Professional Documents
Culture Documents
التصنيع الرقمي
التصنيع الرقمي
يزداد اخلط الفاصل ،بني العامل املادي والعامل االفرتاضي ،شحوباً يوماً بعد يوم .فلم تعد
عناوين أخبار السيارات ذاتية القيادة ،والذكاء االصطناعي ،والطباعة ثالثية األبعاد ،تثري
الدهشة .فبضغطة زر واحدة على تطبيق ذكي يف هاتفي أستطيع التحكم بآلة قص
احلشائش اخلاصة ببييت يف أملانيا وأنا أجلس يف منزيل بأبوظيب .هكذا ستكون احلياة خالل
الثورة الصناعية الرابعة.
ولكن وراء هذا الصخب والعناوين الرئيسية هناك نقلة نوعية وجبارة حتدث .فإن الثورة
الرقمية تغري حياتنا ،وهي اليت تدلنا كيف نستطيع بناء املدن ،وكيف ميكننا أن نسافر وأن
ت أسلوب قيامنا باألعمال ،خالقةً مناذج جديدة جعلت
نتواصل معاً .وهي أيضاً غرّي ْ
النماذج احلالية ضرباً من املاضي .لقد غري اغتنام البيانات ،وحتليلها واستخدامها ،عاملنا
بسرعة كبرية.
متضي الثورة الرقمية بقوة وعنفوان يف عاملنا الصناعي .فاألمتتة (التشغيل اآليل) تلتقي
بالتكنولوجيا الرقمية ،إذ أصبحت اآلالت تتواصل مع بعضها البعض وتكتسب القدرة
على ختزين البيانات ،ومشاركتها وحتليلها ،هبدف إنتاج القيمة.
إن تصميم املنتجات وفحصها وتصنيعها بدأ يظهر بشكل طبيعي يف العامل االفرتاضي،
ولكن النتائج واقعية جداً :اليوم بإمكانك الدخول إىل معرض سيارات مازارايت وشراء
سيارة معروضة يف السوق بسرعة تصل إىل %30من خالل استخدام قنوات مؤسستنا
الرقمية .هذا هو مستقبل التصنيع.
وبالنسبة للشرق األوسط ،الذي يواصل بناء اقتصاداته املتنوعة بشكل متزايد ،فالصناعة
ينفق حوايل %80من ميزانيات متويل األحباث والتطوير
متثل فرصة عظيمة له .وعاملياًُ ،
على قطاع التصنيع الذي ميثل %70من حجم التجارة .تلك اإلحصائيات ال ميكننا
جتاهلها.
إن األمم اليت متتلك قطاعات صناعية متينة تعترب أمما أقوى وأكثر مرونة وأعلى مهارة
وأكثر أهلية للتعامل مع التقلبات االقتصادية .وقد بدأت دولة اإلمارات العربية املتحدة
بالسعي حنو زيادة حصة قطاع التصنيع يف الناتج اإلمجايل احمللي بنسبة %20حبلول عام
2021مرتفعاً بنسبة %14مقارنة بالعام .2014ورؤية مستقبلنا تكمن يف التصنيع.
إن دخول أي دولة كالعب جديد يف جمال التصنيع العاملي واهلندسة يعترب ميزة هلا .فبوسع
الشرق األوسط أن حيتضن سريعا األساليب التكنولوجية اجلديدة ويطبقها ويبين اخلربة
خبطوات سريعة قد جتهد بلدانا أخرى لتلحق معها .إن التقنيات الرقمية متيز األمم ،وحنن
نرى أن الشرق األوسط لديه إمكانية استخدامها حبيث يقفز على الثورة الصناعية الثالثة
ليكون من قادة العامل يف مرحلة الثورة الصناعية الرابعة 4.0أو إنرتنت األشياء الصناعية.
التقنيات الرقمية مثل الطباعة ثالثية األبعاد ستتيح للمنطقة أن حتتل موقعها يف جمال التصنيع
املرن عايل اجلودة ومتوسط التكلفة .مل نعد حباجة لآلالت املكلفة والكماليات وإدارة
دورة حياة املنتج املستهلكة للوقت ،أو للمساحة اليت حيتاجها للعرض .فالربجميات ميكنها
أن تقدم عروضا افرتاضية لكافة املراحل من التصميم االفرتاضي إىل فحص املنتج وإنتاجه.
وميكننا إدخال التعديالت على أي مرحلة وأن نرى النتائج فوراً .إن أيام النماذج املادية
أصبحت معدودة ،أصبح باإلمكان صنع املنتجات بشكل أفضل وأسرع يف العامل
االفرتاضي .هذا هو مستقبل التصنيع يف الشرق األوسط.
يف مؤسسة «سيمنس» لدينا أداة لذلك – مايندسفري ،MindSphereهو نظام تشغيل
مفتوح مستقبل للبيانات يرتكز على السحابة االفرتاضية القائمة على إنرتنت األشياء ،قادر
على ربط األجهزة بعضها ببعض من أجل احلصول على البيانات وحتليلها .ميكننا استغالل
هذا النظام الذكي الختصار الزمن املطلوب لتطوير املنتج ولصناعة منتجات أعلى جودة
وتوفري املرونة من أجل سرعة التكيف مع متطلبات السوق املتغرية بشكل متسارع.
التقنيات الرقمية مثل مايندسفري متنح الشركات احمللية – وبالتايل الدول – ميزة تنافسية
على مستوى العامل.
حلسن حظ احلكومات يف الشرق األوسط نرى بأهنا متقدمة بالفعل يف االسرتاتيجية الرقمية
ولديها احلافز للتوجه حنو الصناعات .حنن نرى بالفعل تركيزاً متزايداً على دعم اإلجراءات
املطلوبة لبناء قطاع أقوى وأكثر استدامة ،ومازال هناك جمال لبذل املزيد من اجلهود
لتحديد اسرتاتيجيات االستثمار بشكل أفضل .كما أن عنصر البحوث والتطوير هام
أيضا ،وأشدد كثرياً هنا على أمهية الشراكة يف هذا اجملال.
التعرف على الالعبني العامليني ذوي الصلة وبناء برامج لتوطني التكنولوجيا واخلربات أمر
حاسم بالنسبة للتصنيع املستدام ونقل املعرفة .أخرياً نشرنا تقريراً خاصاً يؤكد أنه على
الرغم من محاس شركات دول جملس التعاون اخلليجي للتكنولوجيا الرقمية ،إال أن %37
فقط منها لديها اسرتاتيجية تتعلق هبذا اجملال ،و %3فقط منها تصنف نفسها أهنا يف
مرحلة متقدمة يف هذا اجملال.
إن الشراكة باإلضافة إىل حتديد اسرتاتيجية عمل للحقبة الرقمية وتطوير املهارات هي
مكونات رئيسية لالنتقال ملرحلة األعمال الرقمية .إ
ن شراكتنا املستمرة مع شركات سرتاتا واالحتاد لتطوير جزء مطبوع بطابعة ثالثية األبعاد
للتصاميم الداخلية للطائرات يعترب األول من نوعه يف املنطقة هي مثال رائع يبني كيف
ميكن للتعاون ما بني الشركاء العامليني واحملليني املناسبني دفع التصنيع الرقمي لألمام خالل
مدة زمنية قصرية.
وبشكل أساسي يتمثل التحدي الذي تبنيناه يف استخدام التكنولوجيا الرقمية لبناء قطاع
صناعي يفيد اجملتمع كله .فكل وظيفة يف التصنيع ختلق وظيفتني يف القطاعات األخرى،
والنتيجة هنا واضحة :إذا جنح التصنيع تنجح الدولة.
أما التعليم والتدريب فهما عامالن رئيسيان يف هذا اجملال – وسيكون هناك تركيز أكرب
على املهارات الرقمية والتكنولوجيا واالبتكار واملهارات املتعلقة بأمناط معينة من التصنيع.
ومن الضروري جدا أن يتم حتديث وتطوير تلك املهارات يف املهن مما يؤسس جملتمع
تنافسي حملي املهارات حيفز الوظائف واالزدهار والتوازن االجتماعي.
هذا عامل رئيسي ملسامهتنا كشريك مؤسس يف القمة العاملية للصناعة والتصنيع .إن نظرتنا
للتصنيع املستقبلي يف املنطقة تدفعها التكنولوجيا الرقمية ،ولكن لتكون تلك احلالة مستدامة
ينبغي أن يكون لدينا املهارات واخلربات واإلصرار الالزمني .إن استضافة القمة العاملية
للصناعة والتصنيع هي فرصة عظيمة لتجميع الالعبني العامليني يف الصناعة على طاولة
واحدة لنتعلم من نظرائنا ونبحث عن أفضل األساليب لنخطو يف طريقنا اخلاص.
للشرق األوسط تاريخ طويل يف االبتكار والتكيف واالهتمام بكل جديد ومثري .ونرى أن
لدى املنطقة قابلية لتحقيق منو اقتصادي واجتماعي مستدام ،وباستخدام التقنيات الرقمية
ميكن للمنطقة أن تصبح العباً عاملياً رئيسياً يف استخدام شبكة إنرتنت األشياء الصناعية.
جيب أال خنشى من التطلع آلفاق بعيدة.