You are on page 1of 20

‫الفصل األول‪:‬‬

‫اإلصـــــرار‪..‬‬

‫سمعت كلمة اإلرصار كثري ًا يف حيايت‪..‬‬


‫وكأي شاب يكرب‪ ،‬سمعتها من عدة أشخاص‬
‫أدوارا توجيهية خالل‬
‫سبقوين بالعمر ممن كان هلم ً‬
‫حيايت‪ ،‬سواء يف البيت أو املدرسة أو امللعب‪..‬‬
‫خل عندك إرصار بامللعب‪»..‬‬ ‫«يا معتز يّ‬
‫خل عندك إرصار بالدراسة‪»..‬‬ ‫«معتز يّ‬
‫خل عندك إرصار بشغلك‪»..‬‬ ‫«معتز يّ‬
‫خل عندك إرصار لشغفك‪»...‬‬ ‫«معتز يّ‬

‫وكنت أتساءل‪ ،‬ما هو هذا اإلرصار‪ ،‬من أين أحرضه؟‪ ،‬أين‬


‫يتواجد؟ كيف أتدرب عليه؟!!‬
‫بالتأكيد‪ ،‬الكثري منّا يواجه ذات األمر‪ ،‬فاألب واألم‬
‫واملدرب وغريهم حياولون دوم ًا زرع بذور اإلرصار‬
‫ِّ‬ ‫واملدرس‬
‫ِّ‬

‫‪21‬‬
‫يف أنفسنا من خالل حتفيزنا عىل رفض االستسالم لليأس يف أي‬
‫منحى باحلياة‪..‬‬
‫فام هو هذا اإلرصار أصالً؟‪ ،‬وهل هو مفيد لنا أم من املمكن‬
‫أن ُيتعبنا؟‪..‬‬
‫اإلرصار هو أن نكرر املحاولة مرة‬
‫ما أجمل‬ ‫إثر أخرى لتنفيذ أمر ما حتى نتمكن من‬
‫اإلصرار عندما‬
‫إنجازه‪ ،‬وعكسه هو االستسالم‪..‬‬
‫تصل إلى ما‬
‫تريده دون أن‬ ‫يف هذه الرحلة اجلميلة يف احلياة‪،‬‬
‫تلحق ضرراً‬ ‫وعىل هذا الكوكب امليلء باملفاجآت‬
‫بأحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بطريق‬ ‫نحتاج لإلرصار‪ ،‬فاحلياة ليست‬
‫مستقيم‪ ،‬بل هي أشبه بطريق فيه املنعطفات‪ ،‬املطبات‪ ،‬املفارق‬
‫الدوارات وفيها أيض ًا العودة‬ ‫ّ‬ ‫نحو اليمني واليسار‪ ،‬وفيها‬
‫باالجتاه املعاكس‪ ،‬وفيها أيض ًا سيارات أخرى غري سيارتك‪،‬‬
‫أكرب وأصغر‪ ،‬أرسع وأبطأ‪ ،‬وهنا َيكمن مجال احلياة‪ ،‬فلو خت ّيلنا‬
‫حياتنا وكأننا نقود سيارتنا عىل طريق رسيع مستقيم ليس فيه‬
‫أحد سوانا‪ ،‬ال سيارات‪ ،‬ال شاحنات‪ ،‬ال دراجات‪ ،‬وال مكان‬
‫فيه للمطبات واملنعطفات واملفارق‪ ،‬سيكون طريق ًا جيد ًا‪ ،‬لكنه‬
‫س ُيصيبنا بامللل‪ ،‬سيغالبنا النعاس أثناء القيادة فرتكيزنا لن يبقى‬
‫عالي ًا كنتيجة طبيعية للروتني‪ ،‬بينام طريق احلياة الذي فيه مفاجآت‬
‫ومتغريات هو طريق ممتع جد ًا ملن جييد القيادة‪ ،‬فالرتكيز يبقى‬

‫‪22‬‬
‫عالي ًا‪ ..‬وهنا تكمن املتعة‪ ،‬إن مجاليات احلياة يف حتدياهتا تشبه هذا‬
‫الطريق يف تعرجاته‪..‬‬
‫فهل مجيعنا يمتلك رخصة قيادة هلذه احلياة اجلميلة التي‬
‫تضحك ملن يضحك هلا وتعبس ملن يعبس هلا؟!‬
‫يبدو أن ابني سيف يف ذلك الصباح قد اختذ قراراه بأن‬
‫يلعب لعبة إنشاء املبنى املرتفع‪ ،‬وبدأ بوضع القطع بعضها فوق‬
‫بعض‪ ،‬واستمر يركب بفرح وبشغف دون كلل أو ملل لريى‬
‫ألي مدى يمكنه أن يصل بمبناه‪ ،‬كنت أراقب تفاصيل املشهد‪،‬‬
‫فاللعبة حتتاج لرتكيب كل قطعة بمكاهنا‪ ،‬ولو اختار قطعة خاطئة‬
‫سيؤدي ذلك الهنيار املبنى يف مرحلة تالية‪ ،‬وهو ما كان حيدث‪..‬‬
‫اهنار املبنى أكثر من ست مرات بعد أن استغرق بناء كل منها‬
‫عرش دقائق أو أكثر‪ ،‬ويف كل مرة كان املبنى ينهار فيها كان سيف‬
‫يبدأ بمحاولة جديدة من البداية دون أن يتشتت تركيزه‪...‬‬
‫سيف مل يشعر باإلحباط‪ ،‬فاهنيار املبنى بالكامل قبل أن‬
‫ال لسيف‪ ،‬لكنه كان جزء ًا من اللعبة ال أكثر وال‬ ‫يكمله مل يكن فش ً‬
‫أقل‪ ،‬ففي كل مرة كان املبنى يسقط كانت تتبعها حلظة «اآلها»‪،‬‬
‫كان الصوت ينطلق من داخل سيف و ُيعبرِّ عن شعوره ولِسان‬
‫أخطأت واهنار املبنى وعرفت السبب وسأبدأ‬ ‫ُ‬ ‫حاله يقول‪ :‬نعم‬
‫خيار آخر‪..‬‬
‫من جديد‪ ،‬فال يوجد ٌ‬
‫يف صبيحة ذلك اليوم لفت نظري اليشء اهلام الذي يملكه‬

‫‪23‬‬
‫هذا الطفل ذو الست أعوام بداخله يف حني حيتاج معظمنا ملن‬
‫ُيسمعه كلامت التحفيز اإلجيابية والسلبية‪ ..‬حتى ال يفقد إرصاره‬
‫عىل فعل أمر ما‪ ،‬كان لطفيل ما حيفزه ذاتي ًا!‪..‬‬
‫سألته‪« ،‬بابا ليه ترص عىل إنك ترجع تبني البناية يف كل مرة‬
‫توقع فيها ع األرض؟»‬
‫نظر سيف إ ّيل نظرة استغراب وعدم فهم للسؤال‪ ،‬نظرة‬
‫طفل حياول أن جيد اجلواب‪ ..‬وقال‪« :‬اللعبة هي هيك يا بابا‬
‫والرابح فيها ييل خيلص البناء لآلخر!!»‬
‫كنت كمن يسمع حكي ًام عمره ‪ 100‬سنة! كأنني أسمع‬
‫كأن أنا الطفل وهو املعلم‬ ‫مثل هذا الكالم ألول مرة يف حيايت! يّ‬
‫اخلبري! «اللعبة هي هيك!»‬
‫سألت نفيس‪ ،‬أال يعرف هذا الطفل معنى كلمة الفشل؟‬
‫كلمة االستسالم؟‬
‫فكيف أعرفها أنا؟‬
‫من علمني إياها؟‬
‫فيا ليتني فهمت اللعبة من قبل‪ ،‬ويا ليتني أنرش هذا الوعي ألهيل‬
‫ومجيع من حويل‪ ..‬وما أمجلها لو عشنا حياتنا أطفاالً هبذه العقلية‪..‬‬
‫ال بعمر الست سنوات لتكرار‬ ‫ما اليشء الذي حيرك طف ً‬
‫املحاولة؟ ما دافعه‪ ،‬ملاذا هذا اإلرصار ومن أين جاء؟‪ ،‬من أين‬
‫أتت هذه العقلية؟ هل قرأ عنها؟ هل تع ّل َمها؟!!‬

‫‪24‬‬
‫بالتأكيد مل أعلمه إياها أنا وال رفيقة حيايت‪ ،‬والدته‪ ،‬ولكنها‬
‫الفطرة اإلهلية السليمة هي من قادته إلعادة املحاولة‪ ،‬وهي من‬
‫حركَت اإلرصار بداخله ودفعته لعدم االستسالم‪ ،‬وهذه هي‬ ‫ّ‬
‫الفطرة السليمة التي ُخلقنا عليها وهو الرس الذي يم ّيزنا‪ ..‬إنه‬
‫اإلرصار والعزيمة واإلرادة‪ ،‬إهنا املشيئة التي تحُ ركنا ألن نعمل‬
‫إلنجاز يشء‪ ..‬وامللفت أننا مجيع ًا نأيت للحياة وتأيت فطرتنا معنا‪،‬‬
‫فهل هذه الفطرة تبقى موجودة مع تقدم العمر؟ هل تتالشى؟‬
‫هل ختتفي؟ هل ختتبئ‪..‬‬
‫اجلواب ممكن أن يأيت من خالل عدة تساؤالت حول أمور‬
‫متر يف حياتنا اليومية‪..‬‬
‫كم منّا حاول أن َيدرس اختصاص ما‪ ،‬وتوقف بعد فرتة؟‬
‫كم منّا رسب بامتحان‪ ،‬وتوقف؟‬
‫كم منّا حاول احرتاف رياضة‪ ،‬وتركها بعد أول أو ثاين أو‬
‫ثالث أو رابع إخفاق؟‬
‫كم منّا سعى ألن يتع ّلم السباحة‪ ،‬لكنه مل يملك اإلرصار‬
‫الكايف فتوقف؟‬
‫كم منّا قرر أن يتعلم شيئ ًا جديد ًا‪ ،‬فوجده صعب ًا بعد فرتة‬
‫بسيطة وتوقف؟‬
‫كم منّا حاول العمل بوظيفة معينة فوجد الباب مغلق ًا أمامه‪،‬‬
‫أو َوجد بابان مغلقان‪ ،‬أو ثالثة‪ ،‬وتوقف عن البحث؟‪..‬‬

‫‪25‬‬
‫كم منّا حاول أن يتزوج ومل تسرِ األمور وفق ًا ملا أراده‪،‬‬
‫فتوقف وفقد األمل؟‪..‬‬
‫سبحان اهلل تعاىل مع مرور األيام نتعلم كيف نُبعد أنفسنا‬
‫عن فطرة اإلرصار عىل ما نريد وعدم االستسالم بدالً من أن‬
‫ُنميها بداخلنا‪..‬‬
‫ن ّ‬
‫الكثري من املواقف اهلامة يف حياتنا اليومية حتتاج لإلرصار‪،‬‬
‫الكثريون منّا كانت أمامهم فرصة لتحقيق أمور مهمة يف حياهتم‪،‬‬
‫كان عليهم أن يسلكوا طريق ًا ما‪ ،‬ويف جتارهبم األوىل أو الثانية أو‬
‫الثالثة ولسبب ما مل تسرِ املحاولة التي حاولوها كام كانوا يرجون‪،‬‬
‫فتوقفوا عن األمر‪.‬‬
‫ال بالنسبة لنا‪ ،‬سبحان‬ ‫الواقع يقول أن االستسالم أصبح سه ً‬
‫اهلل‪ ،‬األطفال يو َلدون وهم ال يعرفون معنى االستسالم‪ ،‬فالطفل‬
‫يستمر باملحاولة‪ ،‬حياول وحياول حتى ينجح‪ ،‬فطرته ال تعرف معنى‬
‫امللل من تكرار املحاولة‪ ،‬وال تعرف معنى كلمة الفشل‪ .‬وحني يكرب‬
‫يتعرف معنى االستسالم ولألسف البعض يصبح حمرتف ًا فيه‪..‬‬
‫هل سبق وأن سمعتم عن طفل حاول امليش وكانت النتيجة‬
‫السقوط مرار ًا وتكرار ًا وبعدها أصابه اليأس واالستسالم‬
‫فتوقف وقال أنا لن أستطيع أن أميش أبد ًا؟ فالطفل ورغم أنه يف‬
‫كل مرة يسقط فيها يصيبه األمل وربام يصاب بمناطق متفرقة من‬
‫ض أو كرس‪،‬‬ ‫جسده وتسيل دماءه وأكثر من ذلك‪ ،‬ربام يصاب َبر ٍ‬

‫‪26‬‬
‫لكنه ال يتوقف عن املحاولة حتى يتمكن من امليش‪ .‬كل األطفال‬
‫كذلك وعندهم ذات اإلرصار ومجيعهم حياولون امليش‪ ،‬ورغم أن‬
‫الطفل خياف أمرين‪« :‬السقوط والصوت املرتفع» فإنه يستمر يف‬
‫املحاوالت رغم سقوطه وشعوره باألمل‪ ،‬ملاذا؟ ألنه ُخلق ليستمر‬
‫وخلق معه وقوده ليدفعه لالستمرار‪ ،‬وقوده هو‬ ‫يف حماوالته ُ‬
‫اإلرصار عىل حماولة امليش حتى ينجح‪ ،‬فال يوجد خيار آخر‪....‬‬
‫األمر كذلك يف حماولة الطفل أن يأكل بنفسه‪ ،‬فعندما حياول‬
‫أن يأكل بامللعقة فإن ‪ %90‬من الكمية املوجودة يف امللعقة تسقط‬
‫منها قبل أن تصل إىل فمه ويتسخ ما حوله وكذلك ثيابه ووجهه‪،‬‬
‫لكنه ال ييأس ويعيد املحاولة مرار ًا وتكرار ًا ويتحسن أداءه يوم ًا‬
‫بعد يوم حتى يستطيع األكل‪ ..‬فلم أسمع يف حيايت عن طفل مات‬
‫بسبب عدم قدرته عىل تناول الطعام!! هذا الطفل سيظل حياول‬
‫بامللعقة‪ ،‬فإن مل يستطع فسيحاول بيده‪ ،‬فإن مل يستطع فسيضع‬
‫وجهه يف وعاء األكل‪ ،‬بالنسبة له ال يوجد خيار آخر‪..‬‬
‫عندما يقف طفيل بجانبي وهو يمسك يب ويريد أمر ًا مني‬
‫كنت‬‫ويبدأ بمنادايت‪« ..‬بابا‪ ،‬بابا‪ ،‬بابا»‪ ،‬ويستمر بمنادايت حتى لو ُ‬
‫مشغوالً عنه باحلديث عىل اهلاتف أو بالقراءة‪ ،‬الكتابة‪ ،‬احلديث‬
‫مع والدته أو بعمل أي يشء‪ ،‬هذا الطفل سيستمر باملناداة‬
‫ويتكلم معي وكأين من املفروض أن أكون مركّز ًا معه وجاهز ًا‬
‫للحوار معه‪ ،‬ويستمر باملناداة بنفس نربة الصوت مرة ومرتني‬

‫‪27‬‬
‫وثالثة وأربعة ومخسة وستة دون ملل إىل أن أجيبه‪ :‬نعم بابا‪..‬‬
‫عندها يطرح ما يريده مني‪« :‬بابا ما بقدر أوصل للخزانة‬
‫فوق!! بابا ساعدين‪»..‬‬
‫فأجيبه‪« :‬حبيبي شوية وأساعدك بس أخلص ييل بإيدي‪»..‬‬
‫يسكت قلي ً‬
‫ال ثم يعاود املناداة بإحلاح أكثر‪« :‬بابا‪ ،‬بابا‪ ،‬بابا‪ ،‬بابا‪»..‬‬
‫وجوايب يكون ذاته‪« :‬بابا قلتلك شوية وأسويلك شو ما بدك‪»..‬‬
‫امللفت أن الطفل مستعد أن يستمر بتكرار نفس األمر‬
‫لساعات حتى يأخذ ما يريد‪.‬‬
‫هذا اإلرصار وعدم االستسالم‪ ،‬هذا العناد اإلجيايب عىل أن‬
‫نحصل عىل ما نريده‪ ،‬هذه اإلرادة واإلرصار املوجود بداخلنا‬
‫وبفطرتنا أين ذهبت اآلن؟‬
‫ملاذا وجدنا أنفسنا مبتعدين عن فطرتنا؟‬
‫ملاذا كربنا عىل أن اإلرصار عىل هذا األمر أو سواه عيب ًا؟‬
‫ملاذا تعلمنا أن هذا األمر ضعف؟‪ ،‬مع أن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫خلقنا مع فطرتنا هذه‪..‬‬

‫كل طفل فنان‪ ..‬المشكلة هي كيف يظل فناناً عندما يكبر‬


‫الفنان اإلسباني بابلو بيكاسو‬

‫لألسف نجد دور ًا سلبي ًا لألهايل وللمدرسة وللعمل‪..‬‬


‫فبعض األهايل عندما جيدون إرصار ًا عند ابنهم حول أمر‬

‫‪28‬‬
‫ما حياولون ثنيه عن القيام به ويبدؤون بالرصاخ «مش شايفني‬
‫مشغول!» ومن املمكن أن يرضبوا الطفل!‪ ،‬أو القول «كان غريك‬
‫أشطر!» أو «هاد اليشء مش إللنا!»‪ ،‬يمكننا القول أهنم عند‬
‫هذه اللحظة يكونوا قد بدؤوا بتكسري كل صاممات وحمركات‬
‫اإلرصار عند الطفل عندما يتملكه شعور اخلوف من األمور‬
‫يرص عليها‪.‬‬
‫التي ُّ‬
‫ال أحد يف هذه الدنيا يستطيع تعليم الطفل كيف يصبح‬
‫حلوح ًا أكثر من فطرته‪ ،‬مل يعلمه أحد أال يستسلم‪ ،‬مل يقم أحدٌ‬
‫بتلقني طفل عمره ستة أشهر أو سنة أو سنتني أن يقول أريد أمر ًا‬
‫ما وأن يلح يف ذلك إىل أن حيصل عليه‪ ..‬هؤالء األهايل وبدالً من‬
‫أن يعملوا عىل تنمية هذه الفطرة السليمة بداخل أطفاهلم نجدهم‬
‫يوبخوهم ليعلموهم معنى االستسالم مع العلم أن اإلرصار‬
‫فطرة سليمة عند اإلنسان‪ ،‬فالطفل ‪ -‬ودونام أي وعي أو إدراك‬
‫يرص ويلح عىل أي أمر يريده ليأيت بعدها دورنا نحن كأهايل‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ومدرسني وأصدقاء ومربني ونعلمه ما اليشء الذي سينتج عن‬
‫ترصفه‪ ،‬هذا الطفل عندما يكرب ويواجه أي مشكلة سيترصف كام‬
‫علمناه‪ ،‬ومن هنا ينبغي علينا أال نقتل فطرته السليمة وإرصاره‬
‫بل عىل العكس علينا أن ننتبه هلا‪ ،‬علينا أن نسمع له‪ ،‬علينا‬
‫ألاّ نعلمه أنه إذا ّ‬
‫ألح عىل أمر فإنه س ُيجا َبه بالرضب واألمل بل‬
‫العكس متام ًا فهو سيواجه األمل يف حال مل يرص عىل الدراسة أو‬

‫‪29‬‬
‫النجاح بأي أمر‪ ،‬وهو ما سيبقى معه حني يكرب‪ ،‬وعندها سيرص‬
‫عىل الدراسة وعىل النجاح بالعمل‪ ،‬سيرص عىل احرتاف رياضة‬
‫معينة‪ ،‬عىل تأليف كتاب معينّ ‪ ،‬عىل اخرتاع يشء جديد‪ ،‬علينا‬
‫أن ننمي عنده الرتكيز عىل فعل ما يريده بدالً من االنسحاب‪.‬‬
‫فاألطفال هم أهم ما نملك‪..‬‬
‫وكذلك األمر يف املدرسة‪ ،‬فلألسف الطفل عندما يدخل‬
‫املدرسة فإنه يبدأ تدرجيي ًا بفقدان مهارة اإلرصار حيث يتم‬
‫تفكيك هذه الشيفرة الرهيبة التي وضعها اهلل فينا‪ ،‬والكثري منا‬
‫يصل ملرحلة فقدان هذا اإلحلاح مع العلم بأنه هو اليشء الذي‬
‫يلزمنا للتغلب عىل العوائق التي متنعنا من الوصول إىل ما نريده‪،‬‬
‫فاإلحلاح عندما يكون يف مكانه املناسب أمر هام جد ًا يف مسرية‬
‫أي شخص‪ ،‬فام أمجل اإلحلاح عندما تصل إىل ما تريده دون أن‬
‫تُلحق رضر ًا بأحد‪ ،‬ألنه يف كثري من املواقف يف حياتنا جيب أن‬
‫نعمل بعقلية ال يوجد خيار آخر‪.‬‬

‫علمني أحد أعز أصدقائي مجلة غريت مفاهيمي يف أمور‬


‫كثرية وهي‪« :‬حريتك تنتهي عند المساس بحرية اآلخرين»‪،‬‬
‫وبالتايل يمكننا أن نستمر باإلحلاح طاملا مل نلحق رضر ًا بأي كائن‬
‫حي حولنا‪ ،‬أي بيئة أو أي مجاد‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫إحلاح أبنائنا‪ ،‬أصدقائنا أو إخواننا عىل طلبات معينة هو أمر‬
‫يكاد أن يواجهنا يومي ًا‪ ،‬ففي كل يوم جيد ابني سيف ما يرص عليه‪،‬‬
‫أحيان ًا يدعوين ملشاركته لعبة ما‪ ،‬أحيان ًا يريد أن يشرتي شيئ ًا ما‪،‬‬
‫أن يذهب ملكان ما‪ ،‬وبالتأكيد أنا ال أجد الوقت أو الرغبة والقدرة‬
‫عىل تلبية طلباته يف كل مرة‪ ،‬أحيان ًا يصيبني إرصاره بالتوتر وقد‬
‫جيعلني أغضب‪ ..‬وهو ما أضع عليه اخلطوط احلمراء التي ال‬
‫يمكن أن أجتاوزها‪ ،‬فأنا وإن كنت لن ألبي طلبه فإين ُأرغم نفيس‬
‫عىل إقناعه بالعدول عام يريده أو إرشاده ألمر آخر يشد انتباهه‬
‫أو عمل أو لعبة خيرج طاقته وحيويته فيها‪ ،‬لكن بكل األحوال‬
‫لن أمارس العنف اللفظي أو اجلسدي ليتوقف عن إرصاره‪ ،‬فال‬
‫يوجد طفل أتعس وال أشد حزن ًا من ذلك الذي ال يخُ رج طاقته‬
‫وحيويته اجلسدية والعقلية‪ ،‬الرفق مطلوب وعلينا أن نتذكر دوم ًا‬
‫قول قدوتنا عليه الصالة والسالم‪( :‬إن الرفق ال يكون يف يشء‬
‫إال زانه‪ ،‬وال ُينزع من يشء إال شانه)‪.‬‬
‫دعوين أخربكم عن فيليب نايت‪ ..‬الذي دفعه حلمه للنجاح‪،‬‬
‫وحققه عن طريق التخطيط واإلرصار وتغيري االسرتاتيجية يف‬
‫حلظة ما‪..‬‬
‫ُولد فيليب يف الواليات املتحدة إ ّبان احلرب العاملية الثانية‪،‬‬
‫كان عدّ ا ًء طموح ًا وخالل ممارسة هوايته تعرف عىل املدرب بيل‬
‫باورمان وهو طالب إدارة أعامل‪ ،‬يف فرتات الراحة أثناء التدريب‬

‫‪31‬‬
‫اليومي كان يدور بينهام حديث جانبي‪ ،‬امتلك االثنان هاجس ًا‬
‫مشرتك ًا وهو إجياد حل ملشكلة األحذية غري املرحية التي يعاين‬
‫منها فيليب خالل اجلري‪ ،‬باورمان حاول وحاول أن يصمم‬
‫أحذية رياضية مرحية وعالية اجلودة‪ ،‬وأرسل تصاميمه بالفعل‬
‫إىل مصانع األحذية لعرشات املرات‪ ،‬وجاءه اجلواب بالرفض‬
‫دائ ًام‪ ..‬فام كان من ا ُمل ّ‬
‫تدرب واملدرب إال أن قررا تأسيس عملهام‬
‫اخلاص برأسامل ‪ 600‬دوالر أمريكي كمعمل أحذية يف العام‬
‫‪ ،1964‬وكان عمر فيليب ‪ 26‬عام ًا وقتها‪ ،‬ووضعا اخلطط‬
‫إلنفاق اجلزء األكرب من املبلغ عىل رشاء أحذية رياضية يابانية‬
‫ليتمكنا من إجراء التعديالت عليها‪ ،‬وليبيعاها يف حمطات امليرتو‪،‬‬
‫حيث مل يكن عندمها صالة عرض وال مقر للرشكة‪ ،‬كانا يعمالن‬
‫من القبو يف منزل نايت‪ ،‬وكانت فرتة صعبة إذ كان من املمكن أن‬
‫يقررا خالهلا إغالق العمل يف أي حلظة بالنظر للصعوبات اهلائلة‬
‫التي اعرتضتهام لكنهام كانا يدركان متام ًا إهنام يسريان وفق اخلطة‬
‫التي رسامها عندما قررا البدء بالعمل‪ ،‬وما الصعوبات إال جزء‬
‫متوقع من اخلطة‪..‬‬
‫بعد هذا التاريخ بثامن سنوات وحتديد ًا يف العام ‪ 1972‬كان‬
‫أربعة من أصل سبعة من األوائل يف أوملبياد أوجني يرتدون أحذية‬
‫من صناعتهم‪ ،‬ويف العام ‪ 1982‬طرحت رشكتهم التي كربت كثري ًا‬

‫‪32‬‬
‫شعار ‪ JUST DO IT‬الذي أصبح من املثل العليا يف الرياضة‪ ،‬اليوم‬
‫تشغل الرشكة ‪ %43‬من السوق األمريكي وهلا وكالء وموزعني يف‬
‫‪ 110‬دول حول العامل وحتدت الرشكات العاملية بإطالقها ألبسة‬
‫املحجبات حيث كانت قيم الرشكة تدعو ألن يامرس اجلميع‬
‫الرياضة وأن احلجاب ال يتعارض مع حماربة اإلرهاب‪.‬‬
‫نعم إهنا قصة رشكة ‪...NIKE‬‬
‫وسؤايل هنا‪ ،‬لو مل يمتلك هذان الشابان اخلطة واإلرصار‬
‫والصرب وأكثر من ذلك القدرة عىل تغيري االسرتاتيجية بعد أن‬
‫رفضت املعامل أن تصنع تصاميمهم‪ ،‬هل كانت رشكة ‪NIKE‬‬

‫العاملية موجودة اليوم؟‪..‬‬


‫نحن كمدراء يف أعاملنا‪ ،‬لنا دور مهم جد ًا يف فك ما بقي من‬
‫هذه الشيفرة الربانية‪ ،‬فعندما يأتينا موظف بفكرة أو اقرتاح أمىض‬
‫أسابيع ومن ثم نقول له‬
‫َ‬ ‫عىل دراسته وحتضريه وتطويره أيام ًا أو‬
‫«حسن ًا‪ ،‬ضعه عىل املكتب و ُعد لعملك» فيرُ اجعنا بعدها بيوم‬
‫أو أكثر فنواجهه بكلامت مدمرة لطاقاته‪ ،‬أو أن نكون يف اجتامع‬
‫ويقرتح أحد املوظفني أقل منّا رتب ًة أمر ًا جيد ًا ولكن تأخذنا العزة‬
‫بالنفس فنسكته‪..‬‬
‫انظر إىل كل الرشكات العاملية‪ ،‬فستجد أن أكثر األفكار‬
‫اإلبداعية والتطويرية قد بدأت انطالق ًا من اقرتاح أو دراسة‬
‫أعدَّ ها موظف صغري لكنه يعرف أن عمله لن يذهب سدى ولن‬

‫‪33‬‬
‫تُكرس جماديفه وهناك من يسمع له‪ ،‬عندها يبقى هذا املوظف عىل‬
‫حماوالته وإرصاره ليجد دائ ًام األفضل للرشكة التي يعمل هبا‪.‬‬
‫أخصائي الطب النفيس والطاقة احليوية الدكتور أمحد عامرة‬
‫يعطي مثاالً مجي ً‬
‫ال للغاية‪ ،‬فقد ش ّبه احلياة بمراحل اللعبة التي‬
‫نلعبها عىل أجهزتنا املحمولة أو البالي ستيشن‪ ،‬فاملرحلة األوىل‬
‫تكون سهلة والثانية أصعب‪ ،‬وتزداد الصعوبة مع تقدم املراحل‪،‬‬
‫يف الثالثة يصبح هناك وحش ًا عليك أن تتخطاه‪ ،‬يف املرحلة الرابعة‬
‫يزداد خطر الوحش‪ ،‬وكذلك يف اخلامسة إىل أن تصل ملرحلة‬
‫يصبح قتل الوحش اإللكرتوين أمر ًا ال مفر منه كي تصل ملرحلة‬
‫أعىل ونتمكن من االستمرار باللعبة التي بدأناها وأثارت شغفنا‪..‬‬
‫هل نستسلم ونرتك اللعبة؟ أم أن اللعبة تصبح أحىل كلام زاد‬
‫التحدي واحلامس فيها؟ وهل نتعلم شيئ ًا جديد ًا يف كل مرحلة؟‬
‫هل نصبح أفضل أم أسوأ مع كل حتدٍّ جديد؟‬
‫يف حالة اللعبة ندرك أن الصعوبات هي جزء من‬
‫الطريق يف هذه اللعبة‪ ..‬واألمر كذلك يف حياتنا العملية‪،‬‬
‫ملاذا نستسلم عندما نواجه الصعوبات يف حياتنا العملية؟‬
‫ملاذا نستسلم عندما نقف أمام التحدي الذي من املفروض‬
‫أن جيعل منّا شخص ًا أفضل وأكثر خربة ومهارة يف هذه احلياة‬
‫متام ًا كمثال اللعبة؟‬

‫‪34‬‬
‫الكثريون من الرواد عاندهتم ظروفهم يف مراحل حياهتم‪...‬‬
‫أحد هؤالء الرواد يقول‪« :‬أؤمن بأن المعاناة نعمة وليست‬
‫نقمة‪ ،‬يجب أن تشكر ربك ألنك تعاني‪ ،‬فالمعاناة علمتني أن‬
‫أكون األول دوماً»‪..‬‬

‫هذا الرائد واجه يف حياته أقسى أنواع التحديات ووصل ألعىل‬


‫درجات النجاح‪ ..‬إنه املفكر وامللياردير الفلسطيني طالل أبو غزالة‪،‬‬
‫شخصية ُملهمة أدعوكم للتفكر يف كل تفاصيل قصة نجاحه‪...‬‬
‫كان طالل أبو غزالة صبي ًا عمره أقل من عرش سنوات عندما‬
‫اجتاحت القوات الصهيونية مدينته يافا ودمرت كل يشء‪ ،‬نعم‬
‫كل يشء‪ ،‬فوالده كان تاجر ًا ثري ًا‪ ،‬أعامله تضم جتارة النفط‬
‫ويملك مساحات واسعة من األرايض الزراعية الغنية ورشكات‬
‫لنقل املسافرين‪ ،‬وفجأة‪ ...‬وخالل ساعات قليلة فقدت األرسة‬
‫كل ما متلك‪...‬‬
‫يف ذلك اليوم من العام ‪ّ 1948‬فرت العائلة هرب ًا من املوت‬
‫الذي اجتاح مدينتها يافا‪ ،‬وجد الصبي نفسه مع أصوات البكاء‬
‫والرصاخ والعويل عىل ظهر مركب غري خمصص لسفر البرش‬
‫يف رحلة تستغرق عاد ًة ساعات قليلة لكنها استغرقت يف تلك‬
‫الظروف أسبوعني كاملني‪ ،‬أسبوعني من اإلحباط واليأس‬
‫والبكاء عىل وطن وأحالم ضاعت‪ ..‬يف تلك الرحلة مات‬

‫‪35‬‬
‫كثريون وتم إلقاء جثثهم يف مياه البحر‪...‬‬
‫أخري ًا وجد نفسه مع أرسته نازح ًا يف قرية لبنانية صغرية‬
‫تبعد ساعتني عن مدينة صيدا اللبنانية‪...‬‬
‫دراسته االبتدائية والثانوية كانت معاناة بحد ذاهتا حيث‬
‫كان يضطر للسري عىل أقدامه ملدة ساعتني يف احلر وحتت األمطار‬
‫والثلوج‪ ،‬كانت الرحلة إىل املدرسة تبدأ يف اخلامسة صباح ًا‪ ،‬ويف‬
‫بعض األيام كان أصحاب السيارات التي تنقل اخلرضوات‬
‫حتمله جمان ًا كبقية املحظوظني يف ذلك اليوم‪ ،‬وكان من املفرتض‬
‫أن يقف طموحه عند هذه املرحلة الدراسية‪ ،‬فأرسته مل تكن متلك‬
‫أي مبلغ من املال ليكمل دراسته اجلامعية‪ ،‬لكنه َع ِلم عن منحة‬
‫مقدمة للطالب املتفوق األول يف الدراسة الثانوية يف مدارس‬
‫الالجئني لدخول اجلامعة‪ ،‬وهذه املنحة ستغطي كافة تكاليف‬
‫الدراسة اجلامعية‪ ،‬وكان أن ثابر الشاب عىل دراسته وتفوق ونال‬
‫املركز األول رغم كل املعاناة الدراسية والفقر واألمل الذي تعاين‬
‫منه األرسة التي انقلب حاهلا بلحظات من أرسة غنية يف وطنها‬
‫إىل أرسة فقرية الجئة يف املخيامت‪ ...‬يتذكر طالل أبو غزالة تلك‬
‫الفرتة القاسية من حياته فيقول‪« :‬إن الساعات الطويلة التي كنت‬
‫أمشيها لزيارة أهيل خالل دراستي اجلامعية‪ ،‬وقبلها عندما كنت‬
‫ال بني املدرسة واملنزل أفادتني صحي ًا اآلن‪ ،‬حيث ال أشتكي‬ ‫طف ً‬
‫من أي مرض‪ ،‬واحلمد هلل»‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫تلك كانت قصة النجاح الدرايس التي كان وقودها اإلرصار‪...‬‬
‫أما رحلة نجاحه العملية فبدأت عندما كان عمره عرشون‬
‫عام ًا حيث حصل عىل أول مبلغ كبري وهو ‪ 500‬جنيه مرصي‬
‫وكان قيمة جائزة أدبية عن قصة قصرية (الصدى اللعني) ح ّلل‬
‫وعالج فيها إرهاقات تصيب شاب ًا يعيش واقع اللجوء واإلحباط‬
‫ويتطلع بأمل نحو املستقبل‪ ...‬هذا املبلغ مل يدفع به نحو هوايته‬
‫األدبية بل إن هذا املبلغ قاده لتأسيس أعامله حيث إنطلق من‬
‫سيارة يضع يف صندوقها اخللفي امللفات املحاسبية واآللة‬
‫احلاسبة واألوراق وجيول بني الرشكات ليقدم هلا خدماته فهو‬
‫مل يكن يملك مكتب ًا ووصل بأعامله اليوم لتصبح (جمموعة طالل‬
‫أبو غزالة) الشهرية والتي يعمل فيها ‪ 2000‬مهني حمرتف من‬
‫مكتب متثيل يغطي كل املدن‬‫َ‬ ‫خالل ‪ 72‬فرع ًا باإلضافة إىل ‪150‬‬
‫الرئيسة يف العامل‪..‬‬
‫ُيعترب طالل أبو غزالة اليوم رائد ًا عاملي ًا يف جماالت إدارة‬
‫امللكية الفكرية واملحاسبة واالستشارات اإلدارية وتقنية‬
‫املعلومات والتوظيف والرتمجة وغريها الكثري‪ ،‬وهو مصنف عىل‬
‫قوائم األشخاص األكثر تأثري ًا حول العامل وقوائم األشخاص‬
‫األكثر ثراء حول العامل‪..‬‬
‫هل يمكن أن نقول أن نجاحات هذا الرجل األسطورة‬
‫جاءت عن طريق احلظ أم بالعمل واإلرصار؟‬

‫‪37‬‬
‫يقول أبو غزالة‪ « :‬ساعات العمل قصيرة‪ ،‬ال يجوز لإلنسان أن‬
‫يستريح أثناء العمل‪ ،‬ويمكن أن يتم ذلك بتغيير نوع العمل‬
‫فقط‪ ،‬فالعقل ال يحتاج إلى راحة‪ ،‬أما راحة العينين فهي بتغيير‬
‫المنظر»‪.‬‬

‫الرواد تقودنا دوم ًا حلقيقة هامة وهي أن التحديات‬


‫قصص نجاح ّ‬
‫موجودة‪ ،‬وتواجه اجلميع بدرجات خمتلفة وأوقات خمتلفة‪ ،‬وإرادة‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل هي أن نكون أقوى وأخرب وأصلب أثناء وبعد‬
‫مواجهة هذه التحديات بفطرتنا التي خلقها معنا‪..‬‬
‫جيب أن نستفيد من األشخاص الذين بقيت فطرة اإلرصار‬
‫بداخلهم كام كانت عندما كانوا أطفاالً‪ ،‬جيب أن نستوعب أن‬
‫رحلة احلياة تتضمن الكثري من التحديات واملصاعب كلام تقدمنا‬
‫يف مسريتنا نحو األفضل‪..‬‬
‫وكلام ابتعدنا عن فطرة اإلرصار جيب أن نتأمل ونستفيد من‬
‫جتارب أطفالنا واألطفال اآلخرين املولودين عىل الفطرة‪...‬‬
‫فإذا كان هذا الطفل يمتلك اإلرصار‪ ،‬فامذا حدث لنا نحن‬
‫الشباب الذين كربنا وخربنا احلياة وأصبح لدينا منهج تفكري عميل‬
‫وعلمي وبعد أن أصبح لدينا اسرتاتيجيات وجتارب باحلياة‪ ،‬فهل‬
‫علينا أن نقبل أن يكون االستسالم جزء من شخصيتنا‪..‬‬
‫هذا الكتاب هو تأمل يف الطفل‪ ،‬وسنجد يف كل أفكاره طف ً‬
‫ال‬

‫‪38‬‬
‫يقودنا‪ ،‬أنا يقودين ابني سيف الذي تقوده فطرته‪ ،‬ابني الذي مل‬
‫أعتقد يوم ًا أنه يمتلك من اخلصال ومن الفطرة أكثر وأقوى‬
‫مما أملك أنا الذي أعيش يف العقد الرابع من العمر وخضت‬
‫الكثري من التجارب‪ ،‬علينا أن ندرك أننا ُخلقنا ونحن ال نعرف‬
‫أن نستسلم ولكن عندما كربنا ب ُعدنا عن فطرتنا املوجودة فينا‬
‫أص ً‬
‫ال كام نبتعد عن كثري من األمور اجلميلة ألننا نريد أن نرتاح‬
‫ونظل يف دائرة الراحة والتقبل املجتمعي لنا وبكلمة أخرى نريد‬
‫أن نستسلم‪...‬‬
‫اخلرب اجليد يف هذا األمر هو أن الفطرة مهام خبت يف داخل‬
‫اإلنسان فإهنا ال متوت‪ ،‬ربام تكون مركونة يف زاوية منسية وعليها‬
‫الكثري من الغبار‪ ،‬لكنها بمجرد إزالة هذا الغبار فإهنا تعود‬
‫لرونقها‪ ،‬وربام يتوقف األمر عىل كمية هذا الغبار الذي يعلوها‬
‫وخيفيها‪ ،‬قد ترتاكم التجارب السيئة واليأس فنصبح مستسلمني‬
‫وال نملك روح اإلرصار ألن كمية اليأس واالستسالم التي‬
‫ترسبت لنفوسنا جعلت فطرة اإلرصار عندنا يصيبها الصدأ‪،‬‬
‫والتي بمجرد أن نعتني بإعادة تنميتها داخلنا باستمرار فإننا نكون‬
‫قد أعدناها لداخلنا تدرجيي ًا‪ ،‬كل ما علينا هو إعادة االعتناء هبذه‬
‫الفطرة كالنبتة‪ ،‬حتتاج سقاية وشمس ًا وترتيب ًا ألوراقها‪ ،‬وبعدها‬
‫تدب احلياة فيها بإذنه تعاىل‪...‬‬

‫‪39‬‬
‫لو تأملنا يف قصص كل األشخاص الذين ذكرهم التاريخ‬
‫إلنجازاهتم التي غريت معامل البرشية مثل األنبياء‪ ،‬العلامء‪،‬‬
‫املخرتعني‪ ،‬الرياضيني‪ ،‬السياسيني سنجد شيئ ًا واحد ًا مشرتك ًا‪،‬‬
‫مروا بمراحل فشل وإحباط رهيبة ولكن مل تكن كلمة‬ ‫فكلهم ّ‬
‫االستسالم موجودة يف قاموسهم‪ ،‬فبالنسبة هلم‪ ،‬ال يوجد خيار‬
‫آخر‪ ،‬غري الفوز‪..‬‬

‫كرهت كل لحظة من التدريب ولكني كنت أقول‪ :‬ال‬


‫تستسلم‪ ،‬اتعب اآلن ثم عِش بطالً بقية حياتك‪.‬‬
‫محمد علي كالي‬

‫‪40‬‬

You might also like