Professional Documents
Culture Documents
اإلصـــــرار..
21
يف أنفسنا من خالل حتفيزنا عىل رفض االستسالم لليأس يف أي
منحى باحلياة..
فام هو هذا اإلرصار أصالً؟ ،وهل هو مفيد لنا أم من املمكن
أن ُيتعبنا؟..
اإلرصار هو أن نكرر املحاولة مرة
ما أجمل إثر أخرى لتنفيذ أمر ما حتى نتمكن من
اإلصرار عندما
إنجازه ،وعكسه هو االستسالم..
تصل إلى ما
تريده دون أن يف هذه الرحلة اجلميلة يف احلياة،
تلحق ضرراً وعىل هذا الكوكب امليلء باملفاجآت
بأحد. ٍ
بطريق نحتاج لإلرصار ،فاحلياة ليست
مستقيم ،بل هي أشبه بطريق فيه املنعطفات ،املطبات ،املفارق
الدوارات وفيها أيض ًا العودة ّ نحو اليمني واليسار ،وفيها
باالجتاه املعاكس ،وفيها أيض ًا سيارات أخرى غري سيارتك،
أكرب وأصغر ،أرسع وأبطأ ،وهنا َيكمن مجال احلياة ،فلو خت ّيلنا
حياتنا وكأننا نقود سيارتنا عىل طريق رسيع مستقيم ليس فيه
أحد سوانا ،ال سيارات ،ال شاحنات ،ال دراجات ،وال مكان
فيه للمطبات واملنعطفات واملفارق ،سيكون طريق ًا جيد ًا ،لكنه
س ُيصيبنا بامللل ،سيغالبنا النعاس أثناء القيادة فرتكيزنا لن يبقى
عالي ًا كنتيجة طبيعية للروتني ،بينام طريق احلياة الذي فيه مفاجآت
ومتغريات هو طريق ممتع جد ًا ملن جييد القيادة ،فالرتكيز يبقى
22
عالي ًا ..وهنا تكمن املتعة ،إن مجاليات احلياة يف حتدياهتا تشبه هذا
الطريق يف تعرجاته..
فهل مجيعنا يمتلك رخصة قيادة هلذه احلياة اجلميلة التي
تضحك ملن يضحك هلا وتعبس ملن يعبس هلا؟!
يبدو أن ابني سيف يف ذلك الصباح قد اختذ قراراه بأن
يلعب لعبة إنشاء املبنى املرتفع ،وبدأ بوضع القطع بعضها فوق
بعض ،واستمر يركب بفرح وبشغف دون كلل أو ملل لريى
ألي مدى يمكنه أن يصل بمبناه ،كنت أراقب تفاصيل املشهد،
فاللعبة حتتاج لرتكيب كل قطعة بمكاهنا ،ولو اختار قطعة خاطئة
سيؤدي ذلك الهنيار املبنى يف مرحلة تالية ،وهو ما كان حيدث..
اهنار املبنى أكثر من ست مرات بعد أن استغرق بناء كل منها
عرش دقائق أو أكثر ،ويف كل مرة كان املبنى ينهار فيها كان سيف
يبدأ بمحاولة جديدة من البداية دون أن يتشتت تركيزه...
سيف مل يشعر باإلحباط ،فاهنيار املبنى بالكامل قبل أن
ال لسيف ،لكنه كان جزء ًا من اللعبة ال أكثر وال يكمله مل يكن فش ً
أقل ،ففي كل مرة كان املبنى يسقط كانت تتبعها حلظة «اآلها»،
كان الصوت ينطلق من داخل سيف و ُيعبرِّ عن شعوره ولِسان
أخطأت واهنار املبنى وعرفت السبب وسأبدأ ُ حاله يقول :نعم
خيار آخر..
من جديد ،فال يوجد ٌ
يف صبيحة ذلك اليوم لفت نظري اليشء اهلام الذي يملكه
23
هذا الطفل ذو الست أعوام بداخله يف حني حيتاج معظمنا ملن
ُيسمعه كلامت التحفيز اإلجيابية والسلبية ..حتى ال يفقد إرصاره
عىل فعل أمر ما ،كان لطفيل ما حيفزه ذاتي ًا!..
سألته« ،بابا ليه ترص عىل إنك ترجع تبني البناية يف كل مرة
توقع فيها ع األرض؟»
نظر سيف إ ّيل نظرة استغراب وعدم فهم للسؤال ،نظرة
طفل حياول أن جيد اجلواب ..وقال« :اللعبة هي هيك يا بابا
والرابح فيها ييل خيلص البناء لآلخر!!»
كنت كمن يسمع حكي ًام عمره 100سنة! كأنني أسمع
كأن أنا الطفل وهو املعلم مثل هذا الكالم ألول مرة يف حيايت! يّ
اخلبري! «اللعبة هي هيك!»
سألت نفيس ،أال يعرف هذا الطفل معنى كلمة الفشل؟
كلمة االستسالم؟
فكيف أعرفها أنا؟
من علمني إياها؟
فيا ليتني فهمت اللعبة من قبل ،ويا ليتني أنرش هذا الوعي ألهيل
ومجيع من حويل ..وما أمجلها لو عشنا حياتنا أطفاالً هبذه العقلية..
ال بعمر الست سنوات لتكرار ما اليشء الذي حيرك طف ً
املحاولة؟ ما دافعه ،ملاذا هذا اإلرصار ومن أين جاء؟ ،من أين
أتت هذه العقلية؟ هل قرأ عنها؟ هل تع ّل َمها؟!!
24
بالتأكيد مل أعلمه إياها أنا وال رفيقة حيايت ،والدته ،ولكنها
الفطرة اإلهلية السليمة هي من قادته إلعادة املحاولة ،وهي من
حركَت اإلرصار بداخله ودفعته لعدم االستسالم ،وهذه هي ّ
الفطرة السليمة التي ُخلقنا عليها وهو الرس الذي يم ّيزنا ..إنه
اإلرصار والعزيمة واإلرادة ،إهنا املشيئة التي تحُ ركنا ألن نعمل
إلنجاز يشء ..وامللفت أننا مجيع ًا نأيت للحياة وتأيت فطرتنا معنا،
فهل هذه الفطرة تبقى موجودة مع تقدم العمر؟ هل تتالشى؟
هل ختتفي؟ هل ختتبئ..
اجلواب ممكن أن يأيت من خالل عدة تساؤالت حول أمور
متر يف حياتنا اليومية..
كم منّا حاول أن َيدرس اختصاص ما ،وتوقف بعد فرتة؟
كم منّا رسب بامتحان ،وتوقف؟
كم منّا حاول احرتاف رياضة ،وتركها بعد أول أو ثاين أو
ثالث أو رابع إخفاق؟
كم منّا سعى ألن يتع ّلم السباحة ،لكنه مل يملك اإلرصار
الكايف فتوقف؟
كم منّا قرر أن يتعلم شيئ ًا جديد ًا ،فوجده صعب ًا بعد فرتة
بسيطة وتوقف؟
كم منّا حاول العمل بوظيفة معينة فوجد الباب مغلق ًا أمامه،
أو َوجد بابان مغلقان ،أو ثالثة ،وتوقف عن البحث؟..
25
كم منّا حاول أن يتزوج ومل تسرِ األمور وفق ًا ملا أراده،
فتوقف وفقد األمل؟..
سبحان اهلل تعاىل مع مرور األيام نتعلم كيف نُبعد أنفسنا
عن فطرة اإلرصار عىل ما نريد وعدم االستسالم بدالً من أن
ُنميها بداخلنا..
ن ّ
الكثري من املواقف اهلامة يف حياتنا اليومية حتتاج لإلرصار،
الكثريون منّا كانت أمامهم فرصة لتحقيق أمور مهمة يف حياهتم،
كان عليهم أن يسلكوا طريق ًا ما ،ويف جتارهبم األوىل أو الثانية أو
الثالثة ولسبب ما مل تسرِ املحاولة التي حاولوها كام كانوا يرجون،
فتوقفوا عن األمر.
ال بالنسبة لنا ،سبحان الواقع يقول أن االستسالم أصبح سه ً
اهلل ،األطفال يو َلدون وهم ال يعرفون معنى االستسالم ،فالطفل
يستمر باملحاولة ،حياول وحياول حتى ينجح ،فطرته ال تعرف معنى
امللل من تكرار املحاولة ،وال تعرف معنى كلمة الفشل .وحني يكرب
يتعرف معنى االستسالم ولألسف البعض يصبح حمرتف ًا فيه..
هل سبق وأن سمعتم عن طفل حاول امليش وكانت النتيجة
السقوط مرار ًا وتكرار ًا وبعدها أصابه اليأس واالستسالم
فتوقف وقال أنا لن أستطيع أن أميش أبد ًا؟ فالطفل ورغم أنه يف
كل مرة يسقط فيها يصيبه األمل وربام يصاب بمناطق متفرقة من
ض أو كرس، جسده وتسيل دماءه وأكثر من ذلك ،ربام يصاب َبر ٍ
26
لكنه ال يتوقف عن املحاولة حتى يتمكن من امليش .كل األطفال
كذلك وعندهم ذات اإلرصار ومجيعهم حياولون امليش ،ورغم أن
الطفل خياف أمرين« :السقوط والصوت املرتفع» فإنه يستمر يف
املحاوالت رغم سقوطه وشعوره باألمل ،ملاذا؟ ألنه ُخلق ليستمر
وخلق معه وقوده ليدفعه لالستمرار ،وقوده هو يف حماوالته ُ
اإلرصار عىل حماولة امليش حتى ينجح ،فال يوجد خيار آخر....
األمر كذلك يف حماولة الطفل أن يأكل بنفسه ،فعندما حياول
أن يأكل بامللعقة فإن %90من الكمية املوجودة يف امللعقة تسقط
منها قبل أن تصل إىل فمه ويتسخ ما حوله وكذلك ثيابه ووجهه،
لكنه ال ييأس ويعيد املحاولة مرار ًا وتكرار ًا ويتحسن أداءه يوم ًا
بعد يوم حتى يستطيع األكل ..فلم أسمع يف حيايت عن طفل مات
بسبب عدم قدرته عىل تناول الطعام!! هذا الطفل سيظل حياول
بامللعقة ،فإن مل يستطع فسيحاول بيده ،فإن مل يستطع فسيضع
وجهه يف وعاء األكل ،بالنسبة له ال يوجد خيار آخر..
عندما يقف طفيل بجانبي وهو يمسك يب ويريد أمر ًا مني
كنتويبدأ بمنادايت« ..بابا ،بابا ،بابا» ،ويستمر بمنادايت حتى لو ُ
مشغوالً عنه باحلديث عىل اهلاتف أو بالقراءة ،الكتابة ،احلديث
مع والدته أو بعمل أي يشء ،هذا الطفل سيستمر باملناداة
ويتكلم معي وكأين من املفروض أن أكون مركّز ًا معه وجاهز ًا
للحوار معه ،ويستمر باملناداة بنفس نربة الصوت مرة ومرتني
27
وثالثة وأربعة ومخسة وستة دون ملل إىل أن أجيبه :نعم بابا..
عندها يطرح ما يريده مني« :بابا ما بقدر أوصل للخزانة
فوق!! بابا ساعدين»..
فأجيبه« :حبيبي شوية وأساعدك بس أخلص ييل بإيدي»..
يسكت قلي ً
ال ثم يعاود املناداة بإحلاح أكثر« :بابا ،بابا ،بابا ،بابا»..
وجوايب يكون ذاته« :بابا قلتلك شوية وأسويلك شو ما بدك»..
امللفت أن الطفل مستعد أن يستمر بتكرار نفس األمر
لساعات حتى يأخذ ما يريد.
هذا اإلرصار وعدم االستسالم ،هذا العناد اإلجيايب عىل أن
نحصل عىل ما نريده ،هذه اإلرادة واإلرصار املوجود بداخلنا
وبفطرتنا أين ذهبت اآلن؟
ملاذا وجدنا أنفسنا مبتعدين عن فطرتنا؟
ملاذا كربنا عىل أن اإلرصار عىل هذا األمر أو سواه عيب ًا؟
ملاذا تعلمنا أن هذا األمر ضعف؟ ،مع أن اهلل سبحانه وتعاىل
خلقنا مع فطرتنا هذه..
28
ما حياولون ثنيه عن القيام به ويبدؤون بالرصاخ «مش شايفني
مشغول!» ومن املمكن أن يرضبوا الطفل! ،أو القول «كان غريك
أشطر!» أو «هاد اليشء مش إللنا!» ،يمكننا القول أهنم عند
هذه اللحظة يكونوا قد بدؤوا بتكسري كل صاممات وحمركات
اإلرصار عند الطفل عندما يتملكه شعور اخلوف من األمور
يرص عليها.
التي ُّ
ال أحد يف هذه الدنيا يستطيع تعليم الطفل كيف يصبح
حلوح ًا أكثر من فطرته ،مل يعلمه أحد أال يستسلم ،مل يقم أحدٌ
بتلقني طفل عمره ستة أشهر أو سنة أو سنتني أن يقول أريد أمر ًا
ما وأن يلح يف ذلك إىل أن حيصل عليه ..هؤالء األهايل وبدالً من
أن يعملوا عىل تنمية هذه الفطرة السليمة بداخل أطفاهلم نجدهم
يوبخوهم ليعلموهم معنى االستسالم مع العلم أن اإلرصار
فطرة سليمة عند اإلنسان ،فالطفل -ودونام أي وعي أو إدراك
يرص ويلح عىل أي أمر يريده ليأيت بعدها دورنا نحن كأهايل ّ -
ومدرسني وأصدقاء ومربني ونعلمه ما اليشء الذي سينتج عن
ترصفه ،هذا الطفل عندما يكرب ويواجه أي مشكلة سيترصف كام
علمناه ،ومن هنا ينبغي علينا أال نقتل فطرته السليمة وإرصاره
بل عىل العكس علينا أن ننتبه هلا ،علينا أن نسمع له ،علينا
ألاّ نعلمه أنه إذا ّ
ألح عىل أمر فإنه س ُيجا َبه بالرضب واألمل بل
العكس متام ًا فهو سيواجه األمل يف حال مل يرص عىل الدراسة أو
29
النجاح بأي أمر ،وهو ما سيبقى معه حني يكرب ،وعندها سيرص
عىل الدراسة وعىل النجاح بالعمل ،سيرص عىل احرتاف رياضة
معينة ،عىل تأليف كتاب معينّ ،عىل اخرتاع يشء جديد ،علينا
أن ننمي عنده الرتكيز عىل فعل ما يريده بدالً من االنسحاب.
فاألطفال هم أهم ما نملك..
وكذلك األمر يف املدرسة ،فلألسف الطفل عندما يدخل
املدرسة فإنه يبدأ تدرجيي ًا بفقدان مهارة اإلرصار حيث يتم
تفكيك هذه الشيفرة الرهيبة التي وضعها اهلل فينا ،والكثري منا
يصل ملرحلة فقدان هذا اإلحلاح مع العلم بأنه هو اليشء الذي
يلزمنا للتغلب عىل العوائق التي متنعنا من الوصول إىل ما نريده،
فاإلحلاح عندما يكون يف مكانه املناسب أمر هام جد ًا يف مسرية
أي شخص ،فام أمجل اإلحلاح عندما تصل إىل ما تريده دون أن
تُلحق رضر ًا بأحد ،ألنه يف كثري من املواقف يف حياتنا جيب أن
نعمل بعقلية ال يوجد خيار آخر.
30
إحلاح أبنائنا ،أصدقائنا أو إخواننا عىل طلبات معينة هو أمر
يكاد أن يواجهنا يومي ًا ،ففي كل يوم جيد ابني سيف ما يرص عليه،
أحيان ًا يدعوين ملشاركته لعبة ما ،أحيان ًا يريد أن يشرتي شيئ ًا ما،
أن يذهب ملكان ما ،وبالتأكيد أنا ال أجد الوقت أو الرغبة والقدرة
عىل تلبية طلباته يف كل مرة ،أحيان ًا يصيبني إرصاره بالتوتر وقد
جيعلني أغضب ..وهو ما أضع عليه اخلطوط احلمراء التي ال
يمكن أن أجتاوزها ،فأنا وإن كنت لن ألبي طلبه فإين ُأرغم نفيس
عىل إقناعه بالعدول عام يريده أو إرشاده ألمر آخر يشد انتباهه
أو عمل أو لعبة خيرج طاقته وحيويته فيها ،لكن بكل األحوال
لن أمارس العنف اللفظي أو اجلسدي ليتوقف عن إرصاره ،فال
يوجد طفل أتعس وال أشد حزن ًا من ذلك الذي ال يخُ رج طاقته
وحيويته اجلسدية والعقلية ،الرفق مطلوب وعلينا أن نتذكر دوم ًا
قول قدوتنا عليه الصالة والسالم( :إن الرفق ال يكون يف يشء
إال زانه ،وال ُينزع من يشء إال شانه).
دعوين أخربكم عن فيليب نايت ..الذي دفعه حلمه للنجاح،
وحققه عن طريق التخطيط واإلرصار وتغيري االسرتاتيجية يف
حلظة ما..
ُولد فيليب يف الواليات املتحدة إ ّبان احلرب العاملية الثانية،
كان عدّ ا ًء طموح ًا وخالل ممارسة هوايته تعرف عىل املدرب بيل
باورمان وهو طالب إدارة أعامل ،يف فرتات الراحة أثناء التدريب
31
اليومي كان يدور بينهام حديث جانبي ،امتلك االثنان هاجس ًا
مشرتك ًا وهو إجياد حل ملشكلة األحذية غري املرحية التي يعاين
منها فيليب خالل اجلري ،باورمان حاول وحاول أن يصمم
أحذية رياضية مرحية وعالية اجلودة ،وأرسل تصاميمه بالفعل
إىل مصانع األحذية لعرشات املرات ،وجاءه اجلواب بالرفض
دائ ًام ..فام كان من ا ُمل ّ
تدرب واملدرب إال أن قررا تأسيس عملهام
اخلاص برأسامل 600دوالر أمريكي كمعمل أحذية يف العام
،1964وكان عمر فيليب 26عام ًا وقتها ،ووضعا اخلطط
إلنفاق اجلزء األكرب من املبلغ عىل رشاء أحذية رياضية يابانية
ليتمكنا من إجراء التعديالت عليها ،وليبيعاها يف حمطات امليرتو،
حيث مل يكن عندمها صالة عرض وال مقر للرشكة ،كانا يعمالن
من القبو يف منزل نايت ،وكانت فرتة صعبة إذ كان من املمكن أن
يقررا خالهلا إغالق العمل يف أي حلظة بالنظر للصعوبات اهلائلة
التي اعرتضتهام لكنهام كانا يدركان متام ًا إهنام يسريان وفق اخلطة
التي رسامها عندما قررا البدء بالعمل ،وما الصعوبات إال جزء
متوقع من اخلطة..
بعد هذا التاريخ بثامن سنوات وحتديد ًا يف العام 1972كان
أربعة من أصل سبعة من األوائل يف أوملبياد أوجني يرتدون أحذية
من صناعتهم ،ويف العام 1982طرحت رشكتهم التي كربت كثري ًا
32
شعار JUST DO ITالذي أصبح من املثل العليا يف الرياضة ،اليوم
تشغل الرشكة %43من السوق األمريكي وهلا وكالء وموزعني يف
110دول حول العامل وحتدت الرشكات العاملية بإطالقها ألبسة
املحجبات حيث كانت قيم الرشكة تدعو ألن يامرس اجلميع
الرياضة وأن احلجاب ال يتعارض مع حماربة اإلرهاب.
نعم إهنا قصة رشكة ...NIKE
وسؤايل هنا ،لو مل يمتلك هذان الشابان اخلطة واإلرصار
والصرب وأكثر من ذلك القدرة عىل تغيري االسرتاتيجية بعد أن
رفضت املعامل أن تصنع تصاميمهم ،هل كانت رشكة NIKE
33
تُكرس جماديفه وهناك من يسمع له ،عندها يبقى هذا املوظف عىل
حماوالته وإرصاره ليجد دائ ًام األفضل للرشكة التي يعمل هبا.
أخصائي الطب النفيس والطاقة احليوية الدكتور أمحد عامرة
يعطي مثاالً مجي ً
ال للغاية ،فقد ش ّبه احلياة بمراحل اللعبة التي
نلعبها عىل أجهزتنا املحمولة أو البالي ستيشن ،فاملرحلة األوىل
تكون سهلة والثانية أصعب ،وتزداد الصعوبة مع تقدم املراحل،
يف الثالثة يصبح هناك وحش ًا عليك أن تتخطاه ،يف املرحلة الرابعة
يزداد خطر الوحش ،وكذلك يف اخلامسة إىل أن تصل ملرحلة
يصبح قتل الوحش اإللكرتوين أمر ًا ال مفر منه كي تصل ملرحلة
أعىل ونتمكن من االستمرار باللعبة التي بدأناها وأثارت شغفنا..
هل نستسلم ونرتك اللعبة؟ أم أن اللعبة تصبح أحىل كلام زاد
التحدي واحلامس فيها؟ وهل نتعلم شيئ ًا جديد ًا يف كل مرحلة؟
هل نصبح أفضل أم أسوأ مع كل حتدٍّ جديد؟
يف حالة اللعبة ندرك أن الصعوبات هي جزء من
الطريق يف هذه اللعبة ..واألمر كذلك يف حياتنا العملية،
ملاذا نستسلم عندما نواجه الصعوبات يف حياتنا العملية؟
ملاذا نستسلم عندما نقف أمام التحدي الذي من املفروض
أن جيعل منّا شخص ًا أفضل وأكثر خربة ومهارة يف هذه احلياة
متام ًا كمثال اللعبة؟
34
الكثريون من الرواد عاندهتم ظروفهم يف مراحل حياهتم...
أحد هؤالء الرواد يقول« :أؤمن بأن المعاناة نعمة وليست
نقمة ،يجب أن تشكر ربك ألنك تعاني ،فالمعاناة علمتني أن
أكون األول دوماً»..
35
كثريون وتم إلقاء جثثهم يف مياه البحر...
أخري ًا وجد نفسه مع أرسته نازح ًا يف قرية لبنانية صغرية
تبعد ساعتني عن مدينة صيدا اللبنانية...
دراسته االبتدائية والثانوية كانت معاناة بحد ذاهتا حيث
كان يضطر للسري عىل أقدامه ملدة ساعتني يف احلر وحتت األمطار
والثلوج ،كانت الرحلة إىل املدرسة تبدأ يف اخلامسة صباح ًا ،ويف
بعض األيام كان أصحاب السيارات التي تنقل اخلرضوات
حتمله جمان ًا كبقية املحظوظني يف ذلك اليوم ،وكان من املفرتض
أن يقف طموحه عند هذه املرحلة الدراسية ،فأرسته مل تكن متلك
أي مبلغ من املال ليكمل دراسته اجلامعية ،لكنه َع ِلم عن منحة
مقدمة للطالب املتفوق األول يف الدراسة الثانوية يف مدارس
الالجئني لدخول اجلامعة ،وهذه املنحة ستغطي كافة تكاليف
الدراسة اجلامعية ،وكان أن ثابر الشاب عىل دراسته وتفوق ونال
املركز األول رغم كل املعاناة الدراسية والفقر واألمل الذي تعاين
منه األرسة التي انقلب حاهلا بلحظات من أرسة غنية يف وطنها
إىل أرسة فقرية الجئة يف املخيامت ...يتذكر طالل أبو غزالة تلك
الفرتة القاسية من حياته فيقول« :إن الساعات الطويلة التي كنت
أمشيها لزيارة أهيل خالل دراستي اجلامعية ،وقبلها عندما كنت
ال بني املدرسة واملنزل أفادتني صحي ًا اآلن ،حيث ال أشتكي طف ً
من أي مرض ،واحلمد هلل»..
36
تلك كانت قصة النجاح الدرايس التي كان وقودها اإلرصار...
أما رحلة نجاحه العملية فبدأت عندما كان عمره عرشون
عام ًا حيث حصل عىل أول مبلغ كبري وهو 500جنيه مرصي
وكان قيمة جائزة أدبية عن قصة قصرية (الصدى اللعني) ح ّلل
وعالج فيها إرهاقات تصيب شاب ًا يعيش واقع اللجوء واإلحباط
ويتطلع بأمل نحو املستقبل ...هذا املبلغ مل يدفع به نحو هوايته
األدبية بل إن هذا املبلغ قاده لتأسيس أعامله حيث إنطلق من
سيارة يضع يف صندوقها اخللفي امللفات املحاسبية واآللة
احلاسبة واألوراق وجيول بني الرشكات ليقدم هلا خدماته فهو
مل يكن يملك مكتب ًا ووصل بأعامله اليوم لتصبح (جمموعة طالل
أبو غزالة) الشهرية والتي يعمل فيها 2000مهني حمرتف من
مكتب متثيل يغطي كل املدنَ خالل 72فرع ًا باإلضافة إىل 150
الرئيسة يف العامل..
ُيعترب طالل أبو غزالة اليوم رائد ًا عاملي ًا يف جماالت إدارة
امللكية الفكرية واملحاسبة واالستشارات اإلدارية وتقنية
املعلومات والتوظيف والرتمجة وغريها الكثري ،وهو مصنف عىل
قوائم األشخاص األكثر تأثري ًا حول العامل وقوائم األشخاص
األكثر ثراء حول العامل..
هل يمكن أن نقول أن نجاحات هذا الرجل األسطورة
جاءت عن طريق احلظ أم بالعمل واإلرصار؟
37
يقول أبو غزالة « :ساعات العمل قصيرة ،ال يجوز لإلنسان أن
يستريح أثناء العمل ،ويمكن أن يتم ذلك بتغيير نوع العمل
فقط ،فالعقل ال يحتاج إلى راحة ،أما راحة العينين فهي بتغيير
المنظر».
38
يقودنا ،أنا يقودين ابني سيف الذي تقوده فطرته ،ابني الذي مل
أعتقد يوم ًا أنه يمتلك من اخلصال ومن الفطرة أكثر وأقوى
مما أملك أنا الذي أعيش يف العقد الرابع من العمر وخضت
الكثري من التجارب ،علينا أن ندرك أننا ُخلقنا ونحن ال نعرف
أن نستسلم ولكن عندما كربنا ب ُعدنا عن فطرتنا املوجودة فينا
أص ً
ال كام نبتعد عن كثري من األمور اجلميلة ألننا نريد أن نرتاح
ونظل يف دائرة الراحة والتقبل املجتمعي لنا وبكلمة أخرى نريد
أن نستسلم...
اخلرب اجليد يف هذا األمر هو أن الفطرة مهام خبت يف داخل
اإلنسان فإهنا ال متوت ،ربام تكون مركونة يف زاوية منسية وعليها
الكثري من الغبار ،لكنها بمجرد إزالة هذا الغبار فإهنا تعود
لرونقها ،وربام يتوقف األمر عىل كمية هذا الغبار الذي يعلوها
وخيفيها ،قد ترتاكم التجارب السيئة واليأس فنصبح مستسلمني
وال نملك روح اإلرصار ألن كمية اليأس واالستسالم التي
ترسبت لنفوسنا جعلت فطرة اإلرصار عندنا يصيبها الصدأ،
والتي بمجرد أن نعتني بإعادة تنميتها داخلنا باستمرار فإننا نكون
قد أعدناها لداخلنا تدرجيي ًا ،كل ما علينا هو إعادة االعتناء هبذه
الفطرة كالنبتة ،حتتاج سقاية وشمس ًا وترتيب ًا ألوراقها ،وبعدها
تدب احلياة فيها بإذنه تعاىل...
39
لو تأملنا يف قصص كل األشخاص الذين ذكرهم التاريخ
إلنجازاهتم التي غريت معامل البرشية مثل األنبياء ،العلامء،
املخرتعني ،الرياضيني ،السياسيني سنجد شيئ ًا واحد ًا مشرتك ًا،
مروا بمراحل فشل وإحباط رهيبة ولكن مل تكن كلمة فكلهم ّ
االستسالم موجودة يف قاموسهم ،فبالنسبة هلم ،ال يوجد خيار
آخر ،غري الفوز..
40