ ،1977‬فنائب ًا لرئي�س الوزراء ووزيرا للدفاع يف‬
‫يوليو (متوز) ‪ 1979‬وظل يف من�صبه حتى ‪ 5‬مايو (�أيار) ‪ ،1989‬حيث‬
‫لقي م�رصعه يف حادث حتطم طائرته العمودية‪.‬‬
‫• عزت �إبراهيم الدوري‪ :‬ولد يف ناحية الدور‪ – ‬ق�ضاء �سامراء عام‬
‫‪ .1942‬مل يكمل درا�سته حيث توقف عند الدرا�سة االبتدائية ليعمل يف‬
‫مهن يدوية متوا�ضعة‪ .‬بعد انقالب البعث يف ‪ 1968‬تقلد ب�صفته ع�ضواً‬
‫قيادي ًا فيه منا�صب عليا عديدة �أهمها وزير الإ�صالح الزراعي (‪– 1969‬‬
‫‪ )1974‬وزير الداخلية (‪ )1979 – 1974‬ويف يوليو (متوز) ‪ 1979‬بعد‬
‫ت�سلم �صدام ح�سني من�صب رئي�س جمل�س قيادة الثورة انتخب نائب ًا لرئي�س‬
‫املجل�س‪� ،‬إ�ضافة �إىل من�صبه كع�ضو يف القيادتني القطرية والقومية للحزب‪.‬‬
‫• غازي الداغ�ستاين‪ :‬من �ضباط اجلي�ش العراقي الالمعني يف العهد‬
‫امللكي‪ .‬بعد قيام ثورة ‪ 14‬يوليو (متوز) ‪�1958‬أحيل على التقاعد‪،‬‬
‫وحوكم و�صدر بحقه حكم بالإعدام‪ ،‬ثم �أعفي عنه‪.‬‬
‫مرت�ضى �سعيد عبد الباقي احلديثي‪ :‬ولد يف حديثة عام ‪.1939‬‬
‫ع�ضو القيادة القطرية حلزب البعث‪ ،‬وع�ضو جمل�س قيادة الثورة من يوليو‬
‫(متوز) ‪ 1968‬حتى يونيو (حزيران) ‪ .1974‬وزير العمل وال�ش�ؤون‬
‫االجتماعية من مار�س (�آذار) ‪ 1970‬لغاية �أكتوبر (ت�رشين الأول)‬
‫‪ ،1971‬وعني وزيراً للخارجية حتى يونيو (حزيران) ‪ ،1974‬حيث‬
‫‪-64-‬‬
‫�أعفي من جميع منا�صبه وعني �سفريا يف مو�سكو‪ ،‬ثم �أ�سبانيا‪ .‬يف يوليو‬
‫(متوز) ‪ 1979‬ا�ستدعي �إىل بغداد للت�شاور ولكنه اعتقل بتهمة الت�آمر‬
‫وحكم عليه بال�سجن‪ ،‬وقتل يف �سجنه يف يونيو (حزيران) ‪.1980‬‬
‫• مي�شيل عفلق‪� :‬سوري من مواليد حي امليدان بدم�شق عام ‪.1910‬‬
‫ح�صل على بكالوريو�س يف القانون من جامعة باري�س (‪� .)1934‬أحد‬
‫م�ؤ�س�سي حزب البعث بالتعاون مع رفيق درا�سته �صالح الدين البيطار‪.‬‬
‫يف ‪� 7‬أبريل (ني�سان) ‪1947‬عقد يف دم�شق �أول م�ؤمتر للحزب‪ ،‬حيث‬
‫انتخب عفلق عميدا للحزب والبيطار �أمينا عاما‪ .‬ويف نوفمرب (ت�رشين‬
‫الثاين) ‪ 1952‬اتفق عفلق مع �أك��رم احل��وراين زعيم احلزب العربي‬
‫اال�شرتاكي على دمج احلزبني معا‪ ،‬و�أ�صبح �أ�سم التنظيم اجلديد «حزب‬
‫البعث العربي اال�شرتاكي»‪.‬‬
‫وب�سبب املركز الذي تبو�أه عفلق يف قيادة احلزب‪ ،‬فقد لعب دوراً‬
‫مهما يف التوجيه ال�سيا�سي يف كل من العراق و�سوريا بعدما ا�ستلم‬
‫احلزب ال�سلطة يف البلدين عام ‪ .1963‬يف �أعقاب انقالب ‪ 23‬فرباير‬
‫(�شباط) ‪ 1966‬يف �سوريا هرب عفلق منها وف�صل من احلزب‪ ،‬كما‬
‫حكمت عليه القيادة البعثية ال�سورية بالإعدام عام ‪� .1971‬أما البعث‬
‫العراقي فقد احت�ضن عفلق و�أ�سبغ عليه �صفة القائد امل�ؤ�س�س‪ ،‬وقد �أقام‬
‫يف العراق حتى وفاته يف ‪ .1989‬و�أعلن يف بغداد �إن عفلق كان قد‬
‫�أ�شهر �إ�سالمه قبيل وفاته‪.‬‬
‫• نا�رص احلاين (الدكتور)‪ :‬ولد عام ‪ ،1920‬در�س يف جامعات‬
‫بغداد والقاهرة ولندن‪ .‬تقلد منا�صب تعليمية ودبلوما�سية عديدة �أهمها‬
‫�أ�ستاذ م�ساعد يف جامعة بغداد‪ ،‬ملحق ثقايف ب�سفارة العراق بوا�شنطن‪،‬‬
‫�سفري العراق يف لبنان ووا�شنطن (‪ .)1965‬بعد ا�ستالم البعث ال�سلطة‬
‫يف ‪ 1968‬عني وزيرا للخارجية للفرتة من ‪� 17‬إىل ‪ 30‬يوليو (متوز)‬
‫‪-65-‬‬
‫‪ ،1968‬ثم م�ست�شارا لرئي�س اجلمهورية‪ .‬ومل يطل مكوثه يف وظيفته‬
‫اال�ست�شارية �سوى ب�ضعة �أيام حيث عرث عليه مقتوال يف منطقة �شارع‬
‫فل�سطني (قناة اجلي�ش) ببغداد يوم ‪ 10‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪،1968‬‬
‫ومل يعرث على اجلناة‪.‬‬
‫• نعيم حداد‪ :‬ولد يف النا�رصية عام ‪ .1933‬ع�ضو القيادة القطرية‬
‫وع�ضو جمل�س قيادة الثورة يف يوليو (متوز) ‪ .1968‬وزير ال�شباب‬
‫(‪ )1974‬وزير دولة (‪ )1977‬ع�ضو القيادة القومية (‪ )1977‬نائب‬
‫رئي�س الوزراء (‪� .)1979‬أعفي من جميع منا�صبه يف يونيو (حزيران)‬
‫‪.1986‬‬
‫• ف��ؤاد الركابي‪ :‬ولد يف النا�رصية عام ‪ ،1931‬تخرج من كل‬
‫الهند�سة‪ – ‬جامعة بغداد‪ .‬من امل�ؤ�س�سني الأوائل حلزب البعث العراقي‪.‬‬
‫عني وزيراً للإعمار بعد ثورة ‪ 14‬يوليو (متوز) ‪ .1958‬ترك احلزب عام‬
‫‪ ،1962‬ويف عام ‪ 1968‬اعتقل وحكم عليه بال�سجن‪ ،‬حيث قتل فيه‬
‫عام ‪.1971‬‬

‫‪-66-‬‬
‫الف�صل الثالث‬
‫مراحل الدرا�سة الأوىل‬
‫وتعريف على حزب البعث‬

‫يف قلب ال�صحراء القاحلة من غربي العراق‪ ،‬وعلى مقربة من بحرية‬


‫الرزازة‪ ،‬تقع واحة تتكاثف فيها �أ�شجار النخيل وت�سقيها عيون ثرة‬
‫تنبثق من �أعماق الأر�ض‪ ،‬ت�ضفي مبياهها الرقراقة جماال �أخاذاً على تلك‬
‫الب�ساتني الن�رضة الزاهية‪.‬‬
‫يف هذه الواحة الوادعة التي ت�سمى «�شثاثة» �أو عني التمر جلودة‬
‫متورها‪ ،‬اكتحلت عيناي بنور احلياة عام ‪ .1938‬وكانت عائلتنا تتمتع‬
‫باحرتام خا�ص بني �أهايل تلك البلدة الب�سطاء �ش�أنها �ش�أن العوائل املعروفة‬
‫بـ‪« ‬ال�سادة» الت�صال ن�سبها بعرتة الر�سول الأك��رم‪ ،‬يف مدن العراق‬
‫اجلنوبية‪ .‬على �أن �ضيق �أفق �شثاثة وات�ساع �أعمال والدي وطموحه‪،‬‬
‫جعلته ينتقل بالعائلة �إىل �أقرب مدينة �إليها �أال وهي مدينة كربالء‪ .‬ثم‬
‫انتقل بعد �سنوات �إىل بغداد‪ ،‬حيث �أنهيت مرحلة الدرا�سة االعدادية‪.‬‬
‫وكان ذلك عام ‪.1955‬‬
‫كنت �أطمح �إىل ولوج كلية الطريان لأكون طيارا يف القوة اجلوية‬
‫العراقية‪ ،‬ومل يكن القبول يف كلية الطريان بالأمر ال�سهل‪ ،‬ذلك �أنه ف�ضال‬
‫عن الفح�ص الطبي الدقيق وال�صعب‪ ،‬ف�أن م�سقط ر�أ�س الطالب يلعب‬
‫‪-67-‬‬
‫دورا مهما هو الآخر يف هذا ال�ش�أن‪� ،‬إذ �أن لكل حمافظة من حمافظات‬
‫العراق ح�صة معينة لعدد املتقدمني بطلبات االلتحاق بالكلية الع�سكرية‬
‫�أو كلية الطريان‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد تقدمت للكلية املذكورة واجتزت جميع مراحل‬
‫الفح�ص الطبي‪ ،‬ومل تبق �إال املقابلة ال�شخ�صية‪ .‬كانت �أ�سئلة جلنة املقابلة‬
‫تنح�رص يف اال�سم‪ ،‬ا�سم الأب‪ ،‬الأم وم�سقط الر�أ�س‪ ،‬ومع �أن م�سقط‬
‫ر�أ�سي �شثاثة كما ذكرت‪ ،‬التي مل يعرف �سكانها �أي جالية غري عربية‬
‫لكن يكفي وقوعها �ضمن حمافظة كربالء ل�شمولها بـ‪« ‬احل�صة»‪.‬‬
‫رف�ضت اللجنة طلبي بحجة ا�ستنفاد ح�صة املدينة لتلك ال�سنة‪ .‬ومل‬
‫تفلح حماوالتي يف اقناع �أع�ضاء اللجنة بقبويل ا�ستثناء‪ ،‬لذلك مل �أجد بدا‬
‫من التوجه �إىل وزارة الدفاع ملقابلة املرحوم اللواء غازي الداغ�ستاين‬
‫معاون رئي�س �أركان اجلي�ش �آنذاك‪ ،‬بعد �أن كلمه �أحد �أ�صدقاء والدي‪.‬‬
‫انتظرت حوايل ال�ساعة يف دائرة ا�ستعالمات وزارة الدفاع قبل �أن‬
‫ي�سمح يل باملقابلة‪.‬‬
‫تفح�ص الداغ�ستاين ملفي ثم التفت �إيل مبت�سما وقال برقة متناهية‪:‬‬
‫�أن�صحك بالتقدم لكلية �أخرى و�سيكون لك م�ستقبل �أف�ضل‪.‬‬
‫خرجت من مكتب الداغ�ستاين والأمل يعت�رص قلبي‪ ،‬حيث �أزف‬
‫موعد التقدم للكليات الأخرى وال حيلة يل �سوى االنتظار عاما كامال‬
‫للتقدم �إىل كلية غري الطريان �أو الع�سكرية‪.‬‬
‫�أخربت والدي مبا ح�صل فن�صحني بال�سفر �إىل لندن وق�ضاء �سنة هناك‬
‫�أتعلم خاللها اللغة الإجنليزية ثم العودة اىل بغداد ودخول كلية التجارة‬
‫واالقت�صاد‪ .‬كانت تلك الن�صيحة نقطة حتول مهمة يف حياتي‪.‬‬
‫‪-68-‬‬
‫ال�سفر �إىل لندن‬
‫يف نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪� 1955‬سافرت �إىل لندن ودخلت كلية فكتوريا‬
‫لتعلم اللغة الإجنليزية‪ .‬ويف لندن التقيت ب�أحد الطلبة العراقيني الذي دعاين‬
‫لتناول الغداء يف مطعم يوناين يقع يف �شارع كوينز واي ‪.Queensway‬‬
‫وهناك التقيت بعراقي �آخر‪� .‬شاب يدر�س الهند�سة ا�سمه طالب ح�سني‬
‫ال�شبيب‪� .‬رسعان ما ن�ش�أت بيننا �صداقة توطدت يوما بعد يوم‪.‬‬
‫كان هذا الطالب بعثي ًا نا�شئ ًا‪ ،‬وقد ا�ستطاع بلباقته وذكائه املفرط‪،‬‬
‫ك�سب عواطفي نحو حزب البعث الذي �صوره يل ب�أنه �ضد الطائفية‬
‫و�ضد اال�ستعمار‪ .‬لقد كان لتلك الزمالة الأثر الكبري يف توجهي عاطفيا‬
‫نحو �أهداف حزب البعث على غمو�ضها وعموميتها‪ .‬وهكذا �آمنت‬
‫بالوحدة العربية قبل �إدراك م�ضمونها و�صيغها القانونية و�إ�شكاالتها‬
‫النف�سية‪ ،‬و�سبل حتقيقها د�ستوري ًا �أو ال د�ستوري ًا‪.‬‬
‫كرث ترددي على املقهى اليوناين‪ ،‬وتو�سعت حلقة �أ�صدقاء ال�شبيب‪،‬‬
‫ويف كل مرة نلتقي جند �شيئا جديدا يف انتظارنا من ن�رشة حلزب البعث‪،‬‬
‫كتيب ملي�شيل عفلق �أو حديث من�شور لأكرم احلوراين‪.‬‬
‫مرت عدة �شهور وانتظم دوامي يف املقهى �أكرث من انتظامي يف كلية‬
‫فكتوريا‪ .‬لقد كنت �أقرب �إىل �شاب �ضائع يحاول �أن يقنع نف�سه ب�أن‬
‫طريق الن�ضال ال�سيا�سي (و�إن كان من مقهى يوناين يف لندن) هو خري‬
‫من �سلوك طريق الدرا�سة والعلم‪.‬‬
‫اقرتب موعد االمتحانات فت�شتت �شمل الأ�صدقاء‪� .‬أكملت االمتحان‬
‫وعدت �إىل بغداد يف �صيف ‪ ،1956‬وذهني زاخر بكل �أمال املراهقة‬
‫الفكرية يف الوحدة واحلرية واال�شرتاكية‪.‬‬
‫‪-69-‬‬
‫كلية التجارة واالقت�صاد‬
‫بعد عودتي من لندن‪ ،‬التحقت بكلية التجارة واالقت�صاد‪ – ‬جامعة‬
‫بغداد‪ – ‬وق�ضيت فيها �سنوات الدرا�سة الأربع لأتخرج فيها عام ‪1960‬‬
‫مبرتبة ال�رشف الأوىل‪ .‬خالل هذه املرحلة الدرا�سية‪ ،‬منت عالقتي‬
‫و�صداقتي مع جمموعة من طلبة الكلية املنتمني حلزب البعث العربي‬
‫اال�شرتاكي‪.‬‬
‫واذكر انه خالل العدوان الثالثي على م�رص عام ‪ ،1956‬وقيام‬
‫املظاهرات والإ�رضابات بني طلبة اجلامعات العراقية‪ ،‬قرر عميد كلية‬
‫التجارة �آنذاك‪ – ‬الدكتور بديع �رشيف العاين‪ – ‬منع جميع الطلبة الذين‬
‫�شاركوا يف مظاهرات اال�ستنكار �ضد العدوان على م�رص‪ ،‬من العودة‬
‫�إىل مقاعد الدرا�سة ما مل يقدم كل طالب كفي ً‬
‫ال �ضامن ًا حل�سن �سريته‬
‫و�سلوكه‪ .‬ومل يجد الطلبة مفراً من ذلك �إزاء تعنت العميد و�إ�رصاره‪.‬‬
‫وا�ضطر كل منا �إىل تقدمي تلك الكفالة‪.‬‬
‫ثم جاء عام ‪ .1958‬وقامت الثورة يف ‪ 14‬متوز‪ .‬وبعد فرتة ق�صرية‬
‫من قيامها‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬حدث االن�شقاق والتفرقة بني م�ؤيد لعبد‬
‫الكرمي قا�سم‪ – ‬قائد الثورة‪ – ‬ومنا�رص لنائبه عبد ال�سالم حممد عارف‪.‬‬
‫كان من الطبيعي �أن ينعك�س هذا االن�شقاق على طلبة اجلامعات‬
‫لينق�سموا على �أنف�سهم بني �شيوعي وقومي وبعثي وحمايد‪ .‬وكرثت‬
‫النعوت والأو�صاف‪ .‬فهذا وطني خمل�ص للثورة وزعيمها‪ .‬وذلك‬
‫مت�آمر قذر يحاول الت�صدي «للزخم» الثوري‪ .‬ونظراً لعالقتي مبجموعة‬
‫البعثيني والقوميني‪ ،‬فقد وقع ت�صنيفي بني «املت�آمرين القذرين» املت�صدين‬
‫للثورة وزخمها التقدمي!‬
‫خالل فرتة املراهقة الفكرية هذه‪ ،‬كنا نحن جمموعة من البعثيني‬
‫‪-70-‬‬
‫والقوميني‪ ،‬نعقد االجتماعات والندوات ونوزع الن�رشات والكرا�سات‬
‫التي تندد بحكم عبد الكرمي قا�سم‪ ،‬وندق �أجرا�س اخلطر املزعوم الذي‬
‫يحيق بالعراق لعدم �إعالنه الوحدة الفورية مع م�رص عبد النا�رص‪ .‬ومع‬
‫كل ذلك‪ ،‬ف�أن �أق�صى ما كانت تقدم عليه ال�سلطة‪ ،‬هو االعتقال لب�ضعة‬
‫�أيام‪.‬‬
‫وعلى �سبيل املثال‪� ،‬أذكر انه يف عام ‪ 1959‬قامت جمموعة من الطلبة‬
‫البعثيني وكنت منهم‪ ،‬ب�سفرة �إىل ب�ستان لزميل لنا حيث �أكرثنا من �شتم‬
‫عبد الكرمي قا�سم والهتاف بحياة عبد النا�رص‪ .‬وبعد عودتنا ب�أ�سبوع من‬
‫تلك ال�سفرة «القومية» �صدر �أمر من احلاكم الع�سكري العام اللواء �أحمد‬
‫�صالح العبدي ب�إحالتنا على التحقيق بتهمة تعكري �صفو الأمن العام‪.‬‬
‫ولكن بعد ب�ضعة �أيام‪� ،‬أ�صدر العبدي �أمراً �آخر ب�إعفائنا من التحقيق دون‬
‫�أن يتم توقيف �أحد منا‪ .‬وعفا اهلل عما �سلف!‬
‫حل عام ‪ 1960‬وتخرجت من كلية التجارة واالقت�صاد مبرتبة‬
‫ال�رشف الأوىل التي �أهلتني للتعيني يف الكلية نف�سها بوظيفة معيد‪.‬‬
‫تقدمت لعمادة الكلية بطلب تعييني معيداً يف ق�سم الإح�صاء‪ .‬غري �أن‬
‫العمادة تلك�أت يف ذلك‪ ،‬وتعذر علي مقابلة وزير املعارف �آنذاك الزعيم‬
‫�إ�سماعيل العارف يف الوزارة‪ ،‬فلم �أتورع من �أن �أطرق عليه باب داره‬
‫يف ظهرية قائظة‪� ،‬رشحت له مو�ضوعي‪� .‬أبدى الرجل اهتمامه وطلب‬
‫مني احل�ضور ملقابلته يف اليوم التايل يف مقر الوزارة‪ .‬وخالل املقابلة‬
‫التي ا�ستغرقت ن�صف ال�ساعة �أجرى الوزير عدة مكاملات هاتفية مت على‬
‫�إثرها تعييني معيداً يف ق�سم الإح�صاء‪ .‬وانتهى كل �شيء‪.‬‬
‫بعد ب�ضعة �أ�شهر‪� ،‬أي يف �أوائل عام ‪ ،1961‬ح�صلت على قبول من‬
‫جامعة لندن‪ – ‬كلية لندن لالقت�صاد والعلوم ال�سيا�سية ‪London school‬‬
‫‪ of Economics & Political Science‬فتقدمت لوزارة النفط لكي‬
‫‪-71-‬‬
‫�أكون �ضمن طلبتها من املبعوثني للدرا�سة على نفقتها‪ .‬وكان املدير العام‬
‫يف الوزارة �آنذاك عبد اهلل �إ�سماعيل‪� ،‬أما مدير البعثات يف وزارة املعارف‬
‫فكان الدكتور حممد امل�شاط‪ ،‬وكان االثنان معا يجريان مقابلة املتقدمني‪.‬‬
‫ومع توفر جميع �رشوط القبول بي‪ ،‬فان الظرف ال�سيا�سي يف تلك ال�سنة‪،‬‬
‫كان يف�ضل الطلبة من غري العنا�رص القومية «املت�آمرة»‪ .‬ولأن �إ�سماعيل‬
‫والدكتور امل�شاط كانا من املتعاطفني �رساً مع هذه الزمر والعنا�رص‪ .‬فقد‬
‫كان لتعاطفهما هذا الأثر الكبري يف مت�شية طلبي والإ�رساع بقبويل يف‬
‫بعثة وزارة النفط‪ .‬وكلمة حق تقال �أنه لوال هذا التعاطف ملا �أتيح لبع�ض‬
‫القوميني‪ ،‬احل�صول على بعثات للدرا�سة خارج العراق‪.‬‬
‫يف �سبتمرب (�أيلول) عام ‪ 1961‬التحقت بجامعة لندن‪ .‬كان �سفري‬
‫العراق يف بريطانيا �آنذاك‪ ،‬الدكتور بديع �رشيف العاين وهو نف�سه الذي‬
‫كان عميداً لكلية التجارة عام ‪� ،1956‬أما امللحق الثقايف‪ ،‬فكان‬
‫�إ�سماعيل حممد �إ�سماعيل‪ ،‬الذي كان قبل ذلك مدر�س ًا للريا�ضة يف‬
‫جامعة بغداد‪ ،‬وكان معاون امللحق الثقايف‪ ،‬علي املثنو‪.‬‬
‫حل يوم الثامن من فرباير (�شباط) ‪ .1963‬و�أثناء توجهي �إىل الكلية‪،‬‬
‫لفت نظري ال�صحف الربيطانية وهي حتمل على �صفحاتها الأوىل‬
‫عناوين �ضخمة تقول‪« :‬ثورة يف بغداد‪ :‬اغتيال قا�سم»‪ .‬وال �أكتم �رساً‪،‬‬
‫�أدخل هذا اخلرب �رسوراً بالغ ًا اىل نف�سي‪ .‬فلقد �سقط حكم قا�سم‪ .‬ومعنى‬
‫ذلك �أنه �ستتحقق الوحدة العربية‪ .‬لي�س هذا فح�سب‪ ،‬بل �أن ت�صنيفي‬
‫كعراقي �سينقلب من «مت�آمر قومي قذر» �إىل مواطن ثوري �صالح‪.‬‬
‫و�صلت �إىل الكلية والتقيت بزميل عراقي معروف مبيوله الي�سارية‪.‬‬
‫ناولته ال�صحيفة‪ .‬قر�أ اخلرب‪ ،‬ثم التفت �إيل‪ ،‬وبكل هدوء وبرود قال‪:‬‬
‫«�إذا �صح هذا اخلرب ف�أن هذا اليوم �سيكون بداية لنكبات متتالية‪ .‬الدماء‬
‫�ست�سيل بني احلني واحل�ين‪ .‬ال�شباب �سيت�ساقطون �رصعى بر�صا�ص‬
‫‪-72-‬‬
‫االنتقام واالنتقام املتبادل»‪ .‬امتع�ضت من �أقوال زميلي هذا‪ .‬و�سكت‬
‫على م�ض�ض‪ ،‬ومل �أ�صدقه يف حينه‪.‬‬
‫مرت ب�ضعة �أيام‪ .‬وتوطد الو�ضع اجلديد يف العراق وبانت هوية‬
‫قياداته‪ .‬و�إذا بزميلي القدمي طالب ح�سني ال�شبيب ي�صبح وزيراً للخارجية‪.‬‬
‫وابتد�أت يد التغيري تنال الطالب واملوظفني كعادة �أية حكومة جديدة‬
‫من احلكومات التي تعاقبت على العراق‪ .‬ومن الذين نالهم الف�صل من‬
‫البعثة كان �أحد زمالئي (فرهنك جالل) مليوله الي�سارية‪ .‬ولهذا فقد‬
‫اتفقت مع بع�ض الأ�صدقاء على تقدمي ما ميكن مل�ساعدته لكي ال ينقطع‬
‫عن الدرا�سة‪ .‬ويبدو �أن هذا الأمر قد و�صل لعلم علي املثنو (معاون‬
‫امللحق الثقايف)‪ .‬ففي �إحدى زياراتي للدائرة الثقافية يف ال�سفارة �إلتقاين‬
‫املثنو ليعاتبني على دفاعي عن الطالب املذكور واهتمامي ب�ش�ؤونه‪،‬‬
‫حيث انه‪ – ‬على حد قوله‪� – ‬شيوعي‪ .‬وح�سبت �أن الأمر انتهى �إىل هذا‬
‫احلد‪ .‬ومل �أدرك �أن املثنو يبيت يل �رشاً‪.‬‬
‫يف �سبتمرب (�أيلول) ‪ ،1963‬ح�صلت على �شهادة املاج�ستري‪� ،‬أي‬
‫بعد م�ضي عامني فقط على التحاقي باجلامعة‪ .‬ومع �أين قد وفرت على‬
‫احلكومة العراقية �سنة درا�سية كاملة لأن املدة املن�صو�ص عليها يف عقد‬
‫البعثة للح�صول على املاج�ستري‪ ،‬كانت ثالث �سنوات‪ ،‬فقد فوجئت‬
‫باملثنو يخربين ب�أين قد خالفت عقد البعثة بح�صويل على ال�شهادة قبل‬
‫وقتها املحدد يف العقد‪ .‬ومل ينفع معه نقا�شي وجديل بالفوائد التي‬
‫ميكن �أن تعود علي وعلى احلكومة‪ .‬وان عقد البعثة هو خم�س �سنوات‬
‫للح�صول على ال�شهادتني (املاج�ستري والدكتوراه)‪.‬‬
‫يف نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ ،1963‬حدث تغيري حكومي �آخر يف‬
‫العراق‪ .‬و�سيطر عبد ال�سالم حممد عارف على احلكم‪ .‬وبد�أت حملة‬
‫تطهري �أخرى‪ .‬واعتلت وجوه جديدة م�رسح الأحداث يف بغداد‪ .‬ويف‬
‫‪-73-‬‬
‫يناير (كانون الثاين) ‪ ،1964‬غادرت لندن �إىل بغداد لكي اجمع بع�ض‬
‫املعلومات الإح�صائية لر�سالة الدكتوراه التي كنت �أعدها‪ .‬وخالل‬
‫وجودي هناك ات�صل بي عبد اهلل �إ�سماعيل (املدير العام يف وزارة النفط)‬
‫وطلب مني التوجه �إىل ال��وزارة ملقابلته لأمر هام‪ .‬ذهبت �إىل هناك‬
‫فا�ستقبلني الرجل بب�شا�شته املعهودة و�أدبه اجلم‪ .‬ثم �أخربين ب�أنه ت�سلم‬
‫كتابا من امللحقية الثقافية يف لندن موقع ُا من قبل علي املثنو (معاون‬
‫امللحق الثقايف) يو�صي فيه بف�صلي من البعثة ل�سببني هما‪:‬‬
‫خمالفتي لعقد البعثة بح�صويل على �شهادة املاج�ستري يف �سنتني بدل‬
‫ثالث �سنوات‪.‬‬
‫رعايتي لل�شيوعيني العراقيني املف�صولني من البعثة‪.‬‬
‫ا�ستغربت من �أمر هذا الكتاب‪ .‬ون�صحني ال�سيد �إ�سماعيل مبغادرة‬
‫بغداد �إىل لندن على وجه ال�رسعة‪ ،‬على �أن يقوم هو مبعاجلة الأمر دون �أن‬
‫يتخذ �أي �إجراء �ضدي‪.‬‬
‫وبعد مدة ق�صرية من عودتي �إىل لندن‪ ،‬مت نقل املثنو �إىل بغداد لي�صبح‬
‫يف العهد اجلديد مديراً عام ًا ل�رضيبة الدخل!‬
‫يف �صيف ‪ 1966‬ح�صلت على �شهادة الدكتوراه قبل املدة املن�صو�ص‬
‫عليها يف العقد �أي�ض ًا‪ .‬ومل �أخرب ال�سفارة حتى ال �أتهم ثانية مبخالفة عقد‬
‫البعثة و�أعر�ض نف�سي للعقوبة‪ .‬ويف هذه الأثناء عر�ضت علي جامعة‬
‫لندن وظيفة تدري�سية قبلتها م�ؤقت ًا حلني انتهاء مدة العقد والعودة �إىل‬
‫العراق‪.‬‬

‫‪-74-‬‬
‫الف�صل الرابع‬
‫العودة اىل العراق واالت�صال بالبعثيني‬

‫يف مطلع عام ‪ ،1967‬عدت �إىل العراق وحاولت العمل يف �رشكة‬


‫النفط الوطنية‪ .‬ولكن رئي�سها غامن العقيلي و�ضع بع�ض العقبات يف‬
‫طريقي‪ .‬مما حملني على التوجه اىل جامعة بغداد‪ ،‬واالنهماك بالعمل‬
‫الأكادميي‪.‬‬
‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كان هناك ثالثة �أ�شخا�ص ميثلون رموز العهد القائم‬
‫هم‪ :‬طاهر يحيى رئي�س الوزراء‪ .‬الدكتور عبد العزيز الدوري رئي�س‬
‫جامعة بغداد‪ .‬والدكتور خري الدين ح�سيب الأ�ستاذ امل�ساعد بكلية‬
‫التجارة‪ .‬وعن طريق الدكتور ح�سيب الذي تربطني به زمالة قدمية‬
‫تعرفت بالدكتور الدوري الذي دعاين ملقابلته يف رئا�سة جامعة بغداد‬
‫التي كان مقرها يف املبنى القدمي للبالط امللكي يف االعظمية‪.‬‬
‫ا�ستقبلني الدوري بحفاوة وطلب مني �أن �أتوىل �سكرتارية املجل�س‬
‫الأعلى للرتبية والتنمية االجتماعية �إىل جانب وظيفتي التدري�سية يف‬
‫كلية التجارة‪ .‬كان املجل�س م�ؤلف ًا من عدد من الوزراء ورئي�س اجلامعة‬
‫ويقوم برئا�سة جل�ساته طاهر يحيى رئي�س الوزراء‪ .‬ومن �أهداف املجل�س‬
‫ربط عملية التنمية االقت�صادية بخطة تربوية �شاملة‪.‬‬
‫كنت �أح�رض االجتماعات ب�صفتي �سكرترياً عام ًا (بالوكالة)‪� ،‬أ�ستمع‬
‫‪-75-‬‬
‫لأحاديث �أع�ضاء املجل�س ومناق�شاتهم و�أ�سجلها حرفي ًا �أحيان ًا‪� .‬أو‬
‫م�شذبة �أحيان ًا �أخرى‪.‬‬
‫كانت تلك الوظيفة �أول احتكاك يل بال�سيا�سة العراقية‪ .‬ال من حيث‬
‫فل�سفتها‪� ،‬إن وجدت‪ ،‬ولكن من حيث تنفيذها و�شخو�ص منفذيها‪.‬‬
‫جميع ال��وزراء كانوا ي�شاركون يف املناق�شات مهما كانت طبيعة‬
‫املو�ضوع‪ .‬وكنت �أرتب ذلك بعناية واهتمام‪:‬‬
‫طاهر يحيى رئي�س الوزراء ورئي�س املجل�س‪ ،‬كان ذكي ًا‪ .‬يف�سح املجال‬
‫جلميع احلا�رضين بالكالم واملناق�شة‪ .‬ومل تكن روح النكتة تغيب عنه يف‬
‫الكثري من الأحيان‪ .‬عبد ال�ستار عبد اللطيف‪ ،‬وزير البلديات‪ ،‬كان ذكيا‬
‫ال يف عر�ض �أفكاره‪� .‬شامل ال�سامرائي (طبيب) وزير الداخلية‬ ‫ومت�سل�س ً‬
‫مل يكن يتكلم كثرياً‪ .‬الدكتور حممد يعقوب ال�سعيدي وزير التخطيط‪،‬‬
‫مل �أ�سمعه يناق�ش �إال مرة واحدة‪ .‬وان كانت مهمة املجل�س التن�سيق بني‬
‫التخطيط االقت�صادي والتخطيط الرتبوي‪.‬‬
‫الدكتور مالك دوهان احل�سن وزير الثقافة والإر�شاد‪ ،‬كان ي�شارك‬
‫م�شاركة متحم�سة‪ .‬ويحاول �أن يربط بني الأهداف القومية العربية‬
‫وبرامج التعليم والثقافة‪ .‬خليل �إبراهيم (�أو خليل رويرت كما كان ي�سمى)‬
‫وزير ال�صناعة‪ ،‬ع�سكري ولكنه يقر أ� كثرياً‪ .‬ويناق�ش يف كل مو�ضوع‬
‫ليفهم احلا�رضين ب�أنه ملم بكل مو�ضوع‪.‬‬

‫***‬
‫بعد مرور �شهرين على قيامي مبهام �سكرتارية املجل�س‪ ،‬ا�ستدعاين‬
‫طاهر يحيى �إىل مكتبه يف مبنى املجل�س الوطني‪ .‬يف ال�ساعة ال�سابعة‬
‫والن�صف �صباحاُ‪ ،‬فقد كان معروف ًا بدوامه املبكر جداً على خالف‬
‫الكثري من الوزراء وكبار موظفي الدولة‪ .‬يف ذلك اللقاء‪� ،‬س�ألني �أوال‬
‫‪-76-‬‬
‫�إن كان لدي هاتف يف املنزل‪ ،‬فكان جوابي بالنفي‪ ،‬لعدم توفر خطوط‬
‫الهاتف يف منطقة االعظمية التي كنت �أقيم فيها‪ .‬وهو العذر الذي‬
‫طاملا �سمعته من املدير العام للربيد والربق املهند�س ن�رصت املدر�س‪.‬‬
‫ا�ستغرب طاهر يحيى‪ .‬ورفع �سماعة الهاتف احلكومي املبا�رش‬
‫وتكلم مع املدير العام للربيد‪� .‬أ�صدر �أوامره بن�صب الهاتف مبنزيل‪،‬‬
‫ثم طلب مني القيام مبهمتني‪� :‬أوالهما‪� ،‬إعداد تقرير تف�صيلي عن �أجهز‬
‫التخطيط يف العراق و�سبل تطويرها‪ .‬وثانيهما‪� ،‬أعداد ميزانية لنفقات‬
‫�سكرتارية املجل�س واملبا�رشة فوراً با�ستئجار مبنى لتلك ال�سكرتارية‬
‫وتعيني بع�ض امل�ساعدين‪ ،‬لأنه‪� ،‬أي طاهر يحيى‪ ،‬يريد �أن ي�رشف‬
‫بنف�سه على اجلوانب املهمة من الأم��ور الرتبوية �إ�ضافة �إىل حماولة‬
‫�إيجاد الوظائف املنا�سبة خلريجي الدرا�سة الإعدادية ممن ال يقبلون يف‬
‫اجلامعات العراقية‪.‬‬
‫بعد �أ�سبوعني من تلك املقابلة‪� ،‬أكملت ما طلبه طاهر يحيى وذهبت‬
‫ملقابلته يف مكتبه يف ال�ساعة ال�سابعة �صباح ًا‪ .‬قدمت له التقرير الذي‬
‫طلبه حول �أجهزة التخطيط‪ .‬ت�صفحه وو�ضعه جانبا على �أن جتري‬
‫مناق�شته يف منا�سبة �أخرى‪.‬‬
‫�أما امليزانية ومالك املوظفني (الكادر) ومتطلبات ال�سكرتارية‬
‫فقد وافق عليها فوراً وات�صل بوزير التخطيط‪ ،‬الدكتور حممد يعقوب‬
‫ال�سعيدي‪ ،‬طالبا منه تخ�صي�ص املبلغ الالزم وهو ما ح�صل فع ً‬
‫ال‪.‬‬

‫�سكرتارية املجل�س‬
‫�شارع املغرب‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬كان �أحد ال�شوارع اجلديدة التي‬
‫افتتحت �آنذاك يف بغداد‪ .‬وهو قريب من رئا�سة جامعة بغداد والكليات‬
‫التابعة لها‪ .‬ا�ست�أجرت �إحدى الدور املطلة على ذلك ال�شارع واتخذتها‬
‫‪-77-‬‬
‫مقرا ل�سكرتارية جمل�س التخطيط للرتبية والتنمية االجتماعية‪ ،‬وانتدبت‬
‫من جامعة بغداد اثنني من موظفيها للعمل معي‪� .‬أحدهما ب�صفة حما�سب‪،‬‬
‫والآخر راقن على الآلة الكاتبة‪.‬‬
‫ولكي ت�ستطيع ال�سكرتارية القيام مبهامها‪ .‬فقد وافق طاهر يحيى‬
‫على انتداب زميل يل تعرفت عليه يف جامعة لندن هو الدكتور �صالح‬
‫الدين عبد املجيد ال�شيخلي الذي كان يعمل مدر�س ًا يف معهد الهند�سة‬
‫التكنولوجية‪.‬‬
‫با�رش الدكتور ال�شيخلي يف ال�سكرتارية ب�صفة خبري‪ .‬وبعد �أيام من‬
‫مبا�رشته جاء ليخربين ب�أن لديه م�شكلة تتعلق ب�سيارته الفولك�س واكن‬
‫التي جلبها معه بعد عودته من �إنكلرتا‪ .‬و�إن هذه امل�شكلة امل�ستع�صية‬
‫ال ي�ستطيع حلها �سوى رئي�س الوزراء طاهر يحيى ب�صفته رئي�س ًا للجنة‬
‫التموين العليا‪ ،‬وهي جلنة كانت تنظر يف م�سائل اال�سترياد التي حتتاج‬
‫لقرارات خا�صة‪ .‬وامل�شكلة هي �أن ال�سيارة كانت م�ستعملة �أ�ص ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ا�شرتاها الدكتور �صالح يف لندن من �شخ�ص نرويجي ي�سكن لندن‪،‬‬
‫وم�سجلة يف الدامنرك‪ .‬وكانت معاملة ال�رشاء با�سم زوجته الربيطانية‪،‬‬
‫وان �إدارة جمارك بغداد مل توافق على �إدخالها �إىل العراق ودفع الر�سم‬
‫اجلمركي عليها لعدم متكن الدكتور �صالح من احل�صول على �إجازة‬
‫اال�سترياد الالزمة‪ ،‬وان وزير االقت�صاد (الدكتور حممد جواد العبو�سي)‬
‫قد �أحال املو�ضوع للجنة التموين العليا التخاذ القرار املنا�سب‪� ،‬إما‬
‫ب�إعادة ت�صديرها �إىل بريطانيا‪� ،‬أو م�صادرتها‪.‬‬
‫ت�صور! �سيارة فولك�س واكن ال يتجاوز �سعرها ‪ 300‬دينار عراقي‪،‬‬
‫جلبها طالب عراقي �أكمل �شهادة الدكتوراه‪ ،‬وجاء بها �سياقة من لندن‬
‫�إىل بغداد‪ ،‬و�إذا بتلك ال�سيارة ت�صبح م�شكلة حتتاج لأ�ستاذ يف القانون‬
‫الدويل لإيجاد حل لها‪.‬‬
‫‪-78-‬‬
‫�أخذت املعاملة لطاهر يحيى‪ .‬و�رشحت له امل�شكلة‪ .‬ف�ضحك وقال‪:‬‬
‫حق ًا �أنها م�س�ألة حتتاج �إىل الأمم املتحدة التخاذ قرار ب�ش�أنها‪ .‬ت�صور‬
‫الروتني يف العراق و�ضيق �أفق امل�س�ؤولني! كيف ميكن �إ�صالح اجلهاز‬
‫الإداري �إذا مل يكن الوزير قادراً على اتخاذ قرار‪� .‬أي قرار‪ .‬وعلى‬
‫الفور وافق طاهر يحيى على �إجازة �إدخال ال�سيارة‪ ،‬وانتهت بذلك‬
‫«املع�ضلة»‪.‬‬
‫كانت تلك املقابلة مع طاهر يحيى بعد حرب ‪ 5‬حزيران ‪،1967‬‬
‫وقد حدثني �أثناءها عن حادثة طريفة ح�صلت يف مدينة �أربيل‪ ،‬حيث‬
‫�ألقت �أجهزة الأمن هناك القب�ض على �سيدة �أجنبية �شقراء جميلة‪ ،‬بتهمة‬
‫التج�س�س‪ ،‬لأن ال�سيدة ال�شقراء كانت حتمل بيدها �آلة ت�صوير وتلتقط‬
‫�صوراً لبع�ض �أ�سواق وحمالت �أربيل‪ ،‬وعندما علم طاهر يحيى باخلرب‪،‬‬
‫ا�ستدعى م�س�ؤول �أمن �أربيل �إىل مكتبه و�س�أله‪:‬‬
‫ما هي �أدلتك على كون تلك ال�شقراء جا�سو�سة؟‬
‫كان جواب م�س�ؤول الأمن‪:‬‬
‫– �سيدي‪� ،‬شقراء �أجنبية وجميلة حتمل �آلة ت�صوير وتلتقط �صوراً‬
‫للمحالت والأ�سواق‪� .‬إذن البد �أن تكون عميلة د�سها اال�ستعمار بني‬
‫�صفوفنا للتفرقة بني عرب ال�سوق و�أكراده‪ .‬وكان جواب طاهر يحيى‬
‫لذلك امل�س�ؤول الأمني ب�أن اال�ستعمار ال يحتاج �إىل �إر�سال �أجنبية �شقراء‬
‫حتمل الكامريا لتبث الفرقة يف �صفوفنا‪ ،‬و�أمر ب�إطالق �رساحها فوراً‪.‬‬
‫لقد �أخربين طاهر يحيى بتلك الق�صة للتدليل على �ضيق �أفق �أجهزة‬
‫الأمن‪ .‬فكل من يلتقط ال�صور ويحمل خرائط بيده فهو جا�سو�س‪ .‬وكل‬
‫من ميتلك �آلة كاتبة وكامريا فهو خمرب‪.‬‬
‫‪-79-‬‬
‫ومن الغريب انه بعد مرور �أكرث من ع�رشين عاما على لقائي مع طاهر‬
‫يحيى‪ ،‬فان م�س�ألة كامريات الت�صوير والآالت الكاتبة و�أجهز اال�ستن�ساخ‬
‫(الرونيو) الزالت ت�شغل بال م�س�ؤويل الأمن واملخابرات!‬

‫كيف تعرفت على البكر‬


‫بعد مبا�رشتي يف �سكرتارية جمل�س التخطيط للرتبية والتنمية‬
‫االجتماعية‪ ،‬زارين يف ع�رص �أحد الأيام الدكتور حممد امل�شاط (مدير‬
‫البعثات عام ‪ 1961‬واال�ستاذ بجامعة بغداد يف ذلك الوقت)‪ .‬وكان‬
‫معروفا عنه ب�أنه من عنا�رص حزب البعث الن�شطة العاملة يف احلقل‬
‫اجلامعي‪ .‬وبعد جتاذب �أطراف احلديث �س�ألني عن �أفكاري ال�سيا�سية‬
‫ف�أخربته ب�أين قومي م�ؤمن بالوحدة العربية و�صداقاتي بعثية يف �أغلبها‪.‬‬
‫بدت عليه �أ�سارير الفرحة‪ .‬واقرتح علي �رضورة التعرف على �أحمد‬
‫ح�سن البكر‪ ،‬و�أنه‪� ،‬أي امل�شاط‪� ،‬سريتب يل لقاء خا�ص ًا مع البكر يف‬
‫منزله يف �أحد �أحياء بغداد‪ ،‬وهو املعروف بحي علي ال�صالح‪.‬‬
‫وافقت على الفكرة‪ ،‬وبعد يومني جاء الدكتور امل�شاط ب�سيارته‬
‫اخلا�صة واقرتح علي مرافقته مل�سكن البكر‪ .‬و�صلت الدار‪ ،‬ووجدت‬
‫فيها �شخ�صني �آخرين‪ ،‬علمت فيما بعد �أن �أحدهما هو �صالح مهدي‬
‫عما�ش (�ضابط متقاعد) والآخر‪ ،‬عبد اهلل �سلوم ال�سامرائي املدر�س يف‬
‫كلية ال�رشيعة ببغداد‪.‬‬
‫ا�ستقبلنا البكر‪ ،‬وكان يرتدي الد�شدا�شة (اجلالبية)‪ .‬وبعد حديث‬
‫ق�صري انفرد بي يف �إحدى غرف املنزل و�أخربين ب�أنه �سمع عني الكثري‬
‫من الدكتور امل�شاط‪ ،‬وانه على علم باجتاهي ال�سيا�سي وعالقتي بطاهر‬
‫يحيى وجمل�س التخطيط‪ ،‬و�أن��ه يحاول التعرف على �أكرب عدد من‬
‫ال�شباب الذين يتو�سم فيهم اخلري‪ .‬بعد هذا احلديث عدنا لنلتقي ب�ضيوفه‬
‫‪-80-‬‬
‫علي‬
‫الآخرين‪ .‬وعند مغادرتي املنزل‪� ،‬أو�صلني البكر �إىل الباب و�أكد ً‬
‫�رضورة تكرار الزيارة‪.‬‬
‫بعد �أقل من �أ�سبوع ات�صل بي الدكتور امل�شاط هاتفيا واتفقنا على‬
‫زيارة ثانية للبكر‪.‬‬
‫كانت تلك الزيارة مقت�رصة علينا نحن الثالثة‪ ،‬البكر‪ ،‬امل�شاط‪ ،‬و�أنا‪.‬‬
‫�س�ألني البكر عن اتفاقية النفط التي كانت احلكومة العراقية قد وقعتها‬
‫مع �رشكة النفط الفرن�سية ايراب‪ ،‬ف�أخربته ب�أين مل اطلع عليها ومعلوماتي‬
‫عنها ال تعدو عما ن�رش يف ال�صحف العراقية‪ ،‬ولكن يل �صديق ًا �أ�سمه‬
‫عبد اهلل �إ�سماعيل (مدير �ش�ؤون النفط �آنذاك) قد يكون ب�إمكانه تزويدي‬
‫بالتفا�صيل املطلوبة‪ ،‬ووعدته ب�أين �س�أحاول جهدي للح�صول منه على‬
‫ما �أ�ستطيع من معلومات‪.‬‬
‫بعد يومني من ذل��ك اللقاء مع البكر‪ ،‬ذهبت ملقابلته عبد اهلل‬
‫ا�سماعيل يف وزارة النفط و�أخربته �رصاحة بطلب البكر‪ ،‬و�س�ألت �إن‬
‫كان من املمكن تزويدي مبحا�رض جل�سات املفاو�ضات مع �رشكة‬
‫ايراب الفرن�سية‪ ،‬وعن ر�أيه ال�شخ�صي بتلك االتفاقية‪� ،‬إىل غري ذلك من‬
‫الأمور املتعلقة مبفاو�ضات احلكومة العراقية مع خمتلف �رشكات النفط‪،‬‬
‫مع الت�أكيد له ب�أن موقفه هذا �سوف ال ين�سى �أبداً يف حالة ت�سنم البكر‬
‫وجمموعته احلكم يف العراق‪.‬‬
‫كان �إ�سماعيل متجاوب ًا معي‪ ،‬وا�ستمر بتزويدي مبا يطلبه البكر من‬
‫معلومات‪ ،‬وبتحليالته ال�شخ�صية ك�أحد املطلعني على �ش�ؤون النفط‪.‬‬
‫ولكن بالرغم من هذا املوقف املتجاوب‪ ،‬فقد قوبل باجلحود بعد‬
‫ت�سلم حزب البعث للحكم عام ‪ ،1968‬بل انه حورب يف وظيفته‬
‫مما ا�ضطره �إىل مغادرة العراق �إىل �أبوظبي‪ ،‬حيث عمل وكي ً‬
‫ال لوزارة‬
‫‪-81-‬‬
‫ال حلكومتها يف منظمة االوبيك‪.‬‬ ‫النفط يف دولة الإمارات العربية وممث ً‬
‫ولعلها مفارقة ان تكون تلك املعاملة ال�سيئة لعبد اهلل �إ�سماعيل والتي‬
‫ا�ضطرته ملغادرة العراق هي التي جعلت منه رجل �أعمال ناجح‪ .‬ورب‬
‫�ضارة نافعة‪.‬‬

‫طاهر يحيى وم�شكلة العاطلني‬


‫يف يناير (كانون الثاين) عام ‪ ،1968‬ويف �صباح �أحد الأيام جاءين‬
‫�أحد موظفي كلية التجارة واالقت�صاد (التي كنت ادر�س فيها) ليقول يل‬
‫ب�أن رئي�س الوزراء طاهر يحيى يطلبني على الهاتف‪ ،‬وكان هذا املوظف‬
‫يف حالة ارتباك وعجلة‪ ،‬يحاول جر �أنفا�سه لأنه‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬جاء راك�ض ًا‬
‫من مكتبه �إىل القاعة التي كنت �أحا�رض فيها‪.‬‬
‫�س�ألته عما �إذا كان رئي�س ال��وزراء �شخ�صيا على الهاتف‪� ،‬أم �أن‬
‫املتحدث هو ال�سكرتري عدنان اجلبوري؟ �أكد يل �أن املتحدث قد �أخربه‬
‫ب�أنه طاهر يحيى (�أبو زهري) وانه يريد جواد ها�شم فوراً‪.‬‬
‫توجهت مع املوظف �إىل مكتبه ورفعت �سماعة الهاتف لأ�سمع على‬
‫الطرف الآخر طاهر يحيى وهو يف حالة �شبه ع�صبية ممزوجة بنوع من‬
‫الغ�ضب يقول‪ :‬دكتور جواد‪ .‬يبدو �أن تخطيطنا الرتبوي مل ينجح يف‬
‫قبول خريجي الدرا�سة الإعدادية جميع ًا يف كليات ومعاهد اجلامعة‪.‬‬
‫فكان جوابي هو �أننا مل نبد�أ بالتخطيط فع ً‬
‫ال‪ ،‬وان الفرتة املا�ضية‪ – ‬قدر‬
‫تعلق الأمر بال�سكرتارية التي كنت �أ�رشف عليها‪� – ‬إمنا هي ق�صرية جداً‬
‫�إىل احلد الذي مل �أ�ستطع فيه �شخ�صي ًا تهيئة الكادر الفني املطلوب‪ .‬ثم �أن‬
‫ال�سكرتارية ال تخطط‪ ،‬وان م�س�ؤولية التخطيط تنح�رص يف املجل�س و‪..‬‬
‫وقبل �أن �أكمل جملة �أخرى‪ ،‬انفجر طاهر يحيى �ساخرا وقال‪:‬‬
‫يا جمل�س‪ ..‬يا بطيخ‪ .‬تعال فورا �إىل رئا�سة جمل�س الوزراء لنبحث �أمر‬
‫‪-82-‬‬
‫خريجي الدرا�سة الإعدادية العاطلني عن العمل‪ ،‬ولرنى كيف ميكن‬
‫ل�سكرتارية املجل�س ت�شغيل ه�ؤالء املتعطلني قبل �أن تتلقفهم الأحزاب‬
‫املعار�ضة وي�شتغلوا بال�سيا�سة‪.‬‬
‫�سارعت �إىل �سيارتي لأقودها ب�أق�صى ما �أ�ستطيع من �رسعة‪ ،‬من منطقة‬
‫الوزيرية‪ ،‬حيث كلية التجارة �إىل جانب الكرخ‪ ،‬حيث مبنى رئا�سة الوزارة‪.‬‬
‫دخلت مبنى املجل�س بخطى حثيثة متجه ًا �إىل مكتب �سكرتري رئي�س‬
‫الوزراء‪ ،‬فمكتب الرئي�س‪ .‬كان طاهر يحيى مي�سك ب�سماعة الهاتف‬
‫متحدث ًا‪ .‬وبعد �أن �أنهى مكاملته وو�ضع ال�سماعة‪ ،‬التفت نحوي قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫تف�ضل باجللو�س‪ .‬لقد كنت قبل حلظات �أكلم وزيري املالية والنفط‪،‬‬
‫حيث طلبت منهما �إعداد ح�رص �شامل جلميع الوظائف ال�شاغرة يف‬
‫امل�ؤ�س�سات النفطية‪ ،‬وبالأخ�ص حمطات تعبئة الوقود‪ ،‬و�إر�سال قائمة‬
‫بتلك ال�شواغر وتوزيعها اجلغرايف �إليك‪.‬‬
‫وهنا �س�ألته‪ :‬ماذا �أفعل بتلك القائمة؟‬
‫قال‪ :‬تعلن يف اجلرائد طالب ًا جميع خريجي الدرا�سة الإعدادية‬
‫لعام ‪ 1967‬ممن مل ي�سعفهم احلظ يف دخول املعاهد والكليات التقدم‬
‫بطلبات تعيينهم‪ .‬ثم تقوم �أنت ومعاونوك يف ال�سكرتارية بتوزيعهم على‬
‫الوظائف ال�شاغرة‪.‬‬
‫بعد �صمت ق�صري‪ ،‬قلت لرئي�س الوزراء ب�أن مهمة التعيني‪ ،‬تقع �ضمن‬
‫�صالحيات جمل�س اخلدمة العامة لأنه هو اجلهة املخولة مبوجب القانون‪.‬‬
‫ويكل برود التفت طاهر يحيى �إيل وقال �أنه �سي�صدر قراراً وزاري ًا ي�ستثني‬
‫هذه التعيينات من �إجراءات جمل�س اخلدمة‪.‬‬
‫عدت �إىل �سكرتارية املجل�س‪ .‬ويف ع�رص اليوم نف�سه‪ ،‬بد�أت يف �إعداد‬
‫ا�ستمارة خا�صة ليمل�ؤها املتقدمون من خريجي الدرا�سة الإعدادية‪.‬‬
‫‪-83-‬‬
‫�أخذت الطلبات تنهـال علينا مرفقة �أحيانا ببطاقات تعريف وتو�صية‬
‫من هذا امل�س�ؤول �أو ذلك الوزير لتعيني فالن‪ – ‬فقري احلال‪ – ‬يف حمطة‬
‫تعبئة الوقود القريبة من م�سكنه يف حي املن�صور �أو حي اجلادرية �أو زقاق‬
‫احليدرخانة!‍‍‍‬
‫و�إذا ت�أخرت معاملة �أحد ه�ؤالء املتقدمني �أكرث من �أ�سبوع‪ ،‬فان‬
‫مكاملة هاتفية من م�س�ؤول �آخر �أو من �سكرتري رئي�س الوزراء‪ ،‬كانت‬
‫تكفي للإ�رساع يف مت�شيتها‪.‬‬

‫البكر يتو�سط‬
‫كانت �سكرتارية املجل�س من�شغلة بالتعيينات لفرتة ثالثة �شهور‬
‫تقريب ًا‪ ،‬وكل يوم مير كنت �أجد نف�سي حماط ًا بعدد كبري من طالبي التعيني‪،‬‬
‫يحملون �أوراقهم يف طابور طويل �أمام مبنى ال�سكرتارية‪ .‬بع�ضهم ي�شكو‬
‫�شظف العي�ش‪ ،‬والبع�ض الآخر يلوح بطلب التعيني بيد وببطاقة الو�ساطة‬
‫باليد الأخرى‪ .‬ويف هذا الزخم والفو�ضى‪ ،‬كنا نحاول قبول اجلميع‬
‫دومنا متييز قدر امل�ستطاع‪ ،‬و�صد ال�ضغوط ما �أمكن‪.‬‬
‫كان عدد ال�شواغر التي هي�أها وزيرا املالية والنفط �أكرث من عدد‬
‫املتقدمني للعمل‪ .‬وكان من امل�ؤكد �أن اجلميع �سيعينون طبق ًا للتوزيع‬
‫اجلغرايف للوظائف ال�شاغرة ولي�س التوزيع اجلغرايف لدور �سكناهم‪.‬‬
‫يف تلك الأثناء‪ ،‬رن جر�س الهاتف يف مكتبي‪ ،‬و�إذا املتحدث �أحمد‬
‫ح�سن البكر يطلب موعداً لزيارتي‪ ،‬وتناول فنجان قهوة‪ ،‬رداً لزياراتي‬
‫املتعددة له يف منزله‪ .‬رحبت به قائ ً‬
‫ال‪� :‬أبا هيثم‪ ..‬على الرحب وال�سعة‪..‬‬
‫تعال متى �شئت‪.‬‬
‫ويف اليوم التايل‪ ،‬زارين البكر وبرفقته �صالح مهدي عما�ش‪ .‬تتالت‬
‫‪-84-‬‬
‫�أقداح ال�شاي‪ .‬حتدثنا عن �ش�ؤون الدنيا‪ ،‬والدولة‪ ،‬وال�شواغر الوظيفية‬
‫املتوفرة وطابور املتعطلني �أمام مبنى ال�سكرتارية‪ .‬وانربى البكر قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫�إن منظر هذا الطابور لأمر حمزن‪ .‬هذا ال�شباب املتعطل كيف �أهملت‬
‫حكومة طاهر يحيى التخطيط اجلامعي ال�سليم‪ ،‬وانه لو ا�ستمر حكم‬
‫البعث منذ عام ‪ 1963‬لكان العراق قد �أ�صبح جنة من جنان الدنيا!‬
‫طال احلديث وت�شعب‪ .‬ثم قدم يل البكر جمموعة من طلبات التعيني‬
‫التي كان قد ملأها �أ�صحابها‪ .‬وب��د ًال من �أن يرفقوا معها بطاقات‬
‫التو�صية‪ ،‬ف�ضلوا �إر�سال التو�صية نف�سها ب�شخ�ص احمد ح�سن البكر‬
‫و�صالح مهدي عما�ش‪.‬‬
‫ت�سلمت الطلبات وقر�أتها �رسيع ًا و�أكدت للبكر ب�أنهم �سيعينون حتما‬
‫�إذا توفرت فيهم ال�رشوط املعلنة‪ ،‬خا�صة وان عدد ال�شواغر �أكرث من عدد‬
‫املتقدمني للعمل‪.‬‬
‫�أكد البكر توفر �رشوط التعيني‪ ،‬وان رجاءه الوحيد هو �أن يعني ه�ؤالء‬
‫يف حمطات تعبئة الوقود الواقعة يف جانب الكرخ من بغداد وبالأخ�ص‬
‫املناطق القريبة من مبنى الق�رص اجلمهوري ومبنى رئا�سة الوزارة‪� ،‬أي‬
‫مبنى املجل�س الوطني‪.‬‬
‫بعد �أ�سبوع من زيارة البكر وعما�ش �أعددت قائمة طويلة ب�أ�سماء‬
‫املتقدمني وب�أوامر تعيينهم‪ ،‬ب�ضمنهم الأ�شخا�ص الذين �أو�صى بهم البكر‬
‫متهيداً لتوقيعها من قبل رئي�س الوزراء طاهر يحيى‪.‬‬
‫توجهت �إىل مكتب رئي�س الوزراء‪ ،‬حيث كان من�شغ ً‬
‫ال مع بع�ض‬
‫الوزراء و�ضباط اجلي�ش واالن�ضباط (البولي�س الع�سكري)‪ .‬انتظرت‬
‫لأكرث من �ساعة‪ ،‬وفات املوعد املحدد يل‪.‬‬
‫اعتذر مدير املكتب عدنان اجلبوري للت�أخري‪ .‬فقلت �إذا كان رئي�س‬
‫‪-85-‬‬
‫الوزراء من�شغ ً‬
‫ال ف�س�أترك وثائق و�أوامر التعيني و�س�آتي يف اليوم التايل بعد‬
‫�أن يكون رئي�س الوزراء قد اطلع عليها ووقعها‪.‬‬
‫تركت مكتب رئي�س الوزراء دون �أن �أقابله‪ .‬وتركت الأوراق لدى‬
‫مدير مكتبه‪.‬‬
‫يف �صباح اليوم التايل‪� ،‬أت�صل بي مدير املكتب هاتفي ًا ليحدد يل‬
‫موعداً �آخر يف اليوم نف�سه‪ ،‬يف ال�ساعة الثانية ظهراً‪.‬‬
‫ا�ستقبلني طاهر يحيى بابت�سامة عري�ضة‪ ،‬وبد�أ يت�صفح معامالت‬
‫التعيني التي كنت قد تركتها قبل يوم لدى مدير مكتبه‪ ،‬ثم التفت �إيل‬
‫و�س�ألني واالبت�سامة ال تفارقه‪ :‬دكتور‪ ..‬ه�ؤالء املتقدمون للعمل‪ ..‬هل‬
‫قابلتهم �شخ�صي ًا للت�أكد من �صحة املعلومات؟ �أجبته‪ :‬نعم‪ ..‬قابلت‬
‫�أغلبهم‪ ،‬وت�أكدت من �صحة املعلومات‪.‬‬
‫�سكت رئي�س الوزراء برهة‪ ،‬وعاد ليت�صفح الوثائق التي �أمامه‪ .‬ثم‬
‫فاج�أين ب�س�ؤال جديد‪:‬‬
‫هل كانت مقابلتك لأحمد ح�سن البكر و�صالح مهدي عما�ش‬
‫جيدة؟ ارتبكت‪ ،‬وهممت بتدبري جواب ل�س�ؤال غري متوقع‪ .‬ولكن‬
‫طاهر يحيى �أردف قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫دكتور‪ ..‬نحن جميع ًا على درب «�أمة عربية واحدة‪ ..‬ذات ر�سالة‬
‫خالدة»‪ ..‬مثلنا يف ذلك مثل البكر وعما�ش‪ ،‬ولكن املهم �أن تعرف �أنت‬
‫ب�أننا نح�صي حركاتهم واجتماعاتهم وزياراتهم‪ ..‬و�سوف لن ن�سمح‬
‫للبعث بالعبث مرة �أخرى‪.‬‬
‫انتهت الزيارة‪ .‬ت�سلمت �أوامر التعيني بعد �أن وقعها طاهر يحيى‬
‫وغادرت مكتبه‪ .‬وكانت هذه هي �آخر مرة �ألتقي بها طاهر يحيى‪� ،‬إذ‬
‫‪-86-‬‬
‫يف اليوم التايل ات�صل بي هاتفي ًا مدير مكتبه ليخربين ب�أن الرئي�س قد قرر‬
‫�إبعادي عن �سكرتارية جمل�س التخطيط الرتبوي والإيعاز لوزير التخطيط‬
‫ال عن وظيفتي اجلامعية لأنني‬ ‫بتعييني مبن�صب املدير العام للإح�صاء ف�ض ً‬
‫متخ�ص�ص بالإح�صاء‪ ،‬والبلد بحاجة لأمثايل!‬
‫يف مطلع يوليو (متوز) ‪� ،1968‬أ�صدر وزير التخطيط الدكتور حممد‬
‫يعقوب ال�سعيدي �أمراً بتعييني مدير ُا عام ًا للإح�صاء بالوكالة‪ ،‬ولأنني‬
‫ال باالمتحانات اجلامعية‪ ،‬فقد با�رشت العمل يف دائرة‬ ‫كنت من�شغ ً‬
‫الإح�صاء يوم ‪ 15‬يوليو (متوز) ‪.1968‬‬
‫كانت الدائرة تقع يف جانب الكرخ بالقرب من م�ست�شفى الطفل‬
‫العربي‪ ،‬وهي بناية تت�ألف من �أربعة طوابق‪ .‬قذرة ب�شكل ال ميكن‬
‫ت�صوره‪ .‬لي�س هذا فح�سب‪ ،‬بل �أن الطابق الأول منها كان معداً لتجهيز‬
‫ال�شاي والقهوة والطعام للموظفني‪ .‬رائحة الطعام‪ ،‬وبالأخ�ص رائحة‬
‫الكباب و«الف�شافي�ش»‪ ،‬جتول وت�صول يف غرف املوظفني‪.‬‬
‫با�رشت العمل‪ ،‬ويف ذهني �أفكار للتطوير‪ .‬طلبت من املوظف‬
‫امل�س�ؤول عن ال�ش�ؤون الإدارية حت�ضري قائمة ب�أ�سماء وم�ؤهالت ووظائف‬
‫العاملني‪ ،‬وعندما اطلعت عليها يف اليوم التايل‪ ،‬وجدتها قائمة غريبة‬
‫بع�ض ال�شيء‪ .‬ف�أوال �أن عدد املوظفني الإداري�ين �ضعف عدد الفنيني‬
‫الإح�صائيني‪ .‬وثاني ًا مل يكن بني من ي�شغل الوظائف الفنية �أحد يحمل‬
‫�شهادة يف علم الإح�صاء‪� .‬أما املدير امل�س�ؤول عن ال�ش�ؤون الإدارية‪ ،‬فكان‬
‫رئي�س ق�سم احل�سابات‪ .‬وم�ؤهالته انه كان �رشطي ًا للمرور نقلت خدماته‬
‫لدائر الإح�صاء‪ ،‬ثم تدرج يف الوظيفة لي�صبح مديراً للح�سابات ومديراً‬
‫للإدارة مع مت�سكه ال�شديد بنف�س عقلية �رشطي املرور‪ .‬تلك العقلية التي‬
‫حافظ عليها طوال مدة تدرجه يف الوظيفة‪.‬‬
‫بعد اطالعي‪ – ‬ال�رسيع‪ – ‬على و�ضع دائرة الإح�صاء‪ ،‬من حيث كفاءة‬
‫‪-87-‬‬
‫العاملني و�أ�سلوب العمل الإداري‪ ،‬ورائحة الطعام الآخذة بالأنفا�س‪،‬‬
‫انتابني �شعور باحلزن والأمل‪� .‬إذ كيف ميكن �إ�صالح دائرة مهمة كدائرة‬
‫الإح�صاء �إذا كان البنيان العام لها قد بني على �أ�سا�س خاطئ!‬
‫حملت نف�سي و�أوراق��ي وتوجهت �إىل وزارة التخطيط ملقابلة‬
‫الوزير بعد �أن هي�أت م�سودة �أمر وزاري طويل يت�ضمن بنوداً كثرية يف‬
‫ال�صالحيات التي يجب �أن يتمتع بها املدير العام للإح�صاء كي ي�ستطيع‬
‫�أداء مهمته يف الإ�صالح والتطوير‪� .‬ألقى الوزير الدكتور حممد يعقوب‬
‫ال�سعيدي‪ ،‬نظرة �رسيعة على تلك امل�سودة ثم التفت �إىل قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫هذه �صالحيات وا�سعة‪ .‬وال ميكن �إ�صدارها ب�أمر وزاري ما مل يطلع‬
‫عليها امل�شاور القانوين يف الوزارة‪ .‬تركت امل�سودة معه‪ .‬اتفقنا على‬
‫اللقاء يف اليوم التايل املوافق ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪.1968‬‬
‫جاء اليوم التايل‪ ،‬ولكن هذا اليوم كان من الأيام امل�شهودة يف تاريخ‬
‫العراق احلديث‪ .‬ومل �أ�ستطع �أن �ألتقي بالوزير ل�سبب واحد هو التغيري‬
‫احلكومي الذي ح�صل يف ذلك اليوم يف �أعقاب االنقالب الذي قادته‬
‫جمموعة من الع�سكريني واملدنيني من البعثيني‪.‬‬

‫‪-88-‬‬
‫الف�صل اخلام�س‬
‫البعث يف ال�سلطة‪1968 – ‬‬

‫بذور البعث يف العراق‬


‫اليوم‪ :‬اجلمعة ‪� 4‬أبريل (ني�سان) ‪.1947‬‬
‫احلدث‪ :‬افتتاح �أول م�ؤمتر حلزب البعث يف �سورية‪ ،‬حيث انتخب‬
‫مي�شيل عفلق عميداً للحزب و�صالح الدين البيطار �أمينا عاما‪.‬‬
‫بعد عامني من تلك اجلمعة وذلك احلدث التقى �شخ�صان يف بغداد‬
‫قدما من اال�سكندرون‪ :‬فايز �إ�سماعيل وو�صفي الغامن‪ .‬الأول كان طالبا‬
‫يف كلية احلقوق ببغداد‪ ،‬والثاين طالبا يف دار املعلمني العالية‪ .‬ومع هذين‬
‫ال�شخ�صني التقى �شخ�ص ثالث‪ :‬ال�شاعر �سليمان العي�سى‪.‬‬
‫وبد أ� الثالثة غري العراقيني ببذر البذور الأوىل لإن�شاء خاليا �صغرية‬
‫حلزب البعث يف العراق‪ .‬ويف عام ‪ 1950‬غادر فايز �إ�سماعيل بغداد‬
‫عائداً �إىل وطنه �سوريا‪ ،‬وبعودته انتقلت قيادة حزب البعث يف العراق‬
‫�إىل عبد الرحمن ال�ضامن‪ ..‬وهو عراقي من مواليد الأعظمية‪ .‬غري �أن‬
‫قيادة ال�ضامن مل تدم طويال‪� ،‬إذ ما �أن جاء عام ‪ 1951‬حتى ان�سحب‬
‫ال�ضامن نتيجة ملر�ضه‪� ،‬أو نتيجة‪ – ‬كما تردد من �أخبار بعد ان�سحابه‪– ‬‬
‫ميله �إىل الفكر الي�ساري‪ .‬وبعد ان�سحاب ال�ضامن توىل م�س�ؤولية احلزب‬
‫‪-89-‬‬
‫�أبو القا�سم كرو‪ ،‬وهو تون�سي كان يدر�س يف جامعة بغداد‪ .‬وكان يحيى‬
‫يا�سني (�أ�صبح رئي�سا لديوان رئا�سة اجلمهورية عام ‪ )1968‬يقوم بت�سيري‬
‫�أعمال احلزب اليومية عند تغيب ال�ضامن لفرتات ق�صرية‪.‬‬
‫بعد �أن �أنهى كرو درا�سته وغادر العراق‪ ،‬عهدت م�س�ؤولية احلزب‬
‫�إىل فخري قدوري الذي كان ي�ستلم بع�ض التوجيهات احلزبية مبا�رشة‬
‫من �صالح الدين البيطار عرب قنوات �رسية‪ .‬وبعد تزايد عدد الأع�ضاء‬
‫وانت�شار حلقات احلزب يف بع�ض املدن العراقية و�إقامة عدد من املكاتب‬
‫للهيكل احلزبي‪ ،‬عقد �أول م�ؤمتر قطري يف دار فخري قدوري يف‬
‫الأعظمية عام ‪.1954‬‬
‫بعد ذلك توىل قيادة احلزب ف�ؤاد الركابي‪ ،‬الذي عني وزيرا للإعمار‬
‫بعد قيام ثورة ‪ 14‬يوليو (متوز) ‪ ،1958‬ثم انتقلت قيادة احلزب �إىل‬
‫�أفراد �آخرين �أمثال علي �صالح ال�سعدي وطالب ح�سني ال�شبيب و�أحمد‬
‫ح�سن البكر حتى و�صلت �صدام ح�سني عام ‪.1979‬‬
‫لقد رافق تاريخ ن�ش�أة احلزب وتطوره بع�ض الغمو�ض والت�شوي�ش‬
‫لي�س يف الو�سط العام فح�سب‪ ،‬و�إمنا داخل احلزب نف�سه �أي�ض ًا مما دفع‬
‫قيادة احلزب يف منت�صف ال�سبعينات �إىل توثيق ت�أريخه بال�صورة التي‬
‫تريدها‪ ،‬و�رشعت يف عملية التوثيق ب�إ�رشاف �شبلي العي�سمي الأمني العام‬
‫امل�ساعد للقيادة القومية يف تلك الفرتة‪ .‬واحتاج العي�سمي يف مرحلة‬
‫التوثيق النهائي �إىل حتديد الكثري من النقاط التي ظلت غام�ضة �أمامه �أو‬
‫اختلفت الآراء حولها‪ .‬وقد بادر العي�سمي باالت�صال بالدكتور فخري‬
‫قدوري يف مار�س (�آذار) ‪ .1976‬وقبل العي�سمي اقرتاح قدوري بدعوة‬
‫�أكرث عدد ممكن من الرفاق القدامى‪ ،‬الذين رافقوا ن�شوء احلزب وتطوره‬
‫وبقوا على قيد احلياة‪� ،‬إىل لقاء يطرح فيه العي�سمي عليهم ما لديه من‬
‫�أ�سئلة قد تلقي الإجابة عنها بع�ض ال�ضوء على ن�ش�أة احلزب يف العراق‬
‫‪-90-‬‬
‫وتزيل الغمو�ض والت�شوي�ش اللذين رافقا هذه الن�ش�أة خالل فرتة تقارب‬
‫‪ 25‬عاما‪.‬‬
‫عقد االجتماع �أواخر مار�س (�آذار) ‪ 1976‬يف دار الدكتور قدوري‬
‫يف الأعظمية‪ ،‬وهي ذات الدار التي احت�ضنت �أول م�ؤمتر قطري للحزب‪.‬‬
‫ح�رض اللقاء �شبلي العي�سمي و�أ�رشف على �إدارة املناق�شة التي مت ت�سجيلها‬
‫كاملة‪ ،‬كما ح�رض عدد كبري من رفاق الأم�س الذين �شاركوا يف ت�أ�سي�س‬
‫احلزب وواكبوا ن�ش�أته‪ ،‬ثم تركوه �أو ف�صلوا منه‪.‬‬
‫ولقد ذكر يل الدكتور قدوري �أ�سماء بع�ض من �شاركوا يف ذلك‬
‫اللقاء من بينهم �شفيق الكمايل‪ ،‬في�صل حبيب اخليزران‪� ،‬شم�س الدين‬
‫كاظم‪ ،‬جعفر قا�سم حمودي وعبد الرحمن منيف‪ .‬وبعد مرور �أعوام‬
‫عديدة بد�أت جريدة «اجلمهورية»‪ ،‬اعتماداً على نتائج ذلك اللقاء‪ ،‬بن�رش‬
‫تاريخ احلزب تف�صيال على حلقات‪.‬‬

‫قبيل ال�سابع ع�رش من يوليو (متوز) ‪1968‬‬


‫كانت عقارب ال�ساعة ت�شري �إىل الرابعة ع�رصا‪ ،‬من يوم الثالثاء ‪9‬‬
‫يوليو (متوز) ‪ .1968‬كان ذلك اليوم من �أيام بغداد الالهبة التي ت�سمى‬
‫بـ‪« ‬الباحورة»‪ ،‬فاجلو خانق �شديد احلرارة‪ ،‬والقيظ يلفح الوجوه ب�شواظ‬
‫من ال�سموم‪ .‬ومل يكن يف ال�شارع امل�ؤدي �إىل منزل ف�ؤاد الركابي �سوى‬
‫�سيارة ع�سكرية يجل�س جندي خلف مقودها‪ ،‬بينما كان �ضابطان‬
‫�أحدهما برتبة نقيب والآخ��ر برتبة مالزم �أول‪ ،‬يجل�سان يف املقعد‬
‫اخللفي‪ .‬توقفت ال�سيارة �أمام منزل الركابي وترجل منها املالزم واجته‬
‫نحو الباب وراح ي�ضغط على زر اجلر�س‪ .‬مل يجب �أحد‪ .‬مرت ب�ضع‬
‫دقائق وال�ضابط يعاود ال�ضغط على الزر الكهربائي تارة ويطرق الباب‬
‫تارة �أخرى‪ .‬بعد حلظات فتحت �سيدة الباب‪ ،‬حتدث معها ال�ضابط‬
‫‪-91-‬‬
‫م�ستف�رساً عن «الأ�ستاذ الركابي»‪ .‬قالت له �إنه نائم‪ .‬طلب منها �إيقاظه‪:‬‬
‫�إنه مطلوب ملقابلة معاون رئي�س اال�ستخبارات الع�سكرية‪ .‬ومل مت�ض‬
‫�سوى دقائق معدودة حتى ظهر الركابي بـ‪« ‬البيجاما» ليقول له ال�ضابط‬
‫�أن الأوامر قد �صدرت باعتقاله والبد له من مرافقته �إىل وزارة الدفاع‪،‬‬
‫حيث مقر اال�ستخبارات الع�سكرية‪.‬‬
‫حاول الركابي مناق�شة ال�ضابط لكن دون جدوى‪ ،‬فركب ال�سيارة‬
‫وجل�س بني ال�ضابطني‪ .‬وحتركت ال�سيارة نحو وزارة الدفاع‪.‬‬
‫�أدخل الركابي �إحدى الغرف وو�ضع حتت حرا�سة م�شددة‪ ،‬معتق ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ويف ال�ساعة ال�سابعة م�ساء‪ ،‬فتحت باب الغرفة ودخل النقيب الذي كان‬
‫مكلف ًا باالعتقال لي�صطحب الركابي �إىل مكتب عبد الرزاق النايف‬
‫معاون رئي�س اال�ستخبارات الع�سكرية ال�ستكمال التحقيق‪ .‬وبعد �أن‬
‫انفرد النايف بالركابي قال له‪:‬‬
‫ف�ؤاد‪ ..‬هل تعلم ملاذا �أنت معتقل؟‬
‫كال‪ ،‬واين �أ�ستغرب من هذه الت�رصفات‪ ..‬وقبل �أن يكمل الركابي‬
‫كالمه قاطعه النايف قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫لقد ا�ضطررت �إىل اتباع هذه الطريقة كغطاء لكي نكمل مفاو�ضاتنا‬
‫التي بد�أناها قبل �أ�سبوع حول القيام بانقالب ع�سكري بالتعاون مع‬
‫رفاقك‪� ..‬إن عملية االعتقال هذه هي لإبعاد ال�شبهات عن �سبب لقائنا‪،‬‬
‫لذلك �أرجو �أن تطمئن ب�أن فرتة االعتقال �سوف لن تطول �أكرث من يوم‬
‫�أو يومني حلني �إكمال احلوار معك!‬
‫وبد�أ احلوار‪ ،‬ولكن دون �أن ي�صل الطرفان �إىل اتفاق‪.‬‬

‫***‬
‫‪-92-‬‬
‫من املفارقات ال�سيا�سية يف تطور الأحداث يف العراق �إن جميء البعث‬
‫للحكم يف يوليو (متوز) ‪ 1968‬كان �إىل حد ما يعود �إىل مالب�سات قد‬
‫ال تكون معروفة للكثريين‪ ،‬ففي عام ‪ ،1968‬كان احلديث ال�شائع بني‬
‫الأو�ساط ال�سيا�سية العراقية هو التغيري املرتقب يف احلكم نظرا ملا ات�صفت‬
‫به حكومة عبد الرحمن حممد عارف رئي�س اجلمهورية �آنذاك ب�ضعف‬
‫وعدم القدرة على فر�ض هيبة احلكم واحرتامه على التيارات ال�سيا�سية‬
‫املحلية‪ .‬ومبا �أن اجلي�ش هو �أداة التغيري العملية‪ ،‬فكان من املتوقع �أن‬
‫يفكر املهيمنون على املفا�صل الع�سكرية مببادرة التغيري وت�سلم ال�سلطة‪.‬‬
‫وبداهة‪ ،‬ت�أتي دائرة اال�ستخبارات الع�سكرية وقيادة احلر�س اجلمهوري‬
‫كمراكز قوى‪.‬‬
‫وفع ً‬
‫ال‪� ،‬أخذ �إبراهيم الداوود �آمر احلر�س اجلمهوري وعبد الرزاق‬
‫النايف معاون مدير اال�ستخبارات الع�سكرية بالتحرك باجتاه تدبري‬
‫انقالب ع�سكري‪.‬‬
‫مل تكن عملية االنقالب بحد ذاتها �صعبة ل�سببني‪� :‬أولهما‪ ،‬املواقع‬
‫التي يتمتع بها كل من الداوود والنايف‪ ،‬وثانيهما‪ ،‬االنفالت ال�سيا�سي‬
‫ال��ذي �ساعد هذين ال�شخ�صني يف �إيجاد عنا�رص ع�سكرية م�ؤيدة‬
‫لالنقالب الع�سكري‪� ،‬إ�ضافة �إىل ات�صاالتهما ببع�ض العنا�رص املدنية من‬
‫�أمثال الدكتور نا�رص احلاين‪ ،‬لربط ال�صلة ومعرفة املوقف الدويل جتاه‬
‫حماولة التغيري‪.‬‬
‫كان قادة التنظيم الع�سكري مييلون للتعاون مع الغرب‪ ،‬ومل ينق�ص‬
‫االنقالبيني �سوى الغطاء ال�شعبي حلركتهم‪ .‬ومن هنا جاءت حماولة‬
‫النايف يف مفاحتة بع�ض التنظيمات احلزبية للتعاون معها‪ .‬ففي مار�س‬
‫(�آذار) ‪ ،1968‬بادر النايف �إىل االت�صال بف�ؤاد الركابي باعتباره �أحد‬
‫القادة امل�ؤ�س�سني حلزب البعث‪ ،‬و�أول وزير بعثي ي�شارك باحلكم كوزير‬
‫‪-93-‬‬
‫للإعمار يف حكومة ثورة ‪ .1958‬وقد ابتعد الركابي عن البعث و�أخذ‬
‫مييل �إىل االجتاه النا�رصي‪ .‬وخالل حكم عبد ال�سالم حممد عارف (بعد‬
‫�سقوط حكم البعث يف نوفمرب‪ – ‬ت�رشين الثاين‪� )1963 – ‬أ�صبح‬
‫الركابي �أحد ركائز «االحتاد اال�شرتاكي العربي» يف العراق‪.‬‬
‫بعد مبادرة النايف �أبدى الركابي ا�ستعداده ال�شخ�صي للتعاون‪ ،‬لكنه‬
‫طلب مهلة ملناق�شة الأمر مع رفاقه يف التنظيم‪ .‬ومن املفارقات‪� ،‬أن عددا‬
‫من القوميني العرب العاملني بـ‪« ‬االحتاد اال�شرتاكي العربي»‪ ،‬عار�ضوا‬
‫موقف زعيمهم الركابي‪ ،‬ورف�ضوا التعاون مع النايف املعروف مبيوله‬
‫الأمريكية‪ .‬وف�شلت حماوالت الركابي يف �إقناع رفاقه يف التعاون مع‬
‫النايف والداوود كو�سيلة مرحلية للتغيري يعملون بعد ت�سلم ال�سلطة على‬
‫التخل�ص منهما ومن العنا�رص الأخرى املعروفة بالتعاون مع �أمريكا‪،‬‬
‫ولهذا كان جواب الركابي للنايف �سلبي ًا‪.‬‬
‫غري �أن النايف مل يكتف بهذا الرد و�أراد مزيداً من احلوار لإقناع الركابي‬
‫وجماعته بالتعاون‪ ،‬وحتى ال يجلب احلوار �شكوك ال�سلطات الأمنية‪،‬‬
‫ابتدع النايف فكرة اعتقال الركابي‪ ،‬لكن حوار االعتقال مل ينجح‪ ،‬وجاء‬
‫رد الركابي للنايف ب�أنه مل ي�ستطع تغيري موقف رفاقه من فكرة التعاون‪.‬‬
‫وجاء البديل‪ :‬حزب البعث العربي اال�شرتاكي‪ .‬جمموعة البكر‪،‬‬
‫حيث وافقت هذه املجموعة على التعاون مع النايف والداوود دون‬
‫حاجة ال�ستح�صال موافقة رفاقهم‪.‬‬
‫وح��دث االنقالب يف ‪ 17‬يوليو (مت��وز) ‪ ،1968‬وبقية الق�صة‬
‫معروفة‪� .‬إذ متت �إقالة النايف والداوود بعد م�ضي ثالثة ع�رش يوم ًا فقط‬
‫من وقوع االنقالب‪ ،‬ولقي نا�رص احلاين م�رصعه مقتوال وعرث على جثته‬
‫مرمية على �ضفاف قناة اجلي�ش يف �ضواحي بغداد‪.‬‬
‫‪-94-‬‬
‫والآن ن�ستعر�ض �أحداث اليوم امل�شهود‪.‬‬

‫يوم االنقالب‬
‫�صباح الأربعاء‪ ،‬ال�سابع ع�رش من يوليو (متوز) ‪ ،1968‬فتحت‬
‫الراديو كعادتي كل يوم يف موعد ن�رشة الأخبار ال�صباحية‪ .‬ولكن مل‬
‫تكن هناك ن�رشة �أخبار بل ن�شيد وطني يتخلله �صوت مذيع متحم�س‬
‫ميهل امل�ستمعني بقرب �إذاعة بيان هام‪ ،‬ثم مو�سيقى ومار�شات ع�سكرية‪.‬‬
‫وجاء «البيان الهام» ب�صوت عرفته فورا‪� :‬صوت حردان عبد الغفار‬
‫التكريتي‪ ،‬ال�ضابط الطيار الذي �شارك عام ‪ 1963‬يف االنقالب على‬
‫عبد الكرمي قا�سم‪ .‬ومن البيان الذي �أذيع والأ�سماء التي ذكرت‪ ،‬عرفت‬
‫�أن �أحمد ح�سن البكر وجمموعته من حزب البعث قد �سيطروا على دفة‬
‫احلكم يف بغداد‪.‬‬
‫يف ال�ساعة التا�سعة رن جر�س الهاتف يف بيتي‪ ،‬وقدم املتحدث‬
‫نف�سه على �أنه تايه عبد الكرمي و�إنه �شقيق فار�س عبد الكرمي (�أحد‬
‫خريجي الدرا�سة الإعدادية ممن عينتهم �أثناء عملي يف �سكرتارية‬
‫جمل�س التخطيط الرتبوي)‪ ،‬و�أخربين �أن البكر طلب منه االت�صال بي‬
‫لكي �أتوجه �إىل مبنى «النادي الريا�ضي» يف «�ساحة عنرت» يف منطقة‬
‫الأعظمية لأمر هام‪.‬‬
‫كان منزيل �آنذاك خلف املقربة امللكية يف الأعظمية‪ ،‬وال يبعد عن‬
‫النادي �سوى م�سافة ق�صرية‪ .‬توجهت �إىل النادي الريا�ضي ووجدت‬
‫هناك جمموعة من �شباب حزب البعث واحلركات القومية الأخرى‬
‫�أغلبهم يحملون الر�شا�شات متجمعني حول املذياع الذي كان م�ستمراً‬
‫يف �إذاع��ة البيانات والأنا�شيد‪ .‬التقيت بتايه عبد الكرمي‪ ،‬وكان معه‬
‫�شخ�صان �آخران هما �سمري عبد العزيز النجم وجعفر قا�سم حمودي‪،‬‬
‫‪-95-‬‬
‫حيث تبني يل فيما بعد �أنهما �إ�ضافة �إىل تايه عبد الكرمي من الأع�ضاء‬
‫القياديني يف حزب البعث‪.‬‬
‫ا�ستف�رست من تايه عن الأمر الهام الذي طلبني من �أجله ف�أجابني �إنه‬
‫ال يعلم �شيئ ًا �سوى �أن البكر يرجوين االنتظار يف النادي حلني ا�ستدعائي‬
‫�إىل وزارة الدفاع‪� .‬س�ألته عن الو�ضع العام للحركة وعما �إذا كانت توجد‬
‫مقاومة من احلكومة التي �أ�سقطوها قبل �ساعات فكان جوابه بالنفي‪ ،‬ثم‬
‫طلب مني مرافقته �إىل �إحدى قاعات النادي لأرى بعيني جمموعة من‬
‫الوزراء ال�سابقني الذين مت اعتقالهم و�إيداعهم رهن التوقيف يف النادي‬
‫حفاظا على حياتهم من غ�ضبة ال�شعب والزخم اجلماهريي الزاحف‬
‫لدك �أركان اخليانة والف�ساد! على حد تعبري تايه عبد الكرمي‪.‬‬
‫لقد كان و�ضعا حمرجا يل عندما �شاهدت يف قاعة االعتقال جمموعة‬
‫من الوزراء الذين عملت معهم �أثناء �إ�شغايل من�صب �سكرتارية جمل�س‬
‫التخطيط الرتبوي‪ ،‬بع�ضهم كان غري مكرتث كالدكتور عبد الرزاق حمي‬
‫الدين (وزير الوحدة) وبع�ضهم كان قلق ًا كالدكتور عبد الرحمن احلبيب‬
‫(وزير املالية) الذي بادرين بال�س�ؤال‪ :‬هل جاءوا بك �أي�ض ًا لتعتقل معنا؟‬
‫وعندما جاء اجل��واب بالنفي طلب مني االت�صال بزوجته فورا‬
‫لتطمينها على �صحته وو�ضعه‪ ،‬ثم �أعطاين عنوان م�سكنه الذي مل يكن‬
‫يبعد عن النادي �سوى ب�ضع خطوات‪ ،‬وفع ً‬
‫ال توجهت �إىل داره وبلغت‬
‫ر�سالته مطمئنا زوجته �أن الدكتور عبد الرحمن �سيطلق �رساحه قريبا‬
‫وهو ما ح�صل فع ً‬
‫ال‪.‬‬
‫عدت �إىل النادي منتظراً‪ ،‬و�أم�ضيت �أكرث من �ساعتني دون �أن ي�صل‬
‫خرب من وزارة الدفاع �أو من البكر‪ ،‬ويف حوايل ال�ساعة الواحدة ظهرا‬
‫عدت �إىل داري‪.‬‬
‫‪-96-‬‬
‫يف ال�ساعة الثامنة من م�ساء اليوم نف�سه‪ ،‬ات�صل بي هاتفيا �صالح‬
‫مهدي عما�ش ليخربين ب�أن القيادة كانت تريد تعييني وزيرا لل�صناعة غري‬
‫�أن �أموراً ا�ستجدت مما ال ميكن �رشحها‪ ،‬و�أن البكر �سيت�صل بي بعد �أيام‪.‬‬

‫حكومة ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪1968‬‬


‫يوم ‪ 18‬يوليو (متوز) ‪� ،1968‬أ�صدر جمل�س قيادة الثورة بيانه املرقم‬
‫‪ 19‬بت�شكيل احلكومة على الوجه التايل‪:‬‬

‫عبد الرزاق النايف‬ ‫رئي�سا للوزراء (ع�سكري‪� – ‬سني)‬


‫�إبراهيم عبد الرحمن الداوود‬ ‫وزيرا للدفاع (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫�صالح كبة‬ ‫وزيرا للمالية (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫�صالح مهدي عما�ش‬ ‫وزيرا للداخلية (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫وزيرا للعدل (مدين‪ – ‬كردي‪� – ‬سني) م�صلح النق�شبندي‬
‫الدكتور �أحمد عبد ال�ستار اجلواري‬ ‫وزيرا للرتبية (مدين‪� – ‬سني)‬
‫وزي��را للعمل وال�ش�ؤون االجتماعية �أنور عبد القادر احلديثي‬
‫(ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور عزت م�صطفى‬ ‫وزيرا لل�صحة (مدين‪� – ‬سني)‬
‫وزيرا للثقافة والأعالم (مدين‪� – ‬سني) الدكتور طه احلاج اليا�س‬
‫وزيرا للمو�صالت (ع�سكري‪� – ‬سني) حممود �شيت خطاب‬
‫حم�سن القزويني‬ ‫وزيرا للزراعة (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫وزي��را للإ�صالح ال��زراع��ي (مدين‪ – ‬عبد املجيد اجلميلي‬
‫�سني)‬

‫‪-97-‬‬
‫وزي��را للأ�شغال والإ�سكان (مدين‪� – ‬إح�سان �شريزاد‬
‫كردي‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور حممد يعقوب ال�سعيدي‬ ‫وزيراً للتخطيط (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫وزي��راً لالقت�صاد (مدين‪ – ‬كردي‪ – ‬الدكتور عبد اهلل النق�شبندي‬
‫�سني)‬
‫خالد مكي الها�شمي‬ ‫وزيراً لل�صناعة (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور مهدي حنتو�ش‬ ‫وزيرا للنفط واملعادن (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫وزي���را لل�ش�ؤون البلدية والقروية الدكتور غائب مولود خمل�ص‬
‫(مدين‪� – ‬سني)‬
‫ذياب العلكاوي‬ ‫وزيرا لل�شباب (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫وزي���را ل��ل��دول��ة ل�����ش ��ؤون الأوق���اف الدكتور عبد الكرمي زيدان‬
‫(مدين‪� – ‬سني)‬
‫جا�سم كاظم العزاوي‬ ‫وزيرا للوحدة (ع�سكري‪� – ‬شيعي)‬
‫وزيرا للدولة ل�ش�ؤون رئا�سة اجلمهورية الدكتور ر�شيد الرفاعي‬
‫(مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫ناجي عي�سى اخللف‬ ‫وزيرا للدولة (مدين‪� – ‬سني)‬
‫كاظم معلة‬ ‫وزيرا للدولة (مدين‪� – ‬شيعي)‬

‫ن�سبة ال�سنة �إىل املجموع ‪%72‬‬


‫ن�سبة ال�شيعة �إىل املجموع ‪%28‬‬
‫ويف امل�ساء‪� ،‬أذاع عبد الرزاق النايف بيان ًا من الإذاعة والتلفزيون‬
‫مبنا�سبة تعيينه رئي�سا للوزراء‪ ،‬وقد جاء يف البيان‪�« :‬أنه ل�رشف عظيم له �أن‬
‫‪-98-‬‬
‫يكلف من قبل جمل�س قيادة الثورة بت�شكيل حكومة الثورة‪ ،‬وانه ي�شكر‬
‫اهلل جلت قدرته على الثقة الغالية التي �أوالها له املجل�س‪ ،‬ويرجو اهلل �أن‬
‫يهديه وي�سدد خطاه للعمل مبا فيه م�صلحة الوطن‪ ،‬و�أن حكومته تلتزم‬
‫�أمام اهلل و�أمام ال�شعب للعمل على حتقيق ما يلي‪:‬‬
‫ال‪ ،‬حتقيق الوحدة الوطنية وامل�ساواة �أمام القانون‪ ،‬و�إن احلكومة‬ ‫�أو ً‬
‫�سوف ال متيز بني املواطنني‪ ،‬و�إنها ت�سعى لتهيئة الفر�ص املتكافئة للجميع‪.‬‬
‫ثانياً‪ ،‬العمل على حل م�س�ألة ال�شمال مبا ين�سجم ووحدة العراق‪ ،‬ومبا‬
‫يحقق طموحات العرب والأكراد‪.‬‬
‫ثالثاً‪� ،‬صيانة حقوق وحرية املواطنني املن�صو�ص عليها يف الد�ستور‬
‫فيما يتعلق بحرية التعبري عن الر�أي وحرية العمل ال�سيا�سي‪� ،‬ضمن احلدود‬
‫التي تن�ص عليها القوانني‪ ،‬كخطوة �أوىل لإعادة احلياة الدميوقراطية‬
‫والربملانية‪.‬‬
‫رابعاً‪ ،‬العمل مع الدول العربية ال�شقيقة يف جميع املجاالت‪.‬‬
‫خام�ساً‪ ،‬حتقيق الرفاه االقت�صادي وتنمية م�صادر الرثوة الطبيعية‬
‫و�إ�صدار الت�رشيعات الالزمة لذلك‪.‬‬
‫ويف ‪� 1968/7/21‬أ�صدر جمل�س قيادة الثورة قراره املرقم ‪1968‬‬
‫ق�ضى مبوجبه ب�إغالق �سجن «نقرة ال�سلمان» وذلك «ان�سجام ًا مع‬
‫مبادئ الثورة و�أهدافها يف الق�ضاء على �آثار املا�ضي والق�ضاء على عوامل‬
‫التفرقة وعدم العدالة والإرهاب املناق�ضة حلقوق الإن�سان» ح�سب ادعاء‬
‫املجل�س‪.‬‬
‫يف هذا اليوم‪ ،‬قام البكر يرافقه حردان التكريتي و�سعدون غيدان‬
‫بزيارة ملقر احلر�س اجلمهوري‪ ،‬حيث كان با�ستقبالهم قائد احلر�س حميد‬
‫‪-99-‬‬
‫التكريتي‪ .‬وحتدت البكر �إىل اجلنود وال�ضباط وقال‪� :‬إن �أحد �أ�سباب ثورة‬
‫‪ 17‬يوليو (متوز) هو ما كان ي�سود العراق من ف�ساد وطغيان وفو�ضى‬
‫وانت�شار اجلوا�سي�س وتدهور الو�ضع الأمني واالعتقاالت الكيفية‪ ،‬و�أن‬
‫الثورة جاءت للق�ضاء على كل تلك العوامل‪ .‬وعلى ال�شعب �أن يطمئن‬
‫على نوايانا!»‪.‬‬
‫كان هذا كالم قيادة البعث �آنذاك‪ .‬وبعد مرور �أكرث من ربع قرن من‬
‫الزمن ال زال العراقيون ينتظرون الق�ضاء على «الف�ساد» و«الطغيان»‬
‫و«الفو�ضى» و«انت�شار اجلوا�سي�س» و«االعتقاالت الكيفية» واالعدامات‬
‫الفورية‪ ،‬كما ال زال العراق ينتظر اليوم الذي يطمئن فيه على �سالمته!‬
‫ويف �صباح ذلك اليوم‪ ،‬ومل يكن قد م�ضى على ت�شكيل احلكومة‬
‫اجلديدة �سوى ثالثة �أيام‪ ،‬ذهبت �إىل وزارة التخطيط لتهنئة الدكتور‬
‫حممد يعقوب ال�سعيدي ب�إعادة ا�ستيزاره وب�سالمة عودته ملن�صبه بعد �أن‬
‫�أم�ضى يومني يف املعتقل ال�شهري بـ‪�( ‬سجن رقم ‪ )1‬مبع�سكر الر�شيد‪.‬‬
‫�س�ألت الوزير عن الأمر الوزاري الذي تركته لديه قبيل ‪ 17‬يوليو‬
‫(متوز) حول �صالحيات املدير العام للإح�صاء‪ .‬فابت�سم الوزير ابت�سامة‬
‫عري�ضة وقال‪ :‬يجب االنتظار حتى تت�ضح الأمور وت�ستقر‪ ،‬وعندئذ‬
‫نبحث يف مو�ضوع ما طلبته من �صالحيات لتطوير جهاز الإح�صاء‪.‬‬
‫وقبل �أن �أغادر مكتبه‪ ،‬قال الوزير �ضاحك ًا ب�أن (�سجن رقم ‪ )1‬يحتاج‬
‫�إىل تطوير جذري‪ ،‬وعلينا �أن ندر�س فكرة تخ�صي�ص املبالغ الالزمة يف‬
‫خطة التنمية االقت�صادية‪ ،‬لرتميم ذلك ال�سجن وت�أثيثه‪ ،‬حتى يليق مبنزلة‬
‫«�ضيوفه» من الوزراء وكبار موظفي الدولة يف الوقت املنا�سب!‬
‫خالل الفرتة من ‪�21‬إىل ‪ ،1968/7/30‬كنت �أبا�رش عملي كمدير‬
‫عام الإح�صاء من ال�ساعة احلادية ع�رشة �صباحا وحتى نهاية الدوام‬
‫‪-100-‬‬
‫الر�سمي‪ ،‬وقبلها �أبا�رش عملي يف كلية التجارة التي كنت �أدر�س فيها‬
‫ومعني على مالكها‪.‬‬
‫يف يوم ‪ ،1968/7/30‬وحوايل ال�ساعة الرابعة ع�رصا‪ ،‬ات�صل بي‬
‫�أحد �أ�شقائي‪ ،‬وكان ع�ضوا يف حزب البعث‪ ،‬ليخربين ب�أن الأوامر احلزبية‬
‫قد �صدرت �إىل جميع الكوادر احلزبية بحمل ال�سالح واال�ستعداد لأمر‬
‫هام �سيحدث يف ذلك اليوم‪ .‬حاولت اال�ستفهام منه عن الأمر «الهام»‬
‫الذي �أ�ستدعي حلمل ال�سالح‪ :‬هل هناك «م�ؤامرة» مبعناها الدارج يف‬
‫مثل هذه احلاالت‪ .‬فلم يجب‪ ،‬بل �أكد �أن �أمرا �سيح�صل‪ .‬و�أن احلزب‬
‫م�سيطر على الأمور‪ ،‬و�إن الأوامر احلزبية‪ ،‬كعادتها‪ ،‬متم�سكة باملبد�أ‬
‫الذي يتبناه احلزبيون «نفذ ثم ناق�ش»‪ .‬ال جدال وال نقا�ش يف طبيعة‬
‫تلك الأوامر قبل تنفيذها‪.‬‬
‫يف ال�ساعة الثامنة والدقيقة الع�رشين‪ ،‬من م�ساء يوم ‪ 30‬يوليو (متوز)‪،‬‬
‫�أذاع �أحمد ح�سن البكر من حمطات الإذاعة والتلفزيون بيانا �صادرا من‬
‫جمل�س قيادة الثورة حتت رقم ‪ 27‬جاء فيه ما مفاده ب�أن ما حدث يوم‬
‫‪ 17‬يوليو (متوز) مل يكن انقالب ًا ع�سكريا �أو حادثا عابرا يف «تاريخ‬
‫ال�شعوب» ي�ضاف �إىل �سل�سلة االنقالبات ال�سابقة‪ .‬لقد كان ما حدث‬
‫ثمرة «ن�ضال» و«كفاح» طويلني‪.‬‬
‫وا�ستمر البكر يف القول‪� :‬أن ‪ 17‬متوز �إمنا هو نتاج طبيعي لثورة ‪14‬‬
‫متوز ‪.1958‬‬
‫واتهم بيان جمل�س قيادة الثورة رئي�س الوزراء عبد الرزاق النايف ب�أنه‬
‫كان يحاول منذ يوم ‪ ،1968/7/17‬الق�ضاء على الثورة لطموحات‬
‫�شخ�صية‪ ،‬وكان يحاول عرقلة ال�سيا�سة النفطية الوطنية‪ ،‬و�أنه‪� ،‬أي‬
‫النايف‪ ،‬قام مبا يلي‪:‬‬
‫‪-101-‬‬
‫‪� – 1‬إبعاد العنا�رص الوطنية التي كان من املتفق �إ�رشاكها يف الوزارة‪.‬‬
‫‪ – 2‬االنحراف عن جمل�س قيادة الثورة وعن مبد�أ القيادة اجلماعية‪.‬‬
‫‪ – 3‬حماولة جعل جمل�س الوزراء بديال ملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬ومترير‬
‫بع�ض الإجراءات والت�رشيعات املخالفة ملبادئ الثورة وتطلعاتها‬
‫القومية‪.‬‬
‫‪ – 4‬متكني العنا�رص الرجعية واملرت�شية واملف�سدة من التغلغل يف‬
‫�أجهزة الدولة‪.‬‬
‫‪ – 5‬التهيئة للق�ضاء على الثورة‪.‬‬
‫‪ – 6‬عرقلة الإج��راءات الثورية ل�رضب �أوكار اخليانة والتج�س�س‬
‫املرتبطة بالأجنبي‪.‬‬
‫‪ – 7‬اعتقال عنا�رص مل يكن قد اتفق على اعتقالها‪.‬‬
‫‪ – 8‬توجيه �أجهزة الإعالم �ضد مبادئ الثورة وجعلها �أداة طيعة بيد‬
‫العنا�رص الرجعية‪.‬‬
‫‪ – 9‬تهيئة الأج��واء لإلغاء بع�ض القوانني التقدمية حتى بلغ به‬
‫الأمر �إىل �أن يعر�ض على جمل�س الوزراء بجل�سته التي عقدت‬
‫يف ‪1968/7/28‬م�رشوعا لقانون يلغي مبوجبه �رشكة النفط‬
‫الوطنية‪ ،‬لوال موقف بع�ض العنا�رص التقدمية يف املجل�س التي‬
‫ا�ستطاعت ت�أجيل بحث املو�ضوع‪.‬‬
‫وا�ستمر البيان �إىل القول ب�أن جمل�س قيادة الثورة قرر‪:‬‬
‫– �إعفاء عبد الرزاق النايف و�إبراهيم الداوود من من�صبيهما‪.‬‬
‫– تعيني �أحمد ح�سن البكر قائدا عاما للقوات امل�سلحة‪.‬‬
‫يف اليوم التايل‪ ،‬عادت بغداد هادئة‪� ،‬أو هكذا بدت‪ .‬ذهبت �إىل كلية‬
‫التجارة لت�سليم بع�ض الأوراق االمتحانية‪ ،‬توجهت بعد ذلك �إىل دائرة‬
‫الإح�صاء‪ .‬كانت ال�ساعة حوايل احلادية ع�رشة �صباح ًا‪ .‬وعند مدخل‬
‫‪-102-‬‬
‫البناية وجدت ال�سكرترية واقفة وهي يف حالة من القلق واال�ضطراب‬
‫تنتظر و�صويل‪.‬‬
‫ا�ستقبلتني قائلة‪ :‬الق�رص اجلمهوري ات�صل هاتفي ًا عدة مرات‪� ..‬إنهم‬
‫يبحثون عنك‪ ..‬ويريدون �أن تتوجه فورا �إىل الق�رص اجلمهوري بطلب‬
‫من �أحمد ح�سن البكر رئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫و�صلت بوابة الق�رص‪ .‬كانت ملأى باجلنود املدججني بال�سالح‪،‬‬
‫و�سيارات ع�سكرية ت�أتي وتذهب‪ .‬وقفت عند اال�ستعالمات منتظرا �أن‬
‫يجد ال�ضابط ا�سمي يف �سجل املطلوبني �إىل الق�رص‪ .‬يت�صفح ال�سجل‪ .‬وال‬
‫يجد اال�سم‪ .‬ينظر يف �صفحة ويقلب �أخرى‪ .‬ثم يعود �إىل ال�صفحة التي‬
‫فح�صها قبل قليل‪ .‬ويقول‪ :‬دكتور‪ ..‬ال �أجد ا�سم جواد ها�شم‪ ..‬هناك‬
‫ا�سم واحد فقط‪ ..‬ها�شم جواد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ت�أكد مرة �أخرى‪ ..‬ف�أجاب ب�أنه مت�أكد جداً‪ .‬اال�سم ها�شم‬
‫ج��واد‪ .‬ولي�س جواد ها�شم‪ .‬ومع ذلك فما الفرق بني ها�شم جواد‬
‫وجواد ها�شم‪ .‬ا�سم تقدم وا�سم ت�أخر‪ .‬و�سمح يل بالدخول �إىل الق�رص‪.‬‬
‫كانت هذه �أول مرة �أدخل فيها الق�رص اجلمهوري‪ .‬بناية ب�سيطة‪.‬‬
‫خالية من الزخارف والأب��واب الذهبية والقباب الف�ضية التي كانت‬
‫تو�صف بها يف ن�رشات الأحزاب ال�رسية ومنها حزب البعث نف�سه‪.‬‬
‫ا�ستقبلني عند البوابة الداخلية �ضابط برتبة رئي�س �أول (مقدم)‬
‫ا�سمه �إبراهيم الدليمي برتحاب وتقبيل وجنات‪ .‬و�س�ألني عما �إذا كنت‬
‫�أتذكره‪ .‬قلت كال‪ ..‬قال‪� :‬أال تذكر زياراتك لأحمد ح�سن البكر يف‬
‫منزله ؟ لقد كنت �أراك هناك‪� ..‬أتذكر �أن «�أبا هيثم» قد طلب منك مرة‬
‫التو�سط لدى طاهر يحيى حول �إعادة تعيني �أحد ال�ضباط ال�صغار‪ ..‬لقد‬
‫كنت �أنا ذلك ال�ضابط‪.‬‬
‫‪-103-‬‬
‫جل�ست يف غرفة ال�ضابط �إبراهيم الدليمي بانتظار مقابلة رئي�س‬
‫اجلمهورية‪ .‬مرت برهة ق�صرية‪ .‬رن جر�س الهاتف‪ ،‬ورفع �إبراهيم‬
‫ال�سماعة‪.‬‬
‫نعم �سيدي‪..‬‬
‫نعم �سيدي‪ ..‬موجود‪..‬‬
‫نعم �سيدي‪..‬‬
‫وو�ضع ال�سماعة مكانها‪ ،‬و�أ�شار �إيل بالتوجه �إىل مكتب الرئي�س‬
‫الذي يقع يف نهاية املمر‪.‬‬
‫توجهت �إىل املكتب‪ .‬كان غرفة �صغرية جدا فيها طاولة وخلفها‬
‫يقف �ضابط طويل القامة قدم نف�سه ب�أنه املقدم عدنان �أيوب �صربي‬
‫�سكرتري رئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫من هذه الغرفة دخلت غرفة رئي�س اجلمهورية �أحمد ح�سن البكر‪.‬‬
‫كان البكر واقفا و�سط الغرفة مبالب�سه الع�سكرية‪ .‬وكان يقف �إىل جواره‬
‫�صالح مهدي عما�ش ببزته الع�سكرية �أي�ض ًا‪.‬‬
‫�أخذين البكر جانبا وقال‪ :‬دكتور ج��واد‪ ..‬القيادة تريدك وزيرا‬
‫للتخطيط‪ ..‬كما تطلب منك تر�شيح �شخ�صيات �أخرى ملن�صب وزير‬
‫املالية‪ ،‬وزير االقت�صاد‪ ،‬حمافظ البنك املركزي‪.‬‬
‫و�أثناء حديثنا‪ ،‬دخل الغرفة �شاب طويل القامة يرتدي املالب�س‬
‫اخلاكي دون �أن يحمل رتبة ع�سكرية‪ .‬قدمه البكر قائال‪ :‬دكتور‪ ..‬هذا‬
‫هو الرفيق �صدام التكريتي‪.‬‬
‫مل �أكن قد التقيت �صداما قبل تلك اللحظة و�إن كنت قد �سمعت‬
‫با�سمه �أثناء حماكمة املتهمني مبحاولة اغتيال عبد الكرمي قا�سم‪.‬‬
‫‪-104-‬‬
‫�س�ألني �صدام �أ�سئلة عامة و�أك��د ��ضرورة الإ��سراع برت�شيح بع�ض‬
‫ال�شخ�صيات الكف�ؤة للمنا�صب التي �أ�شار �إليها البكر‪.‬‬
‫�شكرت البكر على ثقته‪ .‬وغادرت مكتبه بعدما وعدته باالت�صال به‬
‫ع�رص اليوم نف�سه حول الرت�شيحات املطلوبة‪.‬‬
‫يف طريقي �إىل اخلارج مرورا بغرفة �سكرتري رئي�س اجلمهورية‪،‬‬
‫طلبت منه �إعالم �ضابط ا�ستعالمات بوابة الق�رص با�سمي ال�صحيح بدال‬
‫من ها�شم جواد‪ ،‬فوعدين خريا!‬
‫عدت �إىل املنزل‪ ،‬وكان الوقت ظهراً‪.‬‬
‫ا�ستعر�ضت مع نف�سي بع�ض الأ�سماء التي ميكن �أن ت�ضطلع مب�س�ؤولية‬
‫املنا�صب التي اقرتحها رئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫مل يكن عمري �آنذاك �سوى ثالثني �سنة‪ .‬خربتي ال�سيا�سية قليلة‪.‬‬
‫معاريف هم زمالء الدرا�سة و�أغلبهم يف اخلارج‪.‬‬
‫و�أقولها �رصاحة ب�أنه مل يخطر ببايل �سوى ثالثة �أ�سماء لأ�صدقاء‬
‫كنت قد تعرفت على اثنني منهم قبل �سنة فقط هما الدكتور عبد العال‬
‫ال�صكبان مدير عام يف وزارة املالية والدكتور فخري يا�سني قدوري‬
‫مدير التجارة الداخلية يف وزارة االقت�صاد ومن امل�ؤ�س�سني الأوائل حلزب‬
‫البعث العراقي‪� .‬أما الثالث فهو الدكتور عبد احل�سن زلزلة الذي كنت قد‬
‫تعرفت عليه منذ ‪.1959‬‬
‫يف ال�ساعة الرابعة ع�رصاً‪ ،‬ات�صلت برئي�س اجلمهورية هاتفيا و�أخربته‬
‫ب�أين �أر�شح الدكتور عبد العال ال�صكبان وزيرا للمالية‪ ،‬والدكتور فخري‬
‫ق��دوري وزي��را لالقت�صاد‪ ،‬والدكتور عبد احل�سن زلزلة حمافظا للبنك‬
‫املركزي‪ ،‬خا�صة و�أن الأخري �سبق له �أن �شغل من�صب املحافظية يف ‪.1963‬‬
‫‪-105-‬‬
‫وما �أن انتهيت من عر�ض مقرتحاتي على رئي�س اجلمهورية و�إذا به‬
‫يقول‪:‬‬
‫– دكتور‪ ..‬تف�ضل للق�رص يف اخلام�سة ع�رصا مبعية الدكتور ال�صكبان‪..‬‬
‫و�سنبحث يف مو�ضوع املر�شحني الآخرين‪.‬‬
‫ويف ال�ساعة ال�سابعة م�ساء توجهت والدكتور ال�صكبان ب�سيارتي‬
‫اخلا�صة �إىل الق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫ت�صفح �ضابط اال�ستعالمات �سجل الزيارات‪ .‬عرث على ا�سم الدكتور‬
‫ال�صكبان وعلى ا�سم ها�شم جواد‪ .‬مل �أناق�شه ب�صحة ا�سمي‪.‬‬
‫وا�ستقبلنا البكر‪ .‬وكان لطيف ًا جمام ً‬
‫ال‪ .‬وقال لل�صكبان ب�أنه قد �سمع‬
‫عنه الكثري و�إنه يريده وزيرا للمالية‪.‬‬
‫�شكر ال�صكبان البكر برقة على ثقته غري �أنه طلب مهلة للتفكري‬
‫وا�ست�شارة «جماعته» للوقوف على ر�أيهم وعلى االجتاه العام للحكومة‬
‫املقبلة‪.‬‬
‫وافق البكر على مقرتح ال�صكبان‪ .‬لكنه �أكد �رضورة �إجابته يف امل�ساء‬
‫نف�سه‪.‬‬
‫وهنا دخل معنا يف احلديث �صالح مهدي عما�ش وقال بلهجة خالية‬
‫من املجاملة موجها كالمه للدكتور ال�صكبان‪:‬‬
‫– دكتور‪ ..‬نحن نريدك وزيراً للمالية لكفاءتك التي حدثنا عنها‬
‫زميلك الدكتور جواد‪ ..‬نحن ال نعرتف بوجود «جماعة» لك‪ ..‬هذه‬
‫لي�ست وزارة ائتالفية‪ ..‬ولو كنا نعرتف بوجود جماعة �أو حزب تنتمي‬
‫�إليه‪ ،‬لطلبنا من ذلك احلزب تر�شيح ممثل عنه يف احلكومة‪ ..‬لذلك �أما �أن‬
‫تقبل الوزارة الآن‪� ..‬أو مع ال�سالمة‪.‬‬
‫‪-106-‬‬
‫ومل يكن الدكتور ال�صكبان �أقل «ع�صبية» من عما�ش‪ .‬وقد اختار‬
‫«مع ال�سالمة» وان�سحب من الغرفة‪.‬‬
‫وقد تبني يل بعدئذ ب�أن عما�ش مل يكن يرغب �أ�صال يف تعيني ال�صكبان‬
‫وزيرا للمالية‪ ،‬و�إنه كان ير�شح زمي ً‬
‫ال له من �أيام الدرا�سة االبتدائية وهو‬
‫الدكتور �سعدي �إبراهيم الذي كان ي�شغل من�صب مدير امليزانية العام يف‬
‫وزارة املالية‪.‬‬
‫بعد ان�سحاب الدكتور ال�صكبان‪ ،‬التفت البكر �إيل وقال �إنه يحبذ‬
‫تعيني عبد اللطيف ال�شواف وزيرا لالقت�صاد بدال من الدكتور فخري‬
‫قدوري‪ ،‬ل�سببني �أولهما �أن ال�شواف‪� ،‬شخ�صية وطنية معروفة باجتاهها‬
‫الدميوقراطي‪ ،‬وثانيهما �أن فخري قدوري كان بعثيا �سابقا وترك �صفوف‬
‫احلزب من زمن لي�س بالق�صري ومل ي�شرتك يف الن�ضال معهم‪ ،‬بل �أكرث من‬
‫ذلك‪ ،‬انه كان يظهر �أ�سبوعيا على �شا�شة التلفزيون ليقدم برنامج «الزاوية‬
‫االقت�صادية» عن الأ�سعار وامل�ؤ�س�سات االقت�صادية وتطورها وانه بذلك‬
‫كان مدافعا عن احلكومة ال�سابقة‪.‬‬
‫ومل �أ�ستطع �إقناع البكر بقبول قدوري وزيراً لالقت�صاد‪� .‬إذ بقي م�رصاً‬
‫على �رضورة االت�صال بال�شواف‪.‬‬
‫مل �أك��ن �أع��رف ال�شواف �شخ�صي ًا‪� .‬س�ألت عنه �سكرتري رئي�س‬
‫اجلمهورية‪ ،‬ف�أجاب ب�أنه ات�صل مبنزله و�إن عائلته �أخربته ب�أنه موجود يف‬
‫�أملانيا الدميوقراطية‪.‬‬
‫قاربت ال�ساعة حوايل الثامنة م�ساء‪ .‬القيادة تريد �إعالن احلكومة يف‬
‫تلك الليلة‪ .‬ولي�ست لديها مر�شح ملن�صب وزيري املالية واالقت�صاد‪.‬‬
‫وهنا دخل غرفة رئي�س اجلمهورية كل من �شفيق الكمايل ع�ضو‬
‫القيادة القطرية للحزب‪ ،‬وحردان التكريتي‪ ،‬ع�ضو جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫‪-107-‬‬
‫بادر حردان بالقول ب�أن الدكتور حممد �سلمان ح�سن يرف�ض �أن يكون‬
‫وزيراً �إال �إذا �أعطته احلكومة تعهدا ب�أنها �ستنتهج النهج الدميوقراطي‬
‫ال�سليم ومتنح حرية الأحزاب وال�صحافة‪.‬‬
‫�أما �شفيق الكمايل (وهو ابن عم الدكتور فخري قدوري) فقد قال‬
‫لرئي�س اجلمهورية ب�أن القائمة الوزارية جاهزة با�ستثناء وزيري املالية‬
‫واالقت�صاد‪ .‬وكما �أت�ضح بعدئذ‪ ،‬ف�أنه يف الوقت الذي كان يجري فيه‬
‫البكر مقابالت بع�ض ال�شخ�صيات وعر�ض منا�صب وزارية عليهم‪ ،‬كان‬
‫�أع�ضاء �آخرون من جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬يجرون ات�صاالت مماثلة يف غرف‬
‫جماورة‪ .‬ويبدو �أن حردان التكريتي كان قد اقرتح على البكر تعيني زميل‬
‫له هو �أمني عبد الكرمي وزيرا للمالية وقد وافق البكر على مقرتح حردان‬
‫يف �آخر حلظة دون �أن يكون �أمني عبد الكرمي على علم بذلك‪ ،‬حيث‬
‫كان وقتها خارج العراق للمعاجلة الطبية‪ .‬كما وافق البكر على م�ض�ض‪،‬‬
‫تعيني فخري قدوري وزيرا لالقت�صاد‪.‬‬
‫يف ال�ساعة الثامنة والن�صف م�ساء‪ ،‬توجه �شفيق الكمايل �إىل دار‬
‫الإذاعة وبيده املر�سوم اجلمهوري بت�شكيل احلكومة‪.‬‬
‫�أذيعت الأ�سماء‪ .‬وجاء ا�سمي مرة �أخرى ها�شم جواد بدال من جواد‬
‫ها�شم‪ .‬ونظراً لغياب �أمني عبد الكرمي عن العراق فقد عينت وزيرا‬
‫للمالية بالوكالة �إ�ضافة �إىل من�صب وزير التخطيط‪.‬‬
‫وجاء ت�شكيل احلكومة على النحو التايل‪:‬‬
‫�أحمد ح�سن البكر‬ ‫رئي�سا للوزراء (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫حردان عبد الغفار التكريتي‬ ‫نائبا لرئي�س الوزراء ووزيرا للدفاع‬
‫(ع�سكري‪� – ‬سني)‬

‫‪-108-‬‬
‫�صالح مهدي عن عما�ش‬ ‫نائبا لرئي�س الوزراء ووزيرا للداخلية‬
‫(ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫عبد الكرمي عبد ال�ستار ال�شيخلي‬ ‫وزيرا للخارجية (مدين‪� – ‬سني)‬
‫�أمني عبد الكرمي‬ ‫وزيرا للمالية (مدين‪� – ‬سني)‬
‫مهدي الدولعي‬ ‫وزيرا للعدل (مدين‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور �أحمد عبد ال�ستار اجلواري‬ ‫وزيرا للرتبية (مدين‪� – ‬سني)‬
‫�أنور عبد القادر احلديثي‬ ‫وزيرا للعمل وال�ش�ؤون االجتماعية‬
‫(ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور عزت م�صطفى‬ ‫وزيرا لل�صحة (مدين‪� – ‬سني)‬
‫عبد اهلل �سلوم ال�سامرائي‬ ‫وزيرا للثقافة والإعالم (مدين‪� – ‬سني)‬
‫حممود �شيت خطاب‬ ‫وزيرا للموا�صالت (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور عبد احل�سني وداي العطية‬ ‫وزيرا للزراعة (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫جا�سم كاظم العزاوي‬ ‫وزيرا للإ�صالح الزراعي (ع�سكري‪– ‬‬
‫�شيعي)‬
‫�إح�سان �شريزاد‬ ‫وزيرا للأ�شغال والإ�سكان (مدين‪– ‬‬
‫كردي‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور جواد ها�شم‬ ‫وزيرا التخطيط (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫الدكتور فخري يا�سني قدوري‬ ‫وزيرا لالقت�صاد (مدين‪� – ‬سني)‬
‫خالد مكي الها�شمي‬ ‫وزيرا لل�صناعة (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور ر�شيد الرفاعي‬ ‫وزيرا للنفط واملعادن (مدين‪� – ‬شيعي)‬

‫‪-109-‬‬
‫الدكتور غائب مولود خمل�ص‬ ‫وزيرا للبلديات وال�ش�ؤون القروية‬
‫(مدين‪� – ‬سني)‬
‫�شفيق الكمايل‬ ‫وزيرا لل�شباب (مدين‪� – ‬سني)‬
‫حم�سن دزه ئي‬ ‫وزيرا ل�ش�ؤون ال�شمال (مدين‪– ‬‬
‫كردي‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور عبد اهلل اخل�ضري‬ ‫وزيرا للوحدة (مدين‪� – ‬سني)‬
‫عدنان �أيوب �صربي‬ ‫وزيرا الدولة (ع�سكري‪� – ‬سني)‬
‫حامد اجلبوري‬ ‫وزيرا للدولة (مدين‪� – ‬شيعي)‬
‫طه حمي الدين‬ ‫وزيرا للدولة (مدين‪ – ‬كردي‪� – ‬سني)‬
‫الدكتور حمد ديل الكربويل‬ ‫وزيرا للدولة ل�ش�ؤون الأوقاف (مدين‪– ‬‬
‫�سني)‬

‫ن�سبة ال�سنة �إىل املجموع ‪%81‬‬


‫ن�سبة ال�شيعة �إىل املجموع ‪%19‬‬
‫ونظراً لعدم التحاق حممود �شيت خطاب بالوزارة‪ ،‬فقد �صدر مر�سوم‬
‫جمهوري الحق بتعيني عدنان �أيوب �صربي وزيرا للموا�صالت �أ�صالة‪.‬‬

‫‪-110-‬‬
‫الف�صل ال�ساد�س‬
‫الوزارة‪ ...‬احل�سا�سيات واملناورات‬

‫مل تكن يل خربة يف العمل ال�سيا�سي الر�سمي‪ .‬فالوظائف التي‬


‫مار�ستها انح�رصت يف النطاق الأكادميي اجلامعي‪ .‬وكنت �أعتقد‪ ،‬خط�أ‪،‬‬
‫ب�أن الوزارة يف ظل نظام احلزب الواحد‪� ،‬إمنا هي عمل فني ي�ستهدف‬
‫نقل مبادئ احلزب وعقيدته من النطاق النظري �إىل النطاق العملي‪ ،‬من‬
‫�أجل حتقيق تلك املبادئ‪.‬‬
‫ومل يخطر ببايل قط �أن يكون املن�صب الوزاري يف وزارة فنية كوزارة‬
‫التخطيط‪ ،‬حمفوف ًا باملناورات ال�سيا�سية ويتطلب املوازنة بني العلم‬
‫واجلهل‪ ،‬وبني امل�صالح الوطنية العليا من جهة‪ ،‬والرغبات ال�رضورية‬
‫لبع�ض �أع�ضاء قيادة احلزب من جهة �أخرى‪.‬‬
‫لقد الزمني ذلك االعتقاد اخلاطئ طوال فرتة عملي كوزير للتخطيط‬
‫وكم�ست�شار يف جمل�س قيادة الثورة‪ .‬كما �أوقعني ذلك االعتقاد يف‬
‫متاهات احل�سا�سيات بني بع�ض �أع�ضاء القيادة القطرية وجمل�س قيادة‬
‫الثورة ممن ت�سنموا منا�صب وزارية‪.‬‬
‫لقد كان مفهوم القيادة لدى �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة �أو القيادة‬
‫القطرية للحزب‪ ،‬غام�ضا �إىل حد كبري‪ .‬بحيث كان بع�ضهم يت�صور ب�أن‬
‫ال�سلطة احلقيقية هي ال�سلطة التنفيذية املتمثلة باملنا�صب الوزارية التي‬
‫‪-111-‬‬
‫ميكنهم عن طريقها تعيني فالن �أو ف�صل عالن‪� .‬أما ال�سلطة الت�رشيعية‪،‬‬
‫التي كانوا ميار�سونها من خالل القيادتني‪ ،‬فهي ال �شيء ما مل تكن‬
‫مزدوجة مع ممار�ستهم لل�سلطة التنفيذية من خالل املن�صب الوزاري‪.‬‬
‫وكما �سيت�ضح من الأحداث التي �س�أ�رسدها‪ ،‬ف�أن ازدواج املهام الت�رشيعية‬
‫واملهام التنفيذية لبع�ض �أع�ضاء القيادتني‪ ،‬قد خلق‪ – ‬مبرور الزمن‪� – ‬أجوا ًء‬
‫بغي�ض ًة مليئ ًة باحل�سا�سيات واملناورات والت�رصفات التي بد�أت تنخر ببطء‬
‫الكيان العام ملفهوم الدولة واحلكم يف العراق‪ .‬و�أدت �إىل جتاوزات ال‬
‫حدود لها على حريات الأفراد الأ�سا�سية وم�ؤ�س�سات الدولة املت�شعبة‪،‬‬
‫و�ضاعت يف خ�ضمها حرية الإبداع والتفكري ال�سليم‪ .‬و�أهدرت ب�سببها‬
‫�ضوابط الف�صل بني ال�سلطة الت�رشيعية وال�سلطة التنفيذية‪ .‬فهذا ع�ضو‬
‫قيادي ميار�س ال�سلطة الت�رشيعية يف امل�ساء‪ ،‬وميار�س ال�سلطة التنفيذية يف‬
‫ال�صباح من خالل من�صبه الوزاري‪ .‬يقدم مقرتحات وزارته من امل�شاريع‬
‫ملجل�س التخطيط ووزارة التخطيط‪ .‬ف�أن مل يوافق عليها‪� .‬سارع �إىل جمل�س‬
‫قيادة الثورة ليمار�س �سلطته الت�رشيعية يف �إقرار تلك امل�رشوعات متخطي ًا‬
‫بذلك املفاهيم والأ�س�س العلمية لإدارة الدولة و�ش�ؤون االقت�صاد‪.‬‬
‫واذا ا�ستطاع الوزير غري القيادي من اقناع جمل�س قيادة الثورة‪� .‬أو‬
‫�إقناع �أحمد ح�سن البكر �أو �صدام ح�سني بعدم �صحة ذلك القرار‪،‬‬
‫وبالتايل �إلغائه‪ ،‬فان الوزير القيادي ال ي�أخذ ذلك الأمر من منطلق �أن‬
‫م�صلحة الوطن قد اقت�ضت ذلك‪ ،‬وامنا يعتربه حتديا ملكانته القيادية من‬
‫قبل وزير غري قيادي فني‪ .‬ويحاول‪ ،‬با�ستمرار‪ ،‬الطعن بذلك الوزير من‬
‫خالل مكاتب احلزب فتكرث التقارير احلزبية �ضده‪ .‬وال يهد�أ بال ذلك‬
‫القيادي حتى يعفى الوزير من من�صبه ب�صورة مفاجئة‪ .‬ولأ�سباب خمتلفة‪.‬‬
‫�إن الأمثلة على هذا النمط من ال�سلوك كثرية‪� ،‬س�أروي بع�ضها‪ ،‬وهي‬
‫�أمثلة مل تزل متار�س حتى الآن ب�شكل �أكرث جه ً‬
‫ال وعنف ًا يف بع�ض الأحيان‪.‬‬
‫‪-112-‬‬
‫تلك كانت مقدمة‪� .‬أهدف منها وقوف القارئ على خلفيات بع�ض‬
‫الأحداث التي �شهدتها‪ .‬وكنت �ضحية بع�ضها‪ .‬وهي �أحداث تقدم‬
‫مالمح عن طبيعة ذلك العهد‪.‬‬

‫***‬
‫يف �صباح اليوم التايل لإع�لان وزارة الثالثني من متوز ‪،1968‬‬
‫توجهت �إىل الق�رص اجلمهوري لأداء اليمني الد�ستورية مع بقية �أع�ضاء‬
‫احلكومة اجلديدة‪ .‬وبعد حلف اليمني‪ ،‬ذهبت �إىل وزارة التخطيط‬
‫ال�ستالم مهام من�صبي الوزاري‪.‬‬
‫كانت وزارة التخطيط يف ذلك الوقت قد اتخذت مقرا لها يت�ألف‬
‫من ب�ضعة طوابق يف مبنى «م�رصف الرهون» يف �شارع الأمني ببغداد‪.‬‬
‫كانت بناية متوا�ضعة‪ ،‬ت�ضم وزارة كان من املفرو�ض �أن تكون من �أهم‬
‫الوزارات يف العراق نظرا لإ�رشافها على تهيئة خطة التنمية االقت�صادية‪.‬‬
‫وهي وزارة يرجع تاريخها �إىل عام ‪ 1952‬عندما �أن�ش�أت احلكومة �آنذاك‬
‫جمل�س االعمار ووزارة االعمار‪ .‬ثم غري �أ�سمها �إىل وزارة التخطيط بعد‬
‫ثورة ‪ 14‬متوز ‪.1958‬‬
‫ويبدو �أن هذه الوزارة‪ ،‬منذ ت�أ�سي�سها‪ ،‬كانت تقع �ضمن الوزارات‬
‫التي يكون وزيرها من �أبناء ال�شيعة‪ .‬ف�أول وزير للإعمار كان �ضياء‬
‫جعفر‪ ،‬ثم ف�ؤاد الركابي عام ‪ ،1958‬ثم الدكتور طلعت ال�شيباين‬
‫و�أعقبه الدكتور حممد يعقوب ال�سعيدي‪ ،‬ثم الدكتور عبد احل�سن زلزلة‪،‬‬
‫حممود ح�سن جمعة وغريهم‪ .‬ومل يعني وزير للتخطيط من �أبناء ال�سنة‬
‫�سوى الدكتور عبد الكرمي العلي ولأ�شهر قليلة بعد جميء البعثيني �إىل‬
‫احلكم عام ‪.1963‬‬
‫كان عمل وزارة االعمار‪ /‬التخطيط مقت�رصا على �إع��داد قائمة‬
‫‪-113-‬‬
‫مب�شاريع زراعية و�صناعية وطرق وموا�صالت تخ�ص�ص لها املبالغ‬
‫الالزمة من عوائد النفط‪ .‬وكانت اخلطة االقت�صادية تتحمل �أي�ضا نفقات‬
‫وزارة الدفاع يف �رشاء الأ�سلحة والإن�شاءات الع�سكرية الأخرى‪ .‬ومن‬
‫حتليالتي للخطط االقت�صادية املتعاقبة منذ عام ‪ 1952‬وحتى عام‬
‫‪ ،1965‬فان بع�ض امل�شاريع االقت�صادية مل ي�صبها من عوائد النفط �سوى‬
‫‪� %30‬أما الباقي‪ ،‬فكان ي�رصف على النفقات الع�سكرية وميزانية الدولة‬
‫االعتيادية‪.‬‬
‫حني با�رشت مهام عملي كوزير للتخطيط‪ ،‬كان �أول �أمر وزاري وقعته‪،‬‬
‫هو الأمر الذي كنت قد �أعددته ب�ش�أن �صالحيات املدير العام للإح�صاء‪،‬‬
‫حيث كان ذلك الأمر الزال على مكتب الوزير ال�سابق دون توقيع‪ .‬بعدها‬
‫توجهت �إىل وزارة املالية التي كنت �أ�شغلها وكالة‪ ،‬لتم�شية بع�ض املعامالت‬
‫الر�سمية هناك‪ .‬بعد و�صويل بفرتة ق�صرية‪ ،‬ات�صل بي �أحمد ح�سن البكر‬
‫هاتفي ًا وطلب مني �إعداد �صيغة مر�سوم جمهوري لعر�ضه على جمل�س‬
‫الوزراء يق�ضي ب�إحالة املدير العام ل�رضيبة الدخل على التقاعد‪.‬‬
‫ترددت بع�ض ال�شيء ل�سببني‪� .‬أولهما‪� ،‬أن مثل هذه الأمور ترتك عادة‬
‫للوزير الأ�صيل‪ ،‬وثانيهما �أن ال�شخ�ص املطلوب �إحالته على التقاعد كان‬
‫علي املثنو الذي كان معاونا للملحق الثقايف يف لندن عندما كنت طالبا‬
‫هناك‪ ،‬وقد �سبق �أن حتدثت عنه‪ ،‬لذلك مل �أكن �أود �أن يف�رس الأمر على‬
‫�أنه انتقام �شخ�صي من املثنو‪.‬‬
‫�أ�رص البكر على ر�أيه وقال‪ :‬دكتور‪ ،‬نحن حكومة ثورة ونعتربك من‬
‫الثوار‪� .‬أمني عبد الكرمي موظف‪ .‬علي املثنو يجب �أن يحال الآن على‬
‫التقاعد لأنه ابن كذا وكذا‪.‬‬
‫كان طلب البكر و�إ�رصاره على الإ�رساع يف �إحالة املثنو على التقاعد‬
‫‪-114-‬‬
‫مبعث ا�ستغراب �شديد يل‪ .‬ملاذا العجلة؟ وما هي خطورة املثنو لو بقي‬
‫يف من�صبه �أياما معدودات �أخرى حلني و�صول وزير املالية الأ�صلي؟‬
‫ا�ستدعيت مدير املالية العام‪ – ‬الدكتور ال�صكبان‪� – ‬إىل مكتبي‬
‫و�أعلمته مبا دار بيني وبني البكر من حديث‪ .‬وا�ستف�رست منه عما �إذا‬
‫كان هناك �أمر خطري ي�ستوجب الإ�رساع يف �إحالة املثنو على التقاعد‪.‬‬
‫كما �أفهمت ال�صكبان برتددي يف تنفيذ الأمر منعا للتف�سريات اخلاطئة‪.‬‬
‫وكان اقرتاح ال�صكبان هو �أن ا�ستدعي املثنو �إىل مكتبي‪.‬‬
‫ات�صلت هاتفي ًا باملثنو وطلبت ح�ضوره �إىل ال��وزارة‪ .‬جاء املثنو‪.‬‬
‫وانفردنا �سوية يف املكتب الخربه بالأمر ون�صحته ب�أنه �إذا كان على‬
‫معرفة ب�أحد الوزراء من �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة فليذهب �إليه ليتو�سطه‬
‫لدى رئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫خرج املثنو �شاكرا هذه االلتفاتة مني‪ .‬ومل يدر بخلدي �أنه �سيكون‬
‫�سبب ًا يف �أول مواجهة يل مع جمل�س الوزراء يف �أول اجتماع له‪.‬‬

‫االجتماع الأول ملجل�س الوزراء‬


‫يف ال�ساعة الواحدة من ظهر يوم ‪� 4‬أغ�سط�س (�آب) ‪ 1968‬عقد جمل�س‬
‫الوزراء اجلديد اجتماعه الأول يف مبني املجل�س الوطني برئا�سة �أحمد‬
‫ح�سن البكريف القاعة املقابلة للمكتب الذي كان ي�شغله �سابق ًا طاهر يحيى‬
‫رئي�س الوزراء‪ .‬وقد بقي ذلك املكتب مقراً لرئي�س الوزراء �إذا ح�رض مبنى‬
‫املجل�س الوطني‪ .‬و�إال فان حردان التكريتي و�صالح عما�ش ي�شغالنها‪.‬‬
‫عقد االجتماع ومل يح�رض كل من حردان وعما�ش‪ .‬انتبه البكر �إىل‬
‫غيابهما فطلب من «اجلايجي» الذي كان يقدم ال�شاي للحا�رضين �أن‬
‫ي�ستف�رس عما حل بهما‪.‬‬
‫‪-115-‬‬
‫غاب «اجلايجي» برهة ثم عاد ليقول لرئي�س الوزراء‪� :‬سيدي‪ :‬الفريق‬
‫حردان جمتمع بطاهر يحيى رئي�س الوزراء‪.‬‬
‫�ضحك البكر وقال للجايجي‪� :‬أنت ال تعرف ب�أن طاهر يحيى‬
‫موجود يف ال�سجن وهو لي�س برئي�س للوزراء الآن‪.‬‬
‫احتار «اجلايجي» ومل يجب وغادر القاعة‪.‬‬
‫وهنا انربى وزير ال�صحة الدكتور عزت م�صطفى ليقول للبكر‪ :‬هذا‬
‫«جايجي» غبي البد من ف�صله فوراً من اخلدمة �إذ ال ي�صلح �أن يتواجد‬
‫غبي بعد الآن يف هذا املبنى‪.‬‬
‫وت�ساءل البكر‪ :‬ملاذا؟ �ألي�س الأف�ضل �أن يكون «اجلايجي» غبي ًا ال‬
‫يعرف من �أمور الدنيا �شيئ ًا‪ ،‬وبالتايل ال ي�ستطيع الت�آمر علينا‪ .‬بعد ذلك‬
‫ان�ضم حردان وعما�ش �إىل االجتماع‪ ،‬وبد�أ املجل�س يف النظر بجدول‬
‫الأعمال‪.‬‬
‫وقبيل انتهاء اجلل�سة‪ ،‬طرح البكر �أمورا �أخرى مل تكن مدرجة على‬
‫جدول الأعمال ومنها اقرتاح �إحالة علي املثنو على التقاعد‪ .‬وهنا انربى‬
‫الدكتور عزت م�صطفى وزير ال�صحة والذي كان ع�ضوا يف القيادة‬
‫القطرية للحزب وجمل�س قيادة الثورة‪ ،‬مدافع ًا عن علي املثنو متهما �إياي‬
‫بالعداء ال�شخ�صي له وكيف �أنني �أريد االنتقام منه نظراً ملوقفه ال�سابق‬
‫مني عندما كنت طالب ًا يف لندن‪.‬‬
‫ا�ستغربت ملوقف الدكتور عزت‪ .‬وكان ا�ستغرابي �أكرث ملا تفوه به‬
‫من اتهامات مل يكن م�صدرها �سوى علي املثنو‪� .‬صحيح �أن علي املثنو‬
‫وعزت م�صطفى هما �أبناء بلدة واحدة هي عانة‪ .‬ولكني مل �أت�صور ب�أن‬
‫التحزب ي�صل بوزير يدعي الثورية والعقائدية والرتفع عن احل�سا�سيات‬
‫‪-116-‬‬
‫العرقية �إىل هذا احلد بحيث ين�سى كل �شئ ويتهم وزيراً �آخر مبثل ما‬
‫اتهمني به يف تلك اجلل�سة‪.‬‬
‫هممت بالإجابة‪ .‬غري �أن البكر تدخل يف املو�ضوع و�أو�ضح لعزت‬
‫م�صطفى ال�صورة على حقيقتها‪ .‬وكيف �أنني حاولت �إقناعه �أي البكر‬
‫بت�أجيل املو�ضوع حلني قدوم وزير املالية‪.‬‬
‫ومع هذا الإي�ضاح من البكر‪ ،‬ا�ستمر عزت م�صطفى يف حما�سه‬
‫للدفاع عن املثنو وعن وطنيته وقوميته وعروبته‪ .‬ونظراً للعالقة‬
‫ال�شخ�صية التي كانت تربط البكر وعزت م�صطفى‪ ،‬فقد وافق الأول‬
‫على ت�أجيل النظر يف املو�ضوع‪.‬‬
‫انتهى اجتماع جمل�س الوزراء‪ .‬وقبيل مغادرتي قاعة االجتماعات‪،‬‬
‫طلب مني البكر مرافقته للق�رص اجلمهوري ب�سيارته‪ .‬يف الطريق التفت‬
‫�إيل مبت�سم ًا وقال‪� :‬أرجو �أال يكون موقف عزت م�صطفى قد �أزعجك‪..‬‬
‫هذه طريقته يف الكالم‪ .‬انه ال يق�صد الإ�ساءة �إليك بقدر ما يق�صد الدفاع‬
‫عن قريبه علي املثنو‪ .‬هذه م�شكلة �أواجهها كل يوم و�ستواجهها �أنت‬
‫يومي ًا‪ .‬املهم ت�سوية الأمور بالتي هي �أح�سن حتى ت�ستقر �أو�ضاعنا‪.‬‬
‫و�صلنا الق�رص اجلمهوري‪ .‬ثم تناولنا طعام الغداء‪ .‬وكانت ال�ساعة‬
‫قد قاربت اخلام�سة بعد الظهر‪ .‬وقبل ان�رصايف‪ ،‬طلب مني البكر تهيئة‬
‫قائمة ب�أهم امل�رشوعات ال�صناعية وم�شاريع البلديات املدرجة يف اخلطة‬
‫االقت�صادية ملختلف حمافظات العراق و�أن �أعود ملقابلته بعد يومني يف‬
‫ال�ساعة التا�سعة م�ساء‪.‬‬
‫غادرت الق�رص اجلمهوري‪ .‬ومل ت�ستطع كلمات البكر وجمامالته‬
‫�أن تن�سيني موقف عزت م�صطفى‪ .‬وال الأ�سلوب امللتوي الذي جل�أ �إليه‬
‫علي املثنو يف نقل حديثي معه‪ .‬كنت �أعتقد‪ ،‬وبقيت �أعتقد لفرتة طويلة‪،‬‬
‫‪-117-‬‬
‫ب�أن من �آمن بعقيدة حزب البعث‪ ،‬التي من �أوىل مبادئه حماربة الع�شائرية‬
‫والطائفية‪ .‬ال ميكن �أن ينجرف يف دوامة التيارات العرقية والتحزبات‬
‫املذهبية‪ .‬كنت �أقول لنف�سي‪ ،‬دوم ًا‪ ،‬و�أحاول �إقناع غريي وب�إ�رصار �أن ال‬
‫وجود لأية ممار�سة طائفية يف العراق �رسية كانت �أم علنية‪.‬‬
‫كم كنت خمطئ ًا‪ .‬فالتحزب الإقليمي كان ومل يزل قائم ًا‪ .‬وان مبادئ‬
‫احلزب جمرد كلمات م�سطرة يف منهاجه دون �أن ترتجم �إىل واقع‪ .‬ودون‬
‫�أن تطبق �أو تنفذ من قريب �أو بعيد‪ .‬فالنعرة الطائفية كانت ومل تزل‬
‫موجودة‪ .‬متخفية �أحيانا وجلية �أحيان ًا �أخرى‪ .‬تنمو وترتعرع مت�سرتة‬
‫مبختلف الرباقع والأ�ساليب‪ ،‬لت�أخذ جمراها يف احلياة العملية‪ .‬ولدي‬
‫الكثري من ال�شواهد على ذلك‪ ،‬لكنني �س�أكتفي ب�رسد حوادث ثالث‪:‬‬

‫احلادثة الأوىل‬
‫بعد مبا�رشتي بوزارة املالية بالوكالة‪ ،‬ونظراً لزخم العمل اليومي يف‬
‫تلك الوزارة فقد اقرتحت على مدير املالية العام‪ – ‬الدكتور عبد العال‬
‫ال�صكبان‪� – ‬إعداد �صيغة �أمر وزاري �أخوله مبوجبه �صالحيات وكيل‬
‫الوزارة م�ؤقت ًا لي�ستطيع هو ت�سيري املعامالت اليومية‪ ،‬ولأمتكن �شخ�صي ًا‬
‫من ق�ضاء وقت �أكرث يف وزارة التخطيط‪ .‬م�س�ألة ب�سيطة وطبيعية‪ .‬وزير‬
‫يريد تخويل مدير املالية العام‪ ،‬وهو ال�شخ�ص الثاين بعد الوزير‪ ،‬بع�ض‬
‫�صالحياته م�ؤقت ًا‪� .‬أ�صدرت الأمر الوزاري‪.‬‬
‫يف اليوم التايل لإ�صدار الأم��ر‪� ،‬أت�صل بي هاتفي ًا �صالح مهدي‬
‫عما�ش‪ – ‬نائب رئي�س الوزراء ووزير الداخلية‪ – ‬م�ستف�رساً عن هذا‬
‫ال لوزارة املالية‪� .‬أجبته قائ ً‬
‫ال‪� :‬أوال‪� ،‬أنا مل �أعني‬ ‫ال�صكبان الذي عينته وكي ً‬
‫�أحداً وكيال لوزارة املالية الن التعيني يف هذا املن�صب يتطلب موافقة‬
‫جمل�س الوزراء و�صدور مر�سوم جمهوري‪ .‬ثاني ًا‪� ،‬أن ال�صكبان الذي‬
‫‪-118-‬‬
‫ي�س�أل عنه‪ ،‬هو الدكتور عبد العال الذي عر�ضت عليه القيادة من�صب‬
‫وزير املالية وهو مدير املالية العام الذي يعترب ال�شخ�ص الذي يلي الوزير‬
‫يف املن�صب‪.‬‬
‫ال‪ :‬الإ�شاعات تقول �أنك قد عينت ال�صكبان وكي ً‬
‫ال‬ ‫وعاد عما�ش قائ ً‬
‫لوزارة املالية وان هذا ال�شخ�ص معروف مبيوله الرجعية والنا�رصية و�أنه‬
‫من �أهايل الديوانية‪.‬‬
‫�أجبته‪� :‬أنني مل �أدقق يف حمل والدة ال�صكبان ولكن �أعرف جيداً ميوله‬
‫القومية النا�رصية‪.‬‬
‫وقبل �أن �أكمل حديثي قاطعني عما�ش قائ ً‬
‫ال‪ :‬يف وزارة املالية �شخ�ص‬
‫�آخر هو الدكتور �سعدي �إبراهيم (مدير امليزانية العام) �ألي�س هو �أحق‬
‫مبن�صب وكيل وزارة املالية‪.‬‬
‫وكدت �أفقد هدوئي‪� .‬إذ كلما �رشحت لعما�ش الفرق بني منح‬
‫ال�صالحيات وبني تعيني وكيل للوزارة‪ ،‬عاد �إىل ت�أكيد م�ؤهالت �سعدي‬
‫�إبراهيم العالية وميول ال�صكبان النا�رصية وم�سقط ر�أ�سه يف الديوانية‪– ‬‬
‫ويف نهاية احلديث �س�ألته عما يريد فع ً‬
‫ال من وراء هذه املكاملة الهاتفية‪،‬‬
‫فقال انه يقرتح �أما �إلغاء الأمر ال��وزاري الذي كنت قد �أ�صدرته �أو‬
‫ا�ستبدال ا�سم الدكتور ال�صكبان بالدكتور �سعدي �إبراهيم‪« .‬حلدوث‬
‫خط�أ مطبعي!»‪.‬‬
‫رف�ضت االقرتاح‪ ،‬وانتهت املكاملة الهاتفية‪.‬‬
‫وهنا البد من الإ�شارة �إىل �أن الدكتور �سعدي �إبراهيم كان زمي ً‬
‫ال‬
‫لعما�ش يف مراحل الدرا�سة الثانوية وانهما �أبناء مدينة واحدة‪ ،‬ويبدو �أن‬
‫�صالح مهدي عما�ش نائب رئي�س الوزراء‪ ،‬وزير الداخلية‪ ،‬ع�ضو القيادة‬
‫‪-119-‬‬
‫القطرية‪ ،‬ع�ضو القيادة القومية‪ ،‬وع�ضو جمل�س قيادة الثورة مل يكن ي�شغله‬
‫�أمر من �أمور الثورة يف �أيامها الأوىل �سوى الأمر الوزاري امل�ؤقت الذي‬
‫�أ�صدرت‪ ،‬حيث رفع الأمر لأحمد ح�سن البكر الذي �أقرتح ح ً‬
‫ال و�سط ًا‬
‫بني عنادي وتطلعات عما�ش‪ .‬وكان احلل هو عدم �إلغاء الأمر الوزاري‬
‫ولكن علي �أن �أبا�رش الدوام يومي ًا يف وزارة املالية حلني جميء الوزير‬
‫الأ�صيل �أمني عبد الكرمي‪ ،‬لكي ال ميار�س ال�صكبان �صالحيات وكيل‬
‫الوزارة يف التوقيع على املعامالت اليومية املرتاكمة‪ .‬فال يزعل الدكتور‬
‫�سعدي وال يتعكر �صفو مزاجه ومزاج الفريق عما�ش!‬

‫احلادثة الثانية‬
‫كان الدكتور ر�شيد الرفاعي‪ – ‬وزير النفط واملعادن‪ – ‬قد اقرتح‬
‫تعيني املهند�س علي هادي اجلابر نائب ًا لرئي�س �رشكة النفط الوطنية‪.‬‬
‫ويعترب اجلابر من العنا�رص عالية الكفاءة يف احلقل النفطي‪ ،‬وقد �شغل‬
‫منا�صب مهمة يف م�ؤ�س�سات النفط و�رشكاته‪ .‬لذلك فان قبوله مبن�صب‬
‫نائب رئي�س �رشكة النفط الوطنية كان مك�سبا لل�رشكة �إىل حد كبري‪.‬‬
‫مل يكن اجلابر بعثيا يف حني كان الدكتور الرفاعي من العنا�رص‬
‫احلزبية املتقدمة يف �صفوف حزب البعث‪ .‬ويف �أحد الأيام كنت يف‬
‫اجتماع م�صغر مع رئي�س اجلمهورية ح�رضه وزير البلديات الدكتور‬
‫غائب مولود خمل�ص ووزير ال�صناعة خالد مكي الها�شمي‪ .‬وبعد انتهاء‬
‫االجتماع التفت البكر و�س�أل �إن كان لدينا �أمور �أخرى نود بحثها‪.‬‬
‫فانربى الها�شمي قائ ً‬
‫ال‪� :‬سيادة الرئي�س‪ ،‬هناك ق�ضية �أريد طرحها تتعلق‬
‫برت�شيح علي هادي اجلابر ملن�صب نائب رئي�س �رشكة النفط الوطنية‪� .‬أن‬
‫وزير النفط ر�شيد الرفاعي قد اقرتح اجلابر لي�س على �أ�سا�س الكفاءة‬
‫واخلربة ولكن ب�سبب العالقة ال�شخ�صية التي تربطهما‪ .‬و�أن اجلابر‬
‫�شعوبي وطائفي‪.‬‬
‫‪-120-‬‬
‫�ضحك البكر وقال‪ :‬تر�شيح اجلابر مل ي�أت من ر�شيد‪ .‬انه مر�شح‬
‫من قبل املكتب املهني للحزب نظراً لكفاءة اجلابر واخت�صا�صه وخربته‬
‫ال‪� :‬سيدي‪ ..‬املكتب‬ ‫الطويلة‪� .‬سكت الها�شمي برهة‪ ،‬ثم �أعقب قائ ً‬
‫املهني للحزب مل تعر�ض عليه �أ�سماء متعددة ليختار من بينها‪ ..‬ر�شيد‬
‫اقرتح اجلابر‪ ..‬هناك �أ�شخا�ص �آخرون مثل عدنان �رشيف التكريتي وهو‬
‫بعثي وخمل�ص‪ ..‬و‪..‬‬
‫وتوقف الها�شمي عن الكالم بعد �أن قاطعه الرئي�س قائال �أنه �سينظر‬
‫يف املو�ضوع‪.‬‬
‫خرجنا من مكتب البكر نحن الثالثة‪ .‬خمل�ص والها�شمي و�أنا‪.‬‬
‫توجهنا نحو الباب اخلارجي للق�رص بانتظار �سياراتنا‪ .‬واثناء االنتظار‬
‫قلت للها�شمي ب�أنه لي�س من ال�صحيح‪ ،‬ونحن وزراء‪� ،‬أن نتدخل يف‬
‫�ش�ؤون وزارات �أخرى يف غياب الوزير املخت�ص‪ .‬وهنا قاطعني الها�شمي‬
‫ال‪ :‬دكتور‪ .‬ر�شيد الرفاعي وعلي هادي اجلابر من �صنف واحد‪ ،‬بينما‬ ‫قائ ً‬
‫الدكتور عدنان �رشيف التكريتي من جماعتنا وبعثي‪ .‬وغري طائفي!‬
‫حتى تلك اللحظة مل �أكن �أعلم �أن ر�شيد الرفاعي �شيعي‪ ،‬ومل �أكن‬
‫�أعرف علي هادي اجلابر‪ .‬وان كنت قد �سمعت عنه وعن كفاءته الكثري‪.‬‬
‫وقد ا�ستغربت من خالد مكي الها�شمي‪ ،‬وهو البعثي العقائدي‪� ،‬أن يعترب‬
‫مناق�شة تعيينات وزراء �آخرين هي من الأمور التي يحق له مناق�شتها يف‬
‫غياب الأ�شخا�ص املعنيني حتى وان كانوا بعثيني وعقائديني مثله‪ .‬وان هذا‬
‫احلق الذي مار�سه الها�شمي يف اجتماعنا مع رئي�س اجلمهورية هو حق‬
‫ميار�سه حتما القياديون من �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة �أو القيادة القطرية‪.‬‬
‫مرت ب�ضعة �أيام‪ .‬ومت تعيني علي هادي اجلابر مبن�صب نائب رئي�س‬
‫�رشكة النفط الوطنية‪ .‬وملا عني الدكتور �سعدون حمادي رئي�س ًا لل�رشكة‬
‫‪-121-‬‬
‫ذاتها‪ ،‬فقد �أطلق على ال�رشكة لقب «ح�سينية» النفط الوطنية‪ .‬بالرغم‬
‫من �أن �سعدون حمادي كان �أحد �أع�ضاء القيادة القطرية واملجل�س‬
‫الوطني لقيادة الثورة عام ‪ ،1963‬وكان لتعيينه رئي�س ًا ل�رشكة النفط‬
‫ق�صة �س�أذكرها فيما بعد‪.‬‬

‫احلادثة الثالثة‬
‫يف ظهر �أحد الأيام ا�ستدعاين رئي�س اجلمهورية‪ .‬توجهت �إىل الق�رص‪.‬‬
‫وقيل يل �إن الرئي�س من�شغل بت�سلم �أوراق اعتماد �سفري �إحدى الدول‬
‫الأجنبية وانه �سيقابلني بعد ن�صف �ساعة‪ .‬و�أ�شري علي االنتظار يف مكتب‬
‫حامد اجلبوري‪ – ‬وزير الدولة ل�ش�ؤون رئا�سة اجلمهورية‪ – ‬دخلت‬
‫املكتب فوجدت فيه وزيرين �آخرين هما الدكتور �أحمد عبد ال�ستار‬
‫اجلواري وزير الرتبية والفريق حماد �شهاب التكريتي وزير الدفاع‬
‫وع�ضو جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬ويبدر �أن اجلواري و�شهاب كانا يف حديث‬
‫عن حمافظات العراق‪� .‬سمعت �شهاب يقول للجواري ب�أن جميع �سكان‬
‫املنطقة التي تقع بني املحمودية وجنوب العراق هم عجم وانه البد من‬
‫التخل�ص منهم لتنقية الدم العربي العراقي‪.‬‬
‫ا�ستغربت من كالم حماد �شهاب وقلت له‪ :‬فريق حماد‪� ..‬أنا من‬
‫مدينة عني التمر التابعة لكربالء‪ ..‬وحامد اجلبوري من مدينة احللة‪..‬‬
‫فهل يعني �أننا عجم‪� ..‬أم �أنك تق�صد �شيئا �آخر‪.‬‬
‫تردد �شهاب يف الإجابة‪ .‬وهنا تدخل اجلواري حماوال «ت�صحيح» ما‬
‫تفوه به �شهاب‪ .‬بلغ بي االنزعاج �إىل احلد الذي تناولت فيه ورقة من‬
‫مكتب حامد اجلبوري وقلت �س�أقدم ا�ستقالتي من الوزارة الآن‪ .‬كتبت‬
‫ا�ستقالة من �سطرين‪ .‬وتوجهت �إيل مكتب �سكرتري رئي�س اجلمهورية‬
‫بانتظار مقابلة البكر‪.‬‬
‫‪-122-‬‬
‫مل يطل انتظاري‪..‬‬
‫دخلت على الرئي�س وعلى وجهي مظاهر االمتعا�ض‪ .‬بادرين الرئي�س‬
‫بال�س�ؤال عن �سبب امتعا�ضي‪ .‬ف�أخربته مبا ح�صل‪ ،‬وقدمت له اال�ستقالة‪.‬‬
‫ال‪� :‬أال تعرف حماد �شهاب‪ .‬انه‬ ‫قر�أها الرئي�س‪ .‬ابت�سم‪ ،‬ثم �أردف قائ ً‬
‫رجل ب�سيط ال يفهم من �أمور ال�سيا�سة �شيئ ًا!‬
‫ولكنه يا �سيادة الرئي�س‪ ..‬ع�ضو يف جمل�س قيادة الثورة‪ ..‬ف�إذا كان هذا‬
‫منطق ع�ضو يف �أعلى �سلطة يف البلد‪ ..‬فكيف ميكن للعراق �أن يتقدم‪..‬‬
‫�أال يعك�س قول حماد �شهاب اجتاها خطرياً مل�سرية احلكم‪.‬‬
‫�ضحك البكر وقال‪ :‬دكتور‪ ،‬حماد �شهاب ال ميثل �أي اجتاه‪ ..‬حماد‬
‫حمار‪ ..‬ثم مزق اال�ستقالة‪.‬‬
‫هذه احل��وادث الثالث غي�ض من في�ض احل��وادث الكثرية التي‬
‫�شهدتها‪ .‬وهي ال متثل يف نظري اجتاها طائفي ًا �صارخ ًا فح�سب‪ ،‬بل متثل‬
‫اجلهل وال�ضحالة لدى بع�ض امل�ستويات القيادية التي �شاء القدر �أن ميهد‬
‫لها ال�سبيل حلكم العراق‪.‬‬
‫بعد �شهر تقريب ًا من ت�شكيل الوزارة‪ ،‬عاد �أمني عبد الكرمي �إىل بغداد‬
‫فا�ستقبلته يف املطار‪ .‬ومن هناك توجهنا �سوية �إيل الق�رص اجلمهوري‬
‫لي�ؤدي اليمني الد�ستورية‪ .‬ولي�ستلم مهام من�صبه‪ ،‬و�أ�سرتيح �أنا من القيل‬
‫والقال‪.‬‬

‫‪-123-‬‬
‫الف�صل ال�سابع‬
‫زيارة كربالء والنجف‬

‫ج��رت العادة يف العراق على قيام ال���وزراء ب��زي��ارات متكررة‬


‫للمحافظات املختلفة‪ ،‬ت�سبقهم كامريات الت�صوير ومرا�سل وكالة الأنباء‬
‫لين�رش اخلرب على اجلمهور امل�سكني‪ ،‬داللة على اهتمام امل�س�ؤولني ب�ش�ؤون‬
‫ال�شعب ومطالبه العادلة‪ .‬هذه عادة تالزم حكام العراق‪ .‬ورمبا حكام‬
‫بع�ض الدول العربية والنامية‪ .‬وقد ا�ست�رشت هذه العادة ب�شكل غري‬
‫معقول منذ عام ‪� ،1968‬إذ �أنها مل ت�شمل زيارات الوزراء فح�سب‪ ،‬بل‬
‫امتدت كذلك �إىل �أع�ضاء القيادة القطرية وجمل�س قيادة الثورة والكوادر‬
‫احلزبية‪ ،‬املتقدمة منها واملت�أخرة‪.‬‬
‫وقد جرت العادة �أي�ضا‪ ،‬انه بعد �أي تغيري حكومي‪� ،‬أو انقالب‬
‫ع�سكري‪� ،‬أو ثورة جماهريية‪� ،‬أن يت�سارع احلكام ب�إر�سال مندوبني‬
‫عنهم لزيارة العتبات املقد�سة يف كربالء والنجف‪ ،‬و�أحيانا الكاظمية‪،‬‬
‫مروراً مبرقد الإمام �أبي حنيفة‪ .‬كذلك جرت العادة‪� ،‬إن يحاول حكام‬
‫العراق �إي�صال �شجرة عائالتهم‪ ،‬ب�شكل �أو ب�آخر‪ ،‬ب�ساللة النبي حممد من‬
‫خالل �أئمة ال�شيعة‪ .‬وك�أنهم ي�شعرون بعقدة ذنب كبرية ال ميكن الق�ضاء‬
‫عليها و�إراحة �ضمائرهم منها �إال �إذا رجع ن�سبهم �إىل الإمام علي واحل�سن‬
‫واحل�سني والعبا�س‪ .‬و�أحيانا �إىل الإمام مو�سى بن جعفر‪ .‬ومن الغريب‪،‬‬
‫�أو الطريف �إن كل حاكم ‪،‬ملكا كان �أم رئي�س ًا للجمهورية‪ ،‬يجد كتاب ًا‬
‫‪-125-‬‬
‫وم�ؤرخني (من غري العراقيني غالب ًا) لكتابة الكتب والروايات حول ن�سبهم‬
‫و�شجرة عائالتهم‪ .‬لي�س هذا فح�سب‪ ،‬بل �أن كل احلكومات العراقية‪– ‬‬
‫يف �أيامها الأوىل ب�شكل خا�ص‪ – ‬حتاول ك�سب ر�ضا رجال الدين ال�شيعة‪.‬‬
‫فيبعث امللك �أو رئي�س الدولة مبندوبيه من الوزراء �إىل كربالء والنجف‪.‬‬
‫وي�ستدعي العلماء ملقابلته‪ ،‬وي�أمر برتميم العتبات املقد�سة‪ ،‬وي�ستعيد ذكرى‬
‫ا�ست�شهاد احل�سني كل عام‪ .‬ويوعز بنقل بع�ض امل�آمت واملنا�سبات الدينية التي‬
‫يتم�سك بها ال�شيعة‪ ،‬يف الإذاعة والتلفزيون ت�أكيداً على �إميان رئي�س الدولة‬
‫وابتعاده عن املمار�سات الطائفية يف �أجهزة العمل احلكومي‪.‬‬
‫ويف هذا االطار‪ ،‬قررت القيادة‪ ،‬بعد �شهر من ت�شكيل حكومة ‪30‬‬
‫يوليو (متوز) �رضورة قيامي ووزير اال�صالح الزراعي جا�سم العزاوي‪،‬‬
‫بزيارة لكربالء والنجف واحللة ولقاء املرجع الديني ال�سيد حم�سن‬
‫احلكيم‪.‬‬
‫توجهت والعزاوي �إىل مدينة كربالء‪ .‬وعند م�شارفها ا�ستقبلنا‬
‫حمافظها عبد الوهاب القره غويل و�أخربنا �أن برنامج الزيارة �سي�شمل‬
‫�أوال زيارة مرقد الإمام احل�سني ثم مرقد �أخيه العبا�س ثم االلتقاء ببع�ض‬
‫�أعيان ووجهاء املدينة يف مكتب املحافظ‪.‬‬
‫مع �إنني ع�شت يف كربالء ب�ضع �سنوات‪ ،‬مل �أكن قد زرت املراقد الدينية‬
‫فيها‪ .‬وعليه فلم تكن لدي خربة �سابقة مبرا�سم الزيارة وال بالأدعية التي‬
‫تقر أ� هناك تيمنا وتو�سال‪ .‬وقد �أخربت املحافظ بذلك منعا للإحراج الذي‬
‫قد �أقع فيه عند �أداء مرا�سم الزيارة‪ .‬واقرتح املحافظ ب�أن يقوم �أحد رجال‬
‫الدين بتالوة الأدعية‪ ،‬ونقوم نحن برتديدها من بعده‪ ،‬جملة جملة‪.‬‬
‫و�صلنا �إىل مرقد الإمام احل�سني‪ .‬العزاوي و�أنا واملحافظ ومديرا‬
‫ال�رشطة والأم��ن وح�شد كبري �آخر من كبار موظفي املحافظة‪ .‬جو‬
‫‪-126-‬‬
‫يلفه نوع من الرهبة واخل�شوع‪ .‬وال يخلو �أي�ض ًا من �ضو�ضاء الزائرين‬
‫الآخرين‪ .‬كل واحد منهم يتمتم بالدعاء والتو�سل �إىل اهلل واىل الإمام‬
‫الراقد بال�رضيح‪ ،‬لكي يتو�سط له عند اهلل ليفرج عنه همومه ويحل‬
‫م�شكلته وب�أ�رسع وقت ممكن!‬
‫بد�أ رجل الدين املرافق لنا بقراءة الأدعية‪ .‬ونحن نتلوها بعده‪ .‬ومل‬
‫ت�أخذ هذه املرا�سم �أكرث من ن�صف �ساعة‪ .‬توجهنا بعدها �إىل مرقد الإمام‬
‫العبا�س‪ .‬وا�ستقبلنا �سادن الرو�ضة العبا�سية الذي توىل بنف�سه قراءة الأدعية‪.‬‬
‫ونحن نردد ما يقول‪ .‬مرت ن�صف �ساعة والرجل م�ستمر يف قراءة �أدعيته‪.‬‬
‫مرت دقائق ع�رش �أخرى‪ ،‬واملرا�سم م�ستمرة‪ .‬وملا طال هذا الربوتوكول‪،‬‬
‫قلت لنف�سي لعل «�أدعية» العبا�س التي طال �أمد قراءتها تختلف بطبيعتها‬
‫عن «�أدعية» زيارة احل�سني‪ .‬بالرغم من �أن الأخري يكرب �أخاه العبا�س‬
‫�سن ًا‪ .‬وعند خروجنا‪� ،‬س�ألت حمافظ كربالء عن �سبب هذا «التمييز» يف‬
‫مرا�سم الزيارة‪ ،‬وملاذا كان الوقت �أطول لدى العبا�س يف حني �أن ال�رسعة‬
‫الإمالئية لرجل الدين يف مرقد احل�سني ورجل الدين يف مرقد العبا�س‬
‫كانت واحدة‪� .‬أجابني املحافظ مبت�سم ًا‪� :‬إن الزيارة عند احل�سني كانت‬
‫خا�صة بامل�سلمني ال�سنة لأننا كنا نظن بان الوزير جا�سم العزاوي �سني ًا‪.‬‬
‫وعندما قيل لنا ب�أنه م�سلم �شيعي‪� ،‬آثرنا جعل زيارتكم للإمام العبا�س زيارة‬
‫كاملة تت�ضمن كافة الأدعية وال�صلوات بدون اخت�صار!‬
‫وبعد لقائنا ب�أع�ضاء غرفة جتارة كربالء و�أعيان املدينة وكبار موظفي‬
‫املحافظة‪ ،‬غادرنا كربالء مبعية املحافظ لزيارة مدينة النجف‪ ،‬و�صلنا‬
‫�إىل النجف ظهراً‪ .‬وتوجهنا فوراً لزيارة مرقد الإمام علي‪ ،‬كما تق�ضي‬
‫بذلك الأ�صول يف مثل هذه الزيارات الر�سمية‪ .‬كانت مرا�سم الزيارة‬
‫وادعيتها كاملة‪ .‬ا�ستغرقت وقتا �أطول من الوقت الذي ق�ضيناه عند‬
‫الإمامني احل�سني والعبا�س!‬
‫‪-127-‬‬
‫بعد ذلك قمنا نحن الثالثة‪ :‬العزاوي‪ ،‬حمافظ كربالء و�أنا‪ ،‬بزيارة‬
‫ال�سيد حم�سن احلكيم‪ ،‬املرجع الديني ال�شيعي الأعلى يف ذلك الوقت‬
‫للوقوف على طلباته ومقرتحاته‪ .‬كان م�سكنه ب�سيطا جدا‪ ،‬متوا�ضعا‬
‫يعك�س معامل الزهد والتق�شف �إىل حد كبري‪ .‬جل�سنا على الأر�ض التي‬
‫افرت�شها باحل�رصان‪ .‬نتحدث لهذه ال�شخ�صية الهادئة املتوا�ضعة‪ .‬نقلت‬
‫�إليه حتيات رئي�س اجلمهورية و�شكره للموقف الذي وقفه يف الدفاع‬
‫عن البعثيني عام ‪ 1964‬عندما طلب عبد ال�سالم حممد عارف من‬
‫احلكيم �إ�صدار فتوى يعلن فيها كفر البعثيني و�إحلادهم‪ .‬ا�ستف�رست من‬
‫ال�سيد احلكيم عما �إذا كانت لديه �أية طلبات يطلب مني عر�ضها على‬
‫رئي�س اجلمهورية‪ ،‬فرد ب�أن لي�س له �أي طلب �سوى �إ�سداء الن�صح لنا‬
‫ب�رضورة التم�سك بتعاليم الدين احلنيف والعفو عن ال�سجناء ال�سيا�سيني‪.‬‬
‫وان رجاءه الوحيد هو الإفراج عن رئي�س الوزراء ال�سابق طاهر يحيى‬
‫التكريتي‪ ،‬والعفو عما �سلف‪.‬‬
‫بعد هذا اللقاء‪ ،‬توجهنا �إىل مبنى قائمقامية النجف حيث كان يف‬
‫انتظارنا جمع غفري من جتار املدينة وكبار موظفي القائمقامية‪� .‬ألقيت‬
‫على احلا�رضين كلمة ق�صرية �شاكرا لهم ح�سن ال�ضيافة واال�ستقبال‪،‬‬
‫م�ؤكداً حر�ص احلكومة اجلديدة بالإ�رساع يف بناء الطرق وامل�شاريع‪� .‬إىل‬
‫غري ذلك من الكالم «الإن�شائي» املعهود‪ .‬ثم حتدث جا�سم العزاوي‬
‫عن امل�شاريع الزراعية والإ�صالح الزراعي وعن اخلري القادم والربكة‬
‫املت�سارعة‪ .‬واعتقد بان كالمي وكالم العزاوي مل يجد �أي �أذن �صاغية‬
‫لدى احلا�رضين‪� .‬إذ عندما فتحنا باب املناق�شة‪ ،‬انربى �شاب من بني‬
‫احلا�رضين ليقول‪ :‬يا معايل الوزيرين‪ ..‬كالمكما جميل وجيد‪ ..‬ووعود‬
‫احلكومة جيدة وممتازة‪ ..‬ولكن دعوين �أقول لكما كلمة �رصيحة‪..‬‬
‫�إن �أهايل النجف قد �سمعوا مثل هذا الكالم من خمتلف احلكومات‬
‫ال�سابقة‪ ..‬لقد �سمعنا وعودا مع�سولة عن م�شاريع عري�ضة وطويلة‪..‬‬
‫‪-128-‬‬
‫ولكن منذ عام ‪ 1963‬وحتى اليوم مل تف احلكومة بوعودها‪ ..‬فجامعة‬
‫الكوفة مل تزل قيد الدرا�سة‪ ..‬ومعمل جتميع ال�سيارات مل يغادر ردهات‬
‫وزارة ال�صناعة‪ ..‬وم�رشوع الطريق الربي بني النجف وال�سعودية الزال‬
‫يف مراحل التخطيط الأولية يف وزارة الأ�شغال منذ عام ‪.1956‬‬
‫لقد �أحرجني هذا ال�شاب‪� .‬إذ مل �أكن قد �سمعت �شخ�صيا بجامعة‬
‫الكوفة �أو معمل ال�سيارات �أو الطريق الربي‪ .‬ومل اكن قد �أعددت‬
‫و�أجبي «اليومي» يف وزارة التخطيط ا�ستعداداً لهذه الزيارة لذلك جاء‬
‫جوابي ب�أنني �س�أنظر فورا بعد عودتي بطلبات �أهل النجف و�س�أنقل‬
‫حتياتهم ورغباتهم للقيادة‪.‬‬
‫غادرنا النجف عائدين �إىل بغداد‪ .‬ويف الطريق قلت لزميلي جا�سم‬
‫العزاوي ب�أنني �سوف ال �أزور �أية حمافظة �أو مدينة بعد اليوم �إال بعد حت�ضري‬
‫كامل ودرا�سة �شاملة عن كل حمافظة وم�شاريعها‪.‬‬

‫التقرير الذي �أزعج البكر‬


‫بعد �أ�سبوع من عودتي من زيارة كربالء والنجف ات�صل بي �أحمد‬
‫ح�سن البكر‪ ،‬وطلب مني القيام بزيارة ملدينة احللة لدرا�سة �أو�ضاعها‬
‫وتقدمي تقرير مف�صل له عن احتياجات املدينة‪ ،‬وبال�رسعة املمكنة‪.‬‬
‫قبل �أن �أبد أ� الزيارة‪ ،‬عقدت اجتماعا مع ر�ؤ�ساء الدوائر الفنية يف‬
‫وزارة التخطيط لو�ضع برنامج لزيارة جميع املحافظات العراقية مبتدئني‬
‫باحللة‪ ،‬وطلبت منهم �إعداد خال�صة عن الو�ضع العام لكل حمافظة مع‬
‫قائمة تف�صيلية بامل�شاريع االقت�صادية املزمع البدء بها يف كل واحدة منها‪.‬‬
‫وبعد �أيام قليلة‪ ،‬اجتهت لزيارة مدينة احللة‪ ،‬يرافقني بع�ض املدراء العامني‬
‫من وزارة التخطيط ويف جعبتنا التقارير الالزمة عن م�شاريع تلك املدينة‪.‬‬
‫‪-129-‬‬
‫ق�ضينا يوما كامال تفقدنا خالله املدينة وحتدثنا مع حمافظها وكبار‬
‫موظفيها و�أع�ضاء غرفة جتارتها‪ .‬وجمعنا �آراءهم وطلباتهم‪ .‬ويف اليوم‬
‫التايل توجهنا �إىل مدينة الرمادي وق�ضينا فيها يوما كامال التقينا خالله‬
‫باملحافظ والتجار وتفقدنا امل�شاريع وعدنا �إىل بغداد‪.‬‬
‫وبد�أت يف �إعداد تقريري لرئي�س اجلمهورية‪ ،‬وحتى ال ي�ضيع جهدنا‪،‬‬
‫فقد قررت �إعداد ثالثة تقارير‪ :‬الأول عن كربالء والنجف‪ ،‬الثاين عن‬
‫احللة‪ ،‬والثالث عن الفلوجة والرمادي‪� .‬أر�سلت التقارير الثالثة �إىل‬
‫�أحمد ح�سن البكر‪ .‬ومر �أ�سبوع‪ ..‬ثم ثالثة �أ�سابيع‪ ..‬ف�أ�سبوع رابع دون‬
‫�أن �أ�سمع �أي رد فعل من البكر‪ .‬ودون �أن يت�صل بي البكر كعادته كل‬
‫يوم لال�ستف�سار عن هذا امل�رشوع �أو تلك الق�ضية‪ .‬ات�صلت برئي�س ديوان‬
‫رئا�سة اجلمهورية يحيى يا�سني‪� ،‬أطلب منه حتديد موعد ملقابلة الرئي�س‪.‬‬
‫ومر �أ�سبوع �آخر دون �أن يحدد موعداً‪ .‬وبعد خم�سة �أ�سابيع تقريب ًا‪ ،‬عقد‬
‫جمل�س التخطيط اجتماع ًا‪ .‬وكان �صالح مهدي عما�ش هو الذي يرت�أ�س‬
‫اجتماعات جمل�س التخطيط نيابة عن البكر‪� .‬أخربت عما�ش مبو�ضوع‬
‫التقارير الثالثة وعما اذا كان يرغب عر�ضها على جمل�س التخطيط‪.‬‬
‫التفت �إيل عما�ش مقرتحا ت�أجيل مو�ضوع التقارير حلني بحثها مع البكر‪.‬‬
‫ولكن التقارير مع الرئي�س منذ �أ�سابيع‪ ..‬وهو الذي �أوعز ب�إعدادها‪..‬‬
‫فلماذا الت�أخري؟‬
‫ال �أن الرئي�س ممتع�ض بع�ض ال�شيء من‬‫وهنا هم�س عما�ش يف �أذين قائ ً‬
‫فحوى تقريريك عن كربالء واحللة الحتوائهما على «روح طائفية»‪.‬‬
‫ده�شت لهذا الكالم البائ�س‪ .‬وماذا عن تقريري عن مدينة الرمادي؟‬
‫انه م�شابه متام ًا لتقريري احللة وكربالء‪� .‬إن التقارير الثالثة مل تت�ضمن‬
‫�سوى «مقرتحات» حمددة‪ .‬ومل يكتنفها �أي «روح» �سوى طلبات‬
‫املحافظني املعينني من قبل جمل�س قيادة الثورة من بني �صفوف الكادر‬
‫‪-130-‬‬
‫احلزبي املتقدم‪ ،‬با�ستثناء حمافظ كربالء عبد الوهاب القره غويل الذي‬
‫عني لزمالته للبكر‪.‬‬
‫حاول عما�ش تربير موقف البكر والقول بان «ال�شايب»)*( يحبك‬
‫ويحرتمك كثريا وال يريدك �أن تقع يف متاهات طلبات املحافظات والتي‬
‫قد تف�رس بان احلكومة قد �أهملت املناطق ال�شيعية‪.‬‬
‫عجيب! من هي احلكومة‪� ..‬أل�ست �أن��ا و�أن��ت يا �أب��ا هدى من‬
‫�أع�ضائها؟ �أم �أنكم تعتربون احلكومة مقت�رصة على جمل�س قيادة الثورة‬
‫وبع�ض الوزراء فقط؟‪� ..‬إ�ضافة �إىل ذلك فنحن حكومة جديدة مل مي�ض‬
‫على ت�سلمها ال�سلطة �سوى �أ�سابيع معدودة ف�إذا كان هنالك �إهمال‬
‫لبع�ض املحافظات كما �أ�رشت �إليه يف تقاريري‪ ..‬فان اللوم يقع على‬
‫احلكومات التي �سبقتنا‪.‬‬
‫�أل�ست �أنت يا �أبا هدى‪ ،‬الذي �أ�رشت يف اجلل�سة ال�سابقة ملجل�س‬
‫التخطيط �إىل �سوء التوزيع اجلغرايف مل�شاريع اخلطة االقت�صادية‪ ..‬وكيف‬
‫تف�رس يل مث ً‬
‫ال بناء معمل لتكرير ال�سكر اخلام يف مدينة املو�صل يف �أق�صى‬
‫�شمال العراق‪ ،‬يف الوقت الذي ي�ستورد ال�سكر اخلام عن طريق ميناء‬
‫الب�رصة‪� ..‬أمل يكن منطقيا �إقامة ذلك املعمل يف الب�رصة �أو العمارة لنوفر‬
‫على �أنف�سنا نفقات النقل من اجلنوب �إىل ال�شمال وبالعك�س؟‬

‫(*) – كانت كلمة «ال�شايب» تطلق على البكر باعتباره �أكرب �أع�ضاء القيادة �سن ًا‪ ،‬بينما‬
‫كان نائبه عما�ش يكنى با�سم ابنته الكربى‪.‬‬

‫‪-131-‬‬
‫الف�صل الثامن‬
‫بني باري�س ولندن ومقاطعة الب�ضائع الأمريكية‬

‫باري�س‬
‫يف �شهر نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1968‬ات�صل بي وزير اخلارجية عبد‬
‫الكرمي ال�شيخلي (وكان ع�ضوا يف جمل�س قيادة الثورة والقيادتني القومية‬
‫والقطرية) ليخربين ب�أن دعوة �ستوجه يل لزيارة فرن�سا‪ ،‬م�ؤكدا �رضورة‬
‫قبول الدعوة وال�سفر �إىل باري�س لت�سليم ر�سالة �إىل اجلرنال ديغول رئي�س‬
‫اجلمهورية الفرن�سية �آنذاك‪.‬‬
‫كانت العالقات العراقية‪ – ‬الفرن�سية جيدة وقد �سبق لرئي�س‬
‫اجلمهورية ال�سابق عبد الرحمن عارف �أن زار فرن�سا على ر�أ�س وفد‬
‫كبري ووقع عدداً من االتفاقيات الثنائية بني البلدين‪ .‬ولكي ت�ستمر تلك‬
‫العالقات وتتوطد‪ ،‬فقد ارت�أى جمل�س قيادة الثورة �رضورة �إر�سال وفد‬
‫على م�ستوى عال لفرن�سا‪ .‬وقد �أثبتت الأيام بان االجتاه الذي اقره‬
‫جمل�س قيادة الثورة يف توطيد العالقات مع فرن�سا‪ ،‬قد �أثمر ب�شكل جيد‬
‫�سواء بعد ت�أميم النفط العراقي عام ‪� 1972‬أو �أثناء احلرب العراقية‪– ‬‬
‫الإيرانية‪.‬‬
‫بعد �أيام من مكاملة عبد الكرمي ال�شيخلي‪ ،‬زارين ال�سفري الفرن�سي‬
‫‪-133-‬‬
‫ببغداد ووجه الدعوة يل لزيارة فرن�سا ب�أقرب فر�صة‪ .‬مت ت�شكيل وفد‬
‫ر�سمي برئا�ستي وع�ضوية كل من‪:‬‬
‫– خالد مكي الها�شمي‪ – ‬وزير ال�صناعة‬
‫– العقيد �شفيق الدراجي‪� – ‬أمني ال�رس العام ملجل�س قيادة الثورة‬
‫– املهند�س �صباح كجه جي‪ – ‬املدير العام للدائرة ال�صناعية بوزارة‬
‫التخطيط‬
‫– املهند�س عبد الوهاب باباجان‪ – ‬املدير العام لدائرة الت�صميم‬
‫والإن�شاء ال�صناعي بوزارة ال�صناعة‪.‬‬
‫يف الأ�سبوع الثاين من �شهر دي�سمرب (كانون الأول) ‪،1968‬‬
‫ال ر�سالة خطية من �أحمد ح�سن‬ ‫غادرت والوفد املرافق يل بغداد حام ً‬
‫البكر للجرنال ديغول‪ .‬ويف م�ساء اليوم التايل لو�صويل‪ ،‬ا�صطحبني‬
‫القائم بالأعمال العراقي يف �سفارتنا بباري�س ملقابلة وزير اخلارجية‬
‫الفرن�سي‪ ..‬وت�سليم الر�سالة �إليه نظراً لتوعك �صحة ديغول و�إ�صابته‬
‫بالأنفلونزا‪ .‬دامت املقابلة زهاء ال�ساعة‪� ،‬رشحت خاللها للوزير موقف‬
‫احلكومة العراقية اجلديد من فرن�سا ورغبتها الأكيدة يف ا�ستمرار التعاون‬
‫وتوطيد العالقات وزيادة التبادل التجاري والثقايف بني البلدين‪ .‬وقد‬
‫�أكدت للوزير الفرن�سي �إن العراق يرغب يف ت�سوية جميع امل�شكالت‬
‫املالية املعلقة بني احلكومة العراقية وال�رشكات الفرن�سية التي قامت‬
‫بتنفيذ بع�ض امل�شاريع يف العراق‪ ،‬وهي م�شاكل مالية كان العراق مياطل‬
‫يف ت�سويتها وميتنع عن دفع م�ستحقات املقاولني لأ�سباب «فنية» دون �أن‬
‫ي�ضع يف اعتباره الآثار ال�سيا�سية التي قد تنجم عن مثل هذه احلاالت‪.‬‬
‫وكما �سيت�ضح فيما بعد‪ .‬ف�أن هذه امل�شاكل قد �سويت عام ‪ 1972‬بعد‬
‫الزيارة التي قام بها �صدام ح�سني لفرن�سا‪ ،‬وخولت التفاو�ض ب�ش�أنها مع‬
‫جي�سكار دي�ستان الذي كان وزيرا للمالية �آنذاك‪.‬‬
‫‪-134-‬‬
‫وعندما انتهت املقابلة مع الوزير الفرن�سي‪ ،‬هم بالوقوف مل�صافحتي‪.‬‬
‫ويبدو انه قد �ضغط على م�سند الكر�سي الذي كان يجل�س عليه ب�شكل‬
‫عنيف �أدى �إىل ك�رسه و�سقط الوزير على االر�ض‪ .‬وقبل و�صوله �إىل‬
‫الأر�ض ارتطمت جبهته بحافة مكتبه ارتطام ًا �شج ر�أ�سه‪ .‬و�سال الدم‬
‫على الر�سالة التي حملتها �إليه‪ .‬اعتدل الوزير الفرن�سي وقال معلق ًا‪:‬‬
‫�س�أخرب ديغول بحقيقة الدم الذي �سال على الر�سالة وانه دم فرن�سي‪ .‬وال‬
‫دخل للعراق به‪.‬‬
‫ذهبت �إىل الفندق الذي ا�ست�ضافتنا احلكومة الفرن�سية فيه‪ ،‬والتقيت‬
‫بع�ضوي الوفد خالد مكي الها�شمي و�شفيق الدراجي‪ .‬كانت ال�ساعة قد‬
‫قاربت التا�سعة م�ساء‪ .‬قررنا التجول بع�ض الوقت يف �شوارع باري�س‪،‬‬
‫حيث اجتهنا �إىل مقهى قريب مطل على �شارع ال�شانزليزيه‪ .‬جل�سنا‬
‫هناك نتجاذب �أطراف احلديث‪ .‬بعد �ساعتني من الوقت‪ ،‬غادرنا املقهى‬
‫عائدين �إىل الفندق‪.‬‬
‫يف �شارع خلفي قرب الفندق‪ ،‬كانت هناك �سيارة �صغرية تقف على‬
‫جانب الطريق‪ .‬يف داخلها �شاب و�شابة يتبادالن القبل احلارة‪ .‬وقف‬
‫خالد مكي الها�شمي متفرجا على هذا امل�شهد معلقا بانه لو ح�صل مثل‬
‫ذلك يف بغداد لقامت القيامة وكتبت التقارير احلزبية ولذهب ال�شاب‬
‫يف «�ستني داهية»‪ .‬وما �أن �أكمل الها�شمي كالمه حتى التفت ال�شاب‬
‫�إلينا‪ ،‬وتفوه بعبارات فرن�سية مل نفهمها‪ .‬وح�سبنا �أن ال�شاب ي�ؤنبنا على‬
‫وقوفنا للتفرج عليه وعلى الفاتنة احل�سناء بجواره‪ .‬م�شينا ب�ضع خطوات‪،‬‬
‫غري �أن ال�شاب خرج من �سيارته وبلغة الإ�شارات فهمنا منه �أن ال�سيارة‬
‫عاطلة من �شدة الربد ويريدنا �أن ندفعها �إىل الأمام‪ .‬ا�ستجبنا لطلبه وطلب‬
‫احل�سناء وقمنا نحن الثالثة بدفع ال�سيارة م�سافة لي�ست بالق�صرية وال�شاب‬
‫يحاول ت�شغيلها بيد ويحت�ضن رفيقته احل�سناء باليد الأخرى‪ .‬وهنا علق‬
‫‪-135-‬‬
‫�شفيق الدراجي قائال‪« :‬هل يعلم هذا ال�شاب اللعني بان ثالثة من كبار‬
‫رجال الدولة العراقية يدفعون �سيارته؟ ف�أجابه الها�شمي‪« :‬واهلل لو كان‬
‫يعلم بان البعثيني هم الذين يدفعون ال�سيارة لرتكها وهرب لي�سلم على‬
‫حاله وفتاته»‪ .‬على �أية حال قبل �أن يقف ال�شاب على «هوية الدافعني»‬
‫ا�شتغلت �سيارته‪ .‬وذهب م�رسعا حمت�ضنا ال�شقراء‪.‬‬

‫لندن‬
‫ق�ضينا يف باري�س ب�ضعة �أيام‪ .‬ت�سلمنا خاللها برقية من وزارة اخلارجية‬
‫يف بغداد تطلب منا التوجه �إىل لندن تلبية لدعوة عاجلة �إلينا من احلكومة‬
‫الربيطانية‪ .‬مل يكن لدي علم م�سبق بالدعوة‪ .‬ومل يكن وزير اخلارجية قد‬
‫�أخربين بها‪� ،‬أو على الأقل مل اكن �أنا اعلم بها‪ .‬ات�صلت هاتفيا ب�سفرينا‬
‫يف لندن ال�سيد كاظم اخللف م�ستف�رساً عن طبيعة هذه الدعوة والداعي‬
‫لها‪ .‬فكان اجلواب �إنها دعوة عاجلة من وزير اخلارجية الربيطاين مايكل‬
‫�ستيوارت‪.‬‬
‫و�صلنا �إىل لندن يف ‪ 15‬دي�سمرب (كانون الأول) وا�ست�ضافتنا احلكومة‬
‫الربيطانية يف فندق ال�سافوي‪ .‬ويف م�ساء يوم و�صولنا �أخربين ال�سفري‬
‫اخللف‪ ،‬بان الزيارة ت�أتي بناء على طلب من احلكومة الربيطانية ورغبتها‬
‫يف لقاء امل�س�ؤولني اجلدد يف العراق‪ .‬ت�ضمن برنامج الزيارة اجتماعا‬
‫بوزير اخلارجية الربيطاين مايكل �ستيوارت (من حزب العمال) ولقاءات‬
‫�أخرى مع ممثلي �رشكة نفط العراق (الربيطانية)‪ .‬يف ال�ساعة العا�رشة من‬
‫�صباح اليوم التايل لو�صولنا‪ ،‬ذهبت وخالد مكي الها�شمي و�شفيق‬
‫الدراجي‪ ،‬يرافقنا ال�سيد كاظم اخللف‪� ،‬إىل وزارة اخلارجية الربيطانية‪.‬‬
‫ا�ستقبلنا الوزير مبكتبة ورحب بنا‪ .‬ويبدو انه كان على �إملام ال ب�أ�س به عن‬
‫�أع�ضاء الوفد‪ ،‬ما�ضيهم‪ ،‬حا�رضهم‪ ،‬وقد يكون م�ستقبلهم‪ ،‬غري انه مل‬
‫ي�رش �إىل ذلك‪� .‬إذ اقت�رصت عباراته على املا�ضي واحلا�رض‪.‬‬
‫‪-136-‬‬
‫حتدث وزير اخلارجية الربيطاين عن العالقات العراقية الربيطانية‪،‬‬
‫وعن رغبة حكومة �صاحبة اجلاللة بتوطيدها ومعاجلة ما اعرتاها من‬
‫فتور‪ .‬و�أ�شار من طرف خفي �إىل �رضورة �سد الثغرات التي �أحدثها عبد‬
‫الكرمي قا�سم‪ .‬وحتدث ب�إ�سهاب ومبعرفة تامة عن القانون رقم (‪)80‬‬
‫الذي كان قد �صدر �أيام قا�سم‪ ،‬وهو القانون الذي متت مبوجبه �سيطرة‬
‫احلكومة العراقية على معظم الأرا�ضي التي كانت حتت �سيطرة �رشكات‬
‫النفط الأجنبية العاملة يف العراق‪.‬‬
‫وقبل �أن نختتم اجتماعنا‪ ،‬التفت الوزير الربيطاين وت�ساءل عما‬
‫�إذا كان لدينا تعليق �أو مالحظة نود �إبدائها لينقلها لرئي�س وزرائه‪.‬‬
‫�أجبته ب�أنني كرئي�س للوفد لي�ست لدي مالحظات حمددة ووعدته‬
‫ب�أنني �س�أنقل املالحظات والرغبات التي �أبداها �إىل رئي�س اجلمهورية‬
‫العراقية‪ ،‬م�ؤكداً له بان العراق بدوره يريد فتح �صفحة جديدة يف‬
‫العالقات بني البلدين‪.‬‬
‫وهنا انربى خالد مكي الها�شمي ليقول للوزير الربيطاين‪ ،‬بان‬
‫لديه احتجاجا يود �أن ي�سجله‪ ،‬يتعلق باملو�سوعة الربيطانية للمعارف‬
‫(الإن�سكلوبيديا) وما ورد فيها حول الأكراد يف العراق وعن زعيم‬
‫احلركة الكردية املال م�صطفى الربزاين ومطامح الأكراد يف �إقامة وطن‬
‫قومي لهم امتدادا جلمهورية مهاباد‪ ،‬ولأنهم‪� – ‬أي الأكراد‪ – ‬ي�شكلون‬
‫ن�سبة ال ي�ستهان بها من �سكان العراق‪ .‬وا�ستمر الها�شمي يف القول بان‬
‫ما ورد يف املو�سوعة الربيطانية من القول بان الربزاين هو زعيم ثائر‪� ،‬إمنا‬
‫هو انحياز للحركة الكردية وموقف معاد للعراق!‬
‫وبكل برود‪� ،‬أجاب الوزير الربيطاين مو�ضح ًا‪�« :‬إن الإن�سكلوبيديا‬
‫الربيطانية‪� ،‬إمن��ا هي مو�سوعة معارف ومعرفة‪ ..‬ولي�س للحكومة‬
‫الربيطانية �سلطة يف حذف �أو �إ�ضافة معلومات للم�ؤلفات التي ت�صدر‪..‬‬
‫‪-137-‬‬
‫فربيطانيا بلد دميقراطي‪ ..‬ومت�سكنا باملبادئ الدميقراطية ال ي�سمح لنا �أبدا‬
‫�إمالء رغبة احلكومة على دور الن�رش وم�ؤ�س�ساته‪.».‬‬
‫مل يقتنع الها�شمي مبا قاله مايكل �ستيوارت‪� .‬إذ قاطعه قائ ً‬
‫ال‪�« :‬أال‬
‫ت�ستطيع احلكومة الربيطانية �أو وزير الإعالم الربيطاين ت�صحيح ما ورد‬
‫يف الإن�سكلوبيديا حول احلركة الكردية؟‬
‫«كال‪� ..‬أجاب الوزير‪ ..‬ال ن�ستطيع التدخل يف �ش�ؤون م�ؤ�س�سة عريقة‬
‫مثل امل�ؤ�س�سة التي تتوىل �إعداد الإن�سكلوبيديا‪ .‬وال �أية م�ؤ�س�سة �أخرى‪.‬‬
‫ثم انه لي�س يف بريطانيا وزارة للإعالم كما هو احلال يف بلدان �أخرى‬
‫مثل بلدكم‪ .‬الإعالم يف بريطانيا هو الرقيب على احلكومة وان و�سائله‬
‫من �إذاعة وتلفزيون و�صحافة هي ل�سان املجتمع‪ .‬ولي�س احلكومة»‪.‬‬
‫هذا �أمر عجيب! جاء تعليق الها�شمي باللغة العريية‪ .‬وهنا تدخل‬
‫ال�سفري كاظم اخللف بلباقته الدبلوما�سية و�أنقذنا من ورطة كاد خالد‬
‫الها�شمي �أن يوقعنا فيها‪.‬‬
‫انتهت املقابلة‪ .‬غادرنا مكتب الوزير متوجهني ل�سياراتنا والها�شمي‬
‫يت�ساءل ويلح على كاظم اخللف بت�سا�ؤله عما �إذا كان �صحيح ًا من �أن‬
‫احلكومة الربيطانية‪ – ‬بكل جربوتها وقوتها اال�ستعمارية‪ – ‬ال ت�ستطيع‬
‫تغيري ما هو مذكور يف الإن�سكلوبيديا نزوال عند رغبة الثورة واحلزب‬
‫القائد!‬
‫وللحقيقة �أقول‪� ،‬أن خالد مكي الها�شمي‪ – ‬وهو �ضابط ركن‪– ‬‬
‫�شخ�ص يت�سم بطيبة القلب التي ت�صل �أحيانا �إىل حد ال�سذاجة‪ .‬طيبة‬
‫مقرتنة بقلة ال�صرب و�آنية املزاج‪ ،‬تلك الآنية التي حتتاج من الطرف املقابل‬
‫الكثري من ال�صرب والدبلوما�سية‪.‬‬
‫‪-138-‬‬
‫يف ع�رص نف�س اليوم‪ ،‬كان ممثل �رشكة نفط العراق (الربيطانية)‪،‬‬
‫قد طلب االجتماع بي منفردا لبحث العالقات بني احلكومة العراقية‬
‫و�رشكات النفط العاملة يف العراق‪ .‬مل يكن لدي �أي علم م�سبق مبا‬
‫�سيدور يف االجتماع‪ ،‬ومل تكن لدي تعليمات حمددة من حكومتي‪.‬‬
‫لهذا فقد اقرتحت �أن ي�ضم االجتماع كال من خالد مكي الها�شمي‪،‬‬
‫�شفيق الدراجي وال�سفري كاظم اخللف‪ ،‬واقرتحت �أي�ضا �أن نعقد نحن‬
‫اجلانب العراقي اجتماعا فيما بيننا لنن�سق احلديث واالتفاق على كيفية‬
‫املناق�شة يف حالة طرح ممثل ال�رشكة �أمورا تخرج عن نطاق اخت�صا�صنا �أو‬
‫اخلو�ض يف نقاط حمددة مل نكن نحن مهيئني ملناق�شتها‪ .‬واقرتحت �أي�ضا‬
‫�أن �أقوم �أنا ب�إدارة االجتماع والتحدث با�سم الوفد العراقي‪ ،‬ورجوت‬
‫الها�شمي �أن يكون حديثه باللغة العربية‪ ،‬ثم يقوم ال�سفري برتجمته �إىل‬
‫الإنكليزية نظراً لعدم متكن الها�شمي من اللغة االنكليزية بعك�س �شفيق‬
‫الدراجي‪.‬‬
‫كان هديف من هذا االقرتاح‪� ،‬إعطاء فر�صة لل�سفري العراقي لتدارك‬
‫ما قد يوقعنا به الها�شمي من �إحراج لو �أراد طرح �أمور جانبية كما‬
‫فعل مع وزير اخلارجية الربيطاين‪� .‬أيدنى �شفيق الدراجي‪ .‬ومل يوافق‬
‫الها�شمي يف بادئ الأمر مقرتحا �إر�سال برقية �إىل بغداد لبيان الر�أي‬
‫و�إ�صدار التعليمات املحددة‪ .‬وطبيعي �إن اقرتاح �إر�سال برقية �إىل‬
‫بغداد‪ ،‬مل يكن بال�شيء العملي لعدة �أ�سباب‪� ،‬أهمها فرق الوقت بني‬
‫لندن وبغداد‪ .‬ثم من الذي ي�ضمن و�صول التعليمات والتوجيهات‬
‫يف نف�س اليوم‪ ،‬فهذا �أمر يتطلب اجتماع القيادة وفنيي وزارة النفط‬
‫�إىل غري ذلك من عنا�رص التهيئة والإعداد‪ .‬وبعد جهد ونقا�ش‪ .‬اقرتح‬
‫الها�شمي �أن نتحدث جميعا باللغة العربية ويقوم ال�سفري برتجمة‬
‫كالمنا‪.‬‬
‫‪-139-‬‬
‫�أقنعنا الها�شمي ب�أن اللقاء مع ممثل �رشكات النفط لي�س اجتماعا‬
‫ر�سميا بني ر�ؤ�ساء دول بحيث يقت�ضي الربتوكول �أن يتحدث كل بلغته‪.‬‬
‫م�س�ألة ب�سيطة‪ ،‬لقاء جماملة �أو ا�ستطالع‪ .‬فال نحن �سنفاو�ض �رشكة النفط‪،‬‬
‫وال ال�رشكة �ستدخل مبفاو�ضات معنا‪ .‬وكل اعتقادي �إن ممثل ال�رشكة‬
‫يريد �أن يطلع ب�صورة عامة على موقفنا م�ستقبال من العالقة بني ال�رشكة‬
‫وبني احلكومة العراقية‪ .‬لذلك دعونا نتجنب التعقيد وت�ضخيم الأمور‪.‬‬
‫وهكذا كان‪.‬‬
‫التقينا ممثل ال�رشكة وحتدثنا ب�شكل عام‪ .‬و�أ�شبعناه كالما عقائديا حول‬
‫اال�ستعمار وتطلعات ال�شعوب النامية نحو التحرر واال�ستقالل من نري‬
‫ال�رشكات االحتكارية! اىل احلد الذي اعتقدنا فيه �إن ممثل ال�رشكة �سيغادر‬
‫االجتماع وهو متعاطف مع عقيدتنا يف الن�ضال من �أجل التقدم والرخاء!‬

‫كيف قاطعنا الب�ضائع الأمريكية‬


‫بعد عودتنا من باري�س ولندن‪ ،‬قدمت تقريرا لرئي�س اجلمهورية‬
‫حول الزيارة ونتائجها مبين ًا بع�ض املقرتحات العملية لزيادة التعاون‬
‫بني العراق وفرن�سا وبريطانيا‪ .‬مع الت�أكيد على �رضورة توطيد العالقات‬
‫العراقية‪ – ‬الفرن�سية وفتح �أبواب التجارة مع باري�س‪.‬‬
‫بعد �أ�سبوع تقريبا من �إر�سال التقرير �إىل �أحمد ح�سن البكر‪،‬‬
‫ا�ستدعاين ملقابلته يف الق�رص اجلمهوري على �أن يكون اللقاء بعد التا�سعة‬
‫م�ساء‪ .‬ذهبت �إىل الق�رص‪ .‬وجل�سنا نحن االثنني‪ ،‬البكر و�أنا‪� .‬أبدى البكر‬
‫اهتماما مبقرتحاتي حول العالقات العراقية‪ – ‬الفرن�سية والتي كان‬
‫من �ضمنها �رضورة الإ�رساع يف حل امل�شاكل املالية املعلقة مع بع�ض‬
‫ال�رشكات الفرن�سية‪� .‬سكت البكر برهة‪ .‬ثم عاد يت�صفح التقرير الذي‬
‫رفعته �إليه‪ .‬خلع نظارته‪ .‬والتفت �إيل قائال‪:‬‬
‫‪-140-‬‬
‫دكتور �أنا و�صدام ح�سني نريد منك �أن تدر�س مو�ضوعا �آخر هو‪:‬‬
‫كيف نلغي املقاطعة التجارية مع �أمريكا بدون �أن يحدث هذا الإلغاء �أي‬
‫رد فعل �سلبي يف �صفوف احلزب‪ ..‬ف�أنت تعرف �إن �أكرث البعثيني هم من‬
‫ال�شباب املتحم�س‪ ..‬ال يفهم من �أمور ال�سيا�سة الدولية �شيئا‪� ..‬أريد �أن‬
‫الغي املقاطعة ب�شكل هادئ‪ ..‬هل لديك مقرتحات؟‬
‫كان الطلب مفاجئ ًا‪ .‬مل �أ�ستطع تقدمي مقرتحات �آنية له‪ .‬ثم �إن الأمر‬
‫يعود لوزير االقت�صاد ولي�س لوزير التخطيط‪ .‬وعندما �أبديت له هذه‬
‫املالحظة‪� .‬ضحك البكر‪ .‬وقال‪ :‬التخطيط هو تخطيط البلد‪ ..‬اذهب‬
‫وخطط لهذا الأمر وقدم يل تقريراً حول املقاطعة دون �أن تخرب به‬
‫�أحدا‪ ..‬اكتبه بخط يدك‪ ..‬وال حاجة لطباعته‪ ..‬بعد يومني �أو ثالثة‪..‬‬
‫قدمت للبكر تقريراً‪ – ‬بخط اليد‪� – ‬أقرتح فيه �إ�صدار «تعليمات» من‬
‫جلنة التموين العليا (التي �أ�صبحت فيما بعد جمل�س تنظيم التجارة) نلغي‬
‫مبوجبها مقاطعة الب�ضائع الأمريكية‪ .‬ومن �أجل �أال حتدث تلك التعليمات‬
‫بلبلة عقائدية يف �صفوف احلزب ونتهم بالعمالة واخليانة واجلا�سو�سية‪،‬‬
‫فقد اقرتحت �أن يكون ن�ص التعليمات ك�آالتي‪:‬‬
‫«بناء على مقت�ضيات امل�صلحة العامة ونظراً ال�ستمرار �أمريكا يف �سيا�ستها‬
‫العدوانية �ضد مطامح الأمة العربية‪ ،‬فقد قررت جلنة التموين العليا ما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬ا�ستمرار مقاطعة الب�ضائع الأمريكية‪.‬‬
‫‪ – 2‬ي�ستثنى من �أحكام الفقرة (‪� )1‬أعاله البنود من كذا �إىل كذا من‬
‫بنود ت�صنيف التجارة الدولية‪ .‬والواقع �إن الفقرة (‪ ) 2‬من التعليمات‬
‫ا�ستثنت ما يقارب من ‪ %90‬من الب�ضائع الأمريكية من �أحكام املقاطعة‪.‬‬
‫�صدرت التعليمات بتوقيع وزير االقت�صاد‪ .‬وبقي الكادر احلزبي‬
‫معتقداً �أن مقاطعة �أمريكا وب�ضائعها م�ستمرة‪.‬‬
‫‪-141-‬‬
‫الف�صل التا�سع‬
‫جمال عبد النا�رص‪ ...‬والبعث‬

‫مل تكن عالقات حزب البعث بجمال عبد النا�رص‪ ،‬عالقات ميكن‬
‫و�صفها باحل�سنة‪ .‬البعث العراقي كان يعتقد ب�أن عبد النا�رص هو الذي‬
‫�ساهم يف �إزاحته عن احلكم عام ‪ 1963‬م�ستغال اخلالفات الداخلية التي‬
‫حدثت يف �صفوف القيادة �آنذاك‪.‬‬
‫ومل يكن عبد النا�رص‪ – ‬هو الأخر‪ – ‬ي�أمن جانب البعثيني‪ ،‬وب�شكل‬
‫خا�ص بعد عام ‪ ،1963‬وف�شل ميثاق الوحدة الذي وقعه معه �أحمد‬
‫ح�سن البكر يف ‪� 17‬إبريل (ني�سان) عام ‪.1963‬‬
‫ومنذ عام ‪ ،1963‬و�أجهزة الإع�لام امل�رصية توجه االتهامات‬
‫املختلفة لقيادة البعث العراقي‪ ،‬وبالأخ�ص ل�شخ�ص البكر‪ .‬لهذا‪،‬‬
‫فان البعث عند ا�ستالمه احلكم يف العراق عام ‪ ،1968‬كان يتجنب‬
‫اال�صطدام مع م�رص‪ .‬ويراقب ن�شاطات ال�سفارة امل�رصية يف بغداد‬
‫ب�شكل م�ستمر‪.‬‬
‫وكنت �أالحظ على البكر‪ ،‬مظاهر عدم االرتياح كلما ورد ا�سم عبد‬
‫النا�رص‪ .‬ومع ذلك فانه كان يريد الوقوف على نواياه‪ .‬ولهذا فقد اقرتح‬
‫علي‪ ،‬يف �إحدى لقاءاتنا امل�سائية‪ ،‬افتعال �سفرة ر�سمية مل�رص ومقابلة عبد‬
‫النا�رص لتقييم موقفه من العراق ومنه �شخ�صيا‪.‬‬
‫‪-143-‬‬
‫ويف يوليو (متوز) ‪ ،1969‬اقرتح البكر قيامي بزيارة ر�سمية للقاهرة‬
‫بحجة ا�ستقدام بع�ض اخلرباء والفنيني امل�رصيني للعمل يف وزارة التخطيط‬
‫ويف اجلهاز املركزي للإح�صاء‪ .‬وحتت �ستار هذه احلجة‪� ،‬أحاول مقابلة عبد‬
‫النا�رص للوقوف على ر�أيه من احلكم اجلديد يف بغداد‪ .‬مت ترتيب الزيارة‬
‫بدعوة وجهت يل من وزير التخطيط امل�رصي �آنذاك الدكتور �سيد جاب اهلل‪.‬‬
‫�سافرت يوم الأربعاء ‪� 20‬أغ�سط�س (�آب) ‪ 1969‬ويف ذهني ثالثة‬
‫موا�ضيع �أبحثها مع امل�س�ؤولني امل�رصيني‪� .‬أولها التعاقد مع خرباء يف‬
‫املجاالت االقت�صادية والإح�صائية‪ ،‬وثانيها‪ ،‬االتفاق مع معهد التخطيط‬
‫القومي لتدريب بع�ض موظفي وزارتنا‪ ،‬وثالثها‪ ،‬مقابلة عبد النا�رص‪.‬‬
‫�إن �شهر �أغ�سط�س‪ ،‬هو �شهر الإج��ازات يف م�رص‪ ،‬حيث تنتقل‬
‫احلكومة تقريبا من القاهرة �إىل الإ�سكندرية‪ .‬وكان عبد النا�رص وقتها‬
‫يف الإ�سكندرية‪ ،‬يف منزله الر�سمي يف منطقة املعمورة‪ .‬يف اليوم التايل‬
‫لو�صويل �إىل القاهرة التقيت برئي�س اجلهاز املركزي للإح�صاء اللواء‬
‫جمال ع�سكر‪ ،‬وبحثت معه متطلباتنا لبع�ض اخلرباء املتخ�ص�صني يف‬
‫االح�صاء‪ ،‬وذكرت له ا�سم ًا معينا بالذات‪ ،‬هو الدكتور علي املنويف‬
‫الذي كان زميال يل يف جامعة لندن‪.‬‬
‫ا�ستغرب اللواء ع�سكر‪ .‬و�أخ�برين �أن الدكتور املنويف هو قيد‬
‫االحتجاز نظراً مليوله الإ�سالمية (الإخوان امل�سلمني) وانه �إذا كنت �أريد‬
‫هذا ال�شخ�ص بالذات فالأف�ضل مفاحتة عبد النا�رص عند مقابلته‪.‬‬
‫بعد ذلك التقيت بامل�س�ؤول عن معهد التخطيط القومي امل�رصي‪،‬‬
‫ومت االتفاق على قيام املعهد بقبول جمموعة من موظفي وزارة التخطيط‬
‫العراقية لتدريبهم‪ .‬مل يبق من املوا�ضيع الثالثة التي ذكرتها �سوى‬
‫املو�ضوع الثالث‪ .‬مقابلة جمال عبد النا�رص‪.‬‬
‫‪-144-‬‬
‫التبا�س خمابراتي‬
‫يف �صباح اجلمعة‪ ،‬غادرت القاهرة �إىل الإ�سكندرية ملقابلة عبد‬
‫النا�رص‪ .‬ق�ضيت الليلة يف فندق فل�سطني يف منطقة املنتزه‪ .‬ويف ال�صباح‬
‫جاء وزير التخطيط امل�رصي ال�سيد جاب اهلل لريافقني �إىل م�سكن عبد‬
‫النا�رص‪ .‬و�صلنا �إىل امل�سكن قبيل الظهر‪ .‬وبعد �إجراءات ومرا�سم �أمنية‬
‫م�شددة يف البوابة اخلارجية‪ .‬انتظرنا يف �صالة اال�ستقبال‪ .‬ال�صالة تطل‬
‫على البحر‪ .‬ولكن الدار كانت ب�سيطة‪ .‬مظاهر الب�ساطة يف كل �شيء‪.‬‬
‫بعد دقائق قليلة‪ ،‬دخل علينا عبد النا�رص مبالب�س �سبورت‪ .‬وب�أدب‬
‫جم اعتذر عن ت�أخره لتلك الدقائق‪ ،‬لأنه كان يلعب كرة املن�ضدة مع‬
‫�أحد �أوالده‪.‬‬
‫جل�سنا نتحدث‪ .‬وبد�أ عبد النا�رص ي�س�ألني عن �أمور تعود ل�سنة ‪1963‬‬
‫عندما كان حزب البعث يحكم العراق‪ .‬مل يكن يل علم باملو�ضوعات‬
‫التي ا�ستف�رس عنها‪ .‬ولكي �أتدارك الأمر‪� ،‬سارعت ب�إخباره ب�أنني يف ذلك‬
‫العام مل �أكن يف العراق‪� .‬إذ كنت طالبا يف جامعة لندن‪ .‬وهنا �س�ألني عبد‬
‫النا�رص‪:‬‬
‫– �أمل تكن وزيراً للداخلية عام ‪1963‬؟‬
‫– كال يا �سيادة الرئي�س‪ ..‬وزير الداخلية �أنذاك كان حازم جواد‪..‬‬
‫و�أنا ا�سمي جواد ها�شم ولأنني �أ�صغر �سن ًا من حازم‪ ،‬فهو حتم ًا لي�س‬
‫ابني‪ .‬ال عالقة يل به من قريب �أو بعيد‪ ..‬وهنا التفت عبد النا�رص �إىل وزير‬
‫ال‪ :‬ان الأجهزة املخت�صة (ويق�صد املخابرات) قد �أعطته‬ ‫تخطيطه قائ ً‬
‫معلومات خاطئة‪ ..‬وفهمت من كالمه ب�أن خمابراته قدمت له تقريراً عن‬
‫حازم جواد باعتباره ال�شخ�ص الذي �سيقابله‪ ..‬وان املخابرات امل�رصية‬
‫قد التب�س عليها الأمر فخلطت بني حازم جواد‪ ..‬وجواد ها�شم‪.‬‬
‫‪-145-‬‬
‫�ضحكنا لهذا االلتبا�س الذي �أوقعته فيه اجهزة خمابراته‪ .‬وقال عبد‬
‫النا�رص معلقا‪� :‬إن املخابرات يف تقريرها مل ت�صدق يف الو�صف �إال من‬
‫حيث «النظارة»‪�( .‬أي �أن كالنا‪ ،‬حازم جواد و�أنا نلب�س نظارات)‪،‬‬
‫ولكن احلمد هلل «جت �سليمة»‪.‬‬
‫بد�أت �أ�رشح لعبد النا�رص طبيعة مهمتي يف م�رص وعن رغبة احلكومة‬
‫العراقية يف اال�ستفادة من اخلربات امل�رصية و�أملي يف موافقته ال�شخ�صية‬
‫ب�إطالق �رساح الدكتور املنويف‪.‬‬
‫�أبدى عبد النا�رص اهتماما بالغا بجميع الطلبات‪ .‬ورفع �سماعة‬
‫الهاتف و�أجرى ات�صاالت مع «اجلهات املخت�صة»‪� ،‬آمراً ب�إطالق �رساح‬
‫املنويف و�إعارة خدماته للحكومة العراقية‪.‬‬
‫لقد ذكرتني هذه االلتفاتة «الفورية» من عبد النا�رص‪ ،‬و�أوام��ره‬
‫الهاتفية مبا مياثلها يف العراق‪ .‬القرار النهائي مهما �صغر هو بيد �شخ�ص‬
‫واحد‪ :‬رئي�س الدولة‪ .‬حتى وان كان هذا القرار �إطالق �رساح �شخ�ص‬
‫معتقل‪.‬‬
‫اجلهة التي تقوم باالعتقال‪ ،‬متلك �سلطة احلجز والتعذيب‪� .‬أما �إطالق‬
‫ال�رساح فال متلكه �سلطة االعتقال‪� .‬إطالق ال�رساح‪ ،‬هي «منة» وف�ضل‬
‫كبري وعمل ح�سن ال بد �أن ي�أتي من الرئي�س!‬
‫املهم‪� ،‬أثناء حديثنا املت�صل‪ ،‬كانت متر بني احلني والآخر طائرات‬
‫حربية يف �سماء اال�سكندرية‪ ،‬بع�ضها على ارتفاع منخف�ض جداً وب�أزيز‬
‫مدو فن�ضطر لقطع احلديث حتى متر الطائرة‪ .‬وكان عبد النا�رص يعتذر‬
‫عن هذه الأ�صوات املدوية ويقول �إن القطعات اجلوية تقوم ببع�ض‬
‫التدريبات الع�سكرية التي تتطلبها حرب اال�ستنزاف �ضد ا�رسائيل‪.‬‬
‫ا�ستمر احلديث‪ ،‬ودخلنا يف مو�ضوع النظام اجلديد يف العراق‪،‬‬
‫‪-146-‬‬
‫وبينت له رغبة العراق امل�ؤكدة يف التعاون مع م�رص‪ .‬كان عبد النا�رص‬
‫�رصيح ًا يف �إبداء خماوفه من قيادة حزب البعث بعد جتربة ‪ ،1963‬ومتنى‬
‫�أن يكون احلزب قد �أخذ در�س ًا من تلك التجربة‪.‬‬

‫طاي�ش وبلطجي!‬
‫كان احلديث طويال ومت�شعبا‪ ،‬تناول جوانب متعددة و�شخ�صيات‬
‫كثرية‪ .‬وكانت معلومات عبد النا�رص عن بع�ض قيادات البعث دقيقة‪،‬‬
‫وبالأخ�ص البعثيني الذين ق�ضوا فرتة من الزمن يف القاهرة �أمثال �صالح‬
‫مهدي عما�ش و�صدام ح�سني وعبد الكرمي ال�شيخلي‪.‬‬
‫�س�ألني عن �صدام ح�سني كثريا‪ ،‬وعن �صحة اال�شاعة التي مفادها ان‬
‫�صدام ًا مل يكن مر�شح ًا �أن يكون نائبا لرئي�س جمل�س قياد الثورة‪ ،‬وان‬
‫املر�شح كان �صالح مهدي عما�ش‪ ،‬فكيف ح�صل �أمر اختيار �صدام؟‬
‫هل هذه بوادر خالفات يف القيادة العراقية‪� ،‬أم مناورات جديدة لأحمد‬
‫ح�سن البكر باعتباره قريبا ل�صدام؟‬
‫ذهلت! كيف يعرف عبد النا�رص هذه التفا�صيل الدقيقة عن اختيار‬
‫�صدام ملن�صب النائب دون عما�ش الذي كان مر�شحا لذلك املن�صب‬
‫فعال‪ .‬يف حني مل يعرف ب�أن من �سيقابله هو جواد ها�شم ولي�س حازم‬
‫جواد؟‬
‫قلت له �إن معلوماتي هي �أن اختيار �صدام ح�سني ملن�صب نائب‬
‫رئي�س جمل�س قيادة الثورة كان قد مت يف الأيام الأوىل للثورة ومل يكن‬
‫�صالح عما�ش مر�شحا‪ .‬قلت ذلك مع �إنني كنت �أعرف �أن احلقيقة هي‬
‫عك�س ذلك‪.‬‬
‫احلقيقة كانت �أن �صالح مهدي عما�ش‪ ،‬كان قد ر�شح ملن�صب النائب‪.‬‬
‫‪-147-‬‬
‫وان مو�ضوع اختيار النائب كان مدرجا على جدول �أعمال القيادة‪.‬‬
‫ويف كل اجتماع كان ي�ؤجل بحث الأمر منعا لبع�ض احل�سا�سيات التي‬
‫قد يثريها الع�سكريون من �أع�ضاء القيادة‪ ،‬وخا�صة حردان التكريتي‪.‬‬
‫وقد �أكد يل يف حينه �أحد �أع�ضاء القيادة القطرية وجمل�س قيادة الثورة‬
‫ب�أن �صالح مهدي عما�ش‪ ،‬قد �أوفد �إىل الأردن لتفقد القطعات الع�سكرية‬
‫العراقية هنالك‪ .‬وقد ا�ستغل البكر و�صدام غيابه‪ ،‬وبحثت القيادة �أمر‬
‫اختيار النائب‪ .‬ومت الت�صويت «دميقراطيا»‪ ،‬وفاز �صدام ح�سني‪.‬‬
‫كانت تلك احلقيقة التي �أنكرتها لعبد النا�رص‪ .‬ولكن يبدو �أن‬
‫معلوماته كانت دقيقة حول هذا املو�ضوع �إىل حد بعيد‪ .‬وقد علق قائال‪:‬‬
‫«�إن اختيار نائب رئي�س جمل�س قيادة الثورة �أمر يعود للأخوة يف العراق‪،‬‬
‫ولكن الواد �صدام‪� ..‬إحنا عارفينو‪ ..‬ده طاي�ش‪ ..‬وبلطجي»‪‍‍.‬‬
‫وقبل انتهاء الزيارة طلب مني عبد النا�رص �إبالغ حتياته للرئي�س البكر‬
‫ورجائه بالإ�رساع يف �إطالق �رساح طاهر يحيى وعبد الرحمن البزاز‬
‫(رئي�سي الوزراء ال�سابقني)‪ ،‬و�إر�سالهما �إىل القاهرة‪ ،‬ووعد انه يف حال‬
‫�إر�سالهما �إىل القاهرة فانه يتعهد �شخ�صيا بعدم قيامهما ب�أي ن�شاط معاد‬
‫للبعثيني‪.‬‬
‫انتهت املقابلة‪ .‬ورافقني عبد النا�رص �إىل الباب اخلارجي مل�سكنه‬
‫وهممت مب�صافحته مودعا‪ ،‬غري انه ا�ستوقفني وت�ساءل‪� :‬أال تريد التقاط‬
‫بع�ض ال�صور التذكارية؟‬
‫– طبعا يا �سيادة الرئي�س‪..‬‬
‫وهنا �أ�شار عبد النا�رص الحد مرافقيه لينادي على امل�صور الذي كان‬
‫متواجدا يف املنزل‪ .‬وبعد التقاط ال�صور التذكارية‪ ،‬ودعته م�ؤكداً له ب�أين‬
‫�س�أنقل رغباته للحكومة العراقية ولأحمد ح�سن البكر �شخ�صي ًا‪.‬‬
‫‪-148-‬‬
‫غادرت الإ�سكندرية �إىل القاهرة‪ .‬ومنها �إىل بغداد‪..‬‬
‫يف اليوم التايل لو�صويل بغداد‪ ،‬ذهبت ملقابلة البكر لأخربه مبا دار‬
‫بيني وبني جمال عبد النا�رص‪ .‬قلت للبكر‪� ،‬إن انطباعي ال�شخ�صي‪ ،‬هو‬
‫�أن عبد النا�رص رجل خمل�ص فيما يقول‪ ،‬وان نكبة حزيران (‪ )1967‬قد‬
‫علمته هو الآخر در�س ًا قا�سي ًا‪ .‬وانه فعال يريد عالقات طبيعية مع العراق‬
‫بعيدة عن امل�ؤامرات‪.‬‬
‫مل �أخرب البكر بحديث عبد النا�رص عن كيفية اختيار نائب رئي�س‬
‫جمل�س قيادة الثورة لأنه مو�ضوع قد يثري ح�سا�سيات نحن يف غنى عنها‪.‬‬
‫كان البكر ي�ستمع دون تعليق‪ .‬وما �أن انتهيت من كالمي‪ ،‬حتى‬
‫بادرين بال�س�ؤال‪:‬‬
‫– هل ت�صدق هذا الرجل؟‬
‫– نعم‪ ..‬لقد وجدته رجال �صادقا‪.‬‬
‫– �أنت �شاب‪ ..‬وقليل خربة يف ال�سيا�سة‪ ..‬ملاذا يريد عبد النا�رص‬
‫�إطالق �رساح طاهر يحيى والبزاز‪ ..‬وملاذا يريدهم يف القاهرة؟‬
‫– قد يكون ذلك نوعا من االلتزام الأدبي لرجلني عرفهما وعمل‬
‫معهما‪..‬‬
‫وهنا ت�أفف البكر‪ ..‬وخلع نظارته (وهي عادة كنت �أالحظها عليه‬
‫عندما يكون متعكر املزاج وع�صبيا)‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫– دكتور‪� ..‬أنت ال تعرف عبد النا�رص‪ ..‬هذا الرجل كذاب‪ ..‬وال‬
‫يهد�أ له بال �إال بالت�آمر‪ ..‬وعلى �أية حال �س�أنقل انطباعاتك للرفاق �أع�ضاء‬
‫القيادة‪ .‬و�سكت البكر‪ .‬وانتهت املقابلة‪ .‬وقد ا�ستمرت كراهية البكر‬
‫‪-149-‬‬
‫لعبد النا�رص‪ .‬وعندما مات عبد النا�رص عام ‪ ،1970‬وفتحت ال�سفارة‬
‫امل�رصية �سجال للتعازي امتنع البكر يف بادئ الأمر عن الذهاب �إىل‬
‫ال�سفارة امل�رصية للتعزية‪ .‬ولكن �صالح مهدي عما�ش �أقنعه‪ ،‬بعد جهد‬
‫كبري‪ ،‬وذهب البكر يف اليوم الثاين لي�سجل تعزيته يف �سجل التعازي‪.‬‬

‫‪-150-‬‬
‫الف�صل العا�شر‬
‫م�ؤامرة عبد الغني الراوي‬

‫ح�سن اخلفاف‪ ،‬موظف �صغري يف مديرية التقاعد العامة‪ ،‬له يف الوقت‬


‫نف�سه عيادة لرتكيب الأ�سنان‪ .‬وهو ابن خالتي ومتزوج من �سعدية �صالح‬
‫جرب‪ ،‬ابنة رئي�س الوزراء العراقي املعروف يف العهد امللكي‪ .‬وبالرغم من‬
‫القرابة التي تربطني باخلفاف‪� ،‬إال �أننا مل نكن متقاربني‪ .‬ال فكري ًا‪ ،‬وال‬
‫يف العمل ال�سيا�سي‪ .‬ومل اكن قد التقيت به ل�سنوات طوال‪.‬‬
‫ويف �أوائل دي�سمرب (كانون الأول) ‪ ،1969‬زارين يف مكتبي بوزارة‬
‫التخطيط كان يف حديثه الكثري من اخلوف والقلق‪ .‬ومل يكن ذلك‬
‫غريب ًا‪ ،‬حني عرفت املو�ضوع‪.‬‬
‫بعدما تلفت ميينا‪ ..‬و�شماال‪ ..‬وب�صوت خافت مرجتف قال‪:‬‬
‫– «�إين �أريد �أن �أريح �ضمريي و�أخربكم بان هناك م�ؤامرة تدبر من‬
‫قبل عدد من الع�سكريني واملدنيني لقلب نظام احلكم‪..‬‬
‫�سكت قليال لي�شعل �سيجارة‪ ..‬ويده ترجتف‪ ..‬ثم ا�ستمر بالقول‪:‬‬
‫– �إن االجتماعات تعقد يف داري مبدينة املن�صور‪ ..‬و�أنا عندما‬
‫التقيك هنا ال �أخاطبك كقريب يل فح�سب‪ ،‬بل كم�س�ؤول التخاذ‬
‫الإجراء الالزم‪ ..‬وكل ما �أريده هو �أن �أعطى الأمان و�أن ي�سمح يل‬
‫‪-151-‬‬
‫بال�سفر �إىل الكويت للعمل هناك‪ ..‬و�أ�شعل �سيجارة ثانية‪ ..‬وثالثة‪..‬‬
‫و�أخذ يذكر �أ�سماء العاملني يف هذا التنظيم‪ :‬العقيد املتقاعد عبد الغني‬
‫الراوي‪ ..‬العقيد املتقاعد �صالح مهدي ال�سامرائي‪( ..‬امللحق الع�سكري‬
‫يف بريوت يف العهد امللكي)‪ ..‬النقيب فا�ضل الناهي‪ ..‬و‪ ..‬مرافق �أحمد‬
‫ح�سن البكر املقدم فا�ضل الرباك‪.‬‬
‫�سكت اخلفاف‪ .‬و�أخذ يبكي مردداً �إن «املت�آمرين» لو عرفوا بحديثي‬
‫معك‪ ،‬فانهم �سينتقمون مني ومن عائلتي‪ .‬ثم �أ�ضاف‪�« :‬إن امل�ؤامرة هي‬
‫باالتفاق مع احلكومة الإيرانية وان ال�سفارة الإيرانية يف بغداد تزودنا‬
‫باملال‪ ..‬وال�سالح‪ ..»..‬م�ؤكدا �إن (�أبو ناجي) �أي بريطانيا مرتاحة‬
‫للعملية‪.‬‬

‫جزاء �سنمار‬
‫هزتني خطورة تلك املعلومات‪ .‬فاندفعت حال خروج ابن خالتي‬
‫الدكتور ح�سن اخلفاف �إىل رئي�س اجلمهورية �أحمد ح�سن البكر‪ ،‬يف‬
‫الق�رص اجلمهوري‪ ،‬لنقل تلك املعلومات �إليه‪.‬‬
‫و�صلت الق�رص ظهراً ودخلت مكتب الرئي�س‪ .‬وما �أن بادرت‬
‫باحلديث عن املو�ضوع حتى هب البكر مقاطعا‪:‬‬
‫– هذا مو�ضوع ت�آمر وع�سكر‪ ..‬اذهب حاال ملقابلة الرفيق �أبي‬
‫عدي �صدام ح�سني لبحث املو�ضوع معه‪ .‬وقادين عرب ممر داخلي �إىل‬
‫غرفة �صدام ح�سني‪.‬‬
‫كان �صدام م�ستلقيا على فرا�ش النوم متوعكا‪ ،‬ور�أ�سه ملفوف‬
‫مبن�شفة‪ ..‬ذكرت ل�صدام كافة املعلومات‪ ،‬وهو ي�سمعها بهدوء‪ .‬وما‬
‫�أن انتهيت‪ ،‬حتى قال يل‪� ،‬أرجو �أن ت�شكر الدكتور ح�سن‪ .‬و�سحب‬
‫‪-152-‬‬
‫من درج قريب مبلغ ‪ 200‬دينار وطلب مني �أن �أ�سلمها للدكتور‬
‫ح�سن‪ ..‬واطلب منه �أن يتعاون مع �أبي رعد (�سعدون �شاكر)‪ ،‬مدير‬
‫مكتب العالقات العامة‪ ،‬وهو جهاز املخابرات �آنذاك‪ ،‬لي�ضعوا القطات‬
‫لت�سجيل ما يدور يف اجتماعات املت�آمرين‪.‬‬
‫التقيت ابن خالتي يف �صباح اليوم التايل يف مكتبي يف الوزارة‪،‬‬
‫�سلمته املبلغ و�أبلغته تقدير �صدام على مبادرته وعلى �رضورة تعاونه يف‬
‫و�ضع الالقطات يف داره‪.‬‬
‫ال‪ .‬ويف يوم الحق زرته يف داره‪،‬‬ ‫كان جتاوب ح�سن اخلفاف كام ً‬
‫حيث طم�أنني بان �أدوات الإن�صات مثبتة‪ ،‬وكل �شيء على ما يرام‪.‬‬
‫كان تقديري يف ذلك الوقت �إين قد قدمت خدمة للحزب والثورة‪.‬‬
‫وان ح�سن اخلفاف قد �آمن على حياته بهذا التعاون مع النظام‪.‬‬
‫ويف �أواخ��ر دي�سمرب (كانون الأول) ‪ ،1969‬ات�صل بي �شفيق‬
‫الدراجي‪� ،‬سكرتري عام جمل�س قيادة الثورة ليخربين بان البكر يريد مني‬
‫�أن �أتر�أ�س الوفد العراقي للم�شاركة يف امل�ؤمتر الإقليمي الثالث لوزراء‬
‫الرتبية والتخطيط العرب‪ ،‬الذي �سينعقد يف مدينة مراك�ش باملغرب‬
‫خالل الفرتة ‪ 1970/1/20 – 1/12‬بدال من الدكتور �أحمد عبد‬
‫ال�ستار اجلواري وزير الرتبية‪ .‬وملا �أبديت اعتذاري‪ ،‬لأن الوفد كان قد‬
‫�شكل قبل يومني وبرئا�سة اجلواري‪ ،‬وانه ال ي�صح ا�ستبدال وزير الرتبية‬
‫بوزير التخطيط‪� ،‬إ�ضافة �إىل ذلك فان امل�ؤمتر هو تربوي يتناول �ش�ؤون‬
‫الرتبية والتعليم‪ .‬غري �أن الدراجي �أو�ضح �أن ذلك هو قرار من البكر‪.‬‬
‫والقرار قطعي‪.‬‬
‫وهكذا كان‪ .‬غادرت بغداد متوجها �إىل املغرب عن طريق باري�س‬
‫يوم اخلمي�س امل�صادف ‪.1970/1/8‬‬
‫‪-153-‬‬
‫يف طريق عودتي مع الوفد �إىل العراق مرورا بباري�س‪ ،‬ا�ستقبلني‬
‫الدكتور حممد امل�شاط‪� ،‬سفري العراق يف باري�س‪ ،‬ويف ال�سيارة بد�أنا‬
‫ن�ستمع لن�رشة �أخبار ال�ساعة الثانية ع�رش م�ساء لراديو بغداد‪ .‬بد�أ املذيع‬
‫بقراءة بيان ر�سمي عن ك�شف امل�ؤامرة‪ ،‬و�إذاعة �أ�سماء الوجبة الثانية من‬
‫املت�آمرين الذين مت �إعدامهم‪.‬‬
‫كم كان وقع املفاج�أة �شديداً عندما �سمعت ا�سم ح�سن اخلفاف‬
‫من بني الوجبة الثانية من الذين نفد فيهم حكم الإعدام‪ .‬يا ترى ماذا‬
‫ح�صل؟ هل هناك تطور جديد؟ هل انقلب ح�سن اخلفاف عليهم وهذا‬
‫�أمر يكاد يكون م�ستحيال بعد �أن ك�شف كل �أوراقه لهم؟‬
‫�أ�سئلة كثرية دون جواب‪ .‬ويا ترى ملاذا رتبت �سفرتي �إىل املغرب‬
‫بهذه الطريقة؟ وهل هي من باب �إبعادي عن امل�رسح ملنع تدخلي يف‬
‫حماكمة ح�سن اخلفاف؟ �أ�سئلة كثرية بانتظار اجلواب‪ .‬ومل يكن مبقدوري‬
‫احلديث مع امل�شاط حولها‪� .‬سعيت للعودة �إىل بغداد ب�أ�رسع وقت ممكن‪.‬‬
‫وهكذا كانت زيارة باري�س مبثابة كابو�س كنت انتظر اخلروج منه‬
‫بال�رسعة املمكنة‪.‬‬
‫حال و�صويل �إىل بغداد‪ ،‬ذهبت ملقابلة �صدام‪ ،‬وكان مرحبا بي‪،‬‬
‫و�أخد ي�صف يل جناحهم يف ك�شف امل�ؤامرة‪ ،‬وكيف �ضبطوا كمية كبرية‬
‫من ال�سالح‪ ،‬منها ‪ 3000‬ر�شا�شة‪ .‬و�أنه احتفظ يل بواحدة منها على‬
‫�سبيل الهدية‪ .‬ولكنه مل يذكر مو�ضوع ابن خالتي‪ .‬وعندما ا�ستف�رست‬
‫منه عن ذلك‪ .‬رد بكل ب�ساطة قائال‪ :‬لقد حدث خط�أ مل �أ�ستطع تداركه‬
‫يف الوقت املنا�سب‪.‬‬
‫وهكذا �أعدم الدكتور ح�سن اخلفاف من جراء خط�أ‪ .‬مل يو�ضح‬
‫�صدام كيف ميكن �أن يح�صل مثل هذا اخلط�أ‪ .‬وهناك حماكمة و�شهادات‪.‬‬
‫‪-154-‬‬
‫ومع ذلك �أردت �أن ا�صدق ما قال يل‪ .‬و�أبعد عن ذهني مرارة ال�شك‪.‬‬
‫مع �إن تعابري وجه �صدام والطريقة التي و�صف بها العملية‪ ،‬والهدية‬
‫التي قدمها يل‪ .‬و�ضعتني يف جو وك�أن ما ح�صل حل�سن اخلفاف هو �أمر‬
‫ثانوي قيا�سا بالق�ضاء على امل�ؤامرة‪.‬‬
‫وعلى رغم ذلك كله‪� ،‬أردت �أن اقطع ال�شك باليقني‪ .‬فا�ستف�رست‬
‫من �صدام عن م�صري �أبناء ح�سن‪ ،‬خا�صة ابنه البكر وا�سمه عبا�س‪( ،‬من‬
‫زوجته الأوىل ولي�س من �سعدية �صالح جرب)‪ .‬ومن املنتمني حلزب‬
‫البعث و�ضابط بالقوة اجلوية‪ .‬طم�أنني �صدام‪ ،‬وطلب مني مقابلة عدنان‬
‫خرياهلل‪ ،‬م�س�ؤول املكتب الع�سكري‪ ،‬التقيت بعدنان يف مكتبه الذي‬
‫كان �آنذاك يف بناية متوا�ضعة قرب م�ست�شفى ابن �سينا يف كرادة مرمي‪.‬‬
‫�أكد يل عدنان بان احلزب يقدر عبا�س‪ .‬خا�صة وانه حزبي قدمي وال خطر‬
‫يهدده �أو يهدد وظيفته‪.‬‬
‫ترى هل كانت حماولتي يف ال�سعي حلماية عبا�س �آنذاك من قبيل‬
‫التكفري و�إراحة ال�ضمري؟ ال �أدري‪.‬‬
‫بعد �أربعة �أ�شهر‪ ،‬مت نقل الطيار عبا�س ح�سن اخلفاف‪ ،‬الع�ضو احلزبي‪،‬‬
‫من القوة اجلوية �إىل وظيفة مدنية يف وزارة الإ�صالح الزراعي يف ق�سم‬
‫مكافحة احل�رشات‪ .‬ال�شيء الوحيد الذي له عالقة بني الطريان ووزارة‬
‫الزراعة‪ ،‬هو �أن ق�سم مكافحة احل�رشات ي�ستعمل طائرات ب�سيطة لر�ش‬
‫املواد ال�سامة!‬

‫م�ؤامرة �أم تخويف ال�شعب؟‬


‫�إذا كنت قد فوجئت من موقف �صدام الذي كان موارب ًا وخمات ً‬
‫ال يف‬
‫قول احلقيقة ب�ش�أن ح�سن اخلفاف‪ ،‬فقد كانت مفاجئتي �أكرب و�أعظم‪،‬‬
‫عندما زرت رئي�س املحكمة اخلا�صة التي �أ�صدرت حكم الإعدام‪ ،‬وهو‬
‫‪-155-‬‬
‫طه اجلزراوي‪ ،‬فقد و�صف اجلزراوي واالبت�سامة العري�ضة تغطي وجهه‪،‬‬
‫كيف �أن ح�سن قال لهم يف التحقيق ما جرى بينه وبيني وعن تعاونه مع‬
‫الأجهزة املخت�صة يف ن�صب الالقطات يف داره للك�شف عن املت�آمرين‪.‬‬
‫وكيف �أن �صدام �أر�سل له هدية مبائتي دينار‪ .‬وا�ستطرد طه اجلزراوي‬
‫ال‪ .‬كل ذلك مل ي�شفع له عندنا‪ .‬وا�ستمر �ضاحكا وهو يوجه كالمه يل‬ ‫قائ ً‬
‫قائال‪ :‬احمد اهلل �أننا مل نعتقلك �أنت كذلك‪ .‬وكان يتحدث ب�أنه فخور‪.‬‬
‫بل متلذذ مبا فعل‪.‬‬
‫�صحيح �أن ح�سن اخلفاف �أعلمني بالت�آمر‪ .‬ولكن مع ذلك كانت‬
‫هناك بع�ض الأمور تبعث على الت�سا�ؤل‪ .‬ترى هل كانت هنالك م�ؤامرة‬
‫فع ً‬
‫ال‪ .‬وباحلجم الذي �أعلن عنها‪� .‬أم �أنها كانت بداية لت�صفيات‪� .‬أو حماولة‬
‫من تلك املحاوالت التي كثرياً ما �أقدمت عليها القيادة بهدف تخويف‬
‫ال�شعب؟ و�إذا كانت امل�ؤامرة حقيقية وبهذه اخلطورة‪ ،‬فلماذا الت�رسع يف‬
‫�إ�صدار الأحكام وتنفيذها دون �إعالن تفا�صيل امل�ؤامرة على ال�شعب؟‬
‫ولكي �أقف على احلقيقة‪ ،‬بد�أت �أبحث و�أجمع املعلومات‪ .‬وحتدثت‬
‫مع �أع�ضاء يف القيادة القطرية‪ .‬و�أق�سم يل البكر (على امل�صحف) الذي مل‬
‫يفارق مكتبه‪� .‬صحة امل�ؤامرة‪ ،‬كما �أن عبد الغني الراوي‪ .‬قد �أكد �صحة‬
‫امل�ؤامرة ل�صالح عمر العلي (ع�ضو القيادة القطرية �سابقا)‪ ،‬عندما التقاه‬
‫يف ال�سعودية يف فرباير (�شباط) ‪ .1991‬ومن التفا�صيل التي وقفت‬
‫عليها عن تلك امل�ؤامرة ما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬كان البكر و�صدام على علم بامل�ؤامرة‪ .‬لأن فا�ضل الرباك‬
‫(مرافق البكر) وال�ضابط فا�ضل الناهي كانا مد�سو�سني على‬
‫املت�آمرين‪ .‬وان املعلومات التي �أدىل بها اخلفاف وت�سهيل ن�صب‬
‫�أجهزة الإن�صات يف منزله‪� .‬ساعدت على جتميع الأدلة الثبوتية‬
‫وعلى معرفة �ساعة ال�صفر‪� .‬إ�ضافة �إىل �إعطاء املخابرات العراقية‬
‫‪-156-‬‬
‫م�صدرا ثانيا للمعلومات تت�أكد مبوجبه عن ح�سن نية ال�ضابطني‬
‫املد�سو�سني‪� .‬إذ قد يكون الرباك والناهي فعال مت�آمرين‪.‬‬
‫‪� – 2‬إن احلكومة الإيرانية‪ ،‬كانت متد املت�آمرين باملال وال�سالح‪.‬‬
‫وكان الر�سول بني ال�سفارة الإيرانية واملت�آمرين‪� .‬أحد العاملني‬
‫بال�سفارة الإيرانية يدعى عبد اخلالق بو�شهري زادة‪.‬‬
‫يف يوم ‪ 19‬يناير (كانون الثاين) ‪ ،1970‬اجتمع املت�آمرون‪ .‬وحددوا‬
‫ال�ساعة الثامنة من م�ساء يوم ‪ 20‬من ذلك ال�شهر موعدا للتنفيذ‪ .‬وكانت‬
‫اخلطة هي �أن يتوجه العقيد �صالح ال�سامرائي مع ‪ 50‬عن�رصاً �إىل الق�رص‬
‫اجلمهوري‪ ،‬حيث يكون فا�ضل الرباك بانتظارهم‪ ،‬فيلقي القب�ض على‬
‫البكر و�أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬عندما يكونون جمتمعني يف الطابق‬
‫الثاين من الق�رص (قاعة االجتماعات)‪ .‬وما �أن و�صل خرب اخلطة �إىل‬
‫البكر‪ .‬حتى �سارع يف �صباح يوم التنفيذ باالت�صال ب�صالح عمر العلي‪.‬‬
‫يطلب ح�ضوره يف الق�رص ليكون ب�صحبة فا�ضل الرباك عندما يقوم‬
‫الأخري بفتح بوابة الق�رص‪.‬‬
‫وجاءت �ساعة ال�صفر‪ .‬الثامنة م�ساء يوم ‪ 20‬يناير (كانون الثاين)‬
‫‪ .1970‬وفتحت بوابة الق�رص اخلارجية‪ .‬ليدخل ال�سامرائي وزمرته‪.‬‬
‫ولي�ستقبلهم الرباك والعلي مرحبني بهم م�ؤكدين لهم �إن البكر معتقل‬
‫يف �إحدى غرف الطابق الأر�ضي (ال�رسداب)‪ .‬ودخل اجلميع �صالة‬
‫اال�ستقبال الكربى‪ .‬وما �أن وقعت عينا العقيد �صالح ال�سامرائي على‬
‫�صورة البكر املعلقة يف ال�صالة حتى �صاح ب�أحد جنوده‪ .‬ي�أمره ب�إنزال‬
‫ال�صورة‪ .‬وفج�أة �صفعه �صالح عمر العلي‪ .‬ودخل حر�س الق�رص القاعة‬
‫لإلقاء القب�ض على املت�آمرين‪ .‬وحاول ال�سامرائي املقاومة‪ ،‬وجرى تبادل‬
‫لإطالق النار‪ ،‬حيث قتل جنديان من حر�س البكر‪ .‬ومل تطل املقاومة‪.‬‬
‫كما مل تطل حماكمة ال�سامرائي‪ .‬وبعد يوم واحد‪� ،‬أ�صدر جمل�س قيادة‬
‫‪-157-‬‬
‫الثورة بيانا �أعلن فيه عن اكت�شاف امل�ؤامرة‪ ،‬وعن ت�شكيل حمكمة خا�صة‬
‫برئا�سة طه اجلزراوي وناظم كزار وعلي ر�ضا (مدير مكتب العالقات‬
‫العامة التابع ملجل�س قيادة الثورة)‪.‬‬
‫و�صدرت الأحكام يوم ‪ 1970/1/21‬ونفذت يف ذات اليوم‪،‬‬
‫حكم ب�إعدام ‪ 18‬ع�سكريا و‪ 4‬مدنيني‪ .‬ويف اليوم التايل �أع��دم ‪8‬‬
‫ع�سكريني و‪ 4‬مدنيني‪ .‬وهكذا بلغ جمموع الذين �أعدموا ‪� 34‬شخ�ص ًا‪.‬‬
‫من �ضمنهم اللواء ر�شيد م�صلح التكريتي والعقيد مدحت احلاج �رسي‪.‬‬
‫وبعد يوم من ا�صدار تلك الأحكام‪� ،‬رصح طه اجلزراوي متلذذاً‪:‬‬
‫لقد �أكملت املهمة التي كلفني بها جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬وان القيادة‬
‫كانت تعلم بامل�ؤامرة قبل �سنة من �سحقها‪ ،‬لكنها ف�ضلت االنتظار‬
‫وجمع املعلومات والوثائق الثبوتية لت�سهيل املحاكمة والإ��سراع بها‬
‫حتى ال يك�سب املت�آمرون عطف اجلماهري فيما لو مت القب�ض عليهم‬
‫مبكرا‪ ،‬وك�أين باجلزراوي كان يريد القول �ضمن ًا‪� ،‬إن اجلماهري كانت‬
‫تنتظر بفارع ال�صرب جناح امل�ؤامرة ورمبا كانت تنجح لوال �إ�رساعه بتنفيذ‬
‫�أحكام الإعدام‪.‬‬
‫ومن املفارقات هنا‪ ،‬هو �أن بع�ض عنا�رص املخابرات العراقية كانت‬
‫قد كلفت مبراقبة الدبلوما�سي الإيراين عبد اخلالق بو�شهري زادة ليل‬
‫نهار بحيث ال تدعه يغيب عن �أب�صارها‪ ،‬مهما كان الثمن‪ .‬ويف �صباح‬
‫يوم ‪�( 1970/1/20‬أي قبل �ساعة ال�صفر)‪ ،‬خرج بو�شهري زاده من‬
‫داره متوجها �إىل املطار‪ .‬فظنت العنا�رص املخابراتية ب�أنه يريد مغادرة‬
‫بغداد‪ ،‬ف�سارعت �إىل اختطافه واقتياده �إىل الق�رص اجلمهوري ليحقق معه‬
‫�صدام ح�سني بح�ضور تيمور بختيار (رئي�س ال�سافاك الذي كان قد جل�أ‬
‫�إىل العراق)‪.‬‬
‫‪-158-‬‬
‫لقد كان ذلك االختطاف ت�رسع ًا من املخابرات‪� .‬إذ مل يكن قد‬
‫�أعلن عن امل�ؤامرة‪ .‬ومل يكن ال�سامرائي و�أعوانه قد بد�أوا بعملية‬
‫التنفيذ التي ح��ددوا لها ال�ساعة الثامنة م�ساء‪ .‬وعليه فان تعجل‬
‫املخابرات كاد ي�ؤدي �إىل معرفة املت�آمرين باملو�ضوع ومبراقبة احلكومة‬
‫لها‪ ،‬وبالتايل عدم املبا�رشة بتنفيذ خطتهم وتفويت فر�صة �إلقاء القب�ض‬
‫عليهم و�إعدامهم‪ ،‬على حد تعبري طه اجلزراوي‪ .‬لذلك قرر �صدام‬
‫�إبقاء بو�شهري زادة رهن «االختطاف» حلني ت�سفريه �إىل �إيران يوم‬
‫‪ .1970/1/26‬وقد �سبق ت�سفري بو�شهري زادة �صدور بيان من‬
‫وزارة اخلارجية العراقية يوم ‪� 1970/1/22‬أمرت مبوجبه ال�سفري‬
‫الإي��راين (عزت اهلل العاملي) وعدد من �أع�ضاء ال�سفارة الإيرانية‬
‫مغادرة بغداد خالل مدة ‪� 24‬ساعة‪.‬‬
‫وطويت �صفحة من �صفحات �سل�سلة امل�ؤامرات التي اكت�شفت‪،‬‬
‫وعاد اجلزراوي ملن�صبه الوزاري يف ال�صناعة بعد �أن تغيب عنها يومني‬
‫تكد�ست خاللها املعامالت الروتينية الأخرى‪.‬‬
‫وال�س�ؤال الذي مازال بدون �إجابة‪ ،‬هل حقا �أن �صدام ح�سني مل يكن‬
‫يعرف ب�إعدام ح�سن اخلفاف؟‬
‫قد �أكون من قبيل حماولة احلفاظ على الذات‪ ،‬قد �أقنعت نف�سي �آنذاك‬
‫ب�صحة ادعائه‪ .‬ولكن الأحداث الالحقة �أو �أحداث املا�ضي القريب‬
‫�أقنعتني بعك�س ذلك متام ًا‪ .‬وما ي�شعرين بالأمل �أكرث‪ ،‬هو �أن �أخوين لعبا�س‬
‫ح�سن اخلفاف كانا متزوجني من بنات خالتي ا�ست�شهدا فيما بعد‪ ،‬خالل‬
‫احلرب مع �إيران‪ ،‬وملزيد من التعا�سة‪ ،‬فقد �أعترب �شقيق الأختني مفقوداً‬
‫يف العمليات الع�سكرية‪.‬‬

‫‪-159-‬‬
‫الف�صل احلادي ع�شر‬
‫اجلزراوي وعقدة وزارتي التخطيط واالقت�صاد‬

‫طه اجلزراوي‪ – ‬املعروف بطه يا�سني رم�ضان‪� – ‬شخ�صية غريبة‬


‫الأطوار‪ :‬خليط من وقاحة وغرور و�إح�سا�س داخلي بال�ض�آلة والدونية‪.‬‬
‫فهذه ال�شخ�صية املجهولة الأ�صل والديانة وامل�ستوى العلمي والتي بد�أت‬
‫من القاع لتت�سنم‪ ،‬يف غفلة من الدهر‪� ،‬أرفع املنا�صب الر�سمية كانت كل‬
‫م�ؤهالتها رتبة نائب �ضابط يف اجلي�ش وانتماء حلزب يتلفع باجللباب‬
‫القومي العربي‪ ،‬رغم انها تنتمي يف الظاهر اىل القومية الكردية‪.‬‬
‫وعلى العك�س من �صدام ح�سني ال��ذي يحاول �أن يبدو دائم‬
‫االبت�سام‪ ،‬ظل اجلزراوي حمافظ ًا على عبو�سه وجتهمه حتى يف املنا�سبات‬
‫ال�سعيدة‪ ،‬ومل يذكر له معارفه والذين اقرتبوا منه ما ينم عن دماثة خلق �أو‬
‫طيب مع�رش‪ ،‬بل كان يزيدهم نفوراً كلما حاولوا االقرتاب �أكرث ب�سبب‬
‫غلظة طباعه وميوله العدوانية‪ .‬وباخت�صار‪ ،‬افتقد اجلزراوي الأوا�رص‬
‫والعالقات الطبيعية‪ ،‬مثلما فقد القاعدة ال�شعبية التي يفرت�ض ان تكون‬
‫مالزمة للقائد ال�سيا�سي واحلزبي رغم كل املنا�صب التي تبو�أها وطول‬
‫املدة التي �أم�ضاها يف هذه املنا�صب‪.‬‬
‫ولأن العمل احلزبي ال�رسي القائم على حبك الد�سائ�س وامل�ؤامرات‬
‫يحتاج اىل مثل هذه ال�شخ�صية الغام�ضة‪ ،‬فقد ا�ستطاع اجلزراوي‬
‫‪-161-‬‬
‫ت�سلق �سلم حزب البعث الذي مل يكن عدد �أع�ضائه قبل انقالب‬
‫يوليو (متوز) ‪ 1968‬ليتجاوز عدد طالب مدر�سة ابتدائية ولي�صبح‬
‫�أحد قيادييه الكبار‪ .‬وعندما ت�سلم احلزب ال�سلطة‪ ،‬كان اجلزراوي قد‬
‫�ضمن ع�ضويته يف القيادة القطرية وجمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫ومل يكتف اجلزراوي بهذه املنا�صب‪ ،‬بل كان يتدخل‪ – ‬من خالل‬
‫موقعه القيادي‪ – ‬يف �ش�ؤون ال��وزارات الأخ��رى‪ ،‬حتى ت�سنى له‬
‫ا�ستالم من�صب وزير ال�صناعة‪ .‬ومل مت�ض فرتة ق�صرية على ا�ستيزاره‪،‬‬
‫حتى ن�رش كتابا حول الإدارة ال�صناعية! وحني كان يتوجه �إىل الوزارة‬
‫كانت ترافقه ثلة من احلر�س املدجج بال�سالح لي�ضفي على نف�سه هالة‬
‫من الأهمية ال تقل عن الهالة التي يتمتع بها البكر و�صدام‪.‬‬
‫وعندما �أعلن عن اكت�شاف م�ؤامرة عبد الغني الراوي‪� ،‬شكلت‬
‫احلكومة حمكمة خا�صة �أناطت رئا�ستها باجلزراوي‪ .‬وقد �أ�صدرت‬
‫هذه املحكمة‪ ،‬خالل يومني فقط‪� ،‬أحكام ًا بالإعدام على �أكرث من‬
‫�أربعني �شخ�صاً‪ .‬ونفذت الأحكام ب�إ�رشافه‪ .‬وكان يتبجح كيف انه‬
‫نفذ احلكم بفالن وفالن‪ ،‬وكيف �أن فالن ًا بكى وفالن ًا ا�ستنجد طالب ًا‬
‫الرحمة والر�أفة‪ ،‬وكيف انه مل يبال بتلك التو�سالت‪.‬‬
‫�شخ�صية غريبة ومري�ضة حتما‪ .‬ال ي�ضحك �أبدا‪ ،‬وال يعرف روح‬
‫النكتة �أو معناها‪ .‬كان مقربا من البكر وكان �صدام يعرف نقاط �ضعفه‪.‬‬
‫كان يت�رصف كالذئب يف وزارته ويف عالقاته العامة‪ .‬ولكنه ينقلب‬
‫�إىل حمل وديع عندما يخاطب �صداماً‪.‬‬
‫عند عملي م�ست�شاراً يف جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬كنت مرتبط ًا وظيفي ًا‬
‫ب�صدام ح�سني‪ ،‬وكنت �أطلع على بع�ض الر�سائل واملذكرات التي‬
‫يرفعها اجلزراوي ل�صدام كانت مليئة بال�ضعف واخلنوع‪ .‬ومكتوبة‬
‫‪-162-‬‬
‫بلغة عربية تفتقر �إىل �أب�سط قواعد االمالء‪ ،‬ناهيك عن قواعد اللغة‬
‫العربية ذاتها‪.‬‬
‫وعندما �أ�صبح اجلزراوي وزيراً لل�صناعة‪� ،‬أ�صبحت تلك الوزارة‬
‫�إمرباطوريته اخلا�صة التي فعل امل�ستحيل حلمايتها ورعاية امللتفني حوله‬
‫من موظفيها‪ .‬كان يوافق على كل م�رشوع �صناعي يقدم له‪ ،‬دون �أية‬
‫مراعاة للنظرة االقت�صادية ال�شاملة‪ .‬و�إذا مل توافق وزارة التخطيط على‬
‫مقرتحاته‪� ،‬أو مل تلب وزارة االقت�صاد طلباته يف اال�سترياد �شكاهما‬
‫للبكر ولقيادة احلزب وملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬متهما الوزيرين ب�شتى‬
‫التهم والنعوت والأو�صاف‪.‬‬

‫الوزير اجلاهل‬
‫ولقد بلغ احلقد باجلزراوي على ذوي ال�شهادات‪ ،‬حداً دفعه �إىل‬
‫كتابة تقرير لرئي�س اجلمهورية‪ ،‬يتهم فيه وزير االقت�صاد الدكتور فخري‬
‫قدوري وجميع املدراء العامني يف وزارة االقت�صاد‪ ،‬بالرجعية والت�آمر‬
‫لعرقلة م�سرية «النه�ضة» ال�صناعية التي يحاول هو دفعها �إىل الأمام‪،‬‬
‫مبينا يف ذلك التقرير كيف �أن وزارة االقت�صاد تت�أخر يف منح �إجازات‬
‫اال�سترياد لل�صناعيني من القطاع اخلا�ص‪.‬‬
‫ومل يجد البكر مفراً من الدعوة �إىل اجتماع مو�سع يف الق�رص‬
‫اجلمهوري برئا�سته‪ ،‬ح�رضه الدكتور قدوري ومدراءه العامون وطه‬
‫اجلزراوي وم�ست�شاروه يف وزارة ال�صناعة‪.‬‬
‫يف م�ستهل االجتماع‪ ،‬حتدث اجلزراوي عن م�شكلته قائ ً‬
‫ال‪� :‬إن وزارة‬
‫االقت�صاد تتعمد ت�أخري منح �إجازات اال�سترياد للقطاع ال�صناعي اخلا�ص‬
‫ال�سترياد املواد الأولية واملكائن واملعدات‪ .‬وان هذا الت�أخري قد �سبب‬
‫نفور القطاع اخلا�ص يف اال�ستثمار‪ ،‬وزعزع الثقة بالثورة والقيادة‪.‬‬
‫‪-163-‬‬
‫ثم انتقل اجلزراوي يف حديثه ليتهم املدراء العامني يف وزارة االقت�صاد‬
‫بالتخلف والطائفية‪ ،‬ثم �صمت‪.‬‬
‫التفت البكر نحو وزير االقت�صاد‪ ،‬وطلب منه الإجابة على اتهامات‬
‫اجل��زراوي‪ .‬وبكل هدوء‪ ،‬فتح وزير االقت�صاد حقيبته و�أخرج حزمة‬
‫من الأوراق هي جمموع املرا�سالت بينه وبني وزير ال�صناعة‪ .‬وبد�أ يقر�أ‬
‫الر�سالة الأوىل من اجلزراوي لوزير االقت�صاد‪ ،‬ي�ستف�رس فيها عن �أ�سباب‬
‫ت�أخري منح �إجازات اال�سترياد لل�صناعيني يف القطاع اخلا�ص‪ ،‬مردداً‬
‫اتهاماته للوزارة‪ .‬الر�سالة الثانية‪ ،‬جواب وزير االقت�صاد‪ .‬وبد�أ الدكتور‬
‫قدوري بقراءة اجلواب‪� ..‬سطراً‪� ..‬سطراً‪ ..‬بهدوء واتزان‪ .‬وكان كلما‬
‫�أنهى �سطراً من ر�سالته لوزير ال�صناعة‪ ،‬غا�ص اجلزراوي (بو�صة) يف‬
‫مقعده والعرق يت�صبب منه‪.‬‬
‫لقد كانت ر�سالة الدكتور قدوري للجزراوي �صفعة قوية نزلت على‬
‫ر�أ�س وزير ال�صناعة‪ ،‬وك�شفت جهله‪ .‬وخال�صة الر�سالة‪ ،‬هي �أن ادعاءات‬
‫وزير ال�صناعة ال �صحة لها على الإطالق‪� .‬إذ ال دخل لوزارة االقت�صاد‬
‫بالقطاع ال�صناعي اخلا�ص وا�سترياداته‪ .‬فالقطاع ال�صناعي اخلا�ص يتبع‬
‫دائرة ت�سمى «مديرية التنمية ال�صناعية» التابعة لوزير ال�صناعة مبا�رشة‪،‬‬
‫وان �صالحية منح �إجازات اال�سترياد هي ملدير عام التنمية ل�صناعية‬
‫املرتبط بوزير ال�صناعة‪ ،‬ولي�س بوزارة االقت�صاد‪.‬‬
‫�سكت اجلزراوي ومل ي�ستطع �إجابة البكر الذي التفت �إليه قائال‪:‬‬
‫يا رفيق طه‪ ..‬هل الأمر و�ضح الآن‪ ..‬وزارتك هي امل�س�ؤولة ولي�ست‬
‫وزارة االقت�صاد‪.‬‬
‫وانف�ض االجتماع‪ .‬وغ��ادر اجلميع قاعة االجتماعات با�ستثناء‬
‫الدكتور قدوري‪ ،‬الذي طلب منه الرئي�س االنتظار برهة‪.‬‬
‫‪-164-‬‬
‫�أخذ البكر بيد قدوري‪ .‬وتوجها �سوية �إىل مكتب البكر يف الطابق‬
‫الأر�ضي‪ .‬وقد �أخربين فخري بعدئذ ب�أن البكر حاول التخفيف من‬
‫حدة الأزمة التي خلقها اجلزراوي قائال له بان اجلزراوي جاهل وغري‬
‫م�ستوعب لأمور الدولة‪.‬‬
‫ويف م�ساء اليوم التايل‪ ،‬زارين فخري يف منزيل ليقول يل ب�أنه قد قرر‬
‫ال�سفر �إىل �أملانيا الغربية‪ ،‬حيث كانت زوجته و�أطفاله‪ ،‬لأ�سباب �صحية‪.‬‬
‫وقد �سافر قدوري فعال بعد �أيام‪ .‬وتوليت �أنا من�صب وزير االقت�صاد‬
‫وكالة حلني عودته‪.‬‬
‫وبعد �أ�سبوعني ت�سلمت ر�سالة �شخ�صية من قدوري يطلب مني‬
‫فيها �إخبار البكر �أنه ولأ�سباب عائلية و�صحية‪ ،‬قد ال ي�ستطيع العودة‬
‫ولذلك فهو يقدم ا�ستقالته من الوزارة‪ .‬وعند �إخباري البكر مب�ضمون‬
‫ر�سالة قدوري‪ ،‬طلب مني عدم �إخبار �أحد بذلك حلني مناق�شة الأمر مع‬
‫الرفاق �أع�ضاء القيادة‪.‬‬
‫ا�ستمر احل��ال‪ ،‬فخري ق��دوري يف �أملانيا‪ ،‬ا�ستقالته مل تبحث مع‬
‫«الرفاق» و�أنا موزع بني وزارة التخطيط ووزارة االقت�صاد‪.‬‬
‫وحادثة التحقيق هذه مل تكن الأوىل �أو الأخرية‪ .‬فقد واجه قدوري‪– ‬‬
‫يف فرتة توليه م�س�ؤولية وزارة االقت�صاد‪ – ‬عمليتي حتقيق �أخريني ب�سبب‬
‫الأخبار والتقارير امللفقة �ضده‪ ،‬واحدة �أ�رشف عليها البكر و�صدام‬
‫�سويا والثانية �أ�رشف عليها عبد اخلالق ال�سامرائي بتكليف من جمل�س‬
‫قيادة الثورة‪ .‬وكانت النتيجة يف كل مرة �إىل جانب قدوري‪ .‬ففي �أحد‬
‫الأيام طلب من الدكتور قدوري احل�ضور �إىل الق�رص اجلمهوري م�ساء‪،‬‬
‫ويف الغرفة التي ينام فيها البكر �أحيان ًا كان �صدام جال�س ًا بجانب البكر‪،‬‬
‫وجل�س يف ركن منها رئي�س �إحدى امل�ؤ�س�سات التجارية التابعة لوزارة‬
‫‪-165-‬‬
‫االقت�صاد الذي كان يتمتع مبوقع حزبي متقدم �آنذاك‪ .‬وطلب البكر‬
‫منه �أوال �أن يبد�أ بعر�ض امل�شكلة فوجه انتقادات الذعة ملواقف وزير‬
‫االقت�صاد التي اعتربها خمالفة للأنظمة املرعية ومقيدة حلركة امل�ؤ�س�سات‬
‫اال�شرتاكية‪ .‬ثم طلب البكر من الدكتور قدوري الإجابة‪.‬‬
‫وهنا �أدرك قدوري الغاية من ا�ستدعائه �إىل الق�رص اجلمهوري‪ ،‬وكيف‬
‫�أن التقارير �ضده و�صلت �إىل حد خطري دفع �أكرب �شخ�صيتني يف القيادة‬
‫والدولة �أن يتوليا التحقيق فيها �شخ�صيا‪ .‬قام قدوري ب�إي�ضاح احلقائق‬
‫واح��دة بعد الأخ��رى و�إعطاء امل�بررات �ضمن �إط��ار امل�صلحة العامة‬
‫والأنظمة املرعية‪ .‬وكانت تلك املربرات وا�ضحة ومقنعة �إىل درجة �أن‬
‫البكر و�صدام �أنهيا احلديث قبل �أن يكمل قدوري كالمه بعد �أن فهما‬
‫امل�صالح املادية ال�شخ�صية التي كانت وراء تلك االنتقادات‪.‬‬
‫�أما عملية التحقيق الأخرى التي قادها عبد اخلالق ال�سامرائي‪ ،‬وهنا‬
‫مل يفاج أ� قدوري بالأمر كما ح�صل يف املرة ال�سابقة‪ ،‬فقد قام �صالح‬
‫مهدي عما�ش ع�ضو جمل�س قيادة الثورة يف تلك الفرتة بنقل قرار القيادة‬
‫ومو�ضوع التحقيق �إىل قدوري مقدما‪ .‬وكانت ال�شكوى هذه املرة‬
‫نابعة �أي�ض ًا من رئي�س �إحدى امل�ؤ�س�سات االقت�صادية الذي �أو�صل تقريره‬
‫�إىل جمل�س قيادة الثورة متهما قدوري بت�رصفات غري نظامية ت�ؤدي �إىل‬
‫�إرباك عمل امل�ؤ�س�سة اال�شرتاكية ورمبا تفكيكها‪ .‬وذهب قدوري �إىل‬
‫ال‬‫مكتب ال�سامرائي ح�سب املوعد املحدد‪ .‬وانتظر االثنان وقت ًا طوي ً‬
‫دون �أن يظهر �صاحب ال�شكوى �أو يت�صل هاتفي ًا لالعتذار‪ .‬واعترب‬
‫ال�سامرائي‪ – ‬رغم التوا�ضع الذي عرف به‪ – ‬هذا الت�رصف ا�ستخفاف ًا‬
‫مبكانته‪ ،‬بل نوع ًا من الإهانة يف الوقت الذي كان يتمتع بع�ضوية �أعلى‬
‫القيادات على امل�ستويني القومي والوطني‪ .‬وعندها اعترب ال�سامرائي‬
‫املو�ضوع منتهي ًا و�أغلق ال�شكوى‪.‬‬
‫‪-166-‬‬
‫�إعفائي والدكتور قدوري من من�صبينا الوزاريني‬
‫�صباح يوم ‪ 1971/1/25‬كنت على موعد مع رئي�س اجلمهورية‬
‫لبحث بع�ض الأمور املتعلقة مب�شاريع اخلطة التنموية ولتم�شية بع�ض‬
‫املعامالت املت�أخرة يف رئا�سة ديوان رئا�سة اجلمهورية‪ ،‬من �ضمنها‬
‫طلب ترفيع الدكتور عدنان ح�سني عوين املدير العام لهيئة املوا�صفات‬
‫واملقايي�س التابعة ملجل�س التخطيط‪.‬‬
‫ويجدر التلميح هنا �إىل �أن الروتني الإداري يف العراق‪ ،‬يق�ضي ب�أن‬
‫ترفيع املدراء العامني‪ ،‬ال يتم �إال ب�إ�صدار مر�سوم جمهوري‪ ،‬م�س�ألة‬
‫روتينية ج��داً‪ .‬ولكن النظام الإداري الذي ورثه العراق من العهد‬
‫العثماين‪ ،‬يق�ضي بان املدير العام ال يعني �إال مبر�سوم جمهوري‪ .‬وانه‬
‫ال يرفع من حلقة راتب �إىل �أخرى �إال مبر�سوم جمهوري‪ .‬وقد بقي هذا‬
‫الروتني متبعا حتى اليوم‪ ،‬وك�أن رئي�س اجلمهورية ال عمل له �إال توقيع‬
‫مرا�سيم لأمور روتينية‪.‬‬
‫قد يكون ذلك مربراً يف العهد العثماين‪ ،‬لقلة عدد املدراء العامني‬
‫و�صغر حجم الكادر الوظيفي‪ ،‬ولت�أكد الوايل العثماين من «والء»‬
‫الأ�شخا�ص الذين ن�صبهم مدراء لإدارة �ش�ؤون الوالية‪ .‬لكن يف العراق‬
‫احلديث بجهازه الإداري الكبري الذي ي�ضم عدداً ال ي�ستهان به من‬
‫املدراء العامني مل تعد ترفيعات ه�ؤالء من الأمور التي يجب �أن ي�شغل‬
‫بها رئي�س البالد وقته‪ .‬فاملدير العام عندما يعني يكون راتبه حمددا منذ‬
‫البداية �ضمن حلقة حمددة ومعروفة يف ميزانية الدولة ومن املوظفني‪.‬‬
‫وبالتايل فان ترقيته ال�سنوية تكون �ضمن احلدود التي ر�سمها قانون‬
‫املالك وال حاجة‪ ،‬يف نظري‪� ،‬إىل مفاحتة رئي�س اجلمهورية �سنويا لرتفيع‬
‫ذلك املدير العام‪ .‬ولو ت�صورنا �أن يف العراق ‪ 1200‬مديراً عام ًا‪( ،‬وهو‬
‫رقم متوا�ضع يف الو�ضع احلايل)‪ ،‬فان رئي�س اجلمهورية‪� ،‬سيوقع عددا‬
‫‪-167-‬‬
‫من املرا�سيم �سنويا يعادل عدد املدراء العامني‪� .‬أي مبعدل ‪ 100‬مر�سوم‬
‫�شهري ًا‪.‬‬
‫�أمر �سخيف! خا�صة �إذا ت�صورنا العمل الورقي الذي يحتاجه ترفيع‬
‫كل مدير عام‪ .‬فاملدير العام يكتب للوزير‪ ،‬والوزير يكتب لرئا�سة ديوان‬
‫رئا�سة اجلمهورية‪ ،‬ورئي�س الديوان يرفق مطالعة لرئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫وعند موافقة رئي�س اجلمهورية يعود رئي�س الديوان لطبع املر�سوم ورفعه‬
‫ثانية لرئي�س اجلمهورية للتوقيع‪ .‬ثم يبعث بن�سخ من ذلك املر�سوم للوزير‬
‫املخت�ص‪ ،‬فاملدير العام‪ .‬لي�س هذا فح�سب‪ ،‬بل ير�سل املر�سوم �أي�ضا لين�رش‬
‫ل بان املدير العام الفالين قد زاد راتبه‬
‫يف اجلريدة الر�سمية �إعالنا للم أ‬
‫ع�رشة دنانري!‬
‫يف نهاية اجتماعي بالبكر يوم ‪� ،1970/1/25‬أخربته ب�أنه �سبق يل‬
‫�أن كتبت لرئا�سة اجلمهورية حول ترفيع املدير العام لهيئة املوا�صفات‬
‫واملقايي�س‪ ،‬وان املعاملة قد ت�أخرت كثرياً‪ .‬ا�ستغرب البكر لهذا الت�أخري‪.‬‬
‫ورفع الهاتف فوراً‪ ،‬وطلب من رئي�س ديوان رئا�سة اجلمهورية يحيى‬
‫يا�سني �إ�صدار املر�سوم اجلمهوري‪ .‬وهممت بالوقوف ا�ستئذان ًا باملغادرة‪.‬‬
‫ا�ستوقفني البكر وطلب مني �أن اعد له جدو ًال تف�صيلي ًا مب�شاريع البلديات‬
‫املدرجة يف اخلطة االقت�صادية ملدينة تكريت على �أن �أعود ملقابلته �صباح‬
‫اليوم التايل وبالتحديد يف ال�ساعة التا�سعة �صباح ًا‪.‬‬
‫اجتهت �إىل مكتبي يف الوزارة‪ ،‬وكانت ال�ساعة قد قاربت الواحدة‬
‫بعد الظهر‪ .‬وبعد و�صويل بن�صف �ساعة جاء ال�سكرتري ليقول بان‬
‫الدكتور طعمة بندر العاين (رئي�س مالحظني يف وزارة التخطيط) يريد‬
‫مقابلتي لأمر خا�ص و�رسي وم�ستعجل‪.‬‬
‫دخل الدكتور طعمة ليخربين ب�أنه ت�سلم مكاملة هاتفية من ال�سكرتري‬
‫‪-168-‬‬
‫احلزبي لرئي�س اجلمهورية طاهر توفيق العاين)*( ي�ستف�رس فيها عن ميول‬
‫واجتاهات مدير عام هيئة املوا�صفات واملقايي�س «لأن وزير التخطيط قد‬
‫طلب ترفيعه»‪ .‬وبكل هدوء التفت �إليه وقلت له‪:‬‬
‫ما دخلك �أنت باملو�ضوع‪ ،‬وما عالقتك بطاهر العاين؟ ملاذا ي�ستف�رس‬
‫منك عن كفاءة مدير عام املوا�صفات؟ وهل اقت�رص ا�ستف�ساره عن امليول‬
‫واالجتاهات؟‪ ..‬اذهب �إىل عملك‪ ..‬و�س�أت�صل �أنا برئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫رفعت �سماعة الهاتف احلكومي وطلبت رئي�س اجلمهورية على‬
‫اخلط املبا�رش‪ .‬مل يرد �أحد‪ .‬ات�صلت بالعقيد �شفيق الدراجي �أمني �رس جمل�س‬
‫قيادة الثورة فاخربين بان البكر قد ذهب �إىل املنزل‪ .‬و�أكد علي �أال �أن�سى‬
‫موعدي مع الرئي�س غدا التا�سعة �صباحا ومعي م�شاريع البلديات يف‬
‫تكريت‪.‬‬
‫كان غ�ضبي يتزايد‪ .‬و�أنا �أت�ساءل‪ ،‬كيف ميكن ل�سكرتري حزبي لرئي�س‬
‫اجلمهورية �أن يت�صل مبوظف يف وزارة التخطيط لي�ستفهم منه عن ق�ضية‬
‫بيني وبني الرئا�سة‪ ..‬ق�ضية ب�سيطة‪ ..‬ترفيع مدير عام‪ ..‬ثم �أن البكر قد‬
‫�أعطى �أمره قبل ن�صف �ساعة فقط لإ�صدار املر�سوم اجلمهوري برتفيع‬
‫ذلك املدير العام‪.‬‬
‫هل يت�رصف طاهر العاين بدون علم البكر‪� .‬أو �أن مقايي�س �إدارة‬
‫الدولة بد�أت ت�ضيع بني دوامة التطلعات احلزبية لبع�ض عنا�رص احلزب‪.‬‬
‫ومع مرور الدقائق‪ ،‬كان غ�ضبي يزداد‪.‬‬
‫(*) – كان طاهر توفيق العاين ع�ضوا يف قيادة فرع بغداد للحزب ومن�سب ًا للعمل يف‬
‫مكتب رئي�س اجلمهورية لل�ش�ؤون احلزبية‪ .‬وقد �أ�صبح بعدئذ ع�ضوا يف القيادة‬
‫القطرية ثم وزيرا لل�صناعة عام ‪ .1979‬ويل معه ق�صة �أخرى �س�أرويها يف مكان‬
‫�آخر من هذه املذكرات‪.‬‬

‫‪-169-‬‬
‫ذهبت �إىل منزيل‪ .‬ويف ال�ساعة الرابعة ع�رصاً‪ ،‬ات�صلت هاتفيا ب�صدام‬
‫ح�سني و�أخربته باحلادث‪ .‬وقلت له باحلرف الواحد‪:‬‬
‫�إذا كانت ثقة احلزب والقيادة برئي�س مالحظني يف وزارة التخطيط‬
‫هي �أكرث من ثقتها بالوزير حول م�س�ألة ب�سيطة ال تخرج عن ترفيع مدير‬
‫عام فلماذا ال يعني ذلك املوظف وزيراً للتخطيط‪� ...‬إن ت�رصف طاهر‬
‫العاين ينم �أما عن جهل وغباء‪� .‬أو انه ت�رصف متعمد الق�صد منه غري‬
‫وا�ضح لدي‪.‬‬
‫كان �صدام جمام ً‬
‫ال �إىل ابعد احلدود‪ ،‬م�ستنكراً ت�رصف العاين‪ ،‬م�ؤكدا‬
‫يل ب�أنه �سينظر �شخ�صيا يف الأمر ويحا�سب طاهر على ت�رصفه‪.‬‬
‫يف ال�ساعة ال�ساد�سة من م�ساء اليوم نف�سه‪ ،‬عدت �إىل مكتبي يف‬
‫الوزارة كعادتي اليومية‪ ،‬ويف حوايل ال�ساعة الثامنة م�ساء ات�صل بي‬
‫البكر هاتفيا م�ستف�رسا عن بع�ض املعامالت كعادته م�ؤكدا موعده يف‬
‫التا�سعة من �صباح اليوم التايل‪ .‬كل �شيء طبيعي‪ .‬ويف ال�ساعة التا�سعة‬
‫والن�صف م�ساء عدت �إىل املنزل ويف جعبتي املعلومات التي طلبها البكر‬
‫عن م�شاريع بلديات تكريت على �أمل اللقاء به يف �صباح اليوم التايل‪.‬‬
‫كان تلفزيون بغداد ينقل مباراة املالكمة بني حممد علي كالي‬
‫وغرميه‪ ،‬فقررت م�شاهد تلك املباراة‪ .‬ومل مت�ض ع�رش دقائق على متابعتي‬
‫لها حتى قطع تلفزيون بغداد براجمه‪ .‬وظهر املذيع ليعلن انه �سيذاع بيان‬
‫هام على اجلمهور بعد حلظات‪.‬‬
‫ومرت دقائق ع�رش �أخرى و�أنا �أ�شاهد املباراة و�أحتم�س لكالي‪ ،‬وبعد‬
‫برهة ظهر املذيع ثانية معلن ًا �صدور املر�سومني اجلمهوريني التاليني‪:‬‬
‫مر�سوم جمهوري ب�إعفاء جواد ها�شم من من�صب وزير التخطيط‬
‫وتعيني عبد الكرمي ال�شيخلي (وزير اخلارجية) وزيراً للتخطيط بالوكالة‪.‬‬
‫‪-170-‬‬
‫مر�سوم جمهوري �آخر ب�إعفاء فخري قدوري من من�صب وزير‬
‫االقت�صاد وتعيني طه اجلزراوي باملن�صب وكالة‪.‬‬
‫ثم ن�شيد وطني!‬
‫فوجئت ب�أمر املر�سومني واللهجة الثورية‪ .‬التي طلع بها علينا املذيع‬
‫التلفزيوين! ثم ملاذا هذا الأ�سلوب املفاجئ؟ ومل يكن قد م�ضى على‬
‫حديثي مع البكر �سوى �أقل من �ساعتني وهو ي�ؤكد يل موعده لليوم‬
‫التايل!‬
‫بعد حوايل ن�صف �ساعة توجهت للوزارة‪ ،‬وكانت ال�ساعة تقارب‬
‫احلادية ع�رشة لي ً‬
‫ال‪ ،‬ملمت �أوراقي وعدت �إىل املنزل‪.‬‬
‫ويف ال�ساعة التا�سعة والن�صف من �صباح اليوم الثاين‪ ،‬ات�صل بي‬
‫هاتفيا العقيد �شفيق الدراجي �سكرتري عام جمل�س قيادة الثورة م�ستف�رسا‬
‫عن �سبب عدم جميئي �إىل الق�رص ملقابلة الرئي�س ح�سب املوعد‪ .‬فقلت له‬
‫�أمل ت�سمع باملرا�سيم اجلمهورية ليلة �أم�س؟ فكان جوابه بالنفي‪.‬‬
‫– عجيب‪� ..‬أمل تكن حا�رضا اجتماع جمل�س قيادة الثورة الذي‬
‫�أ�صدر تلك القرارات؟‬
‫– كال‪ ..‬جاء جواب �شفيق وظن باين �أمزح معه!‬
‫�أكدت ل�شفيق ب�أنني قد �أعفيت من من�صبي‪ ،‬وبالتايل ال �أجد مربراً‬
‫ملقابلة الرئي�س لبحث �أمور تتعلق باخلطة وم�شاريع بلديات تكريت‪.‬‬
‫يف ع�رص اليوم ذاته‪ ،‬ات�صل بي عبد اخلالق ال�سامرائي هاتفي ًا‪ – ‬وكان‬
‫حينها ع�ضواً يف جمل�س قيادة الثورة والقيادتني القومية والقطرية‪– ‬‬
‫وطلب مني مقابلته يف مبنى القيادة القومية لبحث �أمور تتعلق ب�إحدى‬
‫جلان احلزب‪.‬‬
‫‪-171-‬‬
‫وعند اللقاء معه‪� ،‬أكد يل عبد اخلالق ب�أنه مل يكن على علم م�سبق‬
‫باملرا�سيم اجلمهورية التي �صدرت ليلة �أم�س‪ .‬وانه �سمعها من التلفزيون‬
‫مثلما �سمعتها �أنا‪ .‬وعند ا�ستف�ساري منه �إن كان حا�رضا اجتماع جمل�س‬
‫قيادة الثورة �أخربين ب�أنه قد قاطع اجتماعات املجل�س منذ فرتة طويلة‬
‫احتجاجا على ت�رصفات بع�ض الأع�ضاء وعدم التزامهم مببادئ احلزب‪.‬‬
‫وهكذا انتهت املرحلة الأوىل من عملي احلكومي‪� .‬أعيد تعييني‬
‫مدر�س ًا‪ ،‬ف�أ�ستاذا م�ساعداً يف اجلامعة امل�ستن�رصية‪ .‬وانغمرت بالعمل‬
‫الأكادميي البحت من�رصف ًا كلي ًا �إىل البحث‪.‬‬
‫بعد �شهر من �إعفائي من من�صبي التقيت �شفيق الكمايل الع�ضو االحتياط‬
‫يف القيادة القطرية وقتها يف حفل ع�شاء يف منزل �صديق م�شرتك‪ ،‬و�أثناء‬
‫حديثنا‪� ،‬أخربين الكمايل بتفا�صيل الظروف التي رافقت �إعفائي وفخري‬
‫قدوري‪ ،‬فقال‪ :‬يف م�ساء ذلك اليوم الذي �صدر فيه املر�سومان كان جمل�س‬
‫قيادة الثورة منعقدا للنظر يف جدول �أعماله االعتيادي‪ .‬ويف حوايل ال�ساعة‬
‫العا�رشة م�ساء‪ ،‬انربى طه اجلزراوي �شاكيا العراقيل التي ي�ضعها «الدكاترة»‬
‫االقت�صاديون �أمثال جواد ها�شم وفخري قدوري لإعاقة عجلة الثورة‪،‬‬
‫متهما �إيانا‪ ،‬كعادته‪ ،‬بالأفكار الغربية واال�ستعمارية‪.‬‬
‫ويبدو �أن البكر قد انزعج من كالم اجلزراوي حيث التفت �إليه قائال‪:‬‬
‫رفيق طه‪ ..‬لي�س للحزب �سوى عدد قليل من الدكاترة العاملني معنا‪..‬‬
‫فهل تريد �أن نتخل�ص منهم جميعا‪..‬؟ �إذا كان هذا هو اجتاه احلزب‪..‬‬
‫فبها‪ ..‬ورفع البكر �سماعة التلفون وات�صل مبدير الإذاعة و�أملى عليه‬
‫املر�سومني اجلمهوريني‪ ..‬وهو يف حالة ع�صبية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وبهذه الب�ساطة‪ ،‬اجلزراوي يتهم‪ ..‬والبكر يحتد‪ ..‬ويعفى‬
‫وزيران‪ ..‬على الفور!‬
‫‪-172-‬‬
‫الف�صل الثاين ع�شر‬
‫الوزارة الثانية وت�أميم النفط‬

‫م�ضت ب�ضعة �شهور على �إعفائي من الوزارة و�أنا منغمر يف العمل‬


‫الأكادميي‪ .‬وخالل هذه الفرتة عاد الدكتور فخري قدوري من �أملانيا‪.‬‬
‫ومت تعيينه ع�ضوا يف مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية التابع ملجل�س قيادة‬
‫الثورة‪ .‬كان للمجل�س عدد من املكاتب اال�ست�شارية‪ .‬غالبيتها جمرد‬
‫�أ�سماء وظيفية يعني فيها بع�ض قياديي احلزب‪ .‬غري �أن مكتبني فقط هما‬
‫مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية ومكتب ال�ش�ؤون القانونية‪ ،‬كانا ميار�سان‬
‫العمل اال�ست�شاري الفعلي‪ .‬وكان لهذين املكتبني دور فعال يف اقرتاح‬
‫�أو ت�صفية كثري من الت�رشيعات التي �أ�صدرها جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫وكلمة حق يجب �أن تقال بحق من عملوا يف هذين املكتبني اللذين‬
‫كان لهما دور فعال وجمد يف ت�سيري دفة احلكم‪ ،‬فمكتب ال�ش�ؤون القانونية‬
‫كان برئا�سة عبد الفتاح زلط (�سوري اجلن�سية) الذي عمل جاهداً يف‬
‫«منع» �صدور كثري من الت�رشيعات التي كان يقرتحها وزير العدل �أو بع�ض‬
‫القياديني يف احلزب‪ .‬والتي لو �صدرت لكانت لها �آثار �سلبية على م�صالح‬
‫اجلماهري‪ .‬كما عمل املكتب على �إعادة النظر يف كثري من التحقيقات التي‬
‫كانت تقدم للقيادة بحق بع�ض املواطنني من قبل �أجهزة الأمن �أو �أجهزة‬
‫احلزب‪ .‬وكان من �ش�أن ذلك رفع احليف والظلم عنهم‪.‬‬
‫‪-173-‬‬
‫�أما مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية فكانت حتال �إليه الكثري من الت�رشيعات‬
‫االقت�صادية واملقرتحات التي لها م�سا�س بال�ش�ؤون املالية‪ .‬ونظراً الرتباط‬
‫املكتب ب�صدام ح�سني مبا�رشة‪ .‬فقد كانت مقرتحاته (املكتب) تلقى‬
‫الأذن ال�صاغية‪� .‬إذ غالبا ما يتبنى �صدام �آراء املكتب ومقرتحاته‪ .‬وي�صدر‬
‫ب�ش�أنها القرارات الالزمة‪ .‬وميكن القول ب�أن �صدام ح�سني مل يكن يتخذ‬
‫قراراً له عالقة بال�ش�ؤون االقت�صادية واملالية دون �أن مير �أوال على مكتب‬
‫ال�ش�ؤون االقت�صادية‪ .‬ولأن املكتب مرتبط ب�صدام‪ ،‬فقد ن�ش�أ نوع من‬
‫احل�سا�سيات بني بع�ض الوزراء من �أع�ضاء القيادة وبني املكتب‪.‬‬
‫يف بادئ الأمر مل يكن يف املكتب �سوى ع�ضو و�سكرترية واحدة‬
‫ويف منت�صف عام ‪ 1971‬وكان قد م�ضى على �إعفائي من الوزارة ب�ضعة‬
‫�شهور ات�صل بي �صدام ح�سني هاتفيا و�أخربين ب�أنه يريدين ع�ضوا يف‬
‫مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‪.‬‬
‫�صدر مر�سوم جمهوري بتعييني يف املكتب‪ .‬وبا�رشت العمل يف‬
‫غرفة جماورة ملكتب �صدام يف مبنى املجل�س الوطني مع ا�ستمراري يف‬
‫مهنة التدري�س اجلامعي‪ .‬مت تق�سيم العمل اليومي يف املكتب‪ .‬فالدكتور‬
‫فخري قدوري حتال �إليه الق�ضايا املتعلقة بوزارة االقت�صاد وال�ش�ؤون‬
‫االقت�صادية العامة‪ ،‬و�أنا حتال �إيل امل�سائل املتعلقة باخلطة االقت�صادية‬
‫وال�ش�ؤون املالية‪ .‬وكنا يف اغلب الأمور نت�شاور �سوية‪ ،‬فخري و�أنا‪،‬‬
‫قبل �أن نقدم تو�صياتنا النهائية ل�صدام ح�سني‪ ،‬الذي كان يرفعها بدوره‬
‫ملجل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫وهنا البد من القول ب�أن �أي مقرتح يوافق عليه �صدام ح�سني‪ ،‬كان‬
‫يعني موافقة جمل�س قيادة الثورة عليه حتم ًا‪ .‬وال اذكر �أبدا �أن رف�ض جمل�س‬
‫قيادة الثورة مقرتح ًا يحمل توقيع �صدام �إال مقرتحا واحدا يتعلق بعودة‬
‫ذوي الكفاءات �س�أ�رشحه يف مكان �آخر من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪-174-‬‬
‫ا�ستمر عملي يف مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‪ .‬وبد�أت املعامالت‬
‫اليومية تكرث‪ .‬كل وزير يكتب ل�صدام حول �ش�أن من �ش�ؤون الدولة‬
‫ويحال كتابه �إىل مكتبنا لبيان الر�أي وتقدمي التو�صية‪ .‬ويف �أحد الأيام‪،‬‬
‫دخل �صدام مكتبي دون �أن يغلق الباب‪ ،‬وجل�س برهة لي�ست بالق�صرية‪،‬‬
‫متحدث ًا يف �أمور عامة م�ستف�رساً عن بع�ض املعامالت‪ .‬ثم نه�ض فج�أة‬
‫وتوجه نحو الباب‪ .‬وظننت ب�أنه يريد العودة �إىل مكتبه‪ ،‬غري انه عاد �إىل‬
‫اجللو�س بعد �أن اغلق الباب‪ ..‬و�س�ألني‪« :‬دكتور‪ ..‬كيف ميكن للقيادة‬
‫حتقيق طموحاتها وتطلعاتها يف بناء العراق ودفع عجلة التنمية فيه بدون‬
‫موارد مالية كافية؟ كيف ي�ستطيع احلزب حتقيق �أهدافه ومواردنا الفعلية‬
‫قليلة وهي بيد �رشكات النفط الأجنبية؟‬
‫وهممت بالإجابة‪ ،‬ولكنه ا�سرت�سل يف الكالم مبينا بان ال مفر للعراق‬
‫من ال�سيطرة التامة على مقدراته وحتقيق ا�ستقالله االقت�صادي‪ ،‬م�شبها‬
‫عالقة احلكومة العراقية ب�رشكات النفط الأجنبية بالعالقة باملوظف الذي‬
‫يت�سلم راتبه ال�شهري‪ ،‬منتظراً عالوته ال�سنوية املعتمدة على ح�سن �سلوكه‬
‫و�إطاعته لر�ؤ�سائه‪ .‬فاحلكومة العراقية يف الواقع هي مبثابة موظف لدى‬
‫�رشكات النفط الأجنبية‪ .‬فان �أح�سنت الأداء و�أطاعت‪� ،‬ستح�صل على‬
‫العالوة ال�سنوية وهي زيادة ب�سيطة يف �إنتاج النفط وبيعه‪ .‬و�إال ف�ستحرم‬
‫من العالوة �أي تخفي�ض الإنتاج‪ .‬وبالتايل يخف�ض �إيراد الدولة‪ ،‬متاما مثل‬
‫تخفي�ض الراتب‪ .‬هذه م�س�ألة تقلق احلكومة وحتد من حرية ت�رصفاتها‪..‬‬
‫البد لنا من و�ضع حد لهذا الأمر‪� ..‬أال تعتقد بذلك يا دكتور؟‬
‫وجاء جوابي م�ؤيدا لأقواله‪ .‬مبين ًا له بان العراق ال ي�ستطيع فعال‬
‫التخطيط لفرتات طويلة دون �أن يكون لديه ت�صور معقول للحد الأدنى‬
‫ملوارده النفطية لل�سنوات القادمة‪.‬‬
‫وهنا نه�ض �صدام قائ ً‬
‫ال‪� :‬إذن �أنت تتفق معي يف �رضورة البدء بالتفكري‬
‫‪-175-‬‬
‫حول كيفية التعامل مع �رشكات النفط الأجنبية وفق منظور يختلف عن‬
‫تعامل احلكومات ال�سابقة معها‪ ،‬بحيث تفهم ال�رشكات ب�أننا نعني ما‬
‫نقول‪ .‬ونطبق ما نقوله فع ً‬
‫ال‪ .‬ثم غادر مكتبي‪ ،‬م�ؤكدا بان القيادة �ستبد�أ‬
‫قريبا ب�إجراء مفاو�ضات جدية وحا�سمة مع �رشكات النفط‪.‬‬

‫عما�ش و�صدام ودورهما يف مفاو�ضات النفط‬


‫ال �أري��د هنا �أن ادخ��ل يف تفا�صيل العالقات التي كانت بني‬
‫احلكومات العراقية املتعاقبة مع �رشكات النفط الأجنبية والتي �أ�شار �إليها‬
‫�صدام‪ ،‬ولكني �أريد �أن ا�رسد بع�ض الأحداث التي رافقتها خالل عملي‬
‫كم�س�ؤول يف الدولة و�أعود بالذاكرة قليال‪� ،‬إىل الفرتة التي �سبقت دخول‬
‫�صدام �إىل مكتبي‪.‬‬
‫ات�سمت عالقة العراق ب�رشكات النفط عرب �سنوات طويلة‪،‬‬
‫بالتوتر‪ ،‬ي�شتد حينا‪ .‬وي�ضعف حينا �آخر‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك فان جميع‬
‫التنظيمات ال�سيا�سية يف العراق‪ ،‬كانت ترى يف �رشكات النفط‪،‬‬
‫رمزا لال�ستغالل الأجنبي و�شعارا لال�ستعمار والر�أ�سمالية‪ .‬وميكن‬
‫القول ب�أن تلك العالقات املتوترة كان م�صدرها �سببان‪� :‬أولهما �إن‬
‫االمتيازات التي ح�صلت عليها ال�رشكات يف الأ�صل قد متت يف فرتة‬
‫ت�سبق ح�صول العراق على اال�ستقالل الكامل‪ .‬وثانيهما‪ ،‬اخلالف‬
‫حول مناطق التنقيب عن النفط وا�ستخراجه ومعدالت التو�سع يف‬
‫الإنتاج والت�صدير وما يتبعهما‪ ،‬بطبيعة احلال‪ ،‬حجم �إيرادات الدولة‬
‫من عوائد ت�صدير النفط‪ .‬وي�ضاف �إىل عنا�رص التوتر �أي�ضا العالقات‬
‫العراقية‪ – ‬ال�سورية‪ ،‬وعالقة ال�رشكات باحلكومات ال�سورية‪ .‬فكل‬
‫خالف بني �رشكة نفط العراق (‪ )IPC‬و�سوريا‪ ،‬كان ينعك�س �أثره على‬
‫العراق‪ ،‬وكل خالف بني العراق و�سوريا ينعك�س �أثره على �رشكة‬
‫نفط العراق‪.‬‬
‫‪-176-‬‬
‫قبل ت�سلم البعث لل�سلطة يف العراق عام ‪� ،1968‬أ�صدرت احلكومة‬
‫العراقية القانون رقم ‪ 97‬ل�سنة ‪� ،1967‬أعطت مبوجبه ل�رشكة النفط‬
‫الوطنية العراقية حق تطوير املناطق التي انتزعت طبقا للقانون ال�شهري‬
‫الذي �صدر يف عهد عبد الكرمي قا�سم واملعروف بالقانون رقم ‪ 80‬ل�سنة‬
‫‪.1961‬‬
‫احتجت �رشكة نفط العراق على �صدور القانون رقم ‪ ،97‬الذي‬
‫خول �رشكة النفط الوطنية حق ا�ستثمار حقل الرميلة ال�شمايل‪ ،‬مدعية‬
‫ب�أنه منذ عام ‪ 1961‬وحقل الرميلة ب�أكمله (ال�شمايل واجلنوبي) يقع‬
‫�ضمن مناطق امتيازها‪ .‬وجاء يف مذكرات االحتجاج �إن م�ساهمي �رشكة‬
‫نفط العراق �سيتخذون كل الإجراءات الكفيلة ملنع الأطراف الأخرى‬
‫من ا�ستغالل ذلك احلقل باعتباره حقا قانونيا ل�رشكة نفط العراق‪ .‬وقد‬
‫بعثت احلكومة الربيطانية مبذكرة احتجاج مماثلة �إىل احلكومة العراقية‬
‫ت�ؤيد فيها حق �رشكة نفط العراق‪.‬‬
‫وم�ضت �أ�شهر قليلة‪ ،‬وت�سلم البعث ال�سلطة والتوتر النفطي‬
‫م�ستمر‪.‬‬
‫جاءت زيارتي �إىل لندن يف دي�سمرب (كانون الأول) ‪ 1968‬التي‬
‫�أ�رشت �إليها �سابقا واجتمعت مبمثلي �رشكة نفط العراق الذين �أبدوا‬
‫الرغبة يف احلوار مع احلكومة العراقية‪ ،‬وعندما نقلت تلك الرغبة‬
‫ملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬اجتهت النية �إىل ت�أجيل املو�ضوع لفرتة‪ .‬وطالت‬
‫الفرتة حتى جاء عام ‪ .1970‬ويف هذا العام بد�أت احلكومة ب�إجراء‬
‫مفاو�ضات �رسية ب�إ�رشاف �صالح مهدي عما�ش لكنها مل ت�ستمر طويال‬
‫ومل يعلن عنها لأن ال�رشكات‪ ،‬وفقا ملا ورد يف التقرير ال�سيا�سي للم�ؤمتر‬
‫القطري الثامن حلزب البعث عام ‪« ،1974‬كانت حتاول انتهاج خطة‬
‫ت�سويف ت�ستهدف تروي�ض الثورة وتهيئة مقدمات �إ�سقاطها»‪.‬‬
‫‪-177-‬‬
‫ولكي ت�ضع احلكومة حدا ملماطلة ال�رشكات حول االعرتاف بحق‬
‫العراق يف حقل الرميلة ال�شمايل اقرتح عما�ش توجيه �إنذار �إىل ال�رشكات‬
‫عن طريق �إلغاء املادة الثالثة من القانون رقم ‪ 80‬ل�سنة ‪ 1961‬التي كانت‬
‫جتيز للحكومة العراقية تخ�صي�ص �أرا�ضي �أخرى ل�رشكات النفط الأجنبية‬
‫لتكون احتياطا لها �رشيطة �أال تزيد على م�ساحة املنطقة املحددة لكل‬
‫�رشكة‪.‬‬
‫وبالفعل‪� ،‬أ�صدر جمل�س قيادة الثورة القانون رقم ‪ 24‬ل�سنة ‪1970‬‬
‫حمققا رغبة عما�ش‪.‬‬
‫وزاد التوتر بني ال�رشكات واحلكومة العراقية وعلى �إثرها انقطعت‬
‫املفاو�ضات‪ ،‬وبد أ� عما�ش يطرح فكرة ت�أميم النفط وي�رص عليها‪ ،‬م�ؤكدا‬
‫مالءمة املناخ لذلك لأن املوقف التفاو�ضي ل�رشكات النفط العاملة يف‬
‫منطقة ال�رشق الأو�سط بد�أ ي�ضعف ب�سبب املتغريات يف �سوق النفط‬
‫العاملي‪ ،‬وقد ا�ستطاع عما�ش �إقناع البكر ووزير النفط �سعدون حمادي‬
‫البدء يف تهيئة امل�ستلزمات ال�سيا�سية للت�أميم‪.‬‬
‫ويف يونيو (حزيران) ‪ 1970‬تقدمت احلكومة العراقية مبذكرة‬
‫�إىل اجتماع منظمة (الأوب��ك) الذي انعقد يف اجلزائر‪ ،‬تطلب فيها‬
‫ت�أييد العراق يف �رصاعه مع �رشكات النفط وحقه يف اتخاذ ما يلزم من‬
‫�إجراءات ل�ضمان حقوقه امل�رشوعة‪ ،‬وتبنت املنظمة املقرتح العراقي‬
‫با�ستثناء بع�ض �أع�ضائها الذين وجدوا �صعوبة يف التزام حكومتهم مبد�أ‬
‫الت�أييد املطلق ما مل يو�ضح العراق ماهية الإجراءات التي �سيتخذها‬
‫بحق ال�رشكات‪.‬‬
‫وجاء �شهر يوليو (متوز) ‪ ،1970‬وبد�أت االحتفاالت مبرور عامني‬
‫على ت�سلم البعث لل�سلطة‪ .‬ومعها بد�أت حملة �إعالمية وا�سعة �ضد‬
‫‪-178-‬‬
‫�رشكات النفط‪ ،‬ت�ضمنتها خطب البكر وعما�ش ووزير النفط مبنا�سبة‬
‫االحتفال ببدء �أعمال احلفر يف حقل الرميلة ال�شمايل‪.‬‬
‫�أ�ستمر عما�ش يف متابعة م�ستلزمات الت�أميم‪ .‬وما �أن حل �سبتمرب‬
‫(�أيلول) ‪ 1971‬و�إذا بعما�ش يعفى من من�صبه ويغادر �إىل مو�سكو �سفريا‬
‫للعراق‪ ،‬ويت�سلم �صدام ح�سني املهام التي كانت موكلة لعما�ش‪ ،‬حتى‬
‫قيل يف حينه �إن �سبب الت�أخر يف بدء املفاو�ضات �أو �إكمال م�ستلزمات‬
‫الت�أميم هو �أن �صدام كان يريد �أن ين�سب الت�أميم‪� – ‬إن ح�صل‪� – ‬إىل‬
‫جهوده ال�شخ�صية‪.‬‬
‫ثم بد�أت املفاو�ضات مع �رشكات النفط‪.‬‬

‫املفاو�ضات النفطية‬
‫يف ‪ 15‬يناير (كانون الثاين) ‪ ،1972‬بد�أت املفاو�ضات الر�سمية بني‬
‫احلكومة العراقية و�رشكات النفط الأجنبية‪ .‬تر�أ�س الوفد العراقي فيها‬
‫وزير اخلارجية مرت�ضى �سعيد عبد الباقي احلديثي‪ ،‬وقد �ألقى يف جل�سة‬
‫االفتتاح كلمة ]‪ [1‬حدد فيها موقف العراق وا�رصاره على انتزاع حقوقه‬
‫امل�رشوعة وفق �صيغ جديدة‪ .‬وبعد اجلولة الأوىل من املفاو�ضات‪ ،‬طلبت‬
‫ال�رشكات من احلكومة العراقية �إمهالها بع�ض الوقت لتقدمي عر�ضها بهذا‬
‫ال�ش�أن‪ .‬وبعد �أ�سبوع تقدمت ال�رشكات ببع�ض العرو�ض والبدائل غري �أن‬
‫احلكومة رف�ضتها واعتربتها عرو�ضا تتناق�ض مع جوهر مطالب العراق‪،‬‬
‫وطلبت من ال�رشكات تقدمي عرو�ض جديدة‪ .‬ونتيجة لهذا الرف�ض‬
‫طلبت ال�رشكات مهلة �أخرى لل�سفر �إىل لندن للت�شاور‪.‬‬
‫ويف مطلع فرباير (�شباط) ‪ 1972‬عاد وفد ال�رشكات وبد�أت اجلولة‬
‫الثانية من املفاو�ضات التي تبني من خاللها ب�أن ال�رشكات ما تزال م�رصة‬
‫على موقفها الذي ي�ست�شف منه �إنه ي�ستهدف االلتفاف على م�ضمون‬
‫‪-179-‬‬
‫القانون رقم ‪ 80‬وع��دم االع�تراف بحق العراق املطلق يف �إ�صدار‬
‫الت�رشيعات اخلا�صة برثواته النفطية‪.‬‬
‫كان �صدام ح�سني هو امل�رشف الفعلي على املفاو�ضات واملوجه‬
‫للوفد العراقي (كان نائبا لرئي�س جمل�س قيادة الثورة يومئذ)‪ ،‬وكنت �أمل�س‬
‫منه عدم ارتياحه ملوقف ال�رشكات �أو اطمئنانه �إىل مناوراتها‪ .‬لقد كان‬
‫يلمح با�ستمرار ب�أن �أف�ضل حل للق�ضية النفطية هو الت�أميم الفوري لأن‬
‫ال�رشكات مهما طرحت من عرو�ض ف�أنها �ستبقى تثري امل�شاكل املالية‬
‫وال�سيا�سية للعراق‪.‬‬
‫انقطعت املفاو�ضات النفطية يف نهاية فرباير (�شباط) على ما �أذكر‪،‬‬
‫ويف �أبريل (ني�سان) ‪ ،1972‬حل موعد البدء بالإنتاج الوطني للنفط‪،‬‬
‫و�أثناء زيارة الك�سي كو�سيغني رئي�س وزراء االحتاد ال�سوفياتي للعراق بد�أ‬
‫الإنتاج يف حقول �شمال الرميلة‪ ،‬وبعد ذلك ب�أيام قليلة حملت �أول ناقلة‬
‫النفط العراقي املنتج وطنيا �إىل الأ�سواق العاملية‪.‬‬
‫ومل ت�سكت ال�رشكات الأجنبية على ذلك‪� ،‬إذ بد�أت بحملة وا�سعة‬
‫مدعية �أن نفط الرميلة ملك لها وحمذرة دول العامل من �رشائه‪ ،‬كما جل�أت‬
‫�إىل �سيا�ستها القدمية التي اتبعتها �أيام حكومة عبد الكرمي قا�سم ب�أن‬
‫خف�ضت الإنتاج ب�شكل حاد‪.‬‬
‫لقد خلق موقف ال�رشكات �صعوبات كثرية للعراق‪ ،‬وكان �صدام‬
‫ينظر �إىل هذا املوقف بقلق لي�س لأنه موقف يحد من حرية حركة‬
‫احلكومة العراقية فح�سب‪ ،‬بل لأنه ي�شكل حتديا ل�صدام ب�صفته امل�رشف‬
‫الفعلي على املفاو�ضات‪ ،‬وعليه لو انقطعت املفاو�ضات‪ ،‬وقد انقطعت‬
‫فعال‪ ،‬ومل يتمكن �صدام من حل هذه امل�شكلة فان و�ضعه ال�شخ�صي قد‬
‫ي�صيبه بع�ض الإحراج �أمام قيادة احلزب وكوادره‪.‬‬
‫‪-180-‬‬
‫م�ضت عدة �أيام دون �أن ي�أتي �صدام �إىل مكتبه‪ ،‬وكنت كلما �أ�س�أل‬
‫�سكرتريه اخلا�ص عن «ال�سيد النائب» كان يقول ب�أنه متوعك وم�صاب‬
‫بالأنفلونزا‪.‬‬
‫وم�ضت �أي��ام �أخ��رى و�إذا ب�صدام ح�سني يت�صل بي هاتفيا طالبا‬
‫ح�ضوري �إىل مكتبه يف ال�ساعة ال�ساد�سة م�ساء اليوم الأول من مايو‬
‫(�أيار) يوم عيد العمال‪.‬‬
‫ذهبت ح�سب املوعد املحدد ومل يكن �أح��د يف مبنى املجل�س‬
‫الوطني‪ ،‬حيث مكتبه‪� ،‬سوى �صدام و�سكرتريه ال�شخ�صي الرائد علي‬
‫العبيدي ومرافقه �صباح مريزا‪.‬‬
‫جل�ست على الكر�سي املقابل ملكتبه‪ ،‬وبعد عبارات املجاملة �س�ألني‪.‬‬
‫– هل تعرف ملاذا طلبتك هذا اليوم وهو عطلة ر�سمية؟‬
‫– كال‪..‬‬
‫– طلبتك الآن لأين �أريد منك ب�صفتك ال�شخ�صية �أن تعد يل درا�سة‬
‫خا�صة و�رسية للغاية عن كيفية �إدارة موارد الدولة من خالل ثالث بدائل‬
‫هي‪:‬‬
‫ • انقطاع املوارد النفطية بن�سبة ‪%100‬‬
‫ • انقطاع املوارد النفطية بن�سبة ‪%75‬‬
‫ • انقطاع املوارد النفطية بن�سبة ‪%50‬‬
‫على �أن تت�ضمن الدرا�سة مقرتحات حمددة لزيادة موارد الدولة من‬
‫م�صادر �أخرى يف ظل كل بديل‪ .‬ثم �أ�شار �إيل �صدام بو�ضوح ب�أن هذه‬
‫الدرا�سة يجب �أن تكون �رسية ال يعرف بها �أحد‪ ،‬و�أذكر جيدا �إنه قال‬
‫‪-181-‬‬
‫�إذا ات�صل بك �أي ع�ضو يف القيادة �أو �أي �شخ�ص �آخر مهما كان من�صبه‬
‫و�س�ألك عن هذه الدرا�سة فعليك �إحالته �إيل‪ ،‬ال تخربهم ب�أي �شيء‪.‬‬
‫و�أ�ضاف �صدام قائال‪� ،‬إنه يريد �أن �أعد له م�سودة بيان �صادر من‬
‫جمل�س قيادة الثورة ين�ص على وقف العمل باخلطة االقت�صادية ال�سنوية‬
‫(املنهاج اال�ستثماري) وفر�ض التق�شف التام يف م�رصوفات الدولة مبا ال‬
‫ي�ؤثر على امل�شاريع االقت�صادية املبا�رش بها‪.‬‬
‫وقبل �أن �أغادر مكتبه �س�ألته عن املدة الزمنية التي يريد خاللها الدرا�سة‬
‫ف�أجابني ب�أ�رسع وقت ممكن‪� .‬أ�سبوعني �أو ثالثة على �أكرث تقدير‪.‬‬
‫غادرت مكتب �صدام ويف ذهني ت�سا�ؤالت كثرية‪.‬‬
‫ملاذا يطلب مني �صدام مثل هذه الدرا�سة املعقدة خالل فرتة ق�صرية؟‬
‫ملاذا ال يكلف بها وزارة التخطيط حيث الإمكانيات الفنية الهائلة؟ ملاذا‬
‫يطلب مني عدم �إخبار �أي �شخ�ص حتى رئي�س اجلمهورية؟ ال �أظنه يريد‬
‫اختباري علمي ًا‪.‬‬
‫البد �أن يكون يف ذهنه �إجراء اقت�صادي يريد اتخاذه‪ .‬ت�أميم النفط‬
‫حتما ولكن متى؟‬
‫يف اليوم التايل بد�أت يف �إعداد ما طلبه �صدام‪ ،‬ولكن مل مت�ض‬
‫�سوى �أيام معدودة‪ ،‬و�إذا ب�سل�سلة من املرا�سيم اجلمهورية ت�صدر‬
‫وتق�ضي بت�شكيل وزارة جديدة �أعيد فيها تعييني وزيرا للتخطيط‬
‫للمرة الثانية‪.‬‬

‫الوزارة الثانية وت�أميم النفط‬


‫يف يوم ‪� 1972/5/14‬أ�صدر رئي�س اجلمهورية �أحمد ح�سن البكر‬
‫‪-182-‬‬
‫مر�سوم ًا ب�إجراء تعديل وزاري �شامل عني مبوجبه جمموعة من ال�شخ�صيات‬
‫غري البعثية‪ .‬كانت هذه الت�شكيلة الوزارية اجلديدة متهيدا مل�شاركة عنا�رص‬
‫«اجلبهة الوطنية» يف احلكم‪ ،‬ومن ثم ت�أميم النفط العراقي الذي بد�أت‬
‫مفاو�ضات العراق ب�ش�أنه مع �رشكات النفط الأجنبية (ر�سميا) قبل ذلك‬
‫بخم�سة �أ�شهر‪.‬‬
‫ومبوجب التعديل �أو الت�شكيلة الوزارية‪ ،‬فقد �أ�صدر رئي�س اجلمهورية‬
‫مرا�سيم على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ – 1‬املر�سوم الأول يق�ضي يف فقرته الأوىل بتعيني‪:‬‬
‫الدكتور ر�شيد الرفاعي‬ ‫وزيرا للموا�صالت‬
‫عدنان �أيوب �صربي‬ ‫وزيرا لل�شباب‬
‫حامد علوان اجلبوري‬ ‫وزيرا للأعالم‬
‫الدكتور جواد ها�شم‬ ‫وزيرا للتخطيط‬
‫حكمة العزاوي‬ ‫وزيرا لالقت�صاد‬
‫مكرم الطالباين‬ ‫وزيرا للري‬
‫ه�شام ال�شاوي‬ ‫وزيرا للتعليم العايل والبحث العلمي‬
‫الدكتور نزار الطبقجلي‬ ‫وزيرا للدولة‬
‫عامر عبد اهلل‬ ‫وزيرا للدولة‬

‫ومبوجب هذه الت�شكيلة الوزارية فقد دخل ال��وزارة اثنان ميثالن‬


‫احلزب ال�شيوعي العراقي‪ ،‬هما عامر عبد اهلل ومكرم الطالباين‪ ،‬واثنان‬
‫من العنا�رص القومية هما ه�شام ال�شاوي والدكتور نزار الطبقجلي‪.‬‬
‫‪-183-‬‬
‫�أما الفقرة الثانية من املر�سوم فقد ت�ضمنت �إعفاء بع�ض الوزراء من‬
‫منا�صبهم على النحو التايل‪:‬‬
‫ • �إعفاء �شفيق الكمايل من من�صب وزير الإعالم‪.‬‬
‫ • �إعفاء الدكتورة �سعاد خليل �إ�سماعيل من من�صب وزيرة التعليم‬
‫العايل والبحث العلمي‪.‬‬
‫ • �إعفاء الدكتور طه �إبراهيم العبد اهلل من من�صب وزير الري‪.‬‬
‫‪� – 2‬أما املر�سوم الثاين فقد ت�ضمن تعيني �شفيق الكمايل ع�ضواً يف‬
‫مكتب ال�ش�ؤون الرتبوية التابع ملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬وتعيني الدكتور‬
‫طه �إبراهيم العبد اهلل ع�ضواً متفرغ ًا يف املجل�س الزراعي الأعلى‪� .‬أما‬
‫الدكتورة �سعاد فلم تعني يف �أي من�صب‪.‬‬
‫قلت �سابقا ب�أن �صدام ح�سني كان قد طلب مني �إعداد �صيغة بيان‬
‫لوقف العمل باملنهاج اال�ستثماري (اخلطة االقت�صادية ال�سنوية) وفر�ض‬
‫�سيا�سة للتق�شف واالقت�صاد يف النفقات‪.‬‬
‫�أعددت البيان يف حينه وقدمته ل�صدام ح�سني الذي احتفظ به‪ .‬ويف‬
‫يوم ‪� ،1972/5/18‬أي بعد �أيام قليلة من ت�شكيل الوزارة‪� ،‬أ�صدر جمل�س‬
‫قيادة الثورة بيان التق�شف امل�شار �إليه‪.‬‬
‫لقد جاء يف مقدمة البيان �إ�شارات وا�ضحة �إىل موقف �رشكات النفط‬
‫الأجنبية من مطالب العراق وما يحتمل اتخاذه من خطوات قريبة‪.‬‬
‫كما �أ�شار البيان �إىل ما يجابهه العراق من «املحاوالت الت�آمرية‬
‫وال�ضغوط االقت�صادية من قبل الدوائر اال�ستعمارية و�رشكات النفط‬
‫االحتكارية»‪ .‬بحيث �أ�صبحت تلك املحاوالت ت�ؤثر ب�شكل مبا�رش على‬
‫اال�ستقرار ال�سيا�سي واالقت�صادي للعراق‪.‬‬
‫‪-184-‬‬
‫و�أ�شار البيان �أي�ض ًا �إىل �أن احلكومة عازمة على و�ضع حد لتلك‬
‫املحاوالت حتى ال تت�أثر اقت�صاديات البالد برغبات االحتكاريني‪ ،‬و�أن‬
‫احلكومة عازمة على و�ضع حد نهائي وحا�سم للممار�سات االحتكارية‬
‫يف نهب ثروات العراق النفطية‪ .‬و�أ�شار البيان كذلك �إىل �أن احلكومة قد‬
‫تدار�ست هذا الو�ضع اخلطري وقررت‪:‬‬

‫ • فر�ض التق�شف التام يف كافة �أوجه الإنفاق احلكومي‪.‬‬


‫ • �إيقاف العمل باملنهاج اال�ستثماري ل�سنة املالية ‪1973 – 72‬‬
‫فيما يتعلق بامل�شاريع غري املبا�رش بها‪.‬‬
‫ • فر�ض التق�شف فيما يتعلق بال�رصف من املوجودات الأجنبية‪.‬‬

‫وا�ستثنى البيان �رشكة النفط الوطنية من تلك الإجراءات‪ ،‬كما خول‬


‫وزيري التخطيط واملالية �إ�صدار التعليمات الالزمة لتنفيذه‪.‬‬
‫لقد جاء هذا البيان الحقا لبيان �آخر �أ�صدرته وزارة النفط يف‬
‫‪� 1972/5/15‬أمهلت مبوجبه �رشكات النفط الأجنبية مدة �أ�سبوعني‬
‫فقط لتقدمي عر�ض �إيجابي حول املطالب التي قدمتها احلكومة العراقية‬
‫�أثناء املفاو�ضات‪ ،‬وحذر البيان ب�شكل �رصيح ب�أن احلكومة العراقية‬
‫�ستجد نف�سها م�ضطرة �إىل اتخاذ الإجراءات القانونية والت�رشيعية التي‬
‫تراها �رضورية حلماية م�صالح العراق‪.‬‬
‫و�أكد البيان على �أنه «يالحظ من تتبع �أرقام ت�صدير النفط اخلام‬
‫من حقول �شمال العراق‪� ،‬أن ال�رشكات بد�أت من جديد تتبنى �سيا�سة‬
‫الإنتاج الواطئ بق�صد ممار�سة ال�ضغوط املالية على حكومة اجلمهورية‬
‫العراقية‪� .‬إن هدف ال�رشكات من ممار�سة ال�ضغوط على حكومة الثورة‬
‫يبدو وا�ضحا للمتتبع لأمور الإنتاج وعالقتها ب�سري املفاو�ضات اجلارية‬
‫بني احلكومة وال�رشكات وحماولة الأخرية ممار�سة ال�ضغط على احلكومة‬
‫‪-185-‬‬
‫بعد �أن و�صلت املفاو�ضات الأخ�يرة �إىل طريقها ال�صعب يف فرباير‬
‫(�شباط) املن�رصم‪.‬‬
‫�إن حكومة اجلمهورية العراقية �إذ تو�ضح هذه احلقائق ف�إنها يف‬
‫الوقت نف�سه حتذر ال�رشكات من عواقب هذه ال�سيا�سة الوخيمة التي‬
‫ال ت�ؤدي �إال �إىل �إ�ضعاف العالقة بني احلكومة وال�رشكات‪� ،‬إذ ال ي�سع‬
‫احلكومة �أن تقف مكتوفة الأيدي يف ق�ضية مت�س م�صلحة من م�صالح‬
‫ال�شعب اجلوهرية»‪.‬‬
‫لقد كان هذا البيان الذي �أ�صدرته وزارة النفط‪ ،‬والبيان الذي �أ�صدره‬
‫جمل�س قيادة الثورة يوم ‪ ،1972/5/18‬وكذلك �سل�سلة املقاالت‬
‫االفتتاحية جلريدة «الثورة» حول ال�سيا�سة النفطية‪ ،‬م�ؤ�رشات وا�ضحة‬
‫ب�أن العراق �سي�ؤمم النفط‪ .‬وال �أكون مبتعدا عن احلقيقة �إذا قلت �أن ذلك‬
‫االجتاه قد ر�سخه �صدام ح�سني �شخ�صي ًا‪ .‬وانطباعي ال�شخ�صي هو �أن‬
‫�صدام كان فعال يريد الت�أميم ولي�س قبول �أي عر�ض من �رشكات النفط‬
‫حتى و�إن وافقت ال�رشكات على جميع مطالب العراق‪.‬‬
‫لقد كان الت�أميم بالن�سبة ل�صدام خطوة مهمة ليدعم به موقفه‬
‫ال�شخ�صي وليربز على �ساحة ال�سيا�سة العربية والدولية ب�شكل �أكرث‬
‫و�ضوحا وقوة‪.‬‬
‫غري �أن �رشكات النفط مل ت�صدق ب�أن احلكومة �ستلج�أ �إىل الت�أميم‬
‫وخالل مهلة الأ�سبوعني التي �أعطيت لل�رشكات‪� ،‬أجنزت الأجهزة‬
‫الفنية لوزارة النفط ومكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‪ ،‬الت�رشيعات القانونية‬
‫الالزمة للت�أميم انتظارا ل�ساعة ال�صفر يوم‪1972/6/1.‬‬
‫انتهت مدة الأ�سبوعني ومل تقدم ال�رشكات عر�ضا ير�ضي العراق‪.‬‬
‫‪-186-‬‬
‫ويف ال�ساعة العا�رشة والن�صف من �صباح يوم ‪ 1972/6/1‬عقد‬
‫جمل�س ال��وزراء وجمل�س قيادة الثورة والقيادة القطرية حلزب البعث‬
‫اجتماعا م�شرتكا يف مبنى الق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫تر�أ�س �أحمد ح�سن البكر االجتماع‪ .‬و�إىل ميينه جل�س �صدام ح�سني‬
‫ومظاهر الفرح بادية على وجهه‪ .‬بد أ� البكر حديثه يف �إعطاء الوزراء نبذة‬
‫خمت�رصة ملا مت �سابقا من مفاو�ضات مع �رشكات النفط وموقفها املتعنت‪،‬‬
‫و�رشح كذلك موقف احلكومة‪.‬‬
‫مل ي�رش البكر يف حديثه �إىل كلمة «الت�أميم» بل قال «�إنه يف �ضوء كل‬
‫ذلك ف�إن احلكومة قد قررت �إ�صدار الت�رشيعات الالزمة التي ت�ضمن‬
‫حقوق ال�شعب وحتافظ على ثروته النفطية»‪� .‬صحيح �إنه مل يقل ب�أننا‬
‫�سن�ؤمم النفط ولكنه كان وا�ضحا ب�أن الت�أميم هو اخلطوة التي ي�شري �إليها‬
‫البكر‪ .‬ويبدو �أن الأمر كان غام�ضا على بع�ض ال��وزراء حيث انربى‬
‫ال�سيد نافذ جالل وزير الزراعة ليت�ساءل‪� :‬سيادة الرئي�س‪ ..‬حديثكم‬
‫معنا قيم ومفيد ولكن ما الذي �سيحدث؟ ف�أجابه الرئي�س‪ :‬كاكا (�أخ‬
‫بالكردية)‪� ..‬أمل تفهم ما �أعنيه؟ �سن�ؤمم النفط هذا اليوم‪.‬‬

‫بيان الت�أميم‬
‫يف ال�ساعة الثامنة من م�ساء يوم ‪� 1972/6/1‬أذاع �أحمد ح�سن‬
‫البكر بيان الت�أميم من حمطات الإذاعة والتلفزيون‪ .‬وكان �صدام ح�سني‬
‫هو الذي �أعد البيان‪ ،‬وقام طارق عزيز (رئي�س حترير جريدة الثورة‬
‫�آنذاك) بت�شذيبه من حيث قواعد اللغة العربية‪ .‬وت�ضمن البيان ا�ستعرا�ضا‬
‫«للن�ضال العربي امل�ستمر للق�ضاء على الركائز الأ�سا�سية وامل�صالح احليوية‬
‫التي يقوم عليها الوجود اال�ستعماري» كما ت�ضمن الكثري من �أدبيات‬
‫حزب البعث حول الق�ضية الفل�سطينية ون�ضال ال�شعوب املحبة لل�سالم‬
‫‪-187-‬‬
‫�ضد اال�ستعمار الربيطاين‪ ،‬ودور الربيطانيني املتميز منذ احلرب العاملية‬
‫الأوىل يف تدبري الد�سائ�س وعقد املعاهدات واالتفاقيات لتق�سيم الوطن‬
‫العربي وت�سليم فل�سطني لل�صهاينة‪.‬‬
‫كما �أكد البيان على مربرات قيام ثورة ال�سابع ع�رش من يوليو (متوز)‬
‫التي قادها حزب البعث من �أنها مربرات منطقية لت�أمني «املناخ املطلوب‬
‫لكي ت�ؤدي فيه اجلماهري دورها الأ�سا�سي يف الن�ضال الوطني والقومي‪،‬‬
‫وتوفري احلقوق القومية جلماهرينا الكردية‪ ،‬و�ضمان احلقوق الثقافية‬
‫للأقليات القومية»‪.‬‬
‫ويف نهاية البيان �أعلن البكر «با�سم ال�شعب» �إ�صدار قانون ت�أميم‬
‫عمليات �رشكة نفط العراق املحدودة رقم ‪ 69‬ل�سنة ‪ ،1972‬والذي‬
‫اعترب نافذا من تاريخ �صدوره يف ‪.1972/6/1‬‬
‫وطبقا للقانون رقم ‪ ،69‬فقد �أن�ش�أت �رشكة حكومية �سميت «ال�رشكة‬
‫العراقية للعمليات النفطية» لتحلل حمل �رشكة نفط العراق‪.‬‬
‫ومن �أجل ا�ستمرار �صدام ح�سني يف �إ�رشافه املبا�رش على مراحل ما‬
‫بعد الت�أميم‪ ،‬فقد انتدب غامن عبد اجلليل (مدير عام مكتب �صدام)‬
‫لإدارة ال�رشكة اجلديدة من مقرها يف كركوك‪ .‬وكان غامن عبد اجلليل‬
‫قد و�صل �إىل كركوك فعال �صباح يوم ‪� – 1972/6/1‬أي قبل �إذاعة‬
‫بيان الت�أميم‪ – ‬يرافقه بع�ض الفنيني من وزارة النفط و�رشكة النفط الوطنية‬
‫بينهم ال�سيدان حممد جابر ح�سن مدير عام الدائرة الفنية يف وزارة النفط‬
‫وطارق عزيز مدير عام احلفر والإنتاج يف �رشكة النفط الوطنية‪.‬‬
‫وجدير بالإ�شارة هنا‪� ،‬أن الت�أميم الذي ح�صل يف ‪1972/6/1‬‬
‫اقت�رص على نفط ال�شمال‪� .‬أما نفط اجلنوب (�رشكة نفط الب�رصة) فقد �أمم‬
‫على مرحلتني املرحلة الأوىل يف �أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ ،1973‬حيث‬
‫‪-188-‬‬
‫�أممت ح�صة هولندا فقط‪ .‬ويف دي�سمرب (كانون الأول) ‪� 1975‬أممت‬
‫ح�صتا بريطانيا وفرن�سا يف �رشكة نفط الب�رصة‪.‬‬
‫ويف نف�س الوقت الذي �أذيع فيه بيان الت�أميم‪� ،‬أ�صدر جمل�س قيادة‬
‫الثورة بيانا �آخر يتعلق با�ستعداد العراق للدخول يف مفاو�ضات مبا�رشة‬
‫مع احلكومة الفرن�سية حول ح�صتها يف ال�رشكة امل�ؤممة ل�ضمان بقاء تلك‬
‫امل�صالح وا�ستمرارها‪.‬‬
‫يف اليوم التايل للت�أميم‪ ،‬طلعت علينا جريدة «الثورة» مبقال افتتاحي‬
‫كتبه �صدام ح�سني �شخ�صيا وب�أ�سلوبه ولغته دون ت�شذيب من هيئة‬
‫التحرير �أو رئي�سها طارق عزيز‪.‬‬
‫لقد كان وا�ضحا من افتتاحية جريدة «الثورة» �إن �صدام ح�سني يريد‬
‫�أن يقول �أن �شهر يونيو (حزيران) الذي اقرتن يف �أذهان النا�س بالهزمية‬
‫واملرارة‪ ،‬نتيجة حرب ‪ 1967‬التي خ�رسها جمال عبد النا�رص‪� ،‬أ�صبح‬
‫له اليوم معنى جديداً يقرتن بالن�رص والت�صميم والفرح‪ ،‬ويف هذا وفاء‬
‫بوعد حزب البعث بتحويل النك�سة �إىل منطلق للن�رص‪ ،‬لأنه‪ ،‬كما كتب‬
‫�صدام‪ ،‬توفرت لل�شعب «القيادة الثورية احلكيمة ذات الأفق التاريخي‬
‫الوا�ضح والقدرة العالية على و�ضع التكتيك يف خدمة اال�سرتاتيجية‪.‬‬
‫وانتهى يوم ‪ ،1972/6/2‬بعد �أن خرجت «جماهري ال�شعب»‬
‫ترق�ص يف �شوارع بغداد كعادتها ت�أييداً للحزب وقيادته الدميوقراطية!‬

‫ح�صة كولبنكيان يف نفط العراق‬


‫كانت م�ؤ�س�سة كولبنكيان الربتغالية متتلك ‪ %5‬من امتيازات نفط‬
‫العراق‪ .‬وقد �شمل الت�أميم هذه احل�صة على مرحلتني‪ ،‬الأوىل يف‬
‫‪ 1972/6/1‬والثانية يف ‪.1973/12/20‬‬
‫‪-189-‬‬
‫بعد ت�أميم هذه احل�صة‪ ،‬قرر �صدام ح�سني «با�سم قيادة احلزب»‬
‫االحتفاظ بعوائدها ال�سنوية يف ح�ساب م�ستقل يف اخلارج لكي يكون‬
‫لقيادة احلزب‪ ،‬على حد تعبريه‪ ،‬مبالغ كافية من املال ال�ستخدامها يف‬
‫العودة �إىل احلكم يف حال وقوع انقالب‪� ،‬أو يف حال وقوع غزو‬
‫خارجي‪.‬‬
‫و�أذكر �أنه يف �إحدى اجلل�سات اخلا�صة‪ ،‬وكان حا�رضا فيها �أمني عبد‬
‫الكرمي وزير املالية‪ ،‬والدكتور فوزي القي�سي حمافظ البنك املركزي‪� ،‬أن‬
‫التفت �صدام �إلينا قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫«حزب البعث قد جاء �إىل العراق ليحكم ‪� 300‬سنة‪ ..‬ولكي ي�ستمر‬
‫يف احلكم �أو يعود �إليه يف حال �سقوطه نتيجة انقالب ع�سكري‪ ،‬فال‬
‫بد من وجود م�صدر مايل �ضخم لديه خارج العراق‪ ..‬نحن ال نريد �أن‬
‫نقع يف �أخطاء عام ‪ 1963‬عندما �سقط حكمنا واجهنا �صعوبات مالية‬
‫كبرية‪� ..‬إذن فكروا لنا يا رجال االقت�صاد حول كيفية تخ�صي�ص عوائد‬
‫ح�صة كولبنكيان امل�ؤممة للحزب»‪.‬‬
‫وبالفعل‪ ،‬فقد �أ�صدر جمل�س قيادة الثورة قانونا بقرار منه خ�ص�ص‬
‫مبوجبه ‪ %5‬من عوائد العراق النفطية �سنويا للحزب‪ ،‬يودع يف ح�ساب‬
‫خا�ص يف اخلارج حتت �إ�رشاف �صدام ح�سني‪.‬‬
‫وح�سب تقديراتي‪ ،‬فان العوائد املرتاكمة من هذه الن�سبة قد بلغت‬
‫يف نهاية عام ‪ 1989‬حوايل ع�رشة �آالف مليون دوالر �أمريكي‪ .‬وعلى‬
‫افرتا�ض ا�ستثمار تلك املبالغ يف ودائع م�رصفية ثابتة‪ ،‬وبعائد �سنوي بن�سبة‬
‫ترتاوح بني ‪ 8‬و‪ ،%18‬ف�إن املبلغ املرتاكم يف نهاية عام ‪ 1990‬ي�صل �إىل‬
‫‪� 31‬ألف مليون دوالر‪.‬‬
‫لقد كان �صدام ح�سني يريد حتقيق ن�رص �سيا�سي كبري يثبت مواقعه‬
‫‪-190-‬‬
‫داخل العراق‪ .‬ولينطلق منه �إىل الوطن العربي خماطبا جماهريه ليقول لهم‬
‫ب�أنه البديل الأوحد لقيادة العرب‪ .‬ومل يكن املناخ ال�سيا�سي يف ال�سبعينات‬
‫مهي�أ لن�رص ع�سكري‪ ،‬كما مل تكن �إمكانيات العراق �آنذاك كفيلة بتحقيق‬
‫�أي ن�رص ع�سكري‪� .‬إذن‪ ،‬البد من البحث عن جمال �آخر للن�رص‪ .‬هذا املجال‬
‫وجده �صدام يف اجلانب االقت�صادي‪ :‬النفط‪ .‬لذلك‪� ،‬أ�رشف �صدام بنف�سه‬
‫على املراحل التي �سبقت الت�أميم‪ ،‬واملراحل التي �أعقبته‪.‬‬
‫وبعد ع�رش �سنوات من قرار الت�أميم يف يونيو (حزيران) ‪،1972‬‬
‫عقد حزب البعث يف العراق م�ؤمتره القطري التا�سع يف يونيو (حزيران)‬
‫‪ ،1982‬وبحث مو�ضوع ت�أميم النفط يف العراق ودور �صدام ح�سني‬
‫فيه‪ .‬وخرج علينا التقرير اخلا�ص بذلك امل�ؤمتر ليقول‪« :‬والرفيق �صدام‬
‫ح�سني هو القائد ال�سوقي والتعبوي (اال�سرتاتيجي والتكتيكي) لعملية‬
‫ت�أميم النفط التي تعترب من �أكرب املنجزات الوطنية والقومية التاريخية‪.‬‬
‫فهو من موقعه اخلا�ص يف القيادة ومن موقعه املبا�رش يف رئا�سة جلنة‬
‫املتابعة ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ االتفاقيات‪ ،‬و�ضع خطة ا�ستدراج‬
‫ال�رشكات االحتكارية �إىل املفاو�ضات‪ ،‬ويف �أثناء فرتة الإنذار بني ‪17‬‬
‫مايو (�أيار) ‪ 1972‬والأول من يونيو (حزيران) ‪ ،1972‬يوم �صدور‬
‫قرار الت�أميم التاريخي‪ ،‬قاد هو بنف�سه احلملة ال�سيا�سية والإعالمية‬
‫وعملية التعبئة اجلماهريية التي مهدت للقرار‪ ،‬وهو الذي واجه ب�صرب‬
‫وحكمة وحزم حاالت الرتدد واخلوف التي �سبقت حلظات اتخاذ‬
‫القرار)*( تلك احلاالت التي بقيت �سنوات طويلة مكتومة ال يعرفها‬
‫�إال عدد قليل»‪.‬‬
‫(*) – حلظات اخلوف والرتدد التي ي�شري �إليها التقرير‪ ،‬يق�صد بها الدكتور �سعدون‬
‫حمادي الذي كان وزيرا للنفط �آنذاك‪ .‬لقد �سبق �أن ذكر يل �صدام يف منا�سبات‬
‫عديدة‪� ،‬أن حمادي كان مرتددا يف اتخاذ قرار الت�أميم‪ .‬كما �أ�شار �إىل هذا الرتدد‪،‬‬
‫دون ت�سمية حمادي‪ ،‬يف جل�سات عديدة ملجل�س التخطيط‪.‬‬

‫‪-191-‬‬
‫]‪ – [1‬جاء يف كلمة احلديثي‪�« :‬إن احلكومة العراقية راغبة وب�إ�رصار على حل وح�سم‬
‫كافة الق�ضايا املعلقة معكم بال�شكل الذي ي�ضمن م�صالح العراق احليوية‪ ،‬وحتقيق‬
‫طموحات �شعبنا‪ ،‬فمنذ ما يزيد على ع�رش �سنوات و�سيا�سة ال�رشكات �إزاء العراق‪– ‬‬
‫وحده دون غريه‪ – ‬تت�سم بطابع ال�سلبية املطلقة‪ ،‬واتخاذ عدد من الإجراءات التي‬
‫�أحلقت �أفدح الأ�رضار باقت�صادنا القومي‪� .‬أن اتباع �سيا�سة ا�ستثمارية و�إنتاجية‬
‫م�ستندة يف الأ�سا�س �إىل ال�ضغط امل�ستمر على العراق بهدف �إ�ضعافه‪ ،‬وتع�سف‬
‫ال�رشكات يف عدم دفع مبالغ تنفيق الريع الذي هو حق وا�ضح م�سلم به لكل‬
‫الدول املنتجة للنفط‪ ،‬والتالعب امل�ستمر مبعدالت الإنتاج من حقولنا النفطية‪� ،‬إمنا‬
‫هي م�ؤ�رشات وا�ضحة على اال�ستمرار بتلك ال�سيا�سات‪� .‬أطالبكم �أن ت�ستجيبوا‬
‫حلقوقنا بروح واقعية مدركة لواقع العالقات اجلديدة التي �أوجدتها ثورة ‪17‬‬
‫يوليو (متوز) ‪ ،1968‬بقيادة حزب البعث العربي اال�شرتاكي‪� ،‬إين �أدعوكم �إىل‬
‫مفاو�ضات �رصيحة مبا�رشة وا�ضحة الأهداف وقائمة على �أ�سا�س الإقرار بكامل‬
‫حقوقنا واالبتعاد عن كل ما من �ش�أنه االلتفاف �أو تعطيل م�ضامني القانون رقم ‪80‬‬
‫ل�سنة ‪ ،1961‬والذي �أ�ضحى واحدا من �أقد�س احلقوق التي يتم�سك بها �شعبنا‪،‬‬
‫و�أرجو �أن تنتهي هذه املفاو�ضات �إىل نتائج �إيجابية‪ .‬نحن ل�سنا �ضد �أي �رشكة‬
‫من ال�رشكات التي حتاول �أن ت�ستثمر ر�ؤو�س �أموالها بال�شكل الذي يحفظ �سيادتنا‬
‫ويحفظ م�صالح �شعبنا»‪.‬‬

‫‪-192-‬‬
‫الف�صل الثالث ع�شر‬
‫يف ال�سيا�سة االقت�صادية‬

‫ل�ست هنا ب�صدد الدخول يف تفا�صيل ال�سيا�سات االقت�صادية التي‬


‫�سار عليها العراق‪� ،‬أو الدخول يف �رشح امل�ستلزمات الفنية للخطط‬
‫االقت�صادية التي تبنتها احلكومات العراقية املتعاقبة‪ ،‬فهي �أمور لي�ست‬
‫مو�ضوع هذه املذكرات‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن املكتبة العربية والأجنبية تزخر‬
‫بامل�صادر الكثرية عنها‪ .‬ولكن مع ذلك‪ ،‬البد �أن نذكر �شيئا عن التخطيط‬
‫من �أجل التنمية يف العراق نظرا الرتباط ذلك بال�سيا�سة التي تبناها حزب‬
‫البعث يف م�ؤمتراته‪ ،‬انطالقا من ت�صوراته العقائدية ولرنى بعدئذ مدى‬
‫جناح �أو �إخفاق تلك ال�سيا�سة املنطلقة من العقيدة النظرية‪.‬‬
‫عندما و�ضعت احلرب العاملية الثانية �أوزارها‪ ،‬كانت �صورة العامل قد‬
‫تغريت‪ .‬فقد بد�أت حركات التحرر الوطني يف �أجزاء كثرية من العامل‪.‬‬
‫وهبت ال�شعوب التي رزحت حتت نري اال�ستعمار تدافع عن حقها يف‬
‫احلياة‪ ،‬ويف احلرية‪ ،‬ويف اال�ستقالل‪ .‬وهكذا ظهرت دول جديدة حديثة‬
‫اال�ستقالل‪ .‬وبد�أت تنا�ضل من �أجل ق�ضية التنمية االقت�صادية م�ستهدية‬
‫باملفاهيم اال�شرتاكية لتحقيقها‪ ،‬و�سالكة طريق العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫ومنذ بداية اخلم�سينات‪ ،‬بد أ� االجتاه املتزايد نحو التخطيط االقت�صادي‬
‫الذي ميكن �أن نرده �إىل �أثر الك�ساد العظيم والدمار املادي يف دول �أوربا‬
‫‪-193-‬‬
‫من جراء احلرب العاملية الثانية‪ .‬ولقد كان و�ضع االقت�صاد العراقي يف‬
‫تلك الفرتة ي�شابه و�ضع �أي اقت�صاد متخلف‪� .‬إذ كان يعتمد يف الأ�سا�س‪،‬‬
‫على الزراعة وا�ستخراج النفط اخلام‪ ،‬والأر�ض الزراعية كانت خا�ضعة‬
‫لنظام الإقطاع‪� .‬أما البنوك وامل�ؤ�س�سات املالية والت�أمينية الأجنبية‪ ،‬فكانت‬
‫ت�سيطر �سيطرة �شبه كاملة على قطاع املال‪� .‬أما قطاع التجارة اخلارجية‪،‬‬
‫فكانت حتتكره العنا�رص الأجنبية‪ .‬هذا بالإ�ضافة �إىل �أن �صادرات العراق‬
‫وا�سترياداته كانت وقفا على الدول امل�سيطرة‪ .‬ومن ثم فقد كانت التبعية‬
‫االقت�صادية للخارج �إحدى �سمات االقت�صاد القومي‪.‬‬
‫وجاءت ثورة يوليو (متوز) ‪ .1958‬وبد�أت حماوالت �إحداث تغيري‬
‫جذري يف البنيان االقت�صادي واالجتماعي يف ظل نظام اقت�صادي يعمل‬
‫على حتقيق الكفاية يف الإنتاج والعدالة يف التوزيع‪.‬‬
‫وميكن القول �أنه يف خالل الفرتة ‪� 1964 – 1958‬سار االقت�صاد‬
‫العراقي يف اجتاهني متميزين‪.‬‬
‫االجتاه الأول‪ ،‬هو حماولة �إحداث تغيري يف النظام االجتماعي عن‬
‫طريق قانون الإ�صالح الزراعي رقم ‪ 30‬ل�سنة ‪ ،1958‬الذي و�ضع‬
‫حدودا للملكية الزراعية‪ .‬وق�ضى ب�إعادة توزيع الأر�ض الزائدة عن احلدود‬
‫الق�صوى على الفالحني‪ .‬ول�ست هنا ب�صدد احلديث عن هذا القانون وما‬
‫رافق تطبيقه من م�شكالت «�إدارية»‪ .‬وما وجه �إليه من انتقادات تتعلق‬
‫ب�إدارة الأر�ض الزراعية‪ ،‬فهي �أمور تنفيذية غري �أن القانون من حيث‬
‫املبد�أ‪ ،‬قد حقق هدفه ال�سيا�سي واملادي يف �رضب الإقطاع كطبقة‪ ،‬ويف‬
‫حتويل �أكرب عدد من الفالحني املعدمني �إىل مالك زراعيني‪.‬‬
‫�أما االجتاه الثاين الذي �سار عليه االقت�صاد العراقي‪ ،‬فهو ظهور دور‬
‫القطاع العام يف الن�شاط االقت�صادي‪ .‬وذلك يف �أعقاب �صدور قرارات‬
‫‪-194-‬‬
‫الت�أميم عام ‪ ،1964‬التي ت�ضمنت ت�أميم جميع �رشكات الت�أمني و�إعادة‬
‫الت�أمني وجميع البنوك التجارية اخلا�صة‪ ،‬وبع�ض ال�رشكات ال�صناعية‬
‫والتجارية‪ .‬ثم ت�أ�سي�س م�ؤ�س�سة ا�شرتاكية هي امل�ؤ�س�سة االقت�صادية تتوىل‬
‫�إدارة ال�رشكات ال�صناعية والتجارية و�رشكات الت�أمني امل�ؤممة‪ .‬كما �أحلقت‬
‫بها امل�صالح وال�رشكات احلكومية القائمة قبل �إ�صدار قرارات الت�أميم‪.‬‬
‫كما مت ت�شكيل امل�ؤ�س�سة العامة للم�صارف لتتوىل م�س�ؤولية �إدارة البنوك‬
‫التجارية امل�ؤممة‪� ،‬إ�ضافة �إىل م�رصف الرافدين الذي كان قائما قبل الت�أميم‪.‬‬
‫وبعد ت�سلم البعث احلكم‪ ،‬ا�ستمرت املحاوالت لتغيري الرتكيب‬
‫االجتماعي واالقت�صادي يف العراق‪ ،‬وهنا ميكن القول ب��أن هذه‬
‫املحاوالت قد �سارت باالقت�صاد العراقي يف اجتاهات �أربعة‪.‬‬
‫االجتاه الأول هو ات�ساع قاعدة القطاع العام وزيادة فعالياته بحيث‬
‫�أ�صبح جز كبري من الن�شاط االقت�صادي يدار بوا�سطة �أجهزة الدولة‪.‬‬
‫وا�ستحدثت لذلك جمموعة كبرية من امل�ؤ�س�سات احلكومية‪ ،‬كامل�ؤ�س�سة‬
‫العامة للتنمية ال�صناعية (‪ )1969‬وامل�ؤ�س�سة العامة للت�صدير (‪)1969‬‬
‫وامل�ؤ�س�سة العامة للحبوب (‪.)1969‬‬
‫�أما االجت��اه الثاين للتطور فقد كان امتدادا مل�سار االجت��اه الأول‪،‬‬
‫حيث �أجريت املوازنة بني اال�ستمرار يف قيام م�ؤ�س�سات عامة ت�ضم‬
‫�إليها �رشكات ذات ن�شاط متنوع وبني �إعادة تنظيم القطاع العام يف‬
‫م�ؤ�س�سات متخ�ص�صة‪ ،‬كل واحدة منها تتوىل الإ�رشاف على قطاع حمدد‬
‫من الن�شاط االقت�صادي �أو فرع حمدد من فروع هذا القطاع‪ .‬ولقد كان‬
‫الر�أي يف بادئ الأمر هو �أن النظام الأول �رضوري للإبقاء على املناف�سة‪،‬‬
‫يف حني �أن النظام الثاين القائم على التخ�ص�ص النوعي يحقق مزيدا من‬
‫الكفاية الإنتاجية و�أحكام الرقابة والإ�رشاف على كل قطاع‪ ،‬وكل قطاع‬
‫فرعي كوحدة واحدة فيما يتعلق بتنفيذ �أهداف خطة التنمية ال�شاملة‪.‬‬
‫‪-195-‬‬
‫وبعد مناق�شات م�ستفي�ضة �شارك فيها عدد كبري من املخت�صني و�أ�ساتذة‬
‫اجلامعة‪ .‬رجحت كفة �إن�شاء م�ؤ�س�سات متخ�ص�صة لتحل حمل الأنواع‬
‫القدمية من امل�ؤ�س�سات العامة‪ .‬ولهذا �صدر قانون امل�ؤ�س�سات العامة‬
‫التابعة لوزارة ال�صناعة (‪ )1970‬الذي اجته بتنظيم القطاع ال�صناعي‬
‫العام على �أ�سا�س التخ�ص�ص النوعي‪.‬‬
‫وعليه ف�إنه ميكن اعتبار �سنة ‪ 1970‬مرحلة من مراحل التنظيم‬
‫االقت�صادي‪ .‬حيث نقلت دور امل�ؤ�س�سة االقت�صادية من دور املنظم الذي‬
‫ي�ؤلف بني القطاعني العام واخلا�ص يف نوع امل�شاركة �إىل دور الإدارة‬
‫االقت�صادية حل�ساب القطاع العام يف �إطار الفكر اال�شرتاكي على ثالث‬
‫م�ستويات مركزية متدرجة هي‪ :‬الإدارة املبا�رشة على م�ستوى املن�ش�أة‬
‫العامة والإدارة غري املبا�رشة (�أي بالإ�رشاف والتوجيه) على م�ستوى‬
‫الن�شاط بوا�سطة امل�ؤ�س�سة العامة النوعية والتن�سيق على م�ستوى القطاع‬
‫بوا�سطة ال��وزارة املخت�صة‪ .‬ويف �إط��ار هذا التنظيم اجلديد‪ ،‬ظهرت‬
‫م�ؤ�س�سات عامة جديدة‪ ،‬و�سعت من رقعة القطاع العام‪.‬‬
‫وبالرغم من «علمية» هذا التنظيم من الناحية النظرية‪ ،‬فقد رافقته‬
‫�صعوبات من الناحية التطبيقية لأ�سباب عديدة �أهمها تدخل الكوادر‬
‫احلزبية واملكتب املهني حلزب البعث يف التعيينات التي متت لإ�شغال‬
‫الوظائف العليا على م�ستوى املن�ش�أة �أو امل�ؤ�س�سة وملء تلك الوظائف‬
‫بعنا�رص ال مييزها غري الوالء للحزب‪.‬‬
‫�أم��ا االجت��اه الثالث مل�سار االقت�صاد العراقي خالل هذه الفرتة‪،‬‬
‫فهو تركيز احلزب على دور التخطيط املركزي ك�أ�سلوب يف التنمية‬
‫االقت�صادية والت�أكيد على �رضورة حتويله من برامج جزئية �إىل خطط‬
‫قومية للتنمية تنبع من جهاز مركزي للتخطيط ال يقت�رص هدفه على‬
‫اجلانب االقت�صادي‪ ،‬ويتعداه �إىل اجلوانب االجتماعية‪ .‬وال يقف عند‬
‫‪-196-‬‬
‫حد التخطيط املايل‪ ،‬بل يتجاوزه �إىل التخطيط امل��ادي‪ .‬مع تو�ضيح‬
‫دور القطاع اخلا�ص وفر�ص اال�ستثمار املتاحة له يف خمتلف القطاعات‬
‫االقت�صادية‪.‬‬
‫و�أما االجتاه الرابع الذي تبناه ب�شكل خا�ص �أحمد ح�سن البكر‪،‬‬
‫فكان ت�صحيح الأخطاء وتاليف النواق�ص التي حواها قانون الإ�صالح‬
‫الزراعي الأول رقم ‪ 30‬ل�سنة‪.1958‬‬

‫اخلطط االقت�صادية‬
‫�أدى اكت�شاف النفط يف العراق �سنة ‪� 1927‬إىل تغيري يف تركيب االقت�صاد‬
‫العراقي‪ .‬ومع تزايد عائدات �إنتاج النفط‪ ،‬اجتهت نية احلكومة �آنذاك �إىل‬
‫اال�ستفادة منها يف التنمية االقت�صادية‪ ،‬فكان �أن ت�شكل جمل�س االعمار �سنة‬
‫‪ ،1950‬وخ�ص�ص له �أول الأمر جميع عائدات الدولة من ت�صدير النفط‬
‫اخلام‪ .‬ويف ‪ 1952‬خف�ضت الن�سبة املوجهة للتنمية من العائدات النفطية‬
‫�إىل ‪ .%70‬بعد ثورة ‪ ،1958‬خف�ضت الن�سبة مرة �أخرى بحيث �أ�صبح ما‬
‫هو خم�ص�ص لربامج التنمية عن طريق وزارة وجمل�س التخطيط (التي حلت‬
‫حمل وزارة وجمل�س االعمار) ‪ %50‬من العائدات النفطية‪.‬‬
‫ر�سم جمل�س الأعمار �أول خطة اقت�صادية للفرتة ‪1955 – 1951‬‬
‫وخ�ص�ص مبلغا يقارب ‪ 66‬مليون دينار لتلك اخلطة‪ .‬ويف ‪ 1952‬عدل‬
‫املجل�س برناجمه و�أ�صدر خطة اقت�صادية �أخرى متتد ل�سنة ‪ 1956‬وجعل‬
‫جمموع التخ�صي�صات حوايل ‪ 152‬مليون دينار‪ ،‬وقد و�ضع جمل�س‬
‫االعمار يف اعتباره عند ر�سم تلك اخلطة التو�صيات التي تقدمت بها‬
‫بعثة البنك الدويل للإن�شاء والتعمري التي ميكن تلخي�صها مبا يلي‪:‬‬
‫ • زيادة رقعة الأر�ض الزراعية من خالل م�رشوعات الري وخزن‬
‫املياه وال�سيطرة على الفي�ضان‪.‬‬
‫‪-197-‬‬
‫• حت�سني طرق الزراعة وو�سائلها‪.‬‬ ‫ ‬
‫• �إن�شاء بع�ض امل�رشوعات ال�صناعية التي ت�ستطيع ال�صمود دون‬ ‫ ‬
‫ما حاجة للحماية اجلمركية‪.‬‬
‫• التو�سع يف �إن�شاء الطرق واجل�سور وخطوط املوا�صالت وغريها‬ ‫ ‬
‫من م�رشوعات ما ي�سمى بالبنيان التحتي‪.‬‬
‫• حت�سني م�ستوى التعليم املهني والو�صول �إىل تعميم التعليم‬ ‫ ‬
‫االبتدائي الإلزامي جلميع الأطفال وذلك يف مدى ‪ 15‬عاما‪.‬‬

‫ونظراً لزيادة العوائد النفطية‪ ،‬فقد �أعيد النظر يف تلك اخلطة مرة‬
‫�أخرى فو�ضعت خطة جديدة للفرتة ‪ 1959 – 1955‬خ�ص�ص لها‬
‫حوايل ‪ 300‬مليون دينار‪.‬‬
‫يف هذه الفرتة‪ ،‬كان جمل�س االعمار قد ا�ستكمل درا�ستني و�ضع‬
‫�إحداهما امل�ست�شار الفني الأمريكي �آرثر دي ليتل ‪Arther D. Little‬‬
‫وو�ضع الثانية اخلبري الربيطاين اللورد �سولرت ‪ .Solter‬تلك الدرا�ستان‬
‫دعت جمل�س الأعمار �إىل �إعادة النظر يف اخلطة التي و�ضعها �آخذا يف‬
‫اعتباره تو�صيات اخلبريين‪ ..‬حيث رفعت املبالغ املخ�ص�صة للإعمار �إىل‬
‫‪ 500‬مليون دينار‪ .‬غري �أنه مل مت�ض فرتة طويلة حتى قامت ثورة ‪،1958‬‬
‫و�ألغي جمل�س االعمار ووزارة االعمار وحلت حملهما وزارة التخطيط‬
‫وجمل�س التخطيط‪ .‬واعيد النظر يف الفل�سفة االقت�صادية التي تقوم عليها‬
‫�أ�سا�سا عملية التخطيط للتنمية‪.‬‬
‫وبني ال�سنوات ‪ 1959‬و‪ 1969‬و�ضع جمل�س التخطيط عدة‬
‫خطط اقت�صادية �سميت الأوىل باخلطة امل�ؤقتة (‪)1962 – 60‬‬
‫و�سميت الثانية باخلطة التف�صيلية (‪ )1965 – 61‬و�سميت الثالثة‬
‫باخلطة االقت�صادية اخلم�سية (‪ .)1969 – 65‬وال �أريد هنا �إبداء‬
‫وجهة نظري االقت�صادية بتلك اخلطط وال �أعتقد ب�أنه ي�صح انتقاد‬
‫‪-198-‬‬
‫ما بناه من �سبقنا يف موقع امل�س�ؤولية عن تخطيط االقت�صاد العراقي‪.‬‬
‫فكل اخلطوات ال�سابقة منذ �أيام جمل�س الأعمار كانت خطوات بناءة‬
‫وتراكمات علمية �ساهمت يف تطوير عمل من تعاقبوا على م�س�ؤولية‬
‫تخطيط االقت�صاد العراقي‪.‬‬
‫�أن ما قدمه جمل�س الأعمار كان مبنيا على فل�سفة معينة لها كل مربراتها‬
‫�ضمن البعد الزمني والإمكانيات املالية املتاحة يف ذلك الوقت كما �أن‬
‫ما قدمه امل�س�ؤولون بعد ‪ 1958‬وحتى قيام حكم البعث يف ‪،1968‬‬
‫كان هو �أي�ضا قد بني على فل�سفة حمددة ومربرة و�ضمن �إمكانيات تلك‬
‫املرحلة بكل �أبعادها ال�سيا�سية ومنطلقاتها الفكرية‪ .‬وهي ت�شكل حلقات‬
‫مت�صلة يف �سل�سلة عملية التنمية التي هي عملية م�ستمرة ال ميكن ف�صلها‬
‫بتغبري احلكومات حتى و�إن اختلفت تلك احلكومات يف منطلقاتها‬
‫النظرية لأن التنمية االقت�صادية‪ ،‬هي واحدة ولكن �أ�سلوب حتقيقها قد‬
‫يختلف من حيث النظرة �إىل دور القطاعني العام واخلا�ص يف �إحداث‬
‫النمو االقت�صادي ون�صيب كل منهما يف الدخل القومي وت�أثري ذلك‬
‫الن�صيب يف التوزيع العادل للرثوة الوطنية‪.‬‬
‫ومل يكن من ال�سهل‪ ،‬يف بادئ الأمر‪� ،‬إقناع قيادة احلزب بذلك‪� .‬إذ‬
‫كان �أغلب �أع�ضاء القيادة القطرية يرون ب�أن التنمية ال تتم �إال ب�سيطرة‬
‫الدولة على جميع و�سائل الإنتاج مع ت�أميم �شامل لكل الفعاليات‬
‫االقت�صادية و�إلغاء تام حللقات التاريخ ال�سابقة والبدء من نقطة ال�صفر!‬
‫ويف هذا ال�صدد‪� ،‬أذكر احلادثة الب�سيطة التالية التي تعك�س تفكري القيادة‬
‫يف الأ�شهر الأوىل حلكم البعث‪.‬‬
‫ففي �أواخر ‪ ،1968‬كانت وزارة التخطيط قد خ�ص�صت قاعة‬
‫ا�ستقبال يف مبنى الوزارة علقت فيها �صور جميع من ت�سلموا من�صب‬
‫وزير االعمار �أو التخطيط منذ العهد امللكي مع خال�صة عن حياة‬
‫‪-199-‬‬
‫كل منهم‪ .‬كما �أ�صدرت تعليمات بتزويد الأحياء منهم بالن�رشات‬
‫الإح�صائية التي ت�صدرها ال��وزارة ودعوتهم حل�ضور املنا�سبات‬
‫الر�سمية للوزارة‪ ،‬تقديرا جلهودهم‪ .‬غري �أن هذا الأمر لقي معار�ضة‬
‫�شديدة من القيادة بعد �أن و�صل اخلرب �إىل علمها وا�ستدعيت حل�ضور‬
‫جل�سة م�شرتكة ملجل�س قيادة الثورة والقيادة القطرية لبحث هذا الأمر‬
‫«اخلطري»‪� .‬إذ كيف تعلق �صور وزراء العهد «البائد» يف قاعة وزارة‬
‫التخطيط دون علم القيادة القطرية‪ .‬وبعد نقا�ش طويل وحتليل دقيق‬
‫للتقارير احلزبية التي رفعها احلزبيون منددين فيها باالجتاهات الليربالية‬
‫الغربية‪ ،‬اقتنع البكر بالفكرة وعلقت �صور الوزراء ال�سابقني و�أعتقد‬
‫�أنها باقية حتى الآن‪.‬‬
‫وم��رت الأي���ام‪ ...‬ونحن منهمكون يف و�ضع جميع النظريات‬
‫التي در�سناها‪ ،‬مو�ضع التطبيق‪ .‬وجرت اال�ستعانة مبجموعة كبرية من‬
‫الفنيني العراقيني‪ ،‬يف بناء �أجهزة التخطيط والإح�صاء‪ ،‬حيث ا�ستحدثت‬
‫م�ؤ�س�سة عالية امل�ستوى �سميت «اجلهاز املركزي للإح�صاء» تر�أ�سها لفرتة‬
‫طويلة الدكتور �صالح ال�شيخلي‪ ،‬الذي انتقل بعدها ليت�سلم م�س�ؤوليات‬
‫�أخرى يف الدولة منها رئي�س ال�صندوق العراقي للتنمية االقت�صادية‬
‫وحمافظ البنك املركزي بالوكالة حتى ت�سنمه من�صب م�ساعد ال�سكرتري‬
‫العام للأمم املتحدة‪ .‬ومن ثم عدم العودة �إىل العراق والإقامة يف بريطانيا‬
‫ليكون الناطق الر�سمي با�سم جمموعات املعار�ضة العراقية‪.‬‬
‫ولأن التنمية االقت�صادية تعتمد يف النهاية‪ ،‬على مبد�أ الإدارة‬
‫العلمية‪ ،‬فقد �أن�شئ جهاز �آخر �سمي «املركز القومي لال�ست�شارات‬
‫والتطوير الإداري»‪ ،‬ملحق مبجل�س وزارة التخطيط لتهيئة الكوادر‬
‫الإدارية العليا‪ .‬وقد تر�أ�س هذا اجلهاز �شاب مليء باحليوية ا�سمه حامد‬
‫يو�سف حمادي‪ ،‬الذي �أ�صبح فيما بعد‪ ،‬مديرا عاما يف مكتب نائب‬
‫‪-200-‬‬
‫رئي�س جمل�س قيادة الثورة (�صدام ح�سني)‪ .‬وبعد ت�سلم �صدام مواقع‬
‫ال�سلطة الأوىل‪ ،‬عني حمادي �سكرتريا خا�صا ل�صدام‪ .‬ويف مار�س‬
‫(�آذار) ‪ 1991‬عني وزيرا للإعالم ثم �أعفي من هذا املن�صب‪ ،‬ثم �أعيد‬
‫تعيينه وزيرا للإعالم ثم �أعفي ثانية من املن�صب الختالفه مع عدي‬
‫�صدام ح�سني‪.‬‬
‫ولكي تكتمل متطلبات جهاز التخطيط املركزي‪ ،‬فقد �أن�شئ‬
‫جهازان �آخران هما‪:‬‬
‫ •املركز القومي للحا�سبات الإلكرتونية‪ ،‬وتر�أ�سه يف حينه الدكتور‬
‫نعيم الع�ضا�ض)*(‪.‬‬
‫ •املركز القومي لال�ست�شارات الهند�سية واملعمارية‪ ،‬الذي تر�أ�سه‬
‫يف حينه الدكتور عامر جميل خياط)**(‪.‬‬
‫كانت جميع تلك الأجهزة قنوات تغذية و�أدوات تطوير جلهاز‬
‫التخطيط‪ .‬و�ساعدت �إىل حد كبري يف ر�سم اخلطط االقت�صادية املتعاقبة‬
‫منذ ‪ ،1970‬و�أعطت وجها ح�ضاريا للإدارة احلكومية‪ .‬كما �أ�صبحت‬
‫تلك الأجهزة «الطفل املدلل» لدى البكر و�صدام‪� .‬إذ ال مير �أ�سبوع‬
‫واحد دون �أن حتظى وزارة التخطيط بزيارة تفقدية لها من قبل البكر‬
‫�أو �صدام �أو مي�شيل عفلق وقياديني �آخرين‪ .‬وال بد من القول‪� ،‬أن البكر‬
‫و�صدام‪ ،‬قد �أعطيا �أجهزة التخطيط دعما منقطع النظري‪ .‬ومنعا تدخالت‬
‫«الرفاق» يف �ش�ؤون الوزارة‪ .‬فلم يكن يف الوزارة منظمة للحزب �أو‬
‫نقابة للعمال �أو م�سئول خمابرات‪ .‬وطبيعي �أن هذا الدعم الفوقي خلق‬
‫(*) ‪ -‬نقلت خدمات الدكتور الع�ضا�ض من هذا املوقع اىل رئا�سة املخابرات العراقية‬
‫لإدارة احلا�سبة االلكرتونية هناك‪ ،‬بعد ذلك ا�ستقال و�سافر اىل عمان وهناك لقي‬
‫م�رصعه يف حادث �سيارة!‬
‫(**) ‪ -‬الدكتور خياط ترك العراق يف منت�صف ال�سبعينات‪.‬‬

‫‪-201-‬‬
‫ح�سا�سيات كثرية لدى بع�ض �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة ممن تعاقبوا على‬
‫املنا�صب الوزارية يف ال�صناعة واالقت�صاد‪.‬‬

‫خطة التنمية االقت�صادية ‪1974 – 1970‬‬


‫يف ‪ ،1968‬مل يكن قد بقي من اخلطة االقت�صادية التي و�ضعت �سابقا‬
‫�سوى �سنة واحدة‪ .‬لذا تقرر ال�سري يف تنفيذ م�شاريعها وعدم �إلغاء �أي بند‬
‫من بنودها‪ ،‬يف الوقت نف�سه با�رشت �أجهزة التخطيط يف الإعداد للخطة‬
‫اجلديدة التي تبد�أ يف ‪� 1‬أبريل (ني�سان) ‪ ،1970‬وملدة خم�س �سنوات‪.‬‬
‫ولكي يكون �إط��ار عملنا من�سجما مع ت�صورات قيادة احلزب‬
‫يف اجلوانب االقت�صادية‪ ،‬فقد �أعددنا مذكرة طرحت للمناق�شة يف‬
‫اجتماع م�شرتك للقيادة القطرية وجمل�س قيادة الدورة‪ .‬ت�ضمنت املذكرة‬
‫مقرتحات حمددة لدور القطاعني العام واخلا�ص يف الأن�شطة االقت�صادية‬
‫املختلفة مبا ي�ضمن تطمني ر�أ�س املال اخلا�ص وموقف احلكومة املحدد‬
‫من الن�شاط االقت�صادي اخلا�ص بعد �أن عانى ذلك القطاع من ال�سيا�سات‬
‫احلكومية املفاجئة‪.‬‬
‫وبعد مناق�شات م�ستفي�ضة‪ ،‬مملة �أحيان ًا‪ ،‬اقتنعت القيادة بالإطار العام‬
‫الذي جاءت به املذكرة‪ .‬وبقدر تعلق الأمر بالقطاع العام‪ ،‬فقد ا�ستهدفت‬
‫اخلطة �إكمال امل�شاريع احلكومية املبا�رش بها يف اخلطط ال�سابقة‪ ،‬والرتكيز‬
‫على تنمية وتطوير القطاع الزراعي‪ ،‬وتو�سيع قاعدة اخلدمات العامة‪،‬‬
‫والإ�سهام يف امل�رشوعات اال�سرتاتيجية الكربى التي ال ي�ستطيع القطاع‬
‫اخلا�ص �أن يقدم عليها �إما لنق�ص يف املعرفة الفنية �أو ل�ضخامة ر�أ�س املال‬
‫�أو النعدام الربح فيها‪.‬‬
‫كما مت �إقرار مبد�أ واقعية اخلطة بحيث ال تكون �أهدافها طموحة �إىل‬
‫احلد الذي تعجز معه �أجهزة التنفيذ ب�إمكانياتها املحدودة عن حتقيقها‬
‫‪-202-‬‬
‫وان ال تكون هذه الأهداف متوا�ضعة �إىل احلد الذي ي�صبح معه جزء من‬
‫الطاقة التنفيذية للبلد معط ً‬
‫ال‪.‬‬
‫�أما بالن�سبة للقطاع اخلا�ص‪ ،‬فقد مت �إقرار مبد�أ «ت�شجيع القطاع‬
‫اخلا�ص» وت�أمني كافة الت�سهيالت التي متكنه من ت�أدية دوره يف التنمية‬
‫وحتمله جزءاً من م�س�ؤولية التنمية والتطوير‪ ،‬و�إعادة النظر يف القوانني‬
‫والتعليمات املطبقة و�إلغاء ما تت�ضمنه من قيود �إدارية وتعقيدات مكتبية‬
‫حتول دون انطالق القطاع اخلا�ص‪ .‬ومن �أجل التزام احلكومة بوعدها‬
‫للقطاع اخلا�ص‪ ،‬فقد �أقنعت �أحمد ح�سن البكر ب�إ�صدار بيان بتوقيعه‬
‫موجه �إىل القطاع اخلا�ص ي�ؤكد على التزام احلكومة بوعودها للقطاع‬
‫اخلا�ص ومنها‪ :‬توفري احتياجات القطاع من م�ستلزمات الإنتاج ودعم‬
‫امل�رصف ال�صناعي و�إع��ادة النظر يف قانون التنمية ال�صناعية وتوزيع‬
‫امل�شاريع اجلديدة للقطاع اخلا�ص على املحافظات خللق توازن �إقليمي‬
‫بني املناطق املختلفة من العراق‪ ،‬وتقليل الرتكيز على املحافظات املتطورة‬
‫وخا�صة مدينة بغداد وللحد من الهجرة �إليها من املحافظات الأخرى‬
‫وتوزيع ال�صناعات ح�سب توافر املواد الأولية مع تن�شيط ال�صناعات‬
‫البيئية «التقليدية» وتخ�صي�ص الأرا�ضي جمانا لبع�ض ال�صناعات مع منح‬
‫قرو�ض من الدولة بفوائد ب�سيطة‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬فقد التزمت احلكومة‬
‫بتقدمي الدرا�سات الالزمة جمانا للقطاع اخلا�ص‪ ،‬والأخذ بنظر االعتبار‬
‫كافة املقرتحات التي يبديها امل�ستثمرون‪.‬‬
‫لقد كانت تلك التجربة الأوىل من نوعها خللق التعاون والتن�سيق بني‬
‫م�شاريع الدولة وم�شاريع القطاع اخلا�ص وفق �أ�س�س مو�ضوعية بعيدة‬
‫عن العموميات والتعابري الغام�ضة‪.‬‬
‫بعد جهد ا�ستمر �أكرث من ‪� 15‬شهراً‪ ،‬مت �إجناز اخلطة اخلم�سية لل�سنوات‬
‫‪ 1974 – 1970‬و�أ�صبحت جاهزة يف مطلع مار�س (�آذار) ‪.1970‬‬
‫‪-203-‬‬
‫ولكي تكون القيادة على اطالع على تفا�صيل اخلطة‪ ،‬فقد اقرتحت‬
‫على البكر عقد اجتماع خا�ص ملجل�س قيادة الثورة والقيادة القطرية‬
‫ملناق�شة الإطار العام للأفكار واملبادئ التي وردت يف قانون اخلطة‪ ،‬قبل‬
‫�إعالنها يوم ‪.1970/3/31‬‬
‫وافق البكر على الفكرة وطلب �إع��داد خال�صة مركزة الطالع‬
‫القيادة‪ ،‬وبال�صيغة التي ميكن �إذاعتها من حمطات الراديو والتلفزيون‪.‬‬
‫وقد مت ذلك فعال‪ ،‬و�أر�سلت اخلال�صة وقانون اخلطة �إىل جمل�س قيادة‬
‫الثورة يوم ‪ .1970/3/10‬وبقيت �أنتظر موعد االجتماع‪.‬‬
‫ومرت عدة �أيام‪...‬‬
‫وجاء يوم ‪ ،1970/3/31‬وهو اليوم الأخري لل�سنة املالية‪ .‬ومل يبق‬
‫�سوى يوم واحد للبدء يف اخلطة اجلديدة‪.‬‬
‫ات�صلت بالبكر هاتفيا وبينت له �أهمية مناق�شة بيان اخلطة لإقراره من‬
‫القيادة وهنا‪ ،‬ت�ساءل البكر �أي بيان تتحدث عنه ؟‬
‫كان ال�س�ؤال مفاجئا يل‪ .‬كيف يت�ساءل رئي�س اجلمهورية عن مو�ضوع‬
‫تعتربه القيادة من �أهم امل�سائل اال�سرتاتيجية يف جدول �أولياتها! �أمل يت�سلم‬
‫البكر املذكرة التي �أر�سلت �إليه يوم ‪3/10‬؟‬
‫وكم كانت خيبة �أملي عندما قال البكر ب�أن املذكرة مل تقدم �إليه‪� .‬أو‬
‫قدمت و�ضاعت بني �أكدا�س املعامالت اليومية‪.‬‬
‫�سارعت �إىل �إر�سال ن�سخ �أخرى من املذكرة �إىل جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫واتفقنا على مناق�شة املو�ضوع يف ال�ساعة اخلام�سة من ع�رص اليوم نف�سه‪،‬‬
‫ومن ثم �إذاعته يف ال�ساعة الثامنة م�ساء‪.‬‬
‫توجهت ع�رص ذلك اليوم �إىل الق�رص اجلمهوري‪ ،‬حيث يجتمع جمل�س‬
‫‪-204-‬‬
‫قيادة الثورة‪ .‬دخلت غرفة �سكرتري رئي�س اجلمهورية‪ ،‬و�أظن �أنه كان‬
‫ال�ضابط فا�ضل الرباك (الذي �أ�صبح دكتوراً يف العلوم ال�سيا�سية وعني‬
‫رئي�سا للمخابرات ثم �أعدم يف ما بعد)‪� .‬أخربته مبوعدي مع رئي�س‬
‫اجلمهورية‪ .‬انتظرت فرتة لي�ست بالق�صرية دون �أن يطلب مني التوجه‬
‫�إىل قاعة االجتماع‪ .‬قاربت ال�ساعة على ال�سابعة م�ساء‪ .‬رن جر�س‬
‫هاتف ال�سكرتري وكان املتحدث رئي�س اجلمهورية‪ .‬طلب مكاملتي على‬
‫الهاتف وبادرين بالقول‪:‬‬
‫– دكتور‪� ..‬إحنا �آ�سفني على الت�أخري لأن املجل�س من�شغل يف مناق�شة‬
‫بع�ض الأمور احلزبية‪ ..‬ملاذا ال تذهب �إىل الإذاعة وتذيع البيان؟‬
‫– ولكن يا �سيادة الرئي�س بيان اخلطة بيان مهم �آثاره متتد خلم�س‬
‫�سنوات‪ ،‬و�أنا �أريد جمل�س قيادة الثورة و�سيادتكم االطالع عليه �أوال‪.‬‬
‫– �إحنا ما نفهم بالأرقام والإح�صائيات‪ ..‬توكل على اهلل و�أذع‬
‫البيان!‬
‫وبعد جدل طويل‪ ،‬اقتنع البكر بوجهة نظري‪ .‬وتوجهت نحو القاعة‬
‫التي اجتمع فيها �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬ومل ي�ستغرق اطالعهم على‬
‫ذلك البيان �سوى ع�رش دقائق‪ .‬حيث توكلت بعدها على اهلل وتوجهت نحو‬
‫الإذاعة و�أذيع البيان يف ال�ساعة الثامنة والن�صف م�ساء‪� .‬أعقبه كالعادة ن�شيد‬
‫حما�سي ين�سجم واملنا�سبة الوطنية ال�سعيدة بعدها �أذيعت ن�رشة الأخبار‪،‬‬
‫حيث �أعيد بث البيان مرة �أخرى‪ .‬ومل يكن قد م�ضى على البث الأول‬
‫�سوى ن�صف �ساعة‪ ،‬وبعد ن�رشة الأخبار التي �أنتظر اجلمهور انتهائها بفارغ‬
‫ال�صرب ن�شيد وطني �آخر‪ ،‬فرق�صة ل�سهري زكي على �أنغام مو�سيقى هذه ليلتي!‬
‫ومن املفيد �أن نذكر هنا‪ ،‬ب�أن تلك اخلطة قد جاءت متوازنة من حيث‬
‫التوزيع اجلغرايف مل�رشوعاتها‪ ،‬فقد نالت املنطقة ال�شمالية (حمافظات �أربيل‪،‬‬
‫‪-205-‬‬
‫ال�سليمانية‪ ،‬دهوك‪ ،‬املو�صل‪ ،‬كركوك) ن�سبة ‪ ،%24‬واملحافظات الو�سطى‬
‫(بغداد‪ ،‬دياىل‪ ،‬وا�سط‪ ،‬بابل‪ ،‬كربالء‪ ،‬االنبار‪ ،‬القاد�سية)‪ ،‬ن�سبة ‪ .%53‬فيما‬
‫نالت املحافظات اجلنوبية (الب�رصة‪ ،‬ذي قار‪ ،‬املثنى‪ ،‬مي�سان) ن�سبة ‪.%23‬‬
‫وجدير بالذكر �أن نفو�س كل منطقة من�سوبة �إىل املجموع العام‬
‫لل�سكان يف ذلك الوقت كان على النحو التايل‪:‬‬
‫ • املنطقة ال�شمالية‪%25 :‬‬
‫ • املنطقة الو�سطى‪%56 :‬‬
‫ • املنطقة اجلنوبية‪%19 :‬‬

‫اجلزراوي يحاول تعديل اخلطة‬


‫مل يكن قد م�ضى على �صدور اخلطة االقت�صادية �سوى ‪ 15‬يوما‪ ،‬و�إذا بي‬
‫�أ�ستلم قرارا من جمل�س قيادة الثورة يق�ضي ب�إ�ضافة عدد من امل�شاريع ال�صناعية‬
‫�إىل اخلطة‪ ،‬قرار بعدة �سطور‪ .‬قرر جمل�س قيادة الثورة بجل�سته املنعقدة يف‬
‫كذا وكذا‪� .‬إ�ضافة امل�رشوعات التالية �إىل اخلطة االقت�صادية وتخويل وزيري‬
‫ال�صناعة والتخطيط اتخاذ ما يلزم ب�ش�أن تنفيذ القرار! وهكذا‪ ،‬بدون �سابق‬
‫مناق�شة وال درا�سات اقت�صادية مربرة يقرر املجل�س تعديل اخلطة االقت�صادية‬
‫و�إ�ضاعة جهود �أ�شهر عديدة ملوازنة اخلطة من حيث م�صادر متويلها ومن‬
‫حيث معدالت النمو االقت�صادي املرتابطة قطاعي ًا‪.‬‬
‫انده�شت لهذا الت�رصف‪ ،‬بل غ�ضبت‪ .‬ات�صلت هاتفيا بالفريق �صالح‬
‫مهدي عما�ش ب�صفته رئي�سا ملجل�س التخطيط �آنذاك نيابة عن رئي�س‬
‫اجلمهورية‪� .‬س�ألته عن القرار ومربراته‪� .‬أبدى عما�ش ده�شته ل�صدور‬
‫مثل ذلك القرار‪.‬‬
‫لكن يا �أبا هدى‪� ..‬أمل تكن حا�رضا اجتماعات جمل�س قيادة الثورة‬
‫‪-206-‬‬
‫عند مناق�شة ذلك القرار؟ �أمل تبد وجهة نظرك ب�صفتك رئي�سا ملجل�س‬
‫التخطيط ؟ ت�ساءلت عرب الهاتف‪ ..‬وجاء جوابه �أن املجل�س مل يتخذ مثل‬
‫ذلك القرار‪ ،‬ووعد باالت�صال بالبكر ملعرفة حقيقة الأمر‪.‬‬
‫مل انتظر نتيجة ات�صال عما�ش بالبكر‪ ،‬بل بادرت فورا يف �إعداد‬
‫كتاب ملجل�س قيادة الثورة قلت فيه‪:‬‬
‫«�إن اخلطة االقت�صادية اخلم�سية �إمنا هي تعبري عن ت�صورات القيادة‬
‫ال�سيا�سية لالقت�صاد القومي لل�سنوات اخلم�س القادمة‪ .‬ذلك الت�صور‬
‫الذي تو�صلنا �إليه بعد درا�سات ومناق�شات م�ستفي�ضة دامت �أكرث من‬
‫‪� 15‬شهراً‪ .‬و�إذا كان جمل�س قيادة الثورة يطلب الآن وبعد �أ�سبوعني‬
‫فقط من �صدور اخلطة تعديل برامج القطاع ال�صناعي وتعديل اخلطة‬
‫بالنتيجة‪ ،‬ف�إن ذلك �سيعطي انطباعات لدى ال�شعب ولدى جميع‬
‫املعنيني ب�أننا نفتقر الت�صور الدقيق مل�ستقبل العراق التنموي‪ .‬و�سيوجه‬
‫االنتقاد للحكومة حتما ب�أنها مل يكن لديها ت�صور وا�ضح قبل �أ�سبوعني‪،‬‬
‫فكيف نثق بت�صورها لل�سنوات اخلم�س القادمة؟»‪.‬‬
‫�أخذت الكتاب بيدي و�سلمته ل�سكرتري عام جمل�س قيادة الثورة‬
‫العقيد �شفيق الدراجي الذي قر�أه وحاول تهدئتي ون�صحني بعدم �إر�ساله‬
‫لرئي�س اجلمهورية‪ ،‬ولكني قلت له �أما �أن يلغى قرار املجل�س‪� ،‬أو �أن‬
‫�أعفى من من�صبي ويعني �أحد �أع�ضاء املجل�س وزيرا للتخطيط‪.‬‬
‫بعد يومني �ألغي القرار ومل �أعف من من�صبي‪ .‬ولكن �إىل حني‪.‬‬
‫بعد �أ�سبوعني تقريب ًا‪ ،‬ذهبت ملقابلة البكر ملناق�شة �أمور �أخرى‪ .‬و�أثناء‬
‫حديثنا �أفهمني البكر ب�أن ذلك القرار قد جاء بناء على طلب وزير‬
‫ال�صناعة الذي كان قد �أفهمه ب�أنه �أمر روتيني و�إنه ي�أتي بناء على تفاهمه‬
‫مع وزير التخطيط‪ .‬وملا �أفهمت البكر ب�أنه مل يكن هناك تفاهم �أو �سابق‬
‫‪-207-‬‬
‫اتفاق مع وزير ال�صناعة‪ .‬بد�أت عالمات االمتعا�ض على وجهه وت�أفف‬
‫ثم قال‪ ..‬يا دكتور هذه قيادتك‪ ..‬ما العمل‪ ..‬وزير �صناعة يقول يل �شيئا‬
‫فا�صدقه‪ ..‬ثم يتبني �أن قوله قد جانب احلقيقة‪� ..‬أنا رئي�س جمهورية‪..‬‬
‫هل �أدقق يف �صحة �أقوال �أع�ضاء القيادة؟‬
‫ويقينا �أنه بعد تلك احلادثة‪ ،‬مل يغفر يل وزير ال�صناعة‪� .‬إذ ا�ستمر من‬
‫خالل موقعه كع�ضو يف جمل�س قيادة الثورة والقيادة القطرية حلزب‬
‫البعث‪ ،‬انتقاد وزارة التخطيط ووزير التخطيط بالذات‪ .‬ومل يهد�أ له‬
‫بال منذ ذلك التاريخ‪ .‬وبقيت عالقتنا م�شوبة بالتوتر‪ .‬حتى �أعفيت من‬
‫من�صبي الوزاري م�ساء يوم ‪ 25‬يناير (كانون الثاين) ‪ ،1971‬و�أعفي‬
‫كذلك من من�صبه الدكتور فخري ق��دوري وزير االقت�صاد‪� ،‬ضمن‬
‫مالب�سات مت تبيانها يف ف�صل �سابق‪.‬‬

‫‪-208-‬‬
‫الف�صل الرابع ع�شر‬
‫�صدام ح�سني يف باري�س‬

‫كان �أحمد ح�سن البكر و�صدام ح�سني يبديان اهتماما بالغ ًا بتوطيد‬
‫العالقات مع فرن�سا‪ .‬وكما ذكرت يف ف�صل �سابق‪ ،‬فان �أول زيارة ر�سمية‬
‫لأع�ضاء احلكومة اجلديدة للخارج كانت للوفد الذي تر�أ�سته �إىل فرن�سا‬
‫يف دي�سمرب (كانون الأول) ‪ 1968‬لت�سليم ر�سالة من البكر �إىل اجلرنال‬
‫ديغول رئي�س اجلمهورية الفرن�سية‪.‬‬
‫وظل �صدام يعتقد ب�أن طريق احل�صول على التكنولوجيا الغربية مير‬
‫عرب فرن�سا‪ ،‬و�أن تنمية العالقات العراقية‪ – ‬الفرن�سية �سيعود بالفائدة على‬
‫العراق‪.‬‬
‫كان عدد كبري من �رشكات املقاوالت والتجهيز الفرن�سية‪ ،‬قد‬
‫ح�صل على عقود عمل كثرية يف العراق‪ ،‬يعود بع�ضها �إىل �سنة ‪،1954‬‬
‫وكان للعراق م�شاكل كثرية مع تلك ال�رشكات‪� ،‬إ�ضافة �إىل �رشكات‬
‫�أجنبية �أخرى‪ .‬و�أ�سا�س تلك امل�شاكل يعود �إىل توقف العراق عن دفع‬
‫م�ستحقات ال�رشكات عن الأعمال التي �أجنزتها بحجج خمتلفة ترتبط‬
‫بالروتني العراقي الطويل‪.‬‬
‫كان �صدام يرى ب�أن الت�أخر يف ت�سوية تلك امل�شكالت �سي�ؤدي حتما‬
‫�إىل زعزعة الثقة بالعراق‪ ،‬و�إىل زيادة تكاليف امل�شاريع اجلديدة لأن‬
‫‪-209-‬‬
‫ال�رشكات الأجنبية �ستعرف م�سبقا ما �سيواجهها من ت�أخريات يف ت�سوية‬
‫م�ستحقاتها‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬وبعد عودتي من زيارة فرن�سا ا�ستدعاين �أحمد ح�سن البكر‬
‫وطلب مني املبا�رشة فورا ب�إجراء جرد بامل�شاكل املعلقة مع جميع‬
‫ال�رشكات الأجنبية‪ ،‬مع �إعطاء الأولوية لل�رشكات الفرن�سية‪ ،‬حل�سمها‪.‬‬
‫كما �أ�صدر البكر تعميما �إىل جميع ال��وزارات يطلب منها �إحالة‬
‫مطالبات ال�رشكات الأجنبية �إىل وزارة التخطيط‪.‬‬
‫وبد�أنا العمل فوراً‪.‬‬
‫�أعطينا الأولوية لل�رشكات الفرن�سية التي بلغ جمموع مطالباتها ما‬
‫يقارب ‪ 13‬مليون جنيه �إ�سرتليني‪.‬‬
‫بد�أت املفاو�ضات مع ممثلي ال�رشكات ومع احلكومة الفرن�سية التي‬
‫مثلها جي�سكار دي�ستان وزير املالية واالقت�صاد الوطني يف حينه وا�ستمرت‬
‫املفاو�ضات فرتة ق�صرية ا�ستطعت خاللها ح�سم جميع املطالب‪ ،‬و�إجراء‬
‫ت�سوية �شاملة تدفع احلكومة العراقية مبوجبها مبلغ مليون جنيه �إ�سرتليني‬
‫فقط بدال من ‪ 13‬مليونا وب�أربعة �أق�ساط �سنوية‪.‬‬
‫كانت تلك الت�سوية‪ ،‬اخلطوة الأوىل يف �سلم بناء العالقات العراقية‪– ‬‬
‫الفرن�سية‪ .‬ثم جاء اليوم الأول من يونيو (حزيران) ‪ ،1972‬حيث �أمم‬
‫العراق نفط احلقول ال�شمالية الذي متتلك فرن�سا فيه ن�سبة تقارب ‪.%24‬‬
‫غري �أن جمل�س قيادة الثورة قرر �إعطاء فرن�سا �أف�ضلية يف التعامل‪ ،‬والإبقاء‬
‫على م�صاحلها‪ ،‬ومن �أجل ذلك‪� ،‬أ�صدر املجل�س يوم الت�أميم بيانا كان ن�صه‪:‬‬
‫«تقديرا ملواقف فرن�سا الإيجابية من الق�ضايا العربية امل�صريية‪ ،‬ورغبة‬
‫من احلكومة العراقية يف �إدامة وتطوير العالقات االقت�صادية وال�سيا�سية‬
‫‪-210-‬‬
‫معها‪ ،‬وحر�صا منها على حماية امل�صالح الفرن�سية يف نفط العمليات‬
‫امل�ؤممة‪ ،‬ومبوجب قانون ت�أميم عمليات �رشكة نفط العراق املحدودة رقم‬
‫‪ 69‬ل�سنة ‪ ،1972‬تعلن احلكومة العراقية عن ا�ستعدادها للدخول يف‬
‫مباحثات مع اجلانب الفرن�سي �إذا ما �أبدى رغبته بذلك‪ ،‬خالل فرتة‬
‫منا�سبة‪ ،‬بهدف الو�صول �إىل �صيغة مالئمة ت�ضمن بقاء تلك امل�صالح‬
‫وا�ستمرارها»‪.‬‬
‫وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أن احلكومة الفرن�سية كانت على اطالع‬
‫دائم على املفاو�ضات التي كان العراق يجريها مع �رشكات النفط قبل‬
‫الت�أميم‪ ،‬حيث كان ال�سفري الفرن�سي ببغداد يزود با�ستمرار بخال�صة عن‬
‫تلك املفاو�ضات‪ .‬كما �أنه قد �أخطر �صباح يوم ‪ 1‬يونيو (حزيران) بقرار‬
‫الت�أميم قبل �إذاعته ر�سمي ًا‪.‬‬
‫وقد كان هذا االجتاه هو الذي تبناه �صدام ح�سني منذ البداية ل�سببني‪:‬‬
‫�أولهما‪ ،‬ا�ستخدام النفوذ الفرن�سي لل�ضغط على ال�رشكات الأجنبية‬
‫الأخرى التي �أممت م�صاحلها‪ ،‬للو�صول �إىل ت�سوية �رسيعة مع العراق‬
‫حتى يتمكن من ت�سويق نفطه‪ .‬وثانيهما‪ ،‬ا�ستخدام امل�صالح الفرن�سية‬
‫يف العراق كورقة بيده للح�صول على تعاون فرن�سي �أكرث على مدى‬
‫ال�سنوات القادمة‪ ،‬يف خمتلف احلقول الفنية والع�سكرية‪ ،‬وهو ما جنح فيه‬
‫فعال‪ .‬فبعد الت�أميم بيوم واحد‪ ،‬و�صل بغداد وفد فرن�سي م�ؤلف من ‪56‬‬
‫�شخ�صية فرن�سية اقت�صادية وجتارية و�صناعية ميثل القطاعني احلكومي‬
‫واخلا�ص‪ .‬وكان �صدام ح�سني حري�صا على تغطية زيارة الوفد �إعالميا‬
‫وب�شكل وا�سع‪ .‬كما حر�ص على اللقاء بالوفد يف اجتماع مو�سع عقد‬
‫يف مبنى املجل�س الوطني وحتدث �إليه مطوال‪ ،‬م�ؤكدا �أن حر�صه على‬
‫اللقاء بالوفد ال ينطلق من اعتبارات موقف العراق من ال�رشكات الأجنبية‬
‫االحتكارية و�إمنا ين�سجم مع جممل �سيا�ستنا الثابتة التي نرغب من خاللها‬
‫‪-211-‬‬
‫تطوير وتعزيز العالقات مع امل�ؤ�س�سات واحلكومة الفرن�سية �أكرث من �أي‬
‫وقت م�ضى‪ .‬و�أن جمل�س قيادة الثورة و�ضع موقعا متميزا لفرن�سا فيما‬
‫يتعلق بت�أميم ال�رشكات الأجنبية‪ .‬و�أننا كعرب نحتفظ و�سوف نبقى‬
‫نحتفظ بهذا املوقع املتميز لعالقاتنا مع فرن�سا ال�صديقة»‪.‬‬
‫و�أ�ستطرد �صدام يف حديثه م�شرياً �إىل اجلرنال ديغول فو�صفه بالفار�س‬
‫العظيم الذي ا�ستطاع �أن ي�ؤ�س�س عالقات فرن�سا مع الدول العربية مبا‬
‫يخدم بالده وال ي�رض مب�صلحة العرب‪ ،‬و�إنه (�أي �صدام ح�سني) غري منغلق‬
‫على نف�سه و�إمنا «يعي�ش تطورات مفاهيم �أواخر القرن الع�رشين ب�أح�سن‬
‫�صورها وبكاملها»‪ ،‬و�أنه �أ�صدر تعليماته �إىل اجلهات الر�سمية العراقية‬
‫التخاذ ما يلزم يف �سبيل متتني العالقات التجارية مع فرن�سا‪ ،‬م�شريا �إىل‬
‫�أن العراق بعد ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ 1968‬قد زاد حجم ا�سترياداته من‬
‫فرن�سا بحيث �أ�صبحت فرن�سا حتتل املرتبة الثالثة يف العالقات االقت�صادية‬
‫والتجارية مع العراق بعد �أن كانت حتتل املرتبة الثالثة ع�رش قبل ذلك‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫�صدام بني داملا�س ومببيدو‬


‫بعد �أ�سبوعني من قرار ت�أميم النفط العراقي‪ ،‬وبدعوة من رئي�س‬
‫الوزراء الفرن�سي جاك �شابان داملا�س‪ ،‬توجه وفد عراقي برئا�سة �صدام‬
‫ح�سني نائب رئي�س جمل�س قيادة الثورة �إىل باري�س‪ .‬و�ضم الوفد املرافق‬
‫يف ع�ضويته مرت�ضى �سعيد عبد الباقي وزير اخلارجية وع�ضو جمل�س‬
‫قيادة الثورة‪ ،‬الدكتور عزت م�صطفى وزير ال�صحة وع�ضو جمل�س‬
‫قيادة الثورة‪ ،‬عزت الدوري وزير الإ�صالح الزراعي وع�ضو جمل�س‬
‫قيادة الثورة‪ ،‬الدكتور �سعدون حمادي وزير النفط‪ ،‬الدكتور جواد‬
‫ها�شم وزير التخطيط‪ ،‬الدكتور فخري قدوري ع�ضو مكتب ال�ش�ؤون‬
‫االقت�صادية التابع ملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬عدنان احلمداين �سكرتري جلنة‬
‫‪-212-‬‬
‫املتابعة ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ االتفاقيات‪ ،‬وطارق عزيز رئي�س حترير‬
‫جريدة «الثورة»‪.‬‬
‫و�صلنا باري�س‪ ،‬وجرى للوفد ا�ستقبال ر�سمي �شارك فيه رئي�س‬
‫الوزراء �شابان داملا�س و�أع�ضاء احلكومة الفرن�سية‪.‬‬
‫ا�ست�ضافتنا احلكومة الفرن�سية يف فندق «كريون» ال�شهري‪ .‬وبعد‬
‫�ساعات قليلة بد أ� العمل‪ .‬وكانت توجيهات �صدام يل هي التباحث مع‬
‫جي�سكار دي�ستان وزير االقت�صاد واملالية حلل امل�شكالت القائمة بني‬
‫بع�ض �رشكات املقاولة الفرن�سية واحلكومة العراقية ب�أ�رسع وقت ممكن‬
‫حتى نبد أ� �صفحة جديدة يف العالقات‪.‬‬
‫يف اليوم التايل‪ ،‬توجه �صدام ملقابلة رئي�س اجلمهورية الفرن�سية‬
‫جورج بومبيدو و�إجراء حمادثات ثنائية‪ .‬ومل يرافقه يف هذه املقابلة‬
‫�سوى ال�سفري العراقي يف باري�س نعمة النعمة والدكتور م�صطفى كامل‬
‫يا�سني الذي قام بدور الرتجمة‪ .‬بعد ذلك بد�أت املفاو�ضات يف ق�رص‬
‫االليزيه‪.‬‬
‫كانت املفاو�ضات هادئة وطبيعية‪ .‬غري �أن �شابان داملا�س كان ي�ؤكد‬
‫بني احلني والآخر على �رضورة تعوي�ض �رشكات النفط الأجنبية التي‬
‫�أممت ح�صتها ويغمز من طرف خفي ب�أن فرن�سا ال ت�ستطيع �أن تعامل‬
‫العراق معاملة خا�صة دون �أن ت�ضع يف اعتبارها م�صالح ال�رشكات‬
‫الأجنبية الأخرى‪ .‬وبعبارة �أخرى ف�أن داملا�س كان يقول ب�أن بيان جمل�س‬
‫قيادة الثورة يف رعاية امل�صالح الفرن�سية ال قيمة له عنده‪.‬‬
‫هذه الإ�شارات �أزعجت �صدام لكنه مل يقل �شيئا �سوى الت�أكيد على‬
‫رغبة العراق يف توطيد عالقته مع فرن�سا‪.‬‬
‫‪-213-‬‬
‫انتهت اجلولة الأوىل من املباحثات عند الظهرية‪ ،‬حيث توجهنا �إىل‬
‫قاعة االحتفاالت يف الق�رص تلبية لدعوة الغداء التي �أقامها بومبيدو‪.‬‬
‫ويف امل�ساء‪ ،‬كانت �شابان داملا�س قد �أقام دعوة ع�شاء على �رشف‬
‫الوفد العراقي يف الفندق نف�سه الذي كنا ننزل فيه‪.‬‬
‫ع�شاء جميل مليء مبرا�سم الأناقة الفرن�سية‪.‬‬
‫حتدث داملا�س مرحبا بالوفد العراقي‪ ،‬م�ؤكدا على �أهمية العالقات‬
‫بني البلدين‪ ،‬لكنه ا�ستمر يف القول ب�أن على العراق مراعاة م�صالح‬
‫ال�رشكات النفطية الأخرى غري الفرن�سية‪ .‬وب�رصاحة قال‪� :‬أن حكومته‬
‫ال ت�ستطيع زيادة التعاون مع العراق ما مل يبادر العراق �أوال �إىل تعوي�ض‬
‫ال�رشكات النفطية‪.‬‬
‫�أثار كالم داملا�س حفيظة �صدام ح�سني‪ ،‬لكنه بقي �صامتا وعالمات‬
‫االنزعاج تبدو عليه منتظرا دوره يف الكالم ح�سب ما تق�ضي به املرا�سم‪.‬‬
‫بد�أ �صدام الكالم‪ ،‬والدكتور م�صطفى كامل يا�سني يرتجم بلغة‬
‫فرن�سية جزلة‪.‬‬
‫قال �صدام‪ :‬لقد جئنا �إىل فرن�سا لنفتح �صفحة جديدة يف العالقات‪.‬‬
‫لقد �أعطينا فرن�سا فر�صة ذهبية عندما اتخذنا قرار الت�أميم‪ .‬و�إذا كانت‬
‫فرن�سا ال تريد الدخول من الباب الذي فتحناه لها‪ ،‬ف�إننا قد نو�صده‪،‬‬
‫و�إىل الأبد‪ .‬كما فعلنا مع بريطانيا و�أمريكا و�أملانيا الغربية‪.‬‬
‫�ساد القاعة وجوم عميق‪ .‬ولكن كالم �صدام نال �إعجاب ال�سفراء‬
‫العرب الذين ح�رضوا دعوة الع�شاء‪.‬‬
‫يف اليوم التايل‪ ،‬ذهب �صدام مرة �أخرى ملقابلة بومبيدو على انفراد‬
‫‪-214-‬‬
‫لي�رشح له ت�صور العراق للعالقات التي يبتغيها‪ ،‬ولينقل �إليه موقف‬
‫داملا�س‪ .‬وملا عاد �صدام من املقابلة‪� ،‬أخربنا ب�أن بومبيدو قد �أكد له ب�أن‬
‫جميع رغبات العراق �ستلبى‪ .‬و�أن �أيام داملا�س معدودة‪ ،‬حيث �سيعني‬
‫ال�سيد مي�سمري رئي�سا للوزراء بدال منه!‬
‫ويف امل�ساء‪� ،‬أقام �صدام ح�سني دعوة ع�شاء لل�سيد داملا�س يف القاعة‬
‫نف�سها يف فندق كريون‪ .‬وقد �أ�رشفت ال�سفارة العراقية على تنظيم تلك‬
‫الدعوة‪ .‬ويبدو �أن �إ�رشاف ال�سفارة على �إعداد املائدة الرئي�سية واملوائد‬
‫الأخرى قد جاءت ب�شكل «عربي» يفتقر �إىل بع�ض اللم�سات اجلمالية‬
‫والتنظيمية‪� .‬إذ كانت �أ�صوات ال�صحون واملالعق تعلوا �أحيانا على‬
‫�أحاديث املدعوين‪.‬‬
‫قبل يوم من اختتام الزيارة‪� ،‬صدر بيان عراقي‪ – ‬فرن�سي عن نتائج‬
‫الزيارة‪ ،‬وكان �أهم ما جاء يف البيان موافقة احلكومة العراقية على بيع‬
‫كميات من النفط اخلام ل�رشكة النفط الفرن�سية من حقول كركوك تعادل‬
‫حوايل ‪ %24‬من �إنتاج هذه احلقول‪ ،‬وملدة ع�رش �سنوات‪ ،‬وفقا للأ�س�س‬
‫االقت�صادية واملالية ال�سابقة لقانون الت�أميم‪ .‬وبعبارة �أخرى‪ ،‬فقد �أبقى‬
‫العراق على امل�صالح واالمتيازات النفطية الفرن�سية كما كانت عليه قبل‬
‫الت�أميم‪ ،‬مقابل «عزم الطرفني على تنمية عالقاتهما يف خمتلف حقولها‬
‫وجماالتها!»‪.‬‬
‫انتهت زيارة باري�س‪ .‬ويف اليوم التايل ‪ 19‬يونيو (حزيران) ‪،1972‬‬
‫توجهنا �إىل مطار باري�س لن�ستقل الطائرة العراقية اخلا�صة يف طريقنا �إىل‬
‫بغداد‪.‬‬
‫كان �صدام يف غاية االن�رشاح وال�سعادة‪ .‬فقد حقق ما كان ي�صبو �إليه‬
‫يف تلك الفرتة من جناح‪ .‬وبعد العودة‪ ،‬قرر جمل�س قيادة الثورة منحه‬
‫‪-215-‬‬
‫«و�سام الرافدين» من الدرجة الأوىل لدوره يف �إجناح عملية الت�أميم ويف‬
‫تطوير عالقات العراق مع فرن�سا‪.‬‬
‫ومنذ هذه الزيارة �أ�صبحت فرن�سا �أهم حليف للعراق يف املع�سكر‬
‫الغربي‪ ،‬وبد�أت عالقات العراق تتوطد معها يوما بعد يوم‪ ،‬حتى بلغت‬
‫حدا عاليا من التوطد بعد موافقة فرن�سا تزويد العراق باملفاعالت النووية‬
‫وطائرات املرياج وبع�ض البوارج احلربية‪ .‬وبهذه العالقة مع فرن�سا‪ ،‬كان‬
‫العراق يحاول خلق نوع من التوازن يف عالقاته مع املع�سكرين ال�رشقي‬
‫والغربي‪ ،‬مع ت�أكيد احلاجة �إىل دعم غربي تتزعمه فرن�سا لتنمية دور‬
‫قيادي للعراق يف املنطقة العربية وبني دول عدم االنحياز‪.‬‬

‫‪-216-‬‬
‫الف�صل اخلام�س ع�شر‬
‫العراق ودول اخلليج‪� ...‬سيا�سات مرجتلة‬

‫حتى وقت مبكر من و�صول البعث �إىل ال�سلطة يف يوليو (متوز) ‪،1968‬‬
‫مل �أمل�س وجود «ح�سا�سيات» حمددة جتاه دول اخلليج على امل�ستوى الر�سمي‪.‬‬
‫ومل ي�صدر عن امل�س�ؤولني �أي ت�رصيح ينم عن وجود خالفات مع �أية دولة‬
‫خليجية‪ ،‬با�ستثناء ما كان يدور يف نطاق احللقات احلزبية‪ ،‬وما يتحدث‬
‫به �أع�ضاء القيادة القطرية للحزب يف جل�ساتهم اخلا�صة من �أمور عقائدية‬
‫ت�ؤكد على توزيع ثروات الوطن العربي ب�شكل عادل و�أهمية ا�ستثمار تلك‬
‫الرثوات داخل البالد العربية‪ .‬ويف لقاءات عديدة مع �صدام ح�سني و�أع�ضاء‬
‫�آخرين من القيادة القطرية‪ ،‬كنا نناق�ش عر�ضا‪ ،‬م�س�ألة نظم احلكم يف دول‬
‫اخلليج‪ ،‬و�أهمية وجود تنظيمات للحزب يف تلك الدول �أو الدويالت‪.‬‬
‫وت�أكيداً لرغبة جمل�س قيادة الثورة املعلنة يف توطيد عالقات العراق‬
‫مع دول اخلليج‪ ،‬وتعميق ًا لنظرة �أحمد ح�سن البكر الواقعية‪ ،‬فقد �ألف‬
‫املجل�س وفدا برئا�سة عزت �إبراهيم الدوري وع�ضوية كل من عدنان‬
‫خرياهلل‪ ،‬ح�سن العامري‪� ،‬سعدون حمادي‪ ،‬لطيف ن�صيف جا�سم‪،‬‬
‫وفخري قدوري‪ .‬وو�ضعت حتت ت�رصفه طائرة خا�صة ليقوم الوفد‬
‫بجولة يف دول اخلليج‪ ،‬ومقابلة امللوك والأمراء ل�رشح وجهة نظر العراق‬
‫جتاه كل دولة خليجية‪ ،‬وبحث خطط التعاون معها‪.‬‬
‫‪-217-‬‬
‫�سافر الوفد ومعه تعليمات حمددة لتطمني امللوك والأم��راء بنوايا‬
‫العراق «ال�صادقة» ولعر�ض م�شاريع التعاون بينه وبني كل دولة خليجية‪،‬‬
‫مبا يف ذلك فتح �أبواب كليات وجامعات العراق �أمام �أبناء اخلليج‪،‬‬
‫و�إعطاء املواطنني اخلليجيني حقوق التملك والإقامة يف العراق دومنا‬
‫قيد �أو �رشط‪.‬‬
‫ابتد�أت الزيارة بالكويت وانتهت باململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬و�أثناء‬
‫مقابلة رئي�س كل دولة طرح الوفد �سيا�سة العراق جتاه اخلليج‪ ،‬والرغبة‬
‫يف تعزيز الثقة وتوثيق العالقات �إىل �أق�صى احلدود‪ ،‬يف جميع املجاالت‪،‬‬
‫وا�ستعداد العراق للتعاون يف �أي جمال واىل �أي مدى يختارهما الطرف‬
‫العربي الآخر‪.‬‬
‫وقوبلت الزيارة برتحيب بالغ من قبل ر�ؤ�ساء جميع الدول اخلليجية‪،‬‬
‫وعرب ه�ؤالء يف حينه‪ ،‬عن �سعادتهم بهذا الطرح العراقي‪ ،‬واهتمامهم‬
‫الكبري مبجاالت التعاون غري املحدود املقرتحة‪.‬‬
‫ومل تعرت�ض الوفد يف هذه اجلولة اخلليجية �أية �صعوبات �سوى حادثة‬
‫ب�سيطة كادت تع�صف بالعالقات العراقية‪ – ‬ال�سعودية لوال تدارك الأمر‬
‫من قبل العاهل ال�سعودي �آنذاك امللك خالد‪ .‬وتتلخ�ص احلادثة بالآتي‪:‬‬
‫ذهب رئي�س و�أع�ضاء الوفد ملقابلة امللك خالد الذي ا�ستقبلهم خري‬
‫ا�ستقبال‪ ،‬وحتدث معهم طويال م�ستب�رشاً اخلري يف النظرة الواقعية للنظام‬
‫العراقي‪ .‬انتهت املقابلة بعد �أن التقطت �أجهزة الإعالم وال�صحافة‬
‫ال�سعودية �صورا للقاء‪ ،‬ويف اليوم التايل ن�رش خرب اللقاء بني امللك‬
‫خالد وعزت الدوري والوفد املرافق له ولكن مل يظهر يف ال�صور من‬
‫احلا�رضين �سوى اجلانب ال�سعودي فقط‪ .‬وما �أن ت�صفح الدوري جرائد‬
‫ال�صباح حتى علت وجهه عالمات االمتعا�ض ال�شديد لعدم ظهوره يف‬
‫‪-218-‬‬
‫ال�صور‪ ،‬مف�رساً الأمر �ضمن �أبعاد �سيا�سية «مغر�ضة» م�سج ً‬
‫ال احتجاجه‬
‫لهذا العمل «امل�شني»‪ .‬ويبدو �أن تف�سري الدوري ملا ح�صل قد و�صل‬
‫�آذان امللك خالد‪ ،‬الذي �سارع �إىل دعوة الوفد ملقابلته مرة ثانية لتلطيف‬
‫الأجواء‪ ،‬ولإعطاء فر�صة لل�صحافة لن�رش �صورة الدوري على ال�صفحات‬
‫الأوىل جلرائد اليوم التايل‪.‬‬
‫عاد الوفد �إىل بغداد وقدم تقريرا مف�صال عن الزيارة‪ ،‬وقد ت�أمل‬
‫�أحمد ح�سن البكر �صفحات التقرير و�أحاله �إىل جمل�س قيادة الثورة‬
‫الطالعه على تو�صيات الوفد لو�ضعها مو�ضع التنفيذ‪ .‬غري �أن ذلك مل‬
‫يدم طويال‪.‬‬
‫لقد امتزج الواقع العملي بالنظرة الثورية واختلطت الأوراق‬
‫بحيث تراجعت �سيا�سة العراق جتاه دول اخلليج �شيئا ف�شيئ ًا‪ ،‬وراحت‬
‫تت�سم باالرجتال وانعدام النظرة الثابتة والبعيدة املدى‪� ،‬إذ كثريا ما كان‬
‫يغلب الفكر العقائدي على الت�صور العملي لتلك العالقات‪� .‬أو بعبارة‬
‫�أخرى‪ ،‬كانت هناك ازدواجية يف التفكري تت�صارع فيما بينها «عقائديا»‬
‫و«ر�سميا»‪ .‬وهو �أمر كان يوقع امل�س�ؤولني يف �إحراج �شديد‪ .‬وعلى‬
‫�سبيل املثال‪ ،‬يف �إحدى منا�سبات االحتفال بيوم اجلي�ش‪ ،‬ح�رض ال�شيخ‬
‫زايد بن �سلطان حاكم �إمارة �أبو ظبي �آنذاك �إىل بغداد‪ ،‬وا�صطحبه البكر‬
‫حل�ضور االحتفال الذي �أقيم يف مطار املثنى‪ .‬ويبدو �أن عريف احلفل‬
‫كان «عقائديا»‪� .‬إذ كلما مرت كوكبة من اجلنود �أو الدبابات واملدافع‬
‫�أمام من�صة التحية كان العريف «العقائدي» ي�صف الأ�سلحة بالعظيمة‬
‫وكيف �أنها «�ستدك ح�صون عمالء اال�ستعمار من ال�شيوخ والأمراء‬
‫املرتبعني على العرو�ش اخلاوية يف دويالت ال تعدو عن كونها براميل‬
‫نفط يرتفع عليها علم» وكيف �أن «�شباب الوحدة واحلرية واال�شرتاكية‪،‬‬
‫حماة الر�سالة اخلالدة‪� ،‬سي�سقطون تلك امل�شيخات!»‪.‬‬
‫‪-219-‬‬
‫وكم كان املوقف حمرجا للبكر واحلكومة‪ ،‬مما �أغ�ضب البكر ف�أمر‬
‫با�ستبدال عريف احلفل واالعتذار لل�شيخ زايد بن �سلطان‪.‬‬

‫مهمات حزبية وخمابراتية‬


‫ومع هذه االزدواجية بني التفكري املنطلق من العقيدة احلزبية وبني‬
‫الت�صور العملي لل�سيا�سة العربية‪ ،‬كانت القيادة‪ ،‬ومن الأيام الأوىل للثورة‬
‫تبدي اهتماما ب�ش�ؤون اخلليج‪ ،‬وحتاول‪ ،‬بع�شوائية �أحيانا تلم�س الطريق‬
‫الأف�ضل لبناء عالقات ح�سنة مع الدول العربية املطلة على اخلليج‪ .‬مع‬
‫الرتكيز «ب�شكل �رسي جدا» يف بناء اخلاليا احلزبية يف تلك الدول‪ ،‬من‬
‫خالل فتح مراكز جتارية وفروع مل�رصف الرافدين �أنيطت �إدارتها �إىل‬
‫كوادر حزبية متقدمة ترتبط ب�شكل �أو ب�آخر مبكتب العالقات العامة (فيما‬
‫بعد املخابرات) ومبكتب ال�ش�ؤون العربية املرتبط مبجل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫وكان يوكل للم�س�ؤولني عن تلك املراكز والفروع ومكاتب اخلطوط‬
‫اجلوية العراقية مهمات حزبية وخمابراتية ب�ضمنها مهمات ت�سهيل‬
‫عمليات االغتيال وزرع القنابل‪ .‬وبحكم تواجدي يف �أبو ظبي‪ ،‬حيث‬
‫كنت رئي�سا ل�صندوق النقد العربي للفرتة ما بني مايو (�أيار) ‪1977‬‬
‫ومايو (�أيار) ‪ 1982‬وقفت على تفا�صيل عدد من هذه احلاالت‪ .‬و�أذكر‬
‫يف هذا ال�صدد كيف �أن املخابرات العراقية يف ‪ 1980‬حاولت زرع‬
‫بع�ض القنابل يف مدينة �أبو ظبي بوا�سطة مدير املركز التجاري العراقي‬
‫ومدير اخلطوط اجلوية العراقية وم�س�ؤول املخابرات يف ال�سفارة العراقية‬
‫يف �أبو ظبي‪ .‬و�أثناء اجتماع تلك املجموعة يف �شقة �أحدهم بحجة‬
‫دعوة �إفطار‪ ،‬ومبا�رشتهم يف حت�ضري القنابل‪ ،‬انفجرت �إحداها حمدثة‬
‫دوي ًا قويا خلع �شبابيك و�أبواب وم�صاعد البناية و�أدى �إىل مقتل م�س�ؤول‬
‫املخابرات و�إ�صابة �أعوانه‪ .‬وقد �أ�صدرت احلكومة العراقية يف حينه بيانا‬
‫اتهمت فيه �أجهزة املخابرات الإ�رسائيلية والإيرانية بتدبري احلادث!‬
‫‪-220-‬‬
‫وحادثة �أخرى ا�ستخدمت فيها املخابرات العراقية رجل �أعمال‬
‫عراقي كان يقيم يف �أم��ارة ال�شارقة هو طارق عبد ال��رزاق قدوري‬
‫للح�صول على ت�أ�شرية دخول لأحد عمالئها الغتيال رجل دين عراقي‬
‫مقيم يف �أمارة دبي‪.‬‬
‫كان قدوري زميال يل �أثناء مرحلة الدرا�سة يف كلية التجارة واالقت�صاد‬
‫يف بغداد‪ .‬كما كانت له عالقات �صداقة وا�سعة يف بغداد‪ .‬ومن بني‬
‫�أ�صدقائه‪ ،‬كان عبد الكرمي ال�شيخلي (وزير اخلارجية) و�سعدون �شاكر‬
‫(رئي�س املخابرات ثم وزير الداخلية) وبرزان التكريتي (م�س�ؤول حماية‬
‫�صدام ح�سني ثم رئي�س املخابرات)‪ .‬وكان قدوري تاجراً ووكي ً‬
‫ال‬
‫لبع�ض ال�رشكات التجارية الأجنبية‪ .‬ويبدو �أنه حاول ا�ستغالل �صداقاته‬
‫مع بع�ض امل�س�ؤولني مما �أوقعه يف م�شكلة �أدت �إىل �سجنه يف بغداد ومن‬
‫ثم الإفراج عنه بعد �سنة ترك على �أثرها العراق ليقيم يف ال�شارقة ليزاول‬
‫منها �أعماله التجارية‪ ،‬مع الإبقاء على عالقاته القدمية ببع�ض امل�س�ؤولني‪.‬‬
‫على �أية حال‪ ،‬دخل عميل املخابرات دولة الإم��ارات‪ ،‬بت�أ�شرية‬
‫ا�ستخرجها له طارق قدوري‪ .‬و�أقام‪ ،‬خالل فرتة وجوده يف ال�شارقة‪ ،‬يف‬
‫م�سكن طارق بحجة انه يريد التعرف على التجار من �أجل القيام ب�أعمال‬
‫ا�سترياد وت�صدير‪ .‬ويف ظهرية يوم جمعة �أو�صله قدوري �إىل امل�سجد يف‬
‫مدينة دبي على �أن يعود �إليه بعد ال�صالة‪ .‬ولكن عميل املخابرات مل‬
‫يكمل �صالته‪ ،‬ومل يدع رجل الدين العراقي �إكمال �صالته‪� .‬إذ �أطلق‬
‫ب�ضعة عيارات نارية قتلت رجل الدين يف احلال‪ .‬و�ألقت ال�رشطة القب�ض‬
‫عليه‪ .‬واعرتف ب�أنه من املخابرات العرقية‪ ،‬وانه يقيم يف منزل طارق‬
‫قدوري‪ .‬فالقي القب�ض عليه هو الآخر و�أودع التوقيف متهيدا ملحاكمته‪.‬‬
‫وقد تدخلت �شخ�صيا لدى ال�شيخ خليفة بن زايد ويل عهد �إمارة �أبو‬
‫ظبي لإطالق �رساحه بعد �أن �أكد طارق يل ب�أنه مل يكن يعلم مبهمة عميل‬
‫‪-221-‬‬
‫املخابرات‪ ،‬وان العملية كلها قد تكون �أي�ض ًا للتخل�ص منه �شخ�صيا‪.‬‬
‫وقد وافق ال�شيخ خليفة على �إطالق �رساح طارق �رشيطة مغادرته البالد‬
‫خالل ثالثة �أيام‪ .‬وفع ً‬
‫ال مت ت�سفريه �إىل بغداد‪.‬‬
‫وبعد و�صوله ب�أ�سابيع قليلة‪� ،‬أ�صدر جمل�س قيادة الثورة قرارا ب�إعفاء‬
‫�سيارته و�أثاثه من الر�سوم اجلمركية‪ .‬ودعي لتناول الغداء مع بع�ض‬
‫امل�س�ؤولني تكرميا له‪ .‬وبعد الغداء ب�ساعات تويف طارق قدوري بعد نقله‬
‫�إىل امل�ست�شفى ب�سبب انفجار القرحة املعوية التي مل ي�سبق �أن �شكا منها قط‪.‬‬
‫وهكذا كانت تدار العالقات العراقية مع دول اخلليج‪� .‬صالت �أخوة‬
‫على امل�ستوى الر�سمي‪ .‬ترافقها عمليات تفجري قنابل واغتياالت وخاليا‬
‫حزبية ت�أمتر ب�أمر املخابرات‪.‬‬
‫و�أود الإ�شارة هنا �إىل �إنه قبل عام ‪ 1971‬كانت هناك دولتان‬
‫خليجيتان هما الكويت وال�سعودية‪� .‬أما الإمارات ال�سبع الأخرى (�أبو‬
‫ظبي‪ ،‬دبي‪ ،‬ال�شارقة‪� ،‬أم القيوين‪ ،‬الفجرية‪ ،‬ر�أ�س اخليمة‪ ،‬عجمان) فلم‬
‫تكن قد توحدت بعد لت�شكل دولة الإمارات العربية املتحدة‪ .‬وعندما‬
‫بد�أت املفاو�ضات لتكوين هذه الدولة اتخذ العراق موقف ًا خا�صا �إذ‬
‫مل ي�ؤيد تكوين دولة الإم��ارات‪ .‬بل اقرتح �ضم الإم��ارات ال�سبع �إىل‬
‫ال�سعودية‪ .‬وعندما �أعلن قيام دولة الإمارات مل يعرتف العراق بها �إال‬
‫بعد �ستة �أ�شهر‪.‬‬
‫وبالرغم من هذا املوقف ال�سلبي جتاه تكوين دولة الإمارات‪ ،‬فقد‬
‫كانت مواقف الإم��ارات من العراق �إيجابية‪ ،‬كما �أن رئي�س الدولة‬
‫ال�شيخ زايد‪ ،‬كان من املعجبني ب�صدام ح�سني ويكن له احرتاما منقطع‬
‫النظري‪ .‬وقد �ساهمت الإمارات يف تقدمي الدعم املادي للعراق دون قيد‬
‫�أو �رشط بعد ت�أميم النفط العراقي وتقل�ص موارده املالية‪.‬‬
‫‪-222-‬‬
‫عالقات العراق والكويت‬
‫حت�سنت العالقات العراقية‪ – ‬الكويتية‪ ،‬بعد جميء البعث �إىل احلكم‬
‫عام ‪ ،1963‬وخا�صة بعد الزيارة التي قام بها للعراق حينذاك ويل العهد‬
‫ورئي�س الوزراء الكويتي ال�شيخ �صباح ال�سامل ال�صباح ومقابلته لأحمد‬
‫ح�سن البكر الذي كان رئي�سا للوزراء‪ .‬وعندما ت�سلم البعث احلكم عام‬
‫‪ ،1968‬كان م�ؤمال ت�سوية مو�ضوع تر�سيم احلدود بني البلدين‪ .‬غري �أن‬
‫هذا الأمر مل يتم‪ ،‬فبعد تردي العالقات العراقية‪ – ‬الإيرانية مطلع ‪،1969‬‬
‫طلبت احلكومة العراقية من الكويت يف �أبريل (ني�سان) ‪ 1969‬ال�سماح‬
‫لبع�ض القطاعات الع�سكرية با�ستخدام الأرا�ضي الكويتية حلماية ميناء �أم‬
‫ق�رص من هجوم �إيراين مرتقب‪� .‬إال �أن الكويت ترددت يف بادئ الأمر‬
‫مما حدا باحلكومة العراقية �إىل تكليف وزيري الداخلية والدفاع �صالح‬
‫مهدي عما�ش وحردان التكريتي بزيارة الكويت و�إجراء حمادثات �رسية‬
‫مع وزير الدفاع الكويتي ال�شيخ �سعد العبداهلل للموافقة على �إر�سال‬
‫قوات عراقية �إىل داخل الكويت‪ .‬وقد عر�ضا على الكويت �إن رغبت‬
‫ا�ستقبال قوات كويتية داخل الأرا�ضي العراقية بالقرب من مدينة الب�رصة‪.‬‬
‫ويبدو �أن عما�ش وحردان‪ ،‬فهما من خالل املحادثات ب�أن الكويت‬
‫«وافقت» على الطلب العراقي‪ .‬ف�صدرت الأوام��ر بتحرك بع�ض‬
‫القطاعات العراقية �إىل داخل الأرا�ضي الكويتية‪ ،‬و�إقامة مع�سكر لها‬
‫هناك‪ .‬كما �أن القيادة قد ف�رست هذه املوافقة املبدئية مبثابة «اتفاق»‬
‫ي�سمح مبوجبه ببقاء القوات العراقية مادام اخلطر الإيراين قائم ًا‪.‬‬
‫وبالرغم من تكرر احتجاج الكويت‪ ،‬ف�أن القوات العراقية مل‬
‫تن�سحب‪ .‬ويف عام ‪ 1973‬حاول العراق �إقامة نقطة دفاعية يف منطقة‬
‫ال�سميته الكويتية القريبة من موقع بع�ض القطاعات الع�سكرية الكويتية‪.‬‬
‫حاولت الأخرية منع ذلك‪ ،‬وهنا �أ�صدر �آمر الوحدة العراقية �أمرا بفتح‬
‫‪-223-‬‬
‫النار على اجلنود الكويتيني مما �أدى �إىل م�رصع جنديني كويتيني وجندي‬
‫عراقي‪ .‬وذلك يف ‪ 20‬مار�س (�آذار) ‪.1973‬‬
‫و�أثر هذا احلادث �أر�سلت احلكومة الكويتية مذكرة احتجاج �إىل‬
‫احلكومة العراقية طالبت فيها البدء باملفاو�ضات لرت�سيم احلدود و�سحب‬
‫القطعات الع�سكرية العراقية �إىل داخل احلدود العراقية‪.‬‬
‫وت�أزم الو�ضع‪ .‬حيث �أر�سلت احلكومة العراقية مبذكرة جوابية تعلم‬
‫فيها احلكومة الكويتية ب�أن احلدود مل يتم االتفاق عليها ر�سمي ًا‪ .‬وبعبارة‬
‫�أخرى‪ ،‬قالت احلكومة العراقية �أنها ال تعرتف باحلدود‪ ،‬الأمر الذي‬
‫دعا احلكومة الكويتية �إىل �إر�سال مذكرة �أخرى «�شديدة اللهجة» تخرب‬
‫فيها العراق ب�أنه ما مل يبحث هذا النزاع احلدودي فورا‪ ،‬ف�أن الكويت‬
‫�ست�ضطر �إىل دعوة جميع الدول العربية لتكون احلكم يف املو�ضوع‪.‬‬
‫ونتيجة لهذا الت�صعيد‪ ،‬ومن �أجل احتوائه‪ ،‬فقد و�صل �إىل بغداد يف‬
‫�أبريل (ني�سان) ‪ 1973‬وفد عربي برئا�سة حممود ريا�ض الأمني العام‬
‫للجامعة العربية وي�ضم يف ع�ضويته ممثلني عن كل من �سوريا وال�سعودية‬
‫ليعر�ض و�ساطته‪.‬‬
‫و�صادف و�صول ريا�ض يوم اجلمعة بعد الظهر‪ .‬ونظرا لقرب‬
‫م�سكني من مطار بغداد فقد ات�صل بي وزير اخلارجية راجي ًا ا�ستقبال‬
‫ريا�ض وتهيئة دعوة ع�شاء عاجلة‪.‬‬
‫يف اليوم التايل‪ ،‬اجتمع وزير اخلارجية مبحمود ريا�ض والوفد املرافق‬
‫له‪ .‬و�صدرت املوافقة ب�سحب القوات العراقية من منطقة ال�سميته مع‬
‫الت�أكيد ب�أن نزاع احلدود هو نزاع بني بلدين عربيني ويرف�ض العراق‬
‫تدخل ال��دول العربية الأخ��رى يف املو�ضوع (ه��ذا مع العلم ب�أن‬
‫االن�سحاب الفعلي مل يتم �إال يف يونيو (حزيران) ‪ .1977‬وخالل الفرتة‬
‫‪-224-‬‬
‫من ‪ 1973‬وحتى توقيع اتفاقية اجلزائر مع �إيران عام ‪ .1975‬كانت‬
‫املذكرات تتبادل بني العراق والكويت‪ .‬العراق يقول ب�أن االتفاقيات‬
‫ال�سابقة لرت�سيم احلدود �إمنا هي م�ؤ�رشات للتفاو�ض‪ .‬والكويت ت�رص على‬
‫كون االتفاقيات متثل التزاما مببادئ القانون الدويل‪.‬‬
‫بعد اتفاق اجلزائر‪ ،‬هد�أت احلالة بع�ض ال�شيء نظرا لزوال اخلطر‬
‫الإيراين الذي كان يتذرع به العراق‪ .‬وحتول املطلب العراقي �إىل حماولة‬
‫�إقناع احلكومة الكويتية بت�أجري جزيرة وربا واجلزء ال�شمايل من جزيرة‬
‫بوبيان بعقد �إيجار طويل‪ .‬وا�ستمر احلال �إىل �أن قام العراق باحتالل‬
‫الكويت يف الثاين من �أغ�سط�س (�آب) ‪.1990‬‬
‫ويف دي�سمرب (كانون الأول) ‪ ،1972‬قمت بزيارة ر�سمية للكويت‬
‫لإجراء مباحثات مع ال�صندوق الكويتي للتنمية االقت�صادية من �أجل‬
‫احل�صول على قر�ض لتمويل بع�ض امل�رشوعات ال�صناعية يف العراق‪.‬‬
‫و�صلت الكويت عائداً من الهند بعد �أن كنت فيها يف زيارة ر�سمية‪.‬‬
‫وهناك عقدت �سل�سلة من االجتماعات مع عبد اللطيف احلمد املدير العام‬
‫لل�صندوق الكويتي للتنمية االقت�صادية‪ ،‬ثم ا�صطحبني احلمد ملقابلة عبد‬
‫الرحمن العتيقي وزير املالية الكويتي رئي�س جمل�س �إدارة ال�صندوق‪ ،‬وبعد‬
‫مباحثات مل ت�ستغرق وقت ًا طويال وافق ال�صندوق من حيث املبد�أ على‬
‫امل�ساهمة بتمويل م�رشوعني هما م�رشوع الوحدات الكهرومائية الغازية‪،‬‬
‫وم�رشوع معمل للأ�سمنت يف مدينة الكوفة‪ .‬وكان القر�ض الذي اتفقت‬
‫عليه مع احلمد حوايل ‪ 5‬ماليني دينار كويتي ي�سدد على مدى ‪� 12‬سنة‪.‬‬
‫وقبل هذين امل�رشوعني‪ ،‬كان ال�صندوق الكويتي قد �أقر�ض العراق‬
‫نحو ‪ 7‬ماليني دينار كويتي لتمويل م�رشوع معمل �إ�سمنت ال�سماوة‬
‫واملحطة الكهرومائية يف �سامراء‪.‬‬
‫‪-225-‬‬
‫]‪[1‬‬ ‫بعد انتهاء مفاو�ضاتي يف الكويت‪� ،‬أدليت بت�رصيح �صحفي‬
‫�أكدت فيه �أهمية اال�ستفادة من الإمكانيات املالية العربية املتاحة ومن‬
‫م�ساعدات الدول ال�صديقة يف تطبيق خمططاتنا الإمنائية‪ .‬غري �أن الفرتة‬
‫الزمنية التي بد�أ العراق فيها حماوالته لالقرتا�ض من اخلارج‪ ،‬والتي �أملتها‬
‫ظروفه املالية بعد ت�أميم النفط‪ ،‬مل تدم طويال‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي كنت �أزور فيه الكويت‪ ،‬كان قد و�صل �إىل بغداد‬
‫وفد برملاين كويتي برئا�سة خالد �صالح الغنيم رئي�س جمل�س الأمة الكويتي‪،‬‬
‫ويبدو �أن زيارة الوفد كانت تتعلق مب�س�ألة احلدود‪ ،‬حيث عقد مباحثات‬
‫ر�سمية مع وزير اخلارجية مرت�ضى �سعيد عبد الباقي‪ ،‬وقد �أبدى العراق‬
‫اهتمام ًا بالوفد فا�ستقبله رئي�س اجلمهورية �أحمد ح�سن البكر‪ ،‬نقل‬
‫خاللها الغنيم ر�سالة �شفوية من �أمري الكويت �إىل البكر‪ ،‬كما التقى الوفد‬
‫بالفريق �سعدون غيدان ع�ضو جمل�س قيادة الثورة وزير الداخلية‪� ،‬إ�ضافة‬
‫�إىل م�آدب الغداء والع�شاء الر�سمية التي �أقامها كل من وزير اخلارجية‪،‬‬
‫الداخلية‪ ،‬والعميد �شفيق الدراجي �أمني �رس جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫ومع تلك العالقات «الودية» على امل�ستوى الر�سمي‪ ،‬فقد كنت امل�س‬
‫من �صدام ح�سني نفورا جتاه الكويت‪ ،‬وبالأخ�ص جتاه وزير خارجيتها‬
‫�صباح الأحمد‪ .‬واذكر �أن �صداما قد طلب مني عام ‪ 1975‬القيام بزيارة‬
‫بع�ض دول اخلليج لإقناعها باملوافقة على طلب العراق اتخاذ بغداد مقرا‬
‫للجنة االقت�صادية لغرب �آ�سيا التابعة للأمم املتحدة (‪ )E C W A ‬وبعد‬
‫عودتي �إىل بغداد قدمت له تقريرا �أوردت فيه احلديث الذي دار بيني‬
‫وبني وزير اخلارجية الكويتي حول م�سائل احلدود‪ .‬ويبدو �أن كالم‬
‫الوزير مل يعجب �صدام �أو �أن �صدام مل يكن «معجبا» بالوزير الكويتي‪،‬‬
‫حيث علق على كالمه �أثناء مناق�شة التقرير بقوله‪ » :‬هذا كالم مليء‬
‫ال!»‪.‬‬‫باحلقد والكراهية للعراقيني‪� ..‬أنه مرفو�ض جملة وتف�صي ً‬
‫‪-226-‬‬
‫العالقات العراقية‪ – ‬ال�سعودية‬
‫لي�س بخاف على �أحد �أنه منذ ت�أ�سي�س الدولة العراقية‪ ،‬مل تكن‬
‫العالقات بني العراق وال�سعودية مما ميكن و�صفها بالعالقات اجليدة‬
‫لأ�سباب عديدة يعود بع�ضها �إىل ال�رصاع بني العائلة الها�شمية والعائلة‬
‫ال�سعودية‪ .‬ويعود بع�ضها الآخ��ر �إىل الرتكيبة الطائفية يف البلدين‪.‬‬
‫وعند �سقوط النظام امللكي يف العراق عام ‪ ،1958‬زال �سبب واحد‬
‫من �أ�سباب اخلالف لت�ستجد �أ�سباب �أخرى م�صدرها قلق ال�سعودية‬
‫من النظام اجلمهوري نف�سه و�سيا�سته يف �إقامة العالقات مع االحتاد‬
‫ال�سوفيتي ودول املع�سكر اال�شرتاكي على خمتلف الأ�صعدة‪ ،‬وما رافق‬
‫ذلك من االجتاهات الفكرية التي برزت على ال�ساحة ال�سيا�سية العراقية‪.‬‬
‫ي�ضاف �إىل ذلك كله امل�شكالت احلدودية املتعلقة بتق�سيم املنطقة‬
‫املحايدة وغريها‪.‬‬
‫وبعد انقالب ‪ ،1968‬وت�سنم «�شباب البعث العقائدي» �سدة‬
‫احلكم‪ ،‬ظهرت اخلالفات على ال�سطح لأ�سباب عديدة �أهمها عدم‬
‫وجود ما يف�صل بني عقائدية البعث وتطلعاته النظرية وبني واقعية‬
‫العالقات اخلارجية �ضمن املنظومة الدولية‪.‬‬
‫وبالرغم من حماوالت البكر �إخفاء تلك اخلالفات‪ ،‬ف�إن املنطلقات‬
‫النظرية حلزب البعث لعبت دورا يف عدم اطمئنان ال�سعودية من العراق‪،‬‬
‫خا�صة بعد قيام العراق باحت�ضان بع�ض عنا�رص اجلي�ش ال�سعودي التي‬
‫حاولت القيام بانقالب ع�سكري ولعدد من املدنيني املناوئني للحكم‬
‫ال�سعودي �أمثال علي غنام ع�ضو القيادة القومية للحزب والدكتور عبد‬
‫الرحمن منيف الذي كان قد عني م�ست�شاراً يف جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إىل دعم العراق لليمن اجلنوبي واحلركات الي�سارية يف اليمن‬
‫ال�شمايل‪.‬‬
‫‪-227-‬‬
‫ومنذ �إعالن بريطانيا عام ‪ 1969‬نيتها يف �سحب قواتها من �رشق‬
‫ال�سوي�س‪ ،‬بد�أت القيادة العراقية تفكر جديا يف الدور الذي يجب �أن‬
‫يلعبه العراق يف منطقة اخلليج‪ ،‬خا�صة بعد ت�صاعد النفوذ الإيراين املدعم‬
‫من طرف الواليات املتحدة‪ .‬وكان �صالح مهدي عما�ش يرى �رضورة‬
‫الإ�رساع بالتفاهم مع ال�سعودية لو�ضع �صيغة عملية حول «�أمن اخلليج»‬
‫ملواجهة احتمال تواجد قوات �أجنبية و�إقامة قواعد لها يف املنطقة مما‬
‫�سي�شكل خطرا على العراق والثورة يف الأمد البعيد‪ .‬وبد�أت ات�صاالت‬
‫�سيا�سية مع ال�سعودية لبحث �أمن اخلليج‪ .‬غري �أن ال�سعودية كانت‬
‫ت�شرتط على العراق قبل البحث يف �أي مو�ضوع يتعلق ب�أمن اخلليج حل‬
‫امل�شكالت احلدودية العالقة بني البلدين‪.‬‬
‫وخالل فرتة االت�صاالت العراقية‪ – ‬ال�سعودية‪ ،‬برزت على ال�ساحة‬
‫وبعنف اخلالفات العراقية‪ – ‬الإيرانية عندما �أعلنت �إيران يف فرباير‬
‫(�شباط) ‪ 1969‬ب�أن العراق مل يفي بالتزاماته املن�صو�ص عليها يف‬
‫معاهدة ‪ ،1937‬وطالبت ب�أن تكون احلدود املائية بني البلدين على‬
‫�أ�سا�س خط الثالويك‪ .‬وعندما رف�ض العراق االدع��اءات الإيرانية‪،‬‬
‫�أعلنت �إيران يف ‪� 19‬أبريل (ني�سان) ‪� 1969‬إلغاء املعاهدة املذكورة من‬
‫جانب واحد‪ ،‬كما قامت بهجمات ع�سكرية على املناطق املجاورة‬
‫خلانقني)*(‪.‬‬
‫هذه التطورات اخلطرية دعت العراق مرة �أخرى �إىل بدء احلوار‬
‫ال�سيا�سي غري املعلن مع ال�سعودية‪ ،‬دون �أن يثمر ذلك احلوار �شيئا‪ ،‬رغم‬
‫(*) – عندما و�صل هذا اخلرب اىل �أحمد ح�سن البكر قال يف خطاب له‪« :‬انني لن �أن�سى‬
‫هذا املوقف اجلبان من �إيران‪ ،‬ولتقطع يدي ان مل انتقم يوما منها»‪ .‬كما �أوعز يف‬
‫حينه اىل ال�سلطات الأمنية بت�سفري عدد كبري من العوائل االيرانية والعراقية ال�شيعية‬
‫اىل ايران‪ .‬وكان ذلك بداية للت�سفريات املتالحقة يف عهد البعث‪.‬‬

‫‪-228-‬‬
‫احتالل �إيران يف عام ‪ 1971‬اجلزر الإماراتية الثالث‪ :‬طمب الكربى‬
‫وطمب ال�صغرى‪ ،‬و�أبو مو�سى‪ .‬ونتيجة لهذا املوقف ال�سعودي ال�سلبي‬
‫من العراق‪ ،‬بد�أت امل�س عدم ارتياح �صدام ح�سني من الأمر‪� .‬إذ كان‬
‫يردد يف جل�ساته اخلا�صة‪ .‬ويف اجتماعات جمل�س التخطيط انتقاداته‬
‫للموقف ال�سعودي‪ .‬ويح�رضين يف هذا ال�صدد �أنه بعد ت�أميم النفط عام‬
‫‪ ،1972‬واجتاه نية العراق لالقرتا�ض من دول اخلليج‪ ،‬كانت توجيهات‬
‫�صدام �رصيحة ب�أنه ال يريد �أن ميد العراق يده لل�سعودية �إطالقا‪ .‬كما ال‬
‫يريد االقرتا�ض منها‪.‬‬
‫بيد �أن اخلالفات العراقية‪ – ‬ال�سعودية برزت ب�شكل �أو�ضح‪ ،‬بعد‬
‫حرب �أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ ،1973‬فمث ُ‬
‫ال‪ ،‬خالل املعارك التي كانت‬
‫ت�شتبك فيها القوات امل�رصية وال�سورية مع �إ�رسائيل كان �أحمد ح�سن البكر‬
‫على ات�صال هاتفي م�ستمر مع امللوك والر�ؤ�ساء العرب عدا امللك في�صل‪.‬‬
‫وكان البكر قد �أوفد �أي�ضا بع�ض وزرائه يف ‪� 11‬أكتوبر (ت�رشين الأول)‬
‫‪ 1973‬حاملني ر�سائل منه �إىل امللوك والر�ؤ�ساء العرب‪ .‬وخرجت‬
‫ال�صحف العراقية يف اليوم التايل ب�إخبار تلك الر�سائل يف عناوين بارزة‪،‬‬
‫بينما اكتفت ب�إ�شارة �صغرية للر�سالة املوجهة للعاهل ال�سعودي جاء فيها‪:‬‬
‫«اجتمع الدكتور �سعدون حمادي وزير النفط واملعادن �أم�س‪� ،‬إىل امللك‬
‫في�صل ملك العربية ال�سعودية و�سلمه ر�سالة من ال�سيد الرئي�س �أحمد‬
‫ح�سن البكر»‪.‬‬
‫يف اليوم ذاته‪ ،‬ن�رشت جريدة «الثورة» على ال�صفحة الأوىل مقاال‬
‫بعنوان‪« :‬الأموال العربية ت�ساهم يف �صنع طائرات الفانتوم» يحر�ض‬
‫«اجلماهري العربية» على �رضب امل�صالح الأمريكية يف ال�سعودية‬
‫والكويت ودبي و�أبو ظبي وقطر‪.‬‬
‫‪-229-‬‬
‫ويف يوم ‪ ،10/13‬كانت افتتاحية «الثورة» وبع�ض مقاالتها‬
‫الأخرى تنطوي على �إ�شارات �رصيحة �ضد مواقف ال�سعودية وبع�ض‬
‫الدول اخلليجية‪ ،‬مبا يف ذلك الكويت‪ ،‬تلك املواقف التي اعتربتها‬
‫احلكومة العراقية ب�أنها معادية‪.‬‬
‫فاملقال االفتتاحي‪ ،‬ت�ضمن فقرة رئي�سية تندد باالجتماع الذي عقدته‬
‫دول اخلليج يف الكويت لبحث �سبل ا�ستخدام النفط يف املعركة‪ .‬ومما‬
‫جاء فيه‪ » :‬كلمة ق�صرية نقولها لل�سادة الذين �سيجتمعون يف الكويت‬
‫لبحث «كيفية» ا�ستخدام �سالح النفط يف املعركة �أننا نقول له�ؤالء‬
‫ال�سادة‪ :‬ارفعوا �أب�صاركم قليال �إىل ال�شمال �إىل الب�رصة فهناك جتدون‬
‫«الكيفية» التي ميكن فيها ا�ستخدام هذا ال�سالح يف املعركة‪ ،‬وال تتعبوا‬
‫�أنف�سكم باملناق�شات املطولة والدرا�سات املعمقة فالأمة قد اكت�شفت‬
‫طريقها وها هي ت�سري عليه منذ ‪ 6‬و‪� 7‬أكتوبر (ت�رشين الأول) يد ت�رضب‬
‫العدو بالر�صا�ص‪ .‬و�أخرى جتتث م�صالح حلفائه و�سادته»‪.‬‬
‫وكان املق�صود ب�إ�شارة املقال �إىل رفع الأب�صار �إىل ال�شمال �إقدام‬
‫العراق على ت�أميم ح�صة �رشكة �ستاندرد �أويل وموبيل كوربوري�شن‬
‫االمريكيتني يف �رشكة نفط الب�رصة‪.‬‬
‫وقد �أ�شارت «الثورة» يف العدد نف�سه �إىل القواعد الأمريكية‬
‫والربيطانية يف اخلليج العربي‪ ،‬ودعت مواطني تلك الدول �إىل النهو�ض‬
‫لعرقلة عملها متهيدا لإزالتها‪ .‬ومن هذه القواعد التي عددتها اجلريدة‬
‫ثالث يف ال�سعودية هي قاعدة الظهران وقاعدة خمي�س م�شيط لل�صواريخ‬
‫(قرب احلدود اليمنية) وقاعدة جدة اخلا�صة بعمليات التج�س�س‪ .‬ولكي‬
‫ي�شدد ال�ضغط على الدول اخلليجية امل�صدرة للنفط‪ ،‬وخا�صة ال�سعودية‪،‬‬
‫وذلك بتحري�ض �سكان املنطقة ال�رشقية منها وهم من ال�شيعة ق�صد �إثارة‬
‫اال�ضطرابات فيها ودفعها �إىل ا�ستخدام النفط يف املعركة‪ ،‬فقد جل�أت‬
‫‪-230-‬‬
‫احلكومة العراقية �إىل الإمام اخلميني الذي كان يقيم وقتها يف النجف‬
‫تطلب منه فتوى للدعوة �إىل اجلهاد‪.‬‬
‫وقد �أ�صدر اخلميني فتوى مطولة ن�رشت ن�صها جريدة «الثورة»‬
‫يف العدد ‪ 1587‬يف ‪ 1973/10/16‬حتت عنوان‪« :‬املرجع الأعلى‬
‫اخلميني يدعو للجهاد»‪ .‬وقدمت اجلريدة للفتوى بقولها‪« :‬وجه‬
‫�سماحة املرجع الديني الأعلى �آية اهلل الإمام اخلميني‪ ،‬نداء �إىل امل�سلمني‬
‫كافة دعاهم فيه �إىل اجلهاد ون�رصة القوات العربية املحاربة»‪.‬‬
‫ومما جاء يف الفتوى‪« :‬على الدول الإ�سالمية املنتجة للبرتول �أن‬
‫ت�ستخدم النفط والإمكانيات الأخرى التي متلكها ك�سالح �ضد �إ�رسائيل‬
‫وامل�ستعمرين و�أن متنع النفط عن تلك الدول التي ت�ساعد �إ�رسائيل»‪.‬‬
‫وا�ستمرت احلملة الإعالمية �ضد ال�سعودية ب�رضاوة‪ .‬وكانت ال�صحف‬
‫العراقية ت�صدر كل يوم وعلى �صفحتها الأوىل مقاالت تندد بال�سعودية‬
‫ودول اخلليج‪ .‬غري �أن املوقف الر�سمي الفعلي هو ما كانت تعرب عنه‬
‫جريدة «الثورة» مبقاالتها االفتتاحية التي كان ي�رشف على كتابتها �صدام‬
‫ح�سني �شخ�صيا‪ .‬بل �أن كل مقال افتتاحي يف هذه اجلريدة‪ ،‬كان تعبريا‬
‫وا�ضح ًا عن موقف �صدام بالذات‪.‬‬
‫ويف يوم ‪ 1973/10/17‬ظهر �أعنف مقال افتتاحي يف «الثورة»‬
‫بعنوان‪« :‬الدم‪ ..‬ال الدوالر �أيها ال�سادة»‪.‬‬
‫لقد كتب هذا املقال بعد �إعالن ال�سعودية تربعها مببلغ �ألف مليون‬
‫دوالر ل�سورية وجاء عنيفا وعلى نحو خيل يل �أن العالقات العراقية‪– ‬‬
‫ال�سعودية �ستنقطع حتما‪ .‬ومما ورد يف املقال‪�« :‬إنه وبعد ‪ 11‬يوما من‬
‫القتال البا�سل يف معركة التحرير‪ ،‬حتركت نخوة احلاكمني يف ال�سعودية‪،‬‬
‫فتربعوا مببلغ �ألف مليون دوالر ل�سورية‍! والذي ينظر �إىل هذا الرقم‬
‫‪-231-‬‬
‫يظنه كبرياً جداً‪ .‬ورمبا يتوهم املرء �أن ه�ؤالء ال�سادة قد �أ�صبحوا‪ ،‬ويا‬
‫للمفاج�أة‪ ،‬كرماء جداً‪ .‬قطعا �إن هذا التربع لي�س من باب النخوة‬
‫والكرم العربيني اللذين يحاول احلاكمون يف ال�سعودية و�أمثالهم �أن‬
‫يل�صقوا ب�أنف�سهم �شيئ ًا منها‪ .‬بل �أن العرب الكرماء و�أ�صحاب النخوة‬
‫احلقيقيني هم �أولئك ال�ضباط واجلنود الأبطال الذين يقدمون �أرواحهم‬
‫ودماءهم يف اجلبهتني من �أج��ل �رشف الأم��ة وكرامتها‪ ،‬وما�ضيها‬
‫وحا�رضها وم�ستقبلها‪ ،‬و�أن نقطة الدم الواحدة التي تنزف من �أج�ساد‬
‫ه�ؤالء الأبطال‪� ،‬أحفاد خالد وقتيبة وطارق‪� ،‬أرفع و�أ�رشف �ألف مرة‬
‫من تلك العرو�ش التافهة الغارقة يف خزي التبعية للأجنبي ويف مباذل‬
‫الغنى الفاح�ش‪ .‬ذلك الغنى الذي حذر منه الإ�سالم‪ ،‬ومن خطره على‬
‫الأخالق وعلى كيان الأمة»‪.‬‬
‫و�أ�ستمر املقال يف الإ�شارة �إىل‪�« :‬أن حكام ال�سعودية‪ ،‬كغريهم من‬
‫�أ�ساطني الرجعية املرتبطة بالأجنبي‪ ،‬يعرفون متاما �أن للزمان �أحكاما وان‬
‫لكل حادث حديثا! �إن احلاكمني يف ال�سعودية ذوي الباع الطويل يف‬
‫تدبري الدوائر واملكائد ويف اخلروج من امل�آزق كال�شعرة من العجني‪.‬‬
‫يحاولون‪ ،‬وعلى عجل‪� ،‬أن ي�شرتوا كرا�سيهم املهزوزة بثمن قد يبدو‬
‫لأمثالنا من الفقراء كبريا‪ ،‬ولكنه قليل جداً بالن�سبة لل�سادة ال�سابحني يف‬
‫بحار الذهب‪� ..‬أو يف رمالها‪ ..‬يحاول ه�ؤالء ال�سادة �أن يك�رسوا املوجة‬
‫الهادرة الزاحفة �إليهم من الب�رصة‪ ..‬لعلهم ي�ستطيعون املحافظة على‬
‫امل�صالح الأمريكية العزيزة التي تطالب الأمة بت�أميمها‪ ..‬و�إذا ظن دهاة‬
‫الريا�ض �إن با�ستطاعتهم �أن يحققوا من وراء هذا التربع �شيئا‪ ،‬ف�أنهم‬
‫لعلى وهم كبري‪ .‬نقول لل�سادة الكرماء الذين يظنون �أنف�سهم �أذكياء‪.‬‬
‫�إن اللعبة فا�شلة �أيها ال�سادة‪ ،‬و�سيكون كما قلنا‪ ،‬وكما تعرفون‪ ،‬لكل‬
‫حادث فيما ي�أتي من الأحداث‪ ،‬حديث!»‪.‬‬
‫‪-232-‬‬
‫كان كل يوم مير‪ ،‬وقناعة �صدام ح�سني تزداد ب�أن ال�سعودية تت�آمر‬
‫على العراق من زاويتني‪ .‬الأوىل‪ :‬احل��رب االقت�صادية عن طريق‬
‫زيادة �ضخ النفط ال�سعودي تعوي�ضا عن النفط العراقي الذي امتنعت‬
‫ال�رشكات الأمريكية عن �رشائه‪ ،‬والثانية‪ :‬احت�ضان ال�سعودية لبع�ض‬
‫ال�ضباط العراقيني ومنحهم اجلن�سية ال�سعودية و�إمدادهم باملال لإ�سقاط‬
‫النظام العراقي‪ .‬وكان عبد الغني الراوي يف مقدمة ه�ؤالء ال�ضباط‪.‬‬
‫وا�شتدت احلملة الإعالمية على ال�سعودية بعدما وقعت يف يد‬
‫ال�سلطات العراقية برقية وجهت من نيويورك �إىل �إحدى ناقالت‬
‫جمموعة �رشكة موبيل الأمريكية‪ ،‬وكانت را�سية يف الب�رصة يف خور‬
‫العمية‪ ،‬يف اليوم الثامن من �أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪� ،1973‬أي بعد‬
‫يوم واحد من ت�أميم احل�صة الأمريكية يف �رشكة نفط الب�رصة‪ ،‬تطلب‬
‫منها التوجه �إىل ميناء ر�أ�س تنورة يف ال�سعودية والتزود بحمولة نفط‬
‫كاملة من هناك عو�ض ًا عن احلمولة التي كان مقررا �أن ت�أخذها من نفط‬
‫الب�رصة‪.‬‬
‫وقد زادت حدة التوتر بني العراق وال�سعودية‪ ،‬بعد انتهاء اجتماع‬
‫الدول العربية املنتجة للنفط يوم ‪ 1973/10/17‬يف الكويت‪ .‬وكان‬
‫هذا االجتماع قد عقد لدرا�سة كيفية ا�ستخدام النفط ك�سالح يف املعركة‬
‫التي كانت تدور رحاها على اجلبهتني امل�رصية وال�سورية‪ .‬وكان العراق‬
‫قد تقدم مب�رشوع يق�ضي بت�أميم ح�ص�ص ال�رشكات الأمريكية‪ .‬وتقدمت‬
‫ال�سعودية مب�رشوع �آخر‪ .‬غري �أن امل�رشوع العراقي قد واجه رف�ض َا قاطعا‬
‫من قبل ال�سعودية والكويت ودولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬واكتفى‬
‫املجتمعون باتخاذ قرار يق�ضي بتخفي�ض ت�صدير النفط �إىل �أمريكا بن�سبة‬
‫‪ %5‬مع رفع الأ�سعار التجارية للنفط اخلام بن�سبة ‪ %17‬بحيث �أ�صبح‬
‫ال�سعر املعلن للنفط اخلام ‪ 3‬دوالرات و‪�65‬سنتا!‬
‫‪-233-‬‬
‫ويبدو �إنه بعد انتهاء اجتماع الكويت امل�شار �إليه‪� ،‬أدىل �أمري الكويت‬
‫يف ت�رصيح ملندوب وكالة «رويرتز» قال فيه �إنه «يحذر نك�سون من‬
‫تقدمي م�ساعدات �ضخمة لإ�رسائيل �إذ �أن هذه امل�ساعدات ت�ضع �أ�صدقاء‬
‫الواليات املتحدة يف موقف �صعب‪ ،‬وخا�صة دولته واململكة العربية‬
‫ال�سعودية»‪.‬‬

‫امل�رشوع العراقي‬
‫يتلخ�ص امل�رشوع �أو املقرتح العراقي الذي قدم الجتماع الدول‬
‫العربية امل�صدرة للنفط بثالث نقاط هي‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬ت�صفية امل�صالح الأمريكية االقت�صادية وب�صورة خا�صة النفطية‬
‫منها‪ ،‬ت�صفية كاملة عن طريق ت�أميم كافة ال�رشكات النفطية الأمريكية‬
‫العاملة يف الوطن العربي‪( .‬يف �سنة ‪ 1973‬كانت �رشكات النفط‬
‫الأمريكية ت�سيطر على ما يزيد عن ‪ %63‬من جمموع �إنتاج النفط‬
‫العربي)‪.‬‬
‫ثانياً‪� :‬سحب الأر�صدة املالية التي ت�ستثمرها الأقطار العربية يف‬
‫الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬قطع العالقات الدبلوما�سية واالقت�صادية لكل الأقطار العربية‬
‫املنتجة للنفط مع الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬

‫امل�رشوع ال�سعودي‬
‫ت�ضمن امل�رشوع ال�سعودي نقطتني اقت�رصتا على �إنتاج وت�صدير النفط‬
‫اخلام فقط‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬اتباع خطة �إنتاجية تعتمد على التخفي�ض التدريجي ملجموع‬
‫‪-234-‬‬
‫الإنتاج العربي بغ�ض النظر عن كونه �سي�صدر �إىل الواليات املتحدة‬
‫الأمريكية �أو �إىل غريها من الدول‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يبد أ� التخفي�ض التدريجي بعد �شهر من تاريخ االجتماع‪،‬‬
‫ويبتدئ بن�سبة ‪ %5‬عما كان عليه الإنتاج يف �شهر �سبتمرب (�أيلول)‬
‫وي�ستمر التخفي�ض بالت�صاعد بن�سبة ‪� %5‬شهريا بحيث �إنه كلما طال بقاء‬
‫قوات العدوان يف الأرا�ضي املحتلة‪ ،‬كلما انخف�ض الإنتاج �أكرث ف�أكرث‬
‫ب�صورة ت�صعيدية‪.‬‬
‫�أزع��ج ق��رار اجتماع الكويت‪ ،‬وم��ا �أدىل به �أم�ير الكويت من‬
‫ت�رصيحات‪ ،‬العراق كثريا‪ ،‬ف�صدرت املقاالت تلو املقاالت يف جريدتي‬
‫«اجلمهورية» و«الثورة» منددة مبا متخ�ض عنه االجتماع‪[2] .‬‬

‫وعندما عقد امل�ؤمتر القطري الثامن حلزب البعث يف يناير (كانون‬


‫الثاين) ‪ ،1974‬تداول امل�ؤمترون مو�ضوع العالقات العربية‪ – ‬اخلليجية‪.‬‬
‫وقد جاء يف الف�صل الثالث من التقرير ال�سيا�سي ال�صادر عن امل�ؤمتر فقرات‬
‫تتحدث عن غياب العراق الفعلي عن منطقة اخلليج ب�سبب خمططات‬
‫اال�ستعمار‪ .‬كما ت�ضمن تعري�ض ًا بدول اخلليج وبع�ض الأنظمة العربية‬
‫التي �أهملت هذه املنطقة ومل ت�شعر مبا يهددها من �أخطار‪ .‬وقد خل�ص‬
‫التقرير من ذلك �إىل القول‪« :‬كما �أن حتالف هذه الأنظمة وبخا�صة يف‬
‫هذه املرحلة مع النظام ال�سعودي الذي يلعب دورا �أ�سا�سيا يف اخلطة‬
‫اال�ستعمارية الرامية �إىل �إحكام ال�سيطرة على منطقة اخلليج العربي‪ ،‬قد‬
‫�أطلق يد الرجعية ال�سعودية ووفر لها الغطاء ال�سيا�سي الفعال يف الت�أثري‬
‫�إىل حد كبري يف هذه املنطقة بالتعاون مع النظام الإي��راين والأنظمة‬
‫الرجعية يف اخلليج»‪.‬‬
‫يف الوقت الذي كانت فيه العالقات العراقية‪ – ‬ال�سعودية تتدهور‬
‫واخلالف ي�ستحكم‪ ،‬بد�أت العالقات العراقية‪ – ‬الظبيانية بالتح�سن‬
‫‪-235-‬‬
‫خا�صة بعد �أن قررت حكومة �أبو ظبي يف ‪ 1973/10/18‬وقف‬
‫ت�صدير النفط اخلام لأمريكا‪.‬‬
‫ومل يكن لهذا القرار ت�أثري كبري على �صادرات النفط من �أبو ظبي‪،‬‬
‫لأن معظم ال�صادرات النفطية كانت �إىل اليابان و‪ %12‬فقط لأمريكا‪،‬‬
‫�أي حوايل ‪ 7.5‬مليون طن �سنويا‪ .‬ولكن كان للقرار‪ ،‬ح�سب وجهة‬
‫النظر العراقية‪ ،‬مغزى �سيا�سيا مما حدا ب�أحمد ح�سن البكر �إىل �إر�سال‬
‫الربقية التالية �إىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان رئي�س دولة الإمارات‬
‫العربية املتحدة يف يوم ‪:1973/10/19‬‬
‫«�صاحب ال�سمو الأخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ – ‬رئي�س دولة‬
‫الإمارات العربية‪� – ‬أبو ظبي‬
‫تلقينا بكامل التقدير واالعتزاز قراركم ب�إيقاف �ضخ النفط �إىل‬
‫الواليات املتحدة‪� .‬إن هذا القرار ال�شجاع واحلازم ي�ضاف �إىل مواقف‬
‫�سابقة لكم يف منا�سبات كثرية يدل على �أ�صالتكم العربية النبيلة‪ .‬و�إين‬
‫لواثق جداً �أنه �سيلقى التقدير الكبري من جماهري �أمتنا العربية يف كافة‬
‫�أقطارها‪ ،‬كما �سيكون �سندا لأ�شقائكم الذين يقاتلون �أ�رشف املعارك يف‬
‫�سيناء وربى اجلوالن‪.‬‬
‫�إين �إذ �أعرب لكم با�سم ال�شعب واحلكومة العراقية وبا�سمي �شخ�صيا‬
‫عن ال�شكر والتقدير لهذا املوقف‪� ،‬أرجو ل�شخ�صكم موفور ال�صحة‬
‫ول�شعبكم ال�شقيق التقدم واالزدهار‪.‬‬
‫�أخوكم‬
‫�أحمد ح�سن البكر‬
‫رئي�س اجلمهورية العراقية‬

‫‪-236-‬‬
‫ومل مت�ض �سوى ب�ضعة �أ�شهر‪ ،‬و�إذا باحلمالت ال�صحفية على‬
‫ال�سعودية تتوقف فج�أة‪ .‬وتبد�أ فرتة هدوء تطورت �إىل غزل �سيا�سي‬
‫وحوار مع ال�سعودية‪ .‬و�إذا ب�صدام ي�شري يف اجتماعات جمل�س التخطيط‬
‫�إىل �رضورة التعاون مع ال�سعودية‪ .‬يرافق ذلك كله ما كان يردده خرياهلل‬
‫طلفاح (خال �صدام ح�سني ووالد زوجته) يف جل�ساته اخلا�صة والعامة‬
‫من �أهمية �إقامة نظام احلكم يف العراق على املرتكزات العائلية مثلما هو‬
‫احلال يف ال�سعودية!‬
‫و�أذكر يف هذا ال�صدد‪ ،‬انه يف �أحد الأيام كنت يف عيادة الدكتور‬
‫عبد الر�سول حداد مدير م�ست�شفى الريموك‪ .‬حيث كان حا�رضا �أي�ضا‬
‫خرياهلل طلفاح الذي فوجئت بتهجمه على بع�ض �أع�ضاء جمل�س قيادة‬
‫الثورة �أمثال طه اجلزراوي الذي و�صفه ب�أنه يزيدي‪ .‬وبت�أكيده على‬
‫�رضورة حل جمل�س قيادة الثورة و�إعادة تركيبة النظام ليماثل نظام احلكم‬
‫يف ال�سعودية بدال من االعتماد على التنظيمات «البعثية» التي ال تعدو‬
‫عن كونها ع�صابات رعناء‪ ،‬على حد تعبريه‪.‬‬
‫ويبدو �أن �صداما قد �أخذ تدريجيا بن�صائح خاله‪ .‬حيث مل مت�ض فرتة‬
‫�إال وبد�أت عالقاته بالأمري فهد (ويل عهد ال�سعودية �آنذاك) تقوى وزار‬
‫فهد بغداد عام ‪ .1974‬وزار �صدام الريا�ض عام ‪ 1975‬وتكررت‬
‫الزيارات واالت�صاالت �إىل احلد الذي بد�أ يقلق �أع�ضاء القيادة القومية‬
‫للحزب وال�سعوديني من �أع�ضاء احلزب املقيمني يف العراق‪.‬‬
‫ومما �أتذكره عن تلك الفرتة‪� ،‬أن الدكتور عبد الرحمن منيف الذي‬
‫كان م�ست�شارا يف مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية التابع ملجل�س قيادة الثورة‬
‫قد قدم ا�ستقالته من من�صبه‪ .‬وملا �س�ألته عن ال�سبب‪� ،‬أجاب ب�أنه يرى يف‬
‫الأفق اجتاهات �صدام اخلطرية يف التقارب مع ال�سعودية وما �سيتبعه من‬
‫انفراد �صدام وعائلته باحلكم!‬
‫‪-237-‬‬
‫العراق ودول اخلليج بعد وقف احلرب العراقية‪ – ‬الإيرانية‬
‫يف ‪ 18‬يوليو (متوز) ‪� ،1988‬أعلنت �إيران قبولها ر�سميا وقف‬
‫�إطالق النار يف احلرب مع العراق وفقا لقرار جمل�س الأمن رقم ‪598‬‬
‫الذي كان قد �صدر قبل ذلك التاريخ بعام تقريبا‪.‬‬
‫بعد ذلك التاريخ بعدة �أيام زارين يف مكتبي يف لندن �شخ�ص كنت‬
‫قد تعرفت عليه من خالل غرفة التجارة العربية‪ – ‬الربيطانية يدعى‬
‫�سنكلري رود‪ ،‬و�أعتقد ب�أنه كان يعمل �ضمن �إحدى م�ؤ�س�سات املخابرات‬
‫الربيطانية وله عالقات وا�سعة مع اخلارجية الربيطانية و�صداقات عميقة‬
‫مع بع�ض امل�س�ؤولني العراقيني‪.‬‬
‫كان الهدف من الزيارة ا�ستمزاج ر�أيي عما �سيفعله �صدام ح�سني‬
‫بعد توقف حربه مع �إيران‪.‬‬
‫�أخربته بكل �رصاحة ب�أنني �أعتقد جازما �أن �صدام ح�سني �سيتوجه �إىل‬
‫احتالل الكويت خالل مدة �أق�صاها �سنتان‪.‬‬
‫مل يكن اعتقادي م�ستندا �إىل �أدلة ملمو�سة �أو وثائق يف حوزتي‪ .‬كان‬
‫ما قلته جمرد ا�ستنتاج قائم على �أقوال �صدام خالل فرتة عملي الر�سمي‬
‫معه ويف لقاءاتنا االجتماعية‪ ،‬وكذلك ما كان يقوله يل بع�ض �أفراد‬
‫حا�شيته ورفاقه �أمثال غامن عبد اجلليل وبرزان التكريتي‪.‬‬
‫غادر �سنكلري رود مكتبي �شاكراً �إي��اي للمعلومات واع��دا ب�أنه‬
‫�سيو�صلها �إىل وزارة اخلارجية الربيطانية وبدورها �إىل حكومة الكويت‪.‬‬
‫بعد ب�ضعة �أ�سابيع من زيارة رود‪ ،‬ح�رضت حفل ا�ستقبال يف م�سكن‬
‫�أحد ال�سفراء العرب يف لندن‪ .‬كان احل�ضور كثيفا‪ ..‬عربا و�أجانب‪.‬‬
‫وكم كانت ده�شتي كبرية عندما انفرد بي جانبا �أحد وزراء الدولة‬
‫‪-238-‬‬
‫الربيطانيني لل�ش�ؤون اخلارجية (‪ )Junior minister‬معاتب ًا‪« :‬علمنا ب�أنك‬
‫تتهم �صديقك ال�سابق �صدام ح�سني بنيته يف احتالل الكويت‪� ..‬أال‬
‫تخاف من انتقامه؟ �أجبته‪ :‬هذا ر�أيي يا معايل الوزير‪.‬‬
‫جاء جوابي �رسيع ًا و�أنا م�ستغرب من الطريقة التي وجه بها ال�س�ؤال‪.‬‬
‫وا�ستطرد الوزير الربيطاين قائ ً‬
‫ال بتهكم وهو يحت�سي ك�أ�سه‪ :‬معلوماتنا‬
‫الوثيقة تخالف ر�أيك‪.‬‬
‫مل �أرد عليه‪ ،‬وحاولت ال�سكوت بعد �أن مل�ست من الوزير امتعا�ضا‬
‫من توجيه �أي نقد �أو اتهام ل�صدام حتى و�أن كان ذلك جمرد ا�ستنتاج‬
‫وحتليل‪.‬‬
‫وكما يبدو‪ ،‬ف�إن حكومة املحافظني �إما �أنها كانت جتهل فعال نوايا‬
‫�صدام ح�سني �أو �أنها كانت تعلم تف�صي ً‬
‫ال بهذه النوايا وتنتظر �إقدامه على‬
‫املخاطرة يف احتالل الكويت لتقوم بعدئذ ب�رضب العراق ع�سكريا ورهن‬
‫نفطه لأمد طويل‪ ،‬وتدمري الكويت اقت�صاديا‪ ،‬وت�صفية ا�ستثماراتها يف‬
‫بريطانيا‪ .‬وبالأحرى‪ ،‬ابتالعها ت�سديداً لنفقات �إنقاذها من خمالب �صدام‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي كانت بريطانيا حتاول تطمني امل�س�ؤولني يف بع�ض‬
‫دول اخلليج من نوايا النظام العراقي‪ ،‬كانت الإدارة الأمريكية توجه‬
‫ر�ؤ�ساء بعثاتها الدبلوما�سية يف دول اخلليج بتحذير ملوك ور�ؤ�ساء‬
‫الدول اخلليجية من نوايا ومطامع العراق‪ .‬ويبدو �أن العراق قد �أخذ‬
‫علما بالتحرك الأمريكي ومبقابالت الدبلوما�سيني الأمريكان لكبار‬
‫امل�س�ؤولني يف دول اخلليج مما �أقلق �صدام و�أزعجه‪ ،‬لذلك �سارع بار�سال‬
‫وزير خارجيته طارق عزيز �إىل وا�شنطن يف �أكتوبر (ت�رشين الأول)‬
‫‪ 1989‬لالجتماع بنظريه الأمريكي جيم�س بيكر وبحث بع�ض جوانب‬
‫العالقات العراقية‪ – ‬الأمريكية ومنها نوايا العراق جتاه دول اخلليج‪.‬‬
‫‪-239-‬‬
‫ونظر لأهمية ذلك االجتماع �أجد مفيداً تلخي�ص ما دار فيه طبق ًا ملا‬
‫هو مدون يف الوثيقة الأمريكية املرقمة ‪ Z 130207 _0‬وامل�ؤرخة يف ‪6‬‬
‫�أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪.1989‬‬
‫افتتح جيم�س بيكر االجتماع مرحبا بالوفد العراقي امل�ؤلف من طارق‬
‫عزيز وزير اخلارجية وال�سفري حممد امل�شاط وعدد �آخر من موظفي وزارة‬
‫اخلارجية العراقية‪ ،‬م�ؤكدا حر�ص الإدارة الأمريكية تطوير عالقاتها مع‬
‫العراق‪ .‬بعد ذلك ابتد�أ طارق عزيز الكالم معربا عن �شكر احلكومة‬
‫العراقية وامتنانها مل�ساعدات احلكومة الأمريكية وال�سي �آي ايه يف تزويد‬
‫العراق باملعلومات التعبوية وال�صور الف�ضائية التي �ساعدته يف حربه مع‬
‫�إيران‪.‬‬
‫و�أ�ستطرد طارق عزيز قائال ب�أن املعلومات املتوفرة لدى احلكومة‬
‫العراقية ت�شري �إىل موقف �سلبي للإدارة الأمريكية جتاه العراق يف �أربعة‬
‫جماالت هي‪:‬‬
‫‪ – 1‬الت�رصيحات ال�سلبية ال�صادرة عن م�س�ؤولني �أمريكان حول نوايا‬
‫العراق جتاه دول اخلليج‪.‬‬
‫‪ – 2‬ال�صعوبات والعراقيل التي ت�ضعها الإدارة الأمريكية �أمام‬
‫ح�صول العراق على التكنولوجيا املتقدمة من �أجل �إعادة بناء‬
‫االقت�صاد العراقي بعد �سنوات احلرب الطويلة مع �إيران‪.‬‬
‫‪ – 3‬املواقف ال�سلبية للكوجنر�س الأمريكي جتاه العراق‪.‬‬
‫‪ – 4‬تخفي�ض احلكومة الأمريكية ملبلغ االعتماد امل�رصيف املخ�ص�ص‬
‫للعراق من بليون دوالر �إىل ‪ 400‬مليون خالل ال�سنة املالية‬
‫‪.1990‬‬
‫ومل يكتف طارق عزيز بالنقاط الأربع �أعاله‪ ،‬بل ا�ستمر يف حديثه‬
‫‪-240-‬‬
‫م�شريا �إىل توافر معلومات حول تورط بع�ض الأجهزة املخابراتية‬
‫الأمريكية يف م�ؤامرات زعزعة احلكم العراقي �أو الإطاحة به‪.‬‬
‫وت�شري املذكرة ال�رسية الأمريكية �إىل �أن بيكر قد �أب��دى ده�شته‬
‫وا�ستغرابه من اتهامات عزيز مت�سائال كيف ميكن ل�صدام ح�سني وحكام‬
‫العراق ت�صديق �إ�شاعات �أو معلومات خمابراتية يف الوقت الذي بذلت‬
‫�أمريكا كل ما يف و�سعها مل�ساعدة العراق يف حربه مع �إيران مبا يف ذلك‬
‫�إن�شاء دائرة خا�صة لل�سي �آي ايه يف مبنى ال�سفارة الأمريكية يف بغداد ملد‬
‫ال�سلطات العراقية باملعلومات الع�سكرية عن �إيران‪ ،‬وكذلك باملعلومات‬
‫الأمنية عن التحرك الداخلي �ضد النظام العراقي‪.‬‬
‫يقع حم�رض االجتماع بني ط��ارق عزيز وجيم�س بيكر يف ثماين‬
‫�صفحات‪ ،‬وتظهر فيه حماوالت طارق عزيز ت�أكيد الر�أي العراقي يف‬
‫املو�ضوعات التي �أثارها و�أ��شرت �إليها �أع�لاه‪ ،‬يف حني كان الوزير‬
‫الأمريكي يحاول طم�أنة عزيز واحلكومة العراقية حيال نية �أمريكا‬
‫«املخل�صة» يف تثبيت دعائم احلكم العراقي ومده بالعون وامل�ساعدة‪.‬‬
‫ال �أجد مربرا لرتجمة حم�رض االجتماع ب�أكمله �سوى نقطة واحدة‬
‫كان طارق عزيز يعود �إليها عدة مرات وهي ا�سرتاتيجية العراق بالن�سبة‬
‫للدول العربية املطلة على اخلليج‪ .‬وكما يبدو‪ ،‬ف�أن التعليمات التي تلقاها‬
‫من قبل �صدام ح�سني هي �رضورة معرفة املوقف الأمريكي ب�شكل دقيق‬
‫عن العالقات العراقية‪ – ‬اخلليجية‪.‬‬
‫ولكي ي�ضع طارق عزيز التعليمات ال�صادرة �إليه مو�ضع التنفيذ‪،‬‬
‫وي�ستدرج جيم�س بيكر �إىل الإف�صاح عن ر�أي الإدارة الأمريكية �أو‬
‫معلوماتها عن نوايا العراق جتاه دول اخلليج‪� ،‬أخرب عزيز زميله بيكر‬
‫بقرار احلكومة العراقية دفع تعوي�ضات مالية �سخية لعوائل �أفراد البحرية‬
‫‪-241-‬‬
‫الأمريكية الذين قتلوا جراء �إ�صابة البارجة الأمريكية �ستارك (‪)STARK‬‬
‫ب�صاروخ عراقي يف مياه اخلليج‪ ،‬ثم �أكد عزيز �إنه با�ستثناء هذا اخلط�أ‬
‫ال�صاروخي مل يقم العراق ب�أي عمل من �ش�أنه تهديد �أمن و�سالمة الدول‬
‫املطلة على اخلليج �أو حرية املالحة يف مياهه‪ ،‬وا�ستطرد يقول ب�أنه بعد‬
‫وقف �إطالق النار بني العراق و�إيران يف يوليو (متوز) ‪ ،1988‬بد�أت‬
‫ت�صل احلكومة العراقية تقارير من عوا�صم دول اخلليج عن ات�صاالت‬
‫بني دبلوما�سيني �أمريكان وم�س�ؤولني خليجيني حمذرين دول اخلليج من‬
‫املطامع العراقية يف بع�ض هذه الدول وبالأخ�ص ال�سعودية والكويت‪،‬‬
‫غري �أن هذه التقارير تقلق العراق لعدم �صحتها ولأن احلكومة العراقية‪،‬‬
‫ح�سب تعبري عزيز‪ ،‬قبل احلرب مع �إيران و�أثناءها ثم بعد وقف �إطالق‬
‫النار‪ ،‬كانت ومل تزل ت�ؤكد على ح�سن نياتها ورغبتها يف املحافظة على‬
‫تلك الكيانات والدفاع عنها �ضد اخلطر الإيراين‪.‬‬
‫ومل يكتف عزيز مبا عر�ضه على جيم�س بيكر‪ ،‬بل ا�سرت�سل معاتب ًا ب�أن‬
‫املوقف الأمريكي يف �إثارة الرعب واخلوف واحلذر من نوايا العراق �أمر‬
‫غريب يثري الده�شة‪� ،‬آخذين يف االعتبار العالقات العراقية‪ – ‬الأمريكية‬
‫اجليدة‪.‬‬
‫مل �أجد يف ال�صفحات الثمانية ملح�رض االجتماع جوابا �أو تعليقا‬
‫للوزير الأمريكي حول ما �أثاره طارق عزيز يف كالمه عن دول اخلليج‪،‬‬
‫�إذ بعد �أن ينهي عزيز عتابه «الأخوي» ي�سارع بيكر يف تذكري العراق‬
‫ب�رضورة ت�أييد مباحثات ال�سالم امل�رصية‪ – ‬الفل�سطينية‪ – ‬الإ�رسائيلية‬
‫خا�صة و�أن م�رص والأردن «�رشكاء» العراق يف جمل�س التعاون العربي‬
‫ي�ؤيدان الأ�شواط التي قطعت يف تلك املباحثات‪.‬‬
‫وحول هذه النقطة يجيب طارق عزيز ما ن�صه‪« :‬لقد بحثنا الأمر‬
‫مع م�رص ومع عرفات الذي جاء �إىل بغداد م�ؤخرا‪ .‬نحن يف غاية ال�رسور‬
‫‪-242-‬‬
‫للتقدم الذي ح�صل و�سوف ن�ستمر يف ت�أييد اجلهود امل�شرتكة بني م�رص‬
‫ومنظمة التحرير الفل�سطينية‪ ،‬غري �أن �سيا�سة احلكومة العراقية هي‬
‫االمتناع عن �إ�صدار بيانات علنية حول موقفنا غري املعلن من مباحثات‬
‫ال�سالم»‪.‬‬

‫]‪ – [1‬جريدة ال�سيا�سة الكويتية ـ العدد ‪ 1916‬بتاريخ ‪26/12/1972‬‬

‫]‪ – [2‬من �أطرف ما قر�أت بهذا ال�صدد‪ ،‬ما كتبه ال�صحفي العراقي عكاب �سامل الطاهر‬
‫يوم ‪ 1973/10/20‬يف «الثورة» بعنوان‪« :‬ال�سادة ‪ 5‬باملية» والذي قال فيه‪�( :‬إذا‬
‫كان «�أ�رشاف» العرب قد متخ�ضوا فولدوا ف�أرا‪ ،‬ف�أن ال�رضبة التي هوت مرة �أخرى‬
‫يف الب�رصة بعد كركوك لن تتوقف‪ .‬فكما عرب مقاتلونا ودروعنا ال�ضاربة احلدود‪،‬‬
‫فان �رضبتنا اجل�سور �ستعرب احلدود �أي�ضا»‪.‬‬
‫واال�شارة اىل الب�رصة وكركوك املق�صود منها ت�أميم نفط كركوك يف ‪1972/6/1‬‬
‫ونفط الب�رصة يف ‪.1973/10/6‬‬

‫‪-243-‬‬
‫الف�صل ال�ساد�س ع�شر‬
‫العالقات العراقية‪ – ‬الدولية‬

‫العالقات العراقية‪ – ‬الدولية‪ :‬نظرة عامة‬


‫ال يبحث هذا الف�صل من الكتاب يف �سيا�سة العراق اخلارجية‬
‫تف�صيال‪ ،‬وال يحاول �إعطاء حتليل متعمق ملربرات تلك ال�سيا�سة و�أ�سبابها‪،‬‬
‫و�إمنا ي�ستهدف عر�ض �صورة موجزة عن �سيا�سة العراق اخلارجية خالل‬
‫مرحلتني‪ :‬الأوىل‪ ،‬متتد من عام ‪ ،1968‬وحتى نهاية عام ‪.1979‬‬
‫واملرحلة الثانية‪ ،‬متتد من عام ‪ 1980‬وحتى عام ‪.2000‬‬
‫وميكن القول �أن عالقات العراق اخلارجية‪ ،‬وبالأخ�ص مع الدول‬
‫العربية‪ ،‬قد ت�أثرت خالل ال�سنوات الع�رشة الأوىل من ا�ستالم حزب‬
‫البعث لل�سلطة ب�أيديولوجية احلزب من جهة‪ ،‬وبالطموحات ال�شخ�صية‬
‫ل�صدام ح�سني من جهة �أخرى‪ .‬ومنذ انفراد �صدام بال�سلطة‪ ،‬يف يوليو‬
‫(متوز) ‪ ،1979‬مالت ال�سيا�سة اخلارجية �إىل كفة الطموح ال�شخ�صي‬
‫حتى �أ�صبح هذا اجلانب هو الأ�سا�س يف ت�رصفات احلكم جتاه اخلارج‪.‬‬
‫وبهذا مل تعد هناك‪ ،‬يف واقع احلال‪� ،‬سيا�سة خارجية م�ستقرة مبفهومها‬
‫ال��دويل املعروف‪ ،‬و�إمن��ا ت�رصفات متقلبة تر�سمها بني احلني والآخر‬
‫ح�سابات الطموح ال�شخ�صي و�أحالم الغرور‪.‬‬
‫ونتيجة لهذين العاملني‪ ،‬وب�سبب عدم و�ضوح الر�ؤية وانعدام النظرة‬
‫‪-245-‬‬
‫بعيدة املدى‪ ،‬خ�رس العراق ثقة الدول العربية‪ ،‬وبالأخ�ص الدول املطلة‬
‫على اخلليج‪� ،‬إ�ضافة �إىل عدم ا�ستطاعة القيادة العراقية بناء عالقات طويلة‬
‫الأمد على �أ�سا�س االحرتام والثقة مع املع�سكرين الغربي واال�شرتاكي‪.‬‬

‫الفرتة ما بني ‪ 1968‬و‪1979‬‬


‫بعد ا�ستالم حزب البعث ال�سلطة يف يوليو «مت��وز» ‪،1968‬‬
‫ات�سمت �سيا�سة العراق اخلارجية بالراديكالية والت�صلب‪ ،‬وبالأخ�ص‬
‫فيما يتعلق بالق�ضية الفل�سطينية‪ .‬فقد �أعلن العراق رف�ضه جلميع‬
‫احللول واملقرتحات ال�سلمية التي طرحتها �أو تبنتها الواليات املتحدة‬
‫الأمريكية باال�شرتاك مع م�رص والأردن‪ ،‬م�ؤكدا دعمه املطلق للحركات‬
‫الفل�سطينية التي كانت تنادي بتحرير كامل الرتاب الفل�سطيني‪ .‬ومع‬
‫هذه ال�سيا�سة املت�صلبة املعلنة‪ ،‬فقد رف�ض العراق يف �سبتمرب (�أيلول)‬
‫‪� 1970‬إقحام قواته املرابطة يف الأردن مل�ساعدة املقاومة الفل�سطينية‬
‫يف �رصاعها مع احلكومة الأردنية فيما �سمي بـ‪�« ‬أيلول الأ�سود»‪ .‬لي�س‬
‫هذا فح�سب‪ ،‬بل �سحب العراق تلك القوات من الأردن يف يناير‬
‫(كانون الثاين) ‪ .1971‬وما �أن حل �شهر مار�س (�آذار) حتى قطع‬
‫العراق عمليا دعمه املايل عن منظمة التحرير الفل�سطينية برئا�سة يا�رس‬
‫عرفات‪ ،‬مركزا جهوده على تنمية وتغذية املنظمة التي �أ�س�سها حزب‬
‫البعث و�أ�سماها «جبهة التحرير العربية» حتت �إ�رشاف الدكتور عبد‬
‫الوهاب الكيايل ع�ضو القيادة القطرية حلزب البعث اللبناين وع�ضو‬
‫القيادة القومية للحزب‪.‬‬
‫وا�ستمرت هذه ال�سيا�سة الراديكالية فرتة لي�ست بالق�صرية �إال �أنها‬
‫اجتهت نحو التغري يف يوليو (متوز) ‪ ،1971‬حيث �أبدت القيادة العراقية‬
‫رغبتها يف ت�صفية الأجواء مع الدول العربية والتعاون معها �رشيطة �أن‬
‫تتوقف عن حماوالت التفاو�ض مع �إ�رسائيل‪ .‬ومل تدم هذه الرغبة العراقية‬
‫‪-246-‬‬
‫طويال فت�أزمت العالقات العراقية‪ – ‬الأردنية مرة �أخرى‪ ،‬و�أغلق العراق‬
‫حدوده مع الأردن‪ ،‬وقدم طلبا �إىل اجلامعة العربية لطرد الأردن منها‪،‬‬
‫و�أحلقه بقرار منع الأردن من امل�شاركة يف معر�ض بغداد الدويل‪.‬‬
‫ورافق تدهور العالقات العراقية‪ – ‬الأردنية تدهور �آخر يف العالقات‬
‫العراقية‪ – ‬الإيرانية ب�سبب امل�ساعدات الع�سكرية واملالية التي كانت‬
‫تقدمها �إيران للحركة الكردية يف �شمال العراق‪� ،‬إ�ضافة �إىل ت�أزم الو�ضع‬
‫يف منطقة �شط العرب بعد �أن بد�أت �إيران برفع العلم الإيراين على �سفنها‬
‫يف �شط العرب خالفا التفاقية عام ‪.1937‬‬
‫يف تلك الفرتة‪ ،‬اقرتح العراق �إحالة النزاع مع �إي��ران �إىل حمكمة‬
‫العدل الدولية‪ ،‬دون �أن توافق �إيران على ذلك املقرتح‪ .‬وما �أن حل �شهر‬
‫نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ ،1971‬واحتلت �إيران اجلزر الإماراتية الثالث‬
‫(طمب الكربى وطمب ال�صغرى و�أبو مو�سى) حتى بادر العراق �إىل‬
‫قطع عالقاته الدبلوما�سية مع كل من �إي��ران وبريطانيا‪ .‬ومنذ يونيو‬
‫(حزيران) ‪ ،1972‬عندما �أمم العراق (�رشكة نفط العراق) الربيطانية‪،‬‬
‫اتخذت �سيا�سة العراق اخلارجية منعطفا جديدا قاده و�أ�رشف عليه �صدام‬
‫ح�سني �شخ�صيا‪ .‬فبعد الت�أميم مبا�رشة‪ ،‬ذهب �صدام على ر�أ�س وفد كبري‬
‫�إىل االحتاد ال�سوفيتي للتفاو�ض حول بيع النفط لدول الكتلة ال�رشقية‬
‫على �أ�سا�س املقاي�ضة وب�أ�سعار تناف�سية لك�رس الطوق الذي فر�ضته بع�ض‬
‫الدول الغربية ملنع ت�صدير النفط امل�ؤمم‪ .‬ثم �أعقب ذلك بزيارة �إىل فرن�سا‬
‫لتطمينها على م�صاحلها النفطية يف العراق من ناحية‪ ،‬ولتقوية العالقات‬
‫العراقية‪ – ‬الفرن�سية يف حماولة للح�صول على التكنولوجيا املتقدمة يف‬
‫حقول الزراعة وال�صناعة والطاقة الذرية‪.‬‬
‫يف الوقت نف�سه‪ ،‬بذل العراق جهوده للتو�صل �إىل اتفاق مع (�رشكة‬
‫نفط العراق) مب�ساعدة وتدخل فرن�سا حل�سم ق�ضية التعوي�ضات املرتتبة‬
‫‪-247-‬‬
‫عن عملية الت�أميم‪ .‬ومن �أجل ذلك‪ ،‬اتخذت القيادة قرارا بت�شكيل جلنة‬
‫ثالثية ي�رشف عليها �صدام ح�سني مبا�رشة تت�ألف من الدكتور �سعدون‬
‫حمادي وزير النفط وعدنان احلمداين �سكرتري جلنة املتابعة و�ش�ؤون‬
‫االتفاقيات والدكتور فخري قدوري رئي�س مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‬
‫مبجل�س قيادة الثورة‪ ،‬لإجراء مفاو�ضات �رسية مع وفد من �رشكات النفط‬
‫ير�أ�سه م�س�ؤول نفطي فرن�سي‪.‬‬
‫وجرت مفاو�ضات مكثفة يف جو ت�سوده ال�رسية التامة يف بغداد �أواخر‬
‫‪ .1972‬وبعد كل جل�سة من جل�سات املفاو�ضات كان الوفد العراقي‬
‫يذهب �إىل لقاء �صدام �إما يف مكتبه مببنى املجل�س الوطني �أو يف الق�رص‬
‫اجلمهوري يف �أية �ساعة كانت‪ .‬حتى بعد منت�صف الليل لإعطائه خال�صة‬
‫عن مفاو�ضات ذلك اليوم‪ ،‬ولتلقي توجيهاته ملفاو�ضات اليوم التايل‪.‬‬
‫كانت توجيهات �صدام �إىل الوفد املفاو�ض �صارمة وحمددة تنح�رص‬
‫يف �إ�رصاره على عدم منح ال�رشكات �سوى كميات �صغرية من النفط‬
‫لت�سوية جميع الطلبات دون �أن يذكر رقم ًا معين ًا يخ�ص تعوي�ضات‬
‫ال�رشكات عن ت�أميم ح�ص�صها حتى ال يعلم �أحد‪ ،‬ح�سب تعبري �صدام‪،‬‬
‫بحقيقة ما �أعطي لكل �رشكة من تعوي�ض‪.‬‬
‫يف ‪ 28‬فرباير (�شباط) ‪ 1973‬مت االتفاق بني اجلانبني العراقي و�رشكة‬
‫نفط العراق على ح�سم خالفاتهما‪ .‬ومبوجب االتفاق قبلت ال�رشكة‬
‫على �أن تدفع للعراق مبلغ ‪ 141‬مليون جنيه �إ�سرتليني والتخلي عن‬
‫معار�ضتها للقانون رقم ‪ 80‬الذي �سيطر العراق مبوجبه على حقل نفط‬
‫الرميلة ال�شمايل‪ .‬مقابل ذلك وافقت احلكومة العراقية على منح �رشكة‬
‫نفط العراق ‪ 15‬مليون طن من نفط كركوك كتعوي�ض نهائي عن جميع‬
‫مطالباتها‪� .‬أما �رشكة نفط املو�صل (‪ )M P C‬فقد وافقت على التنازل‬
‫للعراق عن جميع حقوقها وموجوداتها دون تعوي�ضات‪.‬‬
‫‪-248-‬‬
‫وخالل هذه الفرتة بقيت �رشكة نفط الب�رصة (اململوكة من �رشكات‬
‫نفط �أمريكية) غري م�ؤممة �إال �أنها وافقت على زيادة �إنتاجها من النفط اخلام‬
‫من ‪ 32‬مليون �سنة ‪ 1972‬لي�صل �إىل ‪ 80‬مليون طن يف �سنة ‪.1976‬‬
‫بعد هذه االتفاقيات‪ ،‬التي تو�صل �إليها العراق مع �رشكات النفط‪،‬‬
‫التفت �إىل دول الكتلة ال�رشقية مبدي ًا عزمه على التوقف عن بيع النفط‬
‫عن طريق املقاي�ضة‪ ،‬والإ�رصار على ا�ستالم ثمن مبيعاته النفطية نقداً‪.‬‬
‫ومع ا�ستمرار العالقات الودية مع املع�سكر اال�شرتاكي وت�صديق معاهدة‬
‫ال�صداقة العراقية‪ – ‬ال�سوفيتية يف يوليو(متوز) ‪ ،1972‬فقد كان �صدام‬
‫ح�سني يرى �رضورة توثيق عالقات العراق مع جميع الدول الغربية مبا‬
‫يف ذلك الواليات املتحدة الأمريكية التي كانت قد �أن�ش�أت لها يف بغداد‬
‫«دائرة رعاية امل�صالح الأمريكية»‪.‬‬
‫و�شهدت هذه الفرتة �أي�ض ًا حت�سنا ملمو�سا يف العالقات العراقية‪– ‬‬
‫امل�رصية‪ ،‬وبالأخ�ص بعد وفاة جمال عبد النا�رص وا�ستالم ال�سادات‬
‫مقاليد احلكم يف م�رص‪ .‬مل ي��دم ه��ذا التح�سن ف�ترة طويلة‪ ،‬حيث‬
‫ا�صطدم بعقبة �أخرى �ساهمت تدريجي ًا يف توتر تلك العالقة‪ .‬كانت‬
‫العقبة حرب �أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ 1973‬مع �إ�رسائيل‪ ،‬حيث �أبدت‬
‫القيادة العراقية �أ�سفها وامتعا�ضها لعدم �أخبارها �أو الت�شاور م�سبقا معها‬
‫باخلطة امل�رصية‪ – ‬ال�سورية ل�شن احلرب على �إ�رسائيل‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫�أر�سل العراق قواته الع�سكرية �إىل �سورية للم�شاركة يف املعركة‪ ،‬وحلماية‬
‫خطوط الدفاع اخللفية ال�سورية‪ .‬مل ت�ستمر تلك امل�شاركة الع�سكرية‬
‫طويال‪ ،‬فبمجرد �إعالن م�رص و�سورية قبولهما بقرار وقف �إطالق النار‬
‫حتى �سارع العراق �إىل �سحب قواته املرابطة يف الأرا�ضي ال�سورية‪،‬‬
‫ورف�ض بعدئذ امل�شاركة يف م�ؤمتر القمة العربية الذي انعقد يف اجلزائر‬
‫يف نوفمرب ( ت�رشين الثاين) ‪.1973‬‬
‫‪-249-‬‬
‫ومع �إطاللة عام ‪ ،1974‬كان وا�ضحا �أن �صدام ح�سني قد �أ�صبح‬
‫اللولب املحرك ل�سيا�سة العراق العربية والدولية‪ ،‬بعد �أن جنح يف التخل�ص‬
‫من الع�سكريني يف جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬و�إبعاد �أع�ضاء القيادة القطرية غري‬
‫املوالني كليا له «لف�شلهم يف احل�صول على �أ�صوات كافية يف انتخابات‬
‫امل�ؤمتر القطري التي جرت يف جو من «الدميوقراطية املوجهة» بطبيعة‬
‫احلال‪ .‬ي�ضاف �إىل ذلك �إ�رشافه على ال�سيا�سة االقت�صادية‪ ،‬من خالل‬
‫رئا�سته ملجل�س التخطيط‪ ،‬وعلى ال�سيا�سة النفطية من خالل رئا�سته‬
‫للجنة املتابعة ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ االتفاقيات‪.‬‬
‫لي�س من �شك‪ ،‬ب�أن العن�رصين االقت�صادي والنفطي قد مكنا �صدام‬
‫ح�سني من الت�أثري الفعال واحلا�سم يف م�سار عالقات العراق بدول العامل‬
‫من خالل املقاوالت ال�ضخمة التي كانت حتال على كربيات ال�رشكات‬
‫العاملية‪ ،‬ومن خالل �أ�سعار النفط التف�ضيلية �أو الكميات املجانية التي‬
‫كانت متنح‪.‬‬
‫و�شهد عام ‪ 1974‬تدهورا يف عالقات العراق مع �إيران ب�سبب‬
‫املناو�شات احلدودية املتكررة بني البلدين مما حدا بالأمم املتحدة �إىل تعيني‬
‫و�سيط �ساعد بع�ض ال�شيء على تهدئة الأزمة احلدودية‪ ،‬و�شجع البلدين‬
‫على ا�ستئناف املباحثات ال�رسية التي كانت جتري بينهم يف ا�ستنبول‪.‬‬
‫يف �أغ�سط�س (�آب) ‪ ،1974‬عادت املناو�شات احلدودية م�سببة‬
‫انتكا�سة �أخرى يف العالقات العراقية‪ – ‬الإيرانية‪ .‬ا�ستمرت الأزمة‬
‫حتى دي�سمرب (كانون الأول) ‪ ،1974‬حيث اتفق الطرفان بعدئذ على‬
‫ا�ستئناف املباحثات ال�رسية يف ا�ستنبول يف يناير (كانون الثاين) ‪.1975‬‬
‫ب��د�أت املفاو�ضات ال�رسية لكنها مل تخفف من �أزم��ة املناو�شات‬
‫الع�سكرية على احلدود العراقية‪ – ‬الإيرانية‪ ،‬كما �أنها مل توقف امل�ساعدات‬
‫‪-250-‬‬
‫الع�سكرية واملالية الإيرانية للحركة الكردية يف �شمال العراق‪ ،‬بالرغم من‬
‫وجود اتفاق مار�س (�آذار) ‪ 1970‬مع الأكراد ملنحهم احلكم الذاتي‪.‬‬
‫ويف هذا اجلو امل�شحون بالتوتر مل يجد �صدام ح�سني طريقا �آخر غري‬
‫املفاو�ضات املبا�رشة مع �شاه �إيران �شخ�صيا‪ ،‬وهو ما ح�صل فعال يف مار�س‬
‫(�آذار) ‪ 1975‬يف اجلزائر بو�ساطة الرئي�س اجلزائري هواري بومدين‪.‬‬
‫�سافر �صدام �إىل اجلزائر يف مار�س (�آذار) ‪ 1975‬على ر�أ�س وفد‬
‫كبري حل�ضور م�ؤمتر قمة دول «الأوبك»‪� .‬ضم الوفد �أع�ضاء من القيادة‬
‫القطرية‪ ،‬جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬جمل�س الوزراء‪ ،‬وم�ست�شاري جمل�س قيادة‬
‫الثورة‪ ،‬منهم �سعدون حمادي‪ ،‬عزت �إبراهيم الدوري‪ ،‬عدنان ح�سني‬
‫احلمداين‪� ،‬سعدون غيدان‪ ،‬تايه عبد الكرمي‪ ،‬فخري قدوري‪ ،‬و�أنا‪.‬‬
‫جرت املفاو�ضات يف فيال �ضمن جممع �سكني خم�ص�ص لر�ؤ�ساء‬
‫الدول بني �صدام ح�سني و�شاه �إيران بح�ضور هواري بومدين فقط‪ .‬مل‬
‫ي�ساهم �أي �شخ�ص �آخر من الوفد العراقي يف تلك املفاو�ضات و�إن كان‬
‫�صدام قد طلب منا �أن نكون على �أهبة اال�ستعداد يف حال احلاجة �إلينا‪.‬‬
‫بقينا نتجول يف حدائق ذلك املجمع حتى ال�ساعة الرابعة �صباحا دون‬
‫�أن ي�ستدعي �أي ًا منا لتقدمي خربته يف تلك املفاو�ضات!‬
‫يف اليوم التايل‪� ،‬أعلن الرئي�س اجلزائري يف �صالة االجتماع تو�صل‬
‫العراق و�إيران �إىل اتفاق �شامل ح�سمت مبوجبه جميع اخلالفات العراقية‪– ‬‬
‫الإيرانية مبا يف ذلك التزام �إيران بقطع امل�ساعدة عن احلركة الكردية يف‬
‫�شمال العراق‪ .‬وقد قيل يف حينه �أن اتفاق ًا �رسي ًا قد مت بني ال�شاه و�صدام‬
‫على �إبعاد اخلميني من العراق وهو ما ح�صل فعال بعد فرتة من الزمن‪.‬‬
‫بعد انتهاء االجتماع‪� ،‬أعلن البيان الر�سمي ب�ش�أن االتفاق‪ ،‬حيث تاله‬
‫عبد العزيز بوتفليقة وزير اخلارجية اجلزائري‪.‬‬
‫‪-251-‬‬
‫ويف هذه الفرتة التي حت�سنت فيها عالقات العراق مع �إيران بقيت‬
‫خاللها العالقات العراقية‪ – ‬ال�سورية مت�أرجحة يف متاهات اخلالفات‬
‫العقائدية بني بعث العراق وبعث �سورية‪ .‬ي�ضاف لها اخلالف حول‬
‫تق�سيم مياه الفرات واخلالف حول ر�سوم ت�صدير النفط العراقي عرب‬
‫ميناء الالذقية ال�سوري‪ .‬وبالرغم من ت�سوية اخلالف املتعلق بر�سوم‬
‫ت�صدير النفط وعودة العالقات النفطية بني البلدين‪ ،‬ف�أن جلنة املتابعة‬
‫ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ االتفاقيات اتخذت قرارا �رسيا لبناء خط جديد‬
‫للأنابيب لنقل النفط من كركوك �إىل مينا الب�رصة يف اجلنوب‪ ،‬حتى‬
‫يتخل�ص العراق من التهديد ال�سوري‪ ،‬على حد تعبري �صدام ح�سني‪.‬‬
‫وما �أن جاء نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ ،1977‬وقام �أنور ال�سادات‬
‫رئي�س جمهورية م�رص بزيارته املعروفة للقد�س‪ ،‬حتى انقلبت موازين‬
‫العالقات العراقية‪ – ‬العربية‪ – ‬الدولية‪� ،‬إذ عاد العراق �إىل الت�شدد يف‬
‫موقفه من الق�ضية الفل�سطينية راف�ضا قرار جمل�س الأمن رقم ‪242‬‬
‫ومقاطع ًا م�ؤمتر قمة دول الرف�ض الذي عقد يف اجلزائر يف فرباير‬
‫(كانون الثاين) ‪.1978‬‬
‫زيارة ال�سادات لإ�رسائيل خلقت فر�صة ذهبية ل�صدام ح�سني والقيادة‬
‫العراقية للقفز على م�رسح الأحداث العربية بهدف الت�أثري فيها وتغيري‬
‫ف�صولها لإبراز الدور العراقي على ذلك امل�رسح‪ .‬من �أجل ذلك التفت‬
‫�صدام �إىل رفاق الأم�س‪ ،‬القيادة ال�سورية والرئي�س ال�سوري حافظ‬
‫الأ�سد الذي وجهت الدعوة �إليه لزيارة بغداد يف �أكتوبر (ت�رشين الأول)‬
‫‪ ،1978‬حيث وقع الرئي�سان العراقي وال�سوري اتفاقا ت�ضمن اخلطوط‬
‫العري�ضة للوحدة ال�سيا�سية واالقت�صادية بني العراق و�سورية‪ .‬كما ن�ص‬
‫االتفاق على �رضورة عقد قمة عربية يف بغداد للت�صدي ملحاولة ال�سادات‬
‫عقد اتفاقية �صلح مع �إ�رسائيل‪.‬‬
‫‪-252-‬‬
‫عقد م�ؤمتر القمة يف بغداد خالل الفرتة من ‪� 2‬إىل ‪ 5‬نوفمرب (ت�رشين‬
‫الثاين) واتخذ عددا من القرارات والتو�صيات‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫�أوال‪ :‬رف�ض اتفاق كمب ديفيد وطرح بديل له ي�ستند على قرار‬
‫جمل�س الأمن املرقم ‪ ،242‬مع مطالبة �إ�رسائيل باالن�سحاب من الأرا�ضي‬
‫الفل�سطينية املحتلة وت�أ�سي�س دولة فل�سطينية‪ ،‬مع االعرتاف بحق جميع‬
‫دول املنطقة بالوجود‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فر�ض عقوبات �صارمة �ضد م�رص يف حال توقيعها اتفاق �سالم‬
‫نهائي مع �إ�رسائيل‪ .‬من هذه العقوبات طرد م�رص من اجلامعة العربية‪،‬‬
‫نقل مقر اجلامعة العربية �إىل تون�س‪ ،‬قطع العالقات الدبلوما�سية مع م�رص‪،‬‬
‫وقطع جميع امل�ساعدات االقت�صادية والع�سكرية عنها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تخ�صي�ص مبلغ ‪ 9‬مليار دوالر �أمريكي لدعم دول املواجهة‬
‫الأخ��رى‪ ،‬الأردن‪� ،‬سورية‪ ،‬ومنظمة التحرير الفل�سطينية‪ ،‬من �أجل‬
‫ال�صمود يف وجه تيار امل�صاحلة التي بذرها ال�سادات‪.‬‬
‫كان �أحمد ح�سن البكر �أكرث �أع�ضاء القيادة العراقية حتم�س ًا للوحدة‬
‫بني العراق و�سورية‪ .‬يريد حتقيقها ب�أ�رسع وقت ممكن وك�أنه يتح�س�س‬
‫غيوم ًا يف اجلو قد تعكر �صفو املحاولة الوحدوية‪.‬‬
‫من �أجل ذلك �سارع البكر �إىل ت�شكيل جلان فنية عراقية للتفاو�ض مع‬
‫اجلانب ال�سوري وحتقيق اندماج فيدرايل يف زمن ق�صري‪.‬‬
‫كان اللولب املتحم�س من اجلانب العراقي يف اللجان امل�شرتكة كل‬
‫من عدنان ح�سني احلمداين وغامن عبد اجلليل‪ ،‬ع�ضوي القيادة القطرية‬
‫وجمل�س قيادة الثورة‪ .‬و�أذكر �أين التقيتهما يف فندق «�شرياتون» بدم�شق‬
‫ربيع ‪ ،1979‬حيث قال يل احلمداين ب�أن �شهر يوليو (متوز) ‪1979‬‬
‫�سيكون �شهرا م�شهودا يف تاريخ العراق‪� ،‬إذ �سيعلن الرئي�سان البكر‬
‫‪-253-‬‬
‫والأ�سد قيام االحتاد الفيدرايل بني البلدين‪ ،‬و�سيكون البكر رئي�سا للدولة‬
‫االحتادية والأ�سد نائب ًا له‪ .‬و�أذكر �أي�ضا قول غامن عبد اجلليل يل ب�أن هذه‬
‫الوحدة �ستكون حمكمة وم�ضبوطة «�ضبط العقال» وهو تعبري عراقي‬
‫للتدليل على متانة ال�شيء وعدم احتمال تفككه‪.‬‬
‫وجاء يوم ‪ 16‬يوليو (متوز) ‪ 1979‬لتعلن يف بغداد ا�ستقالة �أحمد‬
‫ح�سن البكر لـ‪�« ‬أ�سباب �صحية» وت�سلم �صدام ح�سني ال�سلطة الكاملة‬
‫يف اليوم التايل‪.‬‬
‫بعد �أيام قالئل‪ ،‬اكت�شف �صدام ح�سني «م�ؤامرة» �أبطالها الأ�سد‬
‫واحلمداين وعبد اجلليل وعدد �آخر من القيادة العراقية‪ .‬ونفذت �أحكام‬
‫الإعدام بـ‪« ‬املت�آمرين الوحدويني» من قبل حفنة من «الرفاق» الذين‬
‫طلب منهم �صدام حمل الر�شا�شات و�إطالق النار على احلمداين ورفاقه‬
‫ت�أكيدا لـ‪« ‬وحدة» احلزب املت�ضامن مع قيادته احلكيمة!‬
‫و�سقط احلمداين وعبد اجلليل وحممد عاي�ش وعبد اخلالق ال�سامرائي‬
‫وحممد حمجوب وحمي عبد احل�سني امل�شهدي �رصعى ر�صا�ص الرفاق‬
‫املنا�ضلني! ومع �سقوطهم‪� ،‬ضاعت الأحالم الوحدوية «امل�ضبوطة»‬
‫وعادت العالقات العراقية‪ – ‬ال�سورية �إىل م�ستواها املتدهور‪.‬‬

‫الفرتة ما بني ‪� 1980‬إىل ‪2000‬‬


‫ميكن و�صف ال�سيا�سة اخلارجية للعراق‪ ،‬خالل هذه الفرتة‪ ،‬بال�سيا�سة‬
‫امل�أ�ساة‪ ..‬فمنذ �سبتمرب (�أيلول) ‪ 1980‬يعي�ش العراق �أهوال ح�سابات‬
‫�سيا�سية عمياء‪ ،‬وت�رصفات قيادة حاكمة ال تدرك �أبدا مفاهيم العالقات‬
‫الدولية‪ .‬لقد �شهدت هذه الفرتة حرب ًا طاحنة مع �إيران امتدت ثماين‬
‫�سنوات منذ �سبتمرب (�أيلول) ‪ 1980‬وحتى �أغ�سط�س (�آب) ‪1988‬‬
‫لترتك �آثارها االجتماعية واالقت�صادية على العراق �إىل الآن وم�ستقبال‪.‬‬
‫‪-254-‬‬
‫ثم جاءت «�أم املعارك» اخلا�رسة يف قرار �صدام ح�سني احتالل‬
‫الكويت ثم قرار الواليات الأمريكية وحلفائها تدمري العراق‪ ،‬بنيانا‬
‫واقت�صادا‪.‬‬
‫ومع التدمري املفجع‪ ،‬جاءت املقاطعة ال�شاملة التي فر�ضتها الأمم‬
‫املتحدة يف عام ‪.1990‬‬
‫يف فرباير (�شباط) ‪ ،1980‬كان الو�ضع الداخلي قد ا�ستتب ل�صدام‬
‫بعدما تخل�ص من «الرفاق املت�آمرين» وب�سط نفوذه املطلق على جميع‬
‫التنظيمات احلزبية والع�سكرية واملنظمات ال�رسية يف الدولة‪ ،‬كما جنح‬
‫يف بناء حاجز رهيب من اخلوف ن�رشه يف كل �أرجاء العراق‪.‬‬
‫يف هذا ال�شهر‪� ،‬أعلن �صدام امليثاق الوطني الذي �أكد فيه �سيا�سة‬
‫عدم االنحياز‪ ،‬ورف�ض القواعد الع�سكرية يف الوطن العربي‪ ،‬والرتويج‬
‫ملبد أ� الت�ضامن العربي‪ .‬ور�أى يف نف�سه الزعيم العربي املتميز يف املنطقة‬
‫ي�سانده يف ذلك اقت�صاد جيد وثروة مالية متينة وحركة عمرانية �ضخمة‪.‬‬
‫يف هذا الوقت بالذات ر�أى �صدام ح�سني يف نف�سه القائد املقتدر‬
‫لب�سط نفوذه على العامل العربي متاما كما فعل من قبل جمال عبد‬
‫النا�رص‪ ،‬فهو الآن �أكرب م�شرت لل�سالح‪ ،‬وكذلك القائد العام جلي�ش قوي‬
‫يبلغ تعداده مليون حمارب‪� ،‬إ�ضافة �إىل كونه رئي�س الدولة الذي يرتبع‬
‫على ثاين احتياطي للنفط يف العامل‪ .‬وقد دخل يف اعتقاده �أنه �سيكون‬
‫املنقذ لإدارة الرئي�س الأمريكي كارتر يف حمنتها مع �إيران التي كانت قد‬
‫احتجزت جمموعة من الأمريكان كرهائن‪.‬‬
‫بد�أت الواليات املتحدة يف �إجراء ات�صاالت �رسية مع �صدام يف حماولة‬
‫لإقناعه بالهجوم على �إيران لإ�سقاط النظام اجلمهوري هناك‪ ،‬وتخلي�ص‬
‫الرهائن الأمريكيني من قب�ضة احلر�س الثوري الإيراين‪ .‬وقد �أ�شيع يف حينه �إن‬
‫‪-255-‬‬
‫الطرف املفاو�ض عن الإدارة الأمريكية كان م�ست�شار الأمن القومي زبيغنو‬
‫بريجن�سكي و�سبقه يف ذلك امل�رصيف الأمريكي املعروف ديفيد روكفلر‬
‫وبع�ض الع�سكريني الإيرانيني املوالني لل�شاه‪� ،‬إ�ضافة �إىل �شاهبور بخيار رئي�س‬
‫وزراء �إيران قبيل �سقوط ال�شاة‪ .‬هذه املحاوالت �أعطت �صدام حافزا �آخر‬
‫للإ�رساع يف هجومه على �إيران بعد �أن كان قد هي أ� له منذ فرتة طويلة‪.‬‬
‫يف ‪� 22‬سبتمرب (�أيلول) ‪ ،1980‬تقدمت القوات العراقية واحتلت‬
‫عدة مدن �إيرانية حدودية‪.‬‬
‫وا�ستمرت احلرب طاحنة بني البلدين‪ .‬ونتيجة لها‪ ،‬ت�شابكت‬
‫العالقات العراقية‪ – ‬اخلارجية‪� :‬سوريا ت�ؤيد �إيران‪ .‬بينما ت�ؤيد كل من‬
‫ال�سعودية والكويت ودولة الإمارات العراق علنا ومتده باملال‪ .‬الواليات‬
‫املتحدة ت�ساعد العراق باملعلومات املخابراتية وال�صور الف�ضائية عن‬
‫جتمعات اجلي�ش الإيراين وحتركاته‪ .‬بريطانيا ت�ؤيد العراق ومتده بال�سالح‬
‫واملعدات الع�سكرية وب�أثمان باهظة)*(‪.‬‬
‫يف يونيو (حزيران) ‪ 1982‬مل يجد �صدام ح�سني بداً من االعرتاف‬
‫بف�شل حملته الع�سكرية على �إيران‪ ،‬لهذا قرر �سحب قواته �إىل ما وراء‬
‫احلدود العراقية‪ .‬ومع ذلك مل تتوقف احلرب‪� ،‬إذ بقي اجلي�ش ي�صد‬
‫الهجمات الإيرانية الكبرية حتى يوليو (متوز) ‪ 1988‬حني قبلت �إيران‬
‫قرار جمل�س الأمن ‪ 598‬الذي ن�ص على وقف �إطالق النار وان�سحاب‬
‫قوات البلدين �إىل حدودها الدولية‪ ،‬وت�شكيل جلنة دولية لتحديد‬
‫م�س�ؤولية من بد أ� احلرب‪.‬‬
‫(*) – يف عام ‪ 1992‬ك�شفت ال�صحف الربيطانية �أ�رسار االت�صاالت العراقية‪– ‬‬
‫الربيطانية �أثناء احلرب مع �إيران‪ ،‬وبعد احتالل الكويت مما �أجرب احلكومة الربيطانية‬
‫على ت�شكيل جلنة عليا للتحقيق‪ .‬ن�رش التحقيق يف ‪ 1993‬يف جملدات �ضخمة ت�شري‬
‫�إىل تورط وزراء من حزب املحافظني يف مد العراق بال�سالح‪.‬‬

‫‪-256-‬‬
‫ومنذ �أغ�سط�س (�آب) ‪ 1988‬وحتى قبيل احتالل الكويت بعد عامني‬
‫من ذلك التاريخ‪ ،‬ات�سمت العالقات العراقية‪ – ‬العربية‪ – ‬اخلليجية‪،‬‬
‫والعالقات العراقية‪ – ‬الغربية بنوع من التوتر املغلف بالت�شكك يف‬
‫نوايا العراق احلقيقية‪ .‬فمع دول اخلليج‪ ،‬وبالأخ�ص الكويت الإمارات‬
‫كان �سبب التوتر امتناع الدولتني عن اال�ستمرار يف تقدمي الدعم املايل‬
‫للعراق وهو يعاين من اقت�صاد متدهور‪ .‬ومع العامل الغربي‪ ،‬ميكن �أن يعزا‬
‫�سبب التدهور �إىل القلق الذي بد�أ ي�ساوره‪ ،‬وخا�صة �أمريكا وبريطانيا‬
‫من ت�ضخم تر�سانة العراق من ال�سالح‪� ،‬سيما وهي تدرك ما يف تلك‬
‫الرت�سانة من م�صانع للأ�سلحة الكيماوية والبيولوجية التي كانت �رشكاتها‬
‫�ضالعة يف بنائها‪.‬‬
‫ويف �سبتمرب (�أيلول) ‪ ،1989‬حدث انفجار هائل يف واحد من‬
‫امل�صانع احلربية �ضمن جممع �صناعي ع�سكري �أثار اهتمام املراقبني‬
‫الدوليني باعتبار ذلك املجمع خمت�ص ًا يف �صنع ال�صواريخ بعيدة املدى‪.‬‬
‫ويف نهاية مار�س (�آذار) ‪ 1990‬ادعت بريطانيا توقفها عن جتهيز العراق‬
‫باملعدات الع�سكرية ومعدات و�أدوات التعذيب التي كانت ت�ستخدم‬
‫يف �سجون ومعتقالت النظام العراقي‪ .‬وذهبت بريطانيا �أبعد من‬
‫ذلك ب�إعالنها �إحباط حماولة عراقية ال�سترياد �أنابيب فوالذية ومعدات‬
‫�إلكرتونية بريطانية‪ .‬بعد ذلك �سارع الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش‬
‫يف �أبريل (ني�سان) �إىل حث العراق على التخلي عن �صناعة الأ�سلحة‬
‫الكيماوية‪.‬‬
‫مل يبق للعراق من الأ�صدقاء يف الغرب �سوى فرن�سا التي �أ�صبحت‬
‫هدفا لهجوم مركز من الإعالم الأمريكي والربيطاين‪ ،‬ب�سبب م�ساعدتها‬
‫العراق يف تطوير �صناعة ال�صواريخ جلعلها بعيدة املدى و�أكرث دقة‬
‫يف �إ�صابة الهدف‪ .‬ثم �أعقب هذا الهجوم الإعالمي قرار الكوجنر�س‬
‫‪-257-‬‬
‫الأمريكي يف يوليو (متوز) مبنع بيع الأ�سلحة والتكنولوجيا الع�سكرية‬
‫للعراق‪.‬‬
‫يف ‪ 25‬يوليو (متوز) ‪ 1990‬عقد يف جنيف االجتماع الوزاري‬
‫ملنظمة الأوبك‪ .‬وقبيل هذا االجتماع ب�أيام �أعلن العراق ب�أنه قد يلج�أ‬
‫�إىل احلل الع�سكري �ضد الدول التي حتاول الإ�رضار مب�صاحله النفطية‪،‬‬
‫متهم ًا الكويت ب�رسقة نفط حقل الرميلة العراقي مبا قيمته ‪ 2400‬مليون‬
‫دوالر‪ .‬وقام بح�شد ‪� 30‬ألف جندي على حدوده مع الكويت‪.‬‬
‫ومع �أن مباحثات مبا�رشة بني العراق والكويت قد جرت يف �أواخر‬
‫يوليو (متوز) يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ف�أن تلك املفاو�ضات قد‬
‫ف�شلت‪ ،‬ومل يتو�صل اجلانبان �إىل حل‪ ،‬مما حدا بالعراق �إىل احتالل‬
‫الكويت يف الثاين من �أغ�سط�س (�آب) ‪ ،1990‬وكما هو معروف‪،‬‬
‫ف�أن هذا االحتالل قد �أدى �إىل �إقامة حتالف ع�سكري وا�سع بقيادة‬
‫الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬ومن ثم تدمري العراق اقت�صاديا وع�سكريا‬
‫ومعنويا‪.‬‬
‫ويف خ�ضم هذه الأحداث‪� ،‬سارع �صدام يف ‪� 16‬أغ�سط�س (�آب)‬
‫‪ 1990‬ب�إعالن قبوله جميع �رشوط �إيران ومطالبها منذ وقف �إطالق‬
‫النار بني البلدين‪ .‬وبعد ذلك ب�أيام �أعيدت العالقات الدبلوما�سية بينهما‪.‬‬
‫لقد �أحكمت القرارات التي فر�ضتها الأمم املتحدة على العراق‬
‫جراء مغامرة غزو الكويت طوق العزلة على النظام احلاكم‪ ،‬فلم تعد‬
‫له عالقات طبيعية مع العامل اخلارجي‪ ،‬حيث �أ�صبحت تلك العالقات‬
‫تقا�س مبدى التزامه بالقرارات الدولية‪ ،‬وبالأخ�ص القرار رقم ‪687‬‬
‫القا�ضي ب�رضورة ك�شف العراق جميع برامج ت�سلحه املتعلقة بالأ�سلحة‬
‫الكيماوية واجلرثومية و�أ�سلحة ال�صواريخ‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك‪ ،‬قرار جمل�س‬
‫‪-258-‬‬
‫الأمن الذي اتخذ يف مايو (�أيار) ‪ 1991‬بتخ�صي�ص ن�سبة ‪ %30‬من‬
‫عوائد النفط العراقي لتعوي�ض املت�رضرين من عملية اجتياح الكويت‪.‬‬
‫واملعروف �أن خالفات �شديدة ن�شبت حول مدى تنفيذ العراق‬
‫القرارات‪ ،‬ح�سب التعريف الأمريكي والربيطاين‪ ،‬مما �أدى �إىل ا�ستمرار‬
‫فر�ض العقوبات االقت�صادية عليه‪.‬‬

‫املوقف الأمريكي من احتالل الكويت‬


‫كرثت الآراء والتحليالت حول حقيقة املوقف الأمريكي من‬
‫االحتالل العراقي للكويت‪ .‬الر�أي الأول قال �إن �صدام ح�سني قد‬
‫�أ�ساء فهم املوقف الأمريكي بعد مقابلته ال�شهرية لل�سفرية الأمريكية‬
‫يف بغداد ال�سيدة �أبريل غال�سبي‪ ،‬و�أعتقد ب�أن الإدارة الأمريكية‬
‫ال متانع ب�ضم الكويت �إىل العراق باعتبار �أن العراق كان قد طالب‬
‫بالكويت منذ قيام العهد امللكي‪� .‬أما الر�أي الثاين فيعتقد ب�أن الإدارة‬
‫الأمريكية كانت تريد ت�شجيع �صدام ح�سني على احتالل الكويت‬
‫حتى يت�سنى لها توجيه �رضبة ع�سكرية مميتة للعراق (مع الإبقاء على‬
‫�صدام يف احلكم) لإنهاء املقدرة التكنولوجية واالقت�صادية والع�سكرية‬
‫التي منت فيه و�أ�ضحت ت�شكل تهديدا حقيقيا لإ�رسائيل‪� .‬أ�ضف �إىل‬
‫ذلك خمطط الإدارة الأمريكية بتقوية وتكثيف تواجدها الع�سكري يف‬
‫منطقة اخلليج �ضمانا مل�صاحلها النفطية لأمد طويل‪ .‬وبعبارة �أخرى‪،‬‬
‫فان الإدارة الأمريكية كانت قد ر�سمت خطة دقيقة من �ش�أنها �إيقاع‬
‫�صدام يف فخ كبري يحقق لوا�شنطن �أهدافا عديدة �أهمها حتجيم القدرة‬
‫العراقية املتنامية‪ ،‬وتقلي�ص جميع اال�ستثمارات الكويتية وال�سعودية‬
‫يف �سندات اخلزينة الأمريكية عن طريق احت�سابها ت�سديداً للنفقات‬
‫الع�سكرية التي حتملتها هي وبريطانيا من �أجل حترير الكويت من قب�ضة‬
‫االحتالل العراقي‪.‬‬
‫‪-259-‬‬
‫وهنالك ر�أي ثالث يقول ب�أن الإدارة الأمريكية كانت تريد �أن ي�ضم‬
‫�صدام ح�سني الكويت �إىل العراق من �أجل تقلي�ص النفوذ الربيطاين‬
‫يف منطقة اخلليج من جهة‪ ،‬ولتحقيق ال�سيطرة على احتياطي نفطي‬
‫كبري متمثل بال�سعودية والعراق ل�ضمان احتياجات �أمريكا من الطاقة‬
‫الرخي�صة لأجيال قادمة‪ ،‬يف دولتني يرتبع على �سدة احلكم فيهما رجال‬
‫يدينون بالوالء لها ويتمتعون بقدرات فائقة يف �إحكام �سيطرتهم على‬
‫مقاليد احلكم ويف الق�ضاء على �أي حترك مناوئ للم�صالح الأمريكية يف‬
‫املنطقة‪.‬‬
‫تلك هي حتليالت �سيا�سية و�آراء متباينة ال ميكن قبول واحدة دون‬
‫�أخرى يف الوقت احلا�رض دون اال�ستناد �إىل وثائق �صادرة من الإدارة‬
‫الأمريكية‪ .‬وهذا �أمر �سيطول انتظاره ع�رشات ال�سنني‪ .‬ولكن الوقائع‬
‫التي ترد �أدناه قد ترجح كفة املنادين بالر�أي الثاين‪.‬‬
‫الواقعة الأوىل‪ :‬مع ت�أزم الو�ضع على احلدود العراقية‪ – ‬الكويتية‪،‬‬
‫وتواجد احل�شود الع�سكرية العراقية قبيل احتالل الكويت‪ ،‬ف�أن الإدارة‬
‫الأمريكية مل تعر تلك الأزمة �أي اهتمام‪ .‬ومن الغريب حقا �أنه �أثناء‬
‫املفاو�ضات التي كانت جتري يف ال�سعودية بني الوفد العراقي برئا�سة‬
‫عزت ابراهيم الدوري والوفد الكويتي برئا�سة ويل العهد �سعد العبد‬
‫اهلل‪ ،‬وقبل الإعالن عن ف�شل تلك املفاو�ضات‪� ،‬أن ي�رصح م�صدر م�س�ؤول‬
‫يف وزارة اخلارجية الأمريكية ب�أن الواليات املتحدة لي�س لديها اتفاقية‬
‫دفاع مع الكويت �أو مع �أي من جريانها‪ ،‬وبالتايل فهي غري ملزمة قانونا‬
‫ا�ستخدام القوة �ضد العراق يف حالة �إقدامه على احتالل الكويت‪.‬‬
‫لقد اعترب املحللون الغربيون هذا الت�رصيح �إ�شعارا للعامل ب�أن الواليات‬
‫املتحد الأمريكية ال تريد ا�ستخدام اخلالف العراقي‪ – ‬الكويتي وحتويله‬
‫�إىل �رصاع بني العراق و�أمريكا‪.‬‬
‫‪-260-‬‬
‫الواقعة الثانية‪ :‬قبيل دخول القوات العراقية الكويت تقدمت �إدارة‬
‫املخابرات الأمريكية (ال�سي �آي ايه) بتقرير �رسي �إىل الرئي�س بو�ش‬
‫وكبار م�ست�شاريه ت�ؤكد فيه نية العراق على احتالل الكويت كليا ولي�س‬
‫�أجزاء �صغرية من حقول نفط متنازع عليها‪ ،‬وتدعو �إىل �إلغاء �إجازات‬
‫اال�صطياف التي كان بو�ش وكبار م�ست�شاريه يزمعون التمتع بها يف‬
‫م�صيف �آ�سنب‪ ،‬والبقاء يف البيت الأبي�ض حت�سبا للطوارئ‪.‬‬
‫ومي�ضي التقرير ال�رسي �إىل ت�أكيد دقة معلوماته ال�ستنادها على ثالثة‬
‫م�صادر خمابراتية‪� .‬أولها‪ ،‬ال�صور الف�ضائية التي التقطتها �أقمار التج�س�س‬
‫عن حترك القوات العراقية‪ .‬ثانيها‪ ،‬الت�صنت الإلكرتوين على االت�صاالت‬
‫بني الوحدات الع�سكرية العراقية املرابطة على حدود الكويت والقيادة‬
‫يف بغداد‪� .‬أما امل�صدر الثالث الذي ت�شري �إليه (ال�سي �آي ايه) فهو م�صدرها‬
‫الب�رشي املوثوق به داخل القيادة العراقية‪.‬‬
‫ومع هذا التحذير‪ ،‬فقد رف�ض الرئي�س الأمريكي ووزير دفاعه �إلغاء‬
‫�سفرهما �إىل م�صيف �آ�سنب يف والية كولورادو‪.‬‬
‫الواقعة الثالثة‪ :‬عند و�صول خرب احتالل الكويت للإدارة الأمريكية‬
‫يف ال�ساعة التا�سعة (ح�سب توقيت وا�شنطن) من م�ساء يوم الأربعاء‬
‫الأول من �أغ�سط�س (�آب) ‪ ،1990‬كان كبار امل�س�ؤولني الأمريكان‬
‫ذوي العالقة مبركز اتخاذ القرار يف �أماكن �أخرى‪ .‬فمث ً‬
‫ال‪� ،‬أبريل غال�سبي‬
‫�سفرية �أمريكيا يف بغداد كانت يف لندن تتمتع ب�إجازة خا�صة وافقت‬
‫عليها وزارة اخلارجية الأمريكية قبل احتالل الكويت ب�أيام قليلة‪ .‬برنت‬
‫�سكوكروفت م�ست�شار الأمن القومي كان قد غادر مكتبه يف البيت‬
‫الأبي�ض يف وقت مبكر من ذلك اليوم ليق�ضي فرتة ا�سرتاحة يف منزله‪.‬‬
‫�أما وزير الدفاع الأمريكي ديك �شيني فقد كان يحزم حقائبه ملرافقة‬
‫الرئي�س الأمريكي بو�ش يف �سفرته �إىل م�صيف �آ�سنب‪.‬‬
‫‪-261-‬‬
‫لقد حدث كل ذلك بالرغم من التقرير الذي تقدمت به (ال�سي �آي‬
‫ايه) حول احتمال قيام �صدام ح�سني مبغامرة ع�سكرية الحتالل الكويت‪.‬‬
‫لقد رف�ض الرئي�س الأمريكي ومعه وزي��ر دفاعه تغيري برنامج‬
‫اال�صطياف م�ؤكدين لرئي�س املخابرات ب�أن اجلعجعة القادمة من بغداد‬
‫ال تعدو عن كونها خمادعة من �صدام لإرغام الكويت ودول الأوبك‬
‫الأخرى زيادة �أ�سعار النفط مع تخفي�ض الإنتاج دون �أن تكون نية‬
‫احتالل الكويت كليا‪ ،‬بل التقدم جزئيا لل�سيطرة على حقول النفط‬
‫املتنازع عليها‪ .‬وبعد دخول القوات العراقية الكويت اكتفى الرئي�س‬
‫الأمريكي بت�رصيح و�صف فيه االحتالل ب�أنه «تعد �صارخ» م�ؤكدا ب�أنه‬
‫ال ينوي القيام ب�أي تدخل ع�سكري و�إنه يحث �صدام ح�سني على‬
‫االن�سحاب‪ .‬ت�رصيحات مائعة‪ ،‬و�صفها املحللون ب�أنها كانت ت�ستهدف‬
‫تطمني �صدام ليطيل بقاءه يف الكويت‪ ،‬يدمر من�ش�آتها ويحرق �آبار نفطها‬
‫ويحطم عملتها النقدية‪ .‬كل ذلك �ضمن خمطط ا�ستنفاذ القدرات املالية‬
‫واالقت�صادية للكويت وال�سعودية‪ ،‬ولك�سب الوقت لتجميع القوى‬
‫الع�سكرية ال�ضخمة ل�رضب العراق ع�سكريا وحتويله �إىل حقل جتارب‬
‫ملعرفة قدرات الأ�سلحة والتكنولوجيا املتقدمة التي �أنتجتها �أمريكا ومل‬
‫تكن قد جربتها يف حرب حقيقية‪.‬‬
‫وهذا ما ح�صل فعال‪ .‬فبعد حرب اخلليج التي �سميت بعا�صفة‬
‫ال�صحراء‪ ،‬خرج العراق حمطما اقت�صاديا وع�سكريا ومعنويا يرزح حتت‬
‫عقوبات مل تعرفها دولة من قبل‪ .‬وخرجت الكويت وقد ا�ستنفدت‬
‫جميع ا�ستثماراتها يف اخلارج ت�سديداً لنفقات حرب حتريرها‪ .‬وخرجت‬
‫ال�سعودية وهي مثقلة بعجز مايل كبري يف موازنتها‪.‬‬
‫و�سارعت دول اخلليج �إىل �رشاء مزيد من ال�سالح لتقوية تر�سانتها‬
‫الع�سكرية خوفا من «البعبع» القابع يف بغداد‪.‬‬
‫‪-262-‬‬
‫الف�صل ال�سابع ع�شر‬
‫ق�ضية ناظم كزار مدير الأمن العام ‪1973‬‬

‫كانت ال�ساعة تقارب الرابعة من بعد ظهر يوم ال�سبت ‪ 30‬يونيو‬


‫(حزيران) ‪ ،1973‬عندما رن جر�س الهاتف احلكومي يف منزيل‪ .‬وكان‬
‫على الطرف الآخر من اخلط مدير الت�رشيفات يف وزارة اخلارجية‪،‬‬
‫يخربين ب�أن رئي�س اجلمهورية �أحمد ح�سن البكر �سي�صل �إىل بغداد يف‬
‫ال�ساعة اخلام�سة ع�رصا‪ .‬يرجى ح�ضوركم يف املطار ال�ستقباله‪.‬‬
‫كان البكر يومئذ يف زيارة ر�سمية لبولونيا وبلغاريا‪.‬‬
‫يف ال�ساعة الرابعة والدقيقة ‪ ،45‬و�صلت �صالة ال�رشف يف مطار‬
‫بغداد الدويل‪ ،‬حيث كان هناك عدد كبري من الوزراء وال�سفراء املعتمدين‬
‫يف بغداد‪ ،‬وبع�ض �أع�ضاء القيادة القطرية وجمل�س قيادة الثورة‪ .‬من بينهم‬
‫عبد اخلالق ال�سامرائي وحممد فا�ضل‪.‬‬
‫بعد حوايل �ساعة من االنتظار‪ ،‬عاد مدير الت�رشيفات ليخربنا �أن طائرة‬
‫الرئي�س قد ت�أخرت‪ .‬ومن املحتمل و�صولها يف ال�ساعة الثامنة م�ساء‪،‬‬
‫لذلك ميكننا العودة �إىل منازلنا حلني اقرتاب املوعد اجلديد للو�صول‪.‬‬
‫يف ذلك اليوم �أي�ض ًا‪ ،‬كانت جامعة بغداد قد �أعدت احلفل ال�سنوي‬
‫لتخريج دفعة من طلبة اجلامعة‪.‬‬
‫‪-263-‬‬
‫ونظراً لت�أخر و�صول طائرة البكر‪ ،‬فقد انتقل تلفزيون بغداد �إىل‬
‫�ساحة الك�شافة (ملعب ال�شعب) ليبث مرا�سيم حفلة التخرج بعد �أن‬
‫كان ينقل مرا�سيم ا�ستقبال البكر‪.‬‬
‫يف ال�ساعة ال�سابعة والربع م�ساء اليوم نف�سه‪ ،‬عدت �إىل املطار لأكون‬
‫بني م�ستقبلي رئي�س اجلمهورية‪ .‬وبد أ� الوزراء و�أع�ضاء القيادة بالو�صول‬
‫ب�ضمنهم �صدام ح�سني‪.‬‬
‫مل يح�رض ال�سفراء العرب والأجانب لأنه طبقا للأعراف الدبلوما�سية‪،‬‬
‫ف�إنه ال يوجد ا�ستقبال ر�سمي بعد غروب ال�شم�س‪.‬‬
‫ويف ال�ساعة ال�سابعة والدقيقة الـ‪ 50 ‬و�صلت الطائرة‪ .‬وعند �سلم‬
‫الطائرة تعانق البكر و�صدام‪ ،‬وتوجها بعدئذ �إىل حيث �أع�ضاء القيادة‬
‫والوزراء و�سلم البكر عليهم فردا فردا ثم توجه مع �صدام �إىل �سياراتهم‬
‫التي كانت تنتظر على مدرج املطار‪ ،‬حيث ا�ستقلها مع �صدام وغادرا‬
‫املطار �سوية‪.‬‬
‫غادرنا جميع ًا املطار‪ .‬كل �شيء كان طبيعيا واعتياديا‪.‬‬
‫وقد علمت يف حينه ب�أن ت�أخر طائرة البكر كان ب�سبب ا�ستمرار‬
‫املباحثات بني البكر والرئي�س البولوين‪ ،‬كما حدث ت�أخري �آخر يف‬
‫م�صيف فارنا البلغاري‪ ،‬حيث توقفت فيه طائرة البكر للتزود بالوقود‪،‬‬
‫ولأن احلكومة البلغارية نظمت للبكر عند و�صوله امل�صيف ا�ستقباال‬
‫ر�سميا ح�رضه نيابة عن الرئي�س البلغاري جيفكوف‪ ،‬نائب رئي�س وزراء‬
‫بلغاريا ت�سولوف‪ .‬ويبدو �أن ت�سولوف �أ�رص على �أن يزور البكر امل�صيف‬
‫والتجول يف املدينة ثم ح�ضور حفل ا�ستقبال ق�صري يف الفندق الرئي�سي‬
‫يف تلك املدينة‪.‬‬
‫بعد انتهاء مرا�سم اال�ستقبال ومغادرتي املطار‪ ،‬توجهت �إىل وزارة‬
‫‪-264-‬‬
‫التخطيط حيث كان لدي اجتماع مع وزراء املالية‪ ،‬االقت�صاد‪ ،‬البلديات‪،‬‬
‫�ش�ؤون ال�شمال‪ ،‬وع�ضو القيادة القطرية غامن عبد اجلليل لبحث �أمور‬
‫تتعلق بالتخ�صي�صات املالية للمنطقة ال�شمالية‪.‬‬
‫بد�أ االجتماع ال�ساعة الثامنة والن�صف تقريبا‪.‬‬
‫وبعد �ساعة دخل علينا ال�سكرتري ليخرب غامن عبد اجلليل ب�أنه‬
‫مطلوب على الهاتف احلكومي‪ .‬فذهب غامن �إىل غرفتي املجاورة لقاعة‬
‫االجتماعات ليت�سلم املكاملة الهاتفية‪.‬‬
‫بعد دقائق عاد غامن وعلى وجهه �شيء من االرتباك وقال‪:‬‬
‫«يبدو �أن هناك م�ؤامرة‪ ..‬و�أن القيادة جمتمعة يف الق�رص اجلمهوري‬
‫وال بد يل من التوجه �إىل الق�رص الآن‪".‬‬
‫ترك غامن وزارة التخطيط وا�ستمر اجتماعنا نحن ال��وزراء حتى‬
‫ال�ساعة احلادية ع�رشة لي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫بعدما غادر الوزراء مبنى الوزارة‪ ،‬بقيت وال�سكرتري فرتة من الزمن‬
‫لإنهاء بع�ض املعامالت الر�سمية‪ .‬ويف حوايل ال�ساعة الثانية ع�رشة عند‬
‫منت�صف الليل‪ ،‬تركت مكتبي واجتهت نحو الباب اخلارجي للوزارة‬
‫وهو باب زجاجي‪.‬‬
‫وجدت الباب مو�صدا‪ .‬ويف اخلارج انت�رشت عنا�رص من �رشطة‬
‫النجدة وبع�ض املدنيني من احلزب حاملني ر�شا�شاتهم‪.‬‬
‫كان املقر العام لالت�صاالت ال�سلكية التابع ل�رشطة النجدة يف �أعلى‬
‫طابق يف مبنى وزارة التخطيط‪ .‬وكنت يف عام ‪ 1970‬قد وافقت على‬
‫قيام �رشطة النجدة على �إ�شغال ذلك الطابق املتميز بارتفاعه ال�شاهق‬
‫الذي �سهل ن�صب �ساريات االت�صال الال�سلكي‪.‬‬
‫‪-265-‬‬
‫تقدم �أحد �ضباط ال�رشطة وفتح الباب‪ .‬وملا خرجت وجدت �أمامي‬
‫معاون مدير اال�ستخبارات الع�سكرية خليل ابراهيم العزاوي حامال‬
‫ر�شا�شة‪.‬‬
‫ا�ستف�رست منه عن املو�ضوع و�سبب هذا التواجد الع�سكري يف‬
‫الوزارة‪ ،‬ف�أخربين �أن م�ؤامرة كبرية دبرها ناظم كزار مدير الأمن العام‪،‬‬
‫و�إن هذه الإجراءات �إمنا هي �إجراءات احرتازية ملنع �سيطرة «املت�آمرين»‬
‫على �أجهزة الال�سلكي املوجودة يف �أعلى البناية‪.‬‬
‫يف اليومني التاليني كانت الأمور طبيعية يف بغداد‪ .‬جمل�س قيادة الثورة‬
‫والقيادة القطرية يف اجتماعات م�ستمرة يف الق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫ويف م�ساء اليوم الثاين من يوليو (متوز) ‪� ،1973‬أعلن راديو بغداد‬
‫�أن جمل�س قيادة الثورة قرر ت�شكيل هيئة حتقيق خا�صة وحمكمة خا�صة‬
‫للتحقيق مع ناظم كزار وجماعته‪[1] .‬‬

‫ويالحظ من ت�شكيل هذه املحكمة‪� ،‬أنه �إ�ضافة �إىل رئي�سها عزت‬


‫الدوري الذي هو ع�ضو يف القيادة القطرية للحزب‪ ،‬ويف جمل�س قيادة‬
‫الثورة‪ ،‬ف�أن ع�ضوي املحكمة الآخرين وهما طاهر �أحمد �أمني)*( وخليل‬
‫العزاوي كانا من عنا�رص جهاز املخابرات‪ ،‬فالأول كان معاونا لرئي�س‬
‫املخابرات �آنذاك‪ ،‬بينما كان الثاين معاونا ملدير اال�ستخبارات الع�سكرية‪.‬‬
‫كانت ال�شائعات قد ملأت بغداد دون �أن ي�صدر بيان ر�سمي يو�ضح‬
‫حقيقة الأمر �سوى القول ب�أن كزار وجمموعة من منت�سبي مديرية الأمن‬
‫العامة‪ ،‬حاولوا القيام مب�ؤامرة ا�ستهدفت اغتيال �أحمد ح�سن البكر‬
‫(*) ‪� -‬أعدم طاهر �أحمد �أمني عام ‪ ،1979‬بعد �أن حكمت عليه حمكمة خا�صة بتهمة‬
‫الت�آمر مع جمموعة عدنان احلمداين وغامن عبد اجلليل‪ ،‬بعد ت�سلم �صدام ح�سني‬
‫من�صب رئي�س اجلمهورية‪.‬‬

‫‪-266-‬‬
‫و�صدام ح�سني‪ .‬و�أن املت�آمرين قد هربوا باجتاه �إيران بعد �أن جنحوا يف‬
‫قتل وزير الدفاع الفريق حماد �شهاب التكريتي الذي �شيعت جنازته‬
‫ر�سمي ًا يوم ‪ 1973/7/3‬ودفنت يف تكريت‪ ،‬و�شارك يف الت�شييع �شفيق‬
‫ال لرئي�س اجلمهورية و�صدام‬ ‫الدراجي �أمني �رس جمل�س قيادة الثورة ممث ً‬
‫ح�سني نائب رئي�س املجل�س وجميع �أع�ضاء القيادة القطرية وجمل�س‬
‫قيادة الثورة وب�ضمنهم عبد اخلالق ال�سامرائي وحممد فا�ضل اللذان اتهما‬
‫بعدئذ با�شرتاكهما يف امل�ؤامرة‪.‬‬
‫بعد �أق��ل من �أ�سبوع‪ ،‬ن�رشت اجلرائد العراقية على �صفحاتها‬
‫الأوىل خربا مفاده �إن املحكمة اخلا�صة قد عقدت �أول جل�سة لها يف‬
‫‪ 1973/7/7‬و�أ�صدرت �أحكامها القا�ضية ب�إعدام «الوجبة الأوىل»‬
‫من «املت�آمرين» والبالغ عددهم ‪� 33‬شخ�ص ًا وعلى ر�أ�سهم مدير الأمن‬
‫العام ناظم كزار ومالزمني و‪ 7‬مفو�ضي �أمن و‪ 6‬عرفاء ونواب عرفاء‬
‫و‪� 7‬أمناء‪ .‬و�أن تلك الأحكام قد نفذت يف يوم �صدور الأحكام «با�سم‬
‫ال�شعب ونزوال عند رغبته وت�أكيدا لر�سوخ الثورة ومتانة �صفوفها‬
‫والتفاف اجلماهري الوا�سعة حولها!»‪.‬‬
‫ويف يوم ‪ 8‬متوز‪/‬يوليو ‪ 1973‬عقدت املحكمة اخلا�صة جل�ستها‬
‫الثانية ملحاكمة الوجبة الثانية و�أ�صدرت �أحكام الإع��دام بحق ‪14‬‬
‫�شخ�صا �آخرين ب�ضمنهم عبد اخلالق ال�سامرائي وحممد فا�ضل ع�ضوي‬
‫القيادة القطرية‪ ،‬وقد نفذت تلك الأحكام يف يوم �صدورها با�ستثناء‬
‫ال�سامرائي‪ ،‬حيث ا�ستبدل حكمه بالأ�شغال ال�شاقة امل�ؤبدة بعد �شفاعات‬
‫بذلها �أع�ضاء القيادة القومية الذين توافدوا �إىل بغداد قبل يوم واحد‬
‫فقط وعلى ر�أ�سهم الدكتور زيد حيدر والدكتور عبد املجيد الرافعي‬
‫والدكتور عبد الوهاب الكيايل والدكتور اليا�س فرح ونيقوال الفرزيل‪.‬‬
‫وقد �أخ�برين الدكتور عبد الوهاب الكيايل بعد �شهور من تلك‬
‫‪-267-‬‬
‫الأحداث‪� ،‬أن القيادة القومية كانت على يقني ب�أن ال�سامرائي)**( مل تكن‬
‫له �أية �صلة بحركة كزار‪ ،‬وان اتهامه قد يكون نابعا من بع�ض احل�سا�سيات‬
‫جتاهه خا�صة و�أنه كان على خالف م�ستمر ودائم مع البكر و�صدام‪.‬‬
‫ويف يوم ‪ 9‬يوليو (متوز) �أدىل ناطق ر�سمي بت�رصيح لوكالة الأنباء‬
‫العراقية حول حركة ناظم كزار‪ ،‬ومما ورد فيه‪� :‬أن كزار قام يف ‪ 30‬يونيو‬
‫(حزيران) بدعوة الفريق حامد �شهاب وزير الدفاع والفريق �سعدون‬
‫غيدان وزير الداخلية‪ ،‬لزيارة �أحد املراكز ذات ال�صلة باخت�صا�ص‬
‫الوزيرين‪ ،‬والذي كان كزار يتوىل م�س�ؤولية الإ�رشاف عليه‪ ،‬كما قام‬
‫با�ستدراج م�س�ؤولني �آخرين �إىل نف�س املوقع من بينهم منذر املطلك زوج‬
‫ابنة �أحمد ح�سن البكر و�سكرتريه اخلا�ص‪.‬‬
‫وقال الناطق الر�سمي‪� :‬إن الوزيرين قد لبيا الدعوة نظرا للموقع‬
‫الوظيفي الذي كان ي�شغله كزار‪� ،‬إ�ضافة ملرتبته احلزبية الأعلى من‬
‫الوزيرين‪ .‬وبعد و�صول �أولئك �إىل مكان الدعوة اعتقلهم‪ ،‬وقبيل‬
‫ال�ساعة ال�ساد�سة‪ ،‬اجتمع كزار ملحمد فا�ضل ع�ضو القيادة القطرية يف‬
‫مقر الهيئة التحقيقية الثانية‪ ،‬غادر بعدها �إىل املكان الذي احتجز فيه‬
‫الوزيرين وبقية املدعوين‪� ،‬أما حممد فا�ضل‪ ،‬فقد توجه �إىل املطار ليكون‬
‫يف ا�ستقبال البكر حيث التقى بعبد اخلالق ال�سامرائي ليخربه مب�ؤامرة‬
‫ناظم كزار‪.‬‬
‫ويف املطار‪ ،‬كان ناظم قد هي�أ‪ ،‬على حد قول الناطق الر�سمي‪ ،‬جمموعة‬
‫مهمتها اغتيال البكر و�صدام وجميع الوزراء وال�سفراء وذلك بوا�سطة‬
‫(**) ‪� -‬سجن ال�سامرائي بعد تخفي�ض حمكوميته �إىل ال�سجن امل�ؤبد‪ ،‬يف �رسداب يف‬
‫مبنى املخابرات العامة‪ ،‬وبقي هناك حلني �إعدامه يف �أغ�سط�س (�آب) ‪،1979‬‬
‫بتهمة الت�آمر على �صدام ح�سني مع جمموعة احلمداين وغامن عبد اجلليل‪ ،‬بالرغم من‬
‫وجوده يف ال�سجن االنفرادي‪.‬‬

‫‪-268-‬‬
‫الر�شا�شات والقنابل اليدوية على �أن يعلن كزار‪ ،‬بعد جناح عمليته‪ ،‬من‬
‫�إذاعة بغداد خرب مقتل البكر و�صدام متهم ًا وزيري الدفاع والداخلية‬
‫بذلك‪ ،‬و�أنه‪� ،‬أي كزار‪ ،‬قد ق�ضى على امل�ؤامرة واعتقل الوزيرين‪ .‬و�أن‬
‫القيادة �أو «ما تبقى» منها قد اختارت ال�سامرائي ليقود م�سرية احلزب‬
‫والثورة‪.‬‬

‫ووفق ًا لرواية الناطق الر�سمي‪ ،‬ف�أن كزار كان يراقب ما يحدث يف‬
‫املطار‪ ،‬من خالل �شا�شة التليفزيون‪ ،‬غري �أن ت�أخر طائرة البكر وانتقال‬
‫التلفزيون �إىل موقع تخرج طلبة اجلامعة قد «�أفزع» املت�آمرين فولوا‬
‫الأدبار‪ .‬ونتيجة لذلك فقد �أ�صاب الذعر والهلع كزار فحاول الفرار مع‬
‫جمموعته باجتاه احلدود الإيرانية عن طريق منفذ زرباطية‪ ،‬غري �أن �أجهزة‬
‫احلزب والثورة قد �ألقت القب�ض عليه بعد �أن متكن من قتل وزير الدفاع‬
‫و�إ�صابة وزير الداخلية يف يده‪.‬‬

‫وبالرغم من هذه التو�ضيحات الر�سمية‪� ،‬إال �أن ال�شائعات قد نحت‬


‫منحى �آخر‪ .‬فثمة من يقول �أن العملية كلها كانت من تدبري �صدام‬
‫ح�سني للق�ضاء على البكر و�أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة من الع�سكريني‪،‬‬
‫ومن ثم ت�صفية عبد اخلالق ال�سامرائي لالنفراد باحلكم‪ .‬لكن كثريين مل‬
‫يقتنعوا مبثل هذا القول‪ ،‬وان كان االعتقاد يتجه �إىل �أن حركة كزار هي‬
‫م�ؤامرة فعلية للق�ضاء على البكر و�صدام بعدما بات مت�أكداً انهما ي�سعيان‬
‫لتقلي�ص دور احلزب عقائديا والرتكيز على احلكم الفردي املطلق‪.‬‬

‫ومع م�صداقية هذا االعتقاد‪� ،‬إال �أن كزار نف�سه مل يكن ميثل البديل‬
‫املنا�سب‪ ،‬نظراً ل�سجله ال�شخ�صي املعروف بالعنف والدموية والت�سلط‬
‫املطلق يف ق�ضايا التحقيق واالعتقال‪.‬‬
‫‪-269-‬‬
‫وكان طبيعي ًا وقد ف�شلت املحاولة‪� ،‬أن يتهم مدبرها ناظم كزار‬
‫)***(‬

‫الذي ي�سود االعتقاد ب�أنه من �أبناء الطائفة ال�شيعية كان ي�سعى �إىل �إقامة‬
‫حكم �شيعي يف العراق‪ ،‬وقد �سمعت هذا الكالم �شخ�صيا من �سعدون‬
‫غيدان عندما زرته يف م�سكنه للتهنئة ب�سالمته‪ ،‬وقال يل باحلرف‬
‫الواحد‪�« :‬ألف مرة قلت للرفيق البكر والرفيق �صدام ب�أن يحرت�سا من‬
‫هذا (العجمي) مدير الأمن العام‪ .».‬وقد �أثنت زوجته على هذا القول‪،‬‬
‫و�أ�ضافت‪« :‬زوجي ال يت�آمر على البكر و�صدام‪ ..‬هذا (العجمي) هو‬
‫املت�آمر»‪.‬‬
‫حتى ذلك اليوم مل �أكن �أعلم حقيقة مذهب كزار �أو ديانته‪ ،‬كما مل‬
‫�أجد يف ا�سمه ما يدل على �أنه (عجمي) بح�سب تعبري �سعدون غيدان‪.‬‬
‫ويف ت�صوري‪� ،‬أن غيدان كان ي�ضمر البغ�ض لكزار منذ اليوم الأول‬
‫لثورة يوليو (متوز) ‪ ،1968‬لأن مرتبته احلزبية وهي ع�ضو قيادة فرع‬
‫كانت �أعلى من مرتبة الن�صري التي كان عليها غيدان‪ ،‬كما �أن رتبة كزار‬
‫الع�سكرية التي منحت له بعد الثورة وهي لواء (جرنال) �أعلى من رتبة‬
‫املقدم التي كانت لغيدان‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك احل�سا�سية التي تن� أش� وتنمو‬
‫بني الوزير وموظفيه عندما يكون الوزير يف درجة حزبية �أدنى من درجة‬
‫م�ساعديه‪ ،‬ويف ت�صوري �أي�ض ًا‪� ،‬إن اتهام غيدان لكزار ب�أنه (عجمي) �إمنا‬
‫ينبع �أ�صال من الأجواء الطائفية التي ترعرع فيها الكثريون والتي تعترب‬
‫�أن كل �شيعي هو عجمي‪ ،‬حتى وان كان ذلك ال�شيعي من �أحفاد عدنان‬
‫وقحطان وخالد بن الوليد!‬
‫(***) ‪� -‬أكد يل �أكرث من �شخ�ص �أثق مبعلوماته �أن كزار هو �شيعي املذهب‪ ،‬ومع‬
‫حترزي حيال الق�ضايا املذهبية ف�إنني �أرى �أن �شخ�صية كزار لي�ست نتاج طائفة �أو‬
‫دين و�إمنا هي نتاج «عقيدة البعث» و�رصاعاته الدموية التي كان العراق م�رسح ًا لها‬
‫منذ االنقالب البعثي الأول يف ‪ 8‬فرباير (�شباط) ‪.1963‬‬

‫‪-270-‬‬
‫لقد �أطاحت دائرة ال�رصاع الدموي على ال�سلطة بر�ؤو�س رجال‬
‫يف �أعلى قمة الهرم احلزبي‪ ،‬كما ذهبت بنقابيني وع�سكريني �إىل �أب�شع‬
‫م�صري‪ ،‬ومل يكن �إعدام كزار وجموعة كبرية من املح�سوبني عليه عام‬
‫‪ ،1973‬وت�صفية ذلك العدد الكبري من �أع�ضاء القيادة القطرية وجمل�س‬
‫قيادة الثورة وقيادة فرع بغداد يف عام ‪� 1979‬إال حلقة من حلقات هذا‬
‫ال�رصاع الذي ظل ي�ستمر ف�صوال‪.‬‬

‫]‪ - [1‬جاء ن�صا القرارين كما يلي‪:‬‬


‫قرار رقم ‪539‬‬
‫ا�ستنادا �إىل �أحكام الفقرة �أ من املادة ‪ 42‬من الد�ستور امل�ؤقت‪ ،‬قرر جمل�س قيادة‬
‫الثورة بجل�سته املنعقدة يف ‪ 1/7/1973‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬ت�شكيل هيئة حتقيقية خا�صة على ال�شكل التايل‪:‬‬
‫رئي�سا‬ ‫�أ‪� – ‬سعدون �شاكر ‬
‫ع�ضوا‬ ‫ب‪ – ‬كاظم م�سلم ‬
‫ع�ضوا‬ ‫جـ‪ – ‬عبد ال�صمد عبد احلميد ‬
‫‪ – 2‬تخول الهيئة كافة �صالحيات حاكم التحقيق للتحقيق مع ناظم كزار وزمرته‪.‬‬
‫‪� – 3‬إحالة من تتوفر الأدلة على �إدانته �إىل املحكمة اخلا�صة‪.‬‬
‫‪ – 4‬ين�رش هذا القرار وينفذ من تاريخ �صدوره‪.‬‬
‫�أحمد ح�سن البكر‬
‫رئي�س جمل�س قيادة الثورة‬
‫قرار رقم ‪540‬‬
‫ا�ستنادا اىل �أحكام الفقرة �أ من املادة ‪ 42‬من الد�ستور امل�ؤقت‪ ،‬قرر جمل�س قيادة‬
‫الثورة بجل�سته املنعقدة بتاريخ ‪ 1/7/1973‬ما يلي‪:‬‬

‫‪-271-‬‬
‫‪ – 1‬ت�شكيل حمكمة خا�صة على النحو التايل‪:‬‬
‫رئي�سا‬ ‫�أ‪ – ‬عزت الدوري‪ – ‬ع�ضو جمل�س قيادة الثورة ‬
‫ع�ضوا‬ ‫ب‪ – ‬طاهر �أحمد �أمني ‬
‫ع�ضوا‬ ‫جـ‪ – ‬خليل �إبراهيم العزاوي ‬
‫‪ – 2‬تخت�ص املحكمة امل�شكلة مبوجب هذا القرار مبحاكمة ناظم كزار وزمرته‪.‬‬
‫‪ – 3‬ال ت�رسي على املحكمة اخلا�صة �أحكام الباب الأول من الكتاب الثالث من‬
‫قانون �أ�صول املحاكمات اجلزائية رقم ‪ 3‬ل�سنة ‪.1971‬‬
‫‪� – 4‬أ‪� – ‬أحكام املحكمة قطعية با�ستثناء �أحكام الإعدام‪.‬‬
‫ب‪ – ‬ال ت�رسي على قرارات املحكمة املادة ‪ 288‬من قانون العقوبات‪.‬‬
‫‪� – 5‬صدر هذا القرار ا�ستثناء من �أحكام �أ�صول املحاكمات اجلزائية‪.‬‬
‫‪ – 6‬ين�رش هذا القرار ويعترب نافذا من تاريخ �صدوره‪.‬‬
‫�أحمد ح�سن البكر‬
‫رئي�س جمل�س قيادة الثورة‬
‫ويالحظ �أن هيئة التحقيق اخلا�صة قد �شكلت من عنا�رص املخابرات فقط‪ ،‬فرئي�سها‬
‫كان رئي�سا جلهاز املخابرات‪ ،‬والع�ضو الأول كان ي�شغل من�صب معاون مدير عام‬
‫املخابرات‪� ،‬أما الع�ضو الثاين فكان �ضابط ًا يف جهاز املخابرات‪.‬‬

‫‪-272-‬‬
‫الف�صل الثامن ع�شر‬
‫اختطايف �إىل �إ�رسائيل‬

‫يوم ‪ 27‬يوليو (متوز) ‪ ،1973‬غادرت بغداد مع �أفراد عائلتي �إىل‬


‫بريوت يف طريقي �إىل القاهرة لزيارة ر�سمية تبد�أ بعد �أربعة �أيام‪ ،‬تلبية‬
‫لدعوة من وزير التخطيط امل�رصي الدكتور �سيد جاب اهلل‪ ،‬وكان قد‬
‫�سبقني �إىل القاهرة وفد م�ؤلف من كبار موظفي وزارة التخطيط ي�ضم يف‬
‫ع�ضويته قحطان لطفي علي مدير الديوان العام‪ ،‬الدكتور زهري الظاهر‬
‫مدير عام الدائرة الزراعية‪ ،‬الدكتور �سريوان عبد القادر مدير عام دائرة‬
‫املباين واخلدمات‪.‬‬
‫بعد انتهاء زيارة القاهرة عدت �إىل بريوت لق�ضاء ب�ضعة �أيام مع‬
‫عائلتي التي تركتها هناك‪ ،‬لنعود �سوية �إىل بغداد‪ ،‬وقد عاد معي من الوفد‬
‫قحطان لطفي علي‪� ،‬أما بقية الأع�ضاء فف�ضلوا العودة �إىل بغداد مبا�رشة‪.‬‬
‫بقيت يف بريوت حتى يوم ‪ ،1973/8/10‬حيث قررت العودة‬
‫�إىل بغداد يف ذلك اليوم‪ .‬حاولت حجز ‪ 3‬مقاعد على الطائرة العراقية‬
‫التي تغادر بريوت فلم �أفلح‪� ،‬إذ اعتذرت اخلطوط العراقية متذرعة بعدم‬
‫وجود �أماكن �شاغرة‪.‬‬
‫وكعادتنا نحن العراقيني‪ ،‬وامل�س�ؤولني ب�شكل خا�ص‪ ،‬ات�صلت‬
‫بال�سفري العراقي يف بريوت خالد مكي الها�شمي ورجوته ت�سهيل �أمر‬
‫‪-273-‬‬
‫عودتي وعائلتي �إىل بغداد يف طائرة ذلك اليوم‪ ،‬وكان �أن حجزت لنا‬
‫مقاعد ثالث‪� ،‬إ�ضافة �إىل مقعد رابع لل�سيد قحطان لطفي علي الذي قرر‬
‫هو الآخر العودة يف ذات اليوم بدال من اليوم التايل!‬
‫توجهنا �إىل املطار‪ ،‬وكان بانتظارنا يف �صالة ال�رشف ال�سفري العراقي‪.‬‬
‫كان ال�سفري ع�صبي ًا وقد بدت على وجهه حالة من االمتعا�ض‪� .‬س�ألته عن‬
‫ال�سبب‪ .‬ف�أخربين �أن ال�سيد جورج حب�ش الأمني العام للجبهة ال�شعبية‬
‫لتحرير فل�سطني موجود يف املطار ويريد ال�سفر �إىل بغداد على نف�س‬
‫الطائرة‪ .‬وامل�شكلة‪� ،‬أن الطائرة مملوءة بامل�سافرين وال يوجد فيها �أي‬
‫مقعد �شاغر‪ .‬ناهيك عن ‪ 4‬مقاعد يريدها حب�ش!‬
‫ولكن يا �سعادة ال�سفري‪ ..‬كيف ي�أتي حب�ش ورفاقه �إىل املطار دون �أن‬
‫يكن لديهم حجز م�سبق؟‬
‫�أجاب ال�سفري‪ :‬نعم لديهم حجز على الطائرة العراقية التي يفرت�ض‬
‫و�صولها من لندن‪ ،‬لكن الطائرة مل ت�صل واخلطوط العراقية حتاول ا�ستئجار‬
‫طائرة �أخرى لتقل امل�سافرين الذين كان يفرت�ض �سفرهم على طائرة‬
‫الأم�س‪� ،‬أما م�سافرو طائرة اليوم ومنهم �أنا وعائلتي وحب�ش ورفاقه فلي�س‬
‫لديهم �أماكن‪ ،‬وعليهم االنتظار حتى قدوم الطائرة العراقية من لندن‪.‬‬
‫قلت‪� :‬إذن‪ ،‬دعنا نعود لبريوت لق�ضاء الليلة يف فندق ال�ستقل طائرة‬
‫الغد‪ .‬رف�ض ال�سفري اقرتاحي و�أ�رص على تدبري مقاعد لنا مهما كلف‬
‫الأمر‪ ،‬وعلق قائال‪� :‬أما حب�ش ورفاقه فال داعي ل�سفرهم اليوم‪.‬‬
‫ويبدو �أن طائرة اخلطوط العراقية التي كان يفرت�ض �أن �أ�ستقلها‬
‫وعائلتي قد ت�أخرت ب�سبب عطل طارئ يف مطار لندن وتعذر و�صولها‬
‫�إىل بريوت يف الوقت املحدد‪ ،‬فتم ا�ستئجار طائرة ركاب لبنانية تابعة‬
‫ل�رشكة طريان ال�رشق الأو�سط‪.‬‬
‫‪-274-‬‬
‫كانت الطائرة امل�ست�أجرة من نوع (كارافيل) �صغرية احلجم ال تت�سع‬
‫جلميع امل�سافرين‪ .‬وقام ممثل اخلطوط العراقية ب�إعطاء املقاعد املتوفرة ملن‬
‫و�صلوا �إىل املطار قبل غريهم‪ .‬وكنت من بني ه�ؤالء‪ ،‬لكننا جميع ًا مل‬
‫نكن لندرك �أن وجهتنا �ستكون نحو مكان �آخر‪.‬‬
‫�صعدت الطائرة ومعي زوجتي وولدي جعفر‪� .‬أخذنا مكاننا يف‬
‫الدرجة الأوىل‪ ،‬وكان �إىل جانبنا عدد قليل من امل�سافرين على هذه‬
‫الدرجة‪ .‬كان معنا قحطان لطفي علي‪ ،‬دحام الآلو�سي �سفري العراق يف‬
‫البحرين‪ ،‬واثنان من �أع�ضاء «جبهة التحرير العربية» التي �أ�س�سها حزب‬
‫البعث العراقي‪ ،‬هما ال�سيدان ر�ضا فرحات وخليل بركات‪ ،‬والأخري‬
‫كان ع�ضوا يف القيادة القومية للحزب‪.‬‬
‫يف ال�ساعة الثامنة والن�صف م�ساء حتركت الطائرة على مدرج املطار‬
‫متهيداً للإقالع‪� ،‬إال �أنها �رسعان ما توقفت يف نهاية املدرج بعيدا عن‬
‫مبني املطار‪ .‬طال التوقف حتى بلغت ال�ساعة التا�سعة تقريبا‪ .‬توجهت‬
‫�إىل غرفة القيادة ال�ستف�رس من قائد الطائرة عن �سبب الت�أخري‪ ،‬ف�أجابني‬
‫�أن لديه حمولة فائ�ضة يريد �إنزالها‪.‬‬
‫عدت �إىل ا�ستف�ساره‪ :‬ولكن ملاذا ال تنزل احلمولة الزائدة قرب مبنى‬
‫املطار‪ ،‬حيث الت�سهيالت الفنية؟ هل �ستنزل احلمولة يف نهاية املدرج؟‬
‫وكيف؟ مل يرد قائد الطائرة‪ ،‬فعدت �إىل مقعدي‪.‬‬
‫بعد ن�صف �ساعة تقريبا‪ ،‬حلقت الطائرة‪ .‬ومل �أالحظ �إن��زال �أية‬
‫حمولة زائدة‪ .‬بعد ما يقارب ‪ 20‬دقيقة من الطريان مل تطف�أ �إ�شارة عدم‬
‫التدخني‪ .‬وملا كنت من املدخنني‪ ،‬فقد انتابتني حالة من االنزعاج‪� .‬أريد‬
‫�أن �أدخن‪ ،‬بعدما حرمت من متعة ال�سيجارة مدة لي�ست بالق�صرية‪.‬‬
‫توجهت ثانية نحو غرفة قائد الطائرة لأ�ستف�رس عن �سبب عدم �إطفاء‬
‫‪-275-‬‬
‫�شارة «عدم التدخني»‪ .‬فوجدت القائد من�شغ ً‬
‫ال باحلديث يف جهاز‬
‫الال�سلكي‪ ،‬كما الحظت طائرتني �أخريني حتلقان قريبا من مقدمة‬
‫طائرتنا‪.‬‬
‫مل يجب قائد الطائرة‪ .‬غري �أن م�ساعده ا�ستف�رس عمن �أكون‪ ،‬ف�أخربته‬
‫ب�صفتي الر�سمية‪ .‬و�إنني �أريد �أن �أدخن �سيجارة‪ .‬ملاذا هذا التع�سف!‬
‫التفت �إيل م�ساعد القبطان وبلهجة لبنانية قال ما مفاده �أن طائرتنا‬
‫خمتطفة من قبل الإ�رسائيليني‪ ،‬و�إنه �سي�ضطر �إىل الهبوط يف مطار �إ�رسائيلي‪.‬‬
‫ورجاين عدم �إخبار امل�سافرين لكيال حتدث حالة من الهلع قد ت�ؤدي �إىل‬
‫�سقوط الطائرة يف البحر!‬
‫عدت �إىل مقعدي و�أخربت زوجتي وولدي بالأمر‪ .‬وحت�سبا ملا قد‬
‫يحدث‪ ،‬فقد ودعتهم قائال‪� :‬إن الإ�رسائيليني قد يحتفظون بي كرهينة‬
‫حلني ا�ستبدايل مثال ببع�ض املوقوفني يف العراق بتهمة التج�س�س حل�ساب‬
‫�إ�رسائيل‪ .‬ثم توجهت �إىل حيث يجل�س فرحات وبركات و�أخربتهما‬
‫بالأمر واقرتحت عليهما مغادرة الدرجة الأوىل �إىل الدرجة الثانية‬
‫واالختالط ببقية امل�سافرين‪.‬‬
‫بعد دقائق معدودات‪ ،‬هبطت الطائرة يف مطار ع�سكري يف �إ�رسائيل‪.‬‬
‫فتح باب الطائرة الأمامي و�صعدت �إليها جمندة �إ�رسائيلية حتمل ر�شا�شة‬
‫وخلفها �ضابط مدجج بال�سالح‪ .‬تكلما معنا باللغة العربية‪ ،‬وطلبا من‬
‫الرجال فقط مغادرة الطائرة الواحد تلو الآخر‪.‬‬
‫بد�أنا بالهبوط‪ .‬وكنت �أول من هبط‪ .‬ثم هبط قحطان‪ ،‬يتبعه ال�سفري‬
‫الآلو�سي‪ .‬وقفت عند �سلم الطائرة‪ ،‬بانتظار هبوط بقية امل�سافرين‪.‬‬
‫وكان �آخر من هبط منهم رجل م�سن‪ ،‬كان يظن �أن الذين اختطفوا‬
‫الطاهرة هم جمموعة من منظمة التحرير الفل�سطينية م�أخوذاً ب�سمعتها‬
‫‪-276-‬‬
‫يف خطف الطائرات‪ .‬وراح العجوز يحدث ال�ضابط الإ�رسائيلي وي�ؤكد‬
‫له �أنه عراقي م�ؤيد ملنظمة التحرير ومتحم�س للق�ضية الفل�سطينية وان‬
‫تربعاته املالية للمنظمة م�ستمرة بدون انقطاع! كل هذا وهو يظن �أن من‬
‫يتحدث �إليه هو فل�سطيني من منظمة التحرير‪.‬‬
‫بعدما هبط جميع الرجال‪ ،‬توجه الإ�رسائيليون بنا �إىل جمموعة من‬
‫البا�صات التي كانت راب�ضة على مدرج املطار‪.‬‬
‫يف هذه الأثناء كانت عد�سات التلفزيون ت�صور عملية االختطاف‬
‫حلظة بلحظة‪.‬‬
‫جل�س امل�سافرون يف البا�صات‪� .‬أما �أنا وقحطان وال�سفري الآلو�سي‬
‫فقد خ�ص�صوا لنا �سيارة با�ص كبرية لوحدنا‪ ،‬يف حني امتلأت البا�صات‬
‫الأخرى بامل�سافرين‪.‬‬
‫ا�ستغربت للأمر‪ .‬ملاذا يخ�ص�صون لنا نحن الثالث �سيارة كبرية‬
‫بكاملها؟ ا�ستف�رست من ال�ضابط الذي كان يقف داخل ال�سيارة وبيده‬
‫ر�شا�شة‪ ،‬عن �سبب عزلنا عن بقية امل�سافرين‪ ،‬ف�أجاب باللهجة امل�رصية‪:‬‬
‫«عل�شان �أنتو �شخ�صيات يا معايل الوزير»‪.‬‬
‫�س�ألته عن املدة التي �سنق�ضيها يف «�ضيافتهم»‪ ،‬فرد باللهجة ذاتها‪:‬‬
‫«م�ش عارف‪ ..‬ميكن �ساعة‪ ،‬ميكن �سنة‪ ،‬ميكن ‪� 15‬سنة!‬
‫وهنا بد أ� دحام الآلو�سي يرتع�ش ويقول �أنا عندي مر�ض ال�سكري‪..‬‬
‫مري�ض جدا‪� ..‬أريد العودة �إىل بغداد‪� ..‬إىل غري ذلك من الهذيان الذي‬
‫ينتاب الفرد عندما يرتعب‪.‬‬
‫�أما قحطان لطفي علي‪ ،‬فقد �أخرج من جيبه دفرتاً �صغرياً ومزق منه‬
‫عدة �أوراق وو�ضعها يف فمه وابتلعها‪ .‬وما �أن انتهى من ذلك‪ ،‬حتى‬
‫‪-277-‬‬
‫�رصخ به ال�ضابط الإ�رسائيلي و�أمره بالنزول من ال�سيارة واقتاده بعيداً‬
‫عن ال�سيارة بنحو ع�رشة �أمتار‪ ،‬حيث جل�س �ضابط �آخر خلف من�ضدة‪.‬‬
‫وهناك �رشعوا يف ا�ستجوابه‪ .‬ثم �أخذوه �إىل مكان �آخر‪.‬‬
‫طال غياب قحطان‪ .‬ومرت الدقائق ثقيلة‪ .‬وبعد �ساعة تقريبا عاد‪،‬‬
‫ف�س�ألته عن الأوراق ال�صغرية التي ابتلعها‪ ..‬وملاذا؟ ف�أجاب �أنها كانت‬
‫حتتوي على �أرقام هواتف فرع بغداد حلزب البعث‪ .‬قلت‪ :‬ملاذا ابتلعتها‬
‫وخلقت لنف�سك هذه امل�شكلة؟ �أال تعلم �أن تلك الأرقام لي�ست �رسية‬
‫فهي موجودة يف دليل الهاتف؟ ثم �س�ألته‪ :‬ماذا ح�صل لك التحقيق؟‬
‫ال وهم بانتظار نتيجة الدواء ملعرفة ما يف‬ ‫�أجاب ب�أنهم �أعطوه م�سه ً‬
‫الأوراق من معلومات‪.‬‬
‫وجاء جندي �إ�رسائيلي وبيده �صندوق يحتوي على قناين ع�صري‬
‫الربتقال ليقدمها لنا‪ .‬ورغم حرارة اجلو‪ ،‬فقد رف�ضنا تناول الع�صري‬
‫البارد‪ .‬كيف ن�رشب ع�صري برتقال �إ�رسائيلي‪ .‬و�إ�رسائيل مغت�صبة لأر�ض‬
‫العروبة! البد لنا من موقف نتحدى به الإ�رسائيليني‪� .‬إذن‪ ،‬ال ع�صري‪.‬‬
‫خالل هذه الفرتة الع�صيبة‪� ،‬أنزل الإ�رسائيليون بقية امل�سافرين من‬
‫الن�ساء والأطفال وجمعوا جوازات �سفرنا‪.‬‬
‫بعد �ساعتني تقريبا‪ ،‬طلبوا منا ال�صعود للطائرة‪ .‬ف�صعدنا الواحد تلو‬
‫الآخر‪ .‬وبعد �أن �أخذنا �أماكننا‪� ،‬صعدت �إىل الطائرة املجندة الإ�رسائيلية‬
‫وخلفها ال�ضابط الإ�رسائيلي و�أعادوا �إلينا جوازات ال�سفر‪ .‬ثم وقف‬
‫ال�ضابط و�سط الطائرة وقال بلغة عربية‪� :‬أرجو �أن يت�أكد كل راكب من‬
‫حقيبة يده وحمتوياتها‪ .‬ت�أكدوا جيداً‪ ..‬وال تتهموننا بال�رسقة‪ ..‬نحن‬
‫�آ�سفون للإزعاج‪ ..‬ومع ال�سالمة‪.‬‬
‫هبط ال�ضابط ت�سبقه املجندة‪ .‬وحلقت الطائرة عائدة �إىل بريوت‪.‬‬
‫‪-278-‬‬
‫كانت ال�ساعة الثانية �صباح ُا حني و�صلنا مطار بريوت‪ .‬وما �أن هبطت‬
‫الطائرة‪ ،‬وتوقفت عند م�سافة بعيدة عن مبنى املطار‪ ،‬وبد�أنا بالنزول‪،‬‬
‫حتى وجدت عند �سلم الطائرة ثلة من رجال الأمن يف مقدمتهم مدير‬
‫الأمن اللبناين العقيد انطوان دحداح ومدير الأمن الداخلي ه�شام‬
‫ال�شعار‪� ،‬إ�ضافة �إىل �سفري العراق خالد مكي الها�شمي‪ ،‬والدكتور عبد‬
‫املجيد الرافعي ع�ضو القيادة القومية حلزب البعث‪.‬‬
‫عد�سات التلفزيون‪ ..‬كامريات امل�صورين‪ ..‬عنا�رص كثرية من اجلي�ش‬
‫اللبناين وغريهم �أحاطونا م�ستف�رسين عما ح�صل‪.‬‬
‫و�أ�ستغل الرافعي وج��ود احل�شد الكبري من م�صوري ال�صحف‬
‫والتلفزيون ليلقي كلمة يف تلك ال�ساعة املت�أخرة من الليل مهددا فيها‬
‫�إ�رسائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور‪ .‬وبالن�ضال الذي �سي�ستمر حتى‬
‫املوت!‬
‫ذهبت وعائلتي �إىل �أحد فنادق بريوت لنبيت ليلتنا‪ ،‬والأحرى‬
‫ما تبقى منها من �ساعات‪ .‬وهناك‪ ،‬ات�صل بي هاتفيا من بغداد رئي�س‬
‫اجلمهورية �أحمد ح�سن البكر لالطمئنان علي‪ ،‬وقال مازح ًا كعادته‪:‬‬
‫يبدو �أن الإ�رسائيليني قد �أعادوك ب�رسعة لأنهم ال يريدون تخطيط ًا مركزيا‬
‫القت�صادهم!‬
‫وهكذا انتهت ق�صة االختطاف املثرية كما �شهدتها وع�شتها‪ .‬ويف‬
‫اليوم التايل‪ ،‬غادرت بريوت �إىل بغداد‪ ،‬حيث و�صلتها ع�رصا‪ .‬لتبد�أ‬
‫ق�صة جديدة مع ت�رصيحات رجال ال�سيا�سة وامل�س�ؤولني ال تقل �إثارة‬
‫عن الأوىل‪ ،[1] ‬ملا انطوت عليه من �إ�ضافات �أو مبالغات هي جزء من‬
‫طبيعة العقلية العربية يف تعاملها مع الإعالم‪ ،‬ومن طبيعة الإعالم العربي‬
‫نف�سه‪.[2] ‬‬
‫‪-279-‬‬
‫وقد وجد الإع�لام العراقي يف حادثة االختطاف فر�صة �سانحة‬
‫ال�ستعرا�ض �شعارات البعث ومواقفه من الق�ضية الفل�سطينية‪� ،‬سيما وان‬
‫بيان ًا ر�سمي ًا كان قد �صدر يف �أعقاب احلادث يعلن عن احتفاظ بغداد‬
‫بكامل حقوقها يف الرد على عملية االختطاف‪.[3] ‬‬

‫ال�صلح ي�رصح‬
‫يف ظهرية يوم ‪ 1973/8/10‬وهو اليوم الذي اختطفت يف م�ساءه‬
‫طائرتنا‪ ،‬كان تقي الدين ال�صلح رئي�س وزراء لبنان �آنذاك‪ ،‬قد دعاين على‬
‫الغداء يف فندق ال�سان جورج‪ ،‬وكان معنا على املائدة رغيد ال�صلح ع�ضو‬
‫القيادة القطرية حلزب البعث اللبناين‪ ،‬واملحامي اليا�س الفرزيل‪ .‬كانت‬
‫الدعوة للمجاملة جتاذبنا خاللها �أطراف احلديث و�شجون ال�سيا�سة‬
‫و�ش�ؤون احلياة‪ ،‬م�ستمتعني بروح النكتة التي حتلى بها دوما تقي الدين‪.‬‬
‫و�أذكر �أنني �س�ألت اليا�س �سل�سلة من الأ�سئلة حول عالقته بحزب البعث‬
‫وملاذا ال ينتمي �إليه مثل �أخيه نيقوال؟ وكان جواب اليا�س املعروف‬
‫بظرفه �إن حزب البعث ال يعرتف �إال بالبورجوازية ال�صغرية‪ ،‬ومبا �أنه‬
‫بورجوازي كبري‪ ،‬فهو ال ينتمي �إىل احلزب �إال �إذا اعرتف بالربجوازية‬
‫الكبرية‪.‬‬
‫«احلياة»‪[4] ‬‬ ‫بعد عودتي �إىل بغداد ب�أيام قليلة‪ ،‬قر�أت يف جريدة‬
‫ت�رصيحات لتقي الدين ال�صلح تفيد بان املخابرات اللبنانية كانت وراء‬
‫�إنقاذ جورج حب�ش من امل�صري الذي كان ينتظره يف �إ�رسائيل‪ ،‬وبالرغم‬
‫من هذا االدعاء‪ ،‬وما ادعته الحق ًا �أجهزة �أمن املقاومة الفل�سطينية من‬
‫�أنها كانت على علم م�سبق بنوايا �إ�رسائيل‪� .‬أقول بالرغم من ذلك‪ ،‬ف�إين‬
‫مل �أ�صدق تلك االدعاءات لأمر ب�سيط‪ .‬ذلك �أن ال�سيد حب�ش قد جاء �إىل‬
‫املطار بنف�سه‪ ،‬و�أراد �أن ي�ستقل الطائرة ولكنه مل يجد مقاعد كافية له‬
‫ولرفاقه‪ ،‬وكان هذا املانع هو ال�سبب الوحيد وراء �إلغاء �سفره‪.‬‬
‫‪-280-‬‬
‫وكانت هذه االدعاءات ت�ؤكد يل �أن مطلقي الت�رصيحات مل يتحروا‬
‫عن كيفية ح�صول �إ�رسائيل على املعلومات املتعلقة بتحركات املقاومة‬
‫الفل�سطينية‪ ،‬وبالتايل معرفة موعد �سفر الأمني العام للجبهة ال�شعبية‬
‫لتحرير فل�سطني‪ ،‬لأنني كنت على قناعة بان �إ�رسائيل مل يكن ب�إمكانها‬
‫الإقدام على عملية االختطاف من دون وجود عميل لها داخل �صفوف‬
‫املقاومة‪� ،‬أو يف ال�سفارة العراقية �أو يف مكتب اخلطوط اجلوية العراقية‬
‫يف بريوت‪ .‬عميل على ات�صال باملقاومة الفل�سطينية �أو مع �أ�صدقاء‬
‫املقاومة واملتعاطفني‪ ،‬تثق مبعلوماته لتتحرك ب�رسعة وتهيئ �أجهزتها‬
‫وطائراتها احلربية الختطاف طائرة مدنية و�إجبارها على الهبوط يف‬
‫مطار ع�سكري ووفرت على مدرجه كافة م�ستلزمات «ا�ست�ضافة» ما‬
‫يقارب مائة راكب من �سيارات وع�صري برتقال و�ضباط ا�ستجواب‬
‫وكامريات ت�صوير وعد�سات تلفزيون‪.‬‬

‫كل جا�سو�س �أمري!‬


‫بعد مرور �أكرث من ‪ 16‬عام ًا‪� ،‬صدر يف الواليات املتحدة الأمريكية‬
‫كتاب بعنوان «كل جا�سو�س �أمري» ‪ EVERY SPY A PRINCE‬مل�ؤلفيه‬
‫‪ DAN RAVIV & YOSSI MELMAN‬يبحث يف دور املخابرات‬
‫الإ�رسائيلية وكيفية �إن�شائها وتكويناتها وكذلك يف العمليات التي قامت‬
‫بها تلك الأجهزة يف اخلارج‪.‬‬
‫وي�شري امل�ؤلفان‪ [5] ‬بالتف�صيل �إىل عملية اختطاف طائرتنا وعميلها‬
‫ال��ذي زوده��م باملعلومات‪ .‬وعر�ضا ق�صة االختطاف بتفا�صيلها‬
‫وحيثياتها وكيف جاءت يف �سياق تاريخي حمدد‪ .‬ومما ورد يف الكتاب‪:‬‬
‫«بعد �أن تفككت منظمة التحرير الفل�سطينية نتيجة حلملة‬
‫االغتياالت التي قام بها املو�ساد‪ ،‬اجتهت رغبة املخابرات الإ�رسائيلية‬
‫‪-281-‬‬
‫�إىل ت�صفية عدوها جورج حب�ش الأمني العام للجبهة ال�شعبية لتحرير‬
‫فل�سطني‪ .‬ويف العا�رش من �أغ�سط�س (�آب) ‪ ،1973‬اعرت�ضت طائرات‬
‫حربية طائرة الركاب اللبنانية و�أجربتها على الهبوط يف مطار ع�سكري‪.‬‬
‫اقتيد الركاب فردا فردا �إىل خارج الطائرة للتحقيق‪ .‬لكن مل يكن‬
‫بينهم زعيم �إرهابي (كذا)‪ .‬وقد �أطلق �رساح الركاب‪ .‬وعانت املو�ساد‬
‫من �إحراج �شديد‪.‬‬
‫ويبدو �أن املعلومات عن احتمال وج��ود حب�ش على منت تلك‬
‫الطائرة قد و�صلت �إىل �إ�رسائيل من عميل �إ�رسائيلي يف �صفوف املقاومة‬
‫الفل�سطينية‪ .‬ومل يكن العميل �سوى �سيدة تدعى �أمينة املفتي‪.‬‬
‫ولدت �أمينة املفتي عام ‪ 1935‬يف الأردن لعائلة �رشك�سية م�سلمة‪،‬‬
‫وقد مت ا�ستخدامها يف املخابرات الإ�رسائيلية يف فيينا عام ‪ 1972‬بعد‬
‫�أن وقعت يف غرام طيار �إ�رسائيلي كان يف زيارة للنم�سا الختيار عميل‬
‫عربي وجتنيده للعمل يف �صفوف جهاز املو�ساد‪ .‬وكانت �أمينة املفتي‬
‫�أف�ضل اختيار‪ ،‬خا�صة وان اجلالية ال�رشك�سية املقيمة يف �إ�رسائيل كانت‬
‫تتعاون مع املخابرات الإ�رسائيلية وت�شكل م�صدرا جيدا للمعلومات‪،‬‬
‫نظراً الختالطها امل�ستمر مع اجلالية العربية‪.‬‬
‫لقد قبلت ال�سيدة امل�شار �إليها العمل يف �صفوف املخابرات الإ�رسائيلية‬
‫لأنها‪ ،‬ح�سب ادعاء الكتاب‪ ،‬كانت ت�ضمر حقداً للمقاومة الفل�سطينية‬
‫باعتبارها ال�سبب الرئي�سي يف اندالع الفنت وال�شغب يف منطقة ال�رشق‬
‫الأو�سط‪ .‬هي�أت املخابرات الإ�رسائيلية م�ستلزمات عمل ال�سيدة املفتي‬
‫يف بريوت‪ ،‬حيث انتقلت �إليها مطلع عام ‪.1973‬‬
‫وملا كانت املفتي متتلك خلفية طبية‪ ،‬فقد �ساعدتها املخابرات‬
‫الإ�رسائيلية على فتح عيادة طبية �أ�صبحت مزارا للكثري من الفل�سطينيني‪.‬‬
‫‪-282-‬‬
‫ومن خالل عملها كونت عالقات متينة مع كبار رج��ال املقاومة‬
‫ال عن جميع ما‬ ‫الفل�سطينية‪ .‬ويف كل م�ساء‪ ،‬كانت تعد تقريراً مف�ص ً‬
‫�شاهدته و�سمعته‪ ،‬وترتك تلك التقارير يف املحالت املتفق عليها مع‬
‫املخابرات الإ�رسائيلية‪ .‬وهذه املحالت ت�سمى يف عامل اجلا�سو�سية‬
‫(‪ )Dead Letter Boxes‬مثال ذلك يف تواليت مطعم حمدد‪� ،‬أو يف‬
‫رواق فندق معني‪ .‬كما كانت تقوم ب�إر�سال بع�ض الر�سائل بوا�سطة‬
‫ال�شفرة عن طريق جهاز راديو خا�ص زودتها به املو�ساد‪ .‬وقد ا�ستمر‬
‫عمل �أمينة املفتي مع املخابرات الإ�رسائيلية حتى عام ‪ ،1975‬حيث‬
‫انتبهت لها املقاومة الفل�سطينية ف�ألقت القب�ض عليها‪.‬‬
‫ويدعي امل�ؤلفان‪ ،‬ب�أن التحقيق معها قد جرى من قبل �أف��راد من‬
‫املقاومة واملخابرات ال�سوفيتية ‪ KGB‬وخمابرات �أملانيا ال�رشقية‪ ،‬ملدة‬
‫خم�س �سنوات‪ ،‬حيث بقيت معتقلة يف قبو بالقرب من ميناء �صيدا‪.‬‬
‫وبعد مفاو�ضات طويلة بني ال�صليب الأحمر ال��دويل واملقاومة‬
‫الفل�سطينية‪ ،‬وافقت الأخرية على �إطالق �رساحها وت�سليمها لإ�رسائيل‬
‫مقابل قيام �إ�رسائيل ب�إطالق �رساح اثنني من �أفراد منظمة التحرير اللذين‬
‫كان قد حكم عليهما بال�سجن امل�ؤبد يف �إ�رسائيل‪.‬‬
‫قامت منظمة ال�صليب الأحمر بت�سليم �أمينة املفتي للمو�ساد يف‬
‫قرب�ص‪ ،‬حيث منحتها الأخرية هوية جديدة‪.‬‬

‫]‪ – [1‬يف ال�ساعة الثانية ع�رشة والدقيقة اخلام�سة والأربعني قطع راديو بريوت براجمه و�أذاع‬
‫بيانا ملتحدث ع�سكري لبناين �صادر عن وزارة الدفاع جاء فيه‪« :‬يف ال�ساعة ‪21.45‬من‬
‫م�ساء العا�رش من �آب ‪� ،1973‬أقلعت من مطار بريوت الدويل طائرة كرافيل تابعة ل�رشكة‬
‫طريان ال�رشق الأو�سط م�ؤجرة ل�رشكة اخلطوط اجلوية العراقية‪ ،‬وبعد حلظات ظهرت‬
‫فج�أة طائرتان معاديتان فوق املطار على ارتفاع منخف�ض ف�أطلقت مدفعيتنا امل�ضادة‬

‫‪-283-‬‬
‫النار عليهما‪ .‬وبعد دقائق �أفاد برج املراقبة �أن قائد طائرة الكرافيل �أبلغه �أن الطائرتني قد‬
‫�أ�شارتا �إليه باالجتاه معهما جنوبا‪ .‬ويف الوقت نف�سه‪ ،‬كانت دوريات عدة معادية �أخرى‬
‫حتلق فوق مرجعيون و�صيدا و�صور والدامور وفوق البحر على ارتفاعات متفاوتة‪.‬‬
‫وحني �أقلعت دورية من �سالح دفاعنا اجلوي من مطار القليعات فور و�ضوح الو�ضع‪،‬‬
‫وبعد و�صول دورياتنا �إىل ما فوق مدينة �صور‪ ،‬كانت الدورية اخلاطفة وبقية الدوريات‬
‫املعادية قد اختفت داخل الأرا�ضي املحتلة‪.‬‬

‫]‪ – [2‬تعمدت �أن �أنقل بالتف�صيل ما ن�رش من ت�رصيحات على ل�سان م�س�ؤولني عرب‬
‫ومنهم رئي�س وزراء لبنان �آنذاك تقي الدين ال�صلح‪ ،‬وما كتبته ال�صحافة العربية‬
‫حول عملية االختطاف‪ .‬فقد ن�رشت «احلياة» يف عددها ‪ 8607‬بتاريخ ‪11‬‬
‫�أغ�سط�س (�آب) ‪ 1973‬خرب االختطاف حتت العناوين البارزة التالية‪:‬‬
‫– قر�صنة �إ�رسائيلية يف �سماء بريوت‬
‫– مقاتالت معادية خطفت طائرة ركاب لبنانية �إىل مطار ع�سكري ثم �أعادتها‬
‫بعد تفتي�ش ركابها‬
‫– حب�ش وثالثة من قادة املقاومة �أرج�أوا �سفرهم فج�أة‬
‫– الطائرة كانت م�ؤجرة للعراقيني ومن بني ركابها وزير التخطيط العراقي‬
‫«ارتكبت �إ�رسائيل عملية قر�صنة جوية فوق مطار بريوت‪� ،‬أال �أنها ف�شلت يف حتقيق‬
‫هدفها وهو خطف عدد من قادة املقاومة‪� ،‬إذ �أن بع�ض امل�س�ؤولني يف املقاومة عدلوا‬
‫يف �آخر حلظة عن ال�سفر على منت الطائرة املخطوفة‪.‬‬
‫فقد قامت مقاتالت �إ�رسائيلية م�ساء �أم�س ب�إجبار طائرة ركاب لبنانية م�ؤجرة‬
‫للخطوط اجلوية العراقية على التوجه معها �إىل مطار ع�سكري �إ�رسائيلي‪ ،‬حيث‬
‫فت�ش الركاب من قبل جنود �إ�رسائيليني وملا مل يجدوا الأ�شخا�ص الذين تبحث عنهم‬
‫�إ�رسائيل‪� ،‬أفرج عن الركاب و�سمح للطائرة مبغادرة املطار والعودة �إىل بريوت»‪.‬‬
‫وت�ستمر اجلريدة يف القول‪ :‬ب�أنها علمت �أنه كان �سي�سافر على منت الطائرة الدكتور‬
‫جورج حب�ش الأمني العام للجبهة ال�شعبية لتحرير فل�سطني‪ ،‬وال�سيد �صالح �صالح‬
‫الرجل الثاين يف اجلبهة‪ ،‬على طائرة ال�سابعة والن�صف‪� ،‬إال �أن حب�ش ت�أخر وحدثت‬
‫عملية متويه يف �آخر حلظة فبدل الطائرة ومل ي�سافر‪.‬‬

‫‪-284-‬‬
‫وكان �سي�سافر �أي�ض ًا على نف�س الطائرة‪ ،‬ال�سيد عبد الوهاب الكيايل ع�ضو القيادة‬
‫القومية حلزب البعث العراقي الأمني العام جلبهة التحرير العربية‪ ،‬وزوجة �شبلي‬
‫العي�سمي الأمني العام امل�ساعد حلزب البعث‪ ،‬و�أوالدها‪� .‬إال �أنهم ا�ستقلوا طائرة �أخرى‪.‬‬
‫وتابعت اجلريدة �رسدها لتفا�صيل احلادث فقالت‪« :‬وقد بد�أت الق�صة بعد �إقالع‬
‫طائرة كارافيل تابعة خلطوط طريان ال�رشق الأو�سط م�ؤجرة ل�رشكة اخلطوط‬
‫اجلوية العراقية‪ ،‬من مطار بريوت يف ال�ساعة الثامنة والن�صف م�ساء �أم�س وعلى‬
‫متنها ‪ 83‬راكب ًا معظمهم من العراقيني‪ ،‬بينهم ‪ 14‬يابانيا‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل طاقمها‬
‫امل�ؤلف من ‪ 7‬لبنانيني‪ ،‬ثم عادت للهبوط بعد مدة من �إقالعها ب�سبب وجود‬
‫حمولة زائدة على متنها‪ .‬ويف ال�ساعة التا�سعة والن�صف �أقلعت الطائرة ثانية‬
‫بعد �أن �أفرغت بع�ض �أمتعنها‪ ،‬وتوجهت نحو بغداد‪ .‬ويف هذه الأثناء �شوهدت‬
‫طائرتان حربيتان �إ�رسائيليتان فوق املطار‪ ،‬ف�أطلقت عليها املدفعية امل�ضادة النار‪.‬‬
‫وبعد قليل �أبلغ قائد طائرة الكارافيل برج املراقبة يف املطار �أن الطائرتني �أ�شارتا‬
‫عليه بالتوجه جنوب ًا نحو �إ�رسائيل‪ ،‬فان�صاع لأوامرها حفاظ ًا على حياة الركاب‪.‬‬
‫وكان من بني الركاب وزير التخطيط العراقي الدكتور ها�شم جواد (كذا) الذي‬
‫كان يف زيارة ر�سمية للبنان‪ ،‬واثنان من �أع�ضاء جبهة التحرير العربية التي ي�ؤيدها‬
‫حزب البعث العراقي‪ ،‬هما ر�ضا فرحات وخليل بركات والأخري هو من القيادة‬
‫القومية للحزب‪ .‬وعلم �أن ال�سيد �صالح �صالح امل�س�ؤول الثاين يف اجلبهة ال�شعبية‬
‫لتحرير فل�سطني‪ ،‬بعد ال�سيد جورج حب�ش‪ ،‬والنائب الدكتور عبد املجيد الرافعي‬
‫وال�سيدة ليلى عقيلته‪ ،‬وال�سيد ح�سني عثمان رئي�س بلدية بعلبك ال�سابق وع�ضو‬
‫القيادة القطرية احلزب البعث العراقي‪ ،‬و�أربعة من كبار قادة املقاومة املوجودين‬
‫يف لبنان‪ ،‬كانوا �سي�سافرون على منت الطائرة التي خطفت �إال �أن ت�أخر النائب‬
‫الرافعي عن الو�صول �إىل املطار يف املوعد املحدد �أنقذه مع رفاقه يف �آخر حلظة‪.‬‬
‫وفور ح�صول احلادث‪� ،‬أطف�أت الأنوار يف املطار ملدة من الزمن‪ ،‬و�أنزل الركاب‬
‫من الطائرة التي كانت يف طريقها �إىل الإقالع وتوقفت حركة الإقالع �أو الهبوط‬
‫مدة �ساعتني وربع‪ .‬وقالت م�صادر املطار �أن �سبع طائرات قد ت�أخر �إقالعها‪.‬‬
‫وفور ظهور الطائرتني احلربيتني يف �سماء املطار ا�ستنفرت قوات اجلي�ش القريبة‬
‫منه‪ ،‬وقوات الدرك يف داخله‪ ،‬وح�رض قادة قوى الأمن الداخلي �إىل املطار وبد�أوا‬
‫العمل ب�رسعة ملعرفة وجهة الطائرة املخطوفة‪ .‬كما ح�رض م�س�ؤول يف ال�سفارة‬
‫العراقية و�أبلغ مكتب اجلبهة العربية باحلادث‪ .‬واتخذت قيادة اجلي�ش �إجراءات‬

‫‪-285-‬‬
‫�أمن م�شددة حول املطار وعلى ال�شاطئ اللبناين املمتد مبحاذاته حت�سب ًا لهجوم‬
‫�إ�رسائيلي‪ ،‬ومت االت�صال برئي�س اجلمهورية ورئي�س املجل�س ورئي�س احلكومة‬
‫لإعالمهم باخلطف‪ .‬وعلم �أن الرئي�س ال�صلح كان خارج منزله عند وقوع‬
‫احلادث‪ ،‬وعندما �أبلغ به عاد فورا و�أجرى عدة ات�صاالت مع وزراء الداخلية‬
‫والدفاع واخلارجية و�سفري العراق‪.‬‬
‫كما علم �أي�ضا �أن لبنان قد طلب من مندوبه يف الأمم املتحدة‪ ،‬ال�سيد �أدوار غرة‬
‫تقدمي �شكوى م�ستعجلة �إىل جمل�س الأمن‪ .‬و�أنه �سيتم ا�ستدعاء �سفراء الدول الكربى‬
‫اليوم‪ ،‬وطلب عقد اجتماع عاجل لهيئة الهدنة امل�شرتكة‪.‬‬
‫وقالت وكالة الأنباء الفل�سطينية (وفا) �أم�س �أن طائرة �إ�رسائيلية مرت فوق خميم برج‬
‫الرباجنة القريب من املطار كما علم �أن اللجنة التنفيذية ملنظمة التحرير الفل�سطينية‬
‫عقدت اجتماعا طارئا فور ح�صول احلادث‪ .‬وقد حاولت ال�سلطات الإ�رسائيلية‬
‫نفي وقوع احلادث يف البداية‪ .‬وقال �ضابط م�س�ؤول يف مطار اللد الدويل �أنه ال‬
‫يعرف عن وجود �أية حالة �إنذار هناك‪ .‬لكن عدم �صدور نفي فوري ووجود‬
‫�ضباط كبار للتحدث �إىل ال�صحافيني يف الليلة التي تعترب بدء العطلة الأ�سبوعية يف‬
‫�إ�رسائيل‪ ،‬يوحي ب�أن هناك عملية رئي�سية قيد التنفيذ‪ .‬وبعد ذلك بقليل عاد املتحدث‬
‫الإ�رسائيلي واعرتف بعملية القر�صنة وب�أن الطائرة قد �أجربت على الهبوط يف‬
‫�أحد املطارات الع�سكرية يف �شمال �إ�رسائيل‪ .‬و�أعلن بعدها �إنه مت الت�رصيح لطائرة‬
‫الكارافيل بالإقالع يف ال�ساعة التا�سعة والن�صف م�ساء بعد تفتي�شها والتدقيق يف‬
‫�أوراق الركاب‪ .‬ويبدو �أن الإ�رسائيليني قد �شعروا باخليبة بعد تفتي�ش الطائرة‪،‬‬
‫�إذ �أنهم مل يجدوا فيها من كان من املفرت�ض �أنهم يبحثون عنه‪� .‬إال انه علم �أن‬
‫ال�سلطات الإ�رسائيلية احتجزت �أربعة من ركاب الطائرة‪ .‬وتعد القر�صنة الإ�رسائيلية‬
‫حادثا لي�س له �سابقة يف تاريخ النزاع العربي‪ – ‬الإ�رسائيلي‪ .‬وجتدر الإ�شارة �إىل �أن‬
‫املقاتالت الإ�رسائيلية قد �أ�سقطت يف ‪ 21‬فرباير (�شباط) املا�ضي طائرة من طراز‬
‫بوينغ ‪ 727‬انحرفت عن م�سارها ب�سبب عا�صفة رملية ودخلت املجال اجلوي‬
‫الإ�رسائيلي‪ .‬و�أ�سفر احلادث عن مقتل ‪� 108‬أ�شخا�ص»‪.‬‬
‫وقال بيان �آخر لوكالة الأنباء الفل�سطينية (وفا)‪« :‬قامت �أربع طائرات �صهيونية‬
‫يف ال�ساعة الثامنة و‪ 45‬دقيقة من م�ساء اليوم بالت�صدي لطائرة مدنية من طراز‬
‫كارافيل‪ – ‬طريان ال�رشق الأو�سط‪ – ‬وم�ست�أجرة قبل �ساعات من قبل �رشكة‬
‫الطريان العراقية وذلك ب�سبب ت�أخر طائرة �رشكة اخلطوط اجلوية العراقية القادمة‬

‫‪-286-‬‬
‫من لندن‪ .‬وقد �أمرت ال�سلطات ال�صهيونية الطائرة املدنية فور �إقالعها االمتثال‬
‫لأوامرها و�أجربتها على الهبوط يف مطار حيفا الع�سكري‪.‬‬
‫ويقول �أحد ركاب الطائرة �أن الطائرات ال�صهيونية الأربع قد ظهرت فور‬
‫�إقالع الطائرة وقريبا من بريوت‪ .‬وقد ات�صل قائد الطائرة فور �أن �أمر باالمتثال‬
‫لتوجيهات الطائرات املعادية لربج املراقبة مبطار بريوت الدويل و�أخربه ب�أنه �أمر‬
‫من قبل طائرات جمهولة بالتوجه �إىل جهة غري معروفة‪ .‬وفور هبوط الطائرة يف‬
‫مطار حيفا الع�سكري‪ ،‬اقتحم اجلنود ال�صهاينة الذين كانوا ينتظرون هبوط‬
‫الطائرة �أبواب الطوارئ وهم ي�شهرون ر�شا�شاتهم وطلبوا من اجلميع رفع‬
‫الأيدي فوق ر�ؤو�سهم ثم �أمروا الرجال بالهبوط بينما �أبقوا على الن�ساء حتت‬
‫حرا�سة م�شددة للغاية‪ .‬ولدى هبوط الركاب من رجال على �أر�ض املطار كانت‬
‫هناك �سيارات ع�سكرية بانتظارهم بينما كان عدد من امل�س�ؤولني ال�صهاينة يقف‬
‫قريبا من الطائرة‪ .‬وقد نقل الركاب �إىل �أحد املباين يف املطار وبد�أ بع�ض املحققني‬
‫بالتحقيق معهم‪.‬‬
‫وكان من �ضمن الأ�سئلة التي وجهت �إليهم‪ :‬هل بينكم فل�سطينيون؟ هل تعرف‬
‫فل�سطيني؟ ثم �أ�سئلة �أخرى تتعلق ب�شخ�صيات الركاب و�أعمالهم وعناوينهم‪ ،‬و�سئل‬
‫البع�ض �إذا كانت لهم عالقة باملقاومة الفل�سطينية‪ .‬لكن ال�س�ؤال الذي �أثار انتباه‬
‫الركاب ب�شكل �أكرب هو ما �إذا كانت طائرة عراقية قد �أقلعت من مطار بريوت قبل‬
‫ذلك �أو �أن هناك طائرة عراقية �سوف تقلع بعد ذلك‪ ،‬الأمر الذي �أثار تكهنات ب�أن‬
‫الطائرة املخطوفة رمبا مل تكن هي املق�صودة‪ .‬واما الطائرة املق�صودة فهي عراقية‪.‬‬
‫كان ذلك بيان وكالة االنباء الفل�سطينية كما ن�رشته جريدة (املحرر) اللبنانية يف‬
‫عددها ‪ 3155‬ال�صادر يوم ‪.1973/8/11‬‬
‫وت�ستمر اجلريدة يف �رسد تفا�صيل احلادث على ل�سان بع�ض امل�سافرين على النحو‬
‫التايل‪:‬‬
‫ •قال وزير التخطيط العراقي جواد ها�شم‪ ،‬الذي غادر املطار يرافقه ال�سفري‬
‫العراقي‪� ،‬إن الطائرة �أنزلت يف مطار يعتقد �أنه ع�سكري �إذ �أن مدارجه غري جمهزة‪.‬‬
‫وق�سم الإ�رسائيليون الركاب �إىل ذكور و�إناث ووزعوا كل ثالثة منهم على �سيارة‬
‫�أتوبي�س‪ ،‬وجرى حتقيق مع كل راكب على حدة‪ .‬وقال الوزير العراقي �إن ال�س�ؤال‬
‫الأ�سا�سي كان اال�سم وال�سن واملهنة واجلن�سية‪ .‬وقال ان التحقيق الإ�رسائيلي قد‬

‫‪-287-‬‬
‫حدد هوية كل راكب‪ .‬وكان الركاب يعزلون فور االنتهاء من التحقيق معهم‪.‬‬
‫و�أ�ضاف �إن الإ�رسائيليني عرفوا هويته و�إنه ال ي�ستطيع �أن يحدد فيما بعد �إذا كانوا‬
‫يبحثون عن �شخ�صية فل�سطينية معينة يف الطائرة‪.‬‬
‫ •قال راكب عراقي من �أع�ضاء نقابة معلمي العراق‪� ،‬إن ما مر بنا هذه الليلة كان‬
‫�أمرا ال ي�صدق‪ .‬لقد ولدنا من جديد‪ ،‬ويف بداية الأمر عاملنا الإ�رسائيليون‬
‫بقوة وركزوا حتقيقاتهم علينا وكان وا�ضحا �إنهم يبحثون عن �أ�شخا�ص‬
‫معينني كانوا يعتقدون �أنهم يف الطائرة‪.‬‬
‫ •لوحظ وجود �سيدة عراقية م�صابة بجرح يف جبهتها‪ .‬وقالت �إنها �أ�صيبت‬
‫ب�شظية زجاج خالل تك�سري النافذة من قبل الإ�رسائيليني‪.‬‬
‫ •قال النائب عبد املجيد الرافعي �إن العملية كانت فا�شلة وهي ت�شكل نك�سة‬
‫�إعالمية �ضد �إ�رسائيل‪ .‬وقال �أن الظاهر من خالل التفا�صيل هو �أن �إ�رسائيل‬
‫كانت تق�صد غري الركاب‪.‬‬

‫]‪ – [3‬ن�رشت جريدة «الثورة» يف عددها ‪ 1530‬بتاريخ ‪ 1973/8/12‬تغطية‬


‫�إخبارية حتت العناوين التالية‪:‬‬
‫– ا�ستنكار وا�سع للقر�صنة ال�صهيونية‬
‫– ركاب الطائرة العراقية يروون حادث القر�صنة‬
‫– �إجراءات �إرهابية �ضد الركاب يف املطار ال�صهيوين‬
‫– منظمات الطريان املدين العربية والدولية والأو�ساط الر�سمية وال�شعبية‬
‫ت�ستنكر اجلرمية ال�صهيونية‬
‫وجاء يف التفا�صيل‪� :‬أثارت عملية القر�صنة ال�صهيونية �ضد طائرة الركاب املدنية‬
‫امل�ؤجرة للخطوط اجلوية العراقية حملة ا�ستنكار وا�سعة بني الأو�ساط والهيئات‬
‫الر�سمية وال�شعبية العربية والدولية‪.‬‬
‫و�أ�صدرت منظمات الطريان املدين العربية والدولية و�أو�ساط ر�سمية و�شعبية‬
‫�أخرى بيانات نددت فيها باختطاف طائرات العدو لطائرة الكارافيل املدنية من‬
‫الأجواء اللبنانية �إىل قاعدة ع�سكرية �صهيونية يف الأر�ض املحتلة �أثناء رحلة لها‬
‫من بريوت �إىل بغداد م�ساء اجلمعة املا�ضي وعلى متنها ‪ 74‬راكبا بينهم الدكتور‬

‫‪-288-‬‬
‫جواد ها�شم وزير التخطيط‪� ،‬إ�ضافة �إىل طاقمها امل�ؤلف من ‪� 7‬أ�شخا�ص واحتجازها‬
‫حتى ال�ساعة الواحدة من �صباح يوم ال�سبت‪ .‬وقد �أجرت احلكومة العراقية على‬
‫�أثر احلادث الإجرامي ال�صهيوين‪ ،‬ات�صاالت فورية بال�سكرتري العام للأمم املتحدة‬
‫مطالبة بالتدخل الفوري لإطالق �رساح الطائرة»‪.‬‬
‫وت�ستمر اجلريدة ب�رسد تفا�صيل احلادث كما بثته وكالة الأنباء الفل�سطينية وما رواه‬
‫ركاب الطائرة‪ .‬ويبدو �أن بع�ض الركاب قد �أفا�ض يف تفا�صيل احلادث‪ ،‬بحيث‬
‫�رصحت مواطنة عراقية ب�أنها ر�أت كيف �إن جنديا �إ�رسائيليا �رضب �أحد العراقيني‬
‫ب�أخم�ص �سالحه‪ ،‬وكيف �أن �سيدة �أخرى جرحت وثالثة �أغمي عليها‪� ،‬إىل غري‬
‫ذلك من امل�شاهد املت�صفة بالعنف وال�رضب‪.‬‬
‫ونقلت اجلريدة �أي�ضا الن�ص الكامل لت�رصيح �صادر عن ناطق ر�سمي‪ .‬جاء يف‬
‫�إحدى فقراته‪:‬‬
‫يف الوقت الذي قامت فيه حكومة اجلمهورية العراقية بالإجراءات الفورية الالزمة‬
‫وال�رضورية يف نطاق الأمم املتحدة والوكاالت املتخ�ص�صة واالت�صاالت الدولية‬
‫ملواجهة هذا العمل الإجرامي الذي ي�شكل عدوانا �صارخا وانتهاكا فا�ضحا ملبادئ‬
‫الأمم املتحدة و�أهدافه ولقواعد القانون الدويل و�أعرافه‪ ،‬ف�أنها تعلن احتفاظها‬
‫بكامل حقوقها يف ما �ستتخذه من �إجراءات رادعة لهذا العدوان و�أمثاله من �أعمال‬
‫القر�صنة واال�ستهتار ب�رشعية الأمم املتحدة والقوانني والأعراف الدولية‪ ،‬الأمر‬
‫الذي عر�ض وما يزال يعر�ض للخطر ال �أمن وا�ستقرار املنطقة العربية وح�سب‪،‬‬
‫بل �أمن العامل و�سالمه كذلك‪.‬‬
‫و�أ�سهبت اجلريدة يف �صفحاتها الأخرى يف �رشح حمالت اال�ستنكار العربية‬
‫والدولية‪ ،‬فقالت ب�أن حممود ريا�ض الأمني العام جلامعة الدول العربية قد عقد‬
‫اجتماعا يف مقر اجلامعة وتدار�س «املوقف اخلطري»‪ .‬واتخذ قرارات هامة ب�ش�أن‬
‫�إر�سال برقيات ا�ستنكار �إىل الأمم املتحدة واىل ال�سكرتري العام للمنظمة الدولية‬
‫للطريان املدين مبينا فيها �رضورة اتخاذ �إجراءات رادعة �ضد العدو ال�صهيوين لأن‬
‫ا�ستمرار هذا العدو يف �سيا�سة العدوان واالحتالل والإرهاب‪ ،‬ي�شكل اعتداء على‬
‫م�صالح ال�شعوب وحريات الأفراد و�سالم العامل‪.‬‬

‫]‪ – [4‬ن�رشت جريدة (احلياة) يف عددها املرقم ‪ 8611‬ال�صادر يف ‪1973/8/15‬‬

‫‪-289-‬‬
‫اخلرب التايل حتت عنوان‪« :‬ال�صلح‪ :‬جنحت خمابراتنا‪ ،‬ونحن �أوعزنا حلب�ش بعدم‬
‫�صعود الطائرة» وجاء فيه ما ن�صه‪« :‬خالل امل�أدبة التي �أقامها ال�سيد حبيب املطران‬
‫يف منزله م�ساء �أم�س‪ ،‬جرت الدرد�شة التالية بني الرئي�س تقي الدين ال�صلح والنائب‬
‫�أحمد �أ�سرب حول حادثة خطف الطائرة اللبنانية‪.‬‬
‫قال ال�صلح‪� :‬شفت كيف ا�ستخباراتنا ها ملرة نفعت؟‬
‫�أ�سرب‪ :‬كيف؟‬
‫ال�صلح‪ :‬مني فكرك قال جلورج حب�ش حتى ما يطلع بالطيارة (ثم �أ�شار ب�إ�صبعه‬
‫داللة على �أنه هو الذي �أوعز حلب�ش بذلك)‪.‬‬
‫�أ�سرب‪ :‬طيب وكيف بت�ضحو بالوزير العراقي وتخلوا يطلع بالطيارة؟‬
‫ال�صلح‪ :‬هيدا تخطيط حتى نوهم الإ�رسائيليني �إنو يف �شخ�صيات بالطيارة‬
‫�أ�سرب‪� :‬صار يف مناحة ب�إ�رسائيل وعمال يطالبوا با�ستقالة مو�شي دايان بعد هالعملية‪.‬‬
‫ال�صلح‪ :‬مثل ما طالبوا بلبنان با�ستقالة �صائب بك بعد عملية فردان عمال يطالبوا‬
‫ب�إ�رسائيل با�ستقالة دايان لأنهم اعتربوا عملية الطائرة فردان ثانية ونحن �أخذنا بث�أر‬
‫�صائب بك‪.‬‬
‫ويق�صد ال�صلح بعملية فردان تلك العملية التي قام بتنفيذها بع�ض عنا�رص املخابرات‬
‫الإ�رسائيلية عام ‪ 1970‬وهاجموا خاللها منازل عدد من قادة املقاومة الفل�سطينية‬
‫يف �شارع فردان ببريوت واغتيالهم جميع ًا ومن �ضمنهم ال�شاعر كمال نا�رص‪.‬‬

‫]‪ – [5‬ال�صفحة ‪� 193 – 192‬ضمن الف�صل الثامن من كتاب‪:‬‬


‫‪ EVERY SPY A PRINCE‬مل�ؤلفيه ‪DAN RAVIV & YOSSI MELMAN‬‬

‫‪-290-‬‬
‫الف�صل التا�سع ع�شر‬
‫الزنزانة رقم ‪7‬‬

‫التنمية االنفجارية!‬
‫الزمن يونيو (حزيران) ‪ .1973‬موارد العراق يف ازدياد نتيجة‬
‫ارتفاع �أ�سعار النفط‪.‬‬
‫الوزراء من �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة يت�سابقون يف مفاحتة وزارة‬
‫التخطيط لزيادة املبالغ املخ�ص�صة مل�شاريعهم دون درا�سات للجدوى‬
‫االقت�صادية‪ .‬وعندما ترف�ض ال��وزارة طلبا لهم يلج�ؤون �إىل �إ�صدار‬
‫قرارات من املجل�س‪.‬‬
‫مفهوم التنمية العلمية املتوازنة �أ�صبحت ترافقه مفاهيم جديدة مل‬
‫ال يف قوامي�س االقت�صاد‪.‬‬ ‫�أجد لها مقاب ً‬
‫«التنمية االنفجارية» مفهوم جديد‪ ،‬بل عبارات غري مفهومة يرددها‬
‫بع�ض �أع�ضاء املجل�س يف خطبهم واجتماعاتهم‪ ،‬موجهني التهم للفنيني‬
‫يف وزارة التخطيط‪ .‬و«املتعلمني يف اخلارج» يدعون بان ه�ؤالء يعرقلون‬
‫م�سرية التنمية‪ ..‬التنمية االنفجارية‪‍‍.‬‬
‫يف هذه الفرتة‪ ،‬كان �صدام رئي�سا ملجل�س التخطيط‪ .‬وكنت �أجل أ�‬
‫�إليه ل�صد هذه «الهجمات القيادية» على الوزارة‪ .‬غري �أن بع�ض الوزراء‬
‫‪-291-‬‬
‫يلج�ؤون بدورهم �إىل رئي�س اجلمهورية ليحاولوا مترير مقرتحاتهم‬
‫«التنموية» «االنفجارية»‪.‬‬
‫لقد و�ضعتني هذه الت�رصفات يف و�ضع حمرج جدا‪ .‬ف�إن �شكوت تلك‬
‫الت�رصفات ل�صدام‪ ،‬رمبا �أكون خلقت ح�سا�سيات بينه وبني البكر‪ .‬وان‬
‫�سكت عنها �س�أكون قد �ساهمت يف هذه الفو�ضى االقت�صادية‪.‬‬
‫كانت املوازنة بني هذين االختيارين �صعبة ودقيقة‪ ،‬وحتتاج �إىل جهد‬
‫كبري لتفادي نقاط اخلالف بني البكر و�صدام‪.‬‬
‫ومما زاد يف تعقيد امل�س�ألة‪� ،‬إن جلنة املتابعة ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ‬
‫االتفاقيات التي كان ير�أ�سها �صدام ويدير �ش�ؤونها عدنان احلمداين‬
‫ع�ضو القيادة القطرية بد�أت حت�رص الكثري من ال�صالحيات االقت�صادية‬
‫بيدها بحيث �أ�صبحت امل�شاريع النفطية الكربى‪ ،‬وجميع م�شاريع �رشكة‬
‫النفط الوطنية‪ ،‬و�إحالة املقاوالت الكربى‪ ،‬من اخت�صا�ص تلك اللجنة‪.‬‬
‫ومن خالل موقعه القيادي �أو ًال‪ ،‬وعالقته اخلا�صة ب�صدام ثانيا‪،‬‬
‫بد أ� احلمداين يوجه الفنيني يف وزارتي النفط والتخطيط ويوكل �إليهم‬
‫مهمات ال علم للوزيرين املخت�صني بها وال �سلطان لهما عليهم‪.‬‬
‫كل ذلك دفعني �إىل تقدمي درا�سة مف�صلة �إىل جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬من‬
‫خالل �صدام ح�سني‪ ،‬بعنوان‪« :‬نحو �سيا�سة اقت�صادية جديدة»‪ .‬وقد‬
‫ت�ضمنت تلك الدرا�سة تفا�صيل دقيقة عن الو�ضع االقت�صادي �آنذاك‪،‬‬
‫منبها �إىل خماطر املفهوم اجلديد‪ :‬التنمية االنفجارية‪ ،‬ومبينا �إن التنمية‬
‫احلقيقية يجب �أن ت�سعى �إىل حتقيق �أف�ضل معدل للنمو االقت�صادي‬
‫ولي�س بال�رضورة �أعلى معدل‪ ،‬حمذرا ب�أن ال�سري يف هذا الطريق الع�شوائي‬
‫ال�رسيع قد يجر البالد‪ ،‬يف غ�ضون ال�سنوات الع�رش القادمة‪� ،‬إىل مواجهة‬
‫معدالت عالية للت�ضخم االقت�صادي وارتفاع الأ�سعار‪ ،‬وقد ي�ؤدي ذلك‪،‬‬
‫‪-292-‬‬
‫�إىل اختالل يف التوازن االقت�صادي‪� .‬إىل غري ذلك من مبادئ االقت�صاد‬
‫املعروفة‪.‬‬
‫در�س جمل�س قيادة الثورة ذلك التقرير‪� – ‬أو هكذا قيل‪ – ‬و�أحيل‬
‫�إىل القيادة القطرية وجهات نظر حزبية �أخرى‪ .‬ومل �أ�سمع عنه �شيئا‬
‫بعد ذلك‪ .‬بينما ا�ستمر احلال يف طريق التنمية االنفجارية‪ .‬وعندما عيل‬
‫�صربي ومل �أعد �أحتمل ال�ضغوط النف�سية‪ ،‬ذهبت �إىل �صدام ح�سني‬
‫لأخربه ب�أن �أف�ضل �شيء‪ ،‬يف هذه املرحلة‪ ،‬هو تعيني �أحد �أع�ضاء القيادة‬
‫القطرية وزيرا للتخطيط وتعييني‪� – ‬إن رغب هو بذلك‪� – ‬سفريا خارج‬
‫العراق‪ ،‬لأ�سباب عائلية‪.‬‬

‫وزير خارجية مع وقف التنفيذ‬


‫الزمن نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ :1974‬يف احلادي ع�رش من هذا‬
‫ال�شهر وال�ساعة تقارب احلادية ع�رشة �صباحا‪ ،‬و�أن��ا منهمك يف‬
‫مفاو�ضات مع بعثة من البنك الدويل‪ ،‬و�إذا بالهاتف احلكومي يرن‪ .‬مل‬
‫�أجب يف بادئ الأمر‪ .‬ا�ستمر جر�س الهاتف يرن ويرن ويرن‪ .‬التقطت‬
‫�سماعة الهاتف‪ .‬املتحدث على الطرف الآخر هو �أمني �رس جمل�س قيادة‬
‫الثورة‪� ،‬شفيق الدراجي يطلب مني التوجه فورا �إىل الق�رص اجلمهوري‬
‫لأمر هام‪.‬‬
‫�أنهيت اجتماعي مع البعثة‪ ،‬وتوجهت �إىل الق�رص اجلمهوري‪ ،‬حيث‬
‫التقاين الدراجي مبت�سم ًا ويقول باحلرف الواحد‪� :‬أه ً‬
‫ال بوزير اخلارجية‬
‫اجلديد‪.‬‬
‫– ماذا تقول يا �شفيق‪� ..‬س�ألته و�أنا �أحاول �إخفاء ارتياحي لهذا اخلرب‬
‫الذي لو �صدق لكان فيه حل لل�ضغوط النف�سية التي كنت �أعاين منها يف‬
‫عالقتي كوزير للتخطيط مع بع�ض �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة من الوزراء‪.‬‬
‫‪-293-‬‬
‫مل يك�شف الدراجي كثرياً عما يعرفه‪ ،‬بل �أ�شار يل وبطريقته اخلا�صة‬
‫يف الأدب اجلم‪ ،‬ب�أن جمل�س قيادة الثورة قد عقد اجتماع ًا مطوال م�ساء‬
‫اليوم ال�سابق و�صباح هذا اليوم واتخذ ع��ددا من القرارات ذات‬
‫الأهمية الق�صوى‪ ،‬ومنها قرار �إجراء تعديل وزاري �شامل �سيذاع يف‬
‫امل�ساء‪ ،‬ولكيال يفاج�أ الوزراء ممن ي�شملهم التعديل الوزاري‪ ،‬ها �أنا �أقوم‬
‫ب�إبالغهم على غري عاداتنا ال�سابقة‪ ،‬حيث كان الوزراء يفاجئون بتغري‬
‫مواقعهم �أو �إعفائهم منها دون علم م�سبق‪.‬‬
‫وا�ستطرد الدراجي قائ ً‬
‫ال‪� :‬أن من �ش�أن القرارات اجلديدة �إعادة تنظيم‬
‫«�ضوابط الدولة ومفاتيحها» مع حتديد وا�ضح ل�صالحيات الوزراء‬
‫و�صالحيات رئي�س و�أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫بعد «ا�سرتاحة» ق�صرية يف مكتب �أمني �رس جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬عدت‬
‫�إىل وزارة التخطيط‪ .‬كانت ال�ساعة قد قاربت الواحدة بعد الظهر‪ ،‬ومل‬
‫يبق من �ساعات الدوام الر�سمي �سوى �ساعة واحدة‪� .‬سارعت فيها �إىل‬
‫عقد اجتماع مع كبار موظفي الوزارة لأعلمهم ب�أين �س�أعني يف «موقع‬
‫�آخر» يف القريب العاجل‪ ،‬دون �إخبارهم �أن املوقع هو وزارة اخلارجية‪.‬‬
‫بعد ذلك ب��د�أت جمع �أوراق��ي وت�صفية املعامالت املتبقية على‬
‫مكتبي‪ .‬وعند ال�ساعة الثانية بعد الظهر تقريب ًا رن جر�س الهاتف‬
‫احلكومي‪ .‬رفعت ال�سماعة‪ .‬كان املتحدث يحيى يا�سني رئي�س ديوان‬
‫رئا�سة اجلمهورية وامل�س�ؤول عن �صياغة املرا�سيم اجلمهورية‪.‬‬
‫– دكتور‪ ..‬يف ال�ساعة الثامنة من م�ساء اليوم �ستذاع مرا�سيم‬
‫جمهورية من �ش�أنها تغيري مواقع امل�س�ؤولية لبع�ض ال��وزراء‪ .‬موقعك‬
‫�سيتغري‪ ..‬وقد طلب مني رئي�س اجلمهورية �إبالغك حتى ال تفاج�أ‬
‫بالتغري‪.‬‬
‫‪-294-‬‬
‫�شكرته على �إعالمي اخلرب‪ ،‬ومل �أقل له �شيئا عن حديثي مع �أمني �رس‬
‫جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫بقيت يف مكتبي حتى الرابعة بعد الظهر حتى �أنهيت جميع‬
‫املعامالت وغادرت �إىل منزيل منتظرا �إذاعة املر�سوم اجلمهوري بتعييني‬
‫وزيراً للخارجية‪.‬‬
‫كنت �أعتقد �أن املن�صب اجلديد هو اخلطوة الأوىل نحو ال�سفارة‪،‬‬
‫فقد �سبقني يف ذلك وزراء اخلارجية‪ ،‬فعبد الكرمي ال�شيخلي �أ�صبح ممثال‬
‫للعراق يف الأمم املتحدة‪ .‬ومرت�ضى �سعيد عبد الباقي عني �سفريا لدى‬
‫�أ�سبانيا‪.‬‬
‫يف ال�ساعة الثامنة م�ساء �أذيعت املرا�سيم اجلمهورية‪ .‬تعديل وزاري‬
‫كبري وتغيري يف مواقع امل�س�ؤولية مع �إ�سناد وزارات مهمة لأع�ضاء من‬
‫جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫مل يكن �أ�سمي بني ال��وزراء اجل��دد‪ ،‬بل �أعفيت من من�صب وزير‬
‫التخطيط وعينت ع�ضوا يف جمل�س التخطيط مع احتفاظي مبن�صبي‬
‫كم�ست�شار يف جمل�س قيادة الثورة (مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية)‪ .‬ومل‬
‫�أعني �سفريا كما كان االتفاق مع �صدام ح�سني‪.‬‬
‫بعد �أ�سبوعني من مبا�رشتي يف وظيفتي اجلديدة دعاين �شفيق الدراجي‬
‫على الع�شاء يف منزله‪ ،‬كنا لوحدنا‪ ،‬ويف تلك اخللوة �رشح يل املالب�سات‬
‫التي رافقت تعييني يف من�صبي اجلديد كع�ضو يف جمل�س التخطيط بدال من‬
‫وزارة اخلارجية‪ ،‬وقال �أن البكر كان قد اقرتح تعييني وزيرا للخارجية‬
‫و�إ�سناد وزارة التخطيط وكالة للدكتور �سعدون حمادي مع ابقائه وزيرا‬
‫للنفط ورئي�سا ل�رشكة النفط الوطنية‪ .‬ح�صلت موافقة �صدام على ذلك‪،‬‬
‫و�سجل ذلك مع قرارات �أخرى يف حم�رض اجتماع جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫‪-295-‬‬
‫ويبدو �أن ترتيبا �آخر ملوقع امل�س�ؤول قد ح�صل بعد اجتماع ثنائي بني‬
‫البكر و�صدام يف ال�ساعة اخلام�سة من بعد ظهر يوم ‪ 11‬نوفمرب (ت�رشين‬
‫الثاين) ‪ ،1974‬ومل يعلم بذلك‪� ،‬أي �شفيق‪� ،‬إال بعد �إذاعة املرا�سيم‬
‫اجلمهورية من الإذاعة‪.‬‬
‫وا�سرت�سل �شفيق يف حتليله لأ�سباب هذا التبدل املفاجئ ليعزوها �إىل‬
‫رغبة �صدام ح�سني يف ال�سيطرة الكاملة على القطاع النفطي والتخل�ص‬
‫من �سعدون حمادي الذي كان يعترب من العنا�رص امل�شاك�سة �أوال واملوالية‬
‫للبكر ثانيا‪ .‬وكذلك ت�شديد قب�ضته على كامل القطاع االقت�صادي عن‬
‫طريق تعيني �صديقه «املخل�ص» عدنان احلمداين وزيرا للتخطيط مع ابقائه‬
‫�سكرترياً عام ًا للجنة املتابعة ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ االتفاقيات‪ .‬وبتعبري‬
‫�آخر‪ ،‬جاءت الت�شكيلة الوزارية اجلديدة تلبية لرغبات �صدام ح�سني يف‬
‫زرع املوالني له يف املنا�صب واملفاتيح الأ�سا�سية للدولة‪ ،‬كخطوة �أوىل من‬
‫خطوات تخطيطه بعيد املدى يف حتقيق ثالثة �أهداف هامة‪:‬‬
‫الهدف الأول‪� ،‬إكمال ال�سيطرة تدريجي ًا على العراق ب�أجمعه دون‬
‫منازع �أو رقيب‪.‬‬
‫الهدف الثاين‪ ،‬التخل�ص من البكر بحجة تخفيف العبء عنه يف‬
‫�إدارة �ش�ؤون الدولة‪.‬‬
‫�أما الهدف الثالث فهو التخل�ص من �أع�ضاء القيادة القطرية من‬
‫احلزبيني القدامى وذلك ب�إ�سناد منا�صب وزارية لهم ين�شغلون بها مع‬
‫احتمال ارتكابهم �أخطاء يف عملهم �أو ا�ستغالل نفوذهم مما ميهد الطريق‬
‫للتخل�ص منهم ب�سهولة‪ ،‬كما ح�صل فعال مع الدكتور عزت م�صطفى‪،‬‬
‫تايه عبد الكرمي‪ ،‬نعيم حداد‪ ،‬عبد اهلل �سلوم ال�سامرائي‪� ،‬سعدون �شاكر‬
‫و�آخرين كثريين‪.‬‬
‫‪-296-‬‬
‫مركز اتخاذ القرار‬
‫يف اليوم التايل للتغيري ال��وزاري‪� ،‬أي ‪ 12‬نوفمرب (ت�رشين الثاين)‪،‬‬
‫با�رشت عملي يف مبنى املجل�س الوطني يف غرفة جماورة ملكتب �صدام‬
‫ح�سني‪.‬‬
‫ومل �أعرت�ض على هذا التعيني‪ ،‬بل مل يكن بالإمكان االعرتا�ض‪ .‬كيف‬
‫يعرت�ض �أي �إن�سان على تعيني �أقرته القيادة‪ .‬التعيني الذي تن�سبه القيادة‬
‫�أمر نهائي وال اعرتا�ض عليه‪.‬‬
‫بعد �أيام ا�ستدعاين �صدام �إىل مكتبه ليقول‪:‬‬
‫– دكتور تعيينك �سفريا مل يبحث يف القيادة‪� ..‬أنت الآن م�ست�شار‬
‫يل‪ ..‬جتل�س هنا بالقرب من مكتبي‪ ..‬و�أنت تعرف جيدا �أين هو مركز‬
‫القيادة‪ ..‬ومركز اتخاذ القرار‪ ..‬ال�سفارة لي�ست مهمة‪ ..‬ولكن �إذا كنت‬
‫راغبا يف ذلك‪ ،‬خالفا لرغبتي‪ ،‬ف�س�أنظر يف ذلك م�ستقبال‪ ..‬وباملنا�سبة‪،‬‬
‫�أية �سفارة يف ذهنك؟‬
‫– جنيف‪ ..‬يا �سيادة النائب‪..‬هذه لي�ست �سفارة‪ ،‬بل ممثلية العراق‬
‫يف الأمم املتحدة وال حتتاج �إىل موافقة احلكومة ال�سوي�رسية‪.‬‬
‫خرجت من مكتب �صدام بعد �أن وعدين يف النظر بالأمر‪ ،‬وا�ستمزاج‬
‫ر�أي البكر‪.‬‬
‫م�ضت �ستة �شهور‪ .‬ومل �أ�سمع عن �سفارة جنيف �أي �شيء‪ .‬وم�ضت‬
‫�ستة �شهور �أخرى ومل �أ�سمع من �صدام �إن كان قد «ا�ستمزج» ر�أي البكر‬
‫يف املو�ضوع‪.‬‬
‫وجاء عام ‪ .1976‬وم�ضت منه عدة �شهور‪ ...‬ويف ظهرية �أحد الأيام‬
‫ات�صل بي عدنان احلمداين ليخربين ب�أن «ال�سيد النائب» فاحت الرئي�س‬
‫‪-297-‬‬
‫البكر حول مو�ضوع تعييني يف جنيف‪ ،‬غري �أن الرئي�س مل يوافق وعني‬
‫زوج ابنته منذر املطلك يف ذلك املن�صب‪ .‬لذلك فالأف�ضل اال�ستمرار يف‬
‫عملي م�ست�شارا يف جمل�س قيادة الثورة ويف جمل�س التخطيط لفرتة‪.‬‬
‫وهكذا كان دوام يومي‪ ،‬درا�سات عديدة‪ ،‬مقرتحات متفرقة يف‬
‫جو وظيفي خانق‪ .‬و�إجراءات �أمنية م�شددة يف مبنى املجل�س الوطني‪،‬‬
‫حيث مكتب �صدام ومكاتب �أخرى مثل مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‬
‫ومكتب ال�ش�ؤون القانونية و�سكرتارية جلنة املتابعة ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ‬
‫االتفاقيات‪.‬‬

‫الإجراءات تزداد �شدة يوما بعد يوم‬


‫يف هذا الوقت كان الدكتور فوزي القي�سي وزيراً للمالية‪ .‬وكانت‬
‫تربطني به عالقة �صداقة تعود �إىل �أع��وام درا�ستي يف كلية التجارة‬
‫واالقت�صاد‪ .‬وقد توطدت تلك العالقة منذ الأيام الأوىل ال�ستيزاري عام‬
‫‪ .1968‬وعندما الحظ الدكتور القي�سي عدم ارتياحي من العمل يف‬
‫جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬اقرتح علي وظيفة خارج العراق هي رئي�س �صندوق‬
‫النقد العربي يف �أبو ظبي‪.‬‬
‫ترددت بع�ض ال�شيء لأ�سباب عديدة �أهمها �إن مقر ال�صندوق يف‬
‫مدينة ال تتوفر فيها و�سائل الدرا�سة لأبنائي‪ ،‬ولي�ست فيها حياة ثقافية‪.‬‬
‫ثم �أن ال�صندوق مل يكن قد �أ�س�س بعد‪ ،‬فلي�س فيه مكاتب وال موظفون‪.‬‬
‫جمرد اتفاقية عربية لإن�شاء ال�صندوق‪ ،‬وعلى ال�شخ�ص الذي يعني رئي�سا‬
‫له القيام بت�أ�سي�س ال�صندوق من نقطة ال�صفر يف مدينة باهظة التكاليف‬
‫وتفتقر �إىل الكفاءات والكوادر الفنية‪.‬‬
‫ولكن الدكتور القي�سي‪ ،‬ب�شخ�صيته املحببة ا�ستطاع �إقناعي بقبول‬
‫املن�صب من حيث املبد�أ‪ ،‬بل ن�صحني بقبوله قائ ً‬
‫ال ب�أن من ال�رضوري‬
‫‪-298-‬‬
‫االبتعاد عن العراق فرتة من الزمن ملا بيني وبني بع�ض �أع�ضاء القيادة‪،‬‬
‫وبالأخ�ص طه اجلزراوي وحكمت العزاوي وزير االقت�صاد �آنذاك من‬
‫ح�سا�سيات‪ .‬فقبلت الفكرة‪ .‬ومت تر�شيحي للمن�صب‪ ،‬ووافق جمل�س‬
‫قيادة الثورة على ذلك‪.‬‬
‫وقبل �أن �أغادر العراق يوم ‪ 6‬مايو (�أيار) ‪ ،1977‬ملتحق ًا بعملي يف‬
‫رئا�سة �صندوق النقد العربي يف �أبو ظبي‪ ،‬ذهبت لتوديع �صدام ح�سني‬
‫واال�ستماع منه اىل ما يريده من امل�ؤ�س�سة االقت�صادية العربية الوليدة‬
‫والدولة التي ت�ست�ضيفها‪ .‬كانت ن�صائح �صدام يل وو�صاياه تكاد تنح�رص‬
‫يف جملة واحدة‪ :‬علي �أن �أنظر للم�س�ؤولني االماراتيني من فوق‪� ،‬أي‬
‫نظرة متعالية ت�ؤكد �شموخ العراق!‍‍دون اعتبار اىل �أن ه�ؤالء امل�س�ؤولني‬
‫هم �أ�شقاء قبل كل �شيء‪.‬‬

‫دعوة للموت‬
‫بعد �سنتني تقريباً‪ ،‬وعلى وج��ه التحديد �صباح ال�سبت‬
‫‪� 1979/7/17‬أذاع راديو الإمارات �أخبارا خطرية عن �إجراء تغيريات‬
‫يف القيادة العراقية‪� :‬أحمد ح�سن البكر ي�ستقيل لأ�سباب �صحية‪� .‬صدام‬
‫ح�سني يعني رئي�سا ملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬رئي�سا للجمهورية‪ ،‬رئي�سا‬
‫للوزراء‪� ،‬أمينا عاما للقيادة القطرية حلزب البعث‪ ،‬قائدا عاما للقوات‬
‫امل�سلحة‪ ،‬و�سل�سلة �أخرى من التعيينات‪ .‬ويف يوم ‪ ،29‬ويف ال�ساعة‬
‫العا�رشة �صباحا‪ ،‬و�أنا يف مكتبي يف ال�صندوق‪ ،‬دخلت ال�سكرترية‬
‫لتقول ب�أن �شخ�صا من ال�سفارة العراقية يف �أبو ظبي يريد مقابلتي لأمر‬
‫عاجل‪ .‬ومل يكن ذلك ال�شخ�ص �سوى م�س�ؤول املخابرات العراقية‬
‫يف ال�سفارة‪ .‬جاء ليخربين ب�أنه ت�سلم برقية من بغداد تقول ب�أن ال�سيد‬
‫الرئي�س يدعوين لزيارة بغداد لال�ست�شارة يف بع�ض الأمور االقت�صادية‪.‬‬
‫لذلك ف�إنه يريد �إبالغي مب�ضمون تلك الربقية وحتديد موعد �سفري‪.‬‬
‫‪-299-‬‬
‫�شكرته ورددت عليه ب�أنني �س�أت�صل هاتفيا بالرئي�س لأعرف منه حقيقة‬
‫الأمر‪.‬‬
‫بقيت برهة �أت�ساءل مع نف�سي‪ .‬ملاذا هذه الدعوة املفاجئة‪� .‬أحقا هي‬
‫برقية من رئي�س اجلمهورية‪� ،‬أم من رئي�س املخابرات برزان التكريتي؟‬
‫ثم �إذا كان رئي�س اجلمهورية هو الذي يدعوين‪ ،‬فلماذا مل ي�أت الإ�شعار‬
‫الربقي من وزارة اخلارجية �إىل ال�سفري العراقي؟‬
‫ت�سا�ؤالت عديدة وهواج�س كثرية من هذه الدعوة‪ .‬ملاذا؟ ل�ست‬
‫�أدري‪ .‬ولكني �شعرت ب�أن الأمر غري طبيعي‪ .‬وعليه ال بد من االت�صال‬
‫ب�صدام ح�سني �شخ�صيا‪ .‬ات�صلت بالق�رص اجلمهوري ببغداد‪ ،‬فقيل يل‬
‫�أن الرئي�س غري موجود‪ ،‬وحولت املكاملة �إىل برزان التكريتي‪ .‬الذي‬
‫كان يف منتهى الرقة يف �سالمه ورده‪ .‬وعندما �أ�رشت اللتزاماتي الر�سمية‬
‫و�ضيق الوقت‪ ،‬رد برزان بكل جماملة‪�« :‬أخذ وقتك يف العودة»‪.‬‬
‫على الرغم من جماملة ب��رزان‪ ،‬مل يطمئن قلبي‪ .‬املجامالت هي‬
‫للتطمني‪ ،‬وهي �أ�سلوب متعارف عليه يف دوائر املخابرات‪.‬‬
‫ومل مت�ض �سوى �أ�سابيع قليلة على ذلك االت�صال‪ ،‬و�إذا بوكاالت الأنباء‬
‫تنقل �أخبار �سل�سلة الت�صفيات التي جرت يف بغداد يوم ‪.1979/8/21‬‬
‫حيث �أعدمت جمموعة من �أع�ضاء القيادة القطرية من بينهم عدنان‬
‫احلمداين و�أ�صدقاء له ووزراء ومدراء عامون عملوا معه‪ ،‬بتهمة الت�آمر‬
‫على حياة �صدام ح�سني‪.‬‬
‫�سمعت هذا اخلرب‪ ،‬و�أنا يف لندن اق�ضي �إجازة ال�صيف‪ .‬وحمدت‬
‫اهلل �أنني مل �أذهب يف حينه لبغداد تلبية لـ‪« ‬دعوة» الرئي�س! غري �أن‬
‫قلقي �أخذ يف االزدياد‪ .‬وعادت الت�سا�ؤالت يف خميلتي مرة �أخرى‪ .‬هل‬
‫�أتوجه �إىل بغداد يف هذا اجلو امل�شحون؟ �أم �أنتظر فرتة؟ ويف خ�ضم هذه‬
‫‪-300-‬‬
‫الت�سا�ؤالت قررت االت�صال بالدكتور فوزي القي�سي وزير املالية وكان‬
‫وقتها يف باري�س للمعاجلة لأ�ست�شريه ولأتبني منه ما �إذا كان على علم‬
‫بدعوة الرئي�س يل‪.‬‬
‫كان رد الدكتور القي�سي بعد �أن �أعلمته بالأمر «ه�ؤالء قد ي�ضمرون‬
‫ال‪�« :‬إذا مل يكن عندك ما تخافه‪ ،‬فتوجه �إىل بغداد‬ ‫لك �رشاً» وا�ستمر قائ ً‬
‫لأن عدم ذهابك قد يف�رس ب�أنك تتخذ مواقف معادية من العهد اجلديد‪،‬‬
‫وقد ي�ؤدي ذلك �إىل �إلغاء تعيينك يف �صندوق النقد العربي مما يعني �أما‬
‫العودة �إىل بغداد �أو اللجوء �إىل بلد �آخر»‪.‬‬
‫بعد ذلك ب�أ�سبوعني‪ ،‬غادرت لندن �إىل بلغراد حل�ضور االجتماع‬
‫ال�سنوي ل�صندوق النقد الدويل وعلى �أمل لقاء الدكتور القي�سي لبحث‬
‫م�س�ألة �سفري لبغداد ب�شكل �أكرث تف�صيال‪.‬‬
‫ومل ي�أت الدكتور القي�سي حيث توفاه الأجل يف امل�ست�شفى بباري�س‪.‬‬
‫عدت �إىل �أبو ظبي يف �أواخر �سبتمرب (�أيلول) ‪ ،1979‬ومل مي�ض على‬
‫العودة ب�ضعة �أيام و�إذا مب�س�ؤول املخابرات العراقية يزورين‪ ،‬كعادته‪ ،‬على‬
‫غري موعد لي�ستف�رس عن موعد زيارتي لبغداد‪ ،‬مما دفعني �إىل حتديد الثامن‬
‫ع�رش من �أكتوبر (ت�رشين الأول) موعدا للزيارة‪.‬‬
‫وك�إجراء اح�ترازي‪ ،‬جعلت من زيارتي �إىل بغداد وك�أنها مهمة‬
‫ر�سمية‪ .‬ف�شكلت وفداً من �أع�ضاء ال�صندوق مل�صاحبتي‪� .‬إذ قلت لنف�سي‬
‫�إنه من ال�صعب اعتقايل و�أنا رئي�س وفد ر�سمي‪� .‬أو على الأقل يف حالة‬
‫اعتقايل‪� ،‬سيكون اخلرب معروف ًا وي�صعب �إخفا�ؤه‪.‬‬
‫يف يوم اخلمي�س ‪ 1979/10/18‬توجهت مع الوفد �إىل مطار‬
‫�أبو ظبي‪ ،‬وكان ال�سفري العراقي حممد جا�سم الأمني ومعه م�س�ؤول‬
‫‪-301-‬‬
‫املخابرات العراقية‪ ،‬ينتظران يف �صالة التوديع‪ ،‬وك�أنهما يريدان الت�أكد‬
‫من �أنني �س�أغادر فع ً‬
‫ال �إىل بغداد ولي�س �إىل جهة �أخرى‪.‬‬
‫جل�سنا يف ال�صالة نتحدث بانتظار موعد الإقالع‪ .‬وهنا جاء موظف‬
‫الت�رشيفات ليقول ب�أين مطلوب على الهاتف‪ .‬كان املتحدث ولدي‬
‫عمر‪ ،‬ومل يكن قد بلغ الثامنة من عمره‪ ،‬يريد توديعي وليحذرين يف‬
‫ذات الوقت من ال�سفر لأنه قد �شاهد حلم ًا يف الليلة ال�سابقة‪.‬‬
‫– �س�ألته مب حلمت يا عمر؟ قال‪ :‬حلمت �أنك مبجرد و�صولك �إىل‬
‫بغداد ف�إن �صدام ح�سني �سيقتلك بالر�شا�شة! وبد أ� عمر يتو�سل �أن �أ�ؤجل‬
‫�سفري ويحذر منه‪.‬‬
‫و�أقولها �رصاحة‪� ،‬أنه لوال احلياء‪ ،‬ولوال وجود الوفد‪ ،‬لكنت قد‬
‫�ألغيت ال�سفر‪ .‬ولكن‪ ،‬مع ذلك طم�أنت عمر وودعته‪ .‬و�أقلعت الطائرة‪.‬‬
‫يف مطار بغداد وجدت يف ا�ستقبايل وزير املالية ثامر رزوقي ال�شيخلي‬
‫وحمافظ البنك املركزي العراقي ح�سن النجفي وثالثة �شبان �آخرين مل‬
‫�أعرفهم وكان ما مييزهم �شواربهم املهدلة! ويف �صالة اال�ستقبال‪ ،‬اقرتب‬
‫مني �أحدهم ليقول‪ :‬دكتور‪ ..‬خ�ص�صت لكم ب�أمر من الأ�ستاذ برزان‬
‫�سيارة خا�صة �إ�ضافة �إىل ال�سيارة التي خ�ص�صها وزير املالية‪.‬‬
‫وبادرت ال�سيد رزوقي‪ ،‬ا�ستف�رس منه عن �سبب دعوتي‪ ،‬و�إذا كان‬
‫يعرف ماذا وراءها‪ .‬وكم كانت خيبة �أملي كبرية عندما قال ب�أنه يجهل‬
‫الدعوة وما وراء الدعوة‪.‬‬
‫ومن املطار اجتهنا �إىل فندق بغداد �ضيوف ًا على احلكومة العراقية‪.‬‬
‫كان يوم و�صولنا يوم اخلمي�س‪ ،‬لذلك فقد اتفقت مع وزير املالية‬
‫على زيارته �صباح يوم ال�سبت يف مكتبه‪ .‬ومن هناك ات�صلت بربزان‬
‫‪-302-‬‬
‫التكريتي رئي�س جهاز املخابرات لأعلمه بوجودي ولأ�شكره على‬
‫تخ�صي�ص �سيارة خا�صة يل ولأ�ستفهم عن موعد مقابلة �صدام ح�سني‬
‫لتقدمي امل�شورة التي ا�ستدعيت من �أجلها‪ ،‬لأنني �أريد العودة وب�رسعة �إىل‬
‫�أبو ظبي حل�ضور اجتماعات جمل�س �إدارة ال�صندوق‪.‬‬
‫وب�شيء من االعتذار قال برزان‪ :‬دكتور‪� ..‬أن بقاءك يف بغداد يجب‬
‫�أن ي�ستمر �إىل حني انتهاء الأمور املطلوبة!‬
‫وهنا ر�أيتني �أت�ساءل‪ .‬ولكن ما هي الأم��ور املطلوبة؟ ومل �أ�سمع‬
‫اجلواب‪.‬‬
‫وكما تق�ضي التقاليد‪ ،‬توجهت �إىل الق�رص اجلمهوري للتوقيع يف‬
‫�سجل الزيارات‪ .‬و�أنا �أحدث نف�سي كم م�س�ؤول عراقي وقع يف هذا‬
‫الدفرت‪ ...‬ليقع يف فخ املخابرات وينتهي به الأمر �إىل ال�سجن �أو الإعدام؟‬
‫كذلك التقيت بحامد حمادي‪ ،‬ال�سكرتري ال�شخ�صي ل�صدام ح�سني‪.‬‬
‫وقدمت له بع�ض الهدايا التي كنت قد جلبتها ل�صدام‪� :‬ساعة يدوية‪،‬‬
‫وب�ضعة �أربطة عنق من ماركة «ليونارد» املف�ضلة لديه‪ .‬ثم ا�ستف�رست منه‬
‫عن موعد مقابلتي لرئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫بدا اال�ستغراب على حامد‪� :‬أي موعد‪ ..‬مل يحدد لك موعد‪..‬‬
‫الرئي�س م�شغول طوال الأيام الع�رشة القادمة‪ .‬كما �أو�ضح يل حامد ب�أنه‬
‫ك�سكرتري ل�صدام ال علم له حول م�س�ألة ا�ستدعائي للم�شورة‪.‬‬
‫�أكدت له ب�أن قدومي �إىل بغداد هو بناء على برقية من «الرئي�س»‬
‫و�صلت �إىل م�س�ؤول املخابرات يف �سفارتنا يف �أبو ظبي‪.‬‬
‫ولكن �أي رئي�س؟ �س�أل حامد‪ .‬قد يكن املق�صود رئي�س املخابرات!‬
‫‪-303-‬‬
‫وهنا زاد يقيني ب�أن �أمراً ما قد دبر‪ .‬وقد وقعت يف فخ املخابرات‪.‬‬
‫غادرت الق�رص اجلمهوري‪ .‬كانت ال�ساعة قد قاربت الثانية ظهراً‪،‬‬
‫وتوجهت حيث �أقام وزير املالية وحمافظ البنك املركزي دعوة غداء يل‬
‫والوفد املرافق‪ .‬ويف اليوم التايل‪ ،‬كررت االت�صال بربزان‪ .‬وقيل يل ب�أنه‬
‫غري موجود و�سيت�صل بي يف وقت الحق‪ .‬وكان وا�ضح ًا يل �أنه بذلك ال‬
‫يريد احلديث معي طبق ًا لأ�ساليب املخابرات املعروفة‪.‬‬

‫اختطاف يف و�ضح النهار‬


‫ويف ال�ساعة الثالثة بعد الظهر‪ ،‬قام بزيارتي يف غرفتي بالفندق اثنان‬
‫من موظفي املخابرات وطلبا مني مرافقتهما جلهة مل يحدداها‪ .‬وعندما‬
‫�أخذت �أ�ستف�رس و�أتلك�أ بالذهاب‪� ،‬شهر �أحدهما م�سد�س ًا‪ .‬وبعد �سيل من‬
‫ال�شتائم‪ ،‬قال‪ :‬من الأف�ضل �أن ت�أتي معنا‪ .‬وهكذا خرجت من�صاع ًا دون‬
‫�أن �أمتكن من �إعالم �أي �أحد مبا ح�صل �أو �أين مغادر ومع من‪.‬‬
‫قادين �ضابط املخابرات ب�سيارته �إىل دار خلف «�سينما الن�رص» التي‬
‫تقع يف قلب العا�صمة وتطل على �شارع من �أهم �شوارع بغداد التجارية‪:‬‬
‫�شارع ال�سعدون‪.‬‬
‫ويبدو �أن هذه الدار عبارة عن حمطة انتقال‪ .‬فهناك �شد الوثاق حول‬
‫عيني‪ .‬وبلغني ال�شخ�ص الذي يتوىل �إعطاء الأوامر‪� ،‬إن ا�سمي �أ�صبح‬
‫الآن ح�سن عبد الر�ضا‪ .‬وعلي �أن �أرد على هذا اال�سم وال �أف�صح لأحد‬
‫عن هويتي �أو ا�سمي احلقيقي لأي حار�س �أو م�س�ؤول يف املكان الذي �أنا‬
‫فيه‪ .‬وقادين �أحد احلرا�س يف جولة طويلة بني �صعود وهبوط‪ .‬واالجتاه‬
‫�إىل اليمني والي�سار‪ .‬رمبا ا�ستغرقت اجلولة دقائق‪ ،‬ولكني �شعرت ك�أنها‬
‫دهرا لأجدين فج�أة �أقف ويفك عن عيني الرباط لأرى نف�سي �أمام زنزانة‬
‫كتب عليها رقم ‪ .7‬فتح بابها و�أدخلت فيها ومن ثم �أو�صد الباب‪.‬‬
‫‪-304-‬‬
‫كان من الطبيعي �أن �ألتفت حويل متفح�ص ًا عاملي اجلديد‪ .‬كانت‬
‫الزنزانة عبارة عن غرفة م�ساحتها �أربعة �أمتار مربعة‪ .‬بدون �شبابيك �أو‬
‫�أثاث على الإطالق‪ .‬ومعب�أة برائحة البول‪ .‬ويت�سلل �إليها نور خافت من‬
‫م�صباح «فلور�سنت» معلق يف ال�سقف‪.‬‬
‫بعد حوايل ن�صف �ساعة‪� ،‬أو هكذا بدا يل‪ ،‬فتح الباب مرة �أخرى‬
‫و�سلمني احلار�س بيجاما نوم كانت جديدة‪ .‬و�أخذ مالب�سي وما كان‬
‫معي‪ :‬حقيبة يد و�ساعة‪ .‬ومرة �أخرى‪ ،‬بعد نحو ن�صف �ساعة‪ ،‬فتحت‬
‫الباب لي�سلموين فرا�شا من الإ�سفنج و�إنا ًء فيه ماء‪ .‬وعندما �أح�رضوا‬
‫الطعام‪ ،‬اعتذرت عن قبوله‪.‬‬
‫كانت ليلة طويلة‪ ،‬مل �أذق فيها طعم النوم‪ .‬والأفكار واالحتماالت‬
‫تتطارد يف ذهني‪.‬‬
‫يف ال�صباح قدم يل ال�شاي‪ ،‬ومرة �أخرى رف�ضت �رشبه‪ ،‬وذلك خوفا‬
‫من �أن يكون قد د�س فيه خمدر‪� ،‬أو ما ي�شبه ذلك‪ ،‬وقدمت يل مالب�سي‬
‫وطلبوا مني االت�صال بعائلتي لتطمينها‪ .‬كما ات�صلت بناء على طلبهم‬
‫بالدكتور �صاحب ذهب‪ ،‬ع�ضو الوفد املرافق يل للعودة ملقر عملهم دون‬
‫انتظاري‪ .‬واقتدت بعد ذلك �إىل بناية املخابرات العامة‪ ،‬وكانت بناية‬
‫«احلياة» يف كرادة مرمي‪ ،‬القريبة من الق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫ومن غرائب ال�صدف‪� ،‬أنني ا�شرتيت هذه البناية من �أموال اخلطة‬
‫االقت�صادية لتكون مقراً للمخابرات‪ .‬وقد �أ�رشفت وزارة التخطيط على‬
‫ت�أثيثها وتنظيمها‪.‬‬
‫دخلت مكتب رئي�س املخابرات برزان التكريتي‪ ،‬بح�ضور طاهر‬
‫توفيق العاين‪ ،‬ع�ضو القيادة القطرية ووزير ال�صناعة‪.‬‬
‫‪-305-‬‬
‫بادرين برزان‪ ،‬بعد عبارات املجاملة الق�صرية‪ ،‬ب�أن لديه ب�ضعة �أ�سئلة‬
‫يريد مني �أن �أجيب عليها جوابا �رصيحا وا�ضحا‪ .‬وكانت الأ�سئلة‪:‬‬
‫– �أُذكر ما كنت تذكره يف جل�ساتك اخلا�صة عن الو�ضع يف العراق‬
‫واجتاهات الدولة واحل��زب وعن كفاءة احلزبيني والر�سميني مقارنة‬
‫بكفاءتك؟‬
‫– �أُذك��ر ما كنت تذكره حول طريقة اختيار ال�سادة امل�س�ؤولني‬
‫ال�ستالم امل�س�ؤولية احلزبية والر�سمية وكيفية خ�ضوعها ملعايري طائفية ؟‬
‫– تكلم عما كنت تتحدث به حول �سوء التخطيط يف البلد وعدم‬
‫درا�سة اجلدوى االقت�صادية للم�شاريع التي تنفذ يف البلد وعن عدم اخلربة‬
‫عند امل�س�ؤولني يف اجلانب االقت�صادي والتخطيطي يف العراق‪ ،‬مو�ضحا‬
‫بذلك الأ�شخا�ص الذين تق�صدهم؟‬
‫– لقد ذكرت وحتدثت عن العموالت التي ت�ؤخذ نتيجة عدم الدقة‬
‫يف �إحالة امل�شاريع ال�صناعية‪.‬‬
‫�أربعة �أ�سئلة ت�شابه الأ�سئلة االمتحانية يف املدار�س الثانوية‪ .‬وهي �إن‬
‫دلت على �شيء ف�إمنا تدل على الأفق الثقايف واالجتماعي ملن و�ضعها‪.‬‬
‫بحيث جاء ال�س�ؤال الرابع غري مكتمل‪.‬‬
‫�أربعة �أ�سئلة علي الإجابة عليها‪« ،‬بدون ترك!»‪.‬‬
‫كان وا�ضح ًا ب�أن الذي يقف وراء تلك الأ�سئلة ورمبا �صياغتها‪ ،‬هو‬
‫طاهر توفيق العاين ع�ضو القيادة القطرية ووزير ال�صناعة‪ .‬ترى هل وجد‬
‫فر�صته الآن لالنتقام مني بعد �أن كنت قد �شكوته ل�صدام قبل �سنوات‬
‫لأنه تدخل يف ق�ضية ترفيع املدير العام الذي �أ�رشت �إليه يف ف�صل �سابق؟‬
‫‪-306-‬‬
‫كان برزان هادئا ومتزنا يف كلماته‪ ...‬بل كان جمامال �إىل �أق�صى‬
‫احلدود‪ ،‬تاركا الكلمة ال�شائنة والتعبري الفظ لـ‪« ‬الرفيق» العاين‪ .‬الذي‬
‫�أتهمني �أوال ب�أين قد �سعيت لنقل مقر اللجنة االقت�صادية لغرب �آ�سيا‬
‫(االكوا) التابعة للأمم املتحدة �إىل بغداد مع علمي بان تلك امل�ؤ�س�سة هي‬
‫مركز جت�س�س �أمريكي! وملا �أعلمته �أن الذي كان قد طلب جعل بغداد‬
‫مقراً للم�ؤ�س�سة هو �صدام ح�سني‪� ،‬سارع �إىل و�صف �صدام بالفار�س‬
‫العربي املقدام وتغريت مالمح وجهه‪.‬‬
‫وهنا تدخل برزان قائال ب�أنه ال يريد مني ردا مبا�رشا على الأ�سئلة‬
‫وناولني ق�صا�صة ورق احتوت على تلك الأ�سئلة‪ ...‬بل طلب مني �أن‬
‫�أزوده بالرد مكتوب ًا‪.‬‬
‫عدت �إىل املعتقل ويف جيبي ورقة الأ�سئلة‪ .‬وهممت باجتاه الغرفة‬
‫رقم ‪ 7‬غري �أن احلار�س ا�صطحبني �إىل غرفة �أخرى م�ؤثثة‪ .‬وباتت املعاملة‬
‫�أح�سن‪ ،‬حيث قدم يل طعاما مقبوال و�سجائر كما زودت ب�أوراق وقلم‬
‫لأعداد ردي على تلك الأ�سئلة‪.‬‬
‫كتبت الرد يف �صفحة كاملة‪ .‬وقد نفيت نفيا قاطعا ما قيل عني يف‬
‫تلك االجتماعات‪ .‬وجعلت الرد موجها �إىل رئي�س اجلمهورية �صدام‬
‫ح�سني‪ .‬وخلدت �إىل النوم‪.‬‬
‫ومل مت�ض �ساعات حتى فتحت باب الغرفة ليطل علي �شخ�ص �رسعان‬
‫ما عرفته‪ .‬طويل القامة‪ ،‬مكفهر الوجه وقال‪ :‬هل عرفتني دكتور؟ �أنا‬
‫الذي كنت �أعمل �سائقا يف وزارة التخطيط‪ ..‬ولكني الآن‪ ..‬واحلمد‬
‫هلل‪� ..‬أقوم مبهام وظيفية �أخرى هنا‪ ..‬مهمة حماية الثورة والوطن من‬
‫اخلونة واملجرمني!‬
‫�شد عيني بقطعة من قما�ش �أ�سود وقادين مل�سافة لي�ست بالق�صرية‪ ،‬بني‬
‫‪-307-‬‬
‫�صعود وهبوط‪ ،‬حتى �أدخلني اىل غرفة‪ .‬وبد�أ التحقيق معي بدون فك‬
‫الرباط عن عيني‪.‬‬
‫كانت الأ�صوات التي ت�سمع من الغرف املجاورة كافية لبث الرعب‬
‫يف النف�س‪ .‬فقد كنت �أ�سمع �رصخات التعذيب‪ .‬وال �أدري �إن كان‬
‫املق�صود �أن �أ�سمعها لتخويفي وبث الرعب يف نف�سي؟ �أم �أن هناك من‬
‫يعذب فع ً‬
‫ال؟‬
‫قام ال�شخ�ص الذي يحقق معي بالتعريف برتبته الع�سكرية «مقدم»‬
‫وقال‪ :‬عندي �أوامر من ال�سيد الرئي�س بعدم تعذيبك‪ .‬وعليه �أريد �أن‬
‫تعرتف ب�ش�أن الأ�سئلة التي طرحت عليك‪ .‬و�أخذ ي�س�ألني‪.‬‬
‫– كيف كانت عالقتك بالرئي�س خالل ا�ستيزارك للتخطيط؟‬
‫– جيدة‪.‬‬
‫– من بعدك عني وزيرا للتخطيط؟‬
‫– عدنان احلمداين‪.‬‬
‫– تق�صد املجرم عدنان‬
‫– بطبيعة احلال املجرم عدنان احلمداين‬
‫– كيف كان التخطيط االقت�صادي يف الفرتة التي كنت فيها وزيرا‬
‫للتخطيط؟‬
‫– كان التخطيط جيدا‪.‬‬
‫– ك�لا‪ ..‬كان تخطيطكم «تخبيطا»‪ ..‬ولكن حكمة الرئي�س‬
‫الفار�س العربي هي التي �أنقذت البالد من خمالبكم �أنتم الذين در�ستم يف‬
‫مدار�س الإجنليز والأمريكان‪� ..‬ألي�س كذلك ؟‬
‫‪-308-‬‬
‫– ال‪ ..‬التخطيط كان جيداً‪ ..‬وامل�ؤمتر القطري حلزب البعث قد �أ�شاد‬
‫بذلك يف مقرراته حينئذ‪.‬‬
‫– ال‪ ..‬ال‪ ..‬القيادة القطرية �آنذاك كانت قيادة عميلة �أمثال غامن عبد‬
‫اجلليل وعدنان احلمداين وحممد عاي�ش‪ ..‬كلهم �أعدموا‪ ..‬كلهم نالوا‬
‫جزاء خيانتهم‪� ..‬ألي�س كذلك؟‬
‫وتوالت �أ�سئلة �أخرى‪ ،‬ولكن املحقق كان ب�شكل عام ينتقد جهاز‬
‫التخطيط و�أعماله‪.‬‬
‫ا�ستمر التحقيق ما ال يقل عن ال�ساعة‪ .‬اقتدت بعدها �إىل غرفتي‬
‫ال�سابقة‪ :‬الزنزانة رقم ‪ .7‬و�سحبت مني امتيازات الغرفة امل�ؤثثة‪.‬‬
‫دخلت الزنزانة‪ ،‬واحلار�س يردد‪� ...‬ستبقى هنا �إىل �أن تتعفن ومتوت!‬
‫وجاء يوم الأربعاء ‪ .1979/10/24‬كانت ال�ساعة تقارب اخلام�سة‬
‫ع�رصا‪ .‬فتحت باب الزنزانة ووقف �أمامي م�س�ؤول �أمني قدم نف�سه‪:‬‬
‫العقيد م�س�ؤول املعتقل‪ .‬وب�أدب جم‪ ،‬واهتمام بالغ قال يل‪:‬‬
‫– �أرجو �أن تهيئ نف�سك ملقابلة مهمة مع م�س�ؤول مهم‪.‬‬
‫وطلب مني ارتداء مالب�سي وحلق ذقني‪ .‬والطريف �إنه مل يكن هناك‬
‫�أداة حالقة �سوى �آلة قدمية ت�ستخدم ال�شفرات «اجليليت» القدمية‪ .‬ومل‬
‫يعرثوا �إال على ن�صف �شفرة‪ .‬ف�أخذتها ومع �شيء من رغوة ال�صابون‬
‫املعروف يف العراق بـ‪�« ‬صابون الرقي» حلقت وجهي قدر امل�ستطاع‬
‫م�سببا له بع�ض اجلروح‪ .‬وعدت ثانية �إىل الزنزانة التي ترك بابها مفتوحا‪.‬‬
‫يف ال�ساعة الثامنة م�ساء‪� ،‬أقلتني �سيارة مر�سيد�س �إىل مقر رئا�سة‬
‫املخابرات‪ .‬و�أدخلت مكتب برزان حيث ا�ستقبلني بالأح�ضان وهو‬
‫‪-309-‬‬
‫يقول‪� :‬أريد �أن تعرف يا دكتور �أن اعتقالك لي�س ب�أمر مني‪� ..‬إنه ب�أمر‬
‫الرئي�س‪� ..‬أنت تعرف عالقتك بالرئي�س و�شعوره �إزاءك‪� ..‬أال تذكر‬
‫مواقفه منك عندما كان نائبا لرئي�س جمل�س قيادة الثورة‪� ..‬أال تذكر كيف‬
‫�أنه كان «يفر�ش لك العباية»‪ ..‬كلما �أو�شكت على ال�سقوط ب�سبب‬
‫امل�شاغبات �ضدك وخا�صة يف الأيام الأخرية للبكر‪ ..‬ولكن يا دكتور‪..‬‬
‫�أننا واثقون من الكالم الذي قلته �ضدنا يف �أبو ظبي‪ ..‬غري �أن الرئي�س �أمر‬
‫بالإفراج عنك ون�سيان املا�ضي‪.‬‬
‫بني �شعور ال�رسور باالنعتاق‪ ،‬وحماولة رد التهم‪ ،‬قلت‪ :‬يا �أبا حممد‪..‬‬
‫�أنا ل�ست عميال ا�ستعماريا �أو خائنا‪ ،‬كما اتهمني طاهر العاين‪ .‬وهنا قام‬
‫برزان وقبلني‪ .‬وقال �إن الوقاحة وقلة الأدب التي �صدرت عن طاهر هي‬
‫تعبري عن ر�أيه ال�شخ�صي‪ ..‬و�أرجو �أن حت�سبها علينا‪ ..‬و�أرجو �أن تعود‬
‫�إىل �أبو ظبي و�أنت ت�شعر بقوة �أكرث‪ ..‬وت�أكد �أننا �سنبقى �سندا لك‪ ..‬و�إذا‬
‫رغبت البقاء �إىل الأحد القادم ميكنني ترتيب موعد لك ملقابلة الرئي�س‪.‬‬
‫خرجت الكلمات من فمي ت�سبق تفكريي تقول البد من العودة �إىل‬
‫�أبو ظبي لوجود اجتماع جمل�س الإدارة ال�سبت القادم‪ .‬و�إين كلي تقدير‬
‫لل�سيد الرئي�س‪.‬‬
‫�أو�صلني برزان �إىل باب امل�صعد‪ ،‬ومنه نقلت �إىل املعتقل مرة �أخرى‪.‬‬
‫لكن هذه املرة من مدخل ثان �أكرث ترتيبا‪ .‬ويف املعتقل �أخذ املدير‬
‫امل�س�ؤول يحدثني ب�شيء من املرح واملجاملة‪ .‬و�سلمني حقيبتي‪ .‬ويف‬
‫ال�ساعة العا�رشة والن�صف م�ساء غادرت املعتقل بال�سيارة �إىل بيت عمي‬
‫حيث وجدت �أهلي و�أقربائي مرحبني مبتهجني‪ .‬ولكن دون ال�شعور‬
‫باالطمئنان متاما‪� .‬إذ قد يغري «اجلماعة» ر�أيهم و�أعود معتقال يف اليوم‬
‫التايل‪ .‬لذلك قررت ق�ضاء الليلة يف منزل �آخر‪.‬‬
‫‪-310-‬‬
‫�صباح اليوم التايل‪ ،‬اخلمي�س ‪ 1979/10/25‬غادرت بغداد على‬
‫الطائرة العراقية �إىل �أبو ظبي‪ .‬ومن الطائرة �أجلت بنظري على مدينة‬
‫بغداد‪ ،‬لآخر مرة‪ ،‬وقلبي مليء باملرارة والأمل على بلد �سلمت مقدراته‬
‫ملجموعة جاهلة‪ .‬وتزداد جهال وعنفا يوما بعد يوم‪.‬‬

‫من كان املخرب؟‬


‫من الأ�سئلة الأربع التي دونها برزان التكريتي على ق�صا�صة الورق‬
‫وطلب مني الإجابة عليها‪ ،‬ي�ست�شف املرء ب�أن املخرب هو �شخ�ص يعرفني‬
‫جيدا ويح�رض بع�ض جل�ساتي اخلا�صة يف �أبو ظبي‪.‬‬
‫يا ترى من هو هذا ال�شخ�ص؟ هل هو �أحد معاريف �أو �أ�صدقائي يف‬
‫�أبو ظبي؟ هل كان املخرب �أحد الذين كنت التقيهم اجتماعيا �أو وظيفيا؟‬
‫هواج�س وت�سا�ؤالت وا�ستعرا�ض لأ�سماء الذين عرفتهم �أو �سمعت‬
‫عنهم �أو اعتقدت ب�أنهم من ذوي العالقة باملخابرات العراقية‪ .‬مرت كل‬
‫الأ�سماء يف ذهني دون �أن �أعرث على ا�سم �أي �شخ�ص عراقي عرفته �أو‬
‫التقيته يف �أبو ظبي ميكن �أن تنطبق عليه �صفة عميل للمخابرات العراقية‪.‬‬
‫ا�ستبعدت من ذاكرتي �أ�سماء جميع العراقيني‪� .‬إذن من هو املخرب؟‬
‫ال بد من �أن يكون �شخ�ص ًا يريد التخل�ص مني كرئي�س ل�صندوق النقد‬
‫العربي‪� .‬أو �شخ�ص ًا حدثته فع ً‬
‫ال عن املوا�ضيع التي �أثارها برزان؟ نعم‪.‬‬
‫هنالك �شخ�ص واحد كنت قد جتاذبت معه �أطراف احلديث عدة مرات‬
‫حول العراق‪ ،‬حول طاهر توفيق العاين‪ ،‬حول النظرة الطائفية لبع�ض‬
‫�أفراد القيادة العراقية‪.‬‬
‫كان هذا ال�شخ�ص ع�ضوا يف جمل�س �إدارة ال�صندوق ممث ً‬
‫ال لدولة‬
‫خليجية ويحمل �شهادة درا�سية عليا‪ .‬حدثته حول تلك املو�ضوعات‬
‫‪-311-‬‬
‫معتقداً بعدم احتمال و�صول تلك الأحاديث �إىل املخابرات �أو �إىل‬
‫تنظيمات حزب البعث‪.‬‬
‫لقد كان اعتقادي م�ستندا �إىل حقيقة �أن ذلك ال�شخ�ص كان يتب أ‬
‫و�‬
‫من�صبا رفيعا يف بلده قبل وخالل مدة تعيينه ممثال لدولته يف جمل�س �إدارة‬
‫ال�صندوق مما حملني علي االعتقاد ب�أن �أجهزة خمابرات بلده قد ت�أكدت‬
‫من والئه املطلق حلكومته وابتعاده عن �أي تنظيم حزبي قبل املوافقة على‬
‫تزكيته ال�ستالم من�صب رفيع يف بلده‪.‬‬
‫�أقنعت نف�سي ب�أن املخرب ال بد �أن يكون �شخ�صا غري ذلك ؟ ولكن‬
‫من هو؟‬
‫ومرة ثانية ا�ستعر�ضت عددا من الأ�سماء فلم �أجد اجلواب‪ .‬عدت �إىل‬
‫�أبو ظبي‪� ،‬أجول يف ذاكرتي و�أفت�ش بني �أوراقي‪ .‬مرات ومرات علني‬
‫�أعرث على �إ�شارة تدل على املخرب الذي ت�سبب باعتقايل يف بغداد‪.‬‬
‫بعد م�ضى �أ�سبوع على عودتي ومبا�رشتي وظيفتي كرئي�س ل�صندوق‬
‫النقد العربي‪ ،‬فج�أة جاءتني الإ�شارة تدلني �إىل طريق يقف يف نهايته‬
‫ذلك ال�شخ�ص‪.‬‬
‫�إ�شارة تقول �إنه هو املخرب‪.‬‬
‫بد�أت الإ�شارة عندما جاء ملقابلتي م�ساعد رئي�س ال�صندوق الدكتور‬
‫حممد حممود الإمام مبعية امل�ست�شار القانوين الدكتور حممد لبيب �شقري‪.‬‬
‫�أخربين الإمام ب�أنه بعد مغادرتي �إىل بغداد بيوم واحد ذهب �إليه �أحد‬
‫�أع�ضاء جمل�س الإدارة ليخربه ب�أن �سفرتي �إىل بغداد �ستطول وقد ال �أعود‪.‬‬
‫وعليه ف�إن على الدكتور الإمام ا�ستالم مهام رئي�س ال�صندوق والدعوة‬
‫�إىل اجتماع ملجل�س الإدارة حلني تعيني رئي�س جديد لل�صندوق!‬
‫‪-312-‬‬
‫كيف عرف هذا ال�شخ�ص ب�أن �سفرتي �إىل بغداد �ستطول �إىل احلد‬
‫الذي ي�ستدعي تعيني رئي�س جديد لل�صندوق؟ من الذي �أخربه ب�أنني‬
‫�سوف لن �أعود؟ ت�سا�ؤالت كثرية و�أ�سئلة عديدة‪.‬‬
‫هل انقلب هذا ال�شخ�ص �إىل خمرب يعمل ل�صالح املخابرات العراقية بالرغم‬
‫من عالقته ال�سابقة مع تنظيمات حزب البعث يف �سورية ويف الواليات‬
‫املتحدة الأمريكية‪ ،‬تلك العالقة التي �أباح بها يل يف منا�سبات عديدة‪.‬‬
‫ومرت الأيام والأ�سابيع‪ ...‬والأ�شهر‪ ...‬و�أنا �أحاول دح�ض ال�شكوك‬
‫من خميلتي حول عالقة هذا ال�شخ�ص باملخابرات العراقية‪ .‬ثم جاء �شهر‬
‫�سبتمرب (�أيلول) ‪ .1980‬كنت يف زيارة ر�سمية لتون�س حل�ضور اجتماع‬
‫م�شرتك لبع�ض املنظمات العربية ومنها �صندوق النقد العربي‪ .‬ح�رض‬
‫االجتماع وزراء املالية العرب ومنهم وزير املالية العراقي ثامر رزوقي‪.‬‬
‫�شخ�صية جذابة وروح مرحة‪ .‬انفردت به جانبا و�أخربته بتفا�صيل‬
‫اعتقايل يف بغداد و�أ�سئلة برزان‪ ،‬م�ستهدفا من وراء ذلك معرفة املخرب‪.‬‬
‫ابت�سم ثامر وقال‪:‬‬
‫– �أال تعرف من هو الذي كتب عنك التقارير؟‬
‫– كال يا ثامر‪� ..‬أرجو �إخباري با�سمه‪ ..‬هل هو زميل يل؟ هل هو‬
‫عراقي من املتواجدين يف �أبو ظبي؟‬
‫– كال يا جواد‪� ...‬إن الذي ات�صل بال�سلطات العراقية ومنهم �أنا‬
‫كوزير للمالية هو �أحد �أع�ضاء جمل�س �إدارة ال�صندوق‪ .‬لقد �أخربنا ب�أنك‬
‫من�رصف لأعمالك اخلا�صة‪ ..‬و�أنك تنتقد ال�سلطة العراقية يف جل�ساتك‬
‫اخلا�صة‪ ..‬و�إنك‪ ..‬وانك �شيعي ملأت ال�صندوق بعنا�رص عراقية معادية‬
‫للحكم العراقي‪.‬‬
‫‪-313-‬‬
‫مل �أ�صدق ما �سمعت‪ .‬كيف ميكن �أن يتحول ممثل دولة خليجية �إىل‬
‫خمرب حملي يعمل ل�صالح املخابرات العراقية!‬
‫– ال يا ثامر‪� ..‬أنا ال �أ�صدق هذا الكالم‪ ..‬قلته وبكل جدية‪.‬‬
‫ومرة �أخرى ابت�سم ثامر‪ ،‬واعتذر الرتباطه مبوعد �سابق‪.‬‬
‫ثم جاء عام ‪ 1982‬وبالتحديد يف �أبريل (ني�سان) حيث موعد‬
‫االجتماع ال�سنوي ملجل�س حمافظي �صندوق النقد العربي‪ .‬عقد‬
‫االجتماع يوم ‪ 27‬من هذا ال�شهر يف مدينة الكويت‪ .‬كان هذا �آخر‬
‫اجتماع �سنوي �أح�رضه كرئي�س لل�صندوق نظراً النتهاء مدة ال�سنوات‬
‫اخلم�س التي عينت فيها على ر�أ�س تلك املنظمة‪.‬‬
‫ح�رض االجتماع ثامر رزوقي ب�صفته الر�سمية كوزير للمالية مندوبا‬
‫عن العراق‪ .‬ومرة �أخرى انفردت به جانبا‪ .‬وت�ساءلت عن املخرب امللهم‬
‫الذي كان �سببا يف ا�ست�ضافتي الق�صرية يف الزنزانة رقم ‪ 7‬يف �إحدى‬
‫معتقالت بغداد ال�رسية‪.‬‬
‫قلت لثامر �أنني ال �أ�صدق ما قيل عن هذا ال�شخ�ص وعالقته‬
‫باملخابرات العراقية �أو ببع�ض تنظيمات البعث‪� ،‬أو ببع�ض �أع�ضاء القيادة‬
‫القومية للحزب من غري العراقيني‪.‬‬
‫ومرة �أخرى‪ ..‬ابت�سم ثامر‪ ..‬وربت على كتفي وان�رصف‪.‬‬
‫ومع كل الدالئل التي قدمها ثامر و�أ�شار بها �إىل �شخ�ص معني‪ ،‬بقيت‬
‫غري مقتنع كليا ب�أنه هو املخرب‪ .‬بل ذهبت ظنوين �إىل �أن رزوقي يحاول‬
‫الت�سرت على املخرب احلقيقي عن طريق توجيه �أ�صابع ال�شك واالتهام �إىل‬
‫جهة �أخرى خا�صة و�أن رزوقي كان من العنا�رص احلزبية املتقدمة التي‬
‫ال ميكن �أن تبوح ب�أ�رسار احلزب �أو مبحرري التقارير احلزبية ال�رسية‪،‬‬
‫‪-314-‬‬
‫وبالأخ�ص التقارير التي من �ش�أنها قطع الأرزاق �أحيانا �أو قطع الرقاب‬
‫�أحيانا كثرية‪.‬‬
‫وتركت ال�صندوق‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 1991‬التقيت ب�شخ�ص �أعرفه منذ �أيام الدرا�سة يف بغداد‪:‬‬
‫كاظم م�سلم‪ .‬كان معاونا لرئي�س املخابرات العراقية منذ ‪.1969‬وكان‬
‫يرافقنا يف جميع الزيارات الر�سمية خارج العراق‪ .‬وبعد تركه الوظيفة‬
‫يف منت�صف الت�سعينات ان�رصف �إىل العمل التجاري‪ .‬لقد جاء اعتقايل يف‬
‫الفرتة التي كان فيها يتوىل من�صبه بجهاز املخابرات‪ .‬وكان على علم تام‬
‫بتفا�صيل حادث االعتقال وال�شخ�ص الذي ت�سبب فيه‪.‬‬
‫يف ذلك اللقاء �أكد يل م�سلم �صحة ودقة املعلومات التي �سبق‬
‫لثامر رزوق��ي البوح بها‪ .‬بل ذهب �أكرث من ذلك وقال �أن للمخرب‬
‫عالقة بالقيادة القومية حلزب البعث‪ .‬وعن طريق تلك العالقة �أو�صل‬
‫للمخابرات �سل�سلة من التقارير عن حتركاتك وت�رصفاتك و�أقوالك يف‬
‫جل�ساتك اخلا�صة يف �أبو ظبي‪ .‬لقد كان هذا املخرب ن�شطا يف التحرك‬
‫�ضدك على كل امل�ستويات‪ ،‬اخلليجية منها والعراقية‪ ،‬حتى ا�ستطاع‬
‫�إزاحتك من ال�صندوق وزرع ال�شكوك لدى القيادة العراقية حول‬
‫اجتاهاتك ال�سيا�سية‪ .‬وقد وعدين بتزويدي بن�سخ من تلك التقارير‪.‬‬
‫وبقيت �أنتظر‪ ...‬وطال االنتظار‪ .‬وفج�أة مات كاظم م�سلم �إثر نوبة‬
‫قلبية حادة‪ .‬ولكن بعد �أن حول �شكوكي حيال ذلك ال�شخ�ص �إىل يقني‬
‫را�سخ‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬لأ�سباب قانونية ال �أريد ذكر ا�سم هذا ال�شخ�ص‪.‬‬

‫‪-315-‬‬
‫الف�صل الع�شرون‬
‫�صدام ي�سيطر على جميع مرافق الدولة‬

‫حتتاج اخلطوات التي �أدت يف نهاية املطاف �إىل �سيطرة �صدام ح�سني‬
‫على مرافق الدولة �سيطرة مطلقة �إىل الت�أمل يف طريقة اتخاذها‪ ،‬ومن ثم‬
‫تطبيقها و�إحكام الربط بني كل خطوة و�أخرى‪ ،‬يف �سياق من املتابعة‬
‫والر�صد الدقيق والتح�سب لكل االحتماالت واملفاجئات‪.‬‬
‫لقد عمد �صدام �إىل ر�سم خمطط �شامل للكيانات املتعددة التي‬
‫�أن�شئت تدريجيا‪ ،‬منذ عام ‪1968‬م�ستهدف ًا بذلك زعزعة البنيان‬
‫الإداري للدولة العراقية‪ ،‬وح�رص ال�صالحيات جميعها بيده �شخ�صي ًا‪،‬‬
‫�سواء خالل م�س�ؤوليته كنائب لرئي�س جمل�س قيادة الثورة‪� ،‬أو حني ت�سلمه‬
‫املواقع الأوىل يف الدولة رئي�س ًا للجمهورية ورئي�س ًا للوزراء وقائد َا عام ًا‬
‫للقوات امل�سلحة‪ ،‬ويف احلزب �أمينا عام ًا للقيادة القطرية حلزب البعث‪.‬‬

‫املكاتب اال�ست�شارية‬
‫هيكل الدولة وجمل�س قيادة الثورة‬
‫كانت اخلطوة الأوىل هي ت�شكيل املكاتب اال�ست�شارية يف نطاق ما‬
‫بات يعرف ب�أعلى �سلطة للبالد‪ :‬جمل�س قيادة الثورة‪ .‬فبعد مرور �أقل‬
‫من ثالثة �أ�شهر على االنقالب‪ ،‬بد�أ املجل�س ب�إ�صدار قرارات تن�ص على‬
‫‪-317-‬‬
‫تكوين مكاتب ا�ست�شارية له دون �أن تتناول تلك القرارات مهام هذه‬
‫املكاتب وعالقاتها ب�أجهزة الدولة الأخرى‪ .‬و�أول مكتب مت ت�أ�سي�سه‬
‫هو «مكتب العالقات العامة» برئا�سة �سعدون �شاكر‪ ،‬حيث حتول هذا‬
‫املكتب بعدئذ �إىل �إدارة املخابرات العامة‪ .‬كان هذا املكتب مرتبطا‬
‫ب�صدام ح�سني مبا�رشة‪ ،‬ومل يكن �أحد منا يعرف �أع�ضاءه وطبيعة عمله‪.‬‬
‫بل كنا نظن �أن مهمته هي تطوير عالقات احلزب باجلماهري لتطمينها‬
‫من خالل (العالقات العامة) التي تتوالها عادة م�ؤ�س�سات متخ�ص�صة‬
‫يف دول العامل املتح�رض‪ .‬ومل يخطر ببال �أحد‪ ،‬يف ذلك الوقت‪ ،‬ب�أن هذا‬
‫املكتب �إمنا هو اللبنة الأوىل يف بناء املخابرات العراقية ليقوم مبهام حماية‬
‫النظام وليتطور بعدئذ �إىل حماية �صدام �شخ�صي ًا‪ ،‬وهو يف ذلك امتداد‬
‫جلهاز «حنني» الذي كان �صدام ي�رشف عليه قبل الثورة‪ ،‬وكانت مهمته‬
‫ت�صفية العنا�رص املناوئة للحزب‪.‬‬
‫ويف ‪� 5‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ ،1968‬قرر جمل�س قيادة الثورة‪[1] ‬‬
‫�إن�شاء �أربعة مكاتب �أخرى هي مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‪ ،‬مكتب‬
‫ال�ش�ؤون القانونية‪ ،‬مكتب �ش�ؤون ال�شمال‪ ،‬ومكتب ال�ش�ؤون العربية‪.‬‬
‫وقد جاء القرار ما مفاده �أن �أع�ضاء املكاتب يحتفظون بوظائفهم‬
‫الأ�صلية ويعتربون منتدبني للعمل يف املكاتب املذكورة �إ�ضافة �إىل �أعمال‬
‫وظائفهم الأ�صلية‪.‬‬
‫وجاءت ع�ضوية املكاتب على النحو التايل‪:‬‬
‫• مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‪:‬‬
‫الدكتور جواد ها�شم (وزير التخطيط)‬
‫الدكتور عبد الرحمن منيف (�سعودي اجلن�سية)‬
‫‪-318-‬‬
‫الدكتور فخري قدوري (وزير االقت�صاد)‬

‫ه�شام الونداوي (رئي�س امل�ؤ�س�سة العامة للتجارة)‬

‫الدكتور عالء الراوي (مدر�س يف كلية االقت�صاد)‬

‫الدكتور عزت م�صطفى (وزير ال�صحة)‬

‫الدكتور حافظ التكمجي (موظف يف البنك املركزي)‬

‫الدكتور مولود كامل عبد (مدر�س يف كلية الزراعة)‪[2] ‬‬

‫• مكتب ال�ش�ؤون القانونية‪:‬‬


‫�سامل عبد النعمان‬

‫عا�شور جابر العاين‬

‫�سلطان ال�شاوي‪[3] ‬‬

‫‪[4] ‬‬ ‫• مكتب �ش�ؤون ال�شمال‪:‬‬


‫العميد �سعدون غيدان (ع�ضو جمل�س قيادة الثورة)‬

‫الدكتور حممد امل�شاط‪[5] ‬‬

‫ح�سني ال�صايف‬

‫�أحمد �أمني (وكيل وزارة الداخلية)‬

‫عبد اهلل �سلوم ال�سامرائي (وزير الثقافة والإعالم)‬

‫املقدم الركن �أكرم الدباغ‬


‫‪-319-‬‬
‫• مكتب ال�ش�ؤون العربية‪:‬‬
‫عبد الكرمي ال�شيخلي (وزير اخلارجية)‬
‫حامد اجلبوري (وزير الدولة)‬
‫ح�سن العامري (ع�ضو قيادة فرع يف حزب البعث)‬
‫ح�سن حممود (فل�سطيني‪� ،‬صاحب �صيدلية)‬
‫وا�ستمر جمل�س قيادة الثورة يف �إن�شاء املكاتب اال�ست�شارية وتغيري‬
‫ع�ضوية القائم منها بحيث ا�ستحدث مكتبا ا�ست�شاري ًا لكل ن�شاط من‬
‫�أن�شطة الدولة واحلزب مبا يف ذلك الوزارات‪ .‬و�ضمت تلك املكاتب‬
‫يف ع�ضويتها كوادر متقدمة من احلزب �أو فنيني غري حزبيني من �أ�صدقاء‬
‫�صدام‪.‬‬
‫وبد�أت املكاتب تو�سع مهامها و�أ�صبحت لها ميزانيات مالية مرتبطة‬
‫مبيزانية املجل�س‪ ،‬كما �أ�صبحت لها �سكرتارية وموظفون‪ .‬وبالرغم من‬
‫ارتباط املكاتب مبجل�س قيادة الثورة (ر�سميا) �إال �أن �صدام ح�سني كان‬
‫هو الرئي�س الفعلي لها‪ .‬يحيل �إليها طلبات ال��وزارات‪ ،‬ويطلب منها‬
‫الدرا�سات‪ ،‬ويتعلم �آلية عمل الدولة‪ .‬كما �أ�صبحت املكاتب خري و�سيلة‬
‫بيد �صدام لتمرير القوانني والقرارات التي يريد �إ�صدارها من املجل�س‬
‫باعتبارها مقرتحات مدرو�سة من قبل املكاتب‪ .‬ويف الوقت نف�سه‪،‬‬
‫لعبت املكاتب دورا مهما يف التن�سيق فيما بينها لـ‪« ‬ت�صفية» مقرتحات‬
‫عديدة لبع�ض الوزراء‪.‬‬
‫ومنذ عام ‪� ،1971‬أ�صبح مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية مكتبا متفرغا‬
‫ير�أ�سه الدكتور فخري قدوري بعد �إعفائه من وزارة االقت�صاد‪ .‬كما‬
‫�أ�صبحت ع�ضواً متفرغا فيه بعد �إعفائي من من�صب وزير التخطيط‪.‬‬
‫‪-320-‬‬
‫�صحيح‪� ،‬أن مهمة املكتب كانت ا�ست�شارية ملجل�س قيادة الثورة‪،‬‬
‫ولكن يف الواقع‪ ،‬حتول من مهمته اال�ست�شارية �إىل مهمة الهيمنة و�إعطاء‬
‫الن�صيحة �أو (التو�صية) النهائية ل�ش�ؤون البلد االقت�صادية �إىل �صدام‬
‫مبا�رشة‪.‬‬
‫و�أ�صبح الوزراء يعرفون‪� ،‬شيئا ف�شيئا‪� ،‬أن �ش�ؤون البلد االقت�صادية‬
‫مرتبطة مبا يو�صي به املكتب االقت�صادي‪.‬‬
‫وخلق هذا الأمر ح�سا�سيات كثرية‪ .‬كما خلق لدينا نحن �أع�ضاء‬
‫املكتب �شعورا بالأهمية وال�سلطة‪ ،‬لقربنا من �صدام‪ ،‬الذي كان ي�أخذ‬
‫دوما مبا نو�صي به‪.‬‬
‫وكذلك كان الأمر بالن�سبة ملكتب ال�ش�ؤون القانونية‪ ،‬فقد �أ�صبح هذا‬
‫املكتب فوق وزارة العدل وديوان التدوين القانوين‪ .‬ال ي�صدر قانون �أو‬
‫نظام �إال بعد �أن مير بهذا املكتب‪.‬‬
‫ومما يذكر‪� ،‬أن رئي�س املكتب عبد الفتاح الزلط كان يرتبط بالبكر‬
‫ولي�س ب�صدام‪ ،‬ويرفع تقاريره وتو�صياته للبكر مبا�رشة‪ .‬ومل يكن �صدام‬
‫يرتاح كثريا �إىل الزلط‪ .‬لذلك �أجرى تغيريا يف ع�ضوية املكتب وعني فيه‬
‫من يثق بهم‪ ،‬ومنهم الدكتور �سعد علو�ش والدكتور �إ�سماعيل مرزا‪.‬‬
‫غري �أن ال�ش�ؤون القانونية مل تكن يف جدول �أولويات �صدام‪ .‬بل‬
‫كانت ال�ش�ؤون االقت�صادية و�ش�ؤون النفط والأمن القومي هي امل�سائل‬
‫التي يهتم بها‪ .‬ولهذا فقد �أن�ش�أ دائرة خا�صة ل�ش�ؤون النفط واتفاقياته‬
‫وت�سويقه وم�شاريعه الكربى‪� ،‬سميت «جلنة املتابعة ل�ش�ؤون النفط‬
‫وتنفيذ االتفاقيات» التي تر�أ�سها �صدام �شخ�صي ًا وعهد ب�سكرتاريتها �إىل‬
‫«�صديقه احلميم» عدنان احلمداين الذي ا�ضطلع مبهامها حتى �إعدامه‬
‫عام ‪.1979‬‬
‫‪-321-‬‬
‫وميكن القول هنا ب�أن جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬و�صدام ح�سني بالذات غريا‬
‫كثرياً من مفاهيم و�أ�س�س �إدارة الدولة ب�إحداث هذه املكاتب‪ .‬فمكتب‬
‫ال�ش�ؤون االقت�صادية‪ ،‬حتال �إليه امل�سائل املهمة املتعلقة بال�سيا�سة املالية‬
‫واالقت�صادية‪ ،‬منتزعا بذلك الكثري من �صالحيات الوزارات املخت�صة‬
‫كوزارتي املالية وال�صناعة والبنك املركزي‪.‬‬
‫وانتزع مكتب ال�ش�ؤون القانونية من وزارة العدل وديوان التدوين‬
‫القانوين �أغلب �صالحياتهما‪.‬‬
‫وانتزعت جلنة املتابعة من وزارة النفط و�رشكة النفط الوطنية‪ ،‬معظم‬
‫�صالحياتهما يف �إنتاج وت�سويق النفط وامل�شاريع النفطية الكربى‪.‬‬
‫ونظرا الهتمام البكر بالزراعة‪ ،‬ولقناعته بان «الزراعة نفط ال‬
‫ين�ضب»‪ ،‬كما كان يقول دائما‪ ،‬وتر�ضية لعزت الدوري الذي مياثله يف‬
‫االهتمام فقد ا�ستحدث «املجل�س الزراعي الأعلى» و�أ�سندت رئا�سته‬
‫للدوري‪ ،‬ليتوىل �ش�ؤون التخطيط ور�سم ال�سيا�سة الزراعية وتنفيذها‪.‬‬
‫وهكذا‪ – ‬مل يحل عام ‪� ،1979‬إال وكنا �أمام �أجهزة �إدارية جديدة‬
‫للدولة‪� .‬أجهزة فوقية يرتبط املهم منها ب�صدام ح�سني مبا�رشة‪� .‬أما‬
‫الأجهزة الأخرى التي مل يكن لها مثل ذلك االرتباط املبا�رش‪ ،‬ف�أن �أحد‬
‫�أع�ضائها كان يخرب �صدام بتفا�صيل تقاريرها وتو�صياتها‪.‬‬
‫لقد حتولت مكاتب جمل�س قيادة الثورة �إىل �أدوات فعالة يف ا�ستخدام‬
‫�أ�ساليب العمل ال�رسي حمل �أ�ساليب الإدارة العلمية‪ .‬و�أدت يف النهاية �إىل‬
‫ابتالع الدولة‪ ،‬وزعزعة الربوتوكول الر�سمي‪ ،‬وتهدمي البنيان التحتي‬
‫للت�سل�سل الوظيفي ومل يعد الوزراء من غري �أع�ضاء تلك املجال�س واملكاتب‬
‫يعلمون مبا يجري يف الدولة �أو ملن يكتبون يف �ش�ؤون وزاراتهم‪ .‬ومل يعد‬
‫ملجل�س الوزراء وجود فعلي بعد �أن توقفت اجتماعاته الدورية‪.‬‬
‫‪-322-‬‬
‫و�إىل جانب هذه الرتكيبة الفوقية‪ ،‬كانت للحزب مكاتب موازية �أهمها‪:‬‬
‫املكتب املهني الذي كانت حتال �إليه �رساً جميع الرت�شيحات لوظائف الدولة‬
‫املهمة للنظر يف من يقرتحه الوزراء من �أ�شخا�ص ل�شغل الوظائف العليا �أو‬
‫منحهم الرتفيعات ال�سنوية املن�صو�ص عليها يف قوانني اخلدمة واملالك‪.‬‬
‫وكثرياً ما كان يحدث �أن ير�شح الوزير �شخ�صا ليفاجئ ب�صدور‬
‫مر�سوم جمهوري يق�ضي بتعيني �شخ�ص �آخر مل ي�سمع به‪ .‬وما على‬
‫الوزير �إال �أن ي�سكت على م�ض�ض لأن قرارات القيادة قطعية‪ .‬و�إذا‬
‫حدث وان مت�سك الوزير مبر�شحه واعرت�ض ف�أنه ي�سمع بعدئذ من‬
‫تلفزيون بغداد قرارا ب�إعفائه من من�صبه الوزاري!‬
‫�إن نظرة فاح�صة على تركيبة املكاتب واملجال�س ترينا بو�ضوح‬
‫الأ�سلوب الذي اتبعه �صدام ح�سني يف الهيمنة �شيئا ف�شيئا على �أجهزة‬
‫الدولة‪ .‬فقد ارتبطت به الأجهزة التالية‪:‬‬
‫– جمل�س التخطيط‬
‫– املخابرات العامة‬
‫– جمل�س الأمن القومي‬
‫– جلنة املتابعة ل�ش�ؤون النفط وتنفيذ االتفاقيات‬
‫– مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‬
‫– املكتب الع�سكري ]‪[6‬‬
‫– جلنة الطاقة الذرية‬
‫– مكتب الثقافة والأعالم‬
‫– م�ؤ�س�سة البحث العلمي‬
‫– اللجنة العليا ل�ش�ؤون ال�شمال‬
‫�أما �أحمد ح�سن البكر‪ ،‬فلم ترتبط به �سوى املكاتب التالية‪:‬‬
‫‪-323-‬‬
‫– املجل�س الزراعي الأعلى‬
‫– مكتب ال�ش�ؤون القانونية‬
‫– الهيئة العليا للعمل ال�شعبي‬
‫وكنتيجة لهذا الأمر‪ ،‬فقد �ضاعت �أ�س�س التمييز بني ال�سلطة الت�رشيعية‬
‫وال�سلطة التنفيذية‪� .‬أما ال�سلطة الق�ضائية فقد فقدت ا�ستقالليتها منذ‬
‫الأ�سابيع الأوىل لالنقالب‪ ،‬ومل يعد ملحاكم العراق دور يف �إدارة‬
‫الق�ضاء وت�سيري �أمور املواطنني االعتيادية‪ ،‬حيث �أ�صبحت حمكمة الثورة‬
‫واملحاكم اخلا�صة التي ال تلتزم بقانون حمدد ولي�س للمواطن املحال عليها‬
‫حق ا�ستئناف الأحكام �أو االعرتا�ض‪ ،‬تنظر يف �أغلب الق�ضايا‪ ،‬و�أ�صبح‬
‫تعيني احلكام منعقدا على الوالء احلزبي‪ ،‬ولي�س على املقدرة القانونية‬
‫العادلة‪� .‬أما حكام التحقيق و�إجراءات التحقيق وقانون �أ�صول املحاكم‬
‫اجلنائية واملحاكم املدنية‪ .‬فلم تعد تطبق نظرا لال�ستثناءات العديدة التي‬
‫�أحدثها جمل�س قيادة الثورة بقراراته املتعاقبة‪.‬‬
‫لقد �أ�صبح اال�ستثناء هو القاعدة والقاعدة هي اال�ستثناء‪.‬‬

‫قانون املكاتب اال�ست�شارية‬


‫�شكلت املكاتب اال�ست�شارية وفق ًا لقرارات متعاقبة �أ�صدرها جمل�س‬
‫قيادة الثورة دون �أن يكون هنالك قانون ينظم �ش�ؤونها‪ .‬وبعد مرور‬
‫عدة �أ�شهر على ت�أ�سي�س تلك املكاتب‪ ،‬انتبه املجل�س �إىل �رضورة وجود‬
‫قانون يحدد لتلك املجال�س وين�ص على �صالحياتها‪ .‬وهكذا‪� ،‬صدر‬
‫القانون رقم ‪ 191‬ل�سنة ‪ ،1968‬و�سمي بقانون مكتب �أمانة ال�رس‬
‫واملكاتب اال�ست�شارية ملجل�س قيادة الثورة‪ .‬ن�رش القانون يف اجلريدة‬
‫الر�سمية (الوقائع العراقية العدد ‪ 1973‬يف ‪ ،1968/12/30‬ون�ص‬
‫على ت�شكيل املكاتب التالية‪:‬‬
‫‪-324-‬‬
‫�أ‪ – ‬مكتب �أمانة ال�رس‬
‫ب‪ – ‬مكتب �ش�ؤون ال�شمال‬
‫جـ‪ – ‬مكتب ال�ش�ؤون العربية‬
‫د‪ – ‬مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية‬
‫هـ‪ – ‬املكتب اال�ست�شاري القانوين‬
‫و‪ – ‬مكتب العالقات العامة‬
‫ز‪ – ‬املكتب ال�سيا�سي‬
‫وبا�ستثناء مكتب �أمانة ال�رس‪ ،‬مكتب العالقات العامة واملكتب‬
‫ال�سيا�سي‪ ،‬مل ين�ص القانون على مهام املكاتب الأخرى �سوى القول‬
‫ب�أن كل مكتب ير�أ�سه موظف متفرغ �أو غري متفرغ ي�ساعده عدد من‬
‫امل�ست�شارين املتفرغني‪� ،‬أو بالإ�ضافة �إىل �أعمالهم‪ ،‬لإبداء الر�أي وامل�شورة‬
‫ملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬و�إعداد الدرا�سات والأبحاث التي يراها �رضورية‪،‬‬
‫�أو ما يعهده �إليه املجل�س من �أعمال‪� .‬أما مكتب �أمانة ال�رس فهو املكتب‬
‫املرتبط مبا�رشة مبجل�س قيادة الثورة لتنظيم جدول �أعمال املجل�س مبا يف‬
‫ذلك تنظيم وتن�سيق وتقدمي جميع املرا�سالت التي ترد �إىل املجل�س‪.‬‬
‫وقد تعاقب على رئا�سة مكتب �أمانة ال�رس كل من العقيد �شفيق‬
‫الدراجي الذي عني بعدئذ �سفريا للعراق يف اململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬
‫وبعد عودته �إىل العراق تويف بال�سكتة القلبية‪ .‬ثم عني العقيد طارق‬
‫حمد العبد اهلل الذين عني بعدئذ وزيرا لل�صناعة ثم وجد مقتوال‪ ،‬حيث‬
‫قيل يف حينه ب�أنه انتحر لإ�صابته مبر�ض الك�آبة‪ .‬ثم ت�سلم حمي عبد احل�سني‬
‫امل�شهدي ع�ضو القيادة القطرية وع�ضو جمل�س قيادة الثورة من�صب �أمني‬
‫�رس املجل�س ولكن تعيينه مل يدم طويال‪ ،‬حيث �أعفي من جميع منا�صبه‬
‫ونفذ فيه حكم الإعدام يف �أغ�سط�س (�آب) ‪.1979‬‬
‫ثم �سارع �صدام ح�سني �إىل تعيني �صديقه احلميم خالد عبد املنعم‬
‫‪-325-‬‬
‫ر�شيد اجلنابي يف من�صب �أمني �رس جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬قبل نقله وزيراً‬
‫للزراعة‪ .‬ثم مات اجلنابي بال�سكتة القلبية خالل ح�ضوره اجتماع‬
‫منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) يف روما‪.‬‬
‫�أما مكتب العالقات العامة فقد ن�ص القانون على واجباته باخت�صار‪:‬‬
‫املكتب الذي يقوم بتنظيم ال�ش�ؤون العامة بني جمل�س قيادة الثورة‬
‫واجلهات الوطنية والأجنبية‪ ،‬ومبا يعهد �إليه املجل�س من �أعمال‪.‬‬
‫وكما ذكرت �سابقا‪ ،‬ف�إن هذا املكتب كان النواة الأوىل جلهاز‬
‫املخابرات الذي تعاقب على �إدارته �سعدون �شاكر ثم برزان التكريتي ثم‬
‫ه�شام �صباح الفخري‪ ،‬ثم الدكتور فا�ضل الرباك‪ ،‬ثم جلنة ثالثية برئا�سة‬
‫عدي �صدام ح�سني‪.‬‬
‫وقد ظل املكتب ال�سيا�سي لغزا حمرياً‪ ،‬ومل يك�شف الكثري عن �أهدافه‬
‫احلقيقية‪ ،‬حيث حدد القانون مهمته بجملة مبهمة‪� :‬إبداء الر�أي وامل�شورة‬
‫يف الق�ضايا ال�سيا�سية الداخلية والعربية والدولية! كما ظلت �أ�سماء‬
‫العاملني فيه �رساً من الأ�رسار‪ .‬فمهماته الداخلية غري معروفة وواجباته‬
‫العربية غري معلنة ون�شاطاته الدولية غري ظاهرة‪.‬‬
‫وحاولت جهدي للوقوف على �أية تفا�صيل مهما كانت قليلة عن‬
‫هذا املكتب اللغز‪ ،‬فلم �أفلح‪ .‬قيل يف حينه �أنه املكتب ال�رسي املرتبط‬
‫ب�صدام دون غريه‪ .‬مهمة العاملني فيه هي اختالق «احلوادث امل�ؤ�سفة»‬
‫التي يتعر�ض لها هذا القيادي �أو ذاك الوزير‪ .‬لكنني �شخ�صي ًا‪ ،‬ال �أعتقد‬
‫بذلك‪ ،‬لأن «املنظمة ال�رسية» ال حتتاج �إىل ن�ص قانوين‪ ،‬يكفي �أنها‬
‫ت�ستطيع �سحق القانون دون �أن مي�سها القانون �أو يد العدالة‪.‬‬

‫القيادة القطرية وجمل�س قيادة الثورة‬


‫قبل يوليو (متوز) ‪ ،1968‬مل يكن للقيادة القطرية للحزب �أي دور‬
‫‪-326-‬‬
‫معلن على امل�ستوى الر�سمي‪ ،‬ومل ي�رش �إليها يف البيانات التي �أذاعها قادة‬
‫االنقالب الذين هيمنوا على مقاليد ال�سلطة‪ .‬ويف يوم ‪ 18‬يوليو (متوز)‪،‬‬
‫�أعلن ر�سميا ب�أن ال�سلطة العليا يف البالد هي جمل�س الثورة‪ ،‬وان �أع�ضاءه هم‪:‬‬
‫– �أحمد ح�سن البكر‬
‫– �صالح مهدي عما�ش‬
‫– حردان عبد الغفار التكريتي‬
‫– عبد الرزاق النايف‬
‫– �إبراهيم الداوود‬
‫– حماد �شهاب‬
‫– �سعدون غيدان‬
‫وهكذا جاء ت�شكيل املجل�س من العنا�رص الع�سكرية فقط‪ ،‬ومل ي�ضم‬
‫من القيادة البعثية �سوى البكر وعما�ش‪� .‬أما حردان فكان ع�ضواً ب�سيطا‬
‫يف احلزب‪.‬‬
‫وبعد ت�صفية النايف والداوود �أعيد ت�شكيل جمل�س قيادة الثورة على‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫– �أحمد ح�سن البكر‬
‫– �صالح مهدي عما�ش‬
‫– حردان عبد الغفار التكريتي‬
‫– �سعدون غيدان‬
‫– طه اجلزراوي‬
‫– �صدام ح�سني‬
‫– عزت م�صطفى‬
‫– �صالح عمر العلي‬
‫‪-327-‬‬
‫�أما القيادة القطرية للحزب‪ ،‬عند حدوث االنقالب‪ ،‬فكانت م�ؤلفة‬
‫من نوعني من الأع�ضاء‪� .‬أع�ضاء منتخبني‪ ،‬و�أع�ضاء «م�ضافني» وذلك‬
‫على النحو التايل‪:‬‬
‫�أحمد ح�سن البكر التكريتي‬
‫�صالح مهدي عما�ش‬
‫�صدام ح�سني التكريتي‬
‫�صالح عمر العلي التكريتي‬
‫عبد اهلل �سلوم ال�سامرائي‬
‫عبد اخلالق ال�سامرائي‬
‫عبد الكرمي ال�شيخلي‬
‫طه اجلزراوي‬
‫عزت م�صطفى العاين (ع�ضو م�ضاف)‬
‫�شفيق الكمايل (ع�ضو م�ضاف)‬
‫بعد ذلك بفرتة ق�صرية‪ ،‬جرت «انتخابات» جديدة للقيادة القطرية‬
‫«انتخب» مبوجبها �أع�ضاء �آخرون للقيادة‪ ،‬و�أ�ضيفوا �إىل القائمة ال�سابقة‬
‫وهم‪:‬‬
‫عزت �إبراهيم الدوري‬
‫مرت�ضى �سعيد عبد الباقي احلديثي‬
‫�سمري عبد العزيز النجم‬
‫نعيم حداد‬
‫عبد الوهاب عبد الكرمي‬
‫وا�ستنادا �إىل د�ستور حزب البعث‪ ،‬ف�إن القيادة القطرية تنتخب مرة‬
‫كل �سنتني‪ .‬غري �أن الظروف اال�ستثنائية التي رافقت العمل احلزبي قبل‬
‫‪-328-‬‬
‫االنقالب‪ ،‬وظروف االنقالب ذاته‪ ،‬ولأ�سباب مل �أقف على حقيقتها‪،‬‬
‫ف�أن «االنتخابات» مل جتر ب�شكل منتظم طبقا لد�ستور احلزب‪ .‬وقد‬
‫تباين عدد �أع�ضاء القيادة القطرية خالل الفرتة ‪ 1968‬و‪ .1977‬فبعد‬
‫�أن كان العدد ‪ 17‬ع�ضوا‪ ،‬تقل�ص �إىل ‪ 13‬عام ‪ 1975‬اما ب�سبب طرد‬
‫بع�ض الأع�ضاء‪� ،‬أو ب�سبب تعيينهم يف وظائف دبلوما�سية خارج العراق‪.‬‬
‫ويف يناير (كانون الثاين) ‪ ،1977‬زيد عدد الأع�ضاء �إىل ‪ 21‬ع�ضوا‪،‬‬
‫كما مت متديد مدة الع�ضوية �إىل خم�س �سنوات‪ ،‬مبربر �أن الزيادة تتطلبها‬
‫�رضورات الإ�رشاف على خطة التنمية القومية لل�سنوات ‪،1980 – 76‬‬
‫وحتمل م�س�ؤولية تنفيذها‪.‬‬
‫يف هذا الوقت‪ ،‬تكونت القيادة القطرية من‪:‬‬
‫‪� – 1‬أحمد ح�سن البكر‪� – ‬أمني ال�رس (تكريتي‪� – ‬سني)‬
‫‪� – 2‬صدام ح�سني املجيد نائب �أمني ال�رس (تكريتي‪� – ‬سني)‬
‫‪ – 3‬عزت �إبراهيم الدوري (�سني)‬
‫‪ – 4‬طه يا�سني رم�ضان اجلزراوي (يزيدي)‬
‫‪ – 5‬نعيم حداد (�شيعي)‬
‫‪ – 6‬تايه عبد الكرمي العاين (علوي)‬
‫‪ – 7‬حممد حمجوب الدوري (�سني)‬
‫‪ – 8‬عدنان ح�سني احلمداين (�شيعي)‬
‫‪ – 9‬غامن عبد اجلليل (�شيعي)‬
‫‪ – 10‬طاهر توفيق العاين (�سني)‬
‫‪ – 11‬ح�سن علي العامري (�شيعي)‬
‫‪ – 12‬عبد الفتاح اليا�سني (تكريتي‪� – ‬سني)‬
‫‪� – 13‬سعدون �شاكر (�سني)‬
‫‪ – 14‬جعفر قا�سم حمودي العاين (�سني)‬
‫‪-329-‬‬
‫‪ – 15‬عبد اهلل فا�ضل ال�سامرائي (�سني)‬
‫‪ – 16‬طارق حنا عزيز (م�سيحي)‬
‫‪ – 17‬عدنان خرياهلل طلفاح (تكريتي‪� – ‬سني)‬
‫‪ – 18‬حكمت �إبراهيم مزبان العزاوي (�سني)‬
‫‪ – 19‬حممد عاي�ش (�سني)‬
‫‪ – 20‬عزت م�صطفى العاين (�سني)‬
‫‪ – 21‬فليح ح�سن اجلا�سم (�شيعي)‬
‫وبعد م�ضي �شهرين على تلك االنتخابات‪ ،‬فوجئت تنظيمات‬
‫احل��زب بعقد اجتماع م�شرتك للقيادتني القطرية والقومية يف‬
‫‪� ،1977/3/22‬أعقبه بيان مقت�ضب يقول ب�أن القيادتني قررتا‬
‫�إعفاء عزت م�صطفى العاين (وزير ال�صحة) وفليح ح�سن اجلا�سم‬
‫(وزير ال�صناعة) من جميع منا�صبهما وطردهما من احلزب وذلك‬
‫«جلبنهما وتخاذلهما وعدم القيام بواجباتهما)‪ .‬وقد جاء هذا الطرد‬
‫بعد امتناعهما عن �إنزال عقوبة الإعدام ببع�ض املتهمني يف مظاهرة‬
‫النجف يف فرباير (�شباط) ‪.1977‬‬
‫وانزوى عزت م�صطفى يف بيته ال يخرج منه وال يقابل فيه �أحدا‪.‬‬
‫ومات اجلا�سم يف حادث �سيارة!‬
‫وتوالت «االنتخابات» مرات �أخرى‪ .‬وخرج من خرج من القيادة‬
‫لعدم ح�صوله على الأ�صوات الكافية‪� .‬أو لغيابه امل�ستمر‪� ،‬أو ب�سبب‬
‫�إعدامه‪� ،‬أو مر�ضه املزمن‪� .‬أو لعدم قيامه بواجباته احلزبية‪ ،‬ب�سبب‬
‫ان�شغاله يف ح�ضور �سباقات اخليل (الراي�زس) �أو ل�سوء �أخالقه لأنه حتر�ش‬
‫ب�صحافية �أجنبية جميلة كانت تزور بغداد لإجراء مقابلة �صحفية مع‬
‫القائد الفذ!‬
‫‪-330-‬‬
‫الد�ستور العراقي وجمل�س قيادة الثورة‬
‫بتاريخ ‪ 16‬يوليو (متوز) ‪� ،1970‬أ�صدر جمل�س قيادة الثورة قراره‬
‫املرقم ‪ 792‬و�أ�سماه «الد�ستور امل�ؤقت»‪ .‬وخالل الفرتة من ‪1970‬‬
‫حتى نهاية ‪� 1977‬أجرى املجل�س �سل�سلة من التعديالت على الد�ستور‬
‫امل�ؤقت منها القرار رقم ‪ 247‬يف ‪ ،1974/2/11‬حيث �أ�ضيفت‬
‫مبوجبه الفقرة (ج) �إىل املادة الثامنة لتن�ص على متتع املنطقة التي غالبية‬
‫�سكانها من الأكراد باحلكم الذاتي‪ .‬ويف عام ‪� 1977‬أ�صدر املجل�س‬
‫قراره املرقم ‪ 987‬لي�ضيف مبوجبه فقرتني جديدتني اىل املادة ‪ 37‬حول‬
‫ع�ضوية املجل�س‪.‬‬
‫يبحث الباب الرابع ]‪ [7‬من الد�ستور امل�ؤقت يف م�ؤ�س�سات‬
‫اجلمهورية العراقية وين�ص على �أن تلك امل�ؤ�س�سات هي‪ :‬جمل�س قيادة‬
‫الثورة‪ ،‬املجل�س الوطني‪ ،‬رئي�س اجلمهورية‪ ،‬الق�ضاء‪.‬‬
‫وبالرغم من هذا التق�سيم‪ ،‬ف�أن امل�ؤ�س�سة امل�سماة مبجل�س قيادة الثورة‪،‬‬
‫وتلك امل�سماة برئي�س اجلمهورية هي م�ؤ�س�سة واحدة لأن رئي�س جمل�س‬
‫قيادة الثورة هو رئي�س اجلمهورية وهو رئي�س الوزراء يف الوقت ذاته‪.‬‬
‫ونظرا للدور الكبري الذي تلعبه وت�ضطلع به امل�ؤ�س�سة امل�سماة مبجل�س‬
‫قيادة الثورة‪� ،‬أجد من املفيد �إيراد الن�صو�ص الكاملة لتكوينها كما وردت‬
‫يف الد�ستور يف ملحق م�ستقل‪.‬‬
‫وكما يت�ضح من هذا الباب‪ ،‬فان جمل�س قيادة الثورة يلعب دوراً كبرياً‬
‫يف ادارة �ش�ؤون العراق من جهة‪ ،‬ويف حتديد م�صائر العراقيني من جهة‬
‫�أخرى‪.‬‬
‫فاملجل�س هو كل �شىء‪.‬‬
‫‪-331-‬‬
‫هو ال�سلطة العليا‪.‬‬
‫هو م�رشع القوانني‪ ،‬بل هو القانون‪.‬‬
‫وفوق كل ذلك‪ ،‬ق��رارات املجل�س قطعية ال �سبيل ملناق�شتها �أو‬
‫االعرتا�ض عليها‪.‬‬
‫ولكن ميكن الغا�ؤها ب�إ�شارة من الرئي�س‪.‬‬
‫وكما يت�ضح من ن�صو�ص الباب الرابع من الد�ستور امل�ؤقت‪ ،‬فان‬
‫�أع�ضاء القيادة القطرية حلزب البعث هم �أع�ضاء يف جمل�س قيادة الثورة‪،‬‬
‫وان املجل�س هو املخول بتوجيه االتهام اىل �أع�ضائه واىل نواب رئي�س‬
‫اجلمهورية وكذلك الوزراء وحماكمتهم‪.‬‬
‫وبخالف ما هو متعارف عليه يف الدول ذات الأنظمة الربملانية‪ ،‬فان‬
‫اجتماعات جمل�س قيادة الثورة ومداوالته تعترب من الأمور املغلفة بال�رسية‬
‫املطلقة واف�شا�ؤها يقع حتت طائلة امل�ساءلة والعقاب‪.‬‬
‫وميار�س جمل�س قيادة الثورة بالأغلبية الب�سيطة لعدد �أع�ضائه‪� ،‬صالحيات‬
‫خطرية كالتعبئة العامة و�إع�لان احلرب �أو قبول الهدنة وعقد ال�صلح‪،‬‬
‫وكذلك امل�صادقة على املعاهدات واالتفاقيات الدولية‪� .‬أ�ضافة اىل ذلك‪،‬‬
‫فان للمجل�س حق تخويل الكثري من �صالحياته اىل رئي�سه �أو اىل نائبه‪.‬‬
‫وميكن القول ب�أن كثرياً من القرارات ال�صادرة با�سم املجل�س ال‬
‫ال على املجل�س‪ .‬بل ان رئي�س اجلمهورية كان ي�صدرها ب�صفته‬‫تعر�ض فع ً‬
‫رئي�س ًا له دون حاجة لدرا�ستها �أو مناق�شتها!‬

‫‪ :1974‬بداية القب�ضة احلديدية‬


‫لقد بينت �سابقا كيف متكن �صدام ح�سني من ب�سط نفوذه‪� ،‬شيئا‬
‫ف�شيئا‪ ،‬على جميع مرافق الدولة و�إم�ساكه بخيوط ال�سيا�سة االقت�صادية‬
‫‪-332-‬‬
‫والنفطية‪ ،‬منذ �أن تخل�ص من �صالح مهدي عما�ش لي�رشف بنف�سه على‬
‫خطوات ت�أميم النفط عام ‪ ،1972‬ثم م�ضت ب�ضعة �أ�شهر‪.‬‬
‫وجاء عام ‪ .1974‬و�إذا مبفاتيح ال�سيا�سة النفطية بيد �صدام ي�ساعده‬
‫يف ذلك عدنان ح�سني احلمداين‪ .‬مفاتيح مقاوالت امل�شاريع ال�صناعية‬
‫الكبرية بيد �صدام ب�صفته رئي�سا ملجل�س التخطيط‪ ،‬ي�ساعده يف ذلك‬
‫جهاز وزارة التخطيط واجلهاز املركزي للإح�صاء‪� .‬أدوات العمل ال�رسي‬
‫واملخابرات حتت �إ�رشاف �صدام ي�ساعده يف ذلك �سعدون �شاكر وبرزان‬
‫التكريتي‪ .‬ولكي تزداد قب�ضة �صدام على كل مرافق احلياة وت�سخر جهود‬
‫كل النا�س و�أفكارهم خلدمته من خالل تنظيمات حزب البعث‪ ،‬فوجئ‬
‫العراقيون بقرار جمل�س قيادة الثورة املرقم ‪ 1083‬يف يوم الأحد املوافق‬
‫‪� 6‬أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ 1974‬الذي جعل التقرير ال�سيا�سي للم�ؤمتر‬
‫القطري الثامن حلزب البعث قانونا ]‪ [8‬يقود ال�سلطة والدولة‪ ،‬ومنهاجا‬
‫ودليل عمل جلميع �أجهزة الدولة وم�ؤ�س�ساتها ومدار�سها وجامعاتها‪.‬‬
‫وبتعبري �آخر مل يعد للوزارة االئتالفية التي �شكلت عام ‪ 1972‬و�ضمت‬
‫�أع�ضاء من احلزب ال�شيوعي والأحزاب القومية والكردية الأخرى �أي‬
‫دور فعلي يف �إدارة دفة احلكم �إال �إذا ان�صاع الوزراء غري البعثيني وارت�ضوا‬
‫لأنف�سهم الإميان مبقررات امل�ؤمتر القطري الثامن للحزب‪.‬‬
‫ومل مي�ض على �صدور قانون احلزب القائد �سوى �شهر واحد‪ ،‬و�إذا‬
‫بتعديل وزاري كبري دخل الوزارة وفقا له من هو موال ل�صدام ح�سني‪،‬‬
‫و�أبعد منها من ي�شك يف والئهم املطلق له‪.‬‬

‫ر�أي الإدارة الأمريكية يف الت�شكيل‬


‫يف ‪ 2‬يناير (كانون الثاين) ‪ ،1997‬ن�رشت وزارة اخلارجية الأمريكية‬
‫وثيقة م�ؤرخة يف ‪ 30‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪.1974‬‬
‫‪-333-‬‬
‫والوثيقة عبارة عن تقرير �رسي من �شعبة رعاية امل�صالح الأمريكية‬
‫يف بغداد �إىل وزير اخلارجية الأمريكي تت�ضمن حتليال لأ�سباب التعديل‬
‫الوزاري الذي جرى يوم ‪ 11‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪.1974‬‬
‫وقد يكون مفيداً ترجمة الوثيقة وتلخي�صها كما يلي‪:‬‬
‫رقم الوثيقة‪PR 131130 :‬‬

‫تاريخ الوثيقة‪NOV./30/1974 :‬‬

‫املو�ضوع‪� :‬أهم و�أكرب تعديل وزاري يف العراق منذ ا�ستالم البعث‬


‫ال�سلطة عام ‪.1968‬‬
‫يف يوم ‪ 11‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1974‬حدث �أكرب و�أهم تغيري‬
‫وزاري يف العراق‪ .‬وت�شري تقديراتنا وحتليالتنا الأولية �إىل �أن �صدام‬
‫ح�سني كان وراء هذا التغيري الهام من �أجل ب�سط وتقوية �سيطرته على‬
‫م�ؤ�س�سات الدولة وذلك عن طريق تعيني جمموعة من البعثيني املوالني له‬
‫و�إبعاد من ي�شك بوالئه املطلق‪� .‬أن هذا التغيري الوزاري دليل وا�ضح على‬
‫ت�صميم حزب البعث يف عدم ال�سماح لأية جهة م�شاركته يف احلكم‬
‫ويف ال�سلطة‪� ،‬سواء كانت اجلهة احلزب ال�شيوعي‪ ،‬حركة القوميني‬
‫العرب‪� ،‬أو �أية حركة �أو جمموعة تقدمية‪.‬‬
‫�إننا يف الإدارة الأمريكية على ثقة تامة ب�أن �أع�ضاء الوزارة اجلديدة‬
‫�أعلى كفاءة ومقدرة من �أع�ضاء الوزارة ال�سابقة‪ .‬فوزير اخلارجية اجلديد‬
‫هو الدكتور �سعدون حمادي (وزير النفط �سابقا) التكنوقراط‪ ،‬املتخرج‬
‫من اجلامعات الأمريكية‪.‬‬
‫�أننا نعترب التغيري الوزاري الذي �أجرى يوم ‪ 11‬نوفمرب (ت�رشين الثاين)‬
‫ب�شرياً لال�ستقرار ال�سيا�سي وا�ستمرارا ل�سيا�سة عدم االنحياز ودليال‬
‫‪-334-‬‬
‫على �أهمية �صدام ح�سني يف انتهاج �سيا�سة واقعية وعملية يف �إدارة‬
‫دفة احلكم‪� .‬أن �أهم ما يلفت النظر يف هذا التغيري الوا�سع زرع املوالني‬
‫ل�صدام ح�سني يف منا�صب الدولة الرئي�سية لدعم مركزه كنائب لرئي�س‬
‫جمل�س قيادة الثورة ونائب لل�سكرتري العام حلزب البعث‪� ،‬أما �أحمد‬
‫ح�سن البكر رئي�س اجلمهورية فلم يك�سب �شيئا من هذا التغيري بالرغم‬
‫من احتفاظه مبن�صب وزير الدفاع‪.‬‬
‫ومن �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة البارزين‪ ،‬احتفظ الدكتور عزت‬
‫م�صطفى مبن�صبه كوزير لل�صحة و�أ�سند �إىل طه اجلزراوي من�صب وزير‬
‫التخطيط بالوكالة �إ�ضافة �إىل من�صبه كوزير لل�صناعة‪� .‬أما عزت الدوري‬
‫فقد �أ�صبح وزيرا للداخلية بدال من وزارة الإ�صالح الزراعي‪ ،‬ومت �إبعاد‬
‫الفريق �سعدون غيدان من وزارة الداخلية �إىل وزارة املوا�صالت‪ ،‬وبهذا‬
‫متكن �صدام من التخل�ص من �آخر ع�سكري ب�إعطائه وزارة �أقل م�ستوى‬
‫من وزارة الداخلية‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إىل ما ذكرناه �أعاله ف�أن القيادة القطرية حلزب البعث هي‬
‫الأخرى حققت مكا�سب ملحوظة يف هذا التغيري‪ .‬فقد ا�ستلم خم�سة‬
‫�أع�ضاء من القيادة‪ ،‬ب�ضمنهم �أع�ضاء مل مي�ض على انتخابهم يف القيادة‬
‫�سوى ب�ضعة �أ�شهر‪ ،‬منا�صب وزارية‪ .‬ه�ؤالء الأع�ضاء هم‪ :‬نعيم حداد‬
‫(وزير ال�شباب)‪ ،‬تايه عبد الكرمي (وزير النفط)‪ ،‬حممد حمجوب الدوري‬
‫(وزير الرتبية)‪ ،‬غامن عبد اجلليل (وزير التعليم العايل والبحث العلمي)‪،‬‬
‫�أما طارق عزيز (الع�ضو االحتياط) فقد �أ�سند �إليه من�صب وزير الثقافة‬
‫والأعالم‪.‬‬
‫والبد �أن ن�ؤكد ب�أن �أع�ضاء القيادة اخلم�سة املذكورين �أعاله يدينون‬
‫بالوالء ل�صدام ح�سني ويتمتعون بخربات �إدارية وا�سعة‪.‬‬
‫‪-335-‬‬
‫ميثل التغيري الوزاري اجلديد خ�سارة ملحوظة لغري البعثيني‪ .‬فبالن�سبة‬
‫�إىل الأكراد �أعفي الوزير ه�شام عقراوي من من�صبه ونقل وزير الأ�شغال‬
‫�إح�سان �شريزاد �إىل وزارة البلديات وبهذا �أ�صبح عدد الوزراء الأكراد‬
‫�أربعة بدال من خم�سة‪ ،‬ومل يك�سب احلزب ال�شيوعي من التغيري �شيئا‬
‫وبقي حمتفظا بثالثة ممثلني يف ال��وزارة دون �إ�ضافة �أو �أبعاد ]‪� .[9‬أما‬
‫القوميون فقد كان ن�صيبهم من اخل�سارة �أكرث من غريهم‪ .‬فقد خف�ضت‬
‫املرتبة الوزارية الثنني هما ه�شام ال�شاوي الذي �أ�صبح وزيرا للدولة بعد‬
‫�أن كان وزيرا للتعليم العايل‪ ،‬والدكتور �أحمد عبد ال�ستار اجلواري‪[10] ‬‬
‫الذي عني كذلك وزيرا للدولة بعد �أن كان وزيرا للرتبية‪� .‬أما وزير‬
‫التخطيط جواد ها�شم فقد �أعفي من من�صبه بالرغم من كونه من ال�شيعة‬
‫البارزين �ضمن ال�سلطة احلاكمة‪.‬‬
‫ومن التعيينات املهمة الأخرى يف الرتكيبة الوزارية اجلديدة �إ�سناد‬
‫من�صب وزير اخلارجية للدكتور �سعدون حمادي بدال من وزارة النفط‬
‫التي كان ي�شغلها‪ .‬لقد �أكمل ال�سيد حمادي درا�سته يف �أمريكا ويعترب‬
‫من �أبرز التكنوقراط العراقيني وله خربة دولية وا�سعة اكت�سبها من خالل‬
‫عمله يف حقل النفط خالل ال�سنوات ال�ست املا�ضية‪ .‬وبالرغم من �أن‬
‫�سعدون حمادي �سيكون منفذا لل�سيا�سة العراقية ولي�س خمططا لها ف�أن‬
‫تعيينه يعترب عالمة م�شجعة للغرب‪� .‬أما تايه عبد الكرمي فتقت�رص خربته‬
‫على ال�ش�ؤون احلزبية و�ش�ؤون الزراعة لذلك نتوقع اقت�صار دوره على‬
‫ممار�سة التحدث با�سم م�ؤ�س�سة �صدام ح�سني املعروفة بهيئة املتابعة التي‬
‫تخت�ص بر�سم ال�سيا�سة النفطية‪.‬‬
‫وختاما‪ ،‬ال بد من الت�أكيد ب�أن جميع الوزارات الرئي�سية هي الآن‬
‫بيد البعثيني املوالني ل�صدام ح�سني وعليه يجب اعتبار التغيري الوزاري‬
‫اجلديد مبثابة تالحم ومتا�سك �سلطة البعث وانتقال حقيقي لل�سلطة �إىل‬
‫‪-336-‬‬
‫جمل�س الوزراء‪ ،‬وهو �أمر �سي�ساعد على الإ�رساع يف جهود التنمية لبناء‬
‫العراق‪� .‬إ�ضافة لذلك يعترب التغيري الوزاري ا�ستمراراً ل�سيطرة حزب‬
‫البعث املبا�رشة والقوية على جميع ال�ش�ؤون الر�سمية‪.‬‬
‫�إن التخل�ص من ال��وزراء القوميني وتقلي�ص عدد ال��وزراء الأكراد‬
‫وعدم �إ�سناد �أي من�صب وزاري ل�شيوعيني �آخرين بالرغم من م�ساهمة‬
‫جميع تلك القوى يف اجلبهة الوطنية‪� ،‬إمنا هو الدليل القاطع على ت�صميم‬
‫حزب البعث لالنفراد بال�سلطة واملحافظة على نقاوتها الأيديولوجية‪.‬‬
‫و�أخريا‪ ،‬نحن نعتقد ب�أن احلزب ال�شيوعي العراقي ومن وراءه االحتاد‬
‫ال�سوفيتي �سيعيدان النظر يف مواقفهما من ال�سلطة العراقية بعد �أن كان‬
‫االحتاد ال�سوفيتي ميار�س ال�ضغط على احلكومة العراقية لكي تو�سع من‬
‫م�شاركة كافة القوى ال�شعبية والتقدمية يف احلكم‪ .‬و�أكرث من ذلك ف�إن‬
‫االحتاد ال�سوفيتي وجهات �أخرى �ستف�رس تعيني �سعدون حمادي �إ�شارة‬
‫لأمريكا و�إر�ضاء لها‪.‬‬

‫املخابرات الأمريكية وجمل�س قيادة الثورة‬


‫عندما ا�ستلم حزب البعث ال�سلطة يف فرباير (�شباط) ‪ ،1963‬قيل ب�أنه‬
‫جاء �إىل احلكم بقطار �أمريكي‪ .‬ويف ‪ 18‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪،1963‬‬
‫�أبعد اجلناح املتطرف من احل��زب و�سيطر عبد ال�سالم ع��ارف على‬
‫احلكم وتخل�ص من البعث‪ .‬بتعبري �آخر �سقط حكم حزب البعث‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬ا�ستمرت الأقاويل والكتابات متهمة قيادة البعث �آنذاك بالعمالة‬
‫للأمريكان‪ .‬ثم جاء ‪ 17‬و‪ 30‬يوليو (متوز) ‪ ،1968‬وظهر �أحمد ح�سن‬
‫البكر على �شا�شة تلفزيون بغداد‪ ،‬وخلفه وقف �صدام ح�سني حامال‬
‫ر�شا�شة‪ ،‬ليعلن التخل�ص من رئي�س الوزراء عبد الرزاق النايف و�أبعاده‬
‫خارج العراق‪� ،‬إكماال ل�سيطرة البعث على مقاليد احلكم‪.‬‬
‫‪-337-‬‬
‫ومع ‪ 30‬من يوليو (متوز) ا�ستعادت الإ�شاعات والأقاويل ن�شاطها‬
‫على م�رسح الأح��داث ال�سيا�سية‪ ،‬وعاد القطار الأمريكي يقف يف‬
‫املحطة الرئي�سية يف بغداد حامال يف عرباته عنا�رص قيل �أنها يف القيادة‬
‫القطرية حلزب البعث‪� ،‬أو لها خط ات�صال مبا�رش مع جمل�س قيادة الثورة‬
‫لتنقل الر�سائل واملعلومات من و�إىل م�س�ؤول �أمريكي كبري املرتبة يقبع يف‬
‫مكان منزو يف �شعبة رعاية امل�صالح الأمريكية يف بغداد‪ ،‬مهمته الوحيدة‬
‫التن�سيق بني �أطراف املعادلة العراقية الأمريكية‪.‬‬
‫لي�ست لدي وثائق تدعم تلك الأقاويل والإ�شاعات‪ ،‬غري �أن �أحداثا‬
‫متعاقبة‪ ،‬وتذاكر �سفر متناثرة يف حمطات وقوف القطار الأمريكي ت�شري‬
‫�إىل وجود حلقة �أو حلقات ات�صال �أمريكية �أعانت البعث العراقي منذ‬
‫عام ‪ ،1963‬وقد ت�ستمر يف �إعانته لزمن طويل حفاظا على امل�صالح‬
‫الأمريكية يف املنطقة العربية‪.‬‬
‫بحثت كثريا يف الوثائق الأمريكية التي ن�رشت م�ؤخرا علني �أجد‬
‫�شيئا عن ات�صاالت خفية �أ�شيع عن وجودها بني حكام العراق احلاليني‬
‫والإدارة الأمريكية فلم �أعرث على الكثري‪ .‬غري �أن وثيقة واحدة ا�سرتعت‬
‫انتباهي لأنها ت�شري �إىل وجود «م�صدر موثوق به» داخل القيادة العراقية‬
‫له ات�صال مبا�رش مع الإدارة الأمريكية‪ .‬هذه الوثيقة هي تقرير �رسي‬
‫م�ؤرخ يف ‪� 24‬أبريل (ني�سان) ‪ 1980‬حول �إ�شاعة �إعدام رجل الدين‬
‫املعروف �أية اهلل حممد باقر ال�صدر و�شقيقته �آمنة ال�صدر‪.‬‬
‫�أهمية هذا التقرير ال تكمن يف كونه يبحث يف ما كان يدور يف بغداد‬
‫�آنذاك من �إ�شاعات حول تنفيذ حكم الإعدام بال�سيد ال�صدر و�شقيقته‪،‬‬
‫و�إمنا الأهمية تكمن يف تكرار التقرير للإ�شارة �إىل م�صدر معلومات‬
‫ال�سلطات الأمريكية واعتمادها على �شخ�ص يف القيادة العراقية �أو وثيق‬
‫ال�صلة مع �سلطة اتخاذ القرار‪.‬‬
‫‪-338-‬‬
‫ونظرا لأهمية هذه الوثيقة �أورد �أدناه ترجمة حرفية لها‪.‬‬
‫الرقم‪PR241 254 Z :‬‬

‫التاريخ‪24/4/1980 :‬‬

‫من‪� :‬شعبة رعاية امل�صالح الأمريكية‪ – ‬بغداد‬


‫�إىل‪ :‬وزارة اخلارجية‪ – ‬وا�شنطن‬
‫ن�سخة منه للمعلومات �إىل ال�سفارات الأمريكية يف �أبو ظبي‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫املنامة‪ ،‬بريوت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الظهران‪ ،‬الدوحة‪ ،‬جدة‪ ،‬كابل‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬لندن‪ ،‬م�سقط‪.‬‬
‫‪ – 1‬املو�ضوع‪ :‬ق�ضية �آية اهلل باقر ال�صدر‪� -‬شهادات مت�ضاربة‪.‬‬
‫‪ – 2‬الزالت ال�شائعات املحرية واملت�ضاربة حول م�صري الإمام ال�شيعي‬
‫�آية اهلل ال�صدر م�ستمرة‪ .‬لقد كنا على و�شك �إنهاء التقرير عن‬
‫هذه الق�ضية نقول فيه ب�أنه من غري املنطقي �أن تقدم احلكومة‬
‫العراقية على ا�ستفزاز الغالبية من �سكان العراق الذين هم من‬
‫ال�شيعة ب�إعدامها �شخ�صية مرموقة كال�سيد ال�صدر‪ ،‬ذلك لأن‬
‫احلكومة العراقية �سوف ال تك�سب �شيئا من هذا العمل‪.‬‬
‫وما �أن انتهينا من التو�صل �إىل هذا التحليل املنطقي حتى و�صلتنا‬
‫�أخبار م�ؤكدة ت�شري �إىل تنفيذ حكم الإعدام بال�سيد باقر ال�صدر‬
‫بعد حماكمة �رسية‪.‬‬
‫�أن التف�سريات التي �أعطيت لنا تعزو �أ�سباب الت�رسع يف تنفيذ‬
‫حكم الإعدام �إىل اعتقاد احلكومة العراقية ب�أن باقر ال�صدر ميتا‬
‫هو �أقل خطرا من بقائه حيا يف مدينة النجف‪� ،‬أو يف املنفى‪.‬‬
‫‪-339-‬‬
‫‪ – 3‬ما ذكر �أعاله هي الإ�شاعات التي تدور يف بغداد‪ .‬غري �أننا قد‬
‫�أخربنا مبا�رشة من م�صدرنا املوثوق ذي االت�صاالت املبا�رشة ب�أن‬
‫احلكومة العراقية قد حكمت فع ً‬
‫ال على باقر ال�صدر بالإعدام �إال‬
‫�أن احلكم مل ينفذ بعد‪ .‬ويذهب م�صدرنا املوثوق به �إىل الت�أكيد‬
‫ب�أن �إ�شاعة تنفيذ حكم الإعدام هو جل�س النب�ض‪ .‬فان حدث‬
‫متلمل وتذمر لدى ال�شيعة يف العراق تقوم احلكومة عندئذ‬
‫ب�إظهار ال�سيد ال�صدر على �شا�شة التلفزيون تكذيبا لل�شائعات‪.‬‬
‫�إما �إذا مل حتدث �شائعات تنفيذ حكم الإعدام �سوى ردود فعل‬
‫ب�سيطة يف العراق �أو من قبل حكام �إيران ف�إن حكم الإعدام‬
‫�سينفذ �رسا وبدون �ضجة �إعالمية‪.‬‬
‫‪ – 4‬ي�ؤكد م�صدرنا املعتمد ب�أن �سلطات الأمن واملخابرات على ثقة‬
‫تامة ب�أن اال�ضطرابات التي قامت يف النجف وكربالء وبغداد‬
‫قد ق�ضي عليها نهائيا‪ ،‬حيث ي�سود الهدوء وال�سكينة املناطق‬
‫ال�شيعية‪ .‬كما ي�ؤكد م�صدرنا املعتمد عزم القيادة العراقية على‬
‫الق�ضاء بكل �رضاوة وعنف �شديد على �أي ن�شاط معاد‪.‬‬
‫‪� – 5‬إننا نواجه املع�ضلة التي عرفت بها بغداد‪� ،‬إذ لي�س هناك و�سيلة‬
‫مبا�رشة ملعرفة ما �إذا كان باقر ال�صدر حيا �أم ميتا‪ ،‬خا�صة و�أن‬
‫حزب البعث العربي اال�شرتاكي يتعمد �إثارة ق�صة �إعدامه فعليا‪.‬‬
‫املجتمع الدبلوما�سي يف بغداد يعتقد ب�أن حكم الإعدام قد نفذ‬
‫فع ً‬
‫ال‪� ،‬إال �أن م�صدرنا املوثوق به واملعتمد من قبلنا يق�سم اليمني‬
‫وي�ؤكد ب�أن �أع�ضاء بارزين يف جمل�س قيادة الثورة ويف قيادة‬
‫حزب البعث العربي اال�شرتاكي ومكاتبه املتخ�ص�صة ينفون نفيا‬
‫قاطعا �إ�شاعات تنفيذ حكم الإعدام بال�سيد ال�صدر‪.‬‬
‫‪� – 6‬أن امل�س�ؤولني العراقيني ي�ؤمنون بالواقع العملي‪ .‬وما مل ي�شكل‬
‫‪-340-‬‬
‫باقر ال�صدر خطرا مبا�رشا عليهم ف�إنه ال يوجد �سبب �رضوري‬
‫للق�ضاء عليه‪� .‬إن موته قد ي�ؤدي �إىل �إ�شعال نار ثورة كبرية ف�شل‬
‫اخلميني حتى الآن يف �إثارتها و�إ�شعالها‪.‬‬
‫‪� – 7‬أما �إذا �أ�ساءت ال�سلطة العراقية تدبري ق�ضية باقر ال�صدر‪ ،‬ف�إن‬
‫النتيجة قد تكون لها عواقب وخيمة على نظام �صدام والدول‬
‫املجاورة‪.‬‬

‫التوقيع �إدوارد بيك‬


‫‪Edward L. Peck‬‬

‫]‪ – [1‬جريدة اجلمهورية‪ :‬العدد ‪ 258‬يف ‪1968/10/6‬‬

‫]‪ – [2‬مولود كامل عبد عني بعد فرتة وزيرا للزراعة‪ ،‬ويف نهاية عام ‪ 1979‬وجد‬
‫مقتوال بر�صا�صة واحدة يف ر�أ�سه‪ ،‬يف �إحدى ال�شوارع الفرعية بالقرب من منطقة‬
‫�أبو غريب يف بغداد‪.‬‬

‫]‪� – [3‬أ�صبح فيما بعد رئي�سا جلامعة بغداد ثم مندوب ًا للعراق يف اجلامعة العربية‪.‬‬

‫]‪ – [4‬يالحظ �أن هذا املكتب مل ي�ضم يف ع�ضويته �سوى كردي واحد هو �أكرم‬
‫الدباغ‪.‬‬

‫]‪ – [5‬كان وكيال لوزارة العمل‪ ،‬ثم رئي�سا جلامعة املو�صل‪ ،‬ثم وزيراً للتعليم العايل‪،‬‬
‫و�سفريا للعراق يف باري�س‪ ،‬فيينا‪ ،‬لندن ووا�شنطن‪ .‬ويف يوم ‪� ،1991/1/15‬أي‬

‫‪-341-‬‬
‫قبل حرب اخلليج بيومني ا�ستدعته احلكومة العراقية للعودة �إىل بغداد للت�شاور‪،‬‬
‫لكنه مل يرجع وقدم طلبا ب�إحالته على التقاعد‪ ،‬وجل�أ �إىل كندا‪.‬‬

‫]‪ – [6‬كان املقدم عدنان خرياهلل هو امل�رشف على املكتب الع�سكري يف ال�سنوات‬
‫الأوىل من الثورة‪ ،‬وكان �صدام م�رشفا غري مبا�رش‪ .‬ويف هذا ال�صدد يقول التقرير‬
‫املركزي للم�ؤمتر القطري التا�سع حلزب البعث الذي عقد يف يونيو (حزيران)‬
‫‪ 1982‬ما يلي‪ :‬وبالرغم �أن الرفيق �صدام ح�سني ابتعد لظروف و�أ�سباب خا�صة‬
‫عن الإ�رشاف املبا�رش على القوات امل�سلحة والتدريب الع�سكري احلزبي عدا فرتة‬
‫ق�صرية يف املراحل الأوىل من الثورة‪ ،‬ف�إنه كان‪ ،‬ومن خالل موقعه يف القيادة‪ ،‬ويف‬
‫الدولة‪ ،‬وب�أ�ساليب حزبية و�صبورة‪ ،‬ويف كثري من الأحيان �صعبة جداً‪ ،‬ومعقدة‪،‬‬
‫يلح وي�شجع ويرعى عملية تطوير القوات امل�سلحة يف �إطار االلتزام الواعي‬
‫وال�صارم للثورة وقيادة احلزب احلازمة للقوات امل�سلحة‪ .‬وهو الذي قاد ا�سرتاتيجية‬
‫الت�صنيع الع�سكري والوطني وتابع تنفيذها‪.‬‬
‫�أنظر يف ذلك التقرير املركزي للم�ؤمتر القطري التا�سع‪ – ‬يونيو (حزيران) ‪1982‬‬
‫�ص ‪37‬‬

‫]‪ – [7‬الباب الرابع‬


‫م�ؤ�س�سات اجلمهورية العراقية‬
‫الف�صل الأول‬
‫جمل�س قيادة الثورة‬
‫املادة ال�سابعة والثالثون‪– ‬‬
‫�أ‪ – ‬جمل�س قيادة الثورة هو الهيئة العليا يف الدولة الذي �أخذ على عاتقة يف‬
‫ال�سابع ع�رش من �شهر متوز ‪ 1968‬م�س�ؤولية حتقيق الإرادة ال�شعبية العامة‬
‫بانتزاع ال�سلطة من النظام الرجعي الفردي الفا�سد و�إعادتها �إىل ال�شعب‪.‬‬
‫ب‪ – ‬يعترب �أع�ضاء القيادة القطرية حلزب البعث العربي اال�شرتاكي‪� ،‬أع�ضاء يف‬
‫جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬

‫‪-342-‬‬
‫جـ‪ – ‬يحدد �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة بـ‪ 22 ‬ع�ضوا‪.‬‬
‫املادة الثامنة والثالثون‪ – ‬ميار�س جمل�س قيادة الثورة ب�أغلبية ثلثي �أع�ضائه ال�صالحيات‬
‫الآتية‪:‬‬
‫�أ‪ – ‬انتخاب رئي�س له من بني �أع�ضائه ي�سمى رئي�س جمل�س قيادة الثورة ويكون‬
‫حكما رئي�سا للجمهورية‪.‬‬
‫ب‪ – ‬انتخاب نائب للرئي�س من بني �أع�ضائه ي�سمى نائب رئي�س جمل�س قيادة‬
‫الثورة يحل حمل الرئي�س حكما ب�صفاته املحددة يف الفقرة ال�سابقة يف حالة‬
‫غيابه ر�سميا �أو يف حالة تعذر �أو ا�ستحالة ممار�سة اخت�صا�صاته الد�ستورية لأي‬
‫�سبب م�رشوع‪.‬‬
‫جـ‪ – ‬البت يف ا�ستقالة الرئي�س �أو نائبه �أو �أحد �أع�ضاء املجل�س‪.‬‬
‫د‪� – ‬إعفاء �أي من �أع�ضائه من ع�ضوية املجل�س‪.‬‬
‫هـ‪ – ‬اتهام وحماكمة �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة ونواب رئي�س اجلمهورية والوزراء‪.‬‬
‫املادة التا�سعة والثالثون‪ – ‬ي�ؤدي رئي�س جمل�س قيادة الثورة ونائبة والأع�ضاء �أمام‬
‫املجل�س اليمني التالية‪.‬‬
‫«�أق�سم باهلل العظيم وب�رشيف ومبعتقدي �أن �أحافظ على النظام اجلمهوري و�ألتزم‬
‫بد�ستوره وقوانينه و�أن �أرعى م�صالح ال�شعب و�أ�سهر على ا�ستقالل البالد و�سالمتها‬
‫ووحدة �أرا�ضيها و�أن �أعمل بكل تفان و�إخال�ص لتحقيق �أهداف الأمة العربية يف‬
‫الوحدة واحلرية واال�شرتاكية‪.‬‬
‫املادة الأربعون‪ – ‬يتمتع رئي�س جمل�س قيادة الثورة ونائبه والأع�ضاء بح�صانة تامة‬
‫وال يجوز اتخاذ �أي �إجراء بحق �أي منهم �إال ب�إذن م�سبق من املجل�س‪.‬‬
‫املادة احلادية والأربعون‪– ‬‬
‫�أ‪ – ‬يجتمع جمل�س قيادة الثورة بدعوة من رئي�سه �أو نائبة �أو ثلث �أع�ضائه‪ ،‬وتنعقد‬
‫االجتماعات برئا�سة الرئي�س �أو نائبه وبح�ضور �أكرثية الأع�ضاء‪.‬‬
‫ب‪ – ‬اجتماعات ومداوالت جمل�س قيادة الثورة �رسية‪ ،‬و�إف�شا�ؤها يقع حتت‬
‫طائلة امل�ساءلة الد�ستورية �أمام املجل�س‪ .‬ويتم �إعالن ون�رش وتبليغ مقررات‬
‫املجل�س بالطرق املبينة يف هذا الد�ستور‪.‬‬

‫‪-343-‬‬
‫جـ‪ – ‬تقر القوانني والقرارات يف املجل�س ب�أغلبية عدد �أع�ضائه ما خال احلاالت‬
‫التي ن�ص بها الد�ستور على خالف ذلك‪.‬‬
‫املادة الثانية والأربعون‪ – ‬ميار�س جمل�س قيادة الثورة ال�صالحيات التالية‪.‬‬
‫�أ‪� – ‬إ�صدار القوانني والقرارات التي لها قوة القانون‪.‬‬
‫ب‪� – ‬إ�صدار القرارات يف كل ما ت�ستلزمه �رضورات تطبيق �أحكام القوانني‬
‫النافذة‪.‬‬
‫امل��ادة الثالثة والأربعون‪ – ‬ميار�س جمل�س قيادة الثورة ب�أغلبية عدد �أع�ضائه‬
‫ال�صالحيات التالية‪:‬‬
‫�أ‪� – ‬إقرار �ش�ؤون وزارة الدفاع والأمن العام وو�ضع القوانني واتخاذ القرارات‬
‫يف كل ما يتعلق بهما من ناحية التنظيم واالخت�صا�صات‪.‬‬
‫ب‪� – ‬إعالن التعبئة العامة جزئيا �أو كليا و�إعالن احلرب وقبول الهدنة وعقد‬
‫ال�صلح‪.‬‬
‫جـ‪ – ‬امل�صادقة على م�رشوع امليزانية العامة للدولة وامليزانيات امل�ستقلة‬
‫واال�ستثمارية ئامللحقة بها‪ ،‬واعتماد احل�سابات اخلتامية‪.‬‬
‫د‪ – ‬امل�صادقة على املعاهدات واالتفاقيات الدولية‪.‬‬
‫هـ‪ – ‬و�ضع نظامه الداخلي وحتديد مالكاته وتقرير موازنته وتعيني موظفيه‬
‫وحتديد مكاف�آت وخم�ص�صات الرئي�س ونائبه و�أع�ضائه وموظفيه‪.‬‬
‫و‪ – ‬و�ضع القواعد املتعلقة مبحاكمة �أع�ضائه من حيث ت�شكيل املحكمة‬
‫والإجراءات الواجب �إتباعها فيها‪.‬‬
‫ز‪ – ‬تخويل رئي�سه �أو نائبه بع�ض اخت�صا�صاته املبينة يف هذا الد�ستور عدا‬
‫االخت�صا�صات الت�رشيعية‪.‬‬
‫املادة الرابعة والأربعون‪ – ‬يتوىل رئي�س جمل�س قيادة الثورة‪:‬‬
‫�أ‪ – ‬رئا�سة اجتماعات املجل�س ومتثيله و�إدارة جل�ساته والأمر بال�رصف فيه‪.‬‬
‫ب‪ – ‬توقيع جميع القوانني والقرارات ال�صادرة عن املجل�س ون�رشها يف‬
‫اجلريدة الر�سمية‪.‬‬

‫‪-344-‬‬
‫جـ‪ – ‬مراقبة �أعمال الوزارات وامل�ؤ�س�سات يف الدولة ودعوة الوزراء للتداول‬
‫يف �ش�ؤون وزاراتهم وا�ستجوابهم عند االقت�ضاء واطالع جمل�س قيادة الثورة‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫املادة اخلام�سة والأربعون‪ – ‬يكون كل من رئي�س جمل�س قيادة الثورة ونائبه و�أع�ضائه‬
‫م�س�ؤوال �أمام املجل�س عن خرق الد�ستور �أو عن احلنث مبوجبات اليمني الد�ستورية‬
‫�أو عن �أي عمل �أو ت�رصف يراه املجل�س خمال ب�رشف امل�س�ؤولية التي ميار�سها‪.‬‬

‫]‪ – [8‬جاء ن�ص قرار جمل�س قيادة الثورة امل�شار �إليه �أعاله كما يلي‪:‬‬
‫قرار رقم ‪1083‬‬
‫با�سم ال�شعب‬
‫جمل�س قيادة الثورة‬
‫ا�ستنادا �إىل �أحكام الفقرة (�أ) من املادة الثانية والأربعني من الد�ستور امل�ؤقت قرر‬
‫جمل�س قيادة الثورة بجل�سته املنعقدة بتاريخ ‪� 1974/10/6‬إ�صدار القانون الآتي‪:‬‬
‫قانون‬
‫احلزب القائد‬
‫رقم ‪ 142‬ل�سنة ‪1974‬‬
‫املادة الأوىل‪ – ‬تتخذ الوزارات وكافة دوائر الدولة وم�ؤ�س�ساتها وهيئاتها و�أجهزتها‬
‫من التقرير ال�سيا�سي للم�ؤمتر القطري الثامن حلزب البعث العربي اال�شرتاكي‪ ،‬الذي‬
‫يقود ال�سلطة والدولة منهاجا ودليل عمل لها يف ممار�سة اخت�صا�صاتها من الآن‬
‫وحتى �إ�شعار �آخر‪.‬‬
‫املادة الثانية‪ – ‬ينفذ هذا القانون من تاريخ ن�رشة يف اجلريدة الر�سمية‪.‬‬
‫�أحمد ح�سن البكر‬
‫رئي�س جمل�س قيادة الثورة‬
‫ن�رش يف الوقائع العراقية عدد ‪ 2405‬يف ‪.1974/10/13‬‬

‫‪-345-‬‬
‫]‪ – [9‬بالرغم من ادعاء الوثيقة بوجود ثالثة وزراء ميثلون احلزب ال�شيوعي فان احلقيقة‬
‫هي وجود وزيرين فقط هما الدكتور مكرم الطالباين وزير الري وعامر عبد اهلل‬
‫وزير الدولة‪.‬‬

‫]‪ – [10‬تخطيء الوثيقة عندما تقول �أن الدكتور اجلواري هو من حركة القوميني‪.‬‬
‫الواقع‪ ،‬انه كان ع�ضواً ن�شط ًا يف حزب البعث ومن املح�سوبني على جناح �أحمد‬
‫ح�سن البكر‪.‬‬

‫‪-346-‬‬
‫الف�صل احلادي والع�شرين‬
‫الإعدام بقرار!‬

‫لي�س الهدف من هذا الف�صل مناق�شة القوانني العراقية التي تن�ص‬


‫على عقوبة الإعدام ملرتكبي بع�ض اجلرائم‪ ،‬لكن الهدف منه هو تبيان‬
‫اال�ستثناءات العديدة التي �أ�صدرها جمل�س قيادة الثورة وو�سع مبوجبها‬
‫قاعدة الأفعال التي يعاقب مرتكبوها بالإعدام‪.‬‬
‫وميكن اعتبار الد�ستور امل�ؤقت الذي �أ�صدره جمل�س قيادة الثورة‬
‫و�ضمنه مادتني خطريتني �أعطتا للمجل�س �صالحيات وا�سعة تتجاوز‬
‫كل القوانني والأعراف‪ ،‬بل تتجاوز الد�ستور نف�سه‪ ،‬بداية هذه الظاهرة‬
‫الغريبة‪.‬‬
‫�إحدى هاتني املادتني هي الفقرة (�أ) من املادة ‪ 42‬التي �أعطت‬
‫املجل�س �صالحية �إ�صدار قرارات لها قوة القانون واملادة الأخرى هي‬
‫الفقرة (ب) من املادة ‪ 65‬التي جعلت جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬اجلهة املخولة‬
‫بتعديل الد�ستور ذاته‪ .‬ي�ضاف �إىل ذلك ما جاءت به املادة ‪ 40‬من‬
‫الد�ستور‪ ،‬حيث ن�صت على متتع كل من رئي�س ونائب الرئي�س و�أع�ضاء‬
‫جمل�س قيادة الثورة باحل�صانة الكاملة وعدم م�س�ؤوليتهم عن �أي عمل‬
‫يقومون به‪ ،‬وعدم جواز اتخاذ �أي �إجراء بحقهم بدون موافقة املجل�س!‬
‫ونتيجة لتلك ال�صالحيات الوا�سعة املتوجة باحل�صانة الكاملة‪،‬‬
‫‪-347-‬‬
‫تو�سع املجل�س يف �إ�صدار القرارات‪ ،‬ومل يعد لديوان التدوين القانوين‬
‫�أي دور للنظر يف د�ستورية تلك القرارات و�أ�صبح رئي�س املجل�س هو‬
‫احلاكم املطلق الذي ال ي�رسي عليه القانون‪ .‬وال يلتزم ب�أحكام الد�ستور‪،‬‬
‫فهو ال�سلطة الت�رشيعية وال�سلطة التنفيذية يف �آن واحد‪ .‬بل �أ�صبح �أي�ضا‬
‫ال�سلطة الق�ضائية التي تنظر يف الأحكام ال�صادرة من حماكم العراق‪ ،‬مبا‬
‫فيها حمكمة الثورة واملحاكم اخلا�صة‪.‬‬
‫وجتاوز املجل�س �أو بالأحرى رئي�س املجل�س يف ا�ستخدام �صالحياته‪،‬‬
‫ف�أ�صبح يتدخل حتى يف الرتقيات العلمية لأ�ساتذة اجلامعة‪ ،‬فيمنح من ي�شاء‬
‫لقب «الأ�ستاذية» �أو ي�سحبه منه لأ�سباب ال عالقة لها بال�ش�ؤون العلمية‪.‬‬
‫و�أذكر يف هذا ال�صدد‪� ،‬صدور قرار من جمل�س قيادة الثورة عام ‪،1977‬‬
‫يق�ضي ب�سحب لقب «الأ�ستاذية» من الدكتور عبد احل�سني القطيفي (�أ�ستاذ‬
‫القانون الدويل بجامعة بغداد) لأن الرائد علي العبيدي �سكرتري �صدام‬
‫ح�سني قد ف�شل يف امتحان املاج�ستري‪ ،‬وكان املمتحن هو الدكتور القطيفي‪.‬‬
‫يف ‪� ،1969/9/15‬أ�صدرت احلكومة قانون العقوبات رقم ‪111‬‬
‫واعتربته نافذ املفعول من ‪ .1969/12/15‬وقد حل هذا القانون‬
‫حمل قانون العقوبات القدمي الذي كان يعرف با�سم قانون العقوبات‬
‫البغدادي‪ .‬وبالرغم من �صدور هذا القانون بعد ت�سلم البعث لل�سلطة‪،‬‬
‫ف�إنه كان مو�ضوع الدرا�سة واملناق�شة قبل ذلك بفرتة طويلة �ساهم فيها‬
‫عدد كبري من رجال القانون والق�ضاء‪ .‬وقد احتوى القانون اجلديد‪،‬‬
‫ك�سابقه‪� ،‬أحكاما عديدة تن�ص على عقوبة الإعدام ملجموعة من اجلرائم‬
‫�إ�ضافة �إىل الأفعال ذات الطابع ال�سيا�سي‪ .‬وي�أتي هذا القانون �إ�ضافة �إىل‬
‫قانون العقوبات الع�سكرية رقم ‪ 13‬ل�سنة ‪ 1940‬الذي احتوى هو‬
‫الآخر على جمموعة من الن�صو�ص املتعلقة ب�إنزال عقوبة الإعدام لبع�ض‬
‫اجلرائم املرتبطة باجلي�ش وامل�ؤ�س�سة الع�سكرية‪.‬‬
‫‪-348-‬‬
‫ومل مت�ض �سوى فرتة ق�صرية على �صدور قانون العقوبات اجلديد‪،‬‬
‫و�إذا مبجل�س قيادة الثورة ي�صدر �سل�سلة من القرارات التي لها قوة‬
‫القانون‪ ،‬تو�سع مبوجبه قاعدة الأفعال التي يعاقب مرتكبوها بالإعدام‬
‫مع �إلغاء حق املتهمني يف االعرتا�ض‪.‬‬
‫وقد جاءت تلك القرارات خمالفة لاللتزامات الدولية التي وافقت‬
‫ال يف الوقت الذي وقع فيه العراق على‬ ‫عليها احلكومة العراقية‪ .‬فمث ً‬
‫االتفاقية الدولية حلقوق الإن�سان املدنية وال�سيا�سية عام ‪ ،1969‬و�صادق‬
‫على توقيعه يف ‪ ،1971/1/25‬كانت املحكمة اخلا�صة برئا�سة طه‬
‫اجلزراوي تنفذ �أحكام الإعدام مبن �أ�سمتهم باملت�آمرين يف م�ؤامرة عبد‬
‫الغني الراوي‪ ،‬بعد حماكمة مل ت�ستغرق �أكرث من ‪� 36‬ساعة‪.‬‬
‫وقد و�صل التناق�ض بني ت�رصفات القيادة يف الداخل ومواقفها يف‬
‫اخلارج �إىل احلد الذي مل تعد املنظمات الدولية ذات العالقة بالق�ضاء‬
‫وبحقوق الإن�سان‪ ،‬ت�صدق ما تقدمه الوفود العراقية من تقارير‪ .‬ومل يعد‬
‫لوزير العدل �أو وزير اخلارجية‪� ،‬أي احرتام حقيقي �أمام هذه املنظمات‪.‬‬
‫وكمثال على هذا التناق�ض ما ح�صل عام ‪ 1979‬بعد ا�ستالم �صدام‬
‫ح�سني رئا�سة الدولة‪ .‬ففي اليوم نف�سه الذي قدم فيه وزير العدل العراقي‬
‫تقريره �إىل جلنة حقوق الإن�سان املنبثقة من االتفاقية الدولية التي �صادق‬
‫عليها العراق عام ‪ .1971‬م�ؤكدا فيه عدم �صحة «الإ�شاعات املغر�ضة»‬
‫حول كرثة االعدامات يف العراق‪ .‬يف اليوم نف�سه كان راديو بغداد يذيع‬
‫نب أ� �إعدام �أع�ضاء القيادة القطرية الذين اتهموا مبحاولة الت�صدي لقيادة‬
‫�صدام ح�سني‪ ،‬مما �أوقع رئي�س الوفد العراقي يف �إحراج �شديد‪ ،‬ومل‬
‫ي�ستطع تربير ذلك �سوى القول �أن القيادة العراقية تنفذ رغبات ال�شعب‬
‫يف الق�ضاء على عنا�رص التخريب بحزم وقوة‪.‬‬
‫‪-349-‬‬
‫�أن درا�سة �رسيعة لقانون العقوبات ولقرارات جمل�س قيادة الثورة‬
‫تظهر لنا بو�ضوح مدى ات�ساع نطاق الأفعال التي تكون عقوبتها‬
‫الإعدام‪ ،‬وك�أمثلة على ذلك ما يلي‪.‬‬

‫قانون العقوبات‬
‫‪ – 1‬اجلرائم التي تهدد الأمن اخلارجي للدولة‪:‬‬
‫– ارتكاب فعل ميكن �أن يهدد ا�ستقالل البالد‪.‬‬
‫– االلتحاق بالعدو �أو م�ساعدته �أو تزويده باملعلومات‪.‬‬
‫– الت�آمر مع جهة �أجنبية‪.‬‬
‫– حماولة الإ�رضار بامل�صالح الع�سكرية �أو ال�سيا�سية �أو االقت�صادية‬
‫للعراق يف �أوقات احلروب‪.‬‬
‫– �إتالف الأوراق ذات العالقة ب�أ�رسار الدولة اخلارجية يف �أوقات‬
‫احلروب‪.‬‬
‫– حماولة تنظيم ت�آمر �إجرامي‪.‬‬
‫– �إف�شاء �أي �رس من �أ�رسار الدولة‪.‬‬
‫‪ – 2‬اجلرائم التي تهدد الأمن الداخلي للدولة‪:‬‬
‫– ا�ستخدام القوة لقلب نظام احلكم �أو لتغيري الد�ستور �أو ت�شكيل‬
‫حكومة �إذا �أدى ذلك �إىل خ�سارة يف الأرواح‪.‬‬
‫– قيادة وحدة ع�سكرية بدون ترخي�ص من احلكومة‪.‬‬
‫– التحري�ض على التمرد امل�سلح‪.‬‬
‫– تنظيم اجلماعات امل�سلحة لغر�ض القيام بعمل جرمي �أو احتالل‬
‫املن�ش�آت احلكومية‪.‬‬
‫– حماولة �إثارة النعرات الطائفية‪.‬‬
‫– ن�سف املن�ش�آت النفطية �أو من�شات احلكومة‪.‬‬
‫‪-350-‬‬
‫– ا�ستخدام املتفجرات لن�سف املن�ش�آت احلكومية �أو لإحداث‬
‫�أ�رضار باالقت�صاد الوطني‪.‬‬
‫– ن�رش الأفكار ال�صهيونية واملا�سونية �أو االنتماء للمنظمات التي‬
‫تبث تلك الأفكار‪.‬‬
‫– ت�أ�سي�س �أو تنظيم �أو توجيه �أية جمعية �أو جماعة من �أي نوع‬
‫كان‪ ،‬هدفها ارتكاب الأفعال املن�صو�ص عليها �أعاله‪.‬‬
‫‪ – 3‬اجلرائم التي ت�شكل خطرا على ال�سالمة العامة وجرائم متفرقة‪:‬‬
‫– جرائم القتل‪.‬‬
‫– �إحلاق اخلطر باحلياة‪.‬‬
‫– التعذيب املرافق لل�رسقة‪.‬‬
‫– التعاون مع دولة �أجنبية �أو م�ؤ�س�ساتها للقيام ب�أفعال �ضد العراق‬
‫والتي قد ت�سبب يف قيام احلرب �أو قطع العالقات الدبلوما�سية‪.‬‬
‫– تعري�ض عمليات الدفاع �أو العمليات الع�سكرية للخطر‪.‬‬
‫– القيام بعمليات ع�سكرية �أو امل�شاركة فيها �ضد دولة �أجنبية دون‬
‫موافقة �رصيحة من احلكومة العراقية‪ ،‬وخا�صة �إذا جنم عن تلك‬
‫الأفعال �إعالن احلرب بني العراق وتلك الدولة الأجنبية‪.‬‬
‫– تنظيم �أو قيادة �أية جماعة هدفها مهاجمة جماعة �أخرى �أو منع‬
‫وعرقلة تطبيق القانون‪.‬‬
‫– القيام بن�شاط �سيا�سي بوا�سطة �أع�ضاء يف حزب البعث‪.‬‬

‫قرارات االعدام‬
‫فيما يلي �أهم القرارات التي �أ�صدرها جمل�س قيادة الثورة وحدد فيها‬
‫عقوبة الإعدام ملجموعة من الأفعال مبا يف ذلك حكم الإعدام الإلزامي‬
‫(‪ )Mandatory‬لبع�ض الأن�شطة ال�سيا�سية ]‪[1‬‬

‫‪-351-‬‬
‫‪ – 1‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 865‬يف ‪ 1974/8/12‬الذي‬
‫ن�ص على �إعدام من ينتمي حلزب البعث ويخفي عالقاته ال�سابقة‬
‫بالتنظيمات ال�سيا�سية الأخرى‪� ،‬أو كان منتميا حلزب البعث‬
‫و�أبقى على عالقاته احلزبية ال�سابقة مع التنظيمات الأخرى‪.‬‬
‫‪ – 2‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 1244‬يف ‪1976/11/20‬‬
‫والذي مبوجبه يحكم بالإعدام على من ترك حزب البعث‬
‫وانتمى حلزب �آخر �أو عمل مل�صلحة حزب �آخر حتى بعد تركه‬
‫حلزب البعث‪.‬‬
‫‪ – 3‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 1357‬يف ‪1971/11/10‬‬
‫والذي كان يحرم العمل ال�سيا�سي داخل القوات امل�سلحة‪،‬‬
‫قد عدل عام ‪ 1976‬بحيث ن�ص على عقوبة الإعدام على كل‬
‫ع�سكري ميار�س ن�شاطا �سيا�سيا با�ستثناء الن�شاط ال�سيا�سي حلزب‬
‫البعث‪.‬‬
‫‪ – 4‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 734‬يف ‪ 1978/5/30‬الذي‬
‫يق�ضي ب�إنزال عقوبة الإع��دام على كل عراقي‪ ،‬وكل �أجنبي‬
‫مقيم يف العراق‪� ،‬إذا ثبت �أن له عالقة داخل العراق �أو خارجه‬
‫ب�أجهزة املخابرات الأجنبية‪� ،‬أو تعامل مع تلك الأجهزة ب�أية‬
‫طريقة‪ ،‬بدون موافقة ال�سلطات العراقية املخت�صة‪.‬‬
‫‪ – 5‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 784‬يف ‪ 1978/6/7‬الذي‬
‫يق�ضي ب�إنزال عقوبة الإع��دام على كل من عمل على تنظيم‬
‫�شخ�ص له عالقة بحزب البعث‪ ،‬ليعمل ل�صالح حزب �أو‬
‫جماعة �سيا�سية �أخرى‪.‬‬
‫‪ – 6‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 884‬يف ‪ 1978/7/3‬الذي‬
‫‪-352-‬‬
‫يق�ضي ب�إنزال عقوبة الإعدام على كل متقاعد من �أفراد القوات‬
‫امل�سلحة �أو قوات ال�رشطة �أو املتطوعني الذين �رسحوا من اخلدمة‬
‫�أو الذين �أنهيت خدماتهم لأي �سبب كان بعد ‪ 17‬يوليو (متوز)‬
‫‪� ،1968‬إذا عملوا �أو انتموا جلماعة �سيا�سية غري حزب البعث‪.‬‬
‫‪ – 7‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 1447‬يف ‪ 1979/10/30‬الذي‬
‫ن�ص على �إعدام كل من عاد �إىل اعتناق البهائية‪.‬‬
‫‪ – 8‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 461‬يف ‪ 1980/3/31‬الذي‬
‫ن�ص على �إعدام كل من انتمى حلزب الدعوة الإ�سالمية‪ ،‬مع‬
‫الن�ص �رصاحة على جعل القرار ب�أثر رجعي ي�رسي على احلاالت‬
‫ال�سابقة ل�صدور القرار‪ .‬ويالحظ على هذا القرار خمالفته‬
‫وا�ستهتاره ال�صارخ للمبد أ� القانوين الذي يق�ضي بعدم رجعية‬
‫القوانني وبالأخ�ص يف الق�ضايا اجلنائية‪� ،‬إال �إذا كانت ل�صالح‬
‫املتهم‪ .‬ويخالف �أي�ضا الفقرة (ب) من املادة ‪ 66‬من الد�ستور‬
‫التي تن�ص �رصاحة بعدم رجعية القوانني‪.‬‬
‫‪ – 9‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 1140‬يف ‪ 1981/8/26‬القا�ضي‬
‫ب�إعدام كل من يتهرب من اخلدمة الع�سكرية‪ .‬وقد عدل هذا‬
‫القرار يف ‪ 1981/11/17‬بالقرار رقم ‪ 1540‬حيث و�سع‬
‫نطاقه لي�شمل �أفراد اجلي�ش ال�شعبي وحر�س احلدود‪.‬‬
‫‪ – 10‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 877‬يف ‪ 1982/7/7‬القا�ضي‬
‫ب�إعدام من يتغيب عن وحدته الع�سكرية ملدة خم�سة �أيام بدون‬
‫عذر م�رشوع‪.‬‬
‫‪ – 11‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 1133‬يف‪ 1982/9/2‬الذي‬
‫يق�ضي ب�إعدام كل من يرتكب �رسقة يف وقت احلرب‪.‬‬
‫‪-353-‬‬
‫‪ – 12‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 1370‬يف ‪ 1983‬الذي يق�ضي‬
‫ب�إعدام كل من بلغ الثامنة ع�رشة من عمره �أثناء قيامه ب�أي عمل‬
‫من الأعمال التي تكون عقوبتها الإعدام كالهروب �إىل خطوط‬
‫العدو‪ ،‬الت�آمر على �سالمة الدولة‪ ،‬االنتماء حلزب الدعوة �أو‬
‫التهرب من اخلدمة الع�سكرية‪.‬‬
‫‪ – 13‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 313‬يف ‪ 1984/3/13‬الذي‬
‫ين�ص على �إعدام كل من يقوم بتهريب العملة العراقية �أو الأجنبية‬
‫�أو الذهب ويتعامل بها مع العدو الفار�سي (كذا)‪.‬‬
‫‪ – 14‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 384‬يف ‪ 1984/3/31‬ب�إ�صدار‬
‫قانون عقوبات اجلي�ش ال�شعبي رقم ‪ 32‬ل�سنة ‪ ،1984‬وقد‬
‫ن�ص هذا القانون يف عدد من مواده على جمموعة من الأفعال‬
‫التي يعاقب مرتكبوها بالإعدام‪ ،‬ومن هذه الأفعال ثبوت اجلنب‬
‫والتخاذل‪ ،‬دون تعريف ملعنى اجلنب �أو حتديد للجهة التي ت�ضع‬
‫املعيار‪.‬‬
‫‪ – 15‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 458‬يف ‪1984/4/21‬‬
‫ويق�ضي ب�إعدام كل من انتمى حلزب �أو جلماعة �أو جمعية‪،‬‬
‫ت�ستهدف تغيري حكومة البعث �أما بوا�سطة القوة امل�سلحة‪� ،‬أو‬
‫بالتعاون مع جهات �أجنبية‪.‬‬
‫‪ – 16‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 960‬يف ‪ 1984/8/23‬الذي‬
‫ين�ص على �إن��زال عقوبة الإع��دام على كل من يعمل لدولة‬
‫�أجنبية �أو مع �شخ�ص �آخر يعمل ل�صالح تلك الدولة‪� ،‬أو يت�صل‬
‫بتلك الدولة‪� ،‬إذا ثبت �أن عمله �أو ات�صاله ي�رض مب�صالح العراق‬
‫الع�سكرية �أو ال�سيا�سية �أو االقت�صادية‪ .‬ويعدم �أي�ضا كل من �أتلف‬
‫‪-354-‬‬
‫�أو �أخفى �أو �رسق �أو زور وثائق ميكن �أن تفيد العراق لإثبات‬
‫حقوقه جتاه دولة �أجنبية �أو لها عالقة ب�أمن الدولة اخلارجي �أو‬
‫ب�أية م�صالح وطنية‪.‬‬
‫‪ – 17‬ق��رار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 120‬يف ‪1986/1/29‬‬
‫ويق�ضي ب�إعدام كل من ارتكب تزويرا يف جواز �سفر �صادر‬
‫من دولة �أخرى‪� ،‬أو يف وثائق �صادرة من ال�سلطات العراقية‬
‫املخت�صة‪ ،‬م�ستهدفا من وراء ذلك احل�صول على منافع مالية‬
‫ت�رض باالقت�صاد الوطني‪.‬‬
‫‪ – 18‬قرار جمل�س قيادة الثورة رقم ‪ 840‬يف ‪ 1986/11/4‬الذي‬
‫يق�ضي بعقوبة ال�سجن امل�ؤبد وم�صادرة الأموال املنقولة وغري‬
‫املنقولة لكل من يهني رئي�س اجلمهورية �أو نائبه‪ ،‬جمل�س قيادة‬
‫الثورة‪ ،‬حزب البعث‪ ،‬املجل�س الوطني‪� ،‬أو احلكومة‪ .‬وتكون‬
‫العقوبة الإعدام �إذا كانت الإهانة وا�ضحة وت�ستهدف �إثارة‬
‫الر�أي العام �ضد ال�سلطة‪.‬‬
‫و�أذكر يف هذا ال�صدد‪� ،‬أن �صالح الدين �سعيد رئي�س حترير جريدة‬
‫«العراق» زار لندن عام ‪ 1987‬ف�س�أله �أحد ال�صحافيني الربيطانيني عما‬
‫�إذا كانت نقابة ال�صحفيني العراقيني �ستدافع عن ع�ضو فيها �إذا اتهم‬
‫بكتابة مقالة �أو ما �شابه ووجد فيها ما ميكن تف�سريه ب�أنه انتقاد ل�صدام‬
‫ح�سني‪ .‬وكم كانت ده�شة ال�صحفي الربيطاين عندما �أجابه «زميله»‬
‫العراقي‪� :‬إن نقابته ال تدافع عن املجرمني‪� .‬إذا حدث وانتقدت الرئي�س‬
‫ف�أنت جمرم‪ ،‬وت�ستحق الإعدام!‬

‫املحاكم اخلا�صة‬
‫تن�ص الفقرة (و) من املادة ‪ 43‬من الد�ستور العراقي‪ ،‬على �أن جمل�س‬
‫‪-355-‬‬
‫قيادة الثورة هو اجلهة التي ت�ضع القواعد اخلا�صة مبحاكمة �أع�ضائه‪ ،‬وهو‬
‫الذي ي�شكل املحاكم اخلا�صة لذلك الغر�ض ويحدد �إجراءاتها‪.‬‬
‫وح�سب املعلومات املتوفرة‪ ،‬ف�إن املحاكم اخلا�صة التي �شكلت‬
‫بقرارات من املجل�س هي‪:‬‬
‫‪ – 1‬املحكمة اخلا�صة عام ‪ 1970‬ملحاكمة املتهمني مبا �سمي مب�ؤامرة‬
‫عبد الغني الراوي و�صالح ال�سامرائي‪.‬‬
‫ت�شكلت املحكمة من طه اجل���زراوي (ع�ضو جمل�س قيادة‬
‫الثورة)‪ .‬وقد دامت جل�ساتها ‪� 36‬ساعة فقط‪.‬‬
‫‪ – 2‬املحكمة اخلا�صة عام ‪ 1973‬ملحاكمة املتهمني بق�ضية ناظم‬
‫كزار وجماعته‪ .‬ت�شكلت املحكمة برئا�سة عزت الدوري‬
‫(ع�ضو املجل�س قيادة الثورة) وع�ضوية طاهر �أحمد �أمني معاون‬
‫مدير املخابرات حينذاك‪ ،‬وخليل �إبراهيم العزاوي معاون مدير‬
‫اال�ستخبارات الع�سكرية‪ .‬دامت جل�سات املحكمة يومني فقط‪.‬‬
‫‪ – 3‬املحكمة اخلا�صة عام ‪ 1977‬ملحاكمة املتهمني مبظاهرات‬
‫النجف وكربالء‪ .‬ت�شكلت املحكمة يف �أول الأمر من عزت‬
‫م�صطفى (ع�ضو جمل�س قيادة الثورة) وفليح ح�سن اجلا�سم‬
‫(ع�ضو جمل�س قيادة الثورة)‪ .‬وملا رف�ضا �إ�صدار �أحكام الإعدام‪،‬‬
‫مت ف�صلهما من القيادة واحلزب‪ .‬و�أ�ستمر بقية �أع�ضاء املحكمة يف‬
‫�إ�صدار الأحكام‪ .‬دامت جل�سات املحكمة �أربع �ساعات فقط‪.‬‬
‫‪ – 4‬املحكمة اخلا�صة عام ‪ 1979‬ملحاكمة املتهمني من �أع�ضاء‬
‫القيادة القطرية بعد ا�ستالم �صدام ح�سني مواقع ال�سلطة الأوىل‪.‬‬
‫دامت جل�ساتها �ستة �أيام فقط‪.‬‬
‫وكانت حمكمة خا�صة قد �شكلت عام ‪� 1974‬سميت مبحكمة‬
‫كركوك اخلا�صة‪ ،‬ملحاكمة جمموعة من املواطنني الأك��راد اتهموا‬
‫‪-356-‬‬
‫بارتكاب �أعمال �سيا�سية مناه�ضة‪ .‬وقد اتخذت هذه املحكمة من‬
‫�إحدى القواعد الع�سكرية يف كركوك مقرا لها‪ ،‬وعقدت جل�ساتها يف‬
‫�رسية تامة‪ ،‬وحرمت املتهمني من حق توكيل املحامني ومن حق متييز‬
‫قراراتها‪ .‬وقد �أ�صدرت املحكمة املذكورة �سل�سلة من �أحكام الإعدام‬
‫بحق جمموعة من الأكراد‪ ،‬ومل يعلن عن تلك الأحكام يف حينه‪.‬‬

‫حمكمة الثورة‬
‫ا�ستحدثت حمكمة ال��ث��ورة مب��وج��ب ال��ق��ان��ون رق��م ‪ 180‬يف‬
‫‪ .1969/12/9‬وجرت عدة تعديالت على هذا القانون مبوجب‬
‫القوانني املرقمة ‪ ،120 ،85 ،1‬ل�سنة ‪.1969‬‬
‫ين�ص القانون املذكور على �أن ع�ضوية املحكمة تكون من ثالثة‬
‫�أ�شخا�ص‪ ،‬اثنان منهم على الأقل من احلكام‪ ،‬وقد يكون الأع�ضاء الثالثة‬
‫مدنيني �أو ع�سكريني �أو من ال�صنفني‪.‬‬
‫تنظر املحكمة‪ ،‬طبقا لقانون �إن�شائها‪ ،‬يف اجلرائم املتعلقة بالأمن‬
‫الداخلي والأمن اخلارجي للدولة‪ .‬الر�شوة‪ ،‬االختال�س‪ ،‬ال�رسقة‪ ،‬جتارة‬
‫املخدرات‪ ،‬التهريب‪ ،‬جت��ارة ال�سالح‪ ،‬وكذلك جميع املخالفات‬
‫االقت�صادية واملالية الأخرى و�أية ق�ضايا حتال �إليها من قبل ال�سلطة‪.‬‬
‫وين�ص القانون املذكور‪ ،‬على �أن تكون �إج��راءات حمكمة الثورة‬
‫وفقا ملا هو من�صو�ص عليه يف قانون �أ�صول املحاكمات اجلزائية‪.‬‬
‫غري �أن املحكمة مل تلتزم بذلك وكانت �أحكامها قطعية مبا يف ذلك‬
‫�أحكام الإعدام‪ .‬وقد بلغ ا�ستهتار املحكمة املذكورة باحلقوق القانونية‬
‫للمواطنني حدا �أثار فيه اهتمام جلان حقوق الإن�سان ومنظمة العفو‬
‫الدولية‪ ،‬التي �أر�سلت بعثة خا�صة للعراق عام ‪ 1983‬حيث قابلت عددا‬
‫من امل�س�ؤولني يف وزارتي العدل والداخلية‪ ،‬لبحث جتاوزات حمكمة‬
‫‪-357-‬‬
‫الثورة و�إخاللها بحق الدفاع امل�رشوع‪ .‬وقد �أجابت احلكومة العراقية‬
‫على ت�سا�ؤالت منظمة العفو الدولية مبا يلي‪:‬‬
‫«�أن حمكمة الثورة ترتبط مبكتب رئي�س اجلمهورية‪ ،‬وال تخ�ضع‬
‫لإ�رشاف وزارة العدل‪ .‬كما �أن املحكمة تف�رس القوانني وفقا ملبادئ‬
‫حزب البعث‪ ،‬و�أن �أع�ضاءها الثالثة هم �أع�ضاء يف حزب البعث»‪.‬‬
‫�أم��ا اعرتا�ضات منظمة العفو الدولية على الأ�سلوب الال�رشعي‬
‫والال�إن�ساين للمحاكم اخلا�صة‪ ،‬فقد �أجابت عنها احلكومة العراقية مبا يلي‪:‬‬
‫«بالن�سبة للمحكمة اخلا�صة ل�سنة ‪� :1977‬أن املحكمة عقدت‬
‫جل�ساتها ليومني ولي�س �أربع �ساعات‪� ..‬إن هذا النوع من املحاكم‬
‫�رضوري للق�ضاء على الطائفية التي يغذيها �أعداء ال�شعب من �أجل �شق‬
‫وحدة ال�صف الوطني وعرقلة اجلهود املتطلعة للتقدم واالزدهار»‪.‬‬
‫و«بالن�سبة للمحكمة اخلا�صة ل�سنة ‪�.1979‬أن هذه املحكمة‬
‫د�ستورية بكل معنى الكلمة لأنها �شكلت طبقا للفقرة (هـ) من املادة‬
‫‪ 38‬من الد�ستور العراقي لتنظر يف الق�ضايا املتعلقة ب�أع�ضاء يف حزب‬
‫البعث‪ .‬وهي تخ�ص ال�ش�ؤون الداخلية للحزب»‪.‬‬
‫ومن الطريف �إن جواب وزير العدل العراقي على ت�سا�ؤل منظمة‬
‫العفو الدولية عن حق املتهمني يف االعرتا�ض كان‪« :‬يحق لكل مواطن‬
‫عراقي االعرتا�ض على احلكم ال�صادر بحقه‪ ،‬ب�أن ي�سرتحم رئي�س‬
‫اجلمهورية لإعادة النظر يف احلكم ال�صادر بحقه‪ .‬ورئي�س اجلمهورية‬
‫هو مبثابة حمكمة التمييز!‬

‫]‪ – [1‬جتدر الإ�شارة هنا �أن هذه القرارات قد تعاقب �صدورها منذ عام ‪ 1974‬بالرغم‬
‫من ت�صديق العراق على االتفاقية الدولية املتعلقة بحقوق الإن�سان عام ‪.1971‬‬

‫‪-358-‬‬
‫الف�صل الثاين والع�شرين‬
‫البكر‪ :‬املزاج املتقلب!‬

‫يتناول هذا الف�صل والف�صالن اللذان يلياه �أحداثا متفرقة حول بع�ض‬
‫قادة حزب البعث العراقي‪ .‬والهدف من ذلك �إعطاء القارئ نبذة عن‬
‫الطريقة التي كان يفكر بها بع�ض ه�ؤالء القادة‪� ،‬إ�ضافة �إىل طرافة بع�ض‬
‫تلك الأحداث وما تفي�ض به من جوانب �إن�سانية �أحيانا‪ ،‬وجوانب �سلبية‬
‫�أحيانا �أخرى‪.‬‬
‫وال �أريد بكالمي هذا انتقادا �أو مدح ًا �أو قدح ًا‪ ،‬و�إمنا �أنا هنا جمرد راو‬
‫للحدث املقرتن بهذه ال�شخ�صية �أو تلك‪� .‬إنها حقائق ملمو�سة كانت تقع‬
‫يوميا‪� ،‬أو بني احلني والآخر‪ ،‬وهي بذلك مر�آة تعك�س م�ستوى التفكري‬
‫و�أ�سلوب العمل‪ .‬قد يرى البع�ض فيها م�ستوى للتفكري ال يت�سم بالعبقرية‪،‬‬
‫�أو الذكاء‪ ،‬وقد يرى البع�ض الآخر تف�سريا لتلك الت�رصفات‪ .‬الغباء مث ً‬
‫ال‪،‬‬
‫�أو الغرور والغطر�سة‪.‬‬

‫املعلم‪...‬الرئي�س‬
‫ولد يف تكريت عام ‪ ،1914‬ومات يف بغداد عام ‪ .1982‬وبعد‬
‫موته دارت التكهنات ب�أنه قتل بال�سم يف فرتة كان �صدام ح�سني‬
‫يخ�شى من احتمال التفاف املعار�ضة و�ضباط اجلي�ش حول البكر‬
‫‪-359-‬‬
‫لإ�سقاط حكمه لتوريطه العراق‪ ،‬جي�شا و�شعبا‪ ،‬يف حرب خا�رسة مع‬
‫�إيران‪.‬‬
‫بعد �إكمال البكر مرحلة الدرا�سة االبتدائية التحق بدار املعلمني‬
‫الريفية ليتخرج منها عام ‪ 1932‬ويعمل معلما يف املدار�س االبتدائية‬
‫حتى عام ‪ ،1938‬حيث ترك مهنة التعليم ودخل الكلية الع�سكرية‬
‫ليتخرج منها �ضابط ًا وهي املهنة التي احرتفها حتى موته‪ ،‬مع انه مل‬
‫يعرف بكونه �ضابطا المعا يف املجاالت الع�سكرية والتعبوية‪.‬‬
‫ذكرت �سابقا ب�أن عالقتي مبجموعة حزب البعث التي ت�سلمت‬
‫احلكم عام ‪ ،1968‬كانت من خالل البكر‪ ،‬الذي كنت �أتردد على‬
‫منزله مبعية الدكتور حممد امل�شاط‪.‬‬
‫ومنذ الأيام الأوىل حلكم البعث‪ ،‬كان وا�ضحا لدي ب�أن البكر هو‬
‫ال�شخ�ص الثاين ولي�س (الأول) يف الرتكيبة القيادية‪ ،‬ميار�س مهامه من‬
‫خالل الكر�سي الأول‪.‬‬
‫ومبرور الأيام‪ ،‬كان يت�ضح �أكرث ف�أكرث �أن البكر و�صدام �شخ�صان‬
‫يكمل �أحدهما الآخر‪ .‬البكر يحتاج �إىل �صدام للمحافظة على �أمن‬
‫احلكم و�صدام بحاجة �إىل البكر لت�أمني جانب اجلي�ش والع�سكريني‬
‫الذين كانوا يف مراكز قيادية‪ .‬لقد كان التن�سيق بني البكر و�صدام يجري‬
‫يوميا‪ ،‬من خالل االت�صاالت املبا�رشة‪ ،‬هاتفيا وخطيا‪.‬‬
‫لقد نفذ البكر جميع رغبات �صدام يف ت�صفية امل�ؤ�س�سة الع�سكرية‬
‫من العنا�رص التي كان ال�شك يدور حول والئها املطلق لل�سلطة احلاكمة‪،‬‬
‫ي�ساعدهم يف هذه الت�صفية املقدم عدنان خري اهلل م�س�ؤول املكتب‬
‫الع�سكري للحزب‪.‬‬
‫والبد من الت�أكيد هنا‪ ،‬ب�أن ما كان يقال عن وجود خالفات بني‬
‫‪-360-‬‬
‫البكر و�صدام �إمنا هي حم�ض وهم وخيال‪ ،‬فمهما بلغت درجة تلك‬
‫اخلالفات‪ ،‬كانت تزول وت�ضمحل �أمام خماطر �سقوط احلكم بانقالب‬
‫ع�سكري‪ .‬اخلالف الوحيد هو ما ح�صل عام ‪ 1979‬عندما �أبدى‬
‫البكر رغبته الدخول يف نوع من الوحدة االحتادية مع �سورية‪ ،‬تلك‬
‫الرغبة التي قارعها �صدام و�سارع �إىل التخل�ص من البكر ليلة ‪ 17‬يوليو‬
‫(متوز) ‪ 1979‬ب�إجباره على تقدمي ا�ستقالته لأ�سباب �صحية‪ .‬وما تبع‬
‫ذلك من �إعالن �صدام عن اكت�شاف «م�ؤامرة» القيادة القطرية حلزب‬
‫البعث بالتعاون مع �سورية‪ ،‬ومن ثم �إعدام جمموعة كبرية من �أولئك‬
‫«املت�آمرين»‪.‬‬

‫عالقتي ال�شخ�صية بالبكر‬


‫يف الفرتة ما بني ‪ 68‬و‪ 1971‬كانت عالقتي ال�شخ�صية بالبكر �أقوى‬
‫من عالقتي ب�صدام ح�سني‪ .‬و�أذكر �أنه مل مير يوم دون �أن يت�صل البكر بي‬
‫هاتفيا وملرات عديدة‪ .‬وات�صاالته الهاتفية مل تقت�رص على �أوقات الدوام‬
‫الر�سمي‪ ،‬بل جتاوزته �إىل �ساعات الليل املت�أخرة‪.‬‬
‫كان البكر ب�سيطا للغاية يف م�سكنه وملب�سه وت�رصفه مع عائلته‪ .‬ويف‬
‫�ش�ؤون الدولة االقت�صادية واملالية كانت ب�ساطته ت�صل �إىل حد ال�سذاجة‪،‬‬
‫وكان يتدخل يف كل �صغرية وكبرية‪� ،‬إىل احلد الذي كنت �أت�ساءل‪ :‬كيف‬
‫ي�ستطيع هذا الرجل التفكري ا�سرتاتيجيا؟ هل لديه الوقت للتفكري‪� ،‬إذا‬
‫كان يت�رصف بهذا ال�شكل غري املنتظم؟ فهو ي�س�أل عن ترفيع هذا املوظف‬
‫�أو ذاك‪ ،‬حتى ولو كان �رشطيا يف �إدارة املرور‪.‬‬
‫كان البكر م�صابا مبر�ض ال�سكري‪ .‬وهو مر�ض يحدث اختالال يف مزاج‬
‫امل�صاب به‪ .‬فبينما هو ع�صبي ثائر تراه بعد قليل هادئا‪ .‬وهكذا كان مزاج‬
‫البكر‪ ،‬يثور لأتفه الأمور‪ ،‬ويتخذ قرارا‪ .‬ثم يهد أ� بعد �ساعة فيلغي القرار‪.‬‬
‫‪-361-‬‬
‫ومما كان يزيد من حدته و�إثارته‪ ،‬عدم ممار�سته لأي نوع من �أنواع‬
‫الريا�ضة �أو الهواية‪ .‬هوايته الوحيدة‪ ،‬كانت اال�ستماع �إىل الأغاين‬
‫الريفية‪ .‬وكان املذياع ال يفارق مكتبه‪ .‬وجهاز التلفزيون يف كل غرفة‪،‬‬
‫حتى يف القاعة التي يجتمع فيها جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫وكان الغناء املف�ضل لديه هو املعروف يف العراق بـ‪« ‬ال�سويحلي»‬
‫و«العتابة» و«النايل»‪ .‬ومطربه املف�ضل املال �ضيف اجلبوري الذي كان‬
‫حار�سا يف �إحدى حمطات الكهرباء‪ ..‬ثم �أ�صبح جنما �إذاعيا وتلفزيونيا‬
‫ب�سبب �إعجاب البكر بطريقة غنائه وعزفه على «الربابة»‪ .‬ولعل‬
‫العراقيون يتذكرون كرثة ظهور املال �ضيف على �شا�شة تلفزيون بغداد‬
‫مبنا�سبة وبدون منا�سبة‪.‬‬
‫وحت�رضين حادثة طريفة �شهدتها يف �إحدى الأم�سيات‪ :‬طلب البكر‬
‫�أن �أح�رض اجتماعا ملجل�س قيادة الثورة لبحث �ش�أن من �ش�ؤون اخلطة‬
‫االقت�صادية‪ ،‬كان جهاز التلفزيون مفتوحا و�أحد املغنني الريفيني املدعو‬
‫عبد ال�صاحب �رشاد يغني ونحن نناق�ش امل�س�ألة االقت�صادية‪ .‬وفج�أة رفع‬
‫البكر �سماعة الهاتف وات�صل باملدير العام للإذاعة والتلفزيون �آنذاك‬
‫حممد �سعيد ال�صحاف‪ ،‬وبع�صبية قال‪ :‬من هو هذا املغني القبيح‪..‬‬
‫�أبعدوه عن التلفزيون‪ ..‬ومنذ تلك الليلة مل يظهر عبد ال�صاحب �رشاد‬
‫على ال�شا�شة‪ ،‬ومل ي�سمع العراقيون غناءه �إال بعد وفاة البكر‪.‬‬
‫هذا مثال على القرارات ال�رسيعة التي كان يتخذها البكر والأمور‬
‫التافهة التي كان ي�شغل نف�سه بها‪ .‬ومع ذلك فقد كانت للكثري من قراراته‬
‫وت�رصفاته جوانب �إن�سانية‪ ،‬تنم عن الطيبة وال�سذاجة يف �آن واحد‪.‬‬
‫ولكي نقف على �شخ�صية البكر‪� ،‬س�أورد �سل�سلة من الإحداث‬
‫املتفرقة علها تلقي ال�ضوء على الطريقة التي مار�س فيها ال�سلطة‪ ،‬والزاوية‬
‫التي كان ينظر منها للأمور‪.‬‬
‫‪-362-‬‬
‫حماولة اعتقال الدكتور فوزي القي�سي‬
‫يف الأ�سبوع الأول من ا�ستيزاري‪ ،‬ات�صل بي البكر هاتفيا‪ ،‬وكنت‬
‫مبكتبي يف وزارة املالية التي توليت م�سئوليتها بالوكالة‪ ،‬م�ستف�رساً عن‬
‫الدكتور فوزي القي�سي مدير عام م�رصف الرافدين �آنذاك‪ :‬هل مازال‬
‫مديرا عاما للم�رصف؟ وهل هذا امل�رصف تابع لوزارة املالية؟‬
‫ظننت �أن البكر يريد تعيني القي�سي مبن�صب هام كمحافظ البنك‬
‫املركزي مثال‪ .‬فبد�أت بامتداحه وبيان م�ؤهالته العالية و�أنه‪� ،‬أي القي�سي‪،‬‬
‫كان �أ�ستاذي يف كلية التجارة واالقت�صاد يف نهاية اخلم�سينات‪ .‬وما �أن‬
‫انتهيت من الكالم حتى فاج�أين البكر بطلب �إ�صدار �أمر عاجل بف�صل‬
‫القي�سي و�إيداعه ال�سجن فورا‪.‬‬
‫كان الطلب غريبا‪� ،‬إذ مل يكن القي�سي �سيا�سيا ومل يكن له �أي ن�شاط‬
‫معاد للبعث‪ .‬كما �أن مو�ضوعا كهذا يجب �أن يرتك لوزير املالية الأ�صيل‬
‫احرتام ًا للأعراف والتقاليد‪ .‬وهكذا رجوت البكر ت�أجيل الأمر حلني‬
‫عودة وزير املالية من اخلارج‪ .‬غري �أنه �أ�رص على موقفه ومل يرتك يل جماال‬
‫للمناق�شة‪.‬‬
‫ات�صلت بالدكتور القي�سي هاتفيا و�أخربته ب�أين �أزم��ع زيارته يف‬
‫«م�رصف الرافدين» بعد �ساعتني‪ ،‬وظن القي�سي �أن زيارتي هي للتفتي�ش‬
‫ب�صفتي وزيرا للمالية بالوكالة‪ ،‬ف�أ�رسع باالت�صال بوكالة الأنباء العراقية‬
‫وتلفزيون بغداد ملتابعة زيارة «الوزير» �إىل م�رصف الرافدين لبث فلم‬
‫الزيارة عرب التلفزيون‪ ،‬وهو الأمر املعتاد يف تغطية زي��ارات �أع�ضاء‬
‫احلكومة مل�ؤ�س�سات ومرافق الدولة‪.‬‬
‫بعد جتوايل يف امل�رصف واالطالع على �ش�ؤون العمل‪ ،‬وكامريات‬
‫التلفزيون ت�صور هذه «االلتفاتة» الكرمية من الوزير‪ ،‬انفردت بالقي�سي‬
‫‪-363-‬‬
‫مبكتبه و�أخربته مب�ضمون مكاملة البكر‪ ،‬ورجوته مبغادرة بغداد �إىل بريوت‬
‫يف ع�رص اليوم نف�سه بحجة تفتي�ش فرع م�رصف الرافدين هناك‪ ،‬وعدم‬
‫العودة حلني التحاق وزير املالية مبن�صبه‪ ،‬حيث ميكن ت�سوية الأمر مع‬
‫رئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫و�سافر القي�سي‪.‬‬
‫ويف م�ساء اليوم نف�سه‪ ،‬عر�ض تلفزيون بغداد فيلما عن زيارتي‬
‫مل�رصف الرافدين‪ .‬ويف التا�سعة م�ساء ات�صل البكر بي هاتفيا وطلب‬
‫ح�ضوري حاال �إىل الق�رص اجلمهوري لبحث مو�ضوع القي�سي و�سبب‬
‫عدم اعتقاله وف�صله من الوظيفة‪.‬‬
‫حاولت تهدئة غ�ضب البكر و�أفهمته ب�أن القي�سي من الكفاءات‬
‫العراقية التي ال يجوز الت�ضحية بها‪� ،‬إ�ضافة �إىل �رضورة االنتظار حلني‬
‫عودة وزير املالية‪.‬‬
‫هد�أ البكر‪ .‬وبعدها ب�أيام ن�سي املو�ضوع متاما‪ .‬وملا عاد القي�سي‬
‫من �سفره تقدم بطلب �إعارة خدماته �إىل «بنك اليبوباف» يف باري�س‪،‬‬
‫ف�صدرت املوافقة حا ًال‪ .‬والطريف �أنه بعد مرور عدة �سنوات‪ ،‬عاد‬
‫الدكتور القي�سي �إىل العراق ليعني حمافظا للبنك املركزي العراقي‪ ،‬ثم‬
‫وزيرا للمالية‪ .‬ويثبت جدارة فائقة يف تلك املنا�صب نالت �إعجاب‬
‫وتقدير القيادة‪ .‬وعندما تويف عام ‪ 1979‬بعد �إ�صابته مبر�ض ال�رسطان‪،‬‬
‫�شيع جثمانه ر�سميا يف موكب مهيب وهو �أمر مل تفعله حكومة البعث‬
‫لأي وزير مدين تويف لأ�سباب طبيعية �أو غري طبيعية‪‍‍‍‍.‬‬
‫وميكنني الآن ت�صور الأمر لو �أين نفذت �أمر البكر «العاجل» بف�صل‬
‫القي�سي وتوقيفه‪ ،‬هل كان ذلك �سيكون يف م�صلحة العراق ب�إهدار‬
‫كفاءة عالية مثل كفاءة القي�سي؟‬
‫‪-364-‬‬
‫تقارير حزبية عن بناء م�سكن‬
‫كنا يف مطار املثنى لتوديع العقيد معمر القذايف الذي كان يف زيارة‬
‫للعراق‪ .‬بعد انتهاء مرا�سيم التوديع التفت البكر �إىل �صالح مهدي عما�ش‬
‫و�س�أله �إىل �أين هو ذاهب‪ .‬رد عما�ش ب�أنه ذاهب معي مل�شاهدة داري يف‬
‫حي اجلامعة والتي كانت يف مراحل البناء النهائية‪ ،‬لأنه‪� ،‬أي عما�ش‪ ،‬يريد‬
‫التعرف على املقاول احلاج فليح املعمار من �أجل ا�ستخدامه يف بناء دار‬
‫له‪� ،‬إن وجد عمله مر�ضيا‪ ،‬وهنا �أبدى البكر رغبته �أي�ض ًا باملجيء معنا‪.‬‬
‫اتفقنا على �أن �أ�سبق الآخرين ب�سيارتي لتعريفهم بالطريق‪ .‬ويبدو‬
‫�أن البكر ن�سي �إخبار موكب احلر�س املرافق بالعودة �إىل الق�رص‪ .‬الأمر‬
‫الذي حول امل�سرية لداري �إىل موكب ر�سمي حافل بدراجات ال�رشطة‬
‫و�سياراتهم‪.‬‬
‫وحال و�صويل �إىل ال��دار‪ ،‬الحظت املوكب الفخم‪ ،‬والأطفال‬
‫والن�ساء على جانبي ال�شارع امل�ؤدي لداري ي�صفقون ويهتفون بحياة‬
‫الثورة والقيادة‪ .‬وعلى رغم حراجة املوقف‪ ،‬ف�أن البكر وعما�ش واحلاج‬
‫فليح �أكملوا جولتهم يف الدار التي كان بنا�ؤها من طابق واحد وكلفتها‬
‫�آنذاك مل تتجاوز ‪� 15‬ألف ديناراً‪.‬‬
‫ال‪ :‬هذه دار ال ت�ساوي ‪� 80‬ألف دينار‪...‬‬ ‫التفت نحوي البكر قائ ً‬
‫قلت‪ :‬ومن الذي �أفتى بهذا الرقم؟ الكلفة ال تزيد عن ‪� 15‬ألفا‪ ،‬و�أنا‬
‫م�ستعد لبيع الدار بـ‪ ..20 ‬وهنا �ضحك البكر وقال ب�أنه ت�سلم حزمة من‬
‫التقارير احلزبية عن بناء الدار وموا�صفاتها «الفخمة» وجدرانها العالية‬
‫املغلفة باملرمر‪ .‬وعجبت لهذا الكالم‪ .‬وكان عجبي وامتعا�ضي �أكرث من �أن‬
‫تر�سل مثل هذه التقارير �إىل رئي�س اجلمهورية لت�رصفه عن وظائفه الأهم‪.‬‬
‫والطريف‪� ،‬أن املقاول احلاج فليح كان طالع نح�س على كل من �شيد‬
‫‪-365-‬‬
‫له دارا من امل�س�ؤولني‪� .‬إذ ما �أن يكمل عمله وينتقل �صاحب الدار �إليها‪،‬‬
‫�إال ويعفى من منا�صبه‪ .‬وقد حدث ذلك �أوال معي ثم مع �صالح مهدي‬
‫عما�ش‪ ،‬ليعقبه العقيد �شفيق الدراجي‪� ،‬أمني �رس جمل�س قيادة الثورة‪ .‬وبعده‬
‫�شفيق الكمايل وزير ال�شباب وع�ضو القيادتني القطرية والقومية‪ .‬وكم‬
‫كنت �أمتنى الآن لو ا�ستطاع احلاج فليح بناء دور لقياديني �آخرين لكنه‬
‫ذهب يف حادث ا�صطدام دراجته النارية‪ ،‬دون �أن يحقق �أمنيات كثريين!‬

‫منع تعيني ال�سكرتريات‬


‫يف عام ‪� ،1970‬شغلت من�صب وزير االقت�صاد وكالة يف غياب‬
‫الوزير الأ�صيل يومها الدكتور فخري قدوري عن العراق‪ .‬ويف منت�صف‬
‫�إحدى الليايل‪ ،‬هاتفني البكر وطلب ح�ضوري يف اليوم التايل �إىل الق�رص‬
‫اجلمهوري‪ ،‬يف ال�سابعة �صباحا‪.‬‬
‫و�صلت الق�رص قبل املوعد بقليل‪ ،‬ووجدت البكر يتخطى يف حديقة‬
‫الق�رص وهو يف حالة ع�صبية‪ .‬وما �أن ر�آين حتى بادرين بالقول‪ :‬دكتور‪..‬‬
‫اترك �سيارتك الر�سمية وتعال معي يف �سيارتي‪ ..‬ركبنا ال�سيارة بدون‬
‫موكب حرا�سة �أو مرافقني‪� ،‬سوى مرافق البكر اخلا�ص و�سائقه‪.‬‬
‫اجتهت ال�سيارة بنا نحو مدينة الكاظمية عرب طريق املطار القدمي (مطار‬
‫املثنى)‪ .‬و�أثناء ذلك التفت �إيل البكر وهو مازال يف حالته الع�صبية وقال‬
‫�أنه يريد زيارة معمل الطحني احلكومي التابع لوزارة االقت�صاد لي�ضبط‬
‫بنف�سه مدير املعمل باجلرم امل�شهود‪ ،‬حيث و�صلته معلومات حزبية عن‬
‫وجود عالقة غرامية بينه وبني �سكرتريته‪.‬‬
‫و�صلنا �إىل البوابة الداخلية للمعمل‪ .‬وترجلنا من ال�سيارة‪ .‬وكان‬
‫ذلك يف حلظة دخول العمال واملوظفني الذين ما �أن �شاهدوا البكر‬
‫حتى تعرفوا عليه فورا‪ ،‬فتجمهروا يهتفون بحياته وحياة الثورة! وهنا‬
‫‪-366-‬‬
‫التفتت البكر نحوي وقال‪ :‬ال فائدة الآن من �إكمال الزيارة للغر�ض‬
‫الذي جئنا من �أجله‪ .‬وعدنا �أدراجنا �إىل الق�رص اجلمهوري حتى دون‬
‫زيارة �شكلية للمعمل‪ .‬وما كاد البكر ي�صل �إىل مكتبه حتى �أ�صدر قرارا‬
‫مبنع ا�ستخدام ال�سكرتريات يف جميع دوائر الدولة‪ .‬وهو القرار الذي‬
‫�أ�صبح مدار تندر اجلميع‪ ،‬عدا عن كونه قد �أحدث ا�ضطرابا �إداريا لفرتة‬
‫طويلة من الزمن‪.‬‬

‫كيف يرى البكر البعثيني‬


‫يف ظهرية �أحد الأيام من عام ‪ ،1969‬كان البكر قد طلب ح�ضوري‬
‫وح�ضور وزير املالية �أمني عبد الكرمي ورئي�س ديوان الرقابة املالية‬
‫الدكتور عبد اهلل النق�شبندي‪� ،‬إىل مكتبه يف الق�رص اجلمهوري‪ .‬دخلنا‬
‫املكتب ومل يكن البكر موجودا‪ ،‬حيث �أخربنا ال�سكرتري �أنه يف غرفة‬
‫جماورة و�سيح�رض حاال‪.‬‬
‫مرت ب�ضع دقائق‪ ،‬وفج�أة فتح باب الغرفة املجاورة‪ ،‬وهي غرفة نوم‬
‫لها مدخل ي�ؤدي �إىل غرفة البكر‪ ،‬ودخل البكر ومن وراءه �أحمد ح�سني‬
‫ال�سامرائي �أحد البعثيني ورئي�س �إحدى اللجان التحقيقية �آنذاك‪ .‬كان‬
‫البكر يف حالة من الغ�ضب ال�شديد‪ ،‬وهو يقول لل�سامرائي‪� :‬أخرج الآن‬
‫و�س�أنظر املو�ضوع‪.‬‬
‫جل�س البكر خلف مكتبه‪ ،‬وخلع نظارته ورماها بع�صبية على‬
‫حزمة �أوراق مرتاكمة‪ ،‬وقال‪� :‬أوالد احلرام‪� ..‬شباب البعث الطائ�ش‪..‬‬
‫لقد عذبوا الدكتور �شامل ال�سامرائي (وزير الداخلية يف حكومة عبد‬
‫الرحمن ع��ارف) وحولوه �إىل ن�صف �إن�سان‪ ..‬والآن يريدون مني‬
‫م�ساعدته‪ ..‬ثم التفت �إيل م�سرت�سال بالكالم‪:‬‬
‫– دكتور‪ ..‬جماعتك البعثيني القدامى �أ�رشف و�أنبل من بعثيي هذا‬
‫‪-367-‬‬
‫الوقت الذين ال رحمة يف قلوبهم‪� ..‬إنهم �شباب طائ�ش يريد تكرار‬
‫م�أ�ساة ‪� ..1963‬إن ا�ستمرار بعث اليوم ب�إعمال التعذيب واالعتقال‬
‫الكيفي والهمجي �سينزل علينا لعنة ال�سماء‪ ،‬و�سيطردنا ال�شعب يوما‬
‫بالقرباج!‬
‫و�أ�شعل �سيجارة‪ ،‬ثم لب�س نظارته وعاد �إىل هدوئه بع�ض ال�شيء‬
‫ليخربنا بق�صة تعذيب الدكتور �شامل ال�سامرائي والتي يبدو �أن �أحمد‬
‫ال�سامرائي (وهو بعثي من الكادر املتقدم تويل فيما بعد رئا�سة ديوان‬
‫رئا�سة اجلمهورية ووزارة اخلارجية) قد جاء متو�سطا لدى البكر للإفراج‬
‫عنه بعد �أن �أ�شبعته الأجهزة الأمنية تعذيبا‪.‬‬

‫مكاف�أة ال�رضب‬
‫يف يوم ‪ 6‬يناير (كانون الثاين) ‪ ،1971‬يوم اجلي�ش يف العراق‪ ،‬ح�رض‬
‫رئي�س اجلمهورية والوزراء وبع�ض �أع�ضاء القيادة احتفاال �أقامته الكلية‬
‫الع�سكرية‪.‬‬
‫بعد انتهاء االحتفال طلب مني البكر مرافقته ب�سيارته‪ ،‬وما �أن‬
‫�أخذنا �أماكننا فيها حتى �شاهد الرئي�س بع�ض مرافقيه يتعر�ضون بال�رضب‬
‫ل�شاب حاول التقرب من ال�سيارة‪ .‬طلب البكر من ال�سائق التوقف حاال‬
‫وا�ستدعى ال�شاب املعتدى عليه و�أجل�سه معنا يف ال�سيارة‪ ،‬وطلب من‬
‫ال�سائق التوجه �إىل الق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫و�صلنا �إىل الق�رص ودخلنا نحن الثالثة مكتب البكر‪ .‬كان ال�شاب يف‬
‫حرية من �أمره‪ ،‬خائفا بع�ض ال�شيء غري مدرك ملا �سيحدث له‪� ،‬إذ بعد �أن‬
‫�أ�شبع �رضبا‪ ،‬يفاج أ� بركوب �سيارة رئي�س اجلمهورية ويجل�س يف مكتبه‪.‬‬
‫توجه البكر بال�س�ؤال �إىل ال�شاب عن م�شكلته وتبني �أنه �أراد �أن يعطى‬
‫‪-368-‬‬
‫البكر ملتم�س ًا لقبوله يف الكلية الع�سكرية بعد �أن رف�ض طلب �سابق له‬
‫لأنه غري بعثي ومن مدينة امل�سيب!‬
‫وهنا التفت البكر �إىل ال�شاب وقال �أنه كان �ضابطا يف امل�سيب‬
‫ويعرف �أهلها‪ ،‬وعندما ذكر ال�شاب ا�سم عائلته‪ ،‬عرفها البكر‪ ،‬وبادر‬
‫حاال بتوجيه كتاب �إىل �آمر الكلية الع�سكرية لقبول ال�شاب طالبا فيها‪،‬‬
‫كما �سلمه مبلغ مائة دينار و�أعطاه رقم هاتفه اخلا�ص ليت�صل به يف حال‬
‫ت�أخر معاملة قبوله‪.‬‬
‫وخرج ال�شاب غري م�صدق ما ح�صل له خالل �ساعات قليلة‪ .‬فبعد‬
‫رف�ض طلبه ال�سابق وبعد ما ناله من �رضب مربح �إذا به يف مكتب رئي�س‬
‫اجلمهورية‪ ،‬ويف جيبه مبلغ ًا من املال له قيمته يف ذلك الوقت‪ ،‬وبيده‬
‫كتاب قبول يف الكلية الع�سكرية!‬
‫وتعك�س هذه احلادثة طيبة البكر ودماثته وطريقة ت�رصيفه للأمور‪.‬‬
‫كما متثل‪ ،‬يف اعتقادي‪ ،‬امل��وروث من العادات التقليدية للمجتمع‬
‫العراقي وامتداداً لها‪.‬‬

‫املزاج املتقلب‬
‫يف �أغ�سط�س (�آب) ‪� ،1972‬صدر �أمر بت�شكيل الوفد العراقي‬
‫حل�ضور االجتماع ال�سنوي ل�صندوق النقد الدويل والبنك الدويل يف‬
‫وا�شنطن‪� .‬شكل الوفد من وزير املالية وحمافظ البنك املركزي والدكتور‬
‫عبد العال ال�صكبان مدير املالية العام‪ .‬ومل يكن ا�سمي من بني �أع�ضاء‬
‫الوفد بالرغم من �أن الوفد كان ي�شكل �سنويا من وزراء املالية والتخطيط‬
‫وحمافظ البنك املركزي‪.‬‬
‫ويف �أحد االجتماعات مع البكر‪� ،‬س�ألني عن موعد �سفري �إىل‬
‫‪-369-‬‬
‫وا�شنطن‪ ،‬ف�أخربته ب�أين غري ذاهب هذه املرة و�أن الدكتور ال�صكبان هو‬
‫الذي �سي�سافر بدال عني‪ .‬وهنا‪ ،‬ات�صل البكر هاتفيا برئي�س ديوان رئا�سة‬
‫اجلمهورية يحيى يا�سني وطلب منه �إ�ضافة ا�سمي �إىل الوفد بدال من‬
‫الدكتور ال�صكبان الذي كان يف �سفر خارج العراق‪.‬‬
‫عندما عاد ال�صكبان �إىل بغداد وعلم بحذف ا�سمه من الوفد ا�ستاء‬
‫جدا واعترب الأمر �إهانة �شخ�صية له‪ .‬لذلك التقى بوزير االقت�صاد حكمة‬
‫�إبراهيم العزاوي ونقل �إليه احلادث ب�شكل خمالف للواقع موحي ًا �إليه ب�أين‬
‫�أنا الذي �سعيت �إىل ال�سفر بدال منه‪ .‬ولذلك فقد طلب العزاوي مقابلة‬
‫البكر ومعه الدكتور ال�صكبان ونقل �إليه �صورة مغايرة للواقع‪ ،‬مما �ساعد‬
‫على الوقيعة بيني وبني البكر‪ .‬فقد ات�صل البكر هاتفيا وطلب �إيل ب�صوت‬
‫غا�ضب احل�ضور �إىل مكتبه‪.‬‬
‫وجدت يف مكتب البكر‪ ،‬وزير االقت�صاد‪ ،‬الدكتور ال�صكبان‪ ،‬وزير‬
‫املالية �أمني عبد الكرمي‪ ،‬والدكتور عبد اهلل النق�شبندي رئي�س ديوان‬
‫الرقابة املالية‪.‬‬
‫كان البكر حادا يف حديثه‪ .‬وعندما �أردت �أن �أبدي ر�أيي مل ي�سمح يل‬
‫بالكالم‪ ،‬الأمر الذي دفعني �إىل اخلروج من املكتب دون ا�ستئذان‪ .‬وكان‬
‫اعتقادي �إن هذا هو �آخر لقاء يل بالبكر و�أنه نهاية عملي يف حكومته‪.‬‬
‫كانت املفاج�أة عندما ات�صل بي يحيى يا�سني رئي�س الديوان بعد يومني‬
‫م�ستف�رسا عن �سبب عدم ح�ضوري اجتماع جلنة وزارية برئا�سة البكر‬
‫لبحث �ش�ؤون املحافظات‪ .‬وعندما �أ�رشت �إىل ما حدث يف االجتماع‬
‫ال�سابق بخ�صو�ص ال�صكبان‪ ،‬رد اليا�سني قائال‪� :‬إن البكر يت�رصف كوالد‬
‫لنا جميعا‪ .‬يغ�ضب م�ؤقتا لكنه ال يق�صد �أكرث من ذلك‪ .‬ف�أرجوك احل�ضور‬
‫�إىل االجتماع املقرر‪.‬‬
‫‪-370-‬‬
‫وقال يا�سني �إن البكر كثري الغ�ضب مع �أع�ضاء القيادة‪ ،‬ولكنهم‬
‫يجاملونه لأن «ال�شايب» ال يعني ما يقول يف �ساعة الغ�ضب‪.‬‬
‫وح�رضت االجتماع‪ .‬و�أخذت مقعدا يف نهاية املائدة‪ ،‬بعيداً عن‬
‫رئي�س اجلل�سة‪ .‬وهنا وجدت البكر يدعوين �إىل تغيري مقعدي واجللو�س‬
‫بالقرب منه‪ .‬وكان يف ذلك دليل على تطييب اخلاطر‪ ،‬ومع ذلك كان‬
‫من �أثر تلك احلادثة �أن قل ات�صايل بالبكر وزاد عملي مع �صدام‪.‬‬
‫وعندما زرت �صدام ًا و�أخربته بحادثة الدكتور ال�صكبان وغ�ضب‬
‫البكر‪ ،‬رد علي قائال‪ :‬هذه �أمور �صغرية �إذا ما برزت �أرجو �إخباري‪.‬‬
‫وال داعي لإثارتها مع البكر م�ستقبال‪ .‬عليك �أن تخربين بكل �شيء‪،‬‬
‫وال يهمك التفكري املتخلف يف الق�رص اجلمهوري بقيادة يحيى يا�سني‬
‫و�أمثاله‪.‬‬
‫كان هذا الرد هو الأول من نوعه الذي ي�شري �إىل بدء الفجوة بني‬
‫�صدام وبني البكر‪ ،‬ويعرب عن امتعا�ض �صدام من ت�رصفات املحيطني‬
‫بالبكر �أمثال يحيى يا�سني الذي كان مقربا من البكر وندميا له!‬
‫ويبدو �أن �صداما مل ين�س لل�صكبان موقفه «التكتيكي»‪ .‬ولهذا‬
‫املو�ضوع ق�صة �أرويها عند احلديث عن �صدام‪.‬‬

‫البكر وجمل�س التخطيط‬


‫خالل فرتة ا�ستيزاري الأوىل‪ ،‬كان الفريق �صالح مهدي عما�ش ينوب‬
‫عن رئي�س اجلمهورية يف رئا�سة اجتماعات جمل�س التخطيط ب�صفته نائب‬
‫رئي�س اجلمهورية ونائب رئي�س الوزراء‪ .‬وعندما �أعفي من منا�صبه وعني‬
‫�سفريا يف اخلارج‪ ،‬حل �صدام ح�سني حمله يف رئا�سة جمل�س التخطيط‪.‬‬
‫وبعد ا�ستيزاري للمرة الثانية يف مايو (�أيار) ‪ ،1972‬توطدت عالقتي‬
‫‪-371-‬‬
‫ب�صدام بحكم االرتباط الوظيفي‪ .‬وملا مل تعد تعقد االجتماعات الدورية‬
‫ملجل�س الوزراء فقد تراجعت العالقة مع البكر عما كانت عليه يف الفرتة‬
‫ال�سابقة‪ ،‬بينما �أ�صبحت اجتماعات جمل�س التخطيط �أكرث انتظام ًا من‬
‫ذي قبل‪ ،‬حيث كان �صدام حري�صا على عقدها ب�شكل دوري ويدعو‬
‫حل�ضورها‪ ،‬كم�ستمعني‪ ،‬بع�ض الكوادر احلزبية املتقدمة‪ ،‬وكان كثرياً ما‬
‫يقول يل ب�أنه يريد �أن ت�شعر تلك الكوادر بعظم امل�س�ؤولية التي نتحملها‬
‫يف �إدارة ال�ش�ؤون االقت�صادية للعراق‪ ،‬وحتى «يتعلم» �أع�ضاء احلزب‬
‫مبادئ االقت�صاد والإدارة ويكفوا عن كتابة التقارير احلزبية‪.‬‬
‫ومع �أن البكر مل تعد له عالقة مبا�رشة مبجل�س التخطيط‪ ،‬فقد كنت‬
‫�أحر�ص على �أن �أبعث �إليه منهاج كل اجتماع وتو�صيات وزارة‬
‫التخطيط املتعلقة ب�إحالة امل�شاريع ليكون «يف ال�صورة» �أو ًال‪ ،‬وليبدي‬
‫مالحظاته عليها ثاني ًا‪ .‬وا�ستمرت احلالة على هذه ال�شاكلة لفرتة طويلة‪.‬‬
‫ويف �صبيحة �أحد الأيام‪ ،‬ات�صل بي البكر هاتفيا باحلالة الع�صبية التي‬
‫عودنا عليها قائال‪:‬‬
‫– دكتور جواد‪ ..‬قل يل من هو رئي�س اجلمهورية ورئي�س الوزراء‬
‫يف هذا البلد؟‬
‫– �أنت بالطبع يا �سيادة الرئي�س‪ ..‬جاء جوابي له‪ ،‬و�أنا منده�ش من‬
‫�س�ؤاله‪.‬‬
‫– ومن هو رئي�س جمل�س التخطيط الفعلي‪� ..‬ألي�س هو رئي�س الوزراء؟‬
‫– نعم‪ ،‬بطبيعة احلال‪.‬‬
‫– �إذن‪� ،‬صدام ح�سني لي�س �سوى نائب يل‪� ..‬ألي�س كذلك؟‬
‫– نعم يا �سيادة الرئي�س‪.‬‬
‫‪-372-‬‬
‫– �إذن‪ ،‬ملاذا ال تعتربين وزيرا من الوزراء ولي�س رئي�سا للجمهورية‪..‬‬
‫وتر�سل �إيل مبنهاج جمل�س التخطيط كي �أطلع عليه‪ ،‬على الأقل‪ ،‬لأقف‬
‫بنف�سي على ما يدور يف هذا البلد‪ ،‬وما تفعله �أنت و�صدام؟‬
‫مل �أحر جوابا‪ .‬كيف ال يت�سلم البكر مناهج املجل�س وهي تر�سل �إليه‬
‫بانتظام عن طريق رئي�س ديوان الرئا�سة؟ هل يتعمد يحيى يا�سني‪ ،‬رئي�س‬
‫الديوان‪ ،‬عدم تقدميها للرئي�س لكيال يثقله بقراءة الأمور الفنية؟ �أم �أن يحيى‬
‫ي�سعى خللق �شقاق بني البكر و�صدام؟ �أ�سئلة حمرية مل �أجد لها جوابا‪.‬‬
‫بعد �أيام‪ ،‬قابلت �صداما واقرتحت عليه �أن نبعث للبكر لي�س فقط‬
‫مبنهاج جمل�س التخطيط‪ ،‬بل بخال�صة مركزة مبحتويات املنهاج ومقرتح‬
‫بالقرارات التي يحتمل ا�صدارها ثم ننتظر مالحظاته قبل عقد اجلل�سة‪.‬‬
‫�صمت �صدام برهة‪ .‬ثم التفت �إيل مت�سائال عن ال�سبب وما �إذا كان‬
‫البكر قد ات�صل بي‪ ،‬وبدبلوما�سية مقرونة ب�شيء من الإحراج‪ ،‬وحتى‬
‫ال ي�ؤدي جوابي �إىل زيادة احل�سا�سيات بينه وبني البكر �أخربته بخال�صة‬
‫حديثي مع البكر‪ .‬وب�شكل يفهم منه �أن البكر راغب يف �أن يكون يف‬
‫«ال�صورة االقت�صادية دوما»‪.‬‬
‫وفهم �صدام ال�صورة‪ ،‬وت�أفف‪ .‬ثم وافق على مقرتحي‪.‬‬

‫البحث عن �سعدون حمادي‬


‫رغم �أن الدكتور �سعدون حمادي من �أبناء مدينة كربالء‪ ،‬لكنني مل‬
‫�أكن على معرفة به‪ ،‬و�إن كنت قد �سمعت عنه الكثري‪ .‬كان رئي�سا لتحرير‬
‫جريدة «اجلمهورية» منذ الأيام الأوىل لثورة ‪ 14‬يوليو (متوز) ‪،1958‬‬
‫ومن امل�ؤ�س�سني الأوائل حلزب البعث العراقي‪ ،‬وله بع�ض امل�ؤلفات يف‬
‫ال�سيا�سة واالقت�صاد والوحدة العربية‪ .‬وبعد �سيطرة عبد ال�سالم عارف‬
‫‪-373-‬‬
‫على مقاليد احلكم يف ‪ 18‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪� ،1963‬أبعد حمادي‬
‫عن من�صبه كوزير للإ�صالح الزراعي‪ ،‬ومن ثم غادر العراق‪.‬‬
‫بعد �أيام قليلة من ا�ستيزاري يف ‪ 30‬يوليو (متوز) ‪ ،1968‬ات�صل‬
‫بي البكر وطلب مني البحث عن الدكتور حمادي ودعوته للعودة �إىل‬
‫العراق بغية تعيينه يف من�صب هام‪ .‬ويف املكاملة ذاتها طلب مني تر�شيح‬
‫�أ�شخا�ص ًا من ال�شيعة ملن�صبي حمافظ البنك املركزي ورئا�سة �رشكة النفط‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫علمت �أن �سعدون حمادي يعمل يف �إحدى مكاتب الأمم املتحدة‬
‫يف دم�شق‪ .‬وبعد جهد ات�صلت به هاتفيا‪ ،‬و�أبلغته ر�سالة البكر برجاء‬
‫العودة �إىل العراق فوافق على الفور‪ .‬ووعد بالو�صول �إىل بغداد خالل‬
‫�أ�سابيع قالئل‪.‬‬
‫خالل البحث عن مر�شح ل�رشكة النفط الوطنية‪ ،‬كان فكري من�صبا‬
‫على تر�شيح �شخ�صية متميزة �سيا�سيا لهذه امل�ؤ�س�سة التي �أ�صبحت رمزا‬
‫وطني ًا يواجه العراق به �رشكات النفط الأجنبية العاملة يف العراق‪.‬‬
‫وكانت �أي�ضا �سببا يف �إبعاد رئي�س الوزراء عبد الرزاق النايف لأنه‪– ‬‬
‫ح�سب ادعاء البكر‪� – ‬أراد �إلغاء هذه ال�رشكة!‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬كتبت للبكر ر�سالة �شخ�صية و�رسية اقرتحت فيها‬
‫ناجي طالب ب�صفته رئي�س وزراء �سابق و�أحد ال�ضباط الأحرار يف ثورة‬
‫‪ ،1958‬كمر�شح �أول ثم الدكتور �سعدون حمادي كمر�شح بديل يف‬
‫حال اعتذار ناجي طالب‪� .‬أما حمافظية البنك املركزي فقد اقرتحت‬
‫لها الدكتور عبد احل�سن زلزلة ل�سببني‪� :‬أولهما‪� ،‬إنه كان حمافظا للبنك‬
‫املركزي عام ‪ ،1963‬ونقل بعدها �سفريا للعراق يف طهران‪ ،‬وثانيهما‪،‬‬
‫لأن مو�ضوع ر�سالته للدكتوراه كان عن ال�سيا�سة النقدية يف العراق‪.‬‬
‫‪-374-‬‬
‫و�صدر قرار تعيني الدكتور زلزلة حمافظا للبنك املركزي‪ ،‬لكن مل‬
‫يعني �أحد على ر�أ�س �رشكة النفط الوطنية‪.‬‬
‫و�صل �سعدون حمادي �إىل بغداد‪ ،‬وجاء لزيارتي يف وزارة التخطيط‪،‬‬
‫حيث �أخربته ب�أين قد ر�شحته ملن�صب رئي�س �رشكة النفط الوطنية‪.‬‬
‫�أعلمت البكر بعودة حمادي فوعد بتحديد موعد ملقابلته يف‬
‫القريب العاجل‪ .‬مرت عدة �أي��ام دون �أن �أ�سمع من البكر �سواء‬
‫حول تعيني �سعدون �أو حتديد موعد ملقابلته‪ .‬ويف م�ساء �أحد الأيام‪،‬‬
‫ا�ستدعيت �إىل الق�رص اجلمهوري حل�ضور جانب من اجتماع جمل�س‬
‫قيادة الثورة‪.‬‬
‫دخلت قاعة االجتماعات يف الطابق الثاين من مبنى الق�رص‪� :‬صالة‬
‫كبرية وطاولة طويلة ت�صدرها البكر واجتمع حولها �أع�ضاء جمل�س‬
‫قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب‪ .‬مل يكن �صدام‪ ،‬الذي ما زال‬
‫مل يعني بعد يف من�صب نائب رئي�س جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬جال�سا بجانب‬
‫البكر‪ .‬بل الحظت �أنه اختار �إحدى جوانب الطاولة واىل جواره جل�س‬
‫حردان التكريتي‪ ،‬يقابله يف الطرف الآخر �صالح مهدي عما�ش‪ .‬ويف‬
‫نهاية الطاولة‪ ،‬ر�أيت حماد �شهاب وعلى ي�ساره �سعدون غيدان‪ .‬ومن‬
‫�أع�ضاء القيادة القطرية الذين كنت على معرفة بهم ملحت عبد اهلل �سلوم‬
‫ال�سامرائي جال�سا يف نهاية طاولة االجتماعات مقابل البكر‪ .‬فاتخذت‬
‫مكاين �إىل جانبه‪.‬‬
‫مرت فرتة ق�صرية ان�شغل فيها البكر بتقليب حزمة من الأوراق كانت‬
‫�أمامه وك�أنه يحاول العثور على ورقة معينة‪ ،‬ثم وجدها وراح يقر�أها‬
‫ب�صوت م�سموع‪.‬‬
‫كانت الورقة هي ر�سالتي ال�شخ�صية حول تر�شيح ناجي طالب‬
‫‪-375-‬‬
‫و�سعدون حمادي‪ .‬التفت البكر �إىل «الرفاق» وقال‪ :‬لقد طلبت من‬
‫الدكتور جواد �أن يقرتح ا�سمني لرئا�سة �رشكة النفط الوطنية‪ ،‬فر�شح لنا‬
‫ناجي طالب و�سعدون حمادي‪ .‬فما ر�أيكم؟‬
‫لقد فات البكر �أن يذكر �أنه طلب مر�شحني من �أبناء الطائفة ال�شيعية‪.‬‬
‫بادرين عبد اهلل �سلوم بال�س�ؤال عن �سعدون حمادي‪� .‬أين هو الآن‪..‬‬
‫ماذا يعمل �أين كان‪ ..‬ف�أجبته بوجوده يف بغداد حاليا‪.‬‬
‫– ملاذا هو يف بغداد‪ ..‬ت�ساءل �سلوم‪.‬‬
‫– لأن ال�سيد رئي�س اجلمهورية طلب مني البحث عنه ودعوته‪.‬‬
‫مل يكتف �سلوم بال�س�ؤال‪ ،‬بل �أردف بجملة من عبارات التهجم‬
‫على حمادي متهما �إياه باالنتهازية واجلنب والإقامة يف دم�شق حتت‬
‫مظلة الأمم املتحدة‪ ،‬يف الوقت الذي كان هو ورفاقه يتجرعون عذاب‬
‫ال�سجون ومرارة املعتقالت‪.‬‬
‫مل �أجد جوابا لهذا الكالم‪ .‬كما ده�شت ل�سكوت البكر وهو الذي‬
‫طلب مني دعوة حمادي للعودة �إىل العراق‪.‬‬
‫م�ضت ب�ضع دقائق‪ .‬مل يتكلم «رفيق» �آخر غري �سلوم‪.‬‬
‫ا�ستف�رس البكر ثانية عما �إذا كان هناك من يرغب يف �إبداء الر�أي �أو‬
‫مناق�شة تعيني حمادي‪ .‬مل يطلب الكلمة �أحد‪ .‬و�سكت اجلميع‪ .‬بينما‬
‫راح البع�ض يقلب يف الأوراق املو�ضوعة �أمامه‪.‬‬
‫خرجت من االجتماع مبتئ�سا للطريقة التي �أدار بها البكر النقا�ش‬
‫وعدم دفاعه عن حمادي‪.‬‬
‫م�ضت �أ�سابيع دون �أن ي�صدر البكر قراره بتعيني حمادي‪� .‬إحراج ال‬
‫‪-376-‬‬
‫حد له جتاه رجل ترك وظيفته يف الأمم املتحدة وعاد �إىل وطنه بدعوة من‬
‫رئي�س اجلمهورية‪.‬‬
‫ويبدو �أن حمادي من خالل خربته يف التعامل مع «رفاقه يف الن�ضال»‬
‫�أدرك �أ�سباب ت�أخر تعيينه رئي�سا ل�رشكة النفط الوطنية مما دفع به �إىل تقدمي‬
‫طلب للبكر لتعيينه �أ�ستاذا يف كلية الزراعة‪.‬‬
‫�أخذت الطلب وتوجهت ملقابلة البكر‪ .‬و�رشحت له ظروف عودة‬
‫حمادي واقرتحت تعيينه ع�ضواً غري متفرغ يف جمل�س التخطيط‪� ،‬إ�ضافة‬
‫لتعيينه يف كلية الزراعة‪ .‬وافق البكر‪ ،‬و�صدر املر�سوم اجلمهوري بذلك‪.‬‬
‫ومل مي�ض �سوى وقت ق�صري حتى �صدر قرار جمل�س قيادة الثورة‬
‫بتعيني حمادي رئي�سا ل�رشكة النفط الوطنية‪ .‬ومن هناك انتقل الدكتور‬
‫حمادي لي�صبح وزيراً للنفط‪ ،‬فوزيراً للخارجية‪ ،‬فرئي�س ًا للوزراء ثم حط‬
‫به الرحال رئي�س ًا للمجل�س الوطني‪.‬‬

‫‪-377-‬‬
‫الف�صل الثالث والع�شرين‬
‫عما�ش‪ :‬ع�سكري هزمه املدنيون‬

‫تعرفت على �صالح مهدي عما�ش عام ‪ ،1967‬عندما كنت �أتردد‬


‫على البكر يف داره‪ .‬وكان عما�ش �آنذاك مالزما للبكر يف زياراته ولقاءاته‪.‬‬
‫ويعد عما�ش من البعثيني الأوائ���ل يف ال��ع��راق‪� ،‬ضمن التنظيم‬
‫الع�سكري‪ ،‬ويعود انتما�ؤه حلزب البعث �إىل �أوائل اخلم�سينات‪ .‬وقد‬
‫كان بحق عقائديا م�ؤمنا مببادئ احلزب و�سلوكيته «النظرية»‪.‬‬
‫كان متوا�ضعا �إىل �أبعد احلدود‪ .‬ال تفارقه االبت�سامة‪.‬‬
‫وكان �شاعراً و�أديبا يجال�س ال�شعراء والأدب��اء والكتاب‪ ،‬ويرتبط‬
‫ب�صداقات مع امل�شهورين منهم‪ .‬وله م�ؤلفات عديدة يف ال�ش�ؤون‬
‫الع�سكرية‪ ،‬لأنه ع�سكري تدرج يف رتبه حتى و�صل �إىل رتبة فريق �أول‬
‫ركن‪ .‬وكان وزيراً للدفاع عام ‪ .1963‬ويف ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪،1968‬‬
‫عني وزيرا للداخلية‪ .‬وبعد �إبعاد النايف والداوود يف ‪ 30‬يوليو (متوز)‪،‬‬
‫احتفظ مبن�صبه الوزاري‪� ،‬إ�ضافة �إىل تعيينه نائبا لرئي�س الوزراء‪ .‬وبحكم‬
‫هذا املن�صب‪� ،‬أنابه البكر لرت�ؤ�س اجتماعات جمل�س التخطيط‪ ،‬وعن‬
‫طريقها توطدت عالقتي ال�شخ�صية والعائلية به‪ ،‬فكثريا ما كنا معا‬
‫يف املنا�سبات االجتماعية‪ ،‬وبالذات لقاءاتنا العائلية يف نادي الرتاث‬
‫املعروف با�سم اجلمعية البغدادية‪.‬‬
‫‪-379-‬‬
‫كان عما�ش ممتازاً يف رئا�سته ملجل�س التخطيط‪ ،‬يف�سح املجال للنقا�ش‬
‫ب�صورة دميوقراطية متاما وبدون �أبهة وتكلف‪ .‬و�أقول ب�رصاحة‪ ،‬كنت‬
‫�أ�شعر دائم ًا براحة �أكرث عندما كان عما�ش ير�أ�س االجتماعات لأنه كان‬
‫يقر أ� منهاج املجل�س بجدية وا�ستيعاب ويناق�ش الفنيني بدقة وي�ستمع‬
‫لآرائهم �إىل �أق�صى احلدود‪ .‬وكانت �أ�سئلته ت�ؤكد ا�ستيعابه للجوانب‬
‫االقت�صادية للم�شاريع‪� ،‬إال �أنه كان حري�صا على ت�أكيد النواحي الأمنية‬
‫والع�سكرية للتوزيع اجلغرايف للم�شاريع اال�سرتاتيجية‪.‬‬
‫ومع كل هذه اجلوانب الإيجابية‪ ،‬كان �أقل جناحا من �صدام ح�سني‬
‫الذي بد�أ يف تر�ؤ�س اجتماعات املجل�س بعد �إعفائه‪ ،‬يف ا�ستح�صال‬
‫موافقات جمل�س التخطيط‪.‬‬
‫مل �أ�شعر خالل عالقاتي واجتماعاتي مع عما�ش ب�أنه كان «ح�سا�سا»‬
‫من ال�شيوعيني �أو مهاجما لهم‪ ،‬بقدر ما كان منتقدا لبع�ض القوميني‪.‬‬
‫وكان يقول �أحيانا‪�« :‬إننا جئنا للحكم يف ‪ 1963‬وقتلنا ال�شيوعيني‬
‫وذبحناهم دون مربر‪ .‬وحتى يف ذلك القتل والذبح ميزنا بني ال�شيوعي‬
‫ال�سني وال�شيوعي من الطائفة ال�شيعية‪ ،‬حيث �أعدم القادة ال�شيوعيون‬
‫ال�شيعة وبقي على قيد احلياة ال�شيوعيون من الطائفة ال�سنية!»‪.‬‬
‫وكان عما�ش معجبا ب�شخ�ص عبد النا�رص‪ ،‬ال ب�سيا�سته‪ ،‬لكنه كان‬
‫م�ستا ًء من تكرار اعتقاله عندما كان الجئا يف القاهرة من قبل ال�سلطات‬
‫امل�رصية‪ ،‬يف كل منا�سبة يح�رض فيها عبد ال�سالم عارف �أو �أي م�س�ؤول‬
‫عراقي كبري‪ .‬ومل يكن عما�ش يردد لغة «نحن ع�سكريون» و�أولئك‬
‫«مدنيون»‪ .‬ومل �أ�شعر منه بنربة متييز بني ع�سكري ومدين‪ .‬فعلى الرغم من‬
‫ح�صوله على الرتبة الع�سكرية ب�شكل حقيقي‪� ،‬إال �أنه كان دائما يرتدي‬
‫مالب�س مدنية‪ ،‬بعك�س حردان التكريتي الذي و�صف ب�أنه «ع�سكري‬
‫حم�ض مبوا�صفات ال�ضابط العراقي‪� :‬سيف وك�أ�س و�أنثى» ]‪ [1‬وبخالف‬
‫‪-380-‬‬
‫�سعدون غيدان الذي مل تكن له باحلزب �إال �صلة ه�شة وقد و�صف ب�أنه‬
‫�ضابط «�أغمد ال�سيف وتفرغ للك�أ�س والأنثى»‪.[2] ‬‬
‫ومع �شخ�صية عما�ش هذه امتزجت �شخ�صية �أخرى ات�سمت بع�ض‬
‫ال�شيء بالع�صبية ورد الفعل ال�رسيع‪ ،‬دون �صرب �أو ت�أن‪� .‬إن حوادث كثرية‬
‫رافقت عما�ش من يوليو (متوز) ‪ .1968‬ولعل �رسد بع�ض تلك احلوادث‬
‫من �ش�أنه �أن يلقي ال�ضوء على �شخ�صية عما�ش من جهة‪ ،‬وعلى بع�ض‬
‫املناورات التي كانت جتري داخل القيادة وت�ستفحل �شيئا ف�شيئا لتمهد‬
‫الطريق ل�صدام ح�سني يف ت�سلم زمام الأمور وب�شكل مطلق مل ي�سبق له‬
‫مثيل يف تاريخ العراق املعا�رص‪ ،‬من جهة �أخرى‪.‬‬
‫لقد ت�رصف عما�ش‪ ،‬وهو وزير للداخلية‪ ،‬ت�رصفات �أ�ساءت �إليه‬
‫�شخ�صيا بالرغم من �أن هناك �أ�شخا�صا يف القيادة كانوا يدفعونه �إليها‪.‬‬
‫ال‪ ،‬عند �صدور قرار وزارة الداخلية مبنع ال�سيدات ارتداء املالب�س‬ ‫فمث ً‬
‫الق�صرية واحلملة الوا�سعة التي عمت العراق يف ر�ش �سيقان الفتيات‬
‫وال�سيدات بالأ�صباغ‪ .‬مل يكن عما�ش وراء القرار‪ ،‬بل خرياهلل طلفاح‬
‫عندما كان حمافظا للعا�صمة وهو الذي ا�ستطاع �إقناع البكر ب�أن الف�ساد‬
‫والفجور �سيعمان العراق و�إن ال�رشف العربي يف خطر وت�ستلزم‬
‫املحافظة عليه معاقبة الفتيات وال�سيدات ب�صبغ �سيقانهن باللون‬
‫الأ�سود‪ .‬وقامت �أجهزة ال�رشطة بتنفيذ قرار «العفة والطهارة» وتذمر‬
‫النا�س و�شتموا عما�ش‪ ،‬الذي مل يكن �صاحب القرار‪ ،‬بل منفذه ب�صفته‬
‫وزيرا للداخلية‪.‬‬
‫وبعد فرتة‪ ،‬الغي القرار بتدخل من �صدام ليزيد من �شعبيته‪ .‬وتنف�س‬
‫النا�س ال�صعداء دون �أن يعلموا ب�أن خاله طلفاح هو الذي كان وراء‬
‫القرار ولي�س عما�ش الذي ان�صبت عليه اللعنات‪.‬‬
‫‪-381-‬‬
‫وهكذا‪ ،‬كلما تورط عما�ش بق�ضية من هذا النوع‪ ،‬غا�ص «بو�صة»‬
‫يف الأر�ض و�صعد �صدام «بو�صة»‪ .‬ولعل مثل هذه املفارقات واحلوادث‬
‫هي التي فعلت فعلها امل�ؤثر يف حتديد امل�صري الذي �آل �إليه كل واحد‬
‫منهما‪ .‬وهناك مفارقات �أخرى ال تقل �إثارة �س�أورد بع�ضا منها‪.‬‬
‫• كنت قد ذكرت عند احلديث عن جمال عبد النا�رص والبعث‪،‬‬
‫ب�أن املر�شح احلقيقي ملن�صب نائب رئي�س جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬كان‬
‫�صالح مهدي عما�ش ولي�س �صدام ح�سني‪ .‬ومع �أن الأول مل يعني‬
‫يف من�صب النائب‪ ،‬ف�إنه مل يبد �أي تذمر علني بالرغم من �أنه كان‬
‫ع�ضوا يف القيادتني القومية والقطرية للحزب وع�ضواً يف جمل�س‬
‫قيادة الثورة‪ ،‬ونائبا لرئي�س الوزراء‪ ،‬ومن �أقدم احلزبيني �ضمن تلك‬
‫املجموعة القيادية‪.‬‬
‫وقد �س�ألته مرة عن �سبب تعيني �صدام مبن�صب النائب‪ .‬وحاول‬
‫عما�ش التربير بان الأمر مت يف �إطار القيادة اجلماعية ومتطلبات‬
‫تلك املرحلة‪ ،‬دون �أن ينتق�ص من �صدام‪ .‬بل بالعك�س‪ ،‬قال يل ب�أنه‬
‫ملتزم مبا يراه احلزب‪ ،‬و�إنه ال مانع لديه حتى لو عينه احلزب عريفا‬
‫يف اجلي�ش!‬
‫ولكن‪ ،‬كما ات�ضح بعدئذ �أن عما�ش بقي مت�أملا من تلك املناورة‪.‬‬
‫وكان يعرف متاما ما �سيحدث بالعراق لو انفرد �صدام باحلكم‪.‬‬
‫• بعد االنقالب ب�أ�سابيع‪ ،‬التقيت عما�ش يف مكتبه بوزارة الداخلية‬
‫ال‪ ،‬حيث كنا قد اتفقنا على الذهاب �إىل‬ ‫يف ال�ساعة التا�سعة لي ً‬
‫اجلمعية البغدادية لتناول الع�شاء‪.‬‬
‫كان عما�ش واقفا كعادته خلف مكتبه ال��ذي تكد�ست عليه‬
‫جمموعة كبرية من امللفات (الأ�ضابري القدمية ذات اخليط الأخ�رض‬
‫‪-382-‬‬
‫املورثة من العهد العثماين)‪ .‬وملا �س�ألته عن تلك امللفات قال‪ :‬تعال‬
‫�أنظر‪� ..‬إنها ملفات كبار موظفي الدولة املحفوظة لدى مديرية‬
‫الأمن العامة‪ ..‬وقد �أح�رضتها �إىل مكتبي لدرا�ستها متهيدا لإعادة‬
‫ت�صنيفها مبا ين�سجم وتطلعات الثورة!‬
‫وت�ساءلت مازحا‪ :‬هل تريد ت�صنيف امللفات �أم ت�صنيف �أ�صحابها؟‬
‫ومل يرد‪ .‬ولكنه �أطلعني على الرتقيم امل�ستخدم لت�صنيف كل ملف‪.‬‬
‫فبعد رقم امللف يوجد خط مائل يعقبه احلرف (�س) �أو (�ش) �أو‬
‫(�ص) �أو (م)‪ .‬و�أو�ضح الأمر بالقول �إن احلرف الأول يعني (�سني)‬
‫والثاين (�شيعي) والثالث (�صابئي) �أما احلرف الأخري في�شري �إىل �أن‬
‫امللف يعود مل�سيحي‪ .‬وبتعبري �آخر‪ ،‬ف�إن احلرف ي�شري �إىل الهوية‬
‫الطائفية لكبار موظفي الدولة‪.‬‬
‫ويبدو �أن هذه الإ�شارة لالنتماء الطائفي كان يعمل بها منذ ت�أ�سي�س‬
‫الدولة وا�ستمر العمل بذلك حتى الآن‪ ،‬مع احتمال زيادة يف بع�ض‬
‫الأحرف!‬
‫ومع هذا التو�ضيح‪ ،‬مل �أ�صدق تف�سري عما�ش ملدلول تلك احلروف‪.‬‬
‫لكنه عاد و�أكد ذلك مبينا �إن ت�صنيفه هو يقع �ضمن جمموعة حرف‬
‫(�س) بالرغم من �أن والدته �شيعية من منطقة الفحامة و�أنه تربى يف‬
‫منطقة �شيعية‪.‬‬
‫• كان عما�ش ي�ؤكد با�ستمرار على �رضورة جتنب �أخطاء عام ‪1963‬‬
‫وامل�آ�سي التي عانى منها ال�شعب واحلزب ب�سبب ت�رصفات احلر�س‬
‫القومي �آنذاك‪ .‬لذلك كان يقول يف كل منا�سبة ب�أن املواطن العراقي‬
‫يجب �أال ي�شعر �إال بالأمان واالطمئنان‪ .‬وال يجوز �أبدا ظهور �أية‬
‫تنظيمات م�سلحة يف ال�شارع‪ ،‬حتى لو كانت تلك التنظيمات‬
‫‪-383-‬‬
‫فل�سطينية‪ .‬و�أنه كوزير للداخلية �سينزل �أق�صى العقوبات ب�أفراد‬
‫املقاومة الفل�سطينية فيما لو �شوهد �أحدهم بلبا�س املقاومة‬
‫الع�سكري �أو �شوهد يحمل �سالحا‪.‬‬
‫ويف �إحدى الأم�سيات‪ ،‬ومل يكن قد م�ضى على االنقالب �إال ب�ضعة‬
‫�أ�شهر خرجت وعائلتي يف �سيارتي اخلا�صة للتجول يف �شوارع‬
‫بغداد‪ .‬وعند و�صويل �إىل �شارع ال�سعدون‪� ،‬أحد �شوارع العا�صمة‬
‫الرئي�سية‪� ،‬إذا بي �أملح �أمامي �سيارة بي�ضاء من نوع «بيجو» وقد‬
‫�أطل من مقعدها اخللفي �شاب باملالب�س الع�سكرية يطلق النار من‬
‫م�سد�سه على �سيارة «�شيفروليت» كانت �أمامه‪.‬‬
‫وبعد ب�ضعة �أمتار‪ ،‬توقفت ال�سيارة املعتدى عليها‪ ،‬وخلفها توقفت‬
‫�سيارة «البيجو» وخرج الع�سكري منها لي�سحب بعنف �سائق‬
‫ال�سيارة وال�سيدة التي كانت جال�سة �إىل جانبه ويدخلهما �سيارته‬
‫وهو م�ستمر ب�إطالق النار يف الهواء‪.‬‬
‫وحتركت ال�سيارة الـ‪« ‬بيجو» وتبعتها حتى انعطفت �إىل �شارع‬
‫�آخر وتوقفت عند �أحد الدور ودخلوا فيها بينما وقفت بعيدا‬
‫بب�ضعة �أمتار �أراقب عن كثب هذا احلادث الغريب‪.‬‬
‫تفح�صت الدار من اخلارج علني �أجد ما ي�شري �إىل هوية �أ�صحابها‪،‬‬
‫وما �إذا كانت لإحدى الدوائر الر�سمية فلم �أر ما ي�شري �إىل ذلك‪.‬‬
‫طرقت الباب‪ .‬وخرج �شاب مبالب�س مدنية‪ .‬عرفته بنف�سي ومبن�صبي‬
‫ويف احلال �أجابني بلهجة غري عراقية ودعاين �إىل الدخول‪.‬‬
‫ويف �صالة الدار‪ ،‬وجدت ال�سيدة وزوجها جال�سني وهما يف حالة‬
‫ذعر �شديد‪ .‬والع�سكري الذي كان قد �سحبهما �إىل هذا املكان‬
‫يقف بالقرب منهما‪.‬‬
‫‪-384-‬‬
‫وبد�أ ال�شاب باملالب�س املدنية يعتذر عن حدوث مثل هذا الأمر‬
‫«الب�سيط»‪ .‬و�أفهمني ب�أن هذه الدار هي �إحدى مقرات منظمة‬
‫التحرير الفل�سطينية‪ .‬و�إن الع�سكري من «منا�ضلي» املنظمة‪� .‬أراد‬
‫�أن ي�سبق ال�سيارة «ال�شيفروليت» وملا مل يلق «جتاوبا» بد�أ ب�إطالق‬
‫النار بدال من ا�ستخدام «الهورن!»‪.‬‬
‫ا�صطحبت ال�سيدة وزوجها ب�سيارتي لإي�صالهما �إىل �سيارتهما‬
‫يف �شارع ال�سعدون‪ ،‬معتذرا ملا حدث لهما وم�ؤكدا ب�أنني �س�أبلغ‬
‫رئي�س اجلمهورية بذلك‪.‬‬
‫وات�صلت بعما�ش بجهاز ال�سلكي من �إح��دى �سيارات �رشطة‬
‫النجدة و�أعلمته باحلادث‪ .‬وملا �سمع عما�ش بذلك ا�ست�شاط غ�ضبا‬
‫وانهمرت ال�شتائم على الذين ت�رصفوا مع العراقيني بهذا ال�شكل‬
‫امل�شني‪ .‬ثم قال باحلرف الواحد‪ :‬بغداد لي�ست �ساحة ن�ضال لتحرير‬
‫فل�سطني‪� .‬أفراد املقاومة الذين يريدون ارتداء املالب�س الع�سكرية‬
‫وحمل الر�شا�شات‪ ،‬البد لهم �أن يذهبوا �إىل حدود �إ�رسائيل ولي�س‬
‫�شارع ال�سعدون �أو منعطفات بغداد‪� .‬إن مثل هذه الت�رصفات �إن‬
‫تكررت‪ ،‬ف�إن ال�شعب العراقي �سي�سحقنا بـ‪« ‬القندرة»‪.‬‬
‫وبعد �أ�سبوع من ذلك احلادث‪ ،‬اتخذ جمل�س قيادة الثورة قرارا‬
‫يق�ضي بنزع �سالح املقاومة الفل�سطينية داخل العراق ومنع �أفرادها‬
‫من ارتداء املالب�س الع�سكرية ما داموا على �أر�ض العراق‪.‬‬
‫• يف ‪� ،1969/5/1‬أي يف عيد العمال �أناب رئي�س اجلمهورية‬
‫عما�ش لإلقاء كلمة يف التظاهرة العمالية التي خرجت يف ذلك‬
‫اليوم‪ .‬ويف �ساحة التحرير‪ ،‬حيث من�صة التحية‪ ،‬جل�س عما�ش‬
‫وبع�ض �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة وال��وزراء و�أع�ضاء ال�سلك‬
‫الدبلوما�سي املعتمدين يف العراق‪.‬‬
‫‪-385-‬‬
‫وقف عما�ش ليلقي كلمته‪ .‬وكان كلما فتح فمه ليخطب قاطعه‬
‫العمال بالهتاف مرددين ال�شعارات املعروفة يف مثل هذه املنا�سبات‪.‬‬
‫في�سكت برهة ليبد�أ من جديد‪ .‬وليقاطعه العمال بالهتاف من‬
‫جديد‪ .‬وهنا عيل �صرب عما�ش و�صاح باملتظاهرين طالبا منهم‬
‫ال�سكوت و�إال ف�سيحرمون من العطلة الر�سمية يف اليوم التايل‪.‬‬
‫وهنا التفت �إىل �أحد الوزراء‪ ،‬و�أظنه حامد اجلبوري ليقول‪� :‬أال‬
‫يعرف عما�ش ب�أن خطابه ينقل حيا يف الراديو والتلفزيون‪ .‬هذه‬
‫م�شكلة عما�ش‪ .‬يفقد �صربه ب�رسعة!‬
‫• ذات يوم زارين يف مكتبي بوزارة التخطيط املهند�س كمال ال�شاعر‬
‫�صاحب دار الهند�سة املعروف ومعه جهاد كرم ع�ضو قيادة حزب‬
‫البعث يف لبنان‪ .‬كانت زيارة جماملة‪� ،‬أخربين خاللها كمال �أنه‬
‫�سيقابل بعد �ساعة �صالح مهدي عما�ش ب�صفته رئي�سا ملجل�س‬
‫التخطيط‪ ،‬لأنه يريد الوقوف على �إمكانية احل�صول على مقاوالت‬
‫الأعمال الهند�سية للم�شاريع احلكومية يف العراق‪ ،‬خا�صة و�أنه كان‬
‫ي�ساعد احلزب بالتربعات الكثرية طوال ال�سنوات املا�ضية‪.‬‬
‫انتهت الزيارة‪ .‬وقبل مغادرة كمال وجهاد ن�صحتهما بعدم‬
‫التحدث مع عما�ش يف �ش�ؤون املقاوالت وامل�شاريع لأن «اجلماعة»‬
‫ال يحبذون الو�ساطات‪.‬‬
‫بعد �ساعتني تقريبا‪ ،‬ات�صل بي عما�ش هاتفيا ليقول‪:‬‬
‫– كمال ال�شاعر وجهاد كرم قد �أودعا التوقيف‪.‬‬
‫– ولكن ملاذا؟ هل حدث ما ي�ستدعي ذلك؟ ثم �أن جهاد كرم‬
‫ع�ضو قيادي‪.‬‬
‫‪-386-‬‬
‫جاء جواب عما�ش مبا مفاده‪ ،‬وبعد مقدمة طويلة من ال�شتائم‬
‫عليهما‪� ،‬أنهما جاءا للتو�سط من �أجل احل�صول على مقاوالت‬
‫بحجة تربعات كمال ال�شاعر للحزب‪.‬‬
‫ومع �أنه مت الإفراج عنهما بعد يوم �أو يومني‪ ،‬ولكن هذا الت�رصف‬
‫وال �شك قد خلق نفورا لدى القيادة القومية‪ ،‬كما �ساعد على‬
‫ا�ستغالل احلادث للنيل من �شخ�صية عما�ش‪.‬‬
‫• يف �أواخر عام ‪ ،1970‬ات�صل بي عما�ش وقال ب�أن القيادة تفكر يف‬
‫�إجراء تعديل وزاري يف العراق لإدخال عنا�رص �شيعية فيها‪ .‬لذلك‬
‫فهو يرجو تر�شيح �أ�سماء من ال�شيعة العاملني يف وزارة التخطيط‪.‬‬
‫قلت له ال يوجد يف الوزارة �سوى مدير عام �شيعي واحد هو مدير‬
‫عام الدائرة القانونية يف اجلهاز املركزي للإح�صاء‪ ،‬وهو رجل كبري‬
‫يف ال�سن‪ ،‬وقد طلبت من جمل�س قيادة الثورة �إحالته على التقاعد‪ .‬ثم‬
‫اقرتحت عليه مازحا ب�رضورة الرجوع �إىل ملفات وزارة الداخلية‬
‫التي �سبق احلديث عنها فهي خري م�صدر للت�صنيف الطائفي للمدراء‬
‫العامني يف الدولة العراقية!‬
‫رد عما�ش قائال‪ :‬عجيب‪� ..‬ألي�س هناك مدير عام ا�سمه حميد‬
‫ال�شماع و�آخر ا�سمه عدنان العلوي؟ �ألي�س هما من ال�شيعة؟‬
‫قلت‪ :‬الذي �أعرفه هو �أن ال�شماع من مدينة املو�صل‪ ..‬والعلوي من‬
‫مدينة الرمادي‪ ..‬ويدعي �أنه كان زميال لك يف الدرا�سة‪� ..‬أترغب‬
‫يف �أن �أ�س�ألهما؟‬
‫– كال‪ ..‬كال‪ ..‬كان جواب عما�ش‪.‬‬
‫يف م�ساء ذلك اليوم‪ ،‬التقيت بعما�ش يف مطعم فاروق الذي كنا‬
‫‪-387-‬‬
‫نرتدد عليه دوم��ا‪ ،‬وي�تردد عليه �صدام وعبد الكرمي ال�شيخلي‪.‬‬
‫و�س�ألته عن التعديل الوزاري الذي حدثني عنه‪ ،‬ف�أجاب ب�أن احلقيقة‬
‫لي�ست كذلك و�إمنا تقارير حزبية كثرية وردت �إىل املكتب املهني‬
‫للحزب حول وجود عدد كبري من املدراء العامني من ال�شيعة يف‬
‫وزارة التخطيط من بينهم ال�شماع والعلوي‪ .‬ولكن املو�ضوع‪...‬‬
‫وهنا �سكت عما�ش ومل يكمل حديثه‪ ،‬حيث دخل املطعم لي�شاركنا‬
‫املائدة �شخ�ص �آخر �أ�سمه نوري حمادي الذي كان رئي�سا ملحكمة‬
‫الثورة‪ .‬وعندما �س�أله عما�ش عن �سبب ح�ضوره املطعم يف هذا‬
‫الوقت املت�أخر‪� ،‬أجاب حمادي بافتخار عن �إجنازاته لذلك اليوم‪،‬‬
‫حيث �أ�صدر العديد من �أحكام الإعدام و�أو�ضح كيف �أنه �شتم‬
‫املتهم الفالين و�أ�سكت حمامي املتهم الآخر‪ ،‬لأنه كان على عجلة‬
‫من �أمره ويريد املجيء �إىل املطعم تلبية لدعوة من بع�ض الرفاق‬
‫الذين جل�سوا �أمامنا على مائدة �أخرى‪.‬‬
‫انتهى حمادي من كالمه وغادر مائدتنا لي�شارك «رفاقه» يف املائدة‬
‫الأخرى‪ .‬بعدها التفت �إيل عما�ش وقال‪:‬‬
‫– هل �سمعت كالم هذا الرجل‪� ..‬إنه كالم خطري ي�صدر من‬
‫�شخ�ص مري�ض نف�سيا‪ ..‬وعندما ا�ستف�رست منه عما �سيتخذه بهذا‬
‫ال�ش�أن‪� ..‬أجاب ب�أنه �سيحدث رئي�س اجلمهورية لتعيني �شخ�ص �آخر‬
‫لرئا�سة حمكمة الثورة‪.‬‬
‫م�ضت عدة �أ�شهر بعد تلك الأم�سية ومل ينقل نوري حمادي‪ .‬لكنه‬
‫تعر�ض حلادث طريق‪ ،‬حيث ا�صطدمت �سيارته امل�رسعة حل�ضور‬
‫حفلة �سباق ريا�ضي‪ ،‬ب�شاحنة كبرية‪ .‬وكان من نتيجة احلادث �أن‬
‫فقد ذاكرته‪.‬‬
‫‪-388-‬‬
‫واملثري‪� ،‬أن جار اهلل العالف الذي حل حمل نوري يف رئا�سة حمكمة‬
‫الثورة و�أ�صدر هو الآخر �أحكاما كثرية بالإعدام‪� ،‬أ�صيب فج�أة‬
‫ب�شلل ن�صفي وبقي مقعدا يف داره‪.‬‬
‫• كان عما�ش مولعا بالريا�ضة‪ ،‬وبالذات كرة القدم‪ .‬وكان يرى‬
‫ب�أن الإكثار من ال�سباقات الريا�ضية �ستلهي ال�شعب وت�سليه فين�سى‬
‫همومه ويبتعد عن التكتالت احلزبية املناوئة‪ .‬لذلك حتم�س‬
‫للم�صارع العراقي عدنان القي�سي الذي كان يقيم يف �أمريكا‪،‬‬
‫فدعاه �إىل العودة للعراق و�أقام له املهرجانات الريا�ضية وحلقات‬
‫امل�صارعة‪.‬‬
‫ومع �أن املطلعني كانوا يعرفون �إن تلك امل�صارعات كانت للتهريج‬
‫ومدعاة لل�سخرية‪� ،‬إال �أن عما�ش ا�ستطاع ا�ست�صدار قرار من جمل�س‬
‫قيادة الثورة مينح امل�صارع القي�سي �سيارة وقطعة �أر�ض واملال الالزم‬
‫لت�شييد دار عليها‪.‬‬
‫و�أ�صبح القي�سي بطال �شعبيا‪ ،‬له م�ؤيدون من �أع�ضاء جمل�س قيادة‬
‫الثورة وال��وزراء‪ .‬وقد نظمت وقتها حفلة م�صارعة �شارك فيها‬
‫القي�سي مقابل م�صارع �أمريكي �أ�سمه الفني «كوريانكو»‪ .‬ومت‬
‫حجز مقاعد للقيادة بكاملها‪ .‬ودعي ال��وزراء و�أع�ضاء ال�سلك‬
‫الدبلوما�سي‪ .‬وقد دعيت بهذه املنا�سبة‪ ،‬حيث ذهبت فعال ا�ستجابة‬
‫لطلب ابني جعفر الذي مل يزد عمره �آنذاك عن ‪� 6‬سنوات‪.‬‬
‫بد�أت امل�صارعة‪ .‬ويف كل جولة يفوز بها القي�سي على غرميه‪ ،‬تتعاىل‬
‫هتافات اجلمهور م�شيدة بحياة الثورة وقادتها‪ ،‬منددة بال�سيا�سة‬
‫الأمريكية اللعينة ومطامعها يف املنطقة!‬
‫ويف النهاية انت�رص القي�سي على امل�صارع الأمريكي بالرغم من‬
‫‪-389-‬‬
‫�ضخامة ج�سم هذا الأخ�ير واندفع «الرفاق» عزت ال��دوري‬
‫و�صالح مهدي عما�ش و�آخرون �إىل احللبة يحت�ضنون القي�سي الذي‬
‫حقق لهم االنت�صار على اال�ستعمار الأمريكي! وراحوا يلوحون‬
‫مبناديلهم يف الهواء تعبريا عن ن�شوة االنت�صار‪� .‬أم��ا امل�صارع‬
‫الأمريكي‪ ،‬فلم يبد �أحد �أي اهتمام به بل �أن اجلمهور الغا�ضب‪،‬‬
‫�أمطره بوابل من قناين امل�رشوبات الغازية‪.‬‬
‫نظرت حويل لأرى التقزز املقرون باالبت�سامة ال�ساخرة على وجوه‬
‫بع�ض الوزراء ورجال ال�سلك الدبلوما�سي‪.‬‬

‫ال�رصاع اخلفي بني عما�ش وحردان‬


‫مل يكن هناك �رصاع علني بني عما�ش وحردان التكريتي‪ ،‬فمنا�صب‬
‫كليهما كانت مت�ساوية‪ .‬عما�ش نائب رئي�س الوزراء ووزير الداخلية‬
‫برتبة فريق �أول ركن‪ .‬وحردان نائب رئي�س الوزراء ووزير الدفاع برتبة‬
‫فريق �أول طيار ركن‪ .‬وكالهما ع�ضو يف جمل�س قيادة الثورة‪ .‬ولكل‬
‫منهما �شخ�صية متوا�ضعة حمببة‪ .‬ومع ذلك ف�إنهما كانا يختلفان يف‬
‫م�س�ألتني‪:‬‬
‫الأوىل‪� ،‬أن عما�ش حزبي قدمي تدرج يف �صفوف احلزب حتى �أ�صبح‬
‫ع�ضوا يف القيادة القطرية‪ .‬يف حني مل يكن حردان متقدما حزبيا وال‬
‫ع�ضوا يف املكتب الع�سكري‪ ،‬الذي كان ير�أ�سه املقدم عدنان خرياهلل‬
‫طلفاح (ابن خال �صدام و�شقيق زوجته)‪ .‬وامل�س�ألة الثانية‪ ،‬هي �أن حردان‬
‫�شارك يف حركة ‪ 18‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1963‬التي �أبعدت حزب‬
‫البعث عن احلكم‪ ،‬بينما مل ي�شارك عما�ش فيها وكان �أحد �ضحاياها‪،‬‬
‫حيث �أبعد �إىل القاهرة‪.‬‬
‫ونقطة افرتاق �أخرى بني الرجلني‪ ،‬هي �أن عما�ش من�ضبط حزبي ًا‬
‫‪-390-‬‬
‫وبعيد عن روح املغامرة والت�آمر ومن�ضبط �أخالقيا من حيث العالقات‬
‫اجلانبية خ��ارج خمدع الزوجية‪ ،‬بينما ح��ردان كان يحب املغامرة‬
‫الع�سكرية واملغامرة الغرامية‪ .‬وهو من مدينة تكريت التي تخ�ص�صت‬
‫يف تزويد اجلي�ش العراقي بكبار �ضباطه!‬
‫كان عما�ش مو�ضع ثقة البكر وتنظيمات احلزب املدنية‪ ،‬بعك�س‬
‫حردان‪ ،‬حيث كانت حتركاته وت�رصفاته حتت املراقبة من قبل �أجهزة‬
‫احلزب واملخابرات‪ .‬لذلك‪ ،‬ومن �أجل املحافظة على توازن القوى‬
‫داخل �صفوف القيادة و�إبعاد �أي احتمال النقالب قد يقوم به عما�ش‬
‫م�ستخدما �أجهزة الأمن وال�رشطة �أو يقوم به حردان م�ستعينا باجلي�ش‪.‬‬
‫فقد �صدر قرار من جمل�س قيادة الثورة يف ‪� 3‬أبريل (ني�سان) ‪ 1970‬بتعيني‬
‫كل من عما�ش وحردان مبن�صب نائب رئي�س اجلمهورية و�إعفائهما من‬
‫منا�صبهما الأخرى‪.‬‬
‫ومع هذا التغيري فان كفة عما�ش كانت هي الأرج��ح لأن��ه بقي‬
‫ع�ضوا يف القيادة القطرية للحزب �إ�ضافة ملهمات �أخرى كرئا�سة جمل�س‬
‫التخطيط وجلان النفط وجمل�س تنظيم التجارة‪� .‬أما حردان فلم تكن له‬
‫مهام �أخرى غري نيابة رئي�س اجلمهورية وع�ضوية جمل�س قيادة الثورة‪.‬‬
‫وبعد �أحداث �سبتمرب (�أيلول) ‪ 1970‬يف الأردن‪ ،‬و�رصاع امللك‬
‫ح�سني مع منظمة التحرير الفل�سطينية وامتناع القطاعات الع�سكرية‬
‫العراقية التي كانت مرابطة هناك من الدفاع عن الفل�سطينيني‪.‬‬
‫وجدت القيادة الفر�صة ال�سانحة للتخل�ص من حردان وامل�ؤيدين له من‬
‫الع�سكريني حتت غطاء لوم «الع�سكر» ب�أنهم هم الذين ف�شلوا يف الدفاع‬
‫عن الفل�سطينيني‪ .‬رغم ما تردد يف حينه بان عدم قيام القوات العراقية‬
‫باملهمة كان بتوجيه من القيادة القطرية للحزب‪ .‬وهكذا �صدر قرار‬
‫من جمل�س قيادة الثورة يوم ‪ 1970/10/9‬ب�إعفاء حردان التكريتي من‬
‫‪-391-‬‬
‫جميع منا�صبه وتعيينه �سفريا يف املغرب‪ .‬وقد �صدر القرار يف الوقت‬
‫الذي كان فيه حردان يف �أ�سبانيا لرئا�سة وفد عراقي ر�سمي‪ .‬وامتنع‬
‫حردان من تنفيذ الأمر وعاد �إىل مطار بغداد ليو�ضع يف طائرة خا�صة‬
‫�أقلته �إىل اجلزائر ليعود منها �إىل الكويت يف فرباير (�شباط) ‪.1971‬‬
‫ويف الكويت‪ ،‬لقي حردان م�رصعه يوم ‪ 1971/3/30‬عندما كان‬
‫متوجها برفقة �سفري العراق يف الكويت مدحت �إبراهيم جمعة �إىل‬
‫امل�ست�شفى احلكومي لإجراء بع�ض الفحو�صات الطبية‪ .‬وكان بانتظاره‬
‫على باب امل�ست�شفى �أربعة م�سلحني (من عمالء �إيران واال�ستعمار على‬
‫حد تعبري البيان العراقي)‪ .‬وما كاد حردان ي�صل �إىل هناك حتى �أطلق‬
‫عليه �أحد �أولئك امل�سلحني خم�سة عيارات نارية �أردته قتي ً‬
‫ال يف احلال‪.‬‬
‫ومل ت�ستطع ال�سلطات الكويتية معرفة اجلناة!‬
‫يف اليوم التايل مل�رصع حردان �أذاع راديو بغداد �أن عبد الكرمي‬
‫ال�شيخلي وزير اخلارجية قد توجه �إىل مدينة الب�رصة لتفقد بع�ض م�شاريع‬
‫خطة التنمية االقت�صادية واالطالع على �سري العمل فيها‪ .‬ويبدو �أن‬
‫ال�شيخلي قد ا�ستمر بال�سفر حتى و�صل �إىل مدينة الكويت مع حر�سه‬
‫امل�ؤلف من �ستة �أفراد‪ .‬ولكنه عاد من الكويت وقد زاد عدد حرا�سه‬
‫�إىل ع�رشة‪ .‬وطويت �صفحة �أخرى من �صفحات الت�صفيات اجل�سدية‬
‫للقياديني‪ .‬ومل تبق �إال �صفحة �صالح مهدي عما�ش‪ ،‬الع�سكري الالمع‬
‫واحلزبي املخ�رضم و�صفحة عبد الكرمي ال�شيخلي‪ ،‬ال�صديق احلميم‬
‫ل�صدام‪.‬‬
‫ومل يطل االنتظار‪...‬‬
‫ففي �سبتمرب (�أيلول) ‪� ،1971‬أعفي عما�ش وال�شيخلي من جميع‬
‫منا�صبهما وعينا �سفريين يف اخلارج‪ .‬وكان االنطباع العام �إن �إخراجهما‬
‫‪-392-‬‬
‫كان برتتيب من البكر و�صدام‪ .‬وكان وا�ضحا �إن �صدام ًا �أراد �إخراج‬
‫عما�ش مقابل �إخراج ال�شيخلي نزوال عند رغبة البكر‪.‬‬
‫عند �سماعي اخلرب عرب تلفزيون بغداد‪ ،‬كنت يف نادي املن�صور مع‬
‫مدلول ناجي املحنة ]‪� [3‬أحد �أع�ضاء قيادة فرع بغداد‪ .‬ا�ستغربت لهذا‬
‫القرار املفاجئ و�س�ألت املحنة �إن كان ذلك دليال على وقوع خالف بني‬
‫البكر و�صدام لأن ال�شيخلي كان حم�سوبا على �صدام فيما كان عما�ش‬
‫حم�سوبا على البكر‪ .‬وهنا علق املحنة قائال‪ :‬هل ت�صدق �أن يختلف‬
‫البكر و�صدام؟ �أبداً‪� .‬أنهما متفقان ويكمالن بع�ضهما البع�ض‪� ..‬أن‬
‫�إعفاء عما�ش وال�شيخلي ميثل ت�صفيات مرحلية‪ ..‬و�ستلحقها ت�صفيات‬
‫�أخرى‪� ..‬شيئا ف�شيئ ًا‪.‬‬
‫كان كالم املحنة �أمرا خطريا بالن�سبة يل‪ ،‬ملا ينم عن نقد للبكر و�صدام‪.‬‬
‫ف�إذا و�صل �إىل �أ�سماع املعنيني‪ ،‬فانه �سيذهب يف «�ستني داهية!»‪.‬‬
‫ولل�صداقة التي تربطني بعما�ش‪ ،‬فقد ذهبت لزيارته يف داره‪،‬‬
‫وا�صطحبني عما�ش �إىل حديقة الدار وك�أنه يخ�شى الكالم داخله‪.‬‬
‫ويف احلديقة ا�ستف�رست منه عن �أ�سباب �إعفائه‪ ،‬فقال وهو يف حالة‬
‫ع�صبية باحلرف الواحد‪ :‬هذه مناورة من �صدام التكريتي لأنه يريد �أن‬
‫ينفرد بحكم العراق‪ ..‬ودعني �أقولها �رصاحة لك يا دكتور جواد‪..‬‬
‫لو انفرد �صدام باحلكم ف�ست�سيل الدماء �أنهارا‪� ..‬إنه �شخ�ص دموي‬
‫خطري‪ ..‬رئي�س ع�صابة ال �أكرث وال �أقل‪ ..‬ولكن اطمئن ف�إنني �س�أعود‬
‫للعراق بعد �أ�شهر قليلة مبن�صب رئي�س الوزراء وهذا اتفاق بيني وبني‬
‫البكر‪.‬‬
‫وعند مغادرتي الدار قال عما�ش‪ :‬تذكر هذا الكالم واحفظه �رسا‬
‫بيننا‪ ..‬لو حكم �صدام العراق ف�إن الدماء �ست�سيل �أنهارا!‬
‫‪-393-‬‬
‫وقد �أثبتت الأيام �صحة ما توقعه عما�ش حول �صدام ولي�س ما توقعه‬
‫حول عودته للعراق رئي�سا للوزراء‪.‬‬
‫ومل مت�ض �أيام على �إعفاء عما�ش وال�شيخلي حتى كرثت ال�شائعات‬
‫عن وجود خالفات عميقة يف �صفوف القيادة‪ .‬وكرثت الت�سا�ؤالت‬
‫داخل احللقات احلزبية‪ ،‬مما دفع ب�صدام ح�سني �إىل الت�رصيح جلريدة‬
‫«ال�سيا�سة» الكويتية بنفي ال�شائعات التي ترددت من �إن �إعفاء هذين‬
‫القياديني كان نتيجة خالف يف القيادة ليظهر �صدام بعدها الرجل‬
‫الأول القوي‪ ،‬رغم ت�أكيده على �أن البكر هو رجل الثورة الأول‪،‬‬
‫وان الإعفاء كان «وفقا ملبد�أ النقد الذاتي الذي ميار�سه احلزب يف جو‬
‫دميوقراطي»‪.‬‬
‫وغادر عما�ش بغداد لت�سلم مهامه �سفريا يف مو�سكو‪ ،‬ومن ثم �سفريا‬
‫يف باري�س وبعدها �سفريا يف فنلندا‪ .‬ثم ليموت هناك بال�سكتة القلبية يف‬
‫ظروف مريبة‪ .‬وكان قد عاد للتو من زيارة لبغداد‪ ،‬وهو يف ال�ستني من‬
‫عمره‪.‬‬
‫اما عبد الكرمي ال�شيخلي‪ ،‬فقد عني مبن�صب ممثل العراق الدائم‬
‫يف الأمم املتحدة‪ .‬وبعد �سنوات من خدمته يف ال�سلك الدبلوما�سي‪،‬‬
‫ا�ستدعي �إىل بغداد حل�ضور اجتماع لل�سفراء العراقيني ثم اعتقل و�صدر‬
‫عليه حكم بال�سجن �سبع �سنوات‪ .‬وبعد خروجه من ال�سجن قتل يوم ‪8‬‬
‫�أبريل (ني�سان) ‪ 1980‬يف بغداد بر�صا�صة ا�ستقرت يف ر�أ�سه عندما كان‬
‫يهم باخلروج من �سيارته لدفع فاتورة الكهرباء يف منطقة الأعظمية‪ .‬وفر‬
‫اجلناة‪ ،‬وكالعادة‪ ،‬مل يعرث عليهم‪.‬‬

‫]‪� – [1‬أنظر يف ذلك‪ :‬ح�سن العلوي‪ ،‬دولة املنظمة ال�رسية‪ .‬جملة املجلة العدد ‪560‬‬
‫يف ‪1990/11/16‬‬

‫‪-394-‬‬
‫]‪ – [2‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬

‫]‪� – [3‬أ�صبح مدلول ناجي املحنة �سفريا للعراق يف عدة دول عربية �آخرها الأردن‪.‬‬
‫ا�ستدعي �إىل بغداد للت�شاور مع الرئي�س �صدام ح�سني‪ ،‬واختفى عن الوجود‪.‬‬
‫تو�سطت زوجته لدى امللك ح�سني يف �إحدى زياراته للعراق ملعرفة م�صري زوجها‪.‬‬
‫بعد يومني ات�صل بها امللك ح�سني ون�صحها بالكف عن التفتي�ش او اال�ستف�سار‬
‫عنه‪.‬‬

‫‪-395-‬‬
‫الف�صل الرابع والع�شرين‬
‫�صدام‪ :‬ال�صعود على جثث الرفاق‬

‫منذ �أغ�سط�س (�آب) ‪� ،1990‬صدرت كتب كثرية عن �صدام ح�سني‪،‬‬


‫حتلل �شخ�صيته يف �إطار العالقات اخلارجية يف �أعقاب غزو الكويت‪ .‬كما‬
‫ت�شري تلك الكتب �إىل جوانب هام�شية ل�سيا�سة �صدام الداخلية‪.‬‬
‫اما تقارير منظمة العفو الدولية‪ ،‬ف�إنها تقت�رص على جانب واحد هو ما‬
‫يتعلق ب�أعمال العنف والإرهاب التي يزاولها «نظام البعث يف العراق»‪،‬‬
‫دون التطرق �إىل �صدام نف�سه‪.‬‬
‫ولي�س هناك كتاب �أو مقالة �أو بحث حول �صدام و�أ�سلوب عمله‬
‫اليومي و�أحاديثه اخلا�صة واحلوادث املتفرقة‪ ،‬مما ميكن �إن ي�ستخل�ص منه‬
‫طريقة تفكريه‪.‬‬
‫ويعود �سبب ذلك �إىل �أن كل من كتب عن �صدام‪ ،‬مل يتعرف عليه‬
‫يف عمله الر�سمي اليومي‪ ،‬بل هو �إما كاتب «ا�ست�أجره» �صدام ليكتب‬
‫عنه وعن �سريته الذاتية و�شجرة عائلته‪ ،‬كما ح�صل مع �أمري �إ�سكندر‪،‬‬
‫�أو �أ�ستاذ يف �إحدى اجلامعات الأجنبية «ا�ست�ضافته» احلكومة العراقية‬
‫ومهدت الطريق له يف �إجراء مقابالت مطولة مع بع�ض الوزراء وكبار‬
‫امل�س�ؤولني ثم تبنت وزارة الإعالم وال�سفارات العراقية مهمة ترويج‬
‫كتابه‪ ،‬كما ح�صل مع كري�ستني مو�س هيلمز‪.‬‬
‫‪-397-‬‬
‫يف هذا الف�صل‪� ،‬س�أحاول الكالم عن �صدام ح�سني كما عرفته‪ ،‬من‬
‫خالل العمل معه ر�سميا وااللتقاء به اجتماعيا‪� ،‬ساردا بع�ض الأحداث‬
‫والأحاديث‪ .‬و�س�أنقل للقارئ ت�صورات �صدام عن نف�سه هو‪ ،‬ولكني‬
‫�سوف ال �أتطرق �إىل ال�شائعات حول عالقاته الن�سائية‪ ،‬لأنها م�س�ألة‬
‫�شخ�صية بحتة ولأن �أغلب ر�ؤ�ساء دول العامل ال يخلون من تلك «امليزة»‬
‫فهي ظاهرة تالزم ال�سلطة التي تبهر �أ�ضوا�ؤها بع�ض الن�ساء وت�سهل مهمة‬
‫القادة يف هذا املجال‪.‬‬
‫و�إذا �أ�رشت �إىل هذه العالقات من طرف خفي‪ ،‬فان الإ�شارة �ستقت�رص‬
‫على «الأ�سلوب» الذي �أتبع يف اختيار بع�ض الن�ساء و«الو�سائل» التي‬
‫ا�ستخدمت يف االنتقاء‪.‬‬
‫مل �أكن قد �سمعت عن �صدام خالل جميع لقاءاتي ب�أحمد ح�سن‬
‫البكر وببع�ض قيادات البعث يف دار البكر‪ .‬مل التق به ومل يذكر �أحد‬
‫ا�سمه �أمامي خالل تلك الزيارات‪.‬‬
‫املرة الأوىل التي �سمعت ا�سم �صدام التكريتي كان يف جمعية‬
‫االقت�صاديني العراقيني‪ .‬وكان ذلك يف �شهر يونيو (حزيران) ‪.1968‬‬
‫حيث كنت مع �صديق يل نتحدث يف �ش�ؤون ال�سيا�سة واالقت�صاد‬
‫و�إجراءات الت�أميم التي متت يف العراق عام ‪.1964‬‬
‫قلت ل�صديقي‪� :‬إن الأجواء ال�سيا�سية ت�شري �إىل �أن حزب البعث �سيقوم‬
‫بانقالب‪� ..‬سيت�سلم ال�سلطة‪ ..‬فلماذا ال تقلل من انتقادك لهم‪ .‬ثم �أ�رشت �إىل‬
‫اجلدار من خلفي وقلت‪� :‬إذا طرقت هذا اجلدار ف�إنه �سريد‪ ..‬البعث قادم‪.‬‬
‫وهنا التفت نحوي �صديقي قائال‪� :‬إنني ال �أتعاون وال �أ�صدق حزبا‬
‫يقوده �صدام التكريتي!‬
‫ومن هو هذا التكريتي؟ ت�ساءلت م�سرت�سال باحلديث وحماوال �إفهام‬
‫‪-398-‬‬
‫�صديقي ب�أن حزب البعث يقوده البكر وعما�ش و�آخرون لي�س بينهم‬
‫�صدام‪.‬‬
‫مل يقتنع ال�صديق‪ [1] ‬ويف م�ساء ‪ 30‬يوليو (متوز) ‪ ،1968‬ظهر البكر‬
‫على �شا�شة تلفزيون بغداد يلقي بيانه حول ت�صفية عبد الرزاق النايف‬
‫ووقف خلفه ثالثة م�سلحني‪� ،‬أحدهم عرفته يف احلال‪ ،‬النقيب �إبراهيم‬
‫الدليمي الذي كنت �أراه يف دار البكر قبل االنقالب‪ .‬والثاين �ضابط‬
‫عرفته فيما بعد‪ ،‬ذياب العلكاوي‪ .‬والثالث �شاب مبالب�س «الكاكي»‬
‫وهو ي�ستند على ر�شا�شة وبدون رتبة ع�سكرية‪.‬‬
‫وعند ا�ستدعائي يف اليوم التايل لتكليفي بوزارة التخطيط‪ ،‬عرفني‬
‫البكر على ال�شاب الذي كان واقفا وراءه عندما كان يلقي خطابه يف‬
‫التلفزيون يف الليلة ال�سابقة‪� :‬إنه �صدام التكريتي‪ .‬وكان الزال باملالب�س‬
‫الكاكي ولكن بدون ر�شا�شة‪ .‬بادرين �صدام بالقول �أنه �سمع عني الكثري‬
‫وعن جهودي يف تعيني بع�ض «الرفاق» عام ‪ ،1967‬راجيا �أن التقي به‬
‫يف الأيام القليلة القادمة للتعرف على بع�ضنا‪ .‬وملا �س�ألته عن «وظيفته»‬
‫ومقر عمله‪� ،‬أج��اب‪ ،‬وبكل �أدب وتوا�ضع‪ ،‬ب�أنه يعمل يف الق�رص‬
‫اجلمهوري يف غرفة جماورة لغرفة البكر‪ ،‬م�شريا بيده �إىل باب داخل‬
‫غرفة البكر ت�ؤدي لغرفته‪.‬‬
‫بعد �أيام‪ ،‬زارين �صدام يف مكتبي بوزارة املالية التي كنت �أ�شغلها‬
‫وكالة‪ .‬ولأن زيارته كانت بدون موعد فقد جل�س ينتظر يف مكتب‬
‫ال�سكرتري دون ملل �أو تذمر حتى �أذنت له بالدخول‪.‬‬
‫قال يل �أن زيارته للمجاملة والتهنئة ولزيادة التعارف‪ .‬ثم �س�ألني �أن‬
‫كنت قد تعرفت على كوادر الوزارة‪ .‬رددت بال�شكر وذكرت �أ�سماء‬
‫بع�ض كبار موظفي الوزارة الذين �آمل فيهم خريا‪.‬‬
‫‪-399-‬‬
‫وهنا التفت �صدام قائال ب�أن هناك رفيقا يف الوزارة ا�سمه وحيد‬
‫�إبراهيم ميكنك االعتماد عليه‪ ،‬فهو مثال للإخال�ص والكفاءة النادرة‪.‬‬
‫ومن املفارقات‪� ،‬إنه بعد �سنوات تبني يل ول�صدام حتما �إن هذا الرجل‬
‫قد �أثبت براعة فائقة يف عدم الكفاءة ويف عدم الن�شاط ويف عدم اخلربة‬
‫يف �أي �شيء‪ .‬و�أ�صبح مو�ضوع تندرنا يف �أن كفاءته الوظيفية هي كفاءة‬
‫�سنة واحدة م�رضوبة بع�رشين �سنة خدمة!‬
‫مرت �أيام و�صدام ح�سني ميار�س مهامه اليومية من غرفة متوا�ضعة يف‬
‫الق�رص اجلمهوري‪ ،‬بعيدا عن الأ�ضواء‪ .‬ال ي�ستخدم �سيارات املر�سيد�س‬
‫الفارهة بل �سيارة «بيجو» �صغرية‪ .‬يرد على الهاتف �شخ�صيا‪ ،‬وي�ستقبل‬
‫من يريد مقابلته بدون موعد م�سبق وبدون تفتي�ش‪ ...‬مكتب متوا�ضع‪...‬‬
‫ال �أجهزة �إلكرتونية �أو �أجهزة �إن�صات‪� ،‬سوى �آلة ت�سجيل واحدة ماركة‬
‫«فيليب�س» ي�ستخدمها لال�ستماع �إىل الأغاين الريفية!‬
‫ويف املرات القليلة التي ا�ضطررت فيها �إىل ا�ستخدام غرفة املغا�سل‬
‫التابعة لغرفة �صدام‪ ،‬الحظت الب�ساطة وا�ضحة فيها مع �شيء من‬
‫الفو�ضى‪ .‬فـ‪« ‬ال�صابونة» كانت من النوع ال�شعبي املعروف يف العراق‬
‫ب�صابون «الرقي» و«الليفة» من النوع امل�صنوع من ق�رش نباتي‪ .‬ومنا�شف‬
‫احلمام مبعرثة هنا وهناك‪ .‬وقد م�ضى على ا�ستخدامها فرتة لي�ست‬
‫بالق�صرية دون �أن ي�سعفها احلظ يف املرور مباكنة الغ�سيل‪.‬‬
‫يف الأ�شهر الأوىل‪ ،‬كان �صدام يرتدي املالب�س املدنية ولكني كنت‬
‫احلظ تطلعه �إىل الظهور مبالب�س حديثة‪ .‬وعلى حد التعبري ال�شعبي «على‬
‫املودة»‪.‬‬
‫و�أذك��ر مرة �أن جذب انتباهه نوع القمي�ص الذي كنت �أرتديه‪،‬‬
‫ف�س�ألني عن مكان احل�صول عليه‪ .‬وعندما �أخربته ب�أن خياطا لبنانيا يف‬
‫‪-400-‬‬
‫بريوت يقوم بتجهيزي مبا �أحتاج �إليه‪ ،‬طلب مني تزويده بعدد من تلك‬
‫القم�صان‪ .‬وعندما ا�ستف�رست عن قيا�سه‪ ،‬قال ما معناه �إنه ال يدري‪.‬‬
‫وهكذا �أ�صبحت يف ال�سنوات الأوىل �أعود من معظم �سفراتي و�أنا‬
‫�أحمل على �سبيل الهدية ال�شخ�صية ل�صدام‪ ،‬قم�صانا و�أربطة عنق‪� ،‬إىل‬
‫�أن وجد م�صدرا �أكرث تلبية لرغباته مني‪ .‬ويف هذا ال�صدد‪� ،‬أذكر �أين مرة‬
‫�س�ألته‪« :‬يا �أبا عدي‪ ..‬يبدو �أنك ال تلب�س �أربطة العنق التي �أجلبها لك»‪.‬‬
‫فرد �ضاحكا‪�« :‬إن الأربطة التي جتلبها تقليدية وحمافظة تنا�سب ال�شيوخ‬
‫�أكرث من ال�شباب‪ .‬هناك �أربطة جميلة فيها ورود و�أزهار (و�أعتقد �أنه‬
‫كان ي�شري �إىل ماركة ليونارد)!»‪.‬‬
‫و�رسعان ما ظهر على م�رسح الأزياء العراقية خياط �أرمني عرف‬
‫بالرباعة يف هذا امليدان‪ ،‬وهو اخلياط هاروت‪.‬‬
‫لقد �أ�صبح هاروت «متفرغا» لتجهيز مالب�س القيادة ب�أكملها‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إىل مالب�س �أغلب الوزراء ومالب�س الكادر احلزبي‪ ،‬املتقدم طبعا‪.‬‬
‫وبات هذا اخلياط رمزا للأناقة‪ .‬وكنت �شخ�صيا من جملة زبائنه‪ .‬ويف‬
‫�إحدى زياراتي له وجدته خمد�ش الوجه والر�ضو�ض وا�ضحة عليه‪ .‬وعند‬
‫ا�ستف�ساري عن �سبب ذلك اعتذر عن الإف�صاح مت�سكا منه ب�رسية العمل‪.‬‬
‫وبعد �إحلاح مني‪ ،‬قال‪ :‬ال �أ�ستطيع الدخول يف التفا�صيل‪ .‬ا�س�أل ال�سيد‬
‫النائب �صدام ح�سني‪.‬‬
‫عند لقائي مع �صدام بعد �أيام‪ ،‬ذكرت له مو�ضوع هاروت‪ .‬ف�ضحك‬
‫�صدام قائال‪� :‬أردنا ت�أديبه لكرثة كالمه عن مالب�سنا وعدد بدالتنا ف�أر�سلنا‬
‫�سيارة خمابرات جللبه لكنه فاج�أهم ورمى نف�سه خارج ال�سيارة امل�رسعة‪.‬‬
‫مل يكن �صدام يتو�سط لأحد لدى الوزراء‪� ،‬إال يف حاالت نادرة جداً‪،‬‬
‫وبكل �أدب وتوا�ضع‪ .‬وال يبدي ا�ستيا ًء �إذا رف�ضت و�ساطته‪ .‬و�أذكر �إنني‬
‫‪-401-‬‬
‫كنت قد اقرتحت على جمل�س قيادة الثورة تعيني قحطان لطفي علي مديرا‬
‫عاما لل�ش�ؤون الإدارية يف وزارة التخطيط‪ .‬ولكن القرار �صدر بتعيني‬
‫�شخ�ص �آخر مل �أعرفه ومل �أر�شحه‪ ،‬ا�سمه جعفر الذهب ]‪ .[2‬رف�ضت‬
‫تنفيذ القرار‪ ،‬وكتبت للمجل�س معرت�ضا‪ .‬وبعد �أيام ات�صل بي �صدام‬
‫هاتفيا ليقول‪ ،‬وب�أ�سلوب هادئ فيه كثري من االعتذار ب�أن الذهب هو �أحد‬
‫احلزبيني املنا�ضلني و�صديق �شخ�صي له‪ .‬وملا مل يجد مني جتاوبا‪ ،‬اعتذر مرة‬
‫�أخرى ووعد ب�إلغاء القرار وتعيني مر�شحي الأول‪ .‬وقد ح�صل ذلك فعال‪.‬‬

‫�صدام‪ ...‬ال�سيد النائب‬


‫بعد تعيني �صدام نائبا لرئي�س جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬انتقل �إىل مكاتب‬
‫جديدة يف مبنى املجل�س الوطني يف اجلناح الذي كان ي�ستخدم �سابقا من‬
‫قبل ر�ؤ�ساء الوزارات‪ .‬غرفة كبرية‪ ،‬جتاورها غرفة كبرية �أخرى لل�سكرتري‬
‫وتقابل الغرفتني قاعة كبرية لالجتماعات كانت م�صممة �أ�صال لتكون‬
‫قاعة اجتماعات للربملان العراقي‪ .‬وحول غرفة �صدام تتناثر غرف �أخرى‬
‫�شغلت �أنا واحدة منها‪ ،‬و�أخرى �شغلها عدنان احلمداين‪ ،‬وثالثة تناوب‬
‫على �إ�شغالها كل من كان يعني بوظيفة مدير عام مكتب النائب‪ .‬وقد‬
‫تعاقب على �إ�شغال غرفة املدير هذه �أ�شخا�ص عديدون مت �إعدام بع�ضهم‪.‬‬
‫وعدنان احلمداين كانت بداية عمله مديرا عاما ملكتب النائب‪ .‬ثم‬
‫ت�سلق‪ ..‬وت�سلق‪ ..‬حتى �أ�صبح ع�ضوا يف القيادة القطرية‪ .‬ثم �أعدم عام‬
‫‪ .1979‬كذلك احلال بالن�سبة �إىل غامن عبد اجلليل‪ .‬وبعده جاء �أنور‬
‫عبد الرزاق الذي عني �سفريا يف كوبا ثم قطر‪ .‬ثم عني حامد حمادي‪،‬‬
‫ليت�سلق بعدئذ وي�صبح ال�سكرتري ال�شخ�صي لرئي�س اجلمهورية‪� ،‬صدام‬
‫ح�سني‪ .‬وقد ا�ستطاع حمادي املحافظة على وظيفته �سنوات طويلة‬
‫جدا‪ .‬حيث عني يف مار�س (�آذار) ‪ 1991‬وزيرا للإعالم ثم �أعفي من‬
‫املن�صب ثم عني مرة �أخرى وزيرا للإعالم ثم �أعفي منه‪.‬‬
‫‪-402-‬‬
‫للمجل�س الوطني مدخالن‪� :‬أمامي (رئي�سي) وخلفي‪ ،‬حيث غرف‬
‫املرافقني واحلر�س وال�سواقني‪ .‬وي�ضم املبنى طابقني‪� ،‬إ�ضافة �إىل الطابق‬
‫حتت الأر�ض (ال�رسداب)‪ .‬ويف الطابق العلوي توجد �صالة كربى جميلة‬
‫ومزخرفة‪ ،‬كان املفرو�ض ا�ستخدامها للحفالت الر�سمية خالل العهد‬
‫امللكي‪ .‬ويف العهد اجلمهوري مل ت�ستخدم �أبدا �إال عند �إقامة جمل�س‬
‫الفاحتة بعد وفاة زوجة البكر‪ .‬والبكر نف�سه‪ .‬وحتيط بالقاعة عدة غرف‬
‫�شغل ق�سم منها مكتب ال�ش�ؤون االقت�صادية ومكتب ال�ش�ؤون القانونية‬
‫و�أ�شخا�ص �آخرون مل �أعرف مهمتهم‪ .‬غري �أن وجوههم كانت كاحلة‬
‫وطريقة ا�ستخدامهم للمكاتب واملرافق ال�صحية تنق�صها بع�ض مظاهر‬
‫التح�رض ب�أب�سط �صورها!‬
‫يف البداية‪ ،‬كنا جميعا ن�ستخدم املدخل الرئي�سي ملبنى املجل�س‪.‬‬
‫وعندما انتقل �صدام �إىل املبنى‪ ،‬اقت�رص ا�ستخدام هذا املدخل عليه‬
‫فقط‪� .‬أما الوزراء و�أع�ضاء املكاتب و�أع�ضاء القيادة وال�سفراء الأجانب‬
‫و�ضيوف الدولة‪ ،‬فكان دخولهم من املدخل اخللفي مرورا بغرفة حرا�سة‬
‫يت�صدرها وجه كالح �آخر!‬
‫ومل يقت�رص حظر الدخول على املدخل الرئي�سي فقط‪ ،‬بل امتد �إىل‬
‫البوابة الرئي�سية‪ .‬ثم امتد �إىل ال�شارع امل�ؤدي للبوابة الرئي�سية‪ .‬ثم �إىل‬
‫ال�ساحة القريبة امل�ؤدية �إىل ال�شارع الرئي�سي‪ .‬ون�صبت الكامريات التي‬
‫تعمل بالأ�شعة حتت احلمراء‪ .‬وخ�ص�صت غرفة خا�صة داخل مبني‬
‫املجل�س الوطني ل�شا�شات التلفزيون املرتبطة بالكامريات‪.‬‬
‫و�أذكر مرة‪� ،‬أن طلب مني �صدام ا�ستدعاء «�أف�ضل» �رشكات الديكور‬
‫العاملية لت�أثيث قاعة االحتفاالت يف الطابق الثاين‪ ،‬لكي ي�ستخدمها يف‬
‫ا�ستقبال �ضيوفه و�إقامة دعواته الر�سمية‪ .‬وعندما قدمت له العرو�ض‬
‫والت�صاميم‪ ،‬احتفظ بها عدة �أيام لدرا�ستها واختيار ما يروق له‪ .‬غري‬
‫‪-403-‬‬
‫�أنه عاد وطلب التخلي عن الفكرة‪ .‬وملا �س�ألته عن ال�سبب قال‪� :‬إن هذه‬
‫الت�صاميم جميلة حقا‪ ،‬ولكني ال �أريد قاعة تفوق بجمالها وديكورها‬
‫قاعة الق�رص اجلمهوري ملا قد يحدثه ذلك من ح�سا�سيات لدى املوجودين‬
‫هناك‪� ،‬أي البكر وجماعته‪.‬‬
‫لقد كان �صدام يقيم ح�سابات دقيقة لهذا الأمر ملا يعرفه عن البكر‬
‫من �ضيق �أفق‪ .‬و�أذكر مرة عند زيارة �صدام ملكتبي يف وزارة التخطيط‪،‬‬
‫�أن �أبدى �إعجابه بطاقم �أقالم احلرب التي كنت �أ�ستخدمها وكانت من‬
‫ماركة «�شيفرز»‪ ،‬ف�س�ألني عن م�صدر احل�صول عليها‪ .‬فلما �أجبته �أنها‬
‫م�ستوردة من بريوت‪ ،‬طلب مني �أن �أ�شرتي له طاقما مماثال �رشط �أال‬
‫تكون �أف�ضل من الطاقم الذي ي�ستخدمه البكر!‬
‫�أمور ب�سيطة‪ ،‬كان يلحظها تفاديا خللق �أية ح�سا�سية بينه بني البكر‪.‬‬
‫ومرت الأيام‪ ...‬والأ�شهر‪ ...‬جرت خاللها ت�صفيات قيادية كثرية‬
‫حتت �شعار «النقد الذاتي»‪.‬‬
‫واغتيل حردان‪ .‬و�أعفي عما�ش‪.‬‬
‫و�أ�صبح �صدام رئي�سا ملجل�س التخطيط ومكاتب جمل�س قيادة الثورة‬
‫التي مر ذكرها‪.‬‬
‫وحلت املخابرات العامة حمل دائرة العالقات العامة‪ .‬وبد�أنا �شيئا‬
‫ف�شيئا ن�ستجمع ال�سلطة من خالل مكاتب جمل�س قيادة الثورة‪ .‬نقدمها‬
‫ل�صدام ح�سني‪ ،‬حتت �ستار متطلبات العمل الثوري‪ .‬و�أ�صبح املجل�س‬
‫الوطني هو املركز احلقيقي التخاذ القرار اال�سرتاتيجي‪.‬‬
‫�أما قرارات �إيفاد املوظفني �إىل اخلارج‪� ،‬أو زيادة رواتب املدراء‬
‫العامني �أو امل�سائل املتعلقة بالعمل ال�شعبي �أو التقارير احلزبية عن‬
‫‪-404-‬‬
‫«الن�شاط اجلن�سي» لبع�ض الرفاق‪ ،‬فكانت يف �أروقة الق�رص اجلمهوري‪،‬‬
‫ليطلع عليها البكر وي�ستعجل اتخاذ قرار املعاقبة‪.‬‬
‫بعد �أيام ي�أتي املعاقب ليقابل «ال�سيد النائب» م�ؤكدا براءته‪ ،‬فيعده‬
‫�صدام بدرا�سة مو�ضوعه و�إعادة حقوقه‪ ،‬ويفي بالوعد فريتفع جنمه‪ ،‬ولو‬
‫قليال‪.‬‬
‫هناك حوادث كثرية من هذا النوع‪ .‬ففي ظهرية �أحد الأيام و�أنا‬
‫عائد من الوزارة �إىل املنزل‪ ،‬وجدت �سيدة بانتظاري �أمام الدار وبيدها‬
‫عري�ضة‪.‬‬
‫كان الوقت �صيفا‪ ،‬فدعوتها �إىل الداخل وا�ستف�رست عن طلبها‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬يل ولد واحد يبلغ من العمر ‪ 20‬عاما‪� .‬أ�صدرت عليه حمكمة‬
‫الثورة حكما بالإعدام بتهمة انتمائه للحزب ال�شيوعي‪ .‬و�سينفذ احلكم‬
‫يلب‬
‫غدا‪ .‬لقد طرقت �أبواب الق�رص اجلمهوري طالبة الرحمة‪ ،‬فلم ِّ‬
‫الطلب‪ .‬وها �أنا قد �أتيت �إليكم لأنك �صديق ل�صدام‪ .‬ال �أريد منكم �شيئا‬
‫�سوى ت�أجيل تنفيذ احلكم بولدي لأيام لأن غدا �أول �أيام عيد الفطر‪.‬‬
‫لقد كان منظر ال�سيدة م�ؤملا حقا‪ .‬بكاء وتو�سل‪� ،‬إىل احلد الذي بكت‬
‫معها زوجتي‪ ،‬و�أحلت علي االت�صال ب�صدام حاال‪ .‬وهو ما فعلته‪.‬‬
‫ت�أجل تنفيذ حكم الإعدام‪ ،‬و�أحيل ملف التحقيق �إىل مكتب ال�ش�ؤون‬
‫القانونية لدرا�سته‪ .‬وبعد �شهر واحد �أطلق �رساح ال�شاب بعد �أن �أت�ضح‬
‫�أنه لي�س ال�شخ�ص املعني‪ .‬ومل يكتف �صدام بذلك بل �أمر بتعيني ال�شاب‬
‫بوظيفة كتابية يف وزارة التخطيط‪.‬‬
‫بعد �سنة من هذا احلادث‪ ،‬اختطفت �إىل �إ�رسائيل‪ .‬وعند عودتي لبغداد‬
‫وتوجهي �إىل املنزل‪ ،‬وجدت امر�أة مل �أعرفها لأول وهلة وهي واقفة �أمام‬
‫‪-405-‬‬
‫منزيل ومعها «ق�صاب» وخروف‪ .‬وما كدت �أنزل من ال�سيارة حتى‬
‫�أ�رصت املر�أة على ذبح اخلروف لأعرب على جثته قبل دخويل الدار‪.‬‬
‫�س�ألتها من تكون‪ ،‬قالت‪� :‬أال تتذكر‪� ..‬أنا والدة ال�شاب الفالين الذي‬
‫�أنقذته من حكم الإع��دام‪ .‬لقد �سمعت بخرب اختطافك من الإذاعة‬
‫و�صليت لعودتك �ساملا‪ ،‬ونذرت لك اخلروف‪.‬‬
‫كان املوقف م�شحونا بالعاطفة‪ ،‬ولكن يا ترى كم من �شاب �أعدم‬
‫لأن عري�ضة اال�سرتحام مل ت�صل يف الوقت املنا�سب �أو و�صلت بعد فوات‬
‫الأوان!‬
‫لقد خطط �صدام م�سار م�ستقبله ال�سيا�سي تخطيطا دقيقا ومدرو�سا‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي كان يعمل على تثبيت مواقعه وهيمنته على مفاتيح‬
‫العمل االقت�صادي وال�سيا�سي يف الداخل واخل��ارج‪ ،‬مل يغفل حلظة‬
‫عن ب�سط �سيطرته الكاملة على �أجهزة الأم��ن واملخابرات‪ ،‬املدنية‬
‫والع�سكرية‪ .‬ومع ذلك كان �صدام حذرا جدا يف التقرب من �أية م�س�ألة‬
‫من �ش�أنها �إغ�ضاب البكر �أو خلق ح�سا�سيات لديه قد ت�ؤدي �إىل زعزعة‬
‫مكانته لدى الطبقة الع�سكرية �أو �إىل ت�آمر البكر مع الع�سكريني للتخل�ص‬
‫منه‪ .‬لذلك �أطلق على البكر لقب «الأب القائد»‪ .‬وهو اللقب الذي‬
‫ا�ستمر برهة من الزمن بعد ا�ستالم �صدام من�صب رئي�س اجلمهورية‬
‫عام ‪ .1979‬حيث بقيت �صور البكر معلقة على جدران امل�ؤ�س�سات‬
‫الر�سمية واحلزبية لتختفي تدريجيا‪.‬‬

‫�صدام رئي�ساً ملجل�س التخطيط‬


‫كانت اجتماعات جمل�س التخطيط منربا ل�صدام ح�سني‪ ،‬يدعو �إليها‬
‫الكادر احلزبي املتقدم لي�ستمعوا �إىل كالمه وتوجيهاته‪ .‬وكان يربر‬
‫دعوتهم‪ ،‬ب�أنه يريد �إفهام هذا الكادر ب�أن �إدارة الدولة لها م�ستلزمات‬
‫‪-406-‬‬
‫كثرية تختلف عن امل�ستلزمات احلزبية‪ .‬ويف اعتقادي �أن �صدام كان يريد‬
‫�إظهار قدراته هو �أمام ذلك الكادر الذي مل يتميز بذكاء �أو معرفة �أو‬
‫مبقدرة علمية‪ .‬وان عبارة «املتقدم» �إمنا جاءت تدل على املرتبة احلزبية‬
‫ولي�س على املقدرة الذهنية‪.‬‬
‫كان �صدام نف�سه ي�ستمع �إىل �آراء الفنيني ويناق�شهم مطوال دون �أن‬
‫ينحاز �إىل �أي جانب �إىل حني حلظة اتخاذ قرار‪ ،‬ف�إن كان له ر�أي حمدد‬
‫�أبداه‪ ،‬ثم يجري الت�صويت بعد ذلك‪.‬‬
‫وب�سبب رئا�سة �صدام للمجل�س‪ ،‬مل يكن يتغيب �أي ع�ضو عن‬
‫احل�ضور‪� ،‬سواء كان وزيرا �أو ع�ضوا يف جمل�س قيادة الثورة‪ .‬وكنت احلظ‬
‫ب�أن الوزراء من �أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة �أمثال طه اجلزراوي وعزت‬
‫م�صطفى ال يناق�شون �صدام كثريا حتى يف الق�ضايا املدرجة يف جدول‬
‫�أعمال املجل�س املتعلقة بوزاراتهم‪ ،‬يف حني كان �صدام يتعمد �أحيانا‬
‫توجيه الأ�سئلة الفنية �إليهم بق�صد �إحراجهم ولإظهارهم ب�أنهم ال يقر�أون‬
‫وان قدراتهم �أقل بكثري من قدراته‪ .‬كل هذا يجري والكادر املتقدم‬
‫ي�ستمع وي�ستمع فاغرا فاهه‪.‬‬
‫يف هذا املجال حت�رضين حادثة ح�صلت مع عزت م�صطفى وزير‬
‫ال�صحة وع�ضو جمل�س قيادة الثورة‪ .‬وخال�صة احلادثة �إن احلفر كرثت‬
‫يف �شوارع بغداد‪ ،‬حيث كانت ظاهرة حفر ال�شوارع والأر�صفة من‬
‫قبل م�ؤ�س�سات الدولة املختلفة‪ ،‬من الظواهر امل�ستمرة التي �أ�صبحت‬
‫م�صدر تذمر املواطنني ولزمن طويل‪ .‬ف�أمانة العا�صمة حتفر هذا اليوم ملد‬
‫بع�ض الأنابيب‪ .‬وما �أن ينتهي العمل ويعبد ال�شارع‪ ،‬حتى ت�سارع دائرة‬
‫الهاتف حلفر ال�شارع مرة �أخرى ملد بع�ض الأ�سالك‪ .‬وينتهي العمل‬
‫ويعاد تعبيد ال�شارع‪ .‬ثم ت�أتي مديرية املجاري لتحفر ال�شارع من جديد‬
‫ملد جماري املياه‪.‬‬
‫‪-407-‬‬
‫وهكذا ال�شارع املحفور هو القاعدة‪ ...‬هو املنظر الطبيعي كل يوم‪.‬‬
‫ال�شارع املعبد م�س�ألة م�ؤقتة‪.‬‬
‫بلغ التذمر �أق�صاه‪ .‬ثم حتول التذمر �إىل تندر‪ .‬ف�إذا ر�أى العراقي �شارعا‬
‫معبدا‪� ،‬سارع �إىل القول عجيب �أين عمال احلكومة وعمال احلفريات‪.‬‬
‫هل �أ�رضبوا عن العمل؟‬
‫و�إذا حدث وان �سافر عراقي �إىل باري�س ومر ب�شارع حمفور �صدفة‬
‫�سارع �إىل القول هل و�صل عمال م�صلحة املجاري العراقية �إىل هنا؟‬
‫دعت هذه الظاهرة املتكررة �صدام ح�سني ب�صفته رئي�سا ملجل�س‬
‫التخطيط �إىل ت�شكيل جلنة عليا برئا�سة الدكتور عزت م�صطفى وع�ضوية‬
‫عدد كبري من الفنيني‪ ،‬لدرا�سة هذه امل�شكلة والتقدم بحلول منا�سبة‬
‫للتن�سيق بني �أجهزة الدولة العراقية املتخ�ص�صة ب�ش�ؤون احلفر‪.‬‬
‫بعد �أ�شهر‪ ،‬و�ضعت اللجنة تو�صياتها وتقدمت بها �إىل جمل�س‬
‫التخطيط للنظر يف الأمر وتخ�صي�ص املبالغ الالزمة لو�ضع التو�صيات‬
‫مو�ضع التنفيذ‪ .‬وقد وقع جميع �أع�ضاء اللجنة على تلك التو�صيات‬
‫وكان توقيع عزت م�صطفى يت�صدر تلك التوقيعات مع خال�صة موقعة‬
‫منه �أي�ضا‪ .‬بتخ�صي�ص مبلغ ‪ 300‬مليون دينار لتنفيذ التو�صيات‪.‬‬
‫�أحال �صدام تقرير اللجنة على وزارة التخطيط لدرا�سته ثم عر�ضه‬
‫على جمل�س التخطيط‪.‬‬
‫وكانت العادة �أن يقوم املدير العام املخت�ص يف الوزارة بتلخي�ص‬
‫الفقرة املعرو�ضة على املجل�س وعر�ض وجهة نظر اللجنة ثم عر�ض‬
‫وجهة نظر وزارة التخطيط وتو�صياتها‪.‬‬
‫‪-408-‬‬
‫تلي تقرير اللجنة �أوال‪ ،‬وهو يت�ضمن طلب تخ�صي�ص مبلغ ‪300‬‬
‫مليون دينار‪ .‬وهنا �سارع عزت م�صطفى وطلب الكالم وقال خماطبا‬
‫رئي�س املجل�س‪� :‬سيادة النائب‪ ..‬كالم وزارة التخطيط كالم خطري‪ ..‬من‬
‫�أين ن�أتي مببلغ ‪ 300‬مليون دينار؟ هذا تبذير لالقت�صاد الوطني‪ ..‬الفنيون‬
‫يف وزارة التخطيط غري مدركني للمهام الثورية التي تتحملها القيادة‪..‬‬
‫من �أين ن�أتي بـ‪ 300 ‬مليون دينار؟ وبكل هدوء وبرودة �أع�صاب‪..‬‬
‫وابت�سامة خفيفة‪ .‬التفت �إيل �صدام وقال‪ :‬دعونا ن�سمع تعليق وزارة‬
‫التخطيط على ما تف�ضل به الرفيق الدكتور عزت‪ .‬وبهدوء �أجبت‪:‬‬
‫�سيادة النائب‪� ..‬إن ما قر�أته قبل حلظات مل يكن �سوى تقرير اللجنة‬
‫برئا�سة الدكتور عزت وبتوقيعه‪ ..‬مبلغ ‪ 300‬مليون دينار‪ ،‬هو طلب‬
‫اللجنة التي هي برئا�سة الدكتور عزت‪ ..‬ما قر�أته مل ي�صدر عن وزارة‬
‫التخطيط‪ ..‬وكان على الدكتور عزت �أن ينتظر ر�أي الوزارة‪ ..‬و‪..‬‬
‫وهنا قاطعني �صدام‪ ،‬وتوجه بال�س�ؤال �إىل عزت م�صطفى‪ .‬ماذا تقول‬
‫رفيق عزت؟‬
‫مل يجب عزت‪ .‬غا�ص يف مقعده ومل يحر جوابا‪.‬‬
‫وا�ستمر �صدام بالكالم الالذع قائال‪� :‬إن م�شكلتنا هي �أن بع�ض‬
‫القياديني ال يقر�أون ما يقدمه الفنيون‪ ،‬ويوقعون على ما يقدم �إليهم من‬
‫تو�صيات‪� .‬إذن‪ ،‬كيف ميكننا الت�أكد من م�شاريع وزارة ال�صحة مث ً‬
‫ال �أو‬
‫وزارة ال�صناعة‪.‬‬
‫وحار عزت م�صطفى وراح يغو�ص �أكرث يف مقعده‪ .‬ومل نعد نرى من‬
‫ج�سمه الق�صري �سوى ر�أ�سه‪.‬‬
‫كان ل�صدام مفهوم خا�ص للقيادة اجلماعية‪ ،‬يحاول تعميقه يف �أذهان‬
‫‪-409-‬‬
‫الآخرين من خالل تعليقاته يف جمل�س التخطيط‪ .‬و�أذكر مرة �أنه طلب‬
‫مني تكليف بع�ض الفنيني يف وزارة التخطيط لإعداد مذكرة «�رسية»‬
‫لتخ�صي�ص مبلغ ‪ 90‬مليون دينار لهيئة الطاقة الذرية التي كان ير�أ�سها‪،‬‬
‫متهيدا ملناق�شة املو�ضوع يف جل�سة «�رسية» ملجل�س التخطيط‪ .‬وعقدت‬
‫اجلل�سة‪ ،‬وح�رضها �أع�ضاء القيادة القطرية‪.‬‬
‫بد�أت يف تلخي�ص املذكرة‪ ،‬م�ؤكدا �رضورة املوافقة على تخ�صي�ص‬
‫املبلغ لأهمية املو�ضوع اال�سرتاتيجية ومقدما كل املربرات «الفنية»‪.‬‬
‫وفتح �صدام باب املناق�شة‪ .‬وانربى �أع�ضاء القيادة يف الت�سابق‪ ،‬كل يبدي‬
‫وجهة نظره‪ .‬وت�شعب املو�ضوع‪ ،‬و�ضاع ر�أ�س اخليط يف دوامة العقيدة‪.‬‬
‫ثم اقرتح �أحدهم‪ ،‬واعتقد �أنه كان حكمت العزاوي‪� ،‬إجراء الت�صويت‪.‬‬
‫�شعر �صدام ب�أن الت�صويت قد ي�ؤدي �إىل عدم �إقرار املبلغ املطلوب‪،‬‬
‫لذلك بد أ� يف تلقني احلا�رضين در�سا يف مفهوم القيادة اجلماعية‪ ،‬حيث‬
‫قال‪ :‬القيادة اجلماعية ال تعني �أن كل من يف القيادة له ر�أي‪� ،‬أو �صوت‬
‫مت�ساو مع الآخرين‪� .‬صحيح �إن لكل هيئة �أو جمموعة ر�أ�س ولكن هذا‬
‫الر�أ�س يجب‪ ،‬بل يتحتم �أن يختلف وزنا ودورا وم�س�ؤولية عن الآخرين‪.‬‬
‫�إن هذا الر�أ�س هو القائد‪ ،‬بيده زمام الأم��ور ولي�س جمرد رقم م�ضاف‬
‫للآخرين‪ .‬و�سكت �صدام برهة‪ ،‬ثم �أعطى مثال على ذلك بقوله �إن رئي�س‬
‫جمل�س الإدارة عندما ير�أ�س االجتماعات‪ ،‬هل يعني �أنه مت�ساوي مع �أع�ضاء‬
‫املجل�س يف الت�صويت �أو الر�أي؟ و�أجاب �صدام على ذلك‪ ،‬كال!‬
‫وكان �صدام خمطئا يف تعريف دور رئي�س جمل�س الإدارة‪ ،‬ولكننا مل‬
‫نحاول �إ�صالح ذلك اخلط�أ‪ .‬بل �ساد القاعة وجوم ومتلمل �أع�ضاء القيادة‬
‫بقلق ملحوظ‪ .‬و�صدر القرار باملوافقة على تخ�صي�ص املبلغ املطلوب‬
‫دون ت�صويت‪.‬‬
‫‪-410-‬‬
‫ومنذ ذلك االجتماع‪ ،‬مل يجر�ؤ �أي وزير �أو �أي ع�ضو من �أع�ضاء‬
‫جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬على جتاوز جمل�س التخطيط �أو وزارة التخطيط‬
‫لتمرير م�شاريعه ومقرتحاته من خالل االت�صال بالبكر مبا�رشة‪.‬‬
‫لقد �أعطى �صدام �إ�سناده الكامل للوزارة‪ ،‬كما �أفرد �أكرث من ‪20‬‬
‫�صفحة من التقرير ال�سيا�سي للم�ؤمتر القطري الثامن للإطراء على‬
‫التخطيط و�أجهزته‪ .‬و�أ�شار �إىل �أن يف مقدمة مهام الثورة بناء �أجهزة‬
‫تخطيطية متقدمة جدا وذات كفاءة عالية مع تطوير الوعي التخطيطي‬
‫يف �صفوف احلزب و�أجهزة الدولة وااللتزام الدقيق بخطط التنمية‬
‫وعدم ال�سماح بخرقها �أو جتاوزها‪ .‬وا�ستمر التقرير اىل القول «وقد‬
‫قطعت الثورة �أ�شواطا وا�سعة يف هذا امل�ضمار بحيث «توفرت الآن يف‬
‫العراق ولأول مرة �أجهزة تخطيطية متتع بقدر عال من الكفاءة‪ ،‬و�أن‬
‫م�س�ألة التخطيط يف البالد قد دخلت طورا مهما من التقدم �سيكون له‬
‫�شان كبري يف حتقيق التنمية»‪.‬‬
‫لقد �ساعد هذا الدعم يف ت�سهيل مهمتي مع الوزارات‪ ،‬لكنه �ساهم‬
‫�أي�ضا يف خلق �أعداء كثريين يف �صفوف القيادة القطرية التي ما برح‬
‫البع�ض من �أع�ضائها يف اتهام العنا�رص العاملة يف ميدان التخطيط‬
‫بت�أرجح �أفكارها وثقافتها بني االجتاهات الربجوازية واال�شرتاكية واجتاه‬
‫ر�أ�سمالية الدولة مبا قد ي�ؤدي‪ ،‬ح�سب ت�صور القيادة‪� ،‬إىل خطر كبري على‬
‫م�ستقبل التطور االقت�صادي للبالد!‬

‫�صدام ح�سني‪ ...‬حكايات متناثرة‬


‫• عودة ذوي الكفاءات‪ :‬عام ‪� ،1970‬أ�صدر جمل�س قيادة الثورة‬
‫قانونا برقم ‪ 189‬لت�شجيع عودة ذوي الكفاءات‪ .‬وقد ت�ضمن القانون‬
‫منح �إعفاءات وامتيازات مادية لذوي الكفاءات العراقيني املوجودين يف‬
‫‪-411-‬‬
‫اخلارج لت�شجيع عودتهم �إىل الوطن‪ .‬وبالرغم من اجلهود التي بذلت يف‬
‫هذا ال�صدد‪ .‬مل يعد �إال عدد قليل جدا‪ ،‬لهذا فقد �أبدى �صدام رغبة يف‬
‫�إعادة درا�سة امل�شكلة التي بد�أت تتفاقم لي�س بعدم عودة ذوي الكفاءات‬
‫فح�سب‪ ،‬بل بهروب املوجودين منهم يف العراق وب�أعداد كبرية‪ .‬ولأجل‬
‫ذلك فقد �أ�صدر جمل�س قيادة الثورة يف ‪ 1972/9/5‬قرارا بت�شكيل جلنة‬
‫برئا�ستي لدرا�سة الأمر وتقدمي املقرتحات العملية للمجل�س مبا�رشة‪.‬‬
‫�ضمت اللجنة عددا كبريا من عمداء الكليات ورج��ال القانون‬
‫ال وجريئا تناول جوانب‬ ‫وال�شخ�صيات العلمية‪ .‬وجاء تقريرها �شام ً‬
‫عديدة‪ ،‬منها ق�ضية االعتقاالت الكيفية وانعدام االطمئنان الوظيفي‪.‬‬
‫واقرتحت اللجنة �أي�ضا �رضورة الإ�رساع ب�إلغاء القرارات التي متنع الزواج‬
‫ب�أجنبيات‪� ،‬أو متنع التوظف ب�سبب الزواج ب�أجنبية‪ .‬وقلنا يف التقرير �إنه‬
‫ال يجوز ح�ضاريا قيا�س كفاءة الرجل بجن�سية زوجته‪.‬‬
‫�أر�سلت التقرير ملجل�س قيادة الثورة‪ .‬وبعد ثالثة �أيام‪� ،‬إذا بكتاب‬
‫من رئا�سة اجلمهورية ي�صلني وين�ص على ما يلي‪ :‬مل حت�صل املوافقة على‬
‫مقرتحات اللجنة‪ .‬يرجى مراعاة م�صلحة الوطن بدال من �إر�ضاء رغبات‬
‫�أفراد معدودين‪.‬‬
‫ا�ستغربت لأ�سلوب الكتاب‪ .‬وكان ا�ستغرابي �أكرث �أنه �صادر من‬
‫رئا�سة اجلمهورية ولي�س من جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬وبعد ثالثة �أيام فقط من‬
‫�إر�سال تقرير اللجنة الذي ا�ستغرق اعداده فرتة لي�ست بالق�صرية‪.‬‬
‫م�ضت �أ�سابيع و�أت�صل بي �صدام م�ستف�رسا عن اللجنة وعما �إذا كانت‬
‫قد �أجنزت عملها‪ .‬فلما �أخربته مبا ح�صل‪ ،‬طلب مني فورا ‪ 20‬ن�سخة من‬
‫التقرير كما طلب ح�ضوري ملكتبه م�ست�صحبا ن�سخة من كتاب رئا�سة‬
‫اجلمهورية‪.‬‬
‫‪-412-‬‬
‫تطلع �صدام بالكتاب‪ ،‬ثم رماه بع�صبية على مكتبه وقال‪� :‬إنها عقلية‬
‫رئي�س ديوان رئا�سة اجلمهورية املتخلفة‪ .‬دعني ادر�س املو�ضوع و�أت�شاور‬
‫مع البكر‪ ،‬قالها مبت�سما‪.‬‬
‫بعد يوم واحد‪ ،‬ح�صلت موافقة جمل�س قيادة الثورة على تو�صيات‬
‫اللجنة والغي كتاب رئا�سة اجلمهورية‪.‬‬
‫• �صفقة �رشاء طائرات البوينغ‪ :‬ذات يوم من عام ‪ ،1973‬ت�سلمت‬
‫قرارا من جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬ين�ص على ت�شكيل جلنة من وزير التخطيط‪،‬‬
‫وزير النقل (نهاد الفخري)‪ ،‬املدير العام للخطوط اجلوية العراقية (حم�سن‬
‫�أبو اخليل)‪ ،‬وممثل عن قيادة القوة اجلوية‪ ،‬و�آخرين من بينهم امل�شاور‬
‫القانوين يف وزارة التخطيط حميد يون�س‪ .‬وقد ن�ص القرار على تخويل‬
‫اللجنة القيام با�ستالم العطاءات وحتليلها واختيار الأف�ضل منها ل�رشاء‬
‫طائرات للخطوط اجلوية العراقية‪ .‬غري �أن الغريب يف القرار هو �إلزام‬
‫اللجنة ب�رشاء نوع حمدد من الطائرات مع حتديد العدد بـ‪ 11 ‬طائرة‬
‫موزعة بني �أحجام خمتلفة (‪ 727‬و‪ 737‬وطائرات جمبو ‪.)747‬‬
‫كان القرار غريبا! كيف ميكن للجنة اختيار �أف�ضل العرو�ض �إذا كان‬
‫القرار نف�سه قيدها بنوع معني وبعدد حمدد وب�رشكة معينة‪� .‬أبديت هذه‬
‫املالحظة لأمني �رس جمل�س قيادة الثورة (�شفيق الدراجي) فنقلها بدوره‬
‫للبكر الذي �ألغى القرار وا�ستبدله ب�آخر ال يقيد اللجنة ب�رشكة معينة مما‬
‫ي�ساعدنا على دعوة جميع ال�رشكات العاملية املنتجة للطائرات املدنية‬
‫(�إيربا�ص‪ ،‬ماكدونالد دوغال�س‪ ،‬انتونوف وبوينغ)‪.‬‬
‫بد�أت تردنا العرو�ض ومعها بد�أت �ضغوط وكالء ال�رشكات وبع�ض‬
‫�أقرباء امل�س�ؤولني و�أع�ضاء يف القيادة القومية �أو يف القيادة القطرية حلزب‬
‫البعث يف لبنان �أو بعثيني عرب �سابقني كعاطف دانيال‪.‬‬
‫‪-413-‬‬
‫مل نعب أ� بالو�ساطة‪ ،‬فكلما جاء و�سيط �شكوناه �إىل �صدام �أو البكر‪.‬‬
‫وا�ستمرت اللجنة يف عملها يف �رسية وكتمان‪� ،‬أو هكذا ظننت‪ .‬وطالت‬
‫مناق�شات اللجنة حتى حل ذلك اليوم من �شهر يوليو (متوز) ‪،1974‬‬
‫حيث فوجئت مبكاملة هاتفية من �صدام يقول فيها‪ :‬دكتور‪ ..‬لقد قلنا‬
‫لكم �أن ت�شرتوا طائرات بوينغ �أكرث من مرة‪ ..‬فلم هذا التلك�ؤ‪ ..‬قلنا‬
‫بوينغ يعني بوينغ‪ ..‬ومن هو حميد يون�س الذي يقولون ب�أنه يعرقل‬
‫عملية ال�رشاء ويدخل يف تفا�صيل فنية كثرية؟‬
‫بعد �أي��ام من هذه املكاملة‪ ،‬و�صلتني فج�أة دع��وة من نيكوالي‬
‫بايبكوف‪ ،‬نائب رئي�س ال��وزراء ال�سوفيتي ورئي�س جمل�س الدولة‬
‫للتخطيط لزيارة االحتاد ال�سوفيتي‪ .‬و�أت�صل بي غامن عبد اجلليل (ع�ضو‬
‫القيادة القطرية ومدير عام مكتب �صدام)‪ ،‬مقرتحا تلبية دعوة البلد‬
‫ال�صديق ب�أ�رسع وقت ممكن وفقا لتوجيهات «ال�سيد النائب»‪.‬‬
‫�سافرت يف الثالث من �آب‪� /‬أغ�سط�س ‪� 1974‬إىل مو�سكو‪ .‬وخالل‬
‫تواجدي هناك �صدر قرار من جمل�س قيادة الثورة ب�إعادة ت�شكيل جلنة‬
‫�رشاء الطائرات برئا�سة غامن عبد اجلليل وع�ضوية حم�سن �أبو اخليل و�أحد‬
‫الفنيني من وزارة النقل ووقع عقد ال�رشاء مع �رشكة بوينغ‪.‬‬
‫ترى هل كان وراء ذلك عمولة ل�شخ�ص ما؟ ال �أعتقد ذلك‪ .‬وان‬
‫كان حم�سن �أبو اخليل حري�صا يف جميع مناق�شات اللجنة على ترجيح‬
‫كفة البوينغ و�إظهار عيوب الطائرات الأخرى‪ .‬و�إن�صافا للحقيقة‪ ،‬ف�أن‬
‫الوثائق التي ن�رشها الكوجنر�س الأمريكي عن ف�ضيحة الر�شاوى التي‬
‫دفعتها �رشكة بوينغ يف �أنحاء العامل‪ ،‬مل ت�رش �أبدا ل�صفقة العراق ومل يرد‬
‫ذكر ا�سم �أي عراقي بهذا ال�ش�أن‪.‬‬
‫• طالب ال�شبيب و�سفارة العراق يف املك�سيك‪ :‬طالب ح�سني‬
‫‪-414-‬‬
‫ال�شبيب‪� ،‬أحد م�ؤ�س�سي حزب البعث وع�ضو املجل�س الوطني لقيادة‬
‫الثورة عام ‪ .1963‬كانت عالقته ب�صدام هام�شية‪ ،‬بخالف العالقة مع‬
‫البكر‪ ،‬الذي عينه �سفريا للعراق يف الأمم املتحدة‪ ،‬ثم تركيا‪ ،‬ثم �أملانيا‬
‫الغربية‪ .‬حيث نقل بعدها �إىل بغداد عام ‪ ،1976‬لري�شح بعدئذ �سفريا‬
‫للعراق يف املك�سيك فور ت�أ�سي�س العراق معها عالقات دبلوما�سية‪.‬‬
‫يف فرباير (�شباط) ‪ 1977‬و�صلت موافقة املك�سيك على تر�شيح‬
‫طالب ك�أول �سفري للعراق هناك‪ .‬ولكن ما �أن وا�صلت املوافقة‪ ،‬حتى‬
‫�أ�صدر جمل�س قيادة الثورة قرارا ب�إحالة ال�شبيب على التقاعد‪.‬‬
‫وللعالقة التي تربطني بطالب ال�شبيب‪ ،‬فقد حاولت �أن ا�ستفهم‬
‫الأمر من �صدام‪� .‬أو بالأحرى‪ ،‬حاولت التو�سط لديه لإلغاء قرار الإحالة‬
‫على التقاعد لأنه ال ينم عن تقدير للأعراف الدبلوما�سية‪.‬‬
‫قبل �أن �أدخل مكتب �صدام‪ ،‬التقيت برزان التكريتي (م�س�ؤول حماية‬
‫�صدام يف ذلك الوقت) و�س�ألته عن �سبب �إحالة طالب على التقاعد‪.‬‬
‫وعما �إذا كان يعرف �شيئا عن ذلك‪ .‬وذكرت له الإحراج الدبلوما�سي‬
‫الذي ي�سببه الأمر مع حكومة املك�سيك‪.‬‬
‫وكم كانت مفاج�أتي عندما �أجاب ب��رزان‪ ،‬وبكل برود‪ ،‬طالب‬
‫�شبيب عميل �أمريكي غارق يف العمالة وال ي�ستحق هذا املن�صب‪ .‬بل‬
‫ال ي�ستحق احلياة‪.‬‬
‫�سارعت �إىل بيتي‪ ،‬ومن هناك ات�صلت بطالب ودعوته لزيارتي يف‬
‫منزيل ع�رص اليوم نف�سه‪.‬‬
‫جاء طالب‪ .‬وبعد ك�أ�س‪� ،‬أخربته مبو�ضوع �إحالته على التقاعد و�إلغاء‬
‫تر�شيحه‪ .‬ومل �أخربه عن حديثي مع برزان‪ ،‬ولكني ن�صحته مبغادرة‬
‫العراق‪ ...‬وب�رسعة‪.‬‬
‫‪-415-‬‬
‫ويف �أبريل (ني�سان) ‪ ،1977‬غادر طالب العراق �إىل نيويورك‬
‫بحجة ح�ضور �إحدى جلان الأمم املتحدة التي كان ع�ضوا فيها ب�صفته‬
‫ال�شخ�صية‪ .‬وبقي هناك‪ ،‬ومل يعد �إىل العراق‪ .‬وبقي على قيد احلياة حتى‬
‫عام ‪ 1998‬حني وافاه الأجل يف لندن‪.‬‬
‫• زيارة �إىل ليبيا وف�ضيحة املخابرات‪ :‬تتم جميع ال�سفرات الر�سمية‬
‫ل�صدام ح�سني بطائرة خا�صة تقوم بتجهيزها اخلطوط اجلوية العراقية‪.‬‬
‫وت�رشف املخابرات العراقية على �ش�ؤون احلماية �إ�رشافا تاما بحيث ال‬
‫يقل عدد عنا�رص املخابرات التي ت�سافر على منت الطائرة عن ‪� 40‬أو ‪50‬‬
‫�شخ�صا‪ ،‬ينامون فيها ويفت�شون �أمتعة �أع�ضاء الوفد‪ ،‬وعند توقف الطائرة‬
‫يف املطارات‪ ،‬يحيطون بها من كل جانب‪ ،‬يف اخللف‪ ،‬يف املقدمة‪ ،‬حتت‬
‫الطائرة وعند �سلمها‪.‬‬
‫يف مار�س (�آذار) ‪ ،1975‬كنا يف طريقنا �إىل اجلزائر حل�ضور م�ؤمتر‬
‫قمة الدول الأع�ضاء يف منظمة «الأوبك» وهو امل�ؤمتر الذي وقع فيه‬
‫�صدام مع �شاه �إيران اتفاقية اجلزائر املعروفة ب�ش�أن مياه �شط العرب‪.‬‬
‫قرر �صدام التوقف ليلة واحدة يف طرابل�س الغرب �ضيفا على معمر‬
‫القذايف‪ .‬ويف �صباح اليوم التايل‪ ،‬توجهنا �إىل املطار و�صعدنا الطائرة‬
‫مرورا بالعيون الفاح�صة لعنا�رص املخابرات‪ .‬وما �أن �أغلق باب الطائرة‬
‫وبد�أنا ن�سمع �أزيز حمركاتها‪ ،‬حتى وجدنا �أحد الأطباء املرافقني (�سلوان‬
‫بابان) ينادي على م�س�ؤول املخابرات يخربه عن وجود �شخ�ص �أ�سود‬
‫اللون ال يعرفه جال�سا يف املقعد املجاور له‪.‬‬
‫وتوقفت الطائرة واطفئت حمركاتها‪.‬‬
‫وب��دون مقدمات �أو �س�ؤال �أو انتظار جل��واب‪ ،‬هجمت عنا�رص‬
‫املخابرات على هذا «الزجني» ت�شبعه �رضبا والرجل ي�ستغيث وي�رصخ‬
‫‪-416-‬‬
‫احتجاجا على املعاملة ال�سيئة ممن كان يعتقد ب�أنهم م�ضيفني ال يراعون‬
‫قواعد ال�سفر وال�ضيافة‪.‬‬
‫وقد تبني بعد ا�ستجواب الرجل انه م�سافر نيجريي لديه تذكرة �سفر‬
‫�إىل �إيطاليا على منت طائرة اخلطوط اجلوية الإيطالية (اليتاليا) ذا اللون‬
‫الأخ�رض امل�شابه للون الطائرة العراقية‪ .‬وعلى ما يبدو �أنه ا�ستقل طائرتنا‬
‫بدال من الإيطالية التي كانت واقفه بالقرب منها‪ ،‬حتت عيون و�سمع‬
‫املخابرات العراقية‪.‬‬
‫نزل امل�سافر غري املرغوب فيه وهو يلعن ال�ساعة التي قرر فيها ال�سفر‬
‫�إىل �إيطاليا‪.‬‬
‫بعد ذلك �أبدى م�س�ؤول املخابرات �شكوكا حول قيام ذلك «الزجني»‬
‫بو�ضع متفجرات يف الطائرة‪ .‬ودر ًء لتلك ال�شكوك والو�ساو�س فقد‬
‫اقرتح امل�س�ؤول املخابراتي مغادرة اجلميع الطائرة مبا فيهم �صدام ح�سني‪.‬‬
‫غادرنا الطائرة و�أفرغت حمولتها من احلقائب والأمتعة‪ ،‬وفت�شت‬
‫تفتي�شا دقيقا ولكن مل يعرث على �أ�صابع ديناميت �أو متفجرات �أخرى‪.‬‬
‫ومع ذلك اقرتح �صدام �رضورة قيام الطائرة بالتحليق فوق املطار الليبي‬
‫عدة مرات وبداخلها م�س�ؤول املخابرات‪ .‬ف�أما �أن تنفجر يف اجلو �أو‬
‫تعود �إىل �أر�ض املطار �ساملة‪.‬‬
‫بقينا على �أر�ض املطار ومعنا �صدام ح�سني‪ .‬وحلقت الطائرة‪،‬‬
‫بطاقمها وم�س�ؤول املخابرات طاهر �أحمد �أمني ]‪.[3‬‬
‫مل تنفجر الطائرة يف اجلو وعادت �إىل الهبوط‪.‬‬
‫�صعدنا الطائرة وحلقت بنا‪ ،‬ووجوه عنا�رص املخابرات تعلوها ن�شوة‬
‫االنت�صار!‬
‫‪-417-‬‬
‫• �صدام ح�سني يقابل ال�سفري الربيطاين‪ :‬يوم اخلمي�س امل�صادف ‪30‬‬
‫�أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ 1980‬كان موعد ال�سفري الربيطاين يف بغداد لتقدمي‬
‫�أوراق اعتماده ل�صدام ح�سني ب�صفته رئي�س اجلمهورية العراقية‪ .‬يف هذا‬
‫الوقت كان قد م�ضى على بداية احلرب العراقية الإيرانية ثمانية �أ�سابيع‪.‬‬
‫اجلي�ش العراقي يحتل م�ساحات وا�سعة من الأرا�ضي الإيرانية‪ .‬و�صدام يف‬
‫قمة انت�صاراته الع�سكرية التي �أطلق عليها ا�سم » قاد�سية �صدام»‪.‬‬
‫يف هذا اجلو املعب�أ باالنت�صارات وامل�شحون بالأنا�شيد والغرور‪ ،‬ا�ستقبل‬
‫�صدام ال�سفري الربيطاين اجلديد يف قاعة اال�ستقبال بالق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫وبعد اكتمال مرا�سم تقدمي �أوراق االعتماد جل�س ال�سفري على ميني �صدام‬
‫وبينهما جل�س املرتجم الذي �أح�رضته وزارة اخلارجية العراقية‪.‬‬
‫بادر �صدام ال�سفري ب�إعالن امتعا�ضه من موقف ال�صحافة الربيطانية‬
‫لأنها‪ ،‬على حد تعبري �صدام‪ ،‬تتعمد �إهمال تغطية �أنباء انت�صارات‬
‫«القاد�سية»‪ .‬لهذا فهو يطلب من ال�سفري الإ��سراع ب�إعالم حكومة‬
‫�صاحبة اجلاللة التخاذ اخلطوات املنا�سبة يف توجيه ال�صحافة الربيطانية‬
‫لإعطاء �أهمية �أكرب للقاد�سية وانت�صاراتها الع�سكرية على اجلبهة ال�رشقية‪.‬‬
‫كان �صدام يخاطب ال�سفري الربيطاين باللغة العربية‪ .‬وقد فاتته حقيقة‬
‫معروفة وهي �أن ال�صحافة يف بريطانيا ال تخ�ضع ل�سلطان احلكومة �أو‬
‫رقابتها‪ ،‬كما هو احلال يف العراق مثال‪ ،‬لذلك حاول املرتجم تدارك هذا‬
‫الإحراج الذي �أوقع �صدام نف�سه فيه �إال �أن خوف املرتجم من العواقب‬
‫غري احلميدة فيما لو انحرف عن الرتجمة �أجربه على ترجمة كالم �صدام‬
‫حرفيا‪.‬‬
‫مل ينقذ املرتجم من ورطته �سوى ال�سفري الربيطاين‪ ،‬حيث �أ�شار‪،‬‬
‫ب�أدب دبلوما�سي‪� ،‬إىل احلقيقة املرة التي عكرت مزاج �صدام‪ ،‬فقد‬
‫‪-418-‬‬
‫قال‪ :‬احلكومة الربيطانية‪ ،‬حمافظة كانت �أو عمالية‪ ،‬ال �سلطان لها على‬
‫ال�صحافة وال�صحافيني‪ .‬ال�صحافة هي ال�سلطة الرابعة‪ ،‬تكمل الربملان‬
‫وبقية �أجهزة الرقابة على احلكومة‪.‬‬
‫�ساد قاعة اال�ستقبال الوجوم‪� .‬سكت �صدام برهة‪ ،‬و�سكت معه‬
‫املرتجم‪ .‬ومل ي�ستطع وزير اخلارجية العراقي تدارك الإحراج الذي �أوقعه‬
‫فيه �سيده خوفا من ردة فعل قد تكلفه م�ستقبله الوظيفي وال�سيا�سي‪.‬‬
‫بهذا الوجوم انتهت مرا�سيم تقدمي �أوراق االعتماد‪ .‬وغادر ال�سفري‬
‫الربيطاين مبنى الق�رص اجلمهوري‪.‬‬
‫بعد ثالثة �أيام‪� ،‬أي يف يوم االثنني ‪ 3‬نوفمرب (ت�رشين الثاين) التقى‬
‫ال�سفري الربيطاين زميله الأمريكي م�س�ؤول �شعبة رعاية امل�صالح‬
‫الأمريكية يف بغداد لي�رشح له تف�صيال احلديث الذي دار بينه وبني‬
‫�صدام مبدي ًا ا�ستغرابه من م�س�ألتني طرحهما �صدام‪ :‬الأوىل‪ ،‬هي طلبه‬
‫توجيه ال�صحافة الربيطانية لإبراز انت�صارات «قاد�سية �صدام» والثانية‬
‫اقرتاحه �رضورة تو�سط دولة عظمى كربيطانيا لتبني فكرة وقف �إطالق‬
‫النار و�إنهاء احلرب العراقية‪ – ‬الإيرانية وفقا لل�رشوط التي ي�ضعها العراق‬
‫وحده‪.‬‬
‫ويبدو �أن حديث �صدام مع ال�سفري الربيطاين قد �أثار اهتمام امل�س�ؤول‬
‫الأمريكي الذي �سارع بدوره �إىل �إعالم وزير اخلارجية الأمريكي وذلك‬
‫وفقا للربقية املرقمة ‪ OR_031232Z‬وامل�ؤرخة يف ‪ 3‬نوفمرب (ت�رشين‬
‫الأول) ‪.1980‬‬
‫• �صدام والقمة العربية يف تون�س‪ :‬يوم الثالثاء‪ 20 ،‬نوفمرب (ت�رشين‬
‫الثاين) ‪ .1979‬عقد يف تون�س امل�ؤمتر العا�رش للقمة العربية‪ .‬وقبل ذلك‬
‫بيوم واحد كنت قد و�صلت تون�س بطائرة ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‬
‫‪-419-‬‬
‫ب�صفتي رئي�سا ل�صندوق النقد العربي)*(‪ .‬بعد و�صولنا بقليل �أخربنا رئي�س‬
‫دائرة الت�رشيفات التون�سية ب�أن طائرة الرئي�س العراقي �صدام ح�سني �ست�صل‬
‫بعد قليل‪ ،‬لذلك قرر ال�شيخ زايد االنتظار يف املطار لريحب ب�صدام‪.‬‬
‫بعد برهة من الزمن‪ ،‬حطت يف مطار تون�س طائرة كبرية من نوع‬
‫(انتونوف) الرو�سية قادمة من بغداد‪ .‬مل ي�صل الرئي�س العراقي عليها بل‬
‫ما يقارب من ‪ 150‬جنديا مدججني بال�سالح �إ�ضافة �إىل �سيارة �إ�سعاف‪.‬‬
‫وطائرة عمودية (هليكوبرت) كجزء من ت�شكيالت حماية �صدام‪.‬‬
‫انت�رش امل�سلحون يف مدارج املطار وحول بوابات الدخول واخلروج‬
‫ومنعوا دخول �أي �شخ�ص �إىل داخل املطار مبا يف ذلك ابن الرئي�س‬
‫التون�سي احلبيب بورقيبة الذي كان قد ح�رض املطار ال�ستقبال �صدام‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬هبطت الطائرة اخلا�صة التي كانت تقل الرئي�س العراقي‬
‫والوفد املرافق له‪.‬‬
‫توجه �صدام �إىل �صالة ال�رشف وغادرها فورا �إىل مقر �إقامته تتبعه‬
‫�سيارات احلماية امل�سلحة و�سيارة الإ�سعاف املزودة ب�أحدث الأجهزة‬
‫واملعدات الطبية والأطباء املخت�صني‪.‬‬
‫افتتح �صدام امل�ؤمتر بخطاب �سيا�سي عنيف مطالبا ا�ستخدام النفط‬
‫ك�سالح يف املعركة من �أجل حتقيق الأهداف ال�سيا�سية التي ت�صبو �إليها‬
‫الأمة العربية‪ ،‬وذلك ب�إعطاء ت�سهيالت نفطية ومالية للدول التي ت�ؤيد‬
‫مطالب العرب امل�رشوعة يف حترير فل�سطني‪� .‬أما الدول التي تنا�رص‬
‫�إ�رسائيل فعلى الدول املنتجة للنفط معاقبتها‪ .‬وبعد �أن �أنهى �صدام خطابه‬
‫تنازل عن رئا�سة جل�سات امل�ؤمتر �إىل الرئي�س التون�سي احلبيب بورقيبة‪.‬‬
‫(*) ‪ -‬جرت العادة �أن يح�رض م�ؤمترات القمة العربية ر�ؤ�ساء املنظمات العربية ب�صفة‬
‫مراقبني‪.‬‬

‫‪-420-‬‬
‫كان جدول �أعمال امل�ؤمتر قد ت�ضمن عددا من الق�ضايا �أهمها‬
‫الو�ضع يف منطقة ال�رشق الأو�سط يف �أعقاب اتفاقية كامب ديفيد بني‬
‫م�رص و�إ�رسائيل‪ ،‬الو�ضع يف جنوب لبنان‪ ،‬النفط ك�سالح يف املعركة‪،‬‬
‫وهي موا�ضيع ال تثري اخلالف بني املجتمعني‪ ،‬وتوقع اجلميع �أن ينهي‬
‫امل�ؤمتر �أعماله ب�رسعة‪ .‬غري �أن �أمراً واحداً كاد �أن يخلق �أزمة بني بع�ض‬
‫الدول العربية وبالأخ�ص بني العراق من جانب وبني �سوريا وليبيا من‬
‫جانب �آخر‪ ،‬ذلك هو ح�ضور وفد �إيراين م�ؤلف من �شخ�صني هما عبا�س‬
‫املدر�سي وحممد �صالح كممثلني للثورة الإيرانية‪ .‬وقد التم�سا ح�ضور‬
‫اجتماعات القمة كمراقبني‪.‬‬
‫تبنت كل من �سوريا وليبيا الطلب الإيراين و�أ�رصتا على �إدراجه على‬
‫جدول الأعمال ليت�سنى لوفد اجلمهورية الإيرانية ح�ضور امل�ؤمتر‪� .‬أما‬
‫العراق وبع�ض الدول العربية الأخرى فقد رف�ضوا بحث الطلب �أو‬
‫ال�سماح للوفد بدخول قاعة االجتماعات بحجة �أن الأمر غري مدرج‬
‫على جدول الأعمال‪ .‬وبعد نقا�ش طويل مل حت�صل املوافقة على ح�ضور‬
‫الوفد الإيراين االجتماعات ب�صفة مراقب �أو �أية �صفة �أخرى‪.‬‬
‫• �صدام ح�سني ومتركز ال�سلطة‪ :‬ما �أن انتهت اجتماعات امل�ؤمتر‬
‫القطري الثامن حلزب البعث يف ‪ 12‬يناير (كانون الثاين) ‪،1974‬‬
‫و�إعادة انتخاب �صدام نائبا لأمني �رس القيادة القطرية‪ ،‬حتى بد�أ العد‬
‫التنازيل لتمركز خيوط ال�سلطة بيد �صدام‪ .‬فبعد انف�ضا�ض امل�ؤمتر ب�أ�شهر‬
‫قليلة‪� .‬أجته البكر للتفرغ ل�ش�ؤون عائلته‪ ،‬ال�سيما بعد مر�ض زوجته‪ ،‬ثم‬
‫وفاتها الأمر الذي كان له ت�أثري كبري على تدهور �صحة البكر نف�سه مع‬
‫توايل النكبات العائلية �سنة بعد �أخرى‪ .‬بحيث �أبعدته �شيئا ف�شيئا عن لقاء‬
‫الوزراء �أو ح�ضور اجتماعات القيادة‪.‬‬
‫وهكذا �أخذ نفوذ البكر بالأفول‪ ،‬و�صعود �أ�سهم �صدام بقوة‪.‬‬
‫‪-421-‬‬
‫وما �أن حل عام ‪ ،1977‬حتى �أ�صبح الوزراء يرتبطون ب�صدام‪ .‬كما‬
‫�أ�صبح و�صولهم �إليه �أ�صعب من ذي قبل‪.‬‬
‫ثم �رشع �صدام بتو�سيع فكرة الهاتف املبا�رش وتخ�صي�ص يوم ملقابلة‬
‫املواطنني حلل م�شاكلهم �آنيا‪ ،‬و«املواطنات» للنظر يف م�شاكلهن بعد‬
‫زيارة �أخرى‪.‬‬
‫وراحت �صور �صدام تت�صدر ال�صحافة اليومية‪ ،‬فيما بد�أ �أع�ضاء‬
‫احلزب يقلدون طريقته يف امل�شي وامللب�س والكالم‪.‬‬
‫وبعد ا�ستالمه ال�سلطة ر�سميا يوم ‪ 17‬يوليو (متوز) ‪ ،1979‬ومن‬
‫ثم قيامه بت�صفية جمموعة كبرية من �أعوانه يف القيادة القطرية وجمل�س‬
‫قيادة الثورة �أخذت �أجهزة الإعالم العراقية‪ .‬بالإ�شارة �إليه بـ‪« ‬القائد‬
‫الفار�س»‪ .‬و«القائد ال�رضورة»‪ .‬وحتيطه بهالة من التمجيد والتبجيل‪.‬‬
‫وتكاثرت الأغاين من�شدة له‪.‬‬
‫ومل يكتف �صدام بذلك‪ .‬بل ا�ستعان مبجموعة من الكتاب‬
‫وال�صحافيني العرب والأجانب لتدبيج مقاالت عنه يف ال�صحف‬
‫العربية والأجنبية وخا�صة الأمريكية‪ .‬و�أذكر يف هذا ال�صدد‪ ،‬املقاالت‬
‫التي ن�رشتها عنه كلوديا رايت يف الكتاب الذي ي�صدر ف�صليا يف‬
‫�أمريكا (�ش�ؤون خارجية) ‪ Foreign Affairs‬يف نوفمرب (ت�رشين الثاين)‬
‫‪ .1979‬وقام بتوزيعه بع�ض ال�سفراء الأمريكان‪ .‬وقد و�صفت ال�سيدة‬
‫ر�أيت �صداما بالزعيم العربي القوي‪ ،‬مقارنة �إياه بامللوك العراقيني‬
‫القدماء �رسجون وحمورابي و�آ�شوربانيبال‪ .‬و�أعقب ذلك يف يوليو‬
‫(متوز) ‪� 1980‬إعالن ت�صدر جريدة نيويورك تاميز الأمريكية‪ .‬ي�شري �إىل‬
‫�أجماد العراق‪� .‬أجماد حمورابي و�آ�شاوربانيبال واملن�صور وهارون الر�شيد‪.‬‬
‫مقرونة بعهد �صدام ح�سني‪.‬‬
‫‪-422-‬‬
‫كل هذا و�صدام يحيط نف�سه ونظامه بال�رسية والكتمان وب�أجواء مليئة‬
‫بالرعب الالحمدود‪ .‬و�أ�ضحت �أحكام الإعدام تنفذ باملواطنني كل يوم‪.‬‬
‫ولأتفه الأ�سباب‪ ،‬ومل يعد لكوادر البعث �أي دور �سوى تنفيذ رغبات‬
‫�صدام و�أفراد عائلته واملقربني �إليه‪ .‬وحتول �أع�ضاء احلزب و�أن�صاره �إىل‬
‫حلقات تكمل �سل�سلة �أجهزة القمع واملخابرات‪ .‬ال عن رغبة و�إميان‬
‫و�إمنا نتيجة اخلوف والرعب من عواقب عدم التنفيذ‪.‬‬
‫يف هذا املناخ املعب أ� بالرعب‪ ،‬كان �صدام يكرث من زياراته للوزارات‬
‫وم�ؤ�س�سات الدولة الأخرى وم�ساكن املواطنني خارج بغداد‪ .‬يف كل زيارة‬
‫تفقدية كان �صدام ي�صدر توجيهاته �إىل امل�سئولني ويحثهم على املزيد من‬
‫«خدمة» املواطنني‪ .‬ويعاقب من ت�صفه التقارير احلزبية باملوظف املق�رص‬
‫يف �أداء واجباته كما فعل مرة مع جمموعة من الأطباء‪ ،‬حيث �أمر بف�صلهم‬
‫من اخلدمة ملدة �سنة واحدة ب�سبب ت�أخرهم ب�ضع دقائق عن الو�صول �إىل‬
‫امل�ست�شفى الذي كانوا يعملون فيه‪ .‬ومل يقت�رص «التوبيخ» الرئا�سي على‬
‫الأطباء و�صغار املوظفني بل امتد �إىل الوزراء ووكالء الوزارات‪.‬‬
‫يف ذلك الوقت �صادف �أن ات�صل �صدام بوزارة اخلارجية طالبا‬
‫التحدث �إىل حامد اجلبوري وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية فقيل له �أنه‬
‫غري موجود‪ .‬ثم طلب التحدث �إىل وكيل الوزارة �آنذاك حممد �سعيد‬
‫ال�صحاف فقيل له غري موجود �أي�ضا‪ .‬وبعد ن�صف �ساعة �أعاد �صدام‬
‫االت�صال ب��وزارة اخلارجية و�س�أل عن اجلبوري وال�صحاف‪ .‬وكان‬
‫اجلواب �أنهما غري موجودين �أي�ضا‪.‬‬
‫ومل مت�ض �ساعة واحدة على تلك املكاملة الهاتفية حتى قطع راديو‬
‫بغداد براجمه ليذيع مر�سوما جمهوريا يق�ضي ب�إعفاء حامد اجلمهوري‬
‫وحممد �سعيد ال�صحاف من من�صبيهما نظرا لعدم انتظام دوامهما‪،‬‬
‫ح�سب ما ورد يف املر�سوم‪.‬‬
‫‪-423-‬‬
‫يف ع�رص اليوم نف�سه‪� ،‬أخرب �صدام ب�أن غياب اجلبوري وال�صحاف‬
‫كان ب�سبب وجودهما يف املطار لتوديع م�س�ؤولني �آخرين وفقا ملا تق�ضي‬
‫به الأعراف الدبلوما�سية‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إىل «توبيخ» امل�س�ؤولني املق�رصين يف «خدمة» املواطنني‪،‬‬
‫ابتدع �صدام و�سيلة �أخرى من و�سائل االحتكاك باملواطنني‪ :‬زيارات‬
‫مفاجئة مل�ساكن العوائل العراقية وا�ست�ضافة نف�سه لدى كل عائلة‪ ،‬ثم‬
‫تلبية طلباتها‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي كان �صدام يحاول تو�سيع قاعدته ال�شعبية و�إظهار‬
‫نف�سه كزعيم �شعبي تلتف حوله اجلماهري‪ .‬كانت �أجهزة املخابرات‬
‫وبع�ض تنظيماته ال�رسية اخلا�صة تعتقل �رسا‪ ،‬ومن خلف ال�ستار‪ ،‬كل من‬
‫ت�شك بوالئه لل�سلطة‪ ،‬حيث يغيب املعتقل عن الوجود‪.‬‬
‫ورغم تفاقم حاالت االختفاء والتغييب الق�رسي والقتل املجاين كان‬
‫�صمت العامل يثري الده�شة‪ ،‬ومل يهتز �ضمري الدول التي كانت متد العراق‬
‫بال�سالح والعتاد واملعلومات الف�ضائية‪ .‬ولي�س لدي �شك ب�أن الإدارة‬
‫الأمريكية يف م�ساعدتها للعراق وتعاملها معه كانت تتعمد �إهمال هذا‬
‫التجاوز ال�صارخ على حقوق الإن�سان العراقي حتى ال تثري حفيظة �صدام‪.‬‬
‫وما يعزز هذا االعتقاد ما ورد يف تقارير للإدارة الأمريكية‪ ،‬ومنها التقرير‬
‫الذي بعثت به م�س�ؤولة �شعبة رعاية امل�صالح الأمريكية يف بغداد اليزابيث‬
‫جونز ‪� Elizabith A Jones‬إىل وزير اخلارجية الأمريكي يف �أغ�سط�س (�آب)‬
‫‪ ،1980‬حيث تعلم وزير اخلارجية ب�أن �سيا�سة �صدام يف التقرب من اجلماهري‬
‫لها فاعلية �إيجابية لدى طبقة الفالحني وامل�سحوقني‪� .‬أما �شيعة العراق‬
‫والأكراد واملثقفني وطبقة املهنيني والفنيني فال يعتقد بوالئهم‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬
‫�أجهزة املخابرات تتحرك بهدوء و�رسية وفاعلية لتجتث جذورهم والتخل�ص‬
‫منهم ومن احتمال قيامهم مبا قد يزعزع كيان �صدام و�سلطته‪.‬‬
‫‪-424-‬‬
‫وذهب التقرير �إىل �أبعد من ذلك ليحذر من احتماالت اخلطر القادم‬
‫من طبقة الع�سكريني وين�صح ب�رضورة اهتمام �صدام بتلك الطبقة مع‬
‫مراقبة ن�شاطها‪� ،‬إ�ضافة �إىل التحذير من خطر حقيقي �آخر هو االغتيال‬
‫بر�صا�صة غادرة �أو بانقالب حتاك خيوطه يف ردهات ودهاليز الق�رص‬
‫اجلمهوري‪.‬‬
‫بعد هذا التحذير يعود التقرير �إىل تطمني الإدارة الأمريكية ب�أن كفاءة‬
‫املخابرات العراقية من جهة‪ ،‬ومقدرة �صدام و�شجاعته كفيلتان بالق�ضاء‬
‫على �أية ثورة �شعبية‪ ،‬خا�صة و�إن �سيا�سة �صدام يف الق�ضاء على خ�صومه قد‬
‫برهنت على قدرة فائقة يف �إزاحة كل من يحتمل �أن يكون م�صدر خطر‬
‫عليه‪ ،‬حتى و�إن كان ذلك اخلطر بعيد االحتمال‪� .‬إن اخلطر احلقيقي‪،‬‬
‫كما يقول التقرير‪ ،‬هو االغتيال الذي حتى و�أن وقع ف�سوف ال ي�ؤدي �إىل‬
‫تبدل جوهري يف �سيا�سة واجتاهات ال�سلطة العراقية احلاكمة)**(‪.‬‬

‫�صدام رئي�ساً للجمهورية‬


‫االثنني ‪ 16‬يوليو (متوز) ‪ .1979‬ال�ساعة تقارب العا�رشة �صباحا‪.‬‬
‫املكان م�سكن خرياهلل طلفاح‪.‬‬
‫املجتمعون �أحمد ح�سن البكر‪� ،‬صدام ح�سني‪ ،‬عدنان خرياهلل‪ ،‬هيثم‬
‫االبن الأكرب للبكر وخرياهلل طلفاح‪.‬‬
‫ح�رض البكر وهيثم بدعوة من طلفاح لبحث �أمر هام‪ :‬ا�ستقالة البكر‬
‫وتنحيه عن جميع منا�صبه و�إحالل �صدام ح�سني حمله يف تلك املنا�صب‪.‬‬
‫اعرت�ض البكر على هذه الطريقة يف التعامل‪ .‬ومل يوافق على ما‬
‫(**) ‪ -‬الوئيقة الأمريكية رقم ‪ ADP–48–R090825Z‬امل�ؤرخة يف ‪� 7‬آب ‪1980‬‬
‫واملر�سلة من بغداد �إىل وزارة اخلارجية الأمريكية‪.‬‬

‫‪-425-‬‬
‫اقرتحه �صدام وعدنان خرياهلل ابن خال �صدام و�شقيق زوجته وزوج‬
‫ابنة البكر‪.‬‬
‫ت�أزم املوقف و�سحب هيثم م�سد�سه و�أطلق ر�صا�صة واحدة �أ�صابت‬
‫عدنان خرياهلل بخد�ش ب�سيط يف يده‪.‬‬
‫تدخل طلفاح لتهدئة احلالة‪ .‬بقي البكر راف�ضا اال�ستقالة‪ ،‬لكنه ر�ضخ‬
‫�أخريا بعدما �أفهمه �صدام �أنه مل يعد ميتلك �أي �سند �أو �شفيع ال يف اجلي�ش‬
‫وال يف �أجهزة املخابرات وال حتى يف احلر�س اجلمهوري‪.‬‬
‫كل تلك الأجهزة والت�شكيالت قد �أفرغت من م�ؤيدي البكر‬
‫و�أعوانه‪.‬‬
‫قبل البكر ووقع على خطاب كان قد �أعد له ليذيعه �شخ�صيا يف‬
‫ال�ساعة الثامنة م�ساء اليوم نف�سه من �إذاعة وتلفزيون بغداد‪.‬‬
‫يف ع�رص ذلك اليوم‪ ،‬عقدت القيادة القطرية وجمل�س قيادة الثورة‬
‫اجتماعا ملناق�شة «رغبة» البكر يف التنازل عن منا�صبه ل�صدام‪ .‬مل يكن‬
‫�أع�ضاء القيادة على علم م�سبق مبا جرى يف �صباح ذلك اليوم يف م�سكن‬
‫طلفاح لذلك انربى بع�ضهم يدافع عن البكر‪ ،‬الأب القائد‪ ،‬حمبذا‬
‫ا�ستمراره يف حتمل امل�س�ؤولية ولو حلني االنتهاء من مرا�سيم وخطوات‬
‫�إعالن الوحدة االحتادية بني �سوريا والعراق‪ .‬كل ذلك والبكر ي�ستمع‬
‫و�صدام منهمك يف تدوين مالحظاته عن الرفاق املتحم�سني لبقاء‬
‫البكر‪.‬‬
‫مل ت�شفع تو�سالت �أع�ضاء القيادة للبكر الذي بقي م�رصا على رغبته‬
‫الأكيدة يف �رضورة اعتالء �صدام‪ ،‬االبن البار‪ ،‬من�صب رئي�س جمل�س‬
‫قيادة الثورة ورئي�س اجلمهورية ورئي�س الوزراء والقائد العام للقوات‬
‫‪-426-‬‬
‫امل�سلحة‪� ،‬أمني �رس القيادة القطرية ونائب �أمني �رس القيادة القومية حلزب‬
‫البعث‪.‬‬
‫وهكذا كان‪ ،‬تنازل البكر‪ .‬وقبل �صدام ا�ستالم دفة احلكم وحتمل‬
‫كامل امل�س�ؤولية يف الدفاع عن العراق و�شعب العراق وثروات العراق‬
‫وم�ستقبل العراق‪ .‬وانتهى االجتماع‪.‬‬
‫تعانق البكر و�صدام وغادرا قاعة االجتماع يف الطابق الثاين من‬
‫مبنى الق�رص اجلمهوري‪ .‬توجه �صدام �إىل مكتبه يف مبنى املجل�س الوطني‬
‫وبيده الوريقات التي دون فيها مالحظاته‪.‬‬
‫مالحظات عن كل ع�ضو يف القيادة حتم�س لبقاء البكر يف منا�صبه‪.‬‬
‫كان عدنان احلمداين �أكرث املتحم�سني للبكر واملدافعني عنه بالرغم‬
‫من ال�صداقة املتينة التي تربطه ب�صدام‪ .‬غامن عبد اجلليل مل يقل حما�سة‬
‫ودفاعا عن احلمداين‪ .‬بكى حممد حمجوب وحممد عاي�ش بكاء طويال‬
‫لإ�رصار الأب القائد على تنازله‪� .‬أما بقية �أع�ضاء القيادة فقد اكتفوا بكيل‬
‫املديح للبكر متمنني له موفور ال�صحة وال�سعادة يف حياته املقبلة‪.‬‬
‫يف ال�ساعة الثامنة من م�ساء ذلك اليوم‪� ،‬أذاع البكر خطابه الأخري‬
‫من �إذاعة وتلفزيون بغداد و�أعلن ا�ستقالته لأ�سباب �صحية‪ .‬م�ؤكدا ب�أنه‬
‫طوال حياته كان م�ستعدا لتحمل امل�س�ؤوليات التي كلفته القيادة بها‪.‬‬
‫غري �أن الفرتة الأخرية من حكمه قد رافقتها �أزمات مر�ضية متالحقة‬
‫جعلته غري قادر على مزاولة العمل اليومي للمنا�صب التي كان يحتلها‬
‫مما حدا به �إىل تكليف �صدام ح�سني بها‪ .‬وا�ستمر البكر خماطبا اجلمهور‬
‫العراقي ب�أنه �أ�رص على القيادة وعلى «الرفيق» �صدام لقبول ا�ستقالته‪.‬‬
‫و�صدرت �سل�سلة من القرارات عن جمل�س قيادة الثورة �أهمها قبول‬
‫‪-427-‬‬
‫ا�ستقالة البكر وتعيني �صدام بدال منه طبقا للمادة التا�سعة من الد�ستور‬
‫امل�ؤقت‪ ،‬وتعيني عزت �إبراهيم الدوري نائبا لرئي�س جمل�س قيادة الثورة‬
‫و�إعفائه من من�صب وزير الداخلية‪ .‬تعيني �سعدون �شاكر وزيرا للداخلية‬
‫و�إعفائه من من�صب رئي�س جهاز املخابرات العامة‪ .‬ا�ستحداث وزارة‬
‫جديدة با�سم وزارة احلكم املحلي‪ .‬ا�ستحداث خم�سة منا�صب بعنوان‬
‫نائب رئي�س ال��وزراء ومن�صب �آخر هو نائب القائد العام للقوات‬
‫امل�سلحة‪.‬‬

‫حكومة �صدام الأوىل‬


‫�صدام ح�سني‬ ‫رئي�س اجلمهورية ورئي�س الوزراء‬
‫طه يا�سني رم�ضان اجلزراوي‬ ‫نائب �أول لرئي�س الوزراء‬
‫نعيم حداد‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬
‫طارق عزيز‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬
‫�سعدون غيدان‬ ‫نائب رئي�س الوزراء وزير املوا�صالت‬
‫نائب رئي�س ال��وزراء ورئي�س ديوان عدنان ح�سني احلمداين‬
‫رئا�سة اجلمهورية‬
‫عدنان خرياهلل‬ ‫نائب رئي�س الوزراء وزير الدفاع‬
‫الدكتور �سعدون حمادي‬ ‫وزير اخلارجية‬
‫حممد حمجوب الدوري‬ ‫وزير الرتبية‬
‫الدكتور منذر �إبراهيم ال�شاوي‬ ‫وزير العدل‬
‫ثامر رزوقي‬ ‫وزير املالية‬
‫حممد ف�ضل احلبوبي‬ ‫وزير الأ�شغال والإ�سكان‬

‫‪-428-‬‬
‫الدكتور طه �إبراهيم العبداهلل‬ ‫وزير التخطيط‬
‫الدكتور ريا�ض �إبراهيم ح�سني‬ ‫وزير ال�صحة‬
‫طاهر توفيق العاين‬ ‫وزير ال�صناعة‬
‫ع�صام عبد علي‬ ‫وزير التعليم العايل والبحث العلمي‬
‫تايه عبد الكرمي‬ ‫وزير النفط‬
‫ح�سن علي العامري‬ ‫وزير التجارة‬
‫كرمي حممود ح�سني‬ ‫وزير ال�شباب‬
‫عامر مهدي‬ ‫وزير الزراعة والإ�صالح الزراعي‬
‫حامد علوان اجلبوري‬ ‫وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية‬
‫لطيف ن�صيف جا�سم‬ ‫وزير الثقافة والإعالم‬
‫عبد الوهاب حممود عبد اهلل‬ ‫وزير الري‬
‫بكر حممود ر�سول‬ ‫وزير العمل وال�ش�ؤون االجتماعية‬
‫الدكتور �أحمد عبد ال�ستار اجلواري‬ ‫وزير الأوقاف‬
‫خالد عبد عثمان‬ ‫وزير الدولة ل�ش�ؤون احلكم الذاتي‬
‫ها�شم ح�سن‬ ‫وزير الدولة‬
‫عبيد اهلل م�صطفى البارزاين‬ ‫وزير الدولة‬
‫عبد اهلل �إ�سماعيل �أحمد‬ ‫وزير الدولة‬
‫عزيز ر�شيد‬ ‫وزير الدولة‬
‫عبد الفتاح حممد �أمني‬ ‫وزير الدولة ل�ش�ؤون احلكم املحلي‬
‫�سعدون �شاكر‬ ‫وزير الداخلية‬

‫‪-429-‬‬
‫يف اليوم التايل‪ 17 ،‬يوليو (متوز)‪ ،‬وجه �صدام ح�سني خطابا �إىل‬
‫ال�شعب العراقي م�ؤكدا على �أنه ملتزم مببد�أ القيادة اجلماعية �ضمن �إطار‬
‫حزب البعث والدولة‪ ،‬و�إنه �سوف ال يطلب من �أع�ضاء القيادة �أو من �أي‬
‫مواطن عراقي �أن يقوم ب�أي عمل ال ي�ستطيع هو القيام به و�إنه �سيكون‬
‫واحدا من منا�ضلي احلزب ولي�س املنا�ضل الوحيد‪ ،‬و�إنه �سيحارب‬
‫الظلم والقهر ولن ي�سمح �أبدا بالظلم �أو حماوالت �سحق العدالة �أو �إهدار‬
‫حقوق املواطنني �أو �إهانتهم‪.‬‬
‫خطاب جميل وكلمات �أجمل‪ ،‬تناثرت يف �سماء العراق م�ساء‬
‫ال�سابع ع�رش من يوليو (متوز) ‪ .1979‬ا�ستمع �إليها املواطن العراقي‬
‫وا�ستمعنا �إليها نحن الذين عملوا مع �صدام ح�سني‪ .‬والأمل والفرحة‬
‫تعلوان وجوهنا‪ ،‬م�ستب�رشين بعهد جديد‪ .‬و�شاب متجدد‪ .‬وم�ستقبل‬
‫عراقي باهر مكلل بالعلم والتكنولوجيا املتقدمة واحلريات التي وعدنا‬
‫بها �صدام ]‪.[4‬‬

‫م�ؤامرة القيادة‬
‫حتى ليلة احلادي ع�رش من يوليو (متوز) ‪ ،1979‬كان حمي عبد‬
‫احل�سني امل�شهدي (ال�شمري) ع�ضوا يف جمل�س قيادة الثورة و�أمني �رس‬
‫املجل�س �إىل جانب ع�ضويته يف القطرية حلزب البعث‪.‬‬
‫وقبل �أيام معدودات من ا�ستقالة البكر‪� ،‬صدرت القرارات بف�صل‬
‫امل�شهدي من احلزب‪ .‬ومن جمل�س قيادة الثورة ومن �أمانة �رس املجل�س‬
‫دون ذكر الأ�سباب‪.‬‬
‫يف ال�سابع ع�رش من يوليو (متوز) ‪ ،1979‬ا�ستلم �صدام ال�سلطة‬
‫ب�أكملها‪.‬‬
‫‪-430-‬‬
‫ويف اليوم الثاين والع�رشين يوليو (متوز) يف ذلك العام‪ ،‬دعا �صدام‬
‫كوادر احلزب املتقدمة �إىل اجتماع عاجل يف مبنى املجل�س الوطني‪.‬‬
‫�سارعت الكوادر �إىل قاعة االجتماعات‪ ،‬دون �أن يكون لديها �أدنى‬
‫علم م�سبق ب�سبب تلك الدعوة املفاجئة‪.‬‬
‫اعتلى �صدام املن�صة الرئي�سية وخيم على القاعة وجوم عميق‪.‬‬
‫واعتلى وجوه الرفاق احلا�رضين خوف حاول املتقدمون منهم �إخفاءه‬
‫دون جدوى‪.‬‬
‫بعد برهة ق�صرية �أعلن �صدام عن اكت�شاف م�ؤامرة �ضد النظام‪،‬‬
‫م�ؤامرة �سيتحدث عن تفا�صيلها �أحد املت�آمرين‪ ،‬حمي عبد احل�سني‬
‫امل�شهدي‪ .‬بعد ذلك �سيقر أ� �صدام �أ�سماء املت�آمرين من �أع�ضاء القيادة‬
‫القطرية وكوادر احلزب املتقدمة ف�إن كان �أحدهم حا�رضا االجتماع فما‬
‫عليه �سوى الوقوف ثم ترديد �شعار احلزب‪�« :‬أمة عربية واحدة ذات‬
‫ر�سالة خالدة»‪ .‬بعدها يغادر قاعة االجتماعات‪.‬‬
‫لقد �أخربين قيادي كان حا�رضا ذلك االجتماع الغريب‪ ،‬ب�أنه ما‬
‫انتهى �صدام من قراءة «جدول الأعمال» حتى �أ�صبح اجلميع يف قلق‬
‫�شديد وترقب حمفوف باخلوف من املجهول القادم‪.‬‬
‫وقف امل�شهدي وراء امليكرفون على اجلانب الأمين من من�صة �صدام‬
‫ح�سني‪ .‬وبد أ� ب�رسد تفا�صيل «امل�ؤامرة» الرفاقية من �أوراق مطبوعة‪ .‬فقال‬
‫ب�أنه و�أربعة من �أع�ضاء القيادة كانوا يخططون النقالب ي�ستهدف الإطاحة‬
‫بالنظام‪ .‬املت�آمرون بالإ�ضافة �إليه‪ :‬هم عدنان ح�سن احلمداين (�شيعي) غامن‬
‫عبد اجلليل (�شيعي) حممد عاي�ش (�سني) وحممد حمجوب (�سني)‬
‫وكما قال امل�شهدي (�شيعي) ات�صلوا بدولة عربية (يق�صد �سوريا)‬
‫‪-431-‬‬
‫وا�ستلموا منها املال والتوجيه والوعد ب�إر�سال فرقة ع�سكرية يرتدي‬
‫�إفرادها البزة الع�سكرية العراقية للق�ضاء على �صدام وت�سليم العراق لقمة‬
‫�سائغة �إىل «�أبو �سليمان» �أي حافظ الأ�سد‪.‬‬
‫تلك هي امل�ؤامرة املزعومة‪.‬‬
‫بعد �أن انتهى امل�شهدي من ق��راءة «اعرتافاته» املعدة �سلف ًا‪ .‬بد أ�‬
‫�صدام بالك�شف عن �أ�سماء املت�آمرين‪ .‬وراح احلا�رضون منهم يف القاعة‬
‫يغادرونها الواحد تلو الآخر‪ ،‬لتتلقفهم عنا�رص املخابرات املنتظرة يف‬
‫مدخل القاعة‪.‬‬
‫و�أ�شعل �صدام ح�سني �سيجاره الكوبي‪ ،‬وتناول منديال ليم�سح‬
‫دموعه التي انهالت على وجنتيه‪ .‬ومعه بكى طه اجلزراوي وطارق‬
‫عزيز‪ .‬ثم قرر احلا�رضون منح �صدام كافة ال�صالحيات الالزمة ملعاجلة‬
‫املوقف واجتثاث جذور امل�ؤامرة واملت�آمرين مبا يف ذلك ت�شكيل حمكمة‬
‫خا�صة ملحاكمة «الرفاق» املت�آمرين وتنفيذ الأحكام بهم فورا‪.‬‬
‫يف ‪� 1979/7/29‬أ�صدر جمل�س قيادة الثورة قرارا بت�شكيل حمكمة‬
‫خا�صة ملحاكمة املت�آمرين‪ ،‬وذلك برئا�سة نعيم حداد وع�ضوية �سعدون‬
‫غيدان‪ ،‬تايه عبد الكرمي‪ ،‬ح�سن علي العامري‪� ،‬سعدون �شاكر‪ ،‬حكمت‬
‫�إبراهيم العزاوي وعبد اهلل فا�ضل‪.‬‬
‫ويف يوم ‪� ،1979/8/7‬أذاع راديو بغداد �أن املحكمة قد ابتد�أت‬
‫عقد جل�ساتها اعتبارا من يوم الأربعاء املوافق الأول من �أغ�سط�س (�آب)‬
‫ولغاية ال�سابع من ال�شهر‪ .‬ونظرت «بالتف�صيل» يف حماكمة ‪� 68‬شخ�صا‪.‬‬
‫و�أ�صدرت �أحكامها ب�إعدام ‪ 22‬وب�سجن ‪ 33‬وبرباءة ‪ 13‬متهما‪ .‬و�إن‬
‫�أحكام الإعدام �ستنفذ يوم ‪� 8‬أغ�سط�س (�آب) دون �أن يكون للمتهمني‬
‫حق الدفاع �أو ا�ستئناف الأحكام‪.‬‬
‫‪-432-‬‬
‫ومن �أع�ضاء القيادة القطرية و�أع�ضاء جمل�س قيادة الثورة الذين نفذ‬
‫فيهم حكم الإع��دام‪ :‬حممد عاي�ش‪ ،‬عدنان ح�سني احلمداين‪ ،‬حممد‬
‫حمجوب ال��دوري‪ ،‬غامن عبد اجلليل‪ .‬ومل ت�شفع ملحي عبد احل�سني‬
‫امل�شهدي اعرتافاته ف�أعدم هو الآخر‪.‬‬
‫كما �أعدم قياديون �آخرون يف احلزب واجلي�ش منهم اللواء الركن‬
‫وليد حممود �سريت �آمر القوات امل�س�ؤولة عن حماية بغداد‪ ،‬وبدن فا�ضل‬
‫رئي�س االحتاد العام لنقابات العمال‪ ،‬وخالد عبد عثمان وزير احلكم‬
‫املحلي‪ .‬و�أخرج عبد اخلالق ال�سامرائي من �سجنه االنفرادي يف �أقبية‬
‫املخابرات الذي كان فيه منذ عام ‪ 1973‬ليعدم ويتم بذلك التخل�ص‬
‫من �أحد �أبرز الوجوه املهمة يف حزب البعث‪.‬‬

‫�ستالني العراق‬
‫يف اليوم التايل خرجت ال�صحف العراقية حتمل على �صفحاتها‬
‫الأوىل �صورة كبرية ل�صدام وا�صفة �إياه بالفار�س ال�شجاع‪ ،‬وهي تثني‬
‫على قدرته العظيمة يف ت�صفية احلزب من ب�ؤر الت�آمر واخليانة‪ .‬ولكن‬
‫هذا الو�صف مل مينع جملة «احلوادث» اللبنانية من اعتباره «�ستالني» الذي‬
‫حول احلزب ال�شيوعي �إىل �آلة بيده يوجهها كيفما ي�شاء وي�ستخدمها يف‬
‫القتل ون�رش الرعب متى �شاء‪.‬‬
‫�أن مقاالت املديح والإطراء يف ال�صحف العراقية مل متنع انت�شار‬
‫الإ�شاعات والأقاويل يف �سماء العراق‪ ،‬وداخل �صفوف احلزب �أو‬
‫بني املحللني ال�سيا�سيني والدبلوما�سيني حول الأ�سباب احلقيقية التي‬
‫دفعت �صداما �إىل «اكت�شاف» م�ؤامرة ن�سج خيوطها رفاقه يف القيادة‪.‬‬
‫لقد �أ�شيع‪ ،‬مثال‪ ،‬ب�أن الهدف من اتهام عدنان احلمداين وغامن عبد‬
‫اجلليل بالت�آمر ومن ثم تنفيذ حكم الإعدام بهما‪ ،‬بالرغم من عالقاتهما‬
‫‪-433-‬‬
‫الوطيدة ب�صدام‪ ،‬هو �إعطاء الإ�شارة احلمراء لبقية �أع�ضاء القيادة ب�أن‬
‫�صدام ح�سني هو الرجل الأقوى يف ال�سلطة‪ .‬وعلى اجلميع طاعته دون‬
‫قيد �أو �رشط‪.‬‬
‫وقيل �أي�ض ًا �أن �صداما �أراد التخل�ص من فكرة الوحدة االحتادية بني‬
‫العراق و�سورية‪ .‬ف�رضب القياديني الثالثة‪ :‬احلمداين‪ ،‬عبد اجلليل وعاي�ش‬
‫الذين ت�صدروا املفاو�ضات العراقية‪ – ‬ال�سورية‪ .‬وكانوا �أكرث املتحم�سني‬
‫للإ�رساع ب�إعالن الوحدة‪.‬‬
‫يف هذا اجلو امللبد بغيوم الإ�شاعات والأقاويل‪ ،‬حاول عدد من‬
‫امل�س�ؤولني العرب التو�سط بني �صدام ح�سني وحافظ الأ�سد لدرء‬
‫احتماالت ت�أزم الو�ضع بني العراق و�سورية‪ ،‬يف وقت كان يتطلب‬
‫تعاون البلدين ملقاومة اتفاقية كامب ديفيد بني م�رص و�إ�رسائيل‪ .‬ومن �أجل‬
‫ذلك‪ ،‬بعث الأ�سد ر�سالة خطية �إىل امللك ح�سني حملها نائبه عبد احلليم‬
‫خدام يطلب فيها و�ساطته لدى �صدام وبعث امللك ح�سني بر�سالة خطية‬
‫�إىل �صدام حملها عبد احلميد �رشف‪.‬‬
‫وعندما مل تثمر و�ساطة العاهل الأردين‪ ،‬ات�صل الأ�سد ب�صدام م�ؤكدا‬
‫له ب�أن �سورية مل يكن لها �أي دور يف امل�ؤامرة مقرتحا ت�شكيل جلنة‬
‫عراقية‪� – ‬سورية �أو جلنة حمايدة للتحقيق يف ادعاءات العراق‪.‬‬
‫رف�ض �صدام قبول املقرتح وبقي م�رصا على ر�أيه‪ ،‬موجها بدوره‬
‫ر�سائل �إىل جميع ر�ؤ�ساء الدول العربية با�ستثناء �سوريا وم�رص واليمن‬
‫اجلنوبي‪ ،‬ي�ؤكد فيها قناعاته حول �سورية ودورها املزعوم يف امل�ؤامرة‪.‬‬
‫ومع كل تلك الإ�شاعات والأقاويل حول وجود م�ؤامرات حتاك‬
‫يف الظالم حول �سلطة البعث ف�أن احلقيقة املرة التي ال بد للبعثيني‬
‫بجميع ف�صائلهم و�أجنحتهم �إدراكها هي �أن م�شاكل البعث ميينا وي�سارا‬
‫‪-434-‬‬
‫و�رصاعاته املتتالية على مر ال�سنني �إمنا تنبع من داخل املنظومة البعثية‬
‫عندما ت�ستلم ال�سلطة‪ .‬ففي عام ‪ ،1963‬ا�ستلم البعث ال�سلطة يف العراق‬
‫ويف �سوريا‪ .‬ومل مت�ض �أ�شهر قليلة حتى احتدم ال�رصاع بني جناح علي‬
‫�صالح ال�سعدي وجناح طالب ال�شبيب ثم �سقط الطرفان‪.‬‬
‫وجاء البعث �إىل ال�سلطة مرة ثانية عام ‪ ،1968‬ومل مير �سوى وقت‬
‫ق�صري حتى ت�صارعت الأجنحة بني عما�ش وحردان‪ .‬ثم جاء عام ‪1973‬‬
‫و�إذا بناظم كزار مدير الأمن العام وجمموعته من القيادة القطرية حتاول‬
‫انتزاع احلكم بحجة «ت�صحيح» امل�سرية‪ .‬بعدها جاءت م�ؤامرة القيادة‬
‫عام ‪ 1979‬و�سالت الدماء‪ .‬و�أعدمت جمموعة كبرية من قيادي احلزب‬
‫وكوادره املتقدمة‪.‬‬
‫ويف كل مرة تت�صارع �أجنحة احلزب فيما بينها حول ال�سلطة تربز فئة‬
‫مت�سلطة لتت�سابق يف البكاء والعويل وذرف الدموع حتى �أ�صبح البكاء‬
‫تقليدا ونامو�سا ينتقل من جيل بعثي �إىل جيل بعثي �آخر كلما حدث‬
‫�رصاع على ال�سلطة داخل احلزب‪.‬‬
‫ف�صدام ح�سني بكى عندما حتدث عن م�ؤامرة ‪.1979‬‬
‫طه اجلزراوي وطارق عزيز بكيا لبكاء �صدام �أو فرحا بعدم ورود‬
‫ا�سميهما بني �أ�سماء املت�آمرين‪.‬‬
‫وقبل ه�ؤالء‪ ،‬بكى «القائد امل�ؤ�س�س» مي�شيل عفلق يف امل�ؤمتر القطري‬
‫حلزب البعث يف دم�شق يف دي�سمرب (كانون الأول) ‪ 1965‬عندما بدت‬
‫بوادر اخلالف بني �أع�ضاء امل�ؤمتر‪ .‬ويف فرباير «�شباط» ‪ 1966‬بكى‬
‫عفلق مرة �أخرى عندما طرد من احلزب و�سيطر �صالح جديد وزمرته‬
‫على مقاليد احلكم يف �سورية‪.‬‬
‫ويف نوفمرب (ت�رشين الثاين) ‪ 1970‬بكت قيادة احلزب يف �سورية‬
‫‪-435-‬‬
‫حني �سيطر حافظ الأ�سد على مقاليد احلكم حتت �شعار «احلركة‬
‫الت�صحيحية»‪.‬‬

‫�صدام ح�سني كلمة �أخرية‬


‫حتدثت فيما م�ضى من ال�صفحات عن �صدام ح�سني كما عرفته‬
‫من عام ‪ ،1968‬عندما كان يزاول مهامه من غرفة �صغرية يف الق�رص‬
‫اجلمهوري دون �أن يكون له موقع ر�سمي معلن‪ .‬ثم عرفته عندما �أ�صبح‬
‫نائبا لرئي�س جمل�س قيادة الثورة‪� .‬إال �أن معرفتي به توطدت ب�شكل كبري‬
‫عندما �أ�صبح رئي�سا ملجل�س التخطيط‪ .‬ففي ذلك الوقت مل يكن �صدام‬
‫ح�سني امل�س�ؤول الظامل كما تك�شف فيما بعد‪ .‬وال الزعيم الأوحد‬
‫والفار�س الأجمد كما �أراد �أن يو�صف‪.‬‬
‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كان �صدام يخطط بهدوء وت�أن مل�ستقبله ال�سيا�سي‬
‫وو�ضع يف خدمته �أجهزة املخابرات وم�ؤ�س�سات احلزب لت�صفية مناوئيه‬
‫من جهة‪ ،‬ولبناء قاعدة حكمه املقبل من جهة �أخرى‪.‬‬
‫لقد حر�ص �صدام‪ ،‬خالل الفرتة التي كان فيها �أحمد ح�سن البكر‬
‫رئي�سا ملجل�س قيادة الثورة‪ ،‬على �إظهار القيادة العراقية على �أنها قيادة‬
‫جماعية‪ ،‬ولكن بعد ا�ستالمه من�صب الرئا�سة مل ي�سمح �صدام �إطالقا‬
‫باحتمال وجود خ�صومات يف القيادة �أو اختالف يف وجهات النظر‬
‫حتى و�إن كان االختالف منطقيا �أو �صغريا‪ ،‬كما مل ي�سمح ب�أن يكون‬
‫هنالك �رشيك له يف ال�سلطة‪� ،‬سواء كان ال�رشيك فردا �أو جمموعة‪.‬‬
‫�أبعد من ذلك‪ ،‬حترك �صدام نحو تقلي�ص دور جمل�س قيادة الثورة‬
‫ك�إطار للقيادة اجلماعية‪ ،‬فابتد�أ �أو ًال بعقد جل�سات دورية ملجل�س‬
‫الوزراء ب�صفته رئي�سا للمجل�س‪ .‬ثم اجته �إىل �إعطاء الوزراء �صالحيات‬
‫�أو�سع يف �ش�ؤون وزاراتهم‪� .‬أما اخلطوة الثانية فكانت منح املجل�س‬
‫‪-436-‬‬
‫الوطني الكثري من ال�سلطات الت�رشيعية التي كان يتمتع بها جمل�س قيادة‬
‫الثورة‪ .‬وكانت اخلطوة الثالثة يف خطوات حتجيم جمل�س قيادة الثورة‬
‫هي الرتكيز على ا�ستخدام �سلطات و�صالحيات «رئي�س اجلمهورية»‬
‫بدال من �سلطات و�صالحيات «رئي�س جمل�س قيادة الثورة»‪ .‬وعليه فقد‬
‫تعمد �صدام �إىل الإكثار من �إ�صدار «املرا�سيم اجلمهورية»‪ ،‬و«توجيهات‬
‫ال�سيد الرئي�س» و«�إر�شادات الرئي�س القائد» و«مكرمة الرئي�س»‪ .‬وغري‬
‫ذلك من ال�صفات التي تل�صق بالفرد �أو ت�صدر عنه بدال من �صدورها عن‬
‫قيادة جماعية‪ ،‬و�إن كانت تلك القيادة �شكلية يف م�ضمونها كمجل�س‬
‫قيادة الثورة‪.‬‬
‫�إن درا�سة خاطفة لتقارير امل�ؤمترات القطرية حلزب البعث العراقي‬
‫وللمن�شورات والأدبيات احلزبية التي �صدرت خالل الفرتة من ‪1974‬‬
‫حتى ‪ 1982‬ترينا بو�ضوح كيف �أن �صدام ح�سني قد حول احلزب‬
‫بكامل ك��وادره ومكاتبه والدولة بكامل م�ؤ�س�ساتها و�أجهزتها �إىل‬
‫منظومة واحدة تردد كلمتني فقط‪� :‬صدام ح�سني‪.‬‬
‫بداية الطريق‪ ،‬يف بناء �رصح عبادة الفرد كانت امل�ؤمتر القطري الثامن‬
‫عام ‪.1974‬‬
‫هناك مل يذكر ا�سم «الرفيق» �صدام ح�سني �إال مرة واحدة حتت‬
‫�صورته التي ت�صدرت ال�صفحة الثانية من التقرير امل�ؤمتر‪ .‬بعد �صورة‬
‫«الرفيق» �أحمد ح�سن البكر‪.‬‬
‫ونهاية الطريق‪ ،‬يف �إكمال بناء �رصح عبادة الفرد‪ ،‬كان امل�ؤمتر القطري‬
‫التا�سع عام ‪ .1982‬حيث ورد �أ�سم �صدام ح�سني يف تقرير امل�ؤمتر الذي‬
‫يقع يف ‪� 366‬صفحة �أكرث من �ألف مرة‪.‬‬
‫يف هذا امل�ؤمتر قال �صدام‪« :‬علينا �أن نقي�س �إخال�ص وكفاءة‬
‫‪-437-‬‬
‫احلزبيني‪ ..‬على �أ�سا�س تناق�ص �أعداء الثورة واحلزب‪� ..‬إنني م�ؤمن ب�أن‬
‫الإن�سان ي�ستطيع �أن يفعل كل �شيء مما هو لي�س من واجبات الإله‪.‬‬
‫وقال امل�ؤمترون يف �صدام كل عبارات التمجيد والتعظيم و�أ�سبغوا‬
‫عليه ال�صفات املقرتنة بالفرو�سية والبطولة و�أ�سبغوا عليه �ألقابا مل متنح‬
‫لأية �شخ�صية يف التاريخ‪.‬‬
‫ون�سي امل�ؤمترون مبادئ احل��زب التي تغنوا بها �سنوات طويلة‬
‫وحولوها �إىل كلمات �أنا�شيد و�أغاين بطلها �صدام‪.‬‬
‫ويعك�س التقرير ال�سيا�سي لذلك امل�ؤمتر هزالة العقائديني و�ضحالة‬
‫تفكريهم‪ ،‬كما يعك�س حجم الرعب الذي يعي�شه ع�ضو احلزب‪.‬‬
‫يقول التقرير يف �صدام ب�أنه كان القائد الأول يف حتقيق الثورة ويف‬
‫احلفاظ عليها‪ ،‬من خالل عمله‪ ،‬ومن خلف ال�ستار‪ ،‬يف �إطار م�ؤ�س�سة‬
‫ال يعرف �سوى عدد قليل ا�سمها �أو م�ستواها يف الدولة‪ ،‬وهي «مكتب‬
‫العالقات العامة» وذلك لإجراء «الت�صفية ال�شاملة» لأوكار التج�س�س‬
‫والعمالة لل�صهيونية‪ ،‬ولأمريكا‪ ،‬ولربيطانيا‪ ،‬و�إي��ران‪ ،‬وال�شبكات‬
‫املا�سونية‪ ،‬ولل�ضباط املغامرين‪.‬‬
‫وي�صف التقرير �صداما ب�أنه قائد من طراز خا�ص لأنه «ي�ست�أ�صل‬
‫ال�رسطان‪ ،‬لكنه يبقي على اجل�سم حيا»‪ .‬لذلك ف�إنه ا�ستطاع يف يوليو (متوز)‬
‫‪ 1979‬الق�ضاء على �أع�ضاء القيادة الذين �أرادوا تعطيل ت�سلمه امل�س�ؤولية‬
‫الأمامية بدعم من �سوريا و�إي��ران‪ ،‬وجميع القوى الأجنبية والرجعية‪.‬‬
‫(ح�سب زعم التقرير)‪ .‬ويربر التقرير �إعدام �صدام لرفاقه يف القيادة عام‬
‫‪1979‬ب�أن �أولئك مل يكونوا �سوى دخالء على احلزب ومل يكن لهم حق‬
‫يف القيادة‪( .‬ويف هذا ين�سى �صدام ب�أنه هو الذي �أتى به�ؤالء �إىل القيادة)‪.‬‬
‫‪-438-‬‬
‫وتبلغ حماوالت م�سخ التاريخ حدود الالمعقول عندما ينتقل التقرير‬
‫�إىل و�صف �صدام ب�أنه‪:‬‬
‫– وا�ضع ال�سيا�سة النفطية‪.‬‬
‫– املخطط الأول لعملية التنمية ال�شاملة‪.‬‬
‫– وا�ضع ا�سرتاتيجية البحوث النووية وخططها اال�سرتاتيجية‬
‫والتكتيكية‪.‬‬
‫– املخطط الع�سكري للق�ضاء على التمرد يف ال�شمال‪.‬‬
‫– املوجه للفكر والثقافة والأعالم‪.‬‬
‫– هو الذي كان وال يزال ير�سم �سيا�سة احلزب يف امليدان القومي‬
‫والدويل‪.‬‬
‫– هو الذي �صمم كيفية �إدارة العالقات مع الأقطار العربية‪.‬‬
‫– هو الذي ي�ضع اخلطط للأحداث القومية‪.‬‬
‫– هو الذي و�ضع ا�سرتاتيجية عالقات العراق الدولية‪.‬‬
‫– هو الذي كان املحاور الأول مع الزعماء والقادة الأجانب‪.‬‬
‫وال يكتفي التقرير يف و�صف «�إجنازات» �صدام على نطاق القيادة‬
‫القطرية‪ ،‬بل ينتقل ليم�سخ �أي�ضا دور القيادة القومية للحزب‪� ،‬إذا كان‬
‫لها دور حقيقي‪ ،‬فيقول‪« :‬لأول مرة يف تاريخ احلزب و�ضع (�صدام)‬
‫بدقة وب�أ�سلوب خالق ومتجدد نظرية العمل البعثية يف ميادين ال�سيا�سة‬
‫واالقت�صاد واالجتماع والتنظيم»‪.‬‬
‫وتر�سيخ ًا لالجتاه الفردي وعبادة ال�شخ�صية‪ ،‬فقد �أكد التقرير �إن‬
‫جميع املنجزات‪� ،‬إن وجدت‪� ،‬إمنا هي من �صنع �صدام‪ .‬ولكنه كان‬
‫يف ال�سابق ين�سبها �إىل «الرفيق» الذي يحتل ر�سميا املوقع الأمامي‪.‬‬
‫(ويق�صد التقرير بذلك �أحمد ح�سن البكر) �أو �إىل القيادة اجلماعية‪،‬‬
‫ناكرا ذاته»‪.‬‬
‫‪-439-‬‬
‫ويغرق امل�ؤمترون يف اخلوف والرعب‪ ،‬في�صفون �صداما بال�شخ�ص‬
‫الذي �صار مع الزمن «ال�رضورة الوطنية» لأنه هو القائد الذي انتظره‬
‫العراقيون مئات ال�سنني‪ .‬و�إن العراق بوالدة هذا القائد ال�رضورة‪ ،‬قد‬
‫ولد والدة جديدة!‬
‫هذا هو �صدام ح�سني كما يراه العقائديون! لكنهم ال يذكرون كيف‬
‫�أن �صدام ًا وبدون �أي مربر �أو منطق قد امتهن كرامة العراق و�سحق‬
‫املواطن العراقي فجعله مزدوج ال�شخ�صية غري قادر على التحرر من‬
‫اخل��وف‪ ،‬وح��ارب الفكر بـ‪« ‬القرباج»‪ ،‬والقلم بال�سيف‪ ،‬وال��ر�أي‬
‫باالعتقال‪ ،‬والعدل بالع�ضالت‪ ،‬و�ألغى حلقات التاريخ بحيث �أ�صبح‬
‫بطل الأم�س خائنا ومفكر اليوم جاهال‪.‬‬
‫ل�ست �أدري كيف �سيواجه �صدام نف�سه‪ ،‬وهو يقف �أمام مر�آة التاريخ‬
‫فريى ما جره من ويالت على العراق‪ .‬هذا البلد الغني ب�أر�ضه ومائه‬
‫ونفطه وب�رشه‪.‬‬
‫هل �سيتذكر �صدام الذين �سقطوا �رصعى ر�صا�ص غدره؟‬
‫هل �سيتذكر املليون من �شباب العراق ممن لقوا حتفهم ب�سبب حروبه‬
‫ومغامراته الع�سكرية؟‬
‫هل �سيتذكر؟ وهل �سيندم؟‬
‫ال �أعتقد ذلك‪ ..‬ولكنه �سي�سمع �صوت القادم من بعيد ليقول له‬
‫ولزمرته‪:‬‬
‫فال �سود مواقعكم‬
‫والح حمر موا�ضيكم‬
‫‪-440-‬‬
‫وال خ�رض مرابعكم‬
‫وال بي�ض لياليكم‬
‫�أال تبت �أياديكم‬

‫]‪– [1‬هذا ال�صديق �أ�صبح من املدافعني عن �صدام ونظامه‪ ،‬وانتقل اىل احدى العوا�صم‬
‫العربية ال�رشق �أو�سطية يدير منها م�ؤ�س�سة للدرا�سات القومية ممولة من العراق‪.‬‬

‫]‪– [2‬بعد ت�سلم �صدام رئا�سة جمل�س قيادة الثورة عام ‪� ،1979‬سجن جعفر الذهب مع‬
‫جمموعة كبرية من احلزبيني يف اعقاب ما عرف مب�ؤامرة القيادة ومل ت�شفع له �صداقته‬
‫احلميمة ل�صدام‪ .‬بل قد تكون تلك ال�صداقة هي ال�سبب يف �سجنه‪.‬‬

‫]‪– [3‬كان طاهر �أحمد �أمني معاونا ملدير املخابرات‪ .‬بعد ذلك نقل �إىل وظيفة مدير‬
‫عام م�صلحة امل�صايف وال�سياحة‪ .‬ويف عام ‪ 1979‬نفذ فيه حكم الإعدام مع‬
‫املجموعة التي اتهمت بالت�آمر على �صدام ح�سني مع �سورية‪.‬‬

‫]‪– [4‬يف �أكتوبر (ت�رشين الأول) ‪ ،1979‬وبعد ت�صفية بع�ض �أع�ضاء القيادة القطرية‬
‫جرى تعديل وزاري على النحو التايل‪:‬‬
‫‪� – 1‬إعفاء عدنان ح�سني احلمداين من من�صب نائب رئي�س الوزراء ورئي�س‬
‫ديوان رئا�سة اجلمهورية‪ ،‬لتنفيذ حكم الإعدام به‪.‬‬
‫‪� – 2‬إعفاء حممد حمجوب الدوري من من�صب وزير الرتبية لتنفيذ حكم الإعدام‬
‫به‪ ،‬وعني بدال منه عبد اجلبار عبد املجيد‪.‬‬
‫‪� – 3‬إعفاء الدكتور �أحمد عبد ال�ستار اجلواري من من�صب وزير الأوقاف‬
‫وعني بدال منه نوري في�صل ال�شاهر‪ ،‬كما ا�ستبدل ا�سم الوزارة لت�صبح وزارة‬
‫الأوقاف وال�ش�ؤون الدينية‪.‬‬

‫‪-441-‬‬
‫خال�صة جداول امللحق رقم –‪– 1‬‬
‫م�سلمو العراق بني املكون ال�شيعي واملكون ال�سني‬

‫جمموع العرب‬
‫جمموع ال�سكان‬ ‫ال�سنة العرب‬ ‫ال�شيعة العرب‬ ‫ال�سنة‬
‫امل�سلمون‬
‫‪4,564,000‬‬ ‫‪3,244,000‬‬ ‫‪9,00,000‬‬ ‫‪2,344,000‬‬ ‫‪1947‬‬
‫‪6,339,960‬‬ ‫‪4,507,711‬‬ ‫‪1,248,972‬‬ ‫‪3,258,739‬‬ ‫‪1957‬‬
‫‪17,518,000‬‬ ‫‪12,455,298‬‬ ‫‪3,451,046‬‬ ‫‪9,004,252‬‬ ‫‪1990‬‬
‫‪20,363,000‬‬ ‫‪14,458,093‬‬ ‫‪4,011,511‬‬ ‫‪10,446,582‬‬ ‫‪1995‬‬
‫‪23,801,000‬‬ ‫‪16,922,511‬‬ ‫‪4,688,797‬‬ ‫‪12,233,714‬‬ ‫‪2000‬‬
‫‪27,801,000‬‬ ‫‪19,465,047‬‬ ‫‪5,393,269‬‬ ‫‪14,071,778‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪30,962,000‬‬ ‫‪22,013,982‬‬ ‫‪6,099,514‬‬ ‫‪15,914,468‬‬ ‫‪2010‬‬
‫‪35,767,000‬‬ ‫‪25,430,337‬‬ ‫‪7,046,099‬‬ ‫‪18,384,238‬‬ ‫‪2015‬‬

‫• ملزيد من التفا�صيل حول كيفية احت�ساب عدد املكون ال�شيعي‬


‫وعدد املكون ال�سني ون�سبة كل مكون �إىل املجموع‪ ،‬يرجى الرجوع‬
‫�إىل اجلداول التي تلي هذا اجلدول‪.‬‬

‫‪-443-‬‬
‫امللحق رقم –‪– 1‬‬
‫�إح�صاءات ال�سكان يف العراق وتوزيعهم املذهبي واالثني‬

‫للأعوام‪ 1947 :‬و‪ 1957‬و‪ 1990‬و‪ 1995‬و‪ 2000‬و‪2005‬‬


‫و‪ 2010‬و‪2015‬‬
‫‪ – 1‬يحاول هذا امللحق‪ ،‬بجداوله الإح�صائية املتعددة توزيع �سكان‬
‫العراق اثني ًا (عرب و�أك��راد و�أقليات �أخرى) ومذهبي ًا (�شيعة و�سنة‬
‫و�أقليات غري الإ�سالم)‪.‬‬
‫‪– 2‬يف التوزيع املذهبي واالثني يعتمد الكتاب على الن�سب املئوية‬
‫احلقيقية امل�ستنبطة من الإح�صاء ال�سكاين لعام ‪ 1947‬والإح�صاء‬
‫ال�سكاين لعام ‪ 1957‬لأنهما الإح�صاءين الذين يق�سمان العراق بني‬
‫م�سلمني وم�سيحيني وعرب و�أكراد وتركمان ويهود و�أقليات �أخرى‪.‬‬
‫وجتدر الإ�شارة �إىل �أن �إح�صاء ال�سكان لعام ‪ 1947‬يبني �أي�ض ًا التوزيع‬
‫املذهبي لل�شيعة وال�سنة العرب والأكراد والرتكمان‪...‬الخ‪� .‬إح�صاء عام‬
‫‪ 1947‬يعطينا الن�سب املئوية التالية لكل مكون من املجموع الكلي‬
‫لل�سكان‪:‬‬
‫‪%93.3‬‬ ‫ ‬ ‫• جميع امل�سلمني‬
‫‪%6.7‬‬ ‫ ‬
‫• �أقليات غري الإ�سالم‬

‫‪%100‬‬ ‫ ‬
‫‪-445-‬‬
‫‪%71.1‬‬ ‫ ‬
‫• العرب امل�سلمون‬
‫• امل�سلمون من غري العرب (�أي �أكراد وتركمان‪%22.2 )...‬‬
‫‪%51.4‬‬ ‫ ‬‫• ال�شيعة العرب‬
‫‪%19.7‬‬ ‫• ال�سنة العرب ‬
‫‪%19.0‬‬ ‫ ‬
‫• الكرد (�سنة ‪ %18.4‬و�شيعة ‪)%0.6‬‬
‫‪%02.‬‬ ‫ ‬
‫• الرتكمان (�سنة ‪ %1.1‬و�شيعة ‪)%0.9‬‬
‫‪%1.2‬‬ ‫• �شيعة �آخرون ‬
‫الذي يهمنا هنا هو بيان التوزيع الديني واملذهبي بني امل�سلمني‬
‫العرب ملعرفة العدد الفعلي ل�سكان العراق العرب من املكونني ال�سني‬
‫وال�شيعي‪.‬‬
‫‪ – 3‬الإح�صاء ال�سكاين لعام ‪ ،1957‬الذي يعترب ثاين �إح�صاء ر�سمي‬
‫يف العراق‪ ،‬يعطينا الن�سب املئوية التالية من جمموع ال�سكان‪:‬‬
‫‪%95.5‬‬ ‫ ‬ ‫• امل�سلمون‬
‫‪%4.5‬‬ ‫ ‬
‫• �أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪ – 4‬وكالة املخابرات املركزية الأمريكية (‪ )C.I.A‬تن�رش �سنوي ًا‬
‫�إح�صاءات تف�صيلية عن جميع �أقطار العامل‪ .‬العراق من �ضمن هذه‬
‫الأقطار‪ .‬تن�رش املعلومات على �صفحة االنرتنت حتت عنوان ‪The‬‬
‫‪ .(*) World Fact Book‬الن�سبة املئوية للتوزيع ال�سكاين ح�سب‬
‫تقديرات الوكالة هي‪:‬‬
‫‪%98‬‬ ‫ ‬
‫• امل�سلمون‬
‫‪www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/index.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫(* )‬
‫‪html‬‬

‫‪-446-‬‬
‫‪%2‬‬ ‫ ‬
‫• �أقليات غري الإٍ�سالم‬

‫‪%100‬‬ ‫ ‬
‫‪%65 – %60‬‬ ‫ ‬ ‫• ال�شيعة‬
‫• ال�سنة (مبا يف ذلك الأكراد والرتكمان)‪%37 – %32‬‬
‫‪%20 – %15‬‬ ‫ ‬ ‫• الأكراد‬
‫‪%5‬‬ ‫ ‬ ‫• الرتكمان‬
‫‪%2‬‬ ‫ ‬ ‫• �أقليات غري �إ�سالمية‬
‫‪ – 5‬من �أجل احت�ساب ن�سبة ال�سنة العرب �إىل جمموع ال�سكان‪ ،‬يف‬
‫حالة ا�ستخدام الن�سبة املعطاة يف تقديرات وكالة املخابرات املركزية‬
‫جلميع املكون ال�سني العراقي والتي هي ‪ %37‬ك�أعلى ن�سبة و‪%32‬‬
‫ك�أوط أ� ن�سبة‪ ،‬ال بد من تطبيق املعادلة التالية‪:‬‬
‫• ن�سبة املكون ال�سني ملجموع �سكان العراق ‪%32 – %37‬‬
‫‪%15 – %20‬‬ ‫• ناق�ص ًا ن�سبة املكون الكردي‬
‫ ‬
‫‪%5 – %5‬‬ ‫• ناق�ص ًا ن�سبة الرتكمان ‬
‫‪%2 – %2‬‬ ‫ ‬‫• ناق�ص ًا �أقليات غري الإ�سالم‬
‫�صايف الن�سبة املئوية التي متثل ال�سنة العرب ‪ %10 – %10‬وفق‬
‫تقديرات الـ‪C.I.A ‬‬

‫‪ – 6‬وحتى لو �أخذنا احلد الأعلى (‪ )%37‬وطرحنا منه احلدود الدنيا‬


‫للأكراد (‪ )%15‬والرتكمان (‪ )%5‬والأقليات غري الإ�سالم (‪ )%2‬فيبقى‬
‫لدينا ن�سبة ‪ %15‬فقط لتمثل ن�سبة ال�سنة العرب من املجموع الكلي‬
‫لل�سكان‪ ،‬وهي ن�سبة تقل كثرياً عن الن�سبة املئوية (‪ )%19.7‬امل�ستخرجة‬
‫من الإح�صاء ال�سكاين لعام ‪.1947‬‬
‫‪-447-‬‬
‫وعليه ف�إننا �سوف نهمل هذه الن�سب الواطئة ونعتمد على الن�سب‬
‫امل�ستخرجة من �إح�صاء عام ‪.1947‬‬
‫‪ – 7‬وبقدر تعلق الأمر بالتقديرات ال�سكانية امل�ستخدمة يف هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬فهي كما يلي‪:‬‬
‫• الإح�صاء ال�سكاين الفعلي لعام ‪1945‬‬
‫• الإح�صاء ال�سكاين الفعلي لعام ‪1957‬‬
‫• الإح�صاء ال�سكاين ح�سب تقديرات الأمم املتحدة)**( للأعوام‬
‫‪ 1990‬و‪ 1995‬و‪ 2000‬و‪ 2005‬و‪ 2010‬و‪.2015‬‬

‫(**) ‪ -‬تقديرات الأمم املتحدة �أكرث دقة وحيادية‪ .‬راجع يف ذلك‪:‬‬


‫‪United Nations, World Population Prospect (The 2012 Revision).‬‬
‫‪http://esa.un.org/wpp/unpp/panel_indicators.htm‬‬

‫‪-448-‬‬
‫–‪ –A‬جدول‬

‫الإح�صاء ال�سكاين الر�سمي لعام ‪1947‬‬

‫الن�سبة املئوية‬
‫العدد‬ ‫املكون‬
‫�إىل املجموع‬
‫‪51.4‬‬ ‫‪2,344,000‬‬ ‫امل�سلمون‬ ‫‪ –1‬ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7‬‬ ‫‪900,000‬‬ ‫العرب‬ ‫‪ –2‬ال�سنة العرب‬
‫‪18.4‬‬ ‫‪840,000‬‬ ‫امل�سلمون‬ ‫‪ –3‬الكرد – ال�سنة‬
‫‪0.6‬‬ ‫‪30,000‬‬ ‫الكرد‬ ‫‪ –4‬الكرد – ال�شيعة‬
‫‪1.1‬‬ ‫‪50,000‬‬ ‫امل�سلمون‬ ‫‪ –5‬الرتكمان ال�سنة‬
‫‪1.0‬‬ ‫‪42,000‬‬
‫(***)‬
‫الرتكمان‬ ‫‪ –6‬الرتكمان ال�شيعة‬
‫‪1.1‬‬ ‫‪52,000‬‬ ‫‪� –7‬أقليات �شيعية �أخرى‬
‫‪6.7‬‬ ‫‪306,000‬‬ ‫‪� –8‬أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪100‬‬ ‫‪4,564,000‬‬ ‫املجموع الكلي لل�سكان عام ‪1947‬‬

‫‪3,244,000‬‬ ‫جمموع امل�سلمون العرب (‪)2+1‬‬


‫‪72.3 2,344,000‬‬ ‫ن�سبة ال�شيعة العرب �إىل جمموع امل�سلمني العرب‬
‫‪27.7‬‬ ‫‪900,000‬‬ ‫ن�سبة ال�سنة العرب �إىل جمموع امل�سلمني العرب‬

‫)***(‬
‫مالحظة‪ :‬الأقليات غري الإ�سالم هي كما يلي‪:‬‬
‫(***) ‪ -‬الن�سبة املئوية للأكراد هي جلميع الأك��راد يف العراق ولي�س يف �إقليم‬
‫كرد�ستان فقط‪.‬‬

‫‪-449-‬‬
‫‪149,000‬‬ ‫امل�سيحيون‬
‫‪117,000‬‬ ‫اليهود‬
‫‪40,000‬‬ ‫يزيديون و�صابئة و�شبك‪...‬الخ‬
‫‪306,000‬‬ ‫املجموع‬

‫‪-450-‬‬
‫–‪ –B‬جدول‬
‫)****(‬
‫الإح�صاء ال�سكاين الر�سمي لعام ‪1957‬‬
‫الن�سبة املئوية �إىل‬
‫العدد‬ ‫املكون‬
‫املجموع الكلي‬
‫امل�سلمون (عرب و�أكراد وتركمان‪...‬الخ) ‪95.5 6,057,493‬‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪282,467‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪100 6,339,960‬‬ ‫جمموع ال�سكان‬
‫‪51.4 3,258,739‬‬ ‫ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7 1,248,972‬‬ ‫ال�سنة العرب‬
‫‪19.0 1,204,592‬‬ ‫الكرد‬
‫‪5.4‬‬ ‫‪345,190‬‬ ‫(****)‬
‫الرتكمان‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪282,467‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫مالحظة‪ :‬عدد ال�سكان الرتكمان = جمموع ال�سكان ناق�صاً امل�سلمون العرب‬
‫ناق�صاً الكرد ناق�صاً �أقليات غري الإ�سالم‬
‫الأقليات غري الإ�سالم هي‪:‬‬
‫العدد‬ ‫املكون‬
‫‪206,206‬‬ ‫م�سيحيني‬
‫‪4,906‬‬ ‫يهود‬
‫‪11,825‬‬ ‫املندائيني (�صائبة)‬
‫‪55,885‬‬ ‫يزيديني‬
‫‪3,645‬‬ ‫�آخرون‬

‫(****) ‪ -‬عدد ال�سكان الرتكمان = جمموع ال�سكان ناق�ص ًا امل�سلمون العرب‬


‫ناق�ص ًا �أقليات غري الإ�سالم‪.‬‬

‫‪-451-‬‬
‫–‪ –C‬جدول‬
‫التقديرات ال�سكانية لعام ‪ 1990‬و‪1995‬‬
‫الن�سبة املئوية �إىل‬
‫العدد‬ ‫املكون‬
‫املجموع الكلي‬
‫‪17,518,000‬‬ ‫جمموع ال�سكان �سنة ‪1990‬‬
‫‪51.4‬‬ ‫‪9,004,252‬‬ ‫ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7‬‬ ‫‪3,451,046‬‬ ‫ال�سنة العرب‬

‫‪1990‬‬
‫‪19.0‬‬ ‫‪3,328,420‬‬ ‫الكرد‬
‫‪5.4‬‬ ‫‪945,972‬‬ ‫الرتكمان‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪788,310‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪%100‬‬ ‫‪17,518,000‬‬ ‫املجموع‬
‫‪20,363,000‬‬ ‫جمموع ال�سكان �سنة ‪1995‬‬
‫‪51.4‬‬ ‫‪10,466,582‬‬ ‫ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7‬‬ ‫‪4,011,511‬‬ ‫ال�سنة العرب‬
‫‪1995‬‬

‫‪19.0‬‬ ‫‪3,868,970‬‬ ‫الكرد‬


‫‪5.4‬‬ ‫‪1,099,602‬‬ ‫الرتكمان‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪916,333‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪%100‬‬ ‫‪20,363,000‬‬ ‫املجموع‬

‫‪-452-‬‬
‫–‪ –D‬جدول‬
‫التقديرات ال�سكانية لعام ‪ 2000‬وعام ‪2005‬‬

‫الن�سبة املئوية �إىل‬


‫العدد‬ ‫املكون‬
‫املجموع الكلي‬
‫جمموع ال�سكان �سنة ‪23,801,000 2000‬‬
‫‪51.4‬‬ ‫‪12,233,714‬‬ ‫ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7‬‬ ‫‪4,688,797‬‬ ‫ال�سنة العرب‬

‫‪2000‬‬
‫‪19.0‬‬ ‫‪4,522,190‬‬ ‫الكرد‬
‫‪5,4‬‬ ‫‪1,285,254‬‬ ‫الرتكمان‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪1,071,045‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪%100 23,801,000‬‬ ‫املجموع‬
‫جمموع ال�سكان �سنة ‪27,377,000 2005‬‬
‫‪51.4‬‬ ‫‪14,071,778‬‬ ‫ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7‬‬ ‫‪5,393,269‬‬ ‫ال�سنة العرب‬
‫‪2005‬‬

‫‪19.0‬‬ ‫‪5,201,630‬‬ ‫الكرد‬


‫‪5.4‬‬ ‫‪1,478,358‬‬ ‫الرتكمان‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪1,231,965‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪%100 27,801,000‬‬ ‫املجموع‬

‫‪-453-‬‬
‫–‪ –E‬جدول‬
‫التقديرات ال�سكانية لعام ‪ 2010‬وعام ‪2015‬‬
‫الن�سبة املئوية �إىل‬
‫العدد‬ ‫املكون‬
‫املجموع الكلي‬
‫جمموع ال�سكان �سنة ‪30,962,000 2010‬‬
‫‪51.4‬‬ ‫‪15,914,468‬‬ ‫ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7‬‬ ‫‪6,099,514‬‬ ‫ال�سنة العرب‬

‫‪2010‬‬
‫‪19.0‬‬ ‫‪5,882,780‬‬ ‫الكرد‬
‫‪5.4‬‬ ‫‪1,671,948‬‬ ‫الرتكمان‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪1,393,290‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪%100 30,962,000‬‬ ‫املجموع‬
‫جمموع ال�سكان �سنة ‪35,767,000 2015‬‬
‫‪51.4‬‬ ‫‪18,384,238‬‬ ‫ال�شيعة العرب‬
‫‪19.7‬‬ ‫‪7,046,099‬‬ ‫ال�سنة العرب‬
‫‪2015‬‬

‫‪19.0‬‬ ‫‪6,795,730‬‬ ‫الكرد‬


‫‪5.4‬‬ ‫‪1,931,418‬‬ ‫الرتكمان‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪1,609,515‬‬ ‫�أقليات غري الإ�سالم‬
‫‪%100‬‬ ‫‪35,767,000‬‬ ‫املجموع‬

‫‪-454-‬‬
‫امللحق رقم –‪– 2‬‬
‫ر�ؤ�ساء الوزارات العراقية‬
‫من ‪ 1920‬لغاية ‪ 9‬ني�سان ‪2003‬‬

‫عدد مرات‬
‫ا�سم الوزير‬ ‫الت�سل�سل‬
‫اال�ستيزار‬
‫�سني‬ ‫‪2‬‬ ‫عبد الرحمن النقيب‬ ‫‪.1‬‬
‫�سني‬ ‫‪4‬‬ ‫عبد املح�سن ال�سعدون‬ ‫‪.2‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪2‬‬ ‫جعفر الع�سكري‬ ‫‪.3‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪2‬‬ ‫يا�سني الها�شمي‬ ‫‪.4‬‬
‫�سني‬ ‫‪3‬‬ ‫توفيق ال�سويدي‬ ‫‪.5‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫ناجي ال�سويدي‬ ‫‪.6‬‬
‫�سني‬ ‫‪8‬‬ ‫نوري ال�سعيد‬ ‫‪.7‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫ناجي �شوكت‬ ‫‪.8‬‬
‫�سني‬ ‫‪3‬‬ ‫ر�شيد عايل الكيالين‬ ‫‪.9‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪5‬‬ ‫جميل املدفعي‬ ‫‪.10‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪3‬‬ ‫علي جودت الأيوبي‬ ‫‪.11‬‬

‫‪-455-‬‬
‫عدد مرات‬
‫ا�سم الوزير‬ ‫الت�سل�سل‬
‫اال�ستيزار‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫حكمت �سامي �سليمان‬ ‫‪.12‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫طه الها�شمي‬ ‫‪.13‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫حمدي الباجة جي‬ ‫‪.14‬‬
‫�سني‬ ‫‪2‬‬ ‫�أر�شد العمري‬ ‫‪.15‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1‬‬ ‫�صالح جرب‬ ‫‪.16‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1‬‬ ‫حممد ال�صدر‬ ‫‪.17‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫مزاحم الباجة جي‬ ‫‪.18‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫م�صطفى العمري‬ ‫‪.19‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫نور الدين حممود‬ ‫‪.20‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1‬‬ ‫د‪ .‬فا�ضل اجلمايل‬ ‫‪.21‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1‬‬ ‫عبد الوهاب مرجان‬ ‫‪.22‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫�أحمد خمتار بابان‬ ‫‪.23‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫عبد الكرمي قا�سم‬ ‫‪.24‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪2‬‬ ‫�أحمد ح�سن البكر‬ ‫‪.25‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫عارف عبد الرزاق‬ ‫‪.26‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫عبد الرحمن البزاز‬ ‫‪.27‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�شيعي‬ ‫‪1‬‬ ‫ناجي طالب‬ ‫‪.28‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫عبد الرحمن عارف‬ ‫‪.29‬‬
‫ع�سكري‬ ‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫عبد الرزاق النايف‬ ‫‪.30‬‬

‫‪-456-‬‬
‫عدد مرات‬
‫ا�سم الوزير‬ ‫الت�سل�سل‬
‫اال�ستيزار‬
‫�سني‬ ‫‪2‬‬ ‫�صدام ح�سني‬ ‫‪.31‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1‬‬ ‫د‪� .‬سعدون حمادي‬ ‫‪.32‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1‬‬ ‫حممد الزبيدي‬ ‫‪.33‬‬
‫�سني‬ ‫‪1‬‬ ‫�أحمد ح�سني ال�سامرائي‬ ‫‪.34‬‬

‫• العهد امللكي من ‪ 14 – 1920‬متوز ‪1958‬‬


‫• العهد اجلمهوري من ‪ 14‬متوز ‪ 1958‬لغاية يوم �سقوط نظام‬
‫ح�سني يف ‪ 9‬ني�سان ‪2003‬‬

‫حتليل �إح�صائي للملحق رقم – ‪– 2‬‬


‫‪ – 1‬خالل الفرتة من ‪ 1920‬ولغاية �سقوط النظام امللكي يف الرابع‬
‫ع�رش من متوز ‪� – 1958‬أي خالل املدة الزمنية البالغة ‪� 453‬شهراً –‬
‫تعاقب على رئا�سة الوزارة العراقية ‪� 23‬شخ�صية عراقية‪ 19 ،‬منهم‬
‫ينتمون �إىل املكون ال�سني‪ ،‬و�أربعة فقط من املكون ال�شيعي‪.‬‬
‫‪ – 2‬جمموع الأ�شهر التي تر�أ�س فيها املكون ال�سني رئا�سة الوزارة‬
‫خالل العهد امللكي بلغ ‪� 431‬شهراً من جمموع ‪� 453‬شهراً (‪.)%95‬‬
‫�أما جمموع الأ�شهر التي تر�أ�س ال��وزارة فيها �شخ�صيات من املكون‬
‫ال�شيعي فقد بلغ ‪� 22‬شهراً (‪ )%5‬على النحو التالية‪:‬‬
‫ •�صالح جرب – ثمانية �أ�شه ر‬
‫ •حممد ال�صدر – خم�سة �أ�شهر‬
‫‪-457-‬‬
‫ •د‪ .‬فا�ضل اجلمايل – �سبعة �أ�شهر‬
‫ •عبد الوهاب مرجان – ثالثة �أ�شهر تقريب ًا‬
‫‪ – 3‬خالل الفرتة من ‪ 14‬متوز ‪ 1958‬ولغاية ‪ 17‬متوز ‪1979‬‬
‫والتي متثل العهد اجلمهوري (ولكن قبل ا�ستالم �صدام ح�سني احلكم‬
‫من �أحمد ح�سن البكر)‪� ،‬أي ‪( 190‬مائة وت�سعني) �شهراً‪ ،‬تعاقب على‬
‫رئا�سة الوزراء �سبعة �أ�شخا�ص جميعهم من املكون ال�سني با�ستثناء ال�سيد‬
‫ناجي طالب الذي مل تدم رئا�سته للوزارة �سوى ت�سعة �أ�شهر‪ .‬بعبارة‬
‫�أخرى ‪ %95‬من هذه املدة الزمنية كان رئي�س وزراء العراق من املكون‬
‫ال�سني و‪ %5‬من الفرتة من املكون ال�شيعي‪.‬‬
‫‪ – 4‬خالل الفرتة من ‪ 17‬متوز ‪ 1979‬ولغاية �سقوط نظام حكم‬
‫�صدام ح�سني يف ‪ 9‬ني�سان ‪� ،2003‬أي ما يقارب ‪� 279‬شهراً كان‬
‫�صدام ح�سني هو احلاكم املطلق‪ .‬حيث كان رئي�س ًا ملجل�س قيادة الثورة‪،‬‬
‫رئي�س ًا للجمهورية ورئي�س ًا ملجل�س الوزراء با�ستثناء فرتة ق�صرية تر�أ�س‬
‫الوزارة فيها �شكلي ًا الدكتور �سعدون حمادي‪ ،‬حممد الزبيدي‪ ،‬و�أحمد‬
‫ح�سني ال�سامرائي دون �أن يكون لهم �أي دور يف اتخاذ القرارات �أو �أي‬
‫�سلطة حقيقية‪.‬‬

‫اخلال�صة‬
‫الفرتة الزمنية منذ ا�ستقالل العراق ولغاية ‪ 9‬ني�سان ‪ ،2003‬والتي‬
‫بلغت ‪� 922‬شهراً كان رئي�س الوزراء من املكون ال�سني‪ ،‬با�ستثناء فرتة‬
‫‪� 22‬شهراً يف العهد امللكي وت�سعة �أ�شهر يف العهد اجلمهوري هي فرتة‬
‫رئا�سة ناجي طالب للوزارة العراقية‪� ،‬أي ما جمموعه ‪� 31‬شهراً فقط من‬
‫جمموع ‪� 922‬شهراً‪� ،‬أي بن�سبة ‪.%3.4‬‬
‫�أما وزارة الدكتور �سعدون حمادي وتلك التي كان رئي�سها حممد‬
‫‪-458-‬‬
‫الزبيدي خالل احلكم املطلق ل�صدام ح�سيني فال ميكن اعتبارها رئا�سة‬
‫وزارة حقيقية‪ .‬كانت تلك الوزارتني جمرد ديكور يف ظروف �صعبة كان‬
‫مير بها حكم �صدام ح�سني‪.‬‬

‫‪-459-‬‬
‫امللحق رقم –‪– 3‬‬
‫القيادات القطرية املتعاقبة حلزب البعث يف العراق‬

‫�أ – القيادة القطرية الأوىل‪� :‬أيار – ماي�س‪( 1953 /‬غري منتخبة) بعد‬
‫تو�سيعها‪:‬‬
‫ن�سبة ال�شيعة ‪%63‬‬ ‫�شيعي ‬ ‫‪1 .1‬ف�ؤاد الركابي – �أمني ال�رس ‬
‫ن�سبة ال�سنة ‪%37‬‬ ‫�شيعي ‬ ‫‪�2 .2‬شم�س الدين كاظم ‬
‫�شيعي‬ ‫‪3 .3‬حممد �سعيد الأ�سود ‬
‫�شيعي‬ ‫‪4 .4‬جا�سم حممد العبا�سي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪5 .5‬حت�سني مع ّلة ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬جعفر قا�سم حمودي ‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬فخري قدوري ‬
‫�سني‬ ‫‪8 .8‬في�صل حبيب اخليزران ‬

‫ب – القيادة القطرية الثانية التي مت انتخابها يف امل�ؤمتر القطري الأول‬


‫للحزب – كانون الأول (دي�سمرب ‪:)1955‬‬
‫ن�سبة ال�شيعة ‪%63‬‬ ‫�شيع ‬
‫ي‬ ‫‪1 .1‬ف�ؤاد الركابي – �أمني ال�رس ‬
‫ن�سبة ال�سنة ‪%37‬‬ ‫�شيعي ‬ ‫‪�2 .2‬شم�س الدين كاظم ‬
‫�شيعي‬ ‫‪3 .3‬حت�سني مع ّلة ‬
‫‪-461-‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪4 .4‬فاهم ال�صحا ‬
‫ف‬
‫�شيعي‬ ‫‪5 .5‬عبد اهلل الركابي ‬
‫�سني‬ ‫‪�6 .6‬صالح �شعبان ‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬جعفر قا�سم حمودي ‬
‫�سني‬ ‫‪8 .8‬علي �صالح ال�سعدي ‬

‫ج‪ -‬القيادة القطرية الثالثة التي انتخبت يف امل�ؤمتر القطري الثاين‬


‫للحزب – كانون الأول – دي�سمرب ‪:1957‬‬
‫ن�سبة ال�شيعة ‪%63‬‬ ‫�شيع ‬
‫ي‬ ‫‪1 .1‬ف�ؤاد الركابي – �أمني ال�رس ‬
‫ن�سبة ال�سنة ‪%37‬‬ ‫�شيعي ‬ ‫‪�2 .2‬شم�س الدين كاظم ‬
‫�شيعي‬ ‫‪3 .3‬عبد اهلل الركابي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪4 .4‬حازم جواد ‬
‫�شيعي‬ ‫‪�5 .5‬سعدون حمادي ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬علي �صالح ال�سعدي ‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬خالد علي ال�صالح ‬
‫�سني‬ ‫‪8 .8‬كرمي �شنتاف ‬

‫د – القيادة القطرية الثالثة بعد قيام ثورة ‪ 14‬متوز ‪:1958‬‬


‫ن�سبة ال�شيعة ‪%56‬‬ ‫�شيع ‬
‫ي‬ ‫‪1 .1‬ف�ؤاد الركابي – �أمني ال�رس ‬
‫ن�سبة ال�سنة ‪%44‬‬ ‫�شيعي ‬ ‫‪�2 .2‬شم�س الدين كاظم ‬
‫�شيعي‬ ‫‪3 .3‬عبد اهلل الركابي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪�4 .4‬سعدون حمادي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪5 .5‬طالب �شبيب ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬خالد علي ال�صالح ‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬كرمي �شنتاف ‬
‫‪-462-‬‬
‫�سني‬ ‫‪�8 .8‬أياد �سعيد ثاب ‬
‫ت‬
‫�سني‬ ‫‪9 .9‬مدحت �إبراهيم جمعة ‬

‫هـ‪ – ‬القيادة القطرية حلزب البعث يوم ‪� 8‬شباط ‪:1963‬‬


‫ن�سبة ال�شيعة ‪%55‬‬ ‫‪1 .1‬علي �صالح ال�سعدي – �أمني ال�رس �سن ‬
‫ي‬
‫ن�سبة ال�سنة ‪%45‬‬ ‫�سني ‬ ‫‪2 .2‬حمدي عبد املجيد ‬
‫�سني‬ ‫‪3 .3‬كرمي �شنتاف ‬
‫�سني‬ ‫‪4 .4‬في�صل حبيب اخليزران ‬
‫�شيعي‬ ‫‪5 .5‬حازم جواد ‬
‫�شيعي‬ ‫‪6 .6‬طالب �شبيب ‬
‫�شيعي‬ ‫‪7 .7‬حم�سن ال�شيخ را�ضي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪8 .8‬حميد خلخال ‬
‫�شيعي‬ ‫‪9 .9‬هاين الفكيكي ‬

‫و – القيادة القطرية حلزب البعث يوم ‪ 17‬متوز ‪:1968‬‬


‫ن�سبة ال�شيعة �صفر‬ ‫‪�1 .1‬أحمد ح�سن البكر – �أمني ال�رس �سن ‬
‫ي‬
‫ن�سبة ال�سنة ‪%100‬‬ ‫‪�2 .2‬صدام ح�سني – نائب �أمني ال�رس �سني ‬
‫�سني‬ ‫‪�3 .3‬صالح مهدي عما� ش‬
‫�سني‬ ‫‪4 .4‬عبد اخلالق ال�سامرائي ‬
‫�سني‬ ‫‪5 .5‬عبد اهلل �سلوم ال�سامرائي ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬طه يا�سني احلزراو ‬
‫ي‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬عبد الكرمي ال�شيخلي ‬
‫�سني‬ ‫‪8 .8‬الدكتور عزت م�صطفى ‬
‫�سني‬ ‫‪�9 .9‬صالح عمر العلي ‬
‫‪1010‬مرت�ضى احلديثي (ع�ضو م�شارك) �سني‬
‫‪-463-‬‬
‫ز – القيادة القطرية حلزب البعث كما يف �أيار (ماي�س) ‪:1971‬‬
‫ي ن�سبة ال�شيعة ‪%7.7‬‬‫�سن ‬ ‫�أحمد ح�سن البكر – �أمني ال�رس ‬
‫�سني ن�سبة ال�سنة ‪%92.3‬‬ ‫�صدام ح�سني – نائب �أمني ال�رس ‬
‫�سني‬ ‫‪�1 .1‬صالح مهدي عما�ش ‬
‫�سني‬ ‫‪2 .2‬عبد الكرمي ال�شيخلي ‬
‫�سني‬ ‫‪3 .3‬الدكتور عزت م�صطفى ‬
‫�سني‬ ‫‪4 .4‬عبد اخلالق ال�سامرائي ‬
‫�سني‬ ‫‪5 .5‬عزت الدوري ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬طه يا�سني اجلزراوي ‬
‫�سني‬ ‫‪�7 .7‬سمري عبد العزيز النجم ‬
‫�سني‬ ‫‪8 .8‬تايه عبد الكرمي ‬
‫�سني‬ ‫‪9 .9‬حممد فا�ضل ‬
‫�سني‬ ‫‪1010‬مرت�ضى احلديثي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1111‬نعيم حداد ‬

‫ح – القيادة القطرية املنتخبة يف امل�ؤمتر القطري الثامن يف ‪ 8‬كانون‬


‫الثاين (يناير) ‪:1974‬‬
‫ي ن�سبة ال�شيعة ‪%30.8‬‬
‫‪�1 .1‬أحمد ح�سن البكر – �أمني ال�رس �سن ‬
‫‪�2 .2‬صدام ح�سني – نائب �أمري ال�رس �سني ن�سبة ال�سنة ‪%69.2‬‬
‫�سني‬ ‫‪3 .3‬عزت الدوري ‬
‫�سني‬ ‫‪4 .4‬طه اجلزراوي ‬
‫�سني‬ ‫‪5 .5‬عزت م�صطفى ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬حممد حمجوب ‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬طاهر توفيق العاين ‬
‫‪-464-‬‬
‫�سني‬ ‫‪8 .8‬عبد الفتاح اليا�سني ‬
‫�سني‬ ‫‪9 .9‬تايه عبد الكرمي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1010‬نعيم حداد ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1111‬عدنان احلمداين ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1212‬غامن عبد اجلليل ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1313‬ح�سن العامري ‬

‫ط – القيادة القطرية حلزب البعث بعد تو�سيع ع�ضويتها �إىل ‪21‬‬


‫ع�ضواً يف عام ‪:1977‬‬
‫ي ن�سبة ال�شيعة ‪%23.8‬‬
‫‪�1 .1‬أحمد ح�سن البكر – �أمني ال�رس �سن ‬
‫‪�2 .2‬صدام ح�سني – نائب �أمري ال�رس �سني ن�سبة ال�سنة ‪%76.2‬‬
‫�سني‬ ‫‪3 .3‬عزت الدوري ‬
‫�سني‬ ‫‪4 .4‬طه اجلزراوي ‬
‫�سني‬ ‫‪5 .5‬عزت م�صطفى ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬حممد حمجوب ‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬طاهر توفيق العاين ‬
‫�سني‬ ‫‪8 .8‬عبد الفتاح اليا�سني ‬
‫�سني‬ ‫‪9 .9‬تايه عبد الكرمي ‬
‫�سني‬ ‫‪1010‬عدنان خري اهلل ‬
‫�سني‬ ‫‪1111‬جعفر قا�سم حمودي ‬
‫�سني‬ ‫‪�1212‬سعدون �شاكر ‬
‫�سني‬ ‫‪1313‬عبد اهلل فا�ضل ال�سامرائي ‬
‫�سني‬ ‫‪1414‬حممد عاي�ش ‬
‫�سني‬ ‫‪1515‬حكمت العزاوي ‬
‫م�سيحي‬ ‫‪1616‬طارق عزيز ‬
‫‪-465-‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1717‬فليح ح�سن اجلا�سم ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1818‬نعيم حداد ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1919‬عدنان احلمداين ‬
‫�شيعي‬ ‫‪2020‬غامن عبد اجلليل ‬
‫�شيعي‬ ‫‪2121‬ح�سن العامري ‬

‫ي – القيادة القطرية حلزب البعث حتى يوم ‪ 9‬ني�سان ‪:2003‬‬


‫�سني ن�سبة ال�شيعة ‪%19‬‬ ‫�صدام ح�سني – �أمني ال�رس ‬
‫‪1 .1‬عزت الدوري – نائب �أمني ال�رس �سني ن�سبة ال�سنة ‪%76.2‬‬
‫�سني ن�سبة امل�سيحيني ‪%4.8‬‬ ‫‪2 .2‬طه اجلزراوي ‬
‫�سني‬ ‫‪3 .3‬علي ح�سن املجيد ‬
‫م�سيحي‬ ‫‪4 .4‬طارق عزيز ‬
‫�شيعي‬ ‫‪5 .5‬مزبان خ�رض هادي ‬
‫�سني‬ ‫‪6 .6‬لطيف ن�صيف جا�سم ‬
‫�سني‬ ‫‪7 .7‬ق�صي �صدام ح�سني ‬
‫�سنية‬ ‫‪8 .8‬هدى �صالح مهدي عما�ش ‬
‫‪9 .9‬عبد الباقي عبد الكرمي ال�سعدون �سني‬
‫�سني‬ ‫‪1010‬فا�ضل �إبراهيم امل�شهداين ‬
‫�سني‬ ‫‪�1111‬سيف الدين امل�شهداين ‬
‫�سني‬ ‫‪�1212‬سمري عبد العزيز النجم ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1313‬ر�شيد طحان كاظم ‬
‫�سني‬ ‫‪1414‬عكلة عبد �صفر ‬
‫�سني‬ ‫‪1515‬يحيى عبد اهلل العبيدي ‬
‫�شيعي‬ ‫‪1616‬حم�سن خ�رض اخلفاجي ‬
‫�سني‬ ‫‪1717‬عادل عبد اهلل مهدي ‬
‫‪-466-‬‬
‫�شيعي‬ ‫‪1818‬عزيز �صالح النوما ن‬
‫�سني‬ ‫‪1919‬حممد زمام عبد الرزاق ‬
‫�سني‬ ‫‪2020‬غازي حمد العبيدي ‬

‫مالحظات عامة حول القيادة القطرية‬


‫‪1 .1‬منذ عام ‪ 1966‬ولغاية عام ‪ 1968‬كانت القيادة القطرية‬
‫حلزب البعث م�شكلة ح�سب ما ورد يف الفقرة (و) �أعاله‪.‬‬
‫‪2 .2‬يف ‪ 2‬ت�رشين الثاين ‪ 1968‬جرت انتخابات القيادة حيث تو�سع‬
‫العدد �إىل ‪ 11‬ع�ضواً‪ ،‬وفازت القيادة ال�سابقة با�ستثناء عزت‬
‫م�صطفى بينما �صعد �إىل القيادة عزت �أبراهيم الدوري وعبد‬
‫الوهاب كرمي ومرت�ضى احلديثي‪.‬‬
‫‪3 .3‬تويف عبد الوهاب كرمي بحادث �سيارة وبعد فرتة �أعفي �صالح‬
‫عمر العلي وعبد اهلل �سلوم ال�سامرائي‪.‬‬
‫‪4 .4‬يف عام ‪ 1970‬قررت القيادة القطرية تو�سيع عدد �أع�ضائها �إىل‬
‫‪ 13‬ع�ضواً كما هو مبني يف الفقرة (ز) �أعاله‪ .‬ولكن بعد فرتة‬
‫ق�صرية �أعفي �سمري النجم من ع�ضوية القيادة خلالفه مع حماد‬
‫�شهاب وزير الدفاع ووقوف �أحمد ح�سن البكر �إىل جانب‬
‫حماد �شهاب‪ ،‬ابن بلدته تكريت‪.‬‬
‫‪5 .5‬يف �أيلول من عام ‪� 1971‬أعفي كل من �صالح مهدي عما�ش‬
‫وعبد الكرمي ال�شيخلي من ع�ضوية القيادة القطرية وجمل�س قيادة‬
‫الثورة وعينا �سفريين يف وزارة اخلارجية‪.‬‬
‫‪6 .6‬يف ‪ 8‬متوز ‪ 1973‬حكم على حممد فا�ضل بالإعدام بحجة‬
‫ا�شرتاكه فيما �سمي يف حينه مب�ؤامرة ناظم كزار‪ .‬وقد نفذ احلكم‬
‫‪-467-‬‬
‫فيه بنف�س اليوم‪� .‬أما عبد اخلالق ال�سامرائي فقد حكم بالإعدام‬
‫�أي�ض ًا ثم خف�ض احلكم �إىل ال�سجن امل�ؤبد ثم �أعيد تنفيذ حكم‬
‫الإعدام فيه يف متوز ‪.1979‬‬
‫‪7 .7‬يف ‪� 22‬آذار ‪� 1977‬أعفي عزت م�صطفى وفليح ح�سن اجلا�سم‬
‫من جميع منا�صبهما وط��ردا من حزب البعث‪ .‬عني عزت‬
‫م�صطفى طبيب ًا يف مدينة ال�رشقاط ملدة �سنتني‪� .‬أما فليح ح�سن‬
‫اجلا�سم فقد عني معلم ًا يف تكريت ملدة �سنتني �أي�ض ًا‪ .‬وبعد‬
‫انتهاء املدة عاد اجلا�سم �إىل مدينته دياىل‪ .‬ويف �أحد الأيام وهو‬
‫ل خزان �سيارته بالوقود يف حمطة التعبئة �أطلق عليه الر�صا�ص‬ ‫مي أ‬
‫وفارق احلياة يف احلال وقيدت الق�ضية �ضد جمهول!‬
‫‪�8 .8‬أعفي مرت�ضى احلديثي من منا�صبه يف القيادة وعني �سفرياً يف‬
‫مو�سكو ثم يف ا�سبانيا‪ .‬يف عام ‪ 1980‬ا�ستدعي �إىل بغداد‬
‫للت�شاور ولكنه �أودع رهن االعتقال‪ .‬وينقل يل زميل له وجاره‬
‫يف الزنزانة املجاورة لزنزانته ب�أنه كان يعذب �أ�شد العذاب يومي ًا‪.‬‬
‫ويف ظهرية يوم ‪ 1‬حزيران ‪ 1980‬د�س له ال�سم يف وجبه غذائه‬
‫حيث تويف بعد ‪� 12‬ساعة‪.‬‬

‫‪-468-‬‬
‫امللحق رقم –‪– 4‬‬
‫املجل�س الوطني لقيادة الثورة‬
‫خالل الفرتة من ‪� 8‬شباط ‪ 1963‬ولغاية‬
‫‪ 18‬ت�رشين الثاين ‪1963‬‬

‫ع�سكري �سني ن�سبة ال�شيعة ‪%27.8‬‬ ‫‪ .1‬امل�شري عبد ال�سالم عارف‬


‫ن�سبة ال�سنة ‪%72.2‬‬ ‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .2‬الزعيم �أحمد ح�سن البكر‬
‫ع�سكري �سني ن�سبة الع�سكريني ‪%55.6‬‬ ‫‪ .3‬الفريق �صالح مهدي عما�ش‬
‫‪ .4‬املقدم الركن عبد ال�ستار عبد اللطيف ع�سكري �سني ن�سبة املدنيني ‪%44.4‬‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .5‬اللواء الركن طاهر يحيى‬
‫‪ .6‬العقيد الركن عبد الكرمي م�صطفى ن�رصت ع�سكري �سني‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .7‬الزعيم الركن عبد الغني الراوي‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .8‬العقيد الركن خالد مكن الها�شمي‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .9‬زعيم اجلو الركن حردان التكريتي‬
‫‪ .10‬الرئي�س الركن �أنور عبد القادر احلديثي ع�سكري �سني‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .11‬علي �صالح ال�سعدي‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .12‬حمدي عبد املجيد‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .13‬كرمي �شنتاف‬

‫‪-469-‬‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫‪ .14‬حازم جواد‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫‪ .15‬طالب �شبيب‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫‪ .16‬حم�سن ال�شيخ را�ضي‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫‪ .17‬حميد خلخال‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫‪ .18‬هاين الفكيكي‬

‫مالحظة‪ :‬ال يوجد �أي �شيعي بني الع�سكريني الأع�ضاء‪.‬‬

‫‪-470-‬‬
‫امللحق رقم – ‪– 5‬‬
‫جمل�س قيادة الثورة كما يف �أيار (مايو) ‪1971‬‬

‫ع�سكري �سني ن�سبة ال�شيعة �صفر‪%‬‬ ‫‪ .1‬امل�شري �أحمد ح�سن البكر – الرئي�س‬
‫�سني ن�سبة ال�سنة ‪%100‬‬ ‫مدين‬ ‫‪� .2‬صدام ح�سني التكريتي – نائب الرئي�س‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .3‬الفريق الركن �صالح مهدي عما�ش‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .4‬الفريق حماد �شهاب التكريتي‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .5‬الفريق �سعدون غيدان‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .6‬عبد الكرمي ال�شيخلي‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .7‬الدكتور عزت م�صطفى‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .8‬عبد اخلالق ال�سامرائي‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .9‬عزت الدوري‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫‪ .10‬مرت�ضى احلديثي‬
‫ع�سكري �سني‬ ‫‪ .11‬طه يا�سني اجلزراوي‬

‫مالحظة‪ :‬العقيد الركن �شفيق الدراجي – �سكرتري املجل�س‬


‫طاهر توفيق العاين – �سكرتري �شفيق الدراجي‬

‫‪-471-‬‬
‫امللحق رقم – ‪– 6‬‬
‫جمل�س قيادة الثورة كما يف ‪ 8‬ني�سان ‪2003‬‬

‫ي ن�سبة ال�شيعة ‪%14.3‬‬ ‫�سن ‬ ‫‪�1 .1‬صدام ح�سني – الرئي�س ‬


‫ن�سبة ال�سنة ‪%71.4‬‬ ‫‪2 .2‬عزت الدوري – نائب الرئي�س �سني ‬
‫�سني ن�سبة امل�سيحيني ‪%14.3‬‬ ‫‪3 .3‬علي ح�سن املجيد ‬
‫�سني‬ ‫‪4 .4‬طه اجلزراوي ‬
‫م�سيحي‬ ‫‪5 .5‬طارق عزيز ‬
‫�شيعي‬ ‫‪6 .6‬مزبان خ�رض هادي ‬
‫‪7 .7‬طه حمي الدين معروف �سني كردي‬

‫‪-473-‬‬
‫املحلق – ‪– 7‬‬
‫جمل�س الوزراء كما يف ‪� 14‬أيار (مار�س) ‪1972‬‬

‫ا�سم الوزير‬ ‫الوزارة‬ ‫‪#‬‬


‫�سني‬ ‫ع�سكري‬ ‫امل�شري �أحمد ح�سن البكر‬ ‫رئي�س جمل�س الوزراء‬ ‫‪.1‬‬
‫�سني‬ ‫ع�سكري‬ ‫الفريق حماد �شهاب ‬ ‫وزارة الدفاع‬ ‫‪.2‬‬
‫�سني‬ ‫ع�سكري‬ ‫الفريق �سعدون غيدان‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫‪.3‬‬
‫مرت�ضى �سعيد عبد الباقي‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫وزارة اخلارجية‬ ‫‪.4‬‬
‫احلديثي‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫�أمني عبد الكرمي‬ ‫وزارة املالية‬ ‫‪.5‬‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫ح�سني حممد ر�ضا ال�صايف‬ ‫وزارة العدل‬ ‫‪.6‬‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫�أحمد عبد ال�ستار اجلواري‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫‪.7‬‬
‫وزارة التعليم العايل‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫ه�شام ال�شاوي‬ ‫‪.8‬‬
‫والبحث العلمي‬
‫وزارة العمل وال�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫ع�سكري‬ ‫�أنور عبد القادر احلديثي‬ ‫‪.9‬‬
‫االجتماعية‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫د‪ .‬عزت م�صطفى‬ ‫وزارة ال�صحة‬ ‫‪.10‬‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫حامد علوان اجلبوري‬ ‫وزارة الإعالم‬ ‫‪.11‬‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫د‪ .‬ر�شيد حممد �سعيد الرفاعي‬ ‫وزارة االت�صاالت‬ ‫‪.12‬‬

‫‪-475-‬‬
‫�سني كردي‬ ‫مدين‬ ‫نافذ جالل حويزي‬ ‫وزارة الزراعة‬ ‫‪.13‬‬
‫وزارة الإ�صالح‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫عزت �إبراهيم الدوري‬ ‫‪.14‬‬
‫الزراعي‬
‫�سني كردي‬ ‫مدين‬ ‫مكرم الطالباين‬ ‫وزارة الري‬ ‫‪.15‬‬
‫وزارة الأ�شغال‬
‫�سني كردي‬ ‫مدين‬ ‫نوري �شاوي�س‬ ‫‪.16‬‬
‫والإ�سكان‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫د‪ .‬جواد ها�شم‬ ‫وزارة التخطيط‬ ‫‪.17‬‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫حكمت العزاوي‬ ‫وزارة االقت�صاد‬ ‫‪.18‬‬
‫�سني‬ ‫ع�سكري‬ ‫طه اجلزراوي‬ ‫وزارة ال�صناعة‬ ‫‪.19‬‬
‫�شيعي‬ ‫مدين‬ ‫د‪� .‬سعدون حمادي‬ ‫وزارة النفط واملعادن‬ ‫‪.20‬‬
‫�سني كردي‬ ‫مدين‬ ‫�إح�سان �شريزاد‬ ‫وزارة البلديات‬ ‫‪.21‬‬
‫�سني‬ ‫ع�سكري‬ ‫عدنان �أيوب �صربي‬ ‫وزارة ال�شباب‬ ‫‪.22‬‬
‫�سني كردي‬ ‫مدين‬ ‫حممد حممود‬ ‫‪ .23‬وزارة �ش�ؤون ال�شمال‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫عبد اهلل اخل�ضري‬ ‫وزارة الوحدة‬ ‫‪.24‬‬
‫�سني‬ ‫ع�سكري‬ ‫خالدي مكي الها�شمي‬ ‫وزارة النقل‬ ‫‪.25‬‬
‫�سني كردي‬ ‫مدين‬ ‫�صالح اليو�سفي‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.26‬‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫د‪ .‬نزار الطبقجلي‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.27‬‬
‫�سني‬ ‫مدين‬ ‫عامر عبد اهلل‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.28‬‬

‫‪%17.9‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬

‫‪%82.1‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬

‫�صفر‪%‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬

‫‪%17.9‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬


‫‪-476-‬‬
‫‪%60.7‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬
‫‪%21.4‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء الكرد �إىل املجموع ‬
‫�صفر‪%‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬

‫‪-477-‬‬
‫املحلق – ‪– 8‬‬
‫جمل�س الوزراء امل�شكل مبوجب قرار جمل�س‬
‫احلكم رقم ‪ 28‬يف ‪31/8/2003‬‬

‫ا�سم الوزير‬ ‫ا�سم الوزارة‬ ‫‪#‬‬


‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬حيدر العبادي‬ ‫وزارة االت�صاالت‬ ‫‪.1‬‬
‫�سنية كردية‬ ‫ن�رسين برواري‬ ‫وزارة الأ�شغال‬ ‫‪.2‬‬
‫�شيعي‬ ‫بيان باقر �صوالغ‬ ‫وزارة الإعمار والإ�سكان‬ ‫‪.3‬‬
‫�سني كردي‬ ‫هو�شيار زيباري‬ ‫وزارة اخلارجية‬ ‫‪.4‬‬
‫نوري البدران‪� /‬سمري‬
‫�سني‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫‪.5‬‬
‫ال�صميدعي‬
‫�سني‬ ‫كامل مبدر الكيالين‬ ‫وزارة املالية‬ ‫‪.6‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬مهدي احلافظ‬ ‫وزارة التخطيط‬ ‫‪.7‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪� .‬إبراهيم حممد بحر العلوم‬ ‫وزارة النفط‬ ‫‪.8‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬علي عبد الأمري عالوي‬ ‫وزارة التجارة‬ ‫‪.9‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد الأمري رحيمة العبود‬ ‫وزارة الزراعة‬ ‫‪.10‬‬
‫�سني‬ ‫ها�شم عبد الرحمن ال�شبلي‬ ‫وزارة العدل‬ ‫‪.11‬‬
‫م�سيحي‬ ‫بهنام زيا بول�ص‬ ‫وزارة النقل‬ ‫‪.12‬‬

‫‪-479-‬‬
‫�سني‬ ‫�أيهم ال�سامرائي‬ ‫وزارة الكهرباء‬ ‫‪.13‬‬
‫�سني كردي‬ ‫د‪ .‬عبد اللطيف ر�شيد‬ ‫وزارة املوارد املائية‬ ‫‪.14‬‬
‫د‪ .‬عالء الدين عبد ال�صاحب‬
‫�شيعي‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫‪.15‬‬
‫العلوان‬
‫�سني‬ ‫زياد عبد الرزاق حممد �أ�سود‬ ‫وزارة التعليم العايل‬ ‫‪.16‬‬
‫�سني‬ ‫ر�شاد مندان عمر‬ ‫‪ .17‬وزارة العلوم والتكنولوجيا‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬خ�ضري عبا�س‬ ‫وزارة ال�صحة‬ ‫‪.18‬‬
‫�سني كردي‬ ‫حممد توفيق رحيم‬ ‫وزارة ال�صناعة‬ ‫‪.19‬‬
‫وزارة العمل وال�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫�سامي عزارة املعجون‬ ‫‪.20‬‬
‫االجتماعية‬
‫�شيعي‬ ‫علي فائق الغ�ضبان‬ ‫وزارة ال�شباب‬ ‫‪.21‬‬
‫�سني‬ ‫عبد البا�سط تركي‬ ‫وزارة حقوق الإن�سان‬ ‫‪.22‬‬
‫�شيعي‬ ‫حممد جا�سم خ�ضري‬ ‫‪ .23‬وزارة الهجرة واملهجرين‬
‫�شيعي‬ ‫مفيد حممد جواد اجلزائري‬ ‫وزارة الثقافة‬ ‫‪.24‬‬
‫�سني كردي‬ ‫عبد الرحمن �صادق كرمي‬ ‫وزارة البيئة‬ ‫‪.25‬‬

‫‪%48‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬


‫‪%48‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬
‫‪%4‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬
‫‪%48‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬
‫‪%32‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬
‫‪%16‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء الكرد �إىل املجموع ‬
‫‪%4‬‬ ‫ •ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬
‫‪-480-‬‬
‫املحلق – ‪– 9‬‬
‫وزارة د‪� .‬أياد عالوي امل�شكلة يف ‪ 1‬حزيران ‪2004‬‬

‫ا�سم الوزير‬ ‫الوزارة‬ ‫‪#‬‬


‫�شيعي‬ ‫د‪� .‬أياد عالوي ‬ ‫رئي�س الوزراء‬ ‫‪.1‬‬
‫�سني كردي‬ ‫د‪ .‬برهم �صالح‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.2‬‬
‫�شيعي‬ ‫حازم ال�شعالن‬ ‫وزارة الدفاع‬ ‫‪.3‬‬
‫�سني كردي‬ ‫هو�شيار زيباري‬ ‫وزارة اخلارجية‬ ‫‪.4‬‬
‫�سني‬ ‫فالح ح�سن النقيب‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫‪.5‬‬
‫�شيعي‬ ‫ثامر الغ�ضبان‬ ‫وزارة النفط‬ ‫‪.6‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬عادل عبد املهدي‬ ‫وزارة املالية‬ ‫‪.7‬‬
‫�شيعي‬ ‫مالك دوهان احل�سن‬ ‫وزارة العدل‬ ‫‪.8‬‬
‫�شيعية‬ ‫�سو�سن ال�رشيفي‬ ‫وزارة الزراعة‬ ‫‪.9‬‬
‫�شيعي‬ ‫حممد علي احلكيم‬ ‫وزارة االت�صاالت‬ ‫‪.10‬‬
‫�شيعي‬ ‫مفيد اجلزائري‬ ‫وزارة الثقافة‬ ‫‪.11‬‬
‫م�سيحية‬ ‫با�سكال �أي�شو وردة‬ ‫وزارة الهجرة واملهجرين‬ ‫‪.12‬‬
‫�شيعي‬ ‫�سامي املظفر‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫‪.13‬‬

‫‪-481-‬‬
‫�سني‬ ‫�أيهم ال�سامرائي‬ ‫وزارة الكهرباء‬ ‫‪.14‬‬
‫�شيعية‬ ‫م�شكاة م�ؤمن‬ ‫وزارة البيئة‬ ‫‪.15‬‬
‫د‪ .‬عالء الدين عبد‬
‫�شيعي‬ ‫وزارة ال�صحة‬ ‫‪.16‬‬
‫ال�صاحب العلوان‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬طاهر البكاء‬ ‫وزارة التعليم العايل‬ ‫‪.17‬‬
‫عمر الفاروق‬
‫�سني‬ ‫وزارة الإعمار والإ�سكان‬ ‫‪.18‬‬
‫الدملوجي‬
‫�سني كردي‬ ‫بختيار �أمني‬ ‫وزارة حقوق الإن�سان‬ ‫‪.19‬‬
‫�سني‬ ‫حاجم احل�سني‬ ‫وزارة ال�صناعة‬ ‫‪.20‬‬
‫وزارة العمل وال�ش�ؤون‬
‫�سنية‬ ‫ليلى عبد اللطيف‬ ‫‪.21‬‬
‫االجتماعية‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬مهدي احلافظ‬ ‫وزارة التخطيط‬ ‫‪.22‬‬
‫�سنية كردية‬ ‫ن�رسين برواري‬ ‫وزارة الأ�شغال‬ ‫‪.23‬‬
‫�سني‬ ‫ر�شاد مندان عمر‬ ‫وزارة العلوم والتكنولوجيا‬ ‫‪.24‬‬
‫حممد م�صطفى‬
‫�سني‬ ‫وزارة التجارة‬ ‫‪.25‬‬
‫اجلبوري‬
‫ل�ؤي حامت �سلطان‬
‫�سني‬ ‫وزارة النقل‬ ‫‪.26‬‬
‫العر�س‬
‫د‪ .‬عبد اللطيف‬
‫�سني كردي‬ ‫وزارة املوارد املائية‬ ‫‪.27‬‬
‫ر�شيد‬
‫�شيعي‬ ‫علي فائق الغ�ضبان‬ ‫وزارة ال�شباب‬ ‫‪.28‬‬
‫�سنية‬ ‫نرمني عثمان‬ ‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون املر�أة‬ ‫‪.29‬‬

‫‪-482-‬‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫وائل عبد اللطيف‬ ‫‪.30‬‬
‫املحافظات‬
‫�شيعي‬ ‫قا�سم داود‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.31‬‬
‫�سني‬ ‫عدنان اجلنابي‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.32‬‬
‫�سني كردي‬ ‫مامو فرهام عثمان‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.33‬‬

‫‪%48.5‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬


‫‪%48.5‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%3‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%48.5‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%30.5‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%18‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء الكرد �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%3.0‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫•املجموع ‪%100‬‬ ‫ ‬

‫‪-483-‬‬
‫املحلق – ‪– 10‬‬
‫وزارة الدكتور �إبراهيم اجلعفري امل�شكلة يف �أيار ‪2005‬‬

‫ا�سم الوزير‬ ‫الوزارة‬ ‫‪#‬‬


‫�شيعي‬ ‫د‪� .‬إبراهيم اجلعفري‬ ‫رئي�س الوزراء‬ ‫‪.1‬‬
‫د‪� .‬أحمد عبد الهادي‬
‫�شيعي‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.2‬‬
‫اجللبي‬
‫�سنية كردية‬ ‫روز نوري �شاوي�س‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.3‬‬
‫�سني‬ ‫عبد مطلك اجلبوري‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.4‬‬
‫�سني‬ ‫�سعدون الدليمي‬ ‫وزارة الدفاع‬ ‫‪.5‬‬
‫�شيعي‬ ‫بيان جرب الزبيدي‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫‪.6‬‬
‫�سني كردي‬ ‫هو�شيار زيباري‬ ‫وزارة اخلارجية‬ ‫‪.7‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪� .‬إبراهيم حممد بحر العلوم‬ ‫وزارة النفط‬ ‫‪.8‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد املطلب حممد علي‬ ‫وزارة ال�صحة‬ ‫‪.9‬‬
‫�شيعي‬ ‫علي البهاديل‬ ‫وزارة الزراعة‬ ‫‪.10‬‬
‫�سنية كردية‬ ‫جوان ف�ؤاد مع�صوم ‬ ‫وزارة االت�صاالت‬ ‫‪.11‬‬
‫�سني‬ ‫نوري فرحان الراوي‬ ‫وزارة الثقافة‬ ‫‪.12‬‬

‫‪-485-‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد الفالح ح�سن ال�سوداين‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫‪.13‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪� .‬سامي املظفر‬ ‫وزارة التعليم العايل‬ ‫‪.14‬‬
‫�شيعي‬ ‫حم�سن �شال�ش‬ ‫وزارة الكهرباء‬ ‫‪.15‬‬
‫�سني‬ ‫�أ�سامة النجيفي‬ ‫وزارة ال�صناعة‬ ‫‪.16‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد احل�سني �شندل‬ ‫وزارة العدل‬ ‫‪.17‬‬
‫�سني كردي‬ ‫د‪ .‬برهم �صالح‬ ‫وزارة التخطيط‬ ‫‪.18‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬علي عبد الأمري عالوي‬ ‫وزارة املالية‬ ‫‪.19‬‬
‫�شيعي‬ ‫�سالم املالكي‬ ‫وزارة النقل‬ ‫‪.20‬‬
‫�سني كردي‬ ‫د‪ .‬عبد اللطيف ر�شيد‬ ‫وزارة املوارد املائية‬ ‫‪.21‬‬
‫�شيعي‬ ‫طالب عزيز زيني‬ ‫وزارة ال�شباب‬ ‫‪.22‬‬
‫�سني تركماين‬ ‫جا�سم حممد جعفر‬ ‫‪ .23‬وزارة الإعمار والإ�سكان‬
‫وزارة العمل وال�ش�ؤون‬
‫�سني كردي‬ ‫�إدري�س هادي‬ ‫‪.24‬‬
‫االجتماعية‬
‫�سنية كردية‬ ‫ن�رسين برواري‬ ‫وزارة الأ�شغال‬ ‫‪.25‬‬
‫م�سيحية‬ ‫با�سمة يو�سف بطر�س‬ ‫‪ .26‬وزارة العلوم والتكنولوجيا‬
‫�سني كردي‬ ‫عبد البا�سط كرمي مولود‬ ‫وزارة التجارة‬ ‫‪.27‬‬
‫�شيعي‬ ‫ها�شم الها�شمي‬ ‫وزارة ال�سياحة والآثار‬ ‫‪.28‬‬
‫�سنية كردية‬ ‫نرمني عثمان‬ ‫وزارة البيئة‬ ‫‪.29‬‬
‫�سنية كردية‬ ‫نرمني عثمان (بالوكالة)‬ ‫وزارة حقوق الإن�سان‬ ‫‪.30‬‬
‫�شيعية كردية‬ ‫�سهيلة عبد جعفر‬ ‫‪ .31‬وزارة الهجرة واملهجرين‬
‫�شيعي‬ ‫عبد الكرمي العنزي‬ ‫وزارة الأمن القومي‬ ‫‪.32‬‬

‫‪-486-‬‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫عالء حبيب كاظم ال�صايف‬ ‫‪.33‬‬
‫املجتمع املدين‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫�صفاء الدين ال�صايف‬ ‫‪.34‬‬
‫جمل�س النواب‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫�سعد نايف م�شحن احلردان‬ ‫‪.35‬‬
‫املحافظات‬
‫�سنية‬ ‫‪ .36‬وزارة الدولة ل�ش�ؤون املر�أة �أزهار عبد الكرمي ال�شيخلي‬

‫‪%50‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬


‫‪%47.2‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%2.8‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%47.2‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%19.4‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%30.6‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء الكرد �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%2.8‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬

‫‪-487-‬‬
‫املحلق – ‪– 11‬‬
‫وزارة نوري املالكي الأوىل ‪2010 – 2006‬‬

‫ا�سم الوزير‬ ‫الوزارة‬ ‫‪#‬‬


‫�شيعي‬ ‫نوري املالكي‬ ‫رئي�س الوزراء‬ ‫‪.1‬‬
‫�سني كردي‬ ‫د‪ .‬برهم �صالح‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.2‬‬
‫�سني‬ ‫�سالم الزوبعي‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.3‬‬
‫�شيعي‬ ‫جواد البوالين‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫‪.4‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬ح�سني ال�شهر�ستاين‬ ‫وزارة النفط‬ ‫‪.5‬‬
‫�سني‬ ‫عبد القادر العبيدي‬ ‫وزارة الدفاع‬ ‫‪.6‬‬
‫�سني كردي‬ ‫هو�شيار زيباري‬ ‫وزارة اخلارجية‬ ‫‪.7‬‬
‫�شيعي‬ ‫باقر جرب الزبيدي‬ ‫وزارة املالية‬ ‫‪.8‬‬
‫�سني‬ ‫ها�شم ال�شبلي‬ ‫وزارة العدل‬ ‫‪.9‬‬
‫�سني‬ ‫علي بابان‬ ‫وزارة التخطيط‬ ‫‪.10‬‬
‫�شيعي‬ ‫كرمي وحيد‬ ‫وزارة الكهرباء‬ ‫‪.11‬‬
‫�شيعي‬ ‫علي ال�شمري‬ ‫وزارة ال�صحة‬ ‫‪.12‬‬
‫�شيعي‬ ‫خ�ضري اخلزاعي‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫‪.13‬‬

‫‪-489-‬‬
‫�سني‬ ‫عبد ذياب العجيلي‬ ‫وزارة التعليم العايل‬ ‫‪.14‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد الفالح ال�سوداين‬ ‫وزارة التجارة‬ ‫‪.15‬‬
‫�سني‬ ‫يعرب ناظم العبودي‬ ‫وزارة الزراعة‬ ‫‪.16‬‬
‫�سني كردي‬ ‫فوزي حريري‬ ‫وزارة ال�صناعة‬ ‫‪.17‬‬
‫�شيعي‬ ‫كرمي مهدي �صالح‬ ‫وزارة النقل‬ ‫‪.18‬‬
‫�شيعي‬ ‫حممد توفق عالوي‬ ‫وزارة االت�صاالت‬ ‫‪.19‬‬
‫�سنية كردية‬ ‫بيان دزة ئي‬ ‫‪ .20‬وزارة الإ�سكان والإعمار‬
‫�شيعي‬ ‫ريا�ض غريب‬ ‫وزارة البلديات‬ ‫‪.21‬‬
‫�سني كردي‬ ‫د‪ .‬لطيف ر�شيد‬ ‫وزارة املوار املائية‬ ‫‪.22‬‬
‫وزارة العمل وال�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫حممود حممد جواد الرا�ضي‬ ‫‪.23‬‬
‫االجتماعية‬
‫�سني‬ ‫رائد فهمي جاهد‬ ‫‪ .24‬وزارة العلوم والتكنولوجيا‬
‫�سنية كردية‬ ‫نرمني عثمان‬ ‫وزارة البيئة‬ ‫‪.25‬‬
‫�شيعي‬ ‫جا�سم حممد جعفر‬ ‫وزارة ال�شباب‬ ‫‪.26‬‬
‫�أ�سعد كمال حممد‬
‫�سني‬ ‫وزارة الثقافة‬ ‫‪.27‬‬
‫الها�شمي‬
‫م�سيحية‬ ‫وجدان ميخائيل‬ ‫وزارة حقوق الإن�سان‬ ‫‪.28‬‬
‫‪ .29‬وزارة الهجرة واملهجرين عبد ال�صمد رحمن �سلطان �سني كردي‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬لواء �سمي�سم‬ ‫وزارة ال�سياحة والآثار‬ ‫‪.30‬‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫د‪ .‬برهم �صالح (بالوكالة)‬ ‫‪.31‬‬
‫الأمن الوطني‬

‫‪-490-‬‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫عادل الأ�سدي‬ ‫‪.32‬‬
‫املجتمع املدين‬
‫وزارة الدولة لل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫د‪ .‬رافع العي�ساوي‬ ‫‪.33‬‬
‫اخلارجية‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫�سعد طاهر الها�شمي‬ ‫‪.34‬‬
‫املحافظات‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫�صفاء الدين ال�صايف‬ ‫‪.35‬‬
‫جمل�س النواب‬
‫�سنية‬ ‫فاتن عبد الرحمن حممود‬ ‫‪ .36‬وزارة الدولة ل�ش�ؤون املر�أة‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫�أكرم احلكيم‬ ‫‪.37‬‬
‫احلوار الوطني‬
‫�شيعي‬ ‫حممد عبا�س العريبي‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.38‬‬
‫�سني‬ ‫علي حممد �أحمد‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.39‬‬
‫�شيعي‬ ‫ح�سن ال�ساري‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.40‬‬

‫‪%48.7‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�شيعي �إىل املجمو ع‬ ‫ ‬


‫‪%48.7‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%2.6‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%48.7‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%30.8‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪% 17.9‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء الكرد �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%2.6‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬

‫‪-491-‬‬
‫املحلق – ‪– 12‬‬
‫وزارة نوري املالكي الثانية‬
‫‪ 22‬دي�سمرب ‪ 2010‬لغاية ‪� 8‬سبتمرب ‪2014‬‬

‫ا�سم الوزير‬ ‫الوزارة‬ ‫‪#‬‬


‫�شيعي‬ ‫نوري املالكي‬ ‫رئي�س الوزراء‬ ‫‪.1‬‬
‫د‪ .‬ح�سني ال�شهر�ستاين‬
‫�شيعي‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.2‬‬
‫(ل�ش�ؤون الطاقة)‬
‫د‪� .‬صالح املطلك (ل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.3‬‬
‫اخلدمات)‬
‫�سني كردي‬ ‫روز نوري �شاوي�س‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.4‬‬
‫�سني‬ ‫�سعدون الدليمي (بالوكالة)‬ ‫وزارة الدفاع‬ ‫‪.5‬‬
‫�شيعي‬ ‫نوري املالكي (بالوكالة)‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫‪.6‬‬
‫�سني‬ ‫رافع العي�ساوي‬ ‫وزارة املالية‬ ‫‪.7‬‬
‫�سني كردي‬ ‫هو�شيار زيباري‬ ‫وزارة اخلارجية‬ ‫‪.8‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد الكرمي لعيبي‬ ‫وزارة النفط‬ ‫‪.9‬‬
‫�سني‬ ‫عز الدين الدولة‬ ‫وزارة الزراعة‬ ‫‪.10‬‬
‫�شيعي‬ ‫حممد توفيق عالوي‬ ‫وزارة االت�صاالت‬ ‫‪.11‬‬

‫‪-493-‬‬
‫وزارة الإعمار‬
‫�شيعي‬ ‫حممد �صاحب الدراجي‬ ‫‪.12‬‬
‫والإ�سكان‬
‫�سني‬ ‫�سعدون الدليمي‬ ‫وزارة الثقافة‬ ‫‪.13‬‬
‫�سني كردي‬ ‫ديندار جنمان �شفيق‬ ‫‪ .14‬وزارة الهجرة واملهرجني‬
‫�سني‬ ‫حممد متيم‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫‪.15‬‬
‫�سني‬ ‫رعد �شالل العاين‬ ‫وزارة الكهرباء‬ ‫‪.16‬‬
‫�شيعي‬ ‫علي الأديب‬ ‫وزارة التعليم العايل‬ ‫‪.17‬‬
‫�شيعي‬ ‫ح�سن ال�شمري‬ ‫وزارة العدل‬ ‫‪.18‬‬
‫�سني كردي‬ ‫خري اهلل ح�سن بابكر‬ ‫وزارة التجارة‬ ‫‪.19‬‬
‫�شيعي‬ ‫هادي العامري‬ ‫وزارة النقل‬ ‫‪.20‬‬
‫�سني‬ ‫�أحمد نا�رص ديل الكربويل‬ ‫وزارة ال�صناعة‬ ‫‪.21‬‬
‫�سني كردي‬ ‫د‪ .‬جميد حمد �أمني‬ ‫وزارة ال�صحة‬ ‫‪.22‬‬
‫وزارة العمل وال�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫ن�صار الربيعي‬ ‫‪.23‬‬
‫االجتماعية‬
‫�شيعي‬ ‫ن�صار الربيعي (بالوكالة)‬ ‫وزارة التخطيط‬ ‫‪.24‬‬
‫وزارة العلوم‬
‫�سني‬ ‫د‪ .‬عبد الكرمي ال�سامرائي‬ ‫‪.25‬‬
‫والتكنولوجيا‬
‫�شيعي‬ ‫لواء �سمي�سم‬ ‫وزارة ال�سياحة والآثار‬ ‫‪.26‬‬
‫�شيعي‬ ‫مهند �سلمان ال�سعدي‬ ‫وزارة املوارد املائية‬ ‫‪.27‬‬
‫�شيعي‬ ‫جا�سم حممد جعفر‬ ‫وزارة ال�شباب‬ ‫‪.28‬‬
‫�شيعي‬ ‫عادل مهودر را�ضي‬ ‫وزارة البلديات‬ ‫‪.29‬‬

‫‪-494-‬‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعية‬ ‫ابتهال كا�صد الزبيدي‬ ‫‪.30‬‬
‫املر�أة‬
‫م�سيحي‬ ‫�رسكون الزار �صليوة‬ ‫وزارة البيئة‬ ‫‪.31‬‬
‫�شيعي‬ ‫حممد �شياع ال�سوداين‬ ‫وزارة حقوق الإن�سان‬ ‫‪.32‬‬
‫وزارة الدولة لل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫علي عبد اهلل ال�صجري‬ ‫‪.33‬‬
‫اخلارجية‬
‫�شيعي‬ ‫علي الدباغ (الناطق الر�سمي)‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.34‬‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫�صفاء الدين ال�صايف‬ ‫‪.35‬‬
‫جمل�س النواب‬
‫د‪ .‬طورهان مظهر ح�سن‬ ‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫‪.36‬‬
‫املفتي‬ ‫املحافظات‬
‫جمال عبد املهدي علي‬ ‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫‪.37‬‬
‫البطيخ‬ ‫الع�شائر‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫(�شاغر)‬ ‫‪.38‬‬
‫الأمن الوطني‬
‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫دخيل قا�سم ح�سون‬ ‫‪.39‬‬
‫املجتمع املدين‬
‫د‪ .‬عامر ح�سان حا�شو�ش‬ ‫وزارة الدولة ل�ش�ؤون‬
‫�سني‬ ‫‪.40‬‬
‫اخلزاعي‬ ‫امل�صاحلة الوطنية‬
‫�شيعي‬ ‫�ضياء جنم الأ�سدي‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.41‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد املهدي املطريي‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.42‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬ب�رشى ح�سني �صالح‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.43‬‬

‫‪-495-‬‬
‫�شيعية‬ ‫ح�سن را�ضي ال�ساري‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.44‬‬
‫�شيعي‬ ‫يا�سني حممد �أحمد‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.45‬‬
‫�سني‬ ‫�صالح مزاحم اجلبوري‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.46‬‬

‫‪%53.4‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�شيعي �إىل املجمو ع‬ ‫ ‬


‫‪%44.3‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%2.3‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫•املجموع ‪%100‬‬ ‫ ‬

‫‪%53.4‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬


‫‪%32.7‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%11.6‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء الكرد �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%2.3‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫•املجموع ‪%100‬‬ ‫ ‬

‫‪-496-‬‬
‫املحلق – ‪– 13‬‬
‫وزارة الدكتور حيدر العبادي‬
‫امل�شكلة يف �أيلول (�سبتمرب) ‪2014‬‬

‫ا�سم الوزير‬ ‫الوزارة‬ ‫‪#‬‬


‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬حيدر العبادي‬ ‫رئي�س الوزراء‬ ‫‪.1‬‬
‫�شيعي‬ ‫بهاء الأعرجي‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.2‬‬
‫�سني كردي‬ ‫روز نوري �شاوي�س‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.3‬‬
‫�سني‬ ‫د‪� .‬صالح املطلك‬ ‫نائب رئي�س الوزراء‬ ‫‪.4‬‬
‫�سني‬ ‫خالد متعب العبيدي‬ ‫وزارة الدفاع‬ ‫‪.5‬‬
‫�شيعي‬ ‫حممد �سامل الغبان‬ ‫وزارة الداخلية‬ ‫‪.6‬‬
‫د‪� .‬إبراهيم الأ�شيقر‬
‫�شيعي‬ ‫وزارة اخلارجية‬ ‫‪.7‬‬
‫اجلعفري‬
‫د‪� .‬سلمان علي ح�سن‬
‫�سني‬ ‫وزارة التخطيط‬ ‫‪.8‬‬
‫اجلميلي‬
‫�سني كردي‬ ‫هو�شيار زيباري‬ ‫وزارة املالية‬ ‫‪.9‬‬
‫�شيعي‬ ‫عادل عبد املهدي‬ ‫وزارة النفط‬ ‫‪.10‬‬
‫�شيعي‬ ‫د‪ .‬ح�سن ال�شهر�ستاين‬ ‫وزارة التعليم العايل‬ ‫‪.11‬‬

‫‪-497-‬‬
‫�سني‬ ‫قا�سم حممد عبد الفهداوي‬ ‫وزارة الكهرباء‬ ‫‪.12‬‬
‫�سني كردي‬ ‫مال�س حممد عبد الكرمي‬ ‫وزارة التجارة‬ ‫‪.13‬‬
‫�شيعي‬ ‫باقر جرب الزبيدي‬ ‫وزارة النقل‬ ‫‪.14‬‬
‫�شيعية‬ ‫د‪ .‬عديلة حمود العبودي‬ ‫وزارة ال�صحة‬ ‫‪.15‬‬
‫د‪ .‬حممد �إقبال عمر‬
‫�سني‬ ‫وزارة الرتبية‬ ‫‪.16‬‬
‫ال�صيديل‬
‫�سني‬ ‫فالح ح�سن زيدان اللهيبي‬ ‫وزارة الزراعة‬ ‫‪.17‬‬
‫حم�سن ع�صفور لفتة‬
‫�شيعي‬ ‫وزارة املوارد املائية‬ ‫‪.18‬‬
‫ال�سمري‬
‫�سني‬ ‫عبد الكرمي يون�س عيالن‬ ‫وزارة البلديات‬ ‫‪.19‬‬
‫�سني‬ ‫حممد �صاحب الدراجي‬ ‫وزارة ال�صناعة‬ ‫‪.20‬‬
‫�شيعي‬ ‫عبد احل�سني عبطان‬ ‫وزارة ال�شباب‬ ‫‪.21‬‬
‫�شيعي‬ ‫طارق اخليكاين‬ ‫وزارة الإعمار والإ�سكان‬ ‫‪.22‬‬
‫�شيعي‬ ‫ح�سن كاظم ح�سن الرا�شد‬ ‫وزارة االت�صاالت‬ ‫‪.23‬‬
‫د‪ .‬حيدر ناطق جا�سم‬
‫�شيعي‬ ‫وزارة العدل‬ ‫‪.24‬‬
‫الزاملي‬
‫م�سيحي‬ ‫فار�س يو�سف ججو‬ ‫‪ .25‬وزارة العلوم والتكنولوجيا‬
‫وزارة العمل وال�ش�ؤون‬
‫�شيعي‬ ‫حممد �شياع ال�سوداين‬ ‫‪.26‬‬
‫االجتماعية‬
‫�سني كردي‬ ‫فرياد راوندوزي‬ ‫وزارة الثقافة‬ ‫‪.27‬‬
‫�سني‬ ‫د‪ .‬قتيبة �إبراهيم اجلبوري‬ ‫وزارة البيئة‬ ‫‪.28‬‬

‫‪-498-‬‬
‫�شيعي‬ ‫حممد مهدي البياتي‬ ‫وزارة حقوق الإن�سان‬ ‫‪.29‬‬
‫�شيعي‬ ‫عادل فهد ال�رش�شاب‬ ‫وزارة ال�سياحة والآثار‬ ‫‪.30‬‬
‫وزارة �ش�ؤون جمل�س النواب‬
‫�سني‬ ‫�أحمد عبد اهلل عبد ‬ ‫‪.31‬‬
‫و�ش�ؤون املحافظات‬
‫�شيعي‬ ‫جا�سم حممد حممد علي‬ ‫وزارة الهجرة واملهجرين‬ ‫‪.32‬‬
‫�سنية كردية‬ ‫بيان نوري‬ ‫‪ .33‬وزارة الدولة لل�ش�ؤون املر�أة‬
‫�سني‬ ‫�سلمان عبد اهلل‬ ‫وزارة الدولة‬ ‫‪.34‬‬

‫‪%50‬‬ ‫ ‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�شيعي �إىل املجمو ع‬ ‫ ‬


‫‪%47‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%3‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫•املجموع ‪%100‬‬ ‫ ‬

‫‪%50‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�شيعي �إىل املجموع ‬ ‫ ‬


‫‪%32‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء العرب من املكون ال�سني �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%15‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء الكرد �إىل املجموع ‬ ‫ ‬
‫‪%3‬‬ ‫•ن�سبة الوزراء من املكون امل�سيحي ‬ ‫ ‬
‫•املجموع ‪%100‬‬ ‫ ‬

‫‪-499-‬‬
‫ملحق ال�صور‬

‫‪-501-‬‬
‫وزارة التخطيط‪ .‬من الي�سار‪ :‬عزت �إبراهيم‪ ،‬قحطان لطفي علي‪� ،‬صدام‬
‫ح�سني (ويظهر خلفه برزان التكريتي)‪ ،‬جواد ها�شم و�صالح ال�شيخلي‬

‫مي�شيل عفلق يف وزارة التخطيط‪:‬‬


‫من الي�سار الدكتور الكيايل‪ ،‬ح�سن العامري وجواد ها�شم‬
‫‪-502-‬‬
‫�صدام ح�سني يف زيارة �إىل اجلهاز املركزي للإح�صاء‪ .‬ويظهر يف‬
‫ال�صورة جواد ها�شم‪ ،‬قحطان لطفي على و�صباح مريزا مرافق �صدام‬

‫�صدام ح�سني يف اجلهاز املركزي للإح�صاء‪ .‬ويف ال�صورة جواد ها�شم‪،‬‬


‫�صالح ال�شيخلي‪ ،‬قحطان لطفي على وعدد من موظفي اجلهاز‬
‫‪-503-‬‬
‫بعد العودة من االختطاف �إىل �إ�رسائيل‪ :‬مرت�ضى �سعيد عبد الباقي (وزير‬
‫اخلارجية) ي�ستقبل جواد ها�شم يف مطار بغداد‪ ،‬وبدا على اليمني حامد‬
‫حمادي وعلى الي�سار الدكتور عامر خياط وحميد يون�س‬

‫�أحمد ح�سن البكر يفتتح احلا�سبة االلكرتونية يف وزارة التخطيط‪ .‬من‬


‫الي�سار‪ :‬قحطان لطفي علي‪ ،‬جواد ها�شم و�صالح ال�شيخلي‬
‫‪-504-‬‬
‫يف حدائق �سفارة الفاتيكان ببغداد‪ :‬من الي�سار ه�شام ال�شاوي (وزير‬
‫التعليم العايل)‪ ،‬ال�سفري البابوي وجواد ها�شم‬

‫اجلواهري يف حديث مع جواد ها�شم‪،‬‬


‫�شباط‪ /‬فرباير ‪ 1980‬يف مدينة �أبو ظبي‬
‫‪-505-‬‬
‫زيارة كربالء والنجف‪ .‬من الي�سار‪� :‬سادن الرو�ضة احليدرية‪ ،‬جواد‬
‫ها�شم‪ ،‬قحطان لطفي علي وحمافظ كربالء‬

‫جواد ها�شم ووزير املالية الراجل الدكتور فوزي القي�سي‬

‫‪-506-‬‬
‫زيارة كولبنكيان �إىل وزارة التخطيط‬

‫منيف الرزاز (الأمني العام امل�ساعد حلزب البعث)‪ ،‬جواد ها�شم‪ ،‬الدكتور‬
‫عبد الوهاب الكيايل (ع�ضو القيادة القومية) يف زيارة �إىل وزارة التخطيط‬
‫‪-507-‬‬
‫منيف الرزاز وجواد ها�شم‬

‫جواد ها�شم وديفيد روكفلري‪ ،‬و�إىل اليمني يقف منري قريدار‬

‫‪-508-‬‬
‫جواد ها�شم وديفيد روكفلري‬

‫ق�رص الإليزيه يف باري�س‪ .‬من الي�سار‪� :‬سفري العراق يف باري�س نعمة‬


‫النعمة‪ ،‬طارق عزيز‪ ،‬جواد ها�شم‪ ،‬عزت �إبراهيم‪ ،‬مرت�ضى �سعيد‬
‫عبد الباقي‪� ،‬صدام ح�سني‪ ،‬عزت م�صطفى‪� ،‬سعدون حمادي‪ ،‬فخري‬
‫قدوري‪� ،‬شاذل طاقة‪ ،‬عدنان الق�صاب‪ ،‬عدنان احلمداين وفا�ضل اجللبي‬
‫‪-509-‬‬
‫ق�رص الإليزيه يف باري�س ‪ .1972‬من الي�سار‪ :‬جواد ها�شم‪ ،‬عزت �إبراهيم‪،‬‬
‫مرت�ضى �سعيد عبد الباقي‪� ،‬صدام ح�سني‪ ،‬عزت م�صطفى و�سعدون حمادي‬

‫باري�س ‪ ،1972‬فندق كريون‪ ،‬وبدا يف ال�صورة من الي�سار‪ :‬فالريي جي�سكار‬


‫دي�ستان (وزير املالية واالقت�صاد الفرن�سي)‪� ،‬صدام ح�سني وجواد ها�شم‬
‫‪-510-‬‬
‫من الي�سار‪ :‬تقي الدين ال�صلح (رئي�س وزراء لبنان) وكورت فالدهامي‬
‫(الأمم العام للأمم املتحدة)‪ ،‬الدكتور حممد �سعيد العطار (رئي�س منظمة‬
‫الأكوا) وجواد ها�شم ي�ستدير نحو الكامريا‬

‫لندن ‪ .1968‬من الي�سار‪ :‬خالد مكي الها�شمي‪ ،‬جواد ها�شم‪ ،‬كاظم‬


‫اخللف وطالب ح�سني ال�شبيب‬
‫‪-511-‬‬
‫لندن ‪ .1968‬من الي�سار‪� :‬صباح كجة جي‪ ،‬عبد الوهاب باباجان‪،‬‬
‫�شفيق الدراجي‪ ،‬خالدي مكي الها�شمي‪ ،‬جواد ها�شم و�سفري العراق‬
‫يف لندن كاظم اخللف‬

‫مطار بغداد ‪ .1972‬بع�ض �أع�ضاء الوفد العراقي يف طريقهم ملرافقة‬


‫�صدام ح�سني يف �أول زيارة له �إىل باري�س‪ .‬من الي�سار‪ :‬عزت م�صطفى‪،‬‬
‫عزت �إبراهيم‪� ،‬سعدون حمادي وجواد ها�شم‬
‫‪-512-‬‬
‫زيارة الوفد الهندي �إىل العراق للتوقيع على �أول �صفقة ال�سترياد النفط‬
‫العراقي امل�ؤمم‪ .‬ال�صورة يف مطعم فاروق‪ ،‬وظهر فيها من الي�سار ‪D.P. Dhar‬‬
‫م�ست�شار رئي�سة وزراء الهند �أنديرا غاندي‪ ،‬جواد ها�شم وفخري قدوري‬
‫‪-513-‬‬
‫باري�س ‪ ،1986‬مقهى يف ال�شانزليزيه‪ .‬من الي�سار‪� :‬شفيق الدراجي‪،‬‬
‫جواد ها�شم وخالد مكي الها�شمي‬

‫الإ�سكندرية ‪ ،1969‬منزل جمال عبد النا�رص يف املعمورة‪ .‬جمال عبد‬


‫النا�رص‪ ،‬جواد ها�شم ووزير التخطيط امل�رصي �سيد جاب اهلل‬
‫‪-514-‬‬
‫الإ�سكندرية ‪ .1969‬عبد النا�رص‪ ،‬جواد ها�شم و�سيد جاب اهلل‬

‫جواد ها�شم مع ال�شاذيل القليبي‬


‫الأمني العام الأ�سبق جلامعة الدولة العربية‬
‫‪-515-‬‬
‫جواد ها�شم وعلى نا�رص حممد‬
‫(رئي�س جمهورية اليمن الدميوقراطية ال�سابقة)‬

‫نيودلهي ‪ .1972‬رئي�س جمهورية الهند لدى ا�ستقباله جواد ها�شم‬

‫‪-516-‬‬
‫نائب رئي�س وزراء �أملانيا (الدميوقراطية ال�سابقة) غريهارد �رشودر‬
‫جمتمعاً مع جواد ها�شم يف وزارة التخطيط‬

‫يف حدائق �سفارة �أملانيا (الدميوقراطية ال�سابقة) يف بغداد‪ .‬عامر عبد‬


‫اهلل‪ ،‬جواد ها�شم وغريهارد �رشودر‬
‫‪-517-‬‬
‫جواد ها�شم وغريهارد �رشودر يوقعان اتفاقية التعاون بني العراق‬
‫و�أملانيا (الدميوقراطية ال�سابقة) وت�شكيل جلنة التخطيط امل�شرتكة‬

‫‪-518-‬‬
‫الفهر�س‬

‫مقدمة الطبعة الثانية للكتاب ‪5...........................‬‬


‫ملاذا هذا الكتاب؟‪15.....................................‬‬
‫العراق‪ :‬بيانات ومعلومات �أ�سا�سية ‪27......................‬‬
‫الف�صل الأول‪:‬‬
‫وقائع من تاريخ العراق املعا�رص ‪31.........................‬‬
‫الف�صل الثاين‪:‬‬
‫�شخ�صيات و�أحداث ‪55..................................‬‬
‫الف�صل الثالث‪:‬‬
‫مراحل الدرا�سة الأوىل وتعريف على حزب البعث ‪67.........‬‬
‫الف�صل الرابع‪:‬‬
‫العودة اىل العراق واالت�صال بالبعثيني ‪75....................‬‬
‫الف�صل اخلام�س‪:‬‬
‫البعث يف ال�سلطة‪89............................1968 – ‬‬

‫‪-519-‬‬
‫الف�صل ال�ساد�س‪:‬‬
‫الوزارة‪ ...‬احل�سا�سيات واملناورات‪111......................‬‬
‫الف�صل ال�سابع‪:‬‬
‫زيارة كربالء والنجف ‪125.................................‬‬
‫الف�صل الثامن‪:‬‬
‫بني باري�س ولندن ومقاطعة الب�ضائع الأمريكية ‪133............‬‬
‫الف�صل التا�سع‪:‬‬
‫جمال عبد النا�رص‪ ...‬والبعث ‪143..........................‬‬
‫الف�صل العا�رش‪:‬‬
‫م�ؤامرة عبد الغني الراوي ‪151..............................‬‬
‫الف�صل احلادي ع�رش‪:‬‬
‫اجلزراوي وعقدة وزارتي التخطيط واالقت�صاد‪161............‬‬
‫الف�صل الثاين ع�رش‪:‬‬
‫الوزارة الثانية وت�أميم النفط‪173.............................‬‬
‫الف�صل الثالث ع�رش‪:‬‬
‫يف ال�سيا�سة االقت�صادية ‪193................................‬‬
‫الف�صل الرابع ع�رش‪:‬‬
‫�صدام ح�سني يف باري�س ‪209...............................‬‬

‫‪-520-‬‬
‫الف�صل اخلام�س ع�رش‪:‬‬
‫العراق ودول اخلليج‪� ...‬سيا�سات مرجتلة ‪217.................‬‬
‫الف�صل ال�ساد�س ع�رش‪:‬‬
‫العالقات العراقية‪ – ‬الدولية ‪245............................‬‬
‫الف�صل ال�سابع ع�رش‪:‬‬
‫ق�ضية ناظم كزار مدير الأمن العام ‪263................1973‬‬
‫الف�صل الثامن ع�رش‪:‬‬
‫اختطايف �إىل �إ�رسائيل‪273...................................‬‬
‫الف�صل التا�سع ع�رش‪:‬‬
‫الزنزانة رقم ‪291........................................7‬‬
‫الف�صل الع�رشون‪:‬‬
‫�صدام ي�سيطر على جميع مرافق الدولة‪317...................‬‬
‫الف�صل احلادي والع�رشين‪:‬‬
‫الإعدام بقرار! ‪347.......................................‬‬
‫الف�صل الثاين والع�رشين‪:‬‬
‫البكر‪ :‬املزاج املتقلب!‪359.................................‬‬
‫الف�صل الثالث والع�رشين‪:‬‬
‫عما�ش‪ :‬ع�سكري هزمه املدنيون ‪379.......................‬‬

‫‪-521-‬‬
‫الف�صل الرابع والع�رشين‪:‬‬
‫�صدام‪ :‬ال�صعود على جثث الرفاق ‪397......................‬‬
‫خال�صة جداول امللحق رقم –‪:1‬‬
‫م�سلمو العراق بني املكون ال�شيعي واملكون ال�سني ‪443........‬‬
‫امللحق رقم –‪: 1‬‬
‫�إح�صاءات ال�سكان يف العراق وتوزيعهم املذهبي واالثني ‪445..‬‬
‫امللحق رقم –‪:2‬‬
‫ر�ؤ�ساء الوزارات العراقية ‪455..............................‬‬
‫امللحق رقم –‪: 3‬‬
‫القيادات القطرية املتعاقبة حلزب البعث يف العراق ‪461.........‬‬
‫امللحق رقم –‪:4‬‬
‫املجل�س الوطني لقيادة الثورة ‪469...........................‬‬
‫امللحق رقم – ‪: 5‬‬
‫جمل�س قيادة الثورة كما يف �أيار (مايو) ‪471............ 1971‬‬
‫امللحق رقم – ‪:6‬‬
‫جمل�س قيادة الثورة كما يف ‪ 8‬ني�سان ‪473.............. 2003‬‬
‫املحلق – ‪: 7‬‬
‫جمل�س الوزراء كما يف ‪� 14‬أيار (مار�س) ‪475...........1972‬‬

‫‪-522-‬‬
‫املحلق – ‪: 8‬‬
‫جمل�س الوزراء ‪479........................................‬‬
‫املحلق – ‪:9‬‬
‫وزارة د‪� .‬أياد عالوي‪481..................................‬‬
‫املحلق – ‪:10‬‬
‫وزارة الدكتور �إبراهيم اجلعفري ‪485........................‬‬
‫املحلق – ‪:11‬‬
‫وزارة نوري املالكي الأوىل ‪489............................‬‬
‫املحلق – ‪:12‬‬
‫وزارة نوري املالكي الثانية ‪493.............................‬‬
‫املحلق – ‪:13‬‬
‫وزارة الدكتور حيدر العبادي ‪497..........................‬‬
‫ملحق ال�صور‪501.........................................‬‬

‫‪-523-‬‬
https://t.me/Borsippa_Library

You might also like