You are on page 1of 12

‫ـوي ف اإلنشاء الحـجـ ّ‬ ‫ّ‬

‫اللغ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إعدادية ّ‬


‫ّ‬
‫األستاذ فيصل المهداوي‬ ‫ـاج‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫اد‬
‫الز‬ ‫إثـراء‬ ‫بالمهدية‬ ‫الزهراء‬
‫‪ 9‬أساس‬

‫مالحظة هامة‬
‫ّ‬
‫َالت منذ مدّة في نشرات األخبار وعلى مواقع األنترنيت ‪ ...‬وصار هذا ‪ ...‬حديث الطامة‬ ‫‪ -‬تَت ْ‬ ‫نماذج للمقدمة‬
‫ْ‬
‫لفتت‬ ‫ساحة إذ‬ ‫نتجول في ال ّ‬
‫ّ‬ ‫والعامة في ك ّل مكان وآن واليوم وبينما كنتُ صحبة صديقي كريم‬
‫لكن صديقي‬ ‫انتباهنا معلّقات لــ ‪ ...‬على سبّورة التالميذ وعلى أعمدة األروقة تدعونا إلى ‪ّ ...‬‬
‫ي جميل‬ ‫رفض ذلك متعلّال بـــ‪ ...‬فضربتُ له موعدا للتالقي ظهيرة يوم األحد في مقهى سياح ّ‬
‫وهناك حاولت تعديل موقفه ‪...‬‬
‫‪ ... -‬لقد عاينتُ هذا الضغط ال ُمسلّط على أ ّمي وألنّني كنتُ األثيرة عندها فقد كانت تبُثّني‬
‫المرة وبعد أن خلد أبي للنوم مب ّكرا‪ ،‬طلبت منّي‬ ‫بعض أسرارها وأفكارها وظنونها وفي هذه ّ‬
‫ت بنا إلى الوقوف قُبالة البحر وهناك حيث النسيم‬ ‫مرافقتها في جولة مسائيّة عبر السيّارة آلَ ْ‬
‫عليل فاتحتني في فكرة اِعتقدت أنّها ‪ .......‬كان ذلك ما اقترحته من فكرة متو ّهمة إيّاها حالّ‬
‫المتخرجة‬
‫ّ‬ ‫لـــــ ‪ ....‬في الحقيقة هالني هذا التفكير الذي ال يتناسب مع مستواها الثقافي وهي‬
‫ودعوتُها إلى التفكير معي‬ ‫ْ‬ ‫من أرقى جامعات الحقوق التونسيّة‪ .‬فعارضتُ رأيها بك ّل أدب بل‬
‫في ‪....‬‬
‫‪ -‬صديقي خليل ‪ ....‬ولكنني في المدة األخيرة افتقدته في ‪ ...‬وحينما لذت إليه أستنجد به وجدته‬
‫فرط في ‪ ...‬لم أكم أتوقع هذا التغيير الفادح فيمن هداني إلى‬ ‫هو اآلخر قد تخلّى ع ّما يجمعنا فلقد ّ‬
‫ي وأعيده إلى‬ ‫سبيل الصالح ثم زاغ عنه وتركني أعزل من عناصر قوتي‪ .‬فقررت أن أستردّه إل ّ‬
‫ي ويجب أن أنتصر فيها‪.‬‬ ‫رشده بعيدا عن لوثة ‪ ...‬تلك معركتي الحقيقية فُرضت عل ّ‬
‫هاتفته مسا ًء بعد الدوام أسأل عنه فخاطبني ضاحكا نشوانا واستدعاني إلى مق ًهى يُطل على‬
‫البحر‪ .‬لملمت أفكاري وأسرعت إلى حيث وجدته في ركن قصي ‪ ...‬وحينما رآني أقبل عليه‪،‬‬
‫أشرقت عيناه بشرا ووقف متعثرا يستقبلني باألحضان‪.‬‬
‫تلف الكون وتحضنه‬ ‫سبت الماضي‪ ،‬عندما أخذت أجنحة األصيل الحمراء ّ‬ ‫‪ ... -‬وفي مساء ال ّ‬
‫ي ألحاوره‬ ‫سكينة دعوتُ ( ُمحاوري) إلى جلسة صفاء و ِو ّد صادق في حديقة الح ّ‬ ‫وتنشر الهدوء وال ّ‬
‫في قضيّة ‪...‬‬
‫ساحرة‬ ‫الربيع المنعشة إلى حديقة عموميّة بخضرتها ال ّ‬ ‫‪ -‬اصطحبته في أمسية من أمسيات ّ‬
‫وهدوئها الفتّان ألفاتحه في موضوع ‪...‬‬

‫مقرعا‪ :‬ل ِستُ‬


‫‪ -‬ارتسمت على وجهي عالمات الحيرة واالستغراب وتو ّجهتُ إليه الئما ّ‬ ‫عبارات ّصالحة يف‬
‫بداية الجوهر‪:‬‬
‫ارك بالـــ ‪ !...‬أولم تنتبه بع ُد إلى قيمة ‪...‬؟؟‬ ‫أفه ُم سبب ت َه ُّجـ َم َك على ‪ ...‬وا ْستِـ ْهت َ َ‬ ‫قصية‬‫ر‬ ‫مداخلة‬
‫ت غارقا في هذه‬ ‫ْ‬
‫مازل َ‬ ‫المقرع وكلّي أسف على ما أصابه‪ :‬ما لَ َ‬
‫ـك‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬فخاطبته بلهجة ّ‬
‫الالئم‬ ‫لصاحب‬
‫‪!...‬؟ إنّها سبب ك ّل الباليا التي حلّت بك‼ َأولَـ ْم ت ْست َ ِف ْق ب ْعـ ُد من غفوتك الماثلة لترى ّ‬
‫أن‬ ‫األطروحة‬
‫ضك إلى ‪ ...‬ورغم ذلك ماتزال‪..‬‬ ‫وعر َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ْهـ َج َك في ‪ ...‬هو ما تسبّب في تقهقر ‪...‬‬ ‫ّ‬
‫المدعومة‬
‫(ليست رضورية)‬
‫‪ -‬بعد حوار ودّي حول الصحة والعائلة دخلت مباشرة في صلب الموضوع وسألته قائال‪:‬‬
‫"صديقي العزيز خليل‪ ،‬لماذا هجرت ‪ ...‬و ‪...‬‬
‫بأن (مثال‪ :‬اإلدمان‪ ،‬التقاعس‪ ،‬العنف ‪ )...‬عنده ليس سلوكا فقط بل هو أيضا‬ ‫‪ -‬فاجأني ّ‬
‫ُصر على الدّفاع عنه فحاولتُ أن أنير بصيرته على أخطاره وبادرته قائال‬ ‫موقف ومبدأ ي ّ‬
‫وحرف مزاجك حتّى‬ ‫ّ‬ ‫في نبرة ال تخلو من لوم تأنيب‪" :‬أي صديقي ما الذي غيّر طباعك‬
‫صرت ‪"...‬‬
‫* يف بداية األطروحة المدحوضة‪:‬‬ ‫عبارات صالحة‬
‫‪ -‬بدا لي صديقي ‪ ...‬في بداية الحوار مستخفّا بــ ‪...‬وساخرا من موقفي الدّاعي إلى ‪ ...‬فقد تو ّجه لي‬ ‫يف خطاب‬
‫إن تالعب ‪...‬‬ ‫بالخطاب قائال في نبرة طافحة بالثقة بالنّفس والحماسة الفائقة‪" :‬يـا أيّها المسكين ّ‬ ‫األطروحة‬
‫مجرد ‪...‬‬‫ّ‬ ‫أن ‪ ...‬ليست ّإال‬ ‫بمشاعرك وعقلك جعلتك ت َ ْعشى عن رؤية حقيقة ّ‬ ‫المدحوضة‬
‫ب بـحيرة وأمل‪ :‬آآآه يا بُنيّتي العزيزة!‬ ‫شو ٍ‬ ‫ي أ ّمي قائلة في صوت ال يخلو من ه ّم وكدر َم ُ‬ ‫‪ -‬تو ّجهت إل َّ‬
‫ت أسرتنا‪ ،‬إنّ‬ ‫لَـ َك ْم آلَمني ما ح ّل بي من إنهاك وضغط وإني لـ ِفي شديد حيرة من أمري وأمركم و َمـآال ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫عدْتُ أرى حالّ في غير ‪...‬‬ ‫ما أصابني من يأس وقنوط جعلني ‪ ...‬وما ُ‬
‫أن ‪...‬‬ ‫ْ‬
‫ارا ِلـ َما ت َـلُو ُكهُ ألسنة العبيد! ‪ ...‬ولت َعل ْم علم اليقين ّ‬
‫َ‬ ‫ـر ً‬
‫‪ .. -‬كفاك أوها ًما واجْ تِ َ‬
‫عض على شفته السفلى‬ ‫ّ‬ ‫شرا بينما‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬فقاطعني وهو يفور فوران القدر على الموقد وعيناه تتقدان ّ‬
‫ي كأنّه يتمنّى أالّ يراني‪ :‬أوووف‼ ما الذي جاء بك لتنغّص‬ ‫متبرما ث ّم قال ساخطا دون أن يلتفت إل ّ‬ ‫ّ‬
‫ي متعتي وتُع ّكر مزاجي وراحتي بأقاويل طنّانة ولكنّها جوفاء‪ ..‬يا ابْني‪..‬‬ ‫ي خلوتي وتُفسد عل ّ‬ ‫عل ّ‬
‫ي‬
‫حق طبيع ّ‬ ‫ضي ُْر في ذلك إن كنتُ ملتزما بــ ‪ ...‬أليس ذلك ّ‬ ‫اِ ْفـه ْم‪ ..‬ال قيمة لــ ‪ّ ...‬إال في‪ ...‬وما ال َّ‬
‫لي؟؟‬
‫‪ -‬كانت عـينا أ ّمي ترقصان فرحا وت ُ ِشعّـان ألـقا وبهجة وافتخارا‪ ،‬وعلى شفـتيها ترتسم ابتسامة‬
‫لكأن لها جناحان يرفعانها‬ ‫ّ‬ ‫رفرف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هت نحوي ت ُ‬ ‫لق زغاريـد نصر عظيم تحقّق‪ .‬تو ّج ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫عريضة تكاد ت ُ ْ‬
‫ازحةً‪:‬‬ ‫ويطوحان بها في سماوات ورديّة‪ .‬احتضنتـْني بين ذراعيها وقالت لي ُم َم ِ‬ ‫ّ‬ ‫عن أديم األرض‬
‫العجب! ‪...‬‬
‫ُ‬ ‫صـت أ ّمي ضحكاتِها وأجابتني متع ّجلة‪ ،‬متأفّفة‪ " :‬أووف‪...‬أنت كعادتـك‪...‬ال ي ِ‬
‫ُعجبُـك‬ ‫‪ -‬امت ّ‬
‫لكن رغم ذلك لن أتركك تُش ِ ّكـك في ‪...‬‬
‫‪ -‬سكت صديقي قليال ث ّم ضحك ضحكة لم أفهم مغزاها لكنّني أحسست أنّها تن ّم عن سخرية ث ّم أردف‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬فسحت المجال لمحاوري ليدلي بأفكاره ويبين وجهة نظره رغبة مني الستجالء دوافعه وتقصي‬
‫مبرراته فطفق يقول‪...‬‬
‫‪ -‬استه ّل فلسفته الغريبة وكلّه ثقة بوجهة نظره‪ /:‬وقف‪ ،‬حدجني بنظرة صارمة وقال منتفضا من‬
‫التفت نحوه فإذا به يفور فوران‬ ‫ُّ‬ ‫ي وفي عينيه لمحات االستهزاء والسخريّة وأجاب‪/:‬‬ ‫الغضب‪ /:‬نظر إل ّ‬
‫القدر على الموقد وطفق يقول وهو يُزب ُد ويُرعد‪ /:‬قاطعني وقد استشاط غضبا بصوت يكاد يتف ّجر‬
‫يتمزق من الغيظ وإذا به يصرخ غاضبا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫حنقا‪ /:‬ثار في وجهه الدّم وطغى في رأسه الغضب وكاد‬
‫‪ -‬فقال وهو يهز كتفيه ‪ /‬فرماني بنظرة شزراء‪ ،‬وقال‪ /‬واسترسل في ضحكاته العابثة الهوجاء‪ /‬أجاب‬
‫بلهجة لم تخل من تهكم واستهتار‪ /‬فقهقه ثم قال بهدوئه المصطنع‪ /‬أجاب بلهجة لم تخل من تهكم وقال‬
‫مدفوعا بروح االستهتار واالدعاء‪ /‬فاربدت معالم وجهه‪ ،‬وتسعّر بين ضلوعه الغيظ والتحسر وسما‬
‫بقامته واقفا‪ ،‬وما ملك أن صاح في لهجة اآلمر‪ / :‬وصاح من فوره متهدج الصوت‬
‫* ربي عنارص األطروحة المدحوضة‪:‬‬
‫ّ‬
‫الظن‬ ‫ي وقد اعتراه‬ ‫هو و ُخيالء‪ ،‬يستر ّد أنفاسه وهو يُحملق في عين ّ‬ ‫‪ -‬توقّف ‪ ....‬برهة عن الكالم في ُز ّ‬
‫واستمكن من فكري‪ .‬ث ّم ما لبث أن واصل خطابه في كثير من اليقين‬ ‫ْ‬ ‫أنّه حاصرني بحججه الدّامغة‬
‫ونبرة من اللين فقال ونظراته ال تَبْر ُح ُمقلت ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫أن ‪...‬‬ ‫ْ‬
‫ارا ِلـ َما ت َـلُو ُكهُ ألسنة العبيد! ‪ ...‬ولت َعل ْم علم اليقين ّ‬
‫َ‬ ‫ـر ً‬
‫‪ .. -‬كفاك أوها ًما واجْ تِ َ‬
‫‪ -‬صمت قليال وأخذ يسعل ثم استجمع ما بقي له من قوة وأضاف قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ولكنه لم يكتف ولم يزدجر‪ ،‬فمضى يصب على رأسي أوضار النعوت واألوصاف وكنت واقفا أحدق‬
‫فيه‪ ،‬وخلف ضلوعي عاصفة تزلزل كياني‬
‫ّ‬
‫ي نظرة المنتصر الذي رماني بسهامه متأ ّمال قسمات وجهي عله يظفر بعالمات استسالمي‬ ‫‪ -‬نظر إل ّ‬
‫ولكنّه لم يجد غير سيماء االستغراب والتع ّجب واالستنكار فاستجمع قواه وواصل خطابه ُمم ّجدا ‪....‬‬
‫متدثّرا بلغة الحجاج‪ ،‬فالحت على وجهه شبه ابتسامة ماكرة في عينيْه وقال في صوت يستجمع ثقة‬
‫بالنّفس مهزوزة‪:‬‬
‫عبارات صالحة ‪ -‬هَـالَـني حـقّا ما سـمعته في خـطاب صديقي من فـوضى قيم وزيْـغ تفكير ورأْي ٍ هجين يـتسـت ّ ُر‬
‫ـز على واقـع سائـد ومجتمع فاسد فهل‬ ‫بحـجاج مـتـيـن ولكـنّه في الحـقـيقة منطق معكوس يَـت ََـو ّك ُ‬ ‫الخطابي‬
‫ر‬ ‫ربي‬
‫ضخ أم أسعى وأصر ُخ بما يجب أن يـكون في مجـتمع يفـقـد ضميره وأمـله في‬ ‫عـساني أسكـتُ وأر َ‬
‫غد أفضل؟ ‪ ...‬رفعـتُ رأسي صوب عينيه مباشـرة بنظرة ثاقـبة وأخذتُ نفسا عميقا قبـل أن أتو ّجه‬
‫ـف عن ابتسامة هادئة‪:‬‬ ‫إليه قائال بعـينـين حالمـتـين وثـغـر ت َـ ِش ُّ‬
‫‪ -‬ظ َل ْلتُ ُمطرقة برهة من الزمن لم أستوعب مداها وحاولتُ قدْر المستطاع أن أشيح بوجهي عن ‪...‬‬
‫أتصور ّ‬
‫أن عقليّات ‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫حتّى ال يستقرئ سيماء التع ّجب والذّهول بل الخيبة وال ّ‬
‫صدمة فما ُكنتُ أبدا‬
‫يُمكن أن تخترق قناعات ‪ ...‬وثوابته فقد ع ِه ْدتُه منذ تفتّحت عيناي على حقائق الحياة والواقع نصيرا‬
‫يرقَ إلى مستوى تنظيراته ولكنّني اليوم وقفتُ‬ ‫أن سلوكه لم ْ‬‫لـــ ‪ ...‬ومدافعا شرسا عن ‪ ...‬صحيح ّ‬
‫المتحرر والمتفتّح‪ .‬ال مناص إذن من خوض مواجهة‬ ‫ّ‬ ‫وتسرب العقليّات البالية لعقله‬
‫ّ‬ ‫على زيغ التفكير‬
‫فكريّة مع ‪ ...‬تُعيد األمور إلى نصابها وتكفُ ُل لــ ‪ ...‬حقوقه(ـــهــا) وألسرتنا توازنها وسعادتها‪.‬‬
‫ملمتُ أفكاري وصفّيْتُ ذهني واستجمعتُ حججي وتو ّجهتُ إلى ‪ ...‬قائلة في صوت ملؤه الحبّ‬ ‫لَ ْ‬
‫واللّطف والجرأة على قول الحقيقة عارية‪:‬‬
‫مر ْ‬
‫ت‬ ‫ق‪ .‬وفي لحظات سريعة ّ‬ ‫وتقهـقر بعد ِج ٍ ّد وتألّ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ـر ْقتُ ُمف ّكرا فيما آلَ ْ‬
‫ت إليه حال صديقي من تر ٍ ّد‬ ‫‪ْ -‬‬
‫أط َ‬
‫بخاطري أمـثلة شتّى لزمالء لي سقـطوا في أحابـيل هـذا الفـهم القاصر والمتخبّـط لــ ‪ ...‬نظرتُ إليه‬
‫فإذا به يرمقني بنظرة المنتصر الفاتح ظنّا منه أنّه أقنعني وأفحمني فابتسمتُ في وجهه ابتسامة فاترة‬
‫وحنو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقلتُ بلهجة ال تخلو من هدوء‬‫ال تُخفي لوما وعتابا ْ‬

‫‪ ... -‬فاتّخذتُ لي مكانا لصيقا من (محاوري) وانبريْتُ أقول في حماس واتّقا ٍد مشوب بو ّد ومحبّة‪:‬‬
‫والتفوق! إنّي أل ُ ْشـ ِف ُق عليك وعلى أمثالك من الشباب الذين‬
‫ّ‬ ‫ي صديقي ‪ ...‬يا رفيق درب الدراسة‬‫"أ ْ‬
‫تاهوا عن الجادة وغابت عنهم ‪ ...‬ذلك أنّهم لم يستوعبوا بع ُد ‪"...‬‬
‫‪ -‬أخذت أتفرس مالمح وجهه أبحث في قسماتها عن مرفأ لحيرتي‪ ،‬ولكن ابتسامته الساخرة انتشلتني‬
‫من واقع الحيرة لتلقي بي في ي ّم الضياع وما وجدت غير السؤال أداة أجذّف بها نحو شاطئ الجواب‬
‫فانبريت أقول عازما على إخراجه من الضاللة إلى النور‬
‫‪ -‬ساءتني كلماته كثيرا ووقعت في نفسي وقع السهام في جسم الفريسة ولكنها لن تشل عقلي ولن تكبح‬
‫لجام لساني ولن تغنيني عن طريق عزمت على السير فيه فانبريت أقول بكل ثقة في النفس‬
‫أفوت على نفسي هذه الفرصة حت ّى ال تغمر موجة الضالل (أخي‪ ،‬صديقي) ويجرفه تيار‬
‫‪ ... -‬لن ّ‬
‫الجهل فهممت بمخاطبته كاتما في صدري كل رغبة في الغضب واالنفعال محاوال التكلم برصانة‬
‫وهدوء عساي أجد منه أذنا صاغية‪:‬‬
‫‪ -‬لبثتُ أف ّكر في قوله فبدا لي أنّه منطق معكوس ال يد ّل على فكر متماسك وموقف صلب بقدر ما يشير‬
‫إلى تهاوي حججه وانهيار أحكامه فابتسمت ابتسامة ِو ٍ ّد ال ُ‬
‫سخريّة ث ّم وضعت يدي على كتفه ونحن‬
‫نمشي الهوينا في طريقنا إلى المنزل‪:‬‬
‫‪ -‬لم أشأ أن أستسلم‪ .‬صحيح أن عقل صديقي قُـ َّد من صخر ولكن ذلك لن يُثنيني عن عزمي تغيير‬
‫موقفه فلن أتركه يتخبط في بحر الجهالة ولن أترك األوهام تتالعب به بل سأنتشله من هذا الغرق وألقي‬
‫به على شاطئ العقل فراحت الكلمات تنساب من بين شفتي هادئة مطواعة كالماء ونور الفجر‪:‬‬
‫ثائرا أتسخط‪ ،‬حاقدا أغلي‪ ،‬وبنيت عزمي على أني ال‬
‫ي هذا النبأ نزول الصاعقة‪ ،‬ووجدتني ً‬
‫‪ -‬فنزل عل ّ‬
‫ولكن التعقّل واجب والرزانة أجدى فتمالكت نفسي‬
‫ّ‬ ‫بد ناقض ما أبرم (محاوري) من عسف وعدوان‬
‫وقلت له بلهجة هادئة ونبرة عميقة‪:‬‬
‫أن (رجال المال واإلعالم‬‫أتصور ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أنهى صديقي كالمه ولكنّي بقيتُ مشدوها مستغربا‪ ،‬ما كنتُ‬
‫والسياسة) استطاعوا أن يبثّوا أفكارهم السامة إلى عموم النّاس ويجعلوا منهم أبواق دعاية للباطل والظلم‬
‫والزيف والبهتان فعقدت العزم على أن أستر ّد صديقي من براثنهم وال ب ّد إذن من ترتيب أفكاري‬
‫وتصفية ذهني قبل أن أخاطبه في هدوء ورصانة‬
‫ي نظرة المنتصر الذي رماني بسهامه وبقي متأ ّمال نتيجة انتصاره في قسمات وجهي فلم ينل‬ ‫‪ -‬نظر إل ّ‬
‫قررتُ أن‬ ‫غير مالمح االستغراب واالستنكار وعدم االستسالم ففي جرابي الكثير والكثير من حجج ّ‬
‫أعالج بها فساد رأيه وانحراف موقفه فقلت له في نبرة ال تُخفي ثقة في النفس وحماسة ظاهرة‪:‬‬
‫أن من الصعوبة إقناعه بخطإ تصوره وغفلته عن الحقيقة‬ ‫‪ -‬أدركت أنّي في موقف حرج وأيقنت ّ‬
‫ولكنّي ص ّممت على المض ّ‬
‫ي قدما في الدرب الذي تخيّرته بك ّل عزيمة وثبات وإن مألته األشواك‬
‫وشابته العثرات فقلت بك ّل هدوء ورصانة‪:‬‬
‫وحوله من سيّد‬
‫ّ‬ ‫ي تيّار جرفه إلى مستنقع التخلّف‬
‫ي رياح عصفت بفكره وأ ّ‬
‫‪ -‬نظرت إليه في وجوم فأ ّ‬
‫يظن أنّه أقنعني فأعربت بالقول‬
‫ّ‬ ‫إلى عبد لهذه األفكار البائدة ولم أطل الصمت خشية أن‬
‫‪ -‬لبثت برهة أنظر إليه ووقع المباغتة يرسم في نفسي طعم المرارة والخيبة لكنّي ما لبثت أن استعدت‬
‫تو ّهج نار الحماسة فصحت‪:‬‬
‫ي بريق األمل‬
‫أجش تملؤه الثقة وفي عين ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬التقطت أنفاسي واستحضرتُ حججي وتو ّجهتُ إليه بصوت‬
‫في أن أجعله يُغيّر رأيه وقلتُ‬
‫‪ -‬استمعتُ إلى صديقي جيّدا وعلمتُ أنّه يسبح في بحر من الجهالة فرددتُ في صوت متّزن يُخفي‬
‫جراء ما ذكره ‪...‬‬
‫مرارة ّ‬
‫حق ما طرق مسامعي من استخفاف بـــ ‪ ...‬ولكنّي تمالكتُ نفسي حتّى ال يعلُو هتاف الحناجر‬
‫‪ -‬أغضبني ّ‬
‫على هتاف العقول فقلتُ في هدوء ورصانة‬
‫‪ -‬بعد أن أتم صديقي كالمه أدركت دوافعه والتمست له األعذار ولكن ‪ ...‬ال يجب أن يحجب عني ما‬
‫في موقفه من ّ‬
‫تجن على ‪ ...‬وتعد على ‪ ...‬فقلت له بهدوء واحترام‪:‬‬
‫أنصت إلى (محاوري) بك ّل انتباه واحترام‪ ،‬وأنا ّ‬
‫أهز رأسي بالموافقة في انتظار أن يُدلي بك ّل ما في‬ ‫ُّ‬ ‫‪-‬‬
‫دلوه‪ ،‬وحتّى ال تبقى له بعد ذلك ح ّجة‪ ،‬ث ّم عدّلتُ جلستي‪ ،‬ونظرتُ في عينيه مباشرة وقلت في نبرة ‪..‬‬
‫تصوره وغفلته عن الحقيقة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يصعب إقناعه بخطإ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬حينها أدركتُ أنّني في موقف حرج وأيقنتُ أنّه‬
‫ي قُدما في الدّرب الذي تخيّرته بك ّل عزيمة وثبات وإن مألته األشواك وشابته‬
‫ولكنّي ص ّممتُ على ال ُمض ّ‬
‫العثرات‪ .‬فأردفتُ قائال‬
‫أن إقناعه بخطإ نظرته ليس باألمر الهيّن‪ ،‬فحججه‬‫‪ -‬كنتُ أنصت إلى كالمه مذهوال متع ّجبا وقد أيقنتُ ّ‬
‫ال تخلو من وجاهة ورؤيته تد ّل على رجاحة فكر وإدراك لجواهر األمور وإن كان يُغالي في ‪ ...‬ويُنكر‬
‫فضل ‪ ...‬فقلتُ بصوت مفعم بالثقة واإليمان بتغيير موقفه‬
‫‪ -‬فظللتُ أُنصتُ له خافض الرأس صامتا‪ ،‬أحاول أن أستبقي في سريرتي ما يشغلني‪ ،‬ولكني ما‬
‫ت في كياني شجاعة واقتدار‪ ،‬والتمعت‬ ‫س َر ْ‬
‫عتمت أن ألفيتني صادحا بمكنوني نافضا دخيلة نفسي‪ /‬و َ‬
‫عيني التماعة التأهب والتدبير‪ /‬صدمني ما سمعته لكنّي تمالكت نفسي فقلت مؤنّبا‪:‬‬
‫‪ -‬أحزنني تخبّطه في الجهالة فعزمت على إخراجه من الظلمات إلى النّور وقلت في نبرة ملؤها‬
‫عبارات صالحة * الدّحض الكلّي‪:‬‬
‫ي صديقي ‪ ...‬يا رفيق درب الدراسة! ما ُكنتُ أحسبك ال تنتبه ‪ ...‬أو تغفل عن ‪...‬‬ ‫يف خطاب‬
‫‪-‬أ ْ‬
‫األطروحة‬
‫ي أبي العزيز‪ ،‬أعرف جيّدا مدى حبّك لـ ‪...‬وحرصك الشديد على ‪ ...‬واسمح لي رغم ذلك أن‬ ‫‪-‬أ ْ‬ ‫المدعومة‬
‫الطين بلّة ويُفاقم أزمة ‪...‬‬
‫أعارضك الرأي فما تفضّلت به من ‪ ...‬ال يُمكن أن يكون ‪ ...‬بل سيزيد ّ‬
‫والمطلوب منّا هو ‪ ...‬فليس صحيحا ّ‬
‫أن ‪ ...‬بل على العكس تماما ‪...‬‬
‫‪ -‬رويدك يا ( ُمحاوري) فهالّ تم ّهلت في إصدار أحكامك جزافا دون تفكير وال رويّة ‪ !...‬ذلك أنّك فهمت‬
‫الواقع على غير حقيقته والمست ظاهره وأغفلت حقائقه الكامنة في باطنه ‪...‬‬
‫ظتَ شَيئًا‪،‬‬‫لمن ي َّد ِعي في العل ِم فلسفة‪ ،‬ح ِف ْ‬
‫فقل ْ‬ ‫‪ -‬يا صديقي أنا ال أشاطرك الرأي وإنما أعتقد ّ‬
‫أن‪ْ /...‬‬
‫ّللا أنت ال‬‫صحيح ‪ /‬هداك ّ‬ ‫صواب ‪ /‬أرى أنّك تحيد عن النّهج ال ّ‬ ‫وغابَ ْ‬
‫ت عنك أشيا ُء ‪ /...‬أنت تجانب ال ّ‬
‫الحق وتحيد عنه‪ /‬حججك واهية كبيت العنكبوت‪ /‬أنا أدعوك إلى أن تُعمل عقلك ‪ /‬لقد‬ ‫ّ‬ ‫ترى طريق‬
‫أن ‪ ...‬ولكنّك لمست ظاهر األمور وغفلت عن جوهرها‪ /‬يا‬ ‫فهمت الواقع على غير حقيقته‪ /‬إنّك تزعم ّ‬
‫خيبة المسعى أن أراك تسلك مثل هذا السلوك‪ /‬وأسفا عليك وأنا الذي كنتُ أعدُّك من حصيفي الرأي‬
‫* الدّحض الجزئي‪:‬‬
‫فيخلص‬
‫ُ‬ ‫والغث بالسمين ويُخالط فيه الصواب الخطأ َ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬أي صديقي ّ‬
‫إن خطابك يمتزج فيه الحابل بالنابل‬
‫أن ‪ ...‬ورغم‬ ‫إلى نتائج ومواقف مجانبة للحقيقة‪ .‬فلستُ أخالفك الرأي في الكثير م ّما عرضته من ذلك ّ‬
‫ذلك فاسمح لي أن أعارضك وأعدّل رأيك حول ‪ ...‬إذ أنّنا رغم ذلك نظ ّل في أش ّد الحاجة إلى ‪ ...‬على‬
‫سأستحث فطرت َك اإلنسانيّةَ لتكون عينا ُمبْصرة ً وشاهدة ً‬
‫ُّ‬ ‫أنّني وقبل أن أدعوك إلى تحكيم بصيرتك‪،‬‬
‫على هول ‪...‬‬
‫ثير‬ ‫‪ -‬رغم ما في خطابك من حجج وجيهة ّإال ّ‬
‫أن رفضك القاطع للــ ‪ ...‬وتركيزك فقط على ‪ُ ...‬م ٌ‬
‫لالستغراب ويفتقر إلى المعقوليّة ورجحان العقل‬
‫‪ -‬لم يكن مخفيا عني ما في كالم ( ُمحاوري) من نقائص وشوائب وحاجة الى التعديل واالضافة مما‬
‫جعلني اندفع ألعالج هذا الراي بمنطق بليغ ولسان فصيح وأدب َجـ ٍّ ّم‪:‬‬
‫انا ال أنكر يا ‪ ...‬اال اننا نجانب الصواب ان اعتقدنا ّ‬
‫أن ‪...‬‬
‫‪ -‬إنّي قد أشاطرك الرأي في بعض الذي قلته وخاصة فيما يتعلق بــ ‪( ...‬المسايرة) غير أنّني ال أرى‬
‫أن ‪/ ...‬ال ب ّد من اإلذعان إلى بعض رأيك بيد أنّك تغافلتَ عن ‪ /...‬أوافقك في بعض ما ذهبت إليه ّإال‬
‫أنّه ‪ /...‬صحيح ما ذهبت إليه ولكن لو أمعنت النظر في األمر برويّة لوجدت‪/‬‬
‫** يف بداية األطروحة المدعومة‪:‬‬
‫‪ -‬فرسمتُ على وجهي ابتسامة و ّد حتّى يُعيرني انتباهه ويتي ّ‬
‫سر إقناعه ث ّم قلتُ في لهجة الواثق‬
‫ّللا يسبح في مستنقع من الضالل لكنني‬‫‪ -‬شعرت بالغيظ من تفاهة ما سمعت وعرفت أن ‪ ...‬هداه ّ‬
‫ازددت تح ُّمسا إلقناعه بـــ ‪ ...‬ثم قلت وعالمات التفاؤل بادية على ُمحيّاي‪ ..." :‬وهذا لعمري خطأ‬
‫فظيع يخفي وراءه فكرا غثّا ومنطقا رثّا مازال سائدا في مجتمعنا وحكم علينا بالتخلف ‪"...‬‬
‫أن ‪ِ ... /‬لـتُـؤْ ِم ْن أصدق اإليمان ّ‬
‫بأن ‪ / ...‬خذها‬ ‫‪ -‬ولش ّد ما تـتجنّى على الحقيقة إذا ذهب بك ّ‬
‫الظ ّن إلى ّ‬
‫ّث إليك حديث تجربة في هذه الحياة‪ ،‬عسى‬ ‫منّي كلمة مخلص يم ّحضك النّصح ‪ /‬لستُ ّإال أخا لك‪ ،‬يتحد ُ‬
‫الطريق‬‫وميض تتل ّمس به ّ‬
‫ٌ‬ ‫أن يكون في كالمي‬
‫** ربي عنارص األطروحة المدعومة‪:‬‬
‫‪ -‬نظرت إلى ‪ ...‬فإذا هو ُمنصت بكل اهتمام وأحسست أن في نظراته اقتناعا بحديثي‪ .‬فواصلت أقول‪:‬‬
‫المرة بحجج أقوى من سابقاتها‪ /:‬ل ّما الحظتُ عليه التردّد والحيرة أضفتُ‬ ‫‪ -‬استأنفت القول ّ‬
‫لكن هذه ّ‬
‫قائال‬
‫الرشيد فقلت وقد تهلّلت أسارير وجهي بعد أن‬ ‫‪ -‬أدركت ّأال صوت يعلو على ّ‬
‫الرأي السديد والموقف ّ‬
‫ّ‬
‫الحق‪:‬‬ ‫أشرقت شمس‬
‫قررت إنهاء ما بدأت به‪:‬‬
‫‪ -‬عندما ازداد يقيني من تداعي صرح اإلباء والرفض الذي كان يحتمي به ّ‬
‫أن هذه الجولة هي األخيرة من هذا الحوار فقلت وكلّي أمل في نصر قريب‪:‬‬
‫‪ ... -‬حينئذ أدركتُ ّ‬
‫‪ -‬بدت على وجه صديقي عالمات الحيرة والقلق ولم يجد ما يقوله حينئذ أيقنت ّ‬
‫أن هذه هي الجولة‬
‫األخيرة من الحوار حيث أفحمته بح ّجة دامغة قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ولما رأيته يستزيدني بعينيه طفقت أخاطبه وقد سرى الحماس في جسدي سريان النار في الهشيم فقد‬
‫اطمأنت نفسي قليال بعد كدت أفقد األمل في إقناعه بوجهة نظري وحينها أخذت أخاطبه بصوت دافئ‬
‫‪ -‬الحظتُ انشداده إلى فكرتي ومتابعته لي بك ّل اهتمام‪ ،‬فواصلت حديثي بعزم وإصرار‬
‫‪ -‬اعتراني إحساس بالظفر والثقة بالنفس ألنّني على استعداد تام لمنحه الجرعة الثانية من العالج حتّى‬
‫يهتدي إلى ‪...‬‬
‫قصية لصاحب األطروحة المدحوضة‬
‫ر‬ ‫** ربي عنارص األطروحة المدعومة‪ :‬مداخلة‬
‫‪ -‬قال صديقي وقد بدأ يتأثّر بخطابي ولكن ّ‬
‫عز عليه أن يتراجع عن موقفه فقال في لهجة ال تخلو من‬
‫ُمداراة الرتباكه وتصنّع للتماسك‬
‫‪ -‬قال وقد بدأ كالمي يفعل فعله في نفسه‪ /‬قال وقد بدأ يلين تحت ضغط أدلّتي المقنعة‬
‫‪ -‬حملق في وجهي وكأنّه قد تفاجأ لما سمعه منّي‪ ،‬صمت برهة‪ ،‬صمت من ي ُْلم ِل ُم شتات أفكاره عساه‬
‫س قيادي ث ّم قال وقد أشرق وجهه متو ّهما أنّه سيُفحمني بح ّجة دامغة‬
‫يُضعف موقفي ويُس ِل ُ‬
‫‪ -‬تغيّرت مالمح وجهه واجتاحت عينيه نظرات غريبة ت َـ ِشي بما يجول في رأسه من أفكار‪ ،‬كانت‬
‫سس قصور موقفه وحدود نظرته لكنّه استجمع آخر خواطره‬ ‫تبدو عليه عالمات االرتباك فقد بدأ يتح ّ‬
‫وعاد ليقول في محاولة أخيرة لإلقناع بموقفه‪:‬‬
‫‪ -‬وفجأة قطع صديقي خطابي وزال عن صوته التكلّف وبان على وجهه التعقّل وسألني في حيرة‪ :‬فعال‬
‫أيّها الطيّب للــ ‪......‬مخاطر ج ّمة ونتائج كارثيّة ولكن ال ح ّل أمامي مادام األمر مست ْشريا أيّما‬
‫قوة لنزاله ‪...‬‬
‫استشراء وال حيلة لنا أمامه وال ّ‬
‫شة النّجاة وقال بصوت مرتعش‪:‬‬
‫سك الغريق بق ّ‬
‫سك برأيه تم ّ‬
‫‪ -‬تم ّ‬
‫‪ -‬نظرتُ إلى صديقي فلمحتُ على محيّاه عالمات التردّد وسيماء االرتباك وكشفت نبرات صوته عن‬
‫مغالبة لضعفه وتستّر على خجله‪ .‬لقد كان يقول متلعثما‪:‬‬
‫‪ -‬ظ ّل واجما من هول ما سمع من حجج لكنّه حاول التّظاهر بالثبات قائال‪:‬‬
‫‪ -‬بانت على محيّاه عالمات العجز وكأنّني قد ضيّقت الخناق عليه فبدأت حججي تنهش أسس رأيه‬
‫أحس أنّي لمست فيه االنعطاف عن أطروحته استجمع ما بقي في أركان عقله ال ّ‬
‫شارد من حجج‬ ‫ّ‬ ‫وحين‬
‫ور ّد صارخا‪:‬‬
‫‪ -‬ابتسم ابتسامة تد ّل على السخريّة لكنّني قرأت في عينيه ضعفا وعجزا فأدركت ّ‬
‫أن أسلحته‬
‫أوشكت على النّفاذ ث ّم لم يلبث أن قال بصوت مرتبك يد ّل على قرب هزيمته‪:‬‬
‫‪ -‬أخذت عيناه الجاحظتان ترمقانني بنظرة أفصحت عن حيرة ال يعرف لها هوادة‪ ،‬كانت شفتاه ته ّمان‬
‫ولكن شيئا ما كان يمنعه وحين استجمع شتات شجاعته وما بقي‬‫ّ‬ ‫بالتحرك علّهما تسحقان جدار الصمت‬
‫ّ‬
‫من أشالء خواطره أطلق العنان للسانه فأعرب بالقول‪:‬‬
‫‪ -‬فلبث يصوب في نظره ويصعد‪ ،‬وهو في وقفته يتلوى على نحو أثار بين جوانحي غرائب إحساس‪،‬‬
‫ثم قال في تؤدة المترفع‪ /‬وتردد لحظة ولكنه رفع يسراه محتجا وقطب استياء ثم قال‪ /‬بعد أن ألقيت‬
‫ّ‬
‫وكأن عينيه‬ ‫مدوية مجلجلة‪ ،‬وبسطت له من األمثلة ما يشفي الغليل‪ ،‬فغر فاه من عجب‬ ‫كلمتي ّ‬
‫تنتهبانني (تغزوانني)في تساؤل‪ ،‬وما عتّم أن (ما عتّم أن فعل‪ :‬ما لبث أن) صدح قائال‪ / :‬فقال بصوت‬
‫مضطرب وهو يزدرد ريقه‪ /‬فالحت شبه ابتسامة في عينه وقال‪ /‬فابتسم ابتسامة مرة وتمتم ثم اندفع‬
‫إلى السؤال بغير روية ‪ /‬فآلمه ذلك وقال مداريا عواطفه باالبتسام‪ /‬فقاطعني بصوت متقطع غامض‬
‫وبلسان ثقيل وقد ازداد صدره انقباضا‬
‫‪ -‬تع ّجب صديقي من كالمي وقد بدت عليه عالمات الحيرة والتّوتّر‪ .‬ت َـأ ْت َـأ َ قليال ث ّم قال‪:‬‬
‫أحس‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬بانت أخيرا على ُمحيّاه عالمات الضعف والتّداعي فلقد بدأت حججي تنهش أسس رأيه وحين‬
‫طرحه‪ ،‬استجمع شتات شجاعته وما بقي من شالء خواطره وأطلق‬ ‫أنّي لمستُ فيه االنعطاف عن ْ‬
‫ّ‬
‫ولكن ‪ ....‬التكلفة الضروريّة (أو المسلك الوحيد في هذا‬ ‫العنان للسانه فأعرب قائال‪ " :‬قد أ ُ ّ‬
‫قر لك بـ ‪...‬‬
‫الواقع التعيس) ‪ ...‬فال خيار إذن‪ ،‬ال خيار ‪"...‬‬
‫*ف نهاية خطاب األطروحة المدعومة‪ :‬مداخلة قصية لصاحب األطروحة المدحوضة (ليست رض ّ‬
‫ورية)‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫قت في عين ْي أبَـتِي ابتسامةٌ عارمةٌ وامت ّد ساعداه نحو عنقي ليحتضنني والفرحة ال تسعُه‬‫‪ -‬فجأة بَ َر ْ‬
‫وهو يقول‪ " :‬حقّا إنّك ابنة أبيك‪ ..‬وها قد آن األوان لتُعدّلي بوصلتي وتُنيري بصيرتي‪ّ ..‬‬
‫إن ما‬
‫عـش ْ‬
‫َـت‬ ‫عرضتيه هو عين الصواب و ِنعم الح ّل‪ .‬ولقد بات واضحا عندي استفحال ‪ ...‬في عقولنا حتّى َ‬
‫سخ ‪ ...‬ال في مستوى‬ ‫بصائرنا عن إدراك حقيقة ‪ ...‬فال سبي َل للتخلّص من ‪ ...‬إالّ بالتأسيس لــ ‪ ...‬تر ّ‬
‫ُ‬
‫‪ ...‬فقط بل وخاصة في مستوى ‪"...‬‬
‫در حجج تجيء بها ‪ ...‬ما أحكم أصولها وأحسن فصولها وأق ّل عيوبها ‪...‬‬ ‫‪ -‬هلل ّ‬
‫درك وهلل ّ‬
‫المتمردة‪ ،‬كان في صراع مع عواطفه يجاهد إلخفاء‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬نظرت إليه فإذا عيناه تصارعان لحبس دموعه‬
‫استقر فؤاده على رأي‬
‫ّ‬ ‫حزنه أحسست وكأنّه يتخبّط بين شعلة كبريائه وألم خاطره المنكسر وأخيرا‬
‫فرفع رأسه المطأطأ وهمس بنبرة خافتة‪:‬‬
‫سهام وقال بنبرة المنهزم بعد أن أفاق من غفوة الغضب‪:‬‬
‫‪ -‬نفذ كالمي لعقله نفاذ ال ّ‬
‫ي مباشرة كأنّما ينفُذُ إلى قلبي‪:‬‬
‫بحنو رائع وهو ينظر في عين ّ‬
‫ّ‬ ‫ي بامتنان جارف وقال لي‬
‫‪ -‬نظر إل ّ‬
‫‪ -‬فألقى قياده لحجج سطعت كعمود الفجر ثم ل ّم أطراف شجاعته وقال بصوت مضطرب وهو يزدرد‬
‫ريقه‪ /‬قرأت على مالمح وجهه مخايل ال ّ‬
‫ش ّك وبدا كالطفل المرتبك ثم قال كالمعتذر‪ /‬فهاله رأيي وابتسم‬
‫ابتسامة باهتة وقال بأسف ظاهر ‪ /‬فانبسطت أساريره‪ ،‬وتبسم ضاحكا ثم مال على أذني هامسا‬
‫يقول‪ /‬غمغم بصوت خافت وتكلم بصوت متحشرج متقطع المخارج قائال‪ /‬فأجفل وهو يقرض أظافره‪،‬‬
‫ويقول‬
‫بالتحرر من ‪ ...‬فهل‬
‫ّ‬ ‫عبارات صالحة ‪ -‬بعد تفكير عميق في ‪ ....‬بات اليقين عندي أن ال خالص من ‪ ...‬إالّ‬
‫تُشاطرينني ّ‬
‫الرأي بُنيّتي؟‬ ‫يف االستنتاج‬
‫يجب أن‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬صفوة ُ القول إذن أنّه إذا كنّا فعال مؤمنين بقضيّة ‪ ...‬وصادقين في الدّفاع عن ‪ ...‬فإنّـه ال‬
‫ي قُـ ُد ًمـا في تغيير ‪ ...‬عبر‬
‫ـضـ ُّ‬
‫بمجرد ‪ ...‬بل علينا ال ُم ِ‬
‫ّ‬ ‫ننتظر من هذه العقليّات أن تتغيّر لوحدها‬
‫ي شامل ليست غايته النهوض بالــ ‪...‬فقط بل أساسه النّهوض بالمجتمع بأسره‬ ‫إرساء مشروع وطن ّ‬
‫ّ‬
‫ي والرفاه لجميع مواطنيه ولن يتأتّى ذلك إال باإلمساك بزمام األمور في قطاعات حيويّة‬ ‫وتحقيق الرق ّ‬
‫مثل التعليم واإلعالم والقضاء مدخال نحو االستقالل والسيادة لباقي القطاعات في وطننا الحبيب‪.‬‬
‫‪ -‬صفوة القول إذن أنّ ‪ ...‬ال فائدة منها ترتجى بل هي مضيعة وقت ومال وطاقة‪.‬‬
‫شك ّ‬
‫أن ‪+...‬‬ ‫‪ -‬بعد ك ّل ما سبق أليست الحقيقة ال ُم ّرة واضحة أمام ناظريك وضوح اليقين‪ :‬ما من ّ‬
‫اإلضافة‪ :‬فمتى تفُ ُّ‬
‫ـك ع ْنكَ أغال َل العبوديّة وتعتنق معي مذهب العُقالء األحرار؟!‬
‫‪ -‬صفوة القول إذن أنّه يستحيل أن ‪ +...‬اإلضافة‪ :‬ودورنا جميعا أن نرتقي بذواتنا وبأوطاننا ولن‬
‫يتأتّى لنا ذلك بـــ ‪ ....‬فـهيّا بـنا صديقي يـدًا بيـ ٍد نلتزم جميعا بــ ‪ ...‬ونُ ْعلي مـعًا راية الوطن خفّـاقة‬
‫بين األمـم‼‬
‫‪ -‬بناء على ما سبق فإنّه من غير المقبول أو المعقول أن نُـنَغّص على أنفسنا ‪ ...‬بعوالق ‪...‬‬
‫ي قيد أو شرط ‪ +‬اإلضافة‪ْ :‬‬
‫ولـتَـحْ َذ ْر أن ّ‬
‫تفرط فيها‬ ‫وضغوطاته‪ .‬إنّها ال تكون ّإال ّ‬
‫حرة تماما من أ ّ‬
‫مبرر حتّى ال تُحْ َ‬
‫ـر َم من متعة الحياة‬ ‫ي ّ‬ ‫تحت أ ّ‬
‫أن ال انفصام بين ‪ ...‬ولذلك فمن المفيد لك ولك ّل الشباب ‪ ...‬حتّى ال تبتلع ك ّل ما‬
‫‪ -‬لقد بات جليّا إذن ْ‬
‫حقّـقـناه من جهد وك ْس ٍ‬
‫ب‪.‬‬
‫‪ -‬منذ ذلك اليوم صار ‪ ...‬مبعث فخر لي ولكثير من ‪ ...‬ولستُ أنسى أبدا هذا الحوار الذي دار بيني‬ ‫نماذج للخاتمة‬
‫وبينه فقد كان البارقة األولى والمنارة الكبرى التي أضاءت درب ‪ ...‬وصرنا جميعا خليّة واحدة‬
‫ملؤها التعاون والمحبّة والتآزر ونجحنا في تكوين نواة صلبة تد ُُّك جدران الصمت وتخترق األبواب‬
‫ي ووسائـل‬ ‫ـر بالتغيِـير في الملتـقيـات والمنتـديات وجم ِعـيّـات المجتمع المـدن ّ‬
‫ش ُ‬‫الخرساء ‪ ...‬وتُـبَـ ّ‬
‫ق‬
‫تشـو ٍ‬
‫ُّ‬ ‫التواصل االجتماعي وصحافة المواطنة وقنوات صنّاع المحتوى ‪..‬ك ّل ذلك في تـش ّ‬
‫َــوفٍ و‬
‫لوطن يستفيق من إغماءته ويستر ُّد حلمه بغد أفضل ومستقبل أَسْـنَـى‪.‬‬
‫ت صدري كلماتُه التي َوافَقَ ْ‬
‫ت ُمقاربتي لـــ ‪ ...‬لق ْد بات‬ ‫صحْ َوتُه وحماستُه وأثْلَ َج ْ‬
‫‪ -‬لَـ َك ْم أسْعدتني َ‬
‫أن تلك القضيّة ال يُمكن معالجتُها إالّ عبر ‪ ...‬ومنذ ذلك اليوم الت ّم شملنا وتو ّحد جمعنا‬ ‫واضحا عندي ّ‬
‫تحت راية ‪ ...‬وانض ّم ك ّل واحد منّا إلى ‪ ...‬يحدوه عزم مكين على أن ‪...‬‬
‫بأن فرحتي بإقناع صديقي كريم حاصلة ال محالة وال‬ ‫ي‪ :‬كنتُ على يقين ّ‬ ‫‪ -‬في إطار دحض جزئ ّ‬
‫يحتاج األمر منّي إلى غير الح ّجة والبرهان لتقريب المسافة بيننا في مقاربة األفكار على قاعدة‬
‫المشترك بيننا في العقل والوجدان‪ .‬فلـم يكن غريبا أن ألمح على شفتيه ابتسامةً واسعةً وفي عينيه‬
‫قوة وعنفوان وشرعنا نسير معا على ُخطى واحدة‪،‬‬ ‫شعلةً بارقةً ث ّم امتد ْ‬
‫ّت راحتُه إلى كفّي تشدُّها في ّ‬
‫ط لبرنامج ال يقف عند ح ّد ‪ ،....‬بل يتعدّاه إلى توعية الشباب وك ّل النّاس ال بضرورة االنخراط‬ ‫نُ ّ‬
‫خط ُ‬
‫فحسب في ‪ ...‬بل وأيضا في ‪ ...‬فال حياة على هذه األرض دون ‪ ،...‬ودون ‪ ...‬بين جميع البشر‪.‬‬
‫‪ -‬بعد أن أنهيتُ خطابي ران بيننا صمتٌ ثقيل لكنّه سرعان ما قطعه بنظرة خاطفة أثارت حيرتي ث ّم‬
‫مـ ّد كـفّه ببطء فوق الطاولة يمسكُ بظاهر يدي ُمشـدّدا عليها ّ‬
‫بقوة وقد علت ُمحيّاه ابتسامة بارقة‬
‫شى على شاطئ البحر ترافقنا نُسيمات لطيفة‬ ‫ي انتشا ًء وفخرا‪ .‬ث ّم نهضنا معا نتم ّ‬
‫انتقلت عدواها إل ّ‬
‫سستنا الحكوميّة)‪ .‬صرنا منذ ذلك اليوم الوليد‬
‫وهو يُحدّثني عن آماله (في تطوير أساليب العمل في مؤ ّ‬
‫سسة ناجحة وقويّة شعارها اإلخالص في العمل واإليمان بالوطن)‪.‬‬ ‫صلبةَ في (مؤ ّ‬
‫(أو السعيد) النواة َ ال ُّ‬
‫‪ -‬ما إن ألقيتُ بآخر كلماتي حتّى نظر إل ّ‬
‫ي جاري نظرة عميقة وكأنّه بيّت على أمر لم ي ّ‬
‫ُصرح به ث ّم‬
‫ربّتَ على كتفي مبتسما واستـأنف طريقه نحو البيت ولَــكم تعاظم سروري عندما علمتُ أ ّنه أصبح ‪...‬‬
‫‪ -‬صمت صديقي وأصبح هادئا تلتمع على شفتيه ابتسامة تُفصح عن اإلعجاب ث ّم أغضى عينيه خجال‬
‫شك ّ‬
‫أن خطابي قد نفذ إلى عقله وصافح وجدانه دون أن يُعبّر عن ذلك فلغة النفوس أبلغ وفي‬ ‫وال ّ‬
‫الروح أوقع وفي العقل أنجع وما لبث أن ش ّد على يدي واعدا بتغيير سلوكه وعازما على ‪...‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬أنهيت حديثي ونظرت إلى ( ُمحاوري) بجانبي مطأطئ ًا رأسه وقد شعر بالخجل من صنيعه‪ .‬ولكن‬
‫سرعان ما برقت عيناه وهو يبتسم ابتسامة توحي بالرضا فربّت على كتفي ومنذ ذلك اليوم تغيرت‬
‫تصرفاته‪ .‬فصار ‪ ...‬وعادت إليه تلك االبتسامة الرائعة و ‪ ...‬وحظي بحب الجميع واحترامهم‪،‬‬
‫صغارا وكبارا‪ .‬فابتسمت له الحياة مجددا و ‪ ...‬و ‪ ...‬وصار مضرب األمثال في ‪ ...‬حتى أنه ‪...‬‬
‫فكان فخرا ألسرته ولمجتمعه‪.‬‬
‫‪ -‬عندما أكملت كالمي لم يقل لي ‪ ....‬أخطأتَ أو أصبتَ ‪ ...‬كالّ ‪ ...‬ولم يُعقّبْ على ما بدر منّي بل‬
‫كان يصغي إلى ك ّل ما أقوله وكأنّه قد شرع في تدبّر معانيه وتقليبه على مختلف وجوهه ث ّم نظر إل ّ‬
‫ي‬
‫نظرة دافئة ملؤها الو ّد واالمتنان ودّعني بابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيْه وغادر المنزل بهدوء‬
‫وبعد يوميْن كان ‪ ....‬وكم كانت دهشتي كبيرة وفرحتي عارمة عندما لمحت ‪...‬‬
‫‪ -‬ما إن أنهيتُ كالمي حتّى ابتسم( ُمحاوري) بعد طول تج ّهم وعبّر عن إعجابه بقدرتي على‬
‫وصرح باقتناعه بوجهة نظري وأعلن أنّه غفل عن حقائق ثابتة ماثلة أمامه مثول‬‫ّ‬ ‫المحاورة واإلقناع‬
‫سماء‪ .‬واتّفقنا أن ‪...‬‬
‫شمس في كبد ال ّ‬‫ال ّ‬
‫‪ -‬في النّهاية استطعت أن أقنع صديقي بص ّحة ما ارتأيته ألنّه ال إقناع إالّ بالح ّجة‪ .‬عندئذ طأطأ رأسه‬
‫وقد الحت عليه عالمات الخجل فأمسكت بيده وخفّفت عنه وطأة اإلحساس بالخجل وأ ّكدت له ّ‬
‫أن ‪...‬‬
‫‪ -‬أ ْغـضى عيْنيْه وقد أُثْ ِقـلَتا خجال واعترافا وحيا ًء وامتنانا وتب ْع ْ‬
‫ثرت الكلمات ولم ي ْق َو سوى على‬
‫عبارات الشكر والثناء‪ .‬ففهمت أنّه إلى رأيِـي أميل وإلى نصائحي أكثر انجذابا‪ .‬وافترقنا على أمل‬
‫اللقاء ثانية لنخوض في ‪...‬‬
‫ت وغوغاء ال جدوى‬ ‫مجرد صرخة في وا ٍد ال ت َ ْس َم ُع لها سوى صدى باه ٍ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أ َ َم ْـلتُ ّأال تكون كلماتي‬
‫ولكن كلماته المض ّمخة باالعتراف واالمتنان أثلجت صدري وأدخلت البهجة والسرور في قلبي‬ ‫ّ‬ ‫منها‬
‫للتو‬
‫تشربها ّ‬ ‫ّ‬
‫ووعدني بأنّه صار متح ّمسا لــ ‪ ...‬ث ّم ودّعني وكله إيمان بما اعتنقه من أفكار ومبادئ ّ‬
‫منّي‪.‬‬
‫فألـفيتُ خطابي قد تم ّكن منه وعرفتُ حينها أنّي قد أثّرتُ فيه‬ ‫أتفرس سحنته ْ‬
‫‪ -‬أنهيْتُ كالمي وأنا ّ‬
‫الروح أوق ُع‪ ،‬وفي العقل‬‫ألن لغة النّفوس أبلغ‪ ،‬وفي ّ‬
‫وغيّرتُ موقفه دون أن يُعبّر عن ذلك صراحة ّ‬
‫أ ْن َج ُع‪ ،‬وابتسم والشفاه تعلوهما رعشة ت َـ ِشي بالشكر واالمتنان ث ّم ش ّد على يدي ُمصافحا واعدا إيّاي بــ‬
‫‪...‬‬
‫‪ -‬نزلت حججي النفّاذة وعباراتي األ ّخاذة على صديقي بردا وسالما فربّتَ على كتفي وأثْنى على‬
‫براعتي في الحجاج فكانت االبتسامة التي تمأل وجهه المشرق داللة على االقتناع التام ولَـ َك ْم كانت‬
‫فرحتي كبيرة حينما رأيتُه ‪...‬‬
‫‪ -‬لقد أ َ ْلـفيْتُ البسمة تلتمع على شفتيْه كأنّها تُفصح عن إعجاب بما قُلتُ ‪ ،‬وال ِم َ‬
‫ـرا َء في أنّه قد اقتنع‬
‫سعادة بعد أن نجحتُ في (تعديل أو تغيير‬ ‫سعادة وأحسستُ بال ّ‬‫بموقفي فقد أصبح ‪ ...‬فغمرتْني ال ّ‬
‫موقفه) ‪...‬‬
‫التقطيب وقد بدا على وجهه التأثّر وما‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬الن وجه (محاوري) ورقّت نبرة صوته وزال عن حاجبيه‬
‫لبث أن شكرني ُمعبّرا عن اقتناعه بــ ‪ ...‬ولــ َك ْم كانت سعادتي عارمة ل ّما رأ ْيتُه بعد أيّام ‪...‬‬
‫فسرت في جسم (محاوري) قُشعريرة وعجب‬
‫ْ‬ ‫أرق من النّسيم وأضوع من العبير‬
‫‪ -‬كانت كلماتي ّ‬
‫لهول ما كان غافال عنه وقد علم اليقين ّ‬
‫أن ‪ ...‬ومنذ ذلك اليوم ‪...‬‬
‫‪ -‬كان خطابي مؤثّرا وحججي دامغة فل ّما أكملتُ خطابي طأْطأ َ (محاوري) رأسه خجال وبعد فترة لم‬
‫ت ُ‬
‫ط ْل عبّر لي عن اقتناعه بــ ‪ ...‬ووعدني أن ‪ ...‬واكتملت فرحتي ل ّما علمتُ أنّه صار ‪...‬‬
‫‪ -‬ما إن أنهيتُ كالمي وأمعنت النظر في ‪ ...‬حتّى استقام في جلسته والحت على ُمحيّاه عالمات‬
‫وأقر بص ّحة ما قدّمتُه وهو ما أ ّكده لي سلوكه إ ْذ بات ‪...‬‬
‫ّ‬ ‫االقتناع واإلعجاب ث ّم اعترف بخطإ ‪...‬‬

‫يرف جفنك لــ ‪ / ...‬حقّا إنّه‬ ‫أن ‪ ...‬ال يمكن أن ‪ / ...‬أفـال‬ ‫ي صديقي‪ ،‬أ ولم يعُ ْد واضحا لديك ّ‬ ‫ّ‬
‫ُّ‬ ‫األعمال اللغوية ‪ -‬أ ْ‬
‫حرك ساكنا أمام ‪ /‬آآآآه كم ذرفت عيناي‬ ‫لـــمشهد يُدمي القلب أن ترى ‪ / ...‬ال أعتقد أبدا أنّك لن ت ُ ّ‬
‫ّ‬
‫تستحث فيهم إنسانيتهم‬ ‫قطع مثل هذه المشاهد الفاجعة نياط قلوب النّاس وال‬ ‫دما حينما ‪ /...‬فكيف ال ت ُ ّ‬
‫ي أن‬ ‫ورأفتهم ‪ ...‬؟! ‪ /‬ذلك ن َْز ٌر ضئيل من أنين الوجدان أ ّما إذا ُر ْمتَ صوت العقل‪ ،‬فمن اللّ ِ‬
‫ـزام عل َّ‬
‫قر بأنّه ‪ /....‬ال أظنّك بعد اآلن تمضي في صلفك أكثر وتتجاهل ّ‬
‫أن ‪/...‬‬ ‫أُ ّ‬
‫أن ‪ /...‬لعلّك تفهم بعد ك ّل‬ ‫شك ّ‬‫وماذا لو وضعتَ نفسك موضع هؤالء؟ أفـال تُدرك وقتها ودون أدنى ّ‬
‫وتعززت لدى ‪ ...‬وتع ّمق لديه ‪ ...‬وأيْنع‬ ‫ّ‬ ‫هذا أنّك ‪ /...‬وعلى هذا األساس فإنّنا كلّما ر ّ‬
‫سخنا ‪ّ ...‬إال‬
‫طنِبْ في‬‫ّللا ورعاك‪ /‬ومهما نستطر ْد أو نُ ْ‬ ‫فيه أكثر فأكثر الشعور بــ ‪ /...‬و ‪ ...‬يا صديقي – هداك ّ‬
‫الرأي في‬ ‫فـإن ذلك ال يُثنينا عن ‪ /...‬ولسنا ننسى أيضا ضرورة‪ /‬ولـعلّك توافقني ّ‬ ‫ذكر محاسن ‪ّ ...‬‬
‫نستغرب أن يكون ‪...‬‬
‫ُ‬ ‫أن ‪ / ...‬أ مازلنا‬ ‫ّ‬
‫‪/...‬فقذ كان بك حريّا أن تتفطن إلى ‪/...‬وال أحد منّا ي ُ‬
‫ُنكر ّ‬
‫أن ‪ /...‬وما بالنا نبخس ّ‬
‫حق‬ ‫ْأم ًرا مقضيًّا ونتيجة منطقيّة لـتلك ‪ /...‬فهل مازلت ال ترى حتّى اآلن ّ‬
‫‪ ...‬فنَـ ْقـ َم ُع ‪ ...‬ونقصي ‪ ...‬وما بالنا نستهين بالـــ ‪....‬؟ أ ألنّـه ‪ ...‬ويَـ ْشغَـف بــ ‪...‬؟ أنحن في ذلـك‬
‫مر التاريخ‬
‫إن ‪ ...‬هو واقع وحقيقة على ّ‬ ‫كال فــ ‪ّ /...‬‬ ‫نُجافي الحقـيقة ونَـ ِهي ُم بعـيدا عن الـواقع؟! ّ‬
‫ـس‬
‫س ُ‬ ‫نـشعر بــ ‪ ...‬وال نـتح ّ‬
‫ُ‬ ‫ي وال أحد يستطيع إنكار ذلك فلماذا تُنكر على ‪ /...‬فكيف ال‬ ‫البشر ّ‬
‫حقيقة مشاعرنا النقيّة التي ‪ /...‬يا صديقي التمعن التمعن واياك والنظر إلى ظاهر األمور بل وجب‬
‫عليك النفاذ الى جوهرها لتكتنه حقيقتها وتصبح ماثلة للعيان يشار اليها بالبنان ‪ /...‬وإنه لَمن الحياد‬
‫أن ‪/...‬أبعد هذا كلّه مازلت تنكر فضل ‪...‬؟‪/‬‬ ‫عن الموضوعية أال نذكر ‪ /...‬فمن البديهي االّ ننكر ّ‬
‫صواب‪ /‬تم ّهل قبل أن تُصدر رأيك ‪ /‬كن راشدا‪ /‬ال تنجرف وراء األوهام ‪ /‬ما‬ ‫حاذر أن تحيد عن ال ّ‬
‫ص ْر قبل أن‬ ‫أن ‪ /‬تب ّ‬‫الحق وتحيد هنه ‪/‬أليس حريّا بك أن تدرك ّ‬ ‫ّ‬ ‫أش ّد عنادك ‪/‬سبحان ّ‬
‫ّللا كيف ترى‬
‫تُصدر حكمك الجائر‪ /‬حذار أن تنساق وراء ثقافة القطيع واإلجماع الفاسد‪ /‬أما آن األوان بعد لتُدرك‬
‫‪ /‬ال تنجرف وراء أوهام وأضغاث أحالم‬
‫* ح ّجة الواقع‪:‬‬ ‫أنواع الحـجج‪:‬‬
‫فمتى ألقيت نظرة الى ما حولك في مجتمعنا وجدت ‪ /‬ولنا في واقعنا اللصيق أمثلة شتّى ال تُحصى‬
‫وال تُع ُّد ‪ /‬ولماذا ال تعتبر من التجربة القاسية التي يعيشها ابن جارنا المسكين ‪ /...‬ولو انتبهنا إلى ما‬
‫يحصل بيننا لرأينا في جالء ‪ /...‬وماذا لو لُ ْذنا بالواقع لنرى في وضوح ‪ /...‬ليس عصيّا على أحد أن‬
‫يُالحظ على أرض الواقع انتشار ‪ /...‬ولنا في جارنا ‪ ....‬أسوة (خير قدوة ومثال) ‪ /‬هل نسيت ما‬
‫حدث لــ ‪ /...‬برهان ذلك ما وقع لــ ‪ / ....‬وفي حكاية ‪ ....‬برهان صارخ‬
‫قر األحداث التاريخيّة ّ‬
‫أن‬ ‫لُـ ْذ بصفحات التّاريخ تج ْد مصداق قولي في ‪ /...‬تذ ّكر سير األمم ال ّ‬
‫سابقة ‪ /‬ت ُ ّ‬
‫تطلع على تاريخ األمم السابقة‪ /‬عليك بصفحات التاريخ اإلنساني تج ْد‬ ‫‪ /...‬ألم ّ‬

‫* ح ّجة المقارنة‪:‬‬
‫شتّان بين ‪ ...‬وبين ‪ /...‬لَــكم البون شاسع والفارق واضح بين ‪ /...‬ولو قارننا بين ‪ ...‬و ‪َ ...‬لـالحظنا‬
‫المسافة شاسعة بين ‪ ...‬وبين ‪ /...‬وكيف ال ترى الفارق جليّا بين ‪ ...‬وبين ‪ /...‬وما لك ال ترى‬
‫الفارق هائال بين ‪ ...‬وبين ‪ /...‬ما أبعد ‪ ...‬عن ‪/...‬‬
‫* ح ّجة المـماثلة‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن مثله كمثل‪ /‬وكذا الشأن مع‪ /‬وذلك شبيه بــ‪ /‬مثل‪ /‬كـــ‪ /‬يضاهي في ذلك‪ /‬يماثل ‪ /‬يُحاكي‬
‫* ح ّجة المنطق‪:‬‬
‫سـسْتَ أعماق ذاتك ونقاوة سريرتك َل َـو َج ْدتَ ‪ ...‬قيمة ثابتة‬ ‫‪ -‬ولو أنّك ُ‬
‫ع ْدتَ يا كريم إلى فطرتك وتح َّ‬
‫ي ٍ كان‪ .‬وأنا على يقين بأنّك ال ّ‬
‫شك ســ ‪...‬‬ ‫ي دليل أو برهان من أ ّ‬
‫صلة فيك ال تحتاج إلى أ ّ‬ ‫ومتأ ّ‬
‫تكن المصلحة الوطنيّة رايتنا ولن نقطف بعد ذلك ّإل النجاح والتقدّم ومادام‬ ‫يكن األمر كذلك‪ْ ،‬‬
‫‪ -‬ومتى ْ‬
‫سن حتما ‪ ...‬ويزداد ‪...‬‬ ‫‪ ...‬سالحنا في مواجهة أزماتنا االجتماعيّة واالقتصاديّة وحتّى ‪ ...‬فـسيتح ّ‬
‫‪ -‬وما دام المجتمع يتغافل عن األسباب الحقيقية ولم يعالج قضايا ‪ ...‬ولم يو ّجه أصابع االتهام لـ ‪...‬‬
‫فيُح ّملها مسؤوليّة ‪ ...‬فإنّ أرقام ‪ ...‬ستزداد يقينا ارتفاعا أكثر فأكثر وليس بمقدور ‪ ...‬أن توقف هذا‬
‫ي أبدا ما لم تتوقّف ‪...‬‬
‫االنهيار المدو ّ‬
‫النظر وتُح ّك ْم العقل والمنطق ت ُ ْ‬
‫درك هذه الحقيقة البديهيّة والنتيجة الحتميّة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫إن ت ُ ْ‬
‫معن‬ ‫‪ْ -‬‬
‫أمرا مقضيّا ونتيجة حتميّة ال يرقى إليها ّ‬
‫شك أو بهتان‪/‬‬ ‫‪ -‬أما زلنا نستغرب بعد هذا كلّه أن يكون ‪ً ...‬‬
‫الشك أن ‪ ...‬صارت ‪ ...‬وذلك سيؤدّي بالضرورة إلى ‪/...‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا يُفضي بالضرورة إلى حقيقة بديهيّة‪/‬‬
‫ْ‬
‫ومادام قد ‪ ،...‬فـســـ ‪ ....‬حتما ‪ ....‬والنتيجة المنطقيّة هنا هي ‪ /...‬وهذا ما يُفضي بالضرورة إلى ‪/‬‬
‫ليس غريبا أن يؤدّي ذلك حتما إلى ‪ /...‬ويترتّب على هذا ضرورة ‪/...‬منطقيّا ال ب ّد أن يُ ْفضي ذلك‬
‫إلى ‪/...‬ال مراء‪ /‬ال جدال‪ /‬ال ريب‪ /‬لنفترض ‪/...‬‬
‫ي‪:‬‬
‫* ح ّجة الشاهد القول ّ‬
‫وما أصدق من يقول ‪ /‬وقد أوجزت اإلنسانيّة هذه الحقيقة الكبرى‪ ،‬في الحكمة البالغة التي تقول‪/‬‬
‫يعرف بـــ ‪ ...‬قائال‪ /‬ولم يكن عبثا إجماع األولين على ‪ ...‬وعنوان ذلك‬
‫وذلك ما ذهب إليه ‪ ...‬وهو ّ‬
‫واضح في المثل السائر ‪ /...‬ومصداق ذلك قول ‪ /...‬ولك في قول ‪ ...‬خير دليل وبرهان‪ /‬استمع إلى‬
‫ُقر بـ ‪ /‬وفيك يصدق قول ‪ /‬على ح ّد قول الشاعر أو األديب ‪/...‬‬
‫صوت الحكمة ي ّ‬
‫ّللا بقوله ‪ /‬حثّنا ج ّل جالله بقوله في سورة ‪ /...‬أمرنا ّ‬
‫ّللا في‬ ‫قال تعالى في محكم تنزيله ‪ /‬دعانا ّ‬
‫سالم‬ ‫صادق األمين‪ ،‬عليه الصالة وال ّ‬ ‫محكم آياته ‪ /‬قال ال ّ‬

You might also like