You are on page 1of 138

‫‪1‬‬

‫نعم أستطيع‬
‫أتليف األستاذ ‪ :‬حممد بنساسي‬

‫مدرب معتمد يف التطوير الذايت‬

‫مرشد أسري‬
‫‪2‬‬

‫المقدمة‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على سيدان حممد وعلى آله‬
‫والصحابة والتابعني‪.‬‬

‫أصل هذا الكتاب حماضرة حتت عنوان " نعم أستطيع " ألقيتها يف‬
‫عدد من املؤسسات التعليمية الثانوية اإلعدادية والتأهيلية والكليات‬
‫واجلمعيات بكل من الدار البيضاء وبرشيد وسال والربوج‪ .‬وكنت يف‬
‫كل مرة ألقيها أجد درجة عالية من التفاعل من املشاركني سواء كانوا‬
‫تالميذ أو أساتذة أو أولياء أمور‪ ،‬وكان موضوعها يزداد أمهية يف‬
‫تصوري ابلقدر الذي ابتت عبارة " نعم أستطيع " شعارا لبعض هؤالء‬
‫التالميذ يرددوهنا كأداة للتحفيز‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وكعاديت عندما أجد نفسي ملزما إبلقاء حماضرة سبق يل أن ألقيتها‪،‬‬


‫أجتهد يف تطوير املوضوع وإثرائه احرتاما وتقديرا للمشاركني‪ ،‬وأيضا‬
‫هرواب من امللل الذي قد يتسلل إىل قليب من التكرار‪ .‬فكان املوضوع‬
‫يزداد أمهية ابلنسبة يل‪ ،‬ويف كل مرة أغذيه أبفكار جديدة‪ ،‬أو أمثلة‬
‫جديدة‪ ،‬كنت أشعر أن آفاقا جديدة تنفتح أمامي حىت بت أرى حقا‬
‫علي إصدار كتاب حيمل هذا العنوان‪.‬‬

‫واليوم األربعاء ‪ 02‬يناير ‪ 0202‬عزمت على الشروع يف كتابة‬


‫الكلمات األوىل من كتايب الثالث " نعم أستطيع " راجيا هللا تعاىل أن‬
‫جيعله يف ميزان حسنات والدي اللذين ربياين فأحسنا تربيت‪.‬‬

‫من يقرأ عبارة " نعم أستطيع " يفهم بسهولة أن األمر يتعلق جبواب‬
‫على السؤال الذي رافقنا طيلة مراحل حياتنا منذ الصبا وإىل مراحل‬
‫متقدمة من احلياة‪ .‬هذا السؤال هو ‪ :‬هل تستطيع؟ أو هل أستطيع؟‬
‫‪4‬‬

‫كان هذا السؤال هو األكثر إحلاحا علينا يف الفرتات احلساسة من‬


‫حياتنا‪ ،‬وأيضا كان السؤال األكثر إحراجا أحياان ملا يثريه من حتدي‬
‫أمام بعض املواقف حيث كان واجبا علينا اإلختيار أو اختاذ قرار ما‪،‬‬
‫فكنا كثريا ما نتساءل ‪ :‬هل أستطيع؟ أو يسألنا غريان ‪ :‬هل تسطيع؟‬

‫هل ميكن اعتبار هذا الكتاب جوااب على هذا السؤال؟‬

‫احلقيقة هي ال‪ .‬ألن املواقف احلياتية الكثرية واملتعددة واليت تعود إىل‬
‫أول عهدان ابلوعي بوجودان‪ ،‬ال ميكن إحصاؤها وال تتبعها مجيعا‪.‬‬
‫ومن مثة فتقدمي أجوبة على السؤال السالف يف كل تلك املواقف‬
‫واملناسبات أمر بعيد املنال‪ ،‬فضال عن أنه ال جدوى منه‪.‬‬

‫مهي األول يف كتايب هذا أيها القارئ العزيز هي بناء موقف جديد‬
‫جتاه السؤال القدمي‪ .‬وعندما أقول بناء موقف جديد فالشك أننا‬
‫سنحتاج إىل مراجعة بعض تلك املواقف القدمية واملناسبات السابقة‬
‫قصد فهم الدوافع وراء سؤال " هل أستطيع؟ " وأيضا فهم ردود الفعل‬
‫‪5‬‬

‫املختلفة اليت كنا نعرب من خالهلا عن قدرتنا أو عجزان وكيف أثر ذلك‬
‫على فاعليتنا وأدائنا ورمبا أصاب بعض نواحي حياتنا ابلشلل واجلمود‪.‬‬

‫من اليوم أريدك أن تنتبه أكثر هلذا السؤال ‪ :‬هل أستطيع؟‬

‫بل أرى أن الوقت مناسب جدا كي تتعرف على مدى استطاعتك‬


‫ألداء الكثري من األعمال والوظائف اليت كنت – حىت قبل أن‬
‫حتاول‪ -‬جتزم أبنك ال تستطيع‪.‬‬

‫ولعلك تعرف أشخاص رفعوا شعار ( سبق امليم تراتح ‪ ...‬ما‬


‫نقدرش‪ ،‬ما نعرفش‪ ،‬ما رأيت ‪ ....‬اخل) ابللهجة العامية‪ ،‬وصياغته‬
‫ابلعربية ( ابدأ حب رف امليم واخلد إىل الراحة والدعة) ما رأيت ‪ ،‬ما‬
‫عرفت ‪ ،‬ما مسعت ‪ .... ،‬اخل‪ .‬وهو شعار صار عنواان للعجز‬
‫والكسل الذين كان يتعوذ منهما سيدان رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫عزيزي القارئ يعد هذا الكتاب جولتنا الثانية يف آفاق احلياة بعد‬
‫جولتنا األوىل مع كتاب " التنمية الذاتية من أجل حياة ذات جودة‬
‫عالية" وفيه وعدتك هبذه اجلولة اليت نقوم هبا اليوم معا حتت شعار "‬
‫نعم أستطيع " ‪.‬‬

‫هديف الرئيسي يف هذه اجلولة الثانية أن حتقق شيئا كنت تظن أنك‬
‫لست قادرا على حتقيقه‪ ،‬وأن تصل إىل مدى كنت تظن أنك من‬
‫املستحيل الوصول إليه‪ ،‬وأن تبلغ آفاقا كنت تعتقد أنك دوهنا بكثري‪،‬‬
‫كل ذلك فقط ألين قلت لك '' نعم إنك تستطيع ''‪ ،‬بل قلت أنت‬
‫نفسك "نعم أستطيع"‪.‬‬

‫يف هذه اجلولة سنتوقف إبذن هللا تعاىل يف هذه احملطات ‪:‬‬

‫مقدمة الكتاب‬

‫قالوا عن احملاضرة ‪.....‬‬

‫احملطة األوىل ‪ :‬أنت أوال‪......‬‬


‫‪7‬‬

‫احملطة الثانية ‪ :‬اآلن ‪........‬‬

‫احملطة الثالثة ‪ :‬كال مند ‪......‬‬

‫احملطة الرابعة ‪ :‬سامح ‪ ...‬سامح ‪...‬‬

‫اخلامتة ‪....‬‬

‫عزيزي القارئ هل أنت مستعد للشروع يف الرحلة؟‬

‫سنبدأ املرحلة األوىل منها بعد عرض جمموعة من شهادات أساتذة‬


‫وعينة من التالميذ ممن اتبع حماضرة "نعم أستطيع"‪ .‬لكن امسح يل أن‬
‫أطلب منك أن تتناول دفرتا وقلما‪ ،‬طيلة مراحل رحلتنا حىت تكتب‬
‫كل ما خيصك أنت شخصيا‪ ،‬حني تشعر أن الكالم موجه إليك‬
‫حتديدا‪ .‬ال ترتدد أن جتيب على األسئلة اليت جتدها مبثوثة يف ثنااي‬
‫الكتاب‪ ،‬وكذا التمارين يف هناية كل رحلة‪.‬‬

‫هيا بنا إذن ‪...‬‬


‫‪8‬‬

‫ال‬
‫قالوا عن هذه احملارضة ‪....‬‬

‫‪ ‬إن حماضرة " نعم أستطيع " واليت كانت من إجناز أستاذان احملرتم‬
‫السيد حممد بنساسي تعترب من أهم األشياء اليت كان هلا أتثري‬
‫على حيايت بصفة عامة‪ .‬لقد كان هلا وقع كبري يف ذايت كشخص‬
‫وكتلميذة خاصة‪ .‬بفضل هذه احملاضرة تعلمت أن أحالمنا‬
‫وأمانينا هي من أجلنا وهي ملك لنا جيب أن نتمتع ابلقوة‬
‫لتحقيقها على أرض الواقع مهما كثر العويل احمليط بنا‪ .‬نعم‬
‫أستطيع أضحت اجلملة الوحيد اليت متأل ذهين وكلما راودين‬
‫إحساس ابليأس تذكرت أنين مادمت أرغب والزلت أحلم فأان‬
‫أستطيع‪ .‬لن أخجل وسأستمر وكلما فشلت سأقاوم وأعاود‬
‫ا لكرة من جديد حىت أجنح ألنين نعم أستطيع‪ .‬كل هذا تعلمته‬
‫على يد أستاذي السيد حممد بنساسي من خالل حماضرته‬
‫العظيمة ‪ .‬لذا فهو يستحق منا كل الشكر وكل االحرتام‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫خولة زكاوي تلميذة من اثنوية أم الربيع التأهيلية بسال‬

‫‪ ‬بسم هللا الرمحان الرحيم خري ما أبدأ به كلميت شكري اخلالص‬


‫ألستاذان الكرمي حممد بنساسي ذلك األستاذ الذي لقبته‬
‫ابألستاذ ( النجم املضيء) أشكره على حماضرته القيمة " نعم‬
‫أستطيع "وجعله هللا دائما مشعة تنري ظلمة اآلخرين" ‪.‬نعم‬
‫أستطيع" هذة اجلملة املفيدة ‪ ،‬هذه الكلمة القوية "أستطيع"‬
‫كانت دافعا قواي ألحيا حياة سوية فجعلتها عنواان حليايت‪،‬‬
‫فأحدث هبا دائما نفسي أقول‬
‫‪ : " ‬نعم أستطيع"‪".‬‬
‫‪ ‬نعم أستطيع" أن أكون مسلمة ابلفعل‪.‬‬
‫‪" ‬نعم أستطيع" أن أتغلب على آالمي النفسية‬
‫‪" ‬نعم أستطيع" أن أتغلب على مشاكلي بكل أنواعها ‪.‬‬
‫‪" ‬نعم أستطيع" أن أكون فاعلة يف جمتمعي‪ ،‬و انجحة يف عملي‪.‬‬
‫‪" ‬نعم أستطيع" أن أنشر اخلري قدر املستطاع‪.‬‬
‫‪" ‬نعم أستطيع" أن أحيا حياة سعيدة رغم الصعوابت‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪" ‬نعم أستطيع" ‪ "،‬نعم أستطيع"‪ " ،‬نعم أستطيع" أن أرسم‬


‫البسمة على وجوه اخللق و لو ابلكلمة الطيبة‪ .‬ولكن أستطيع‬
‫أيضا ابحلب‪ ،‬ابلعطاء‪ ،‬ابلصرب‪ ،‬ابهلدوء‪ ،‬ابلتوكل‪ ،‬ابلعمل‬
‫ابألمل‪ ،‬ابلصدق‪ ،‬ابلتسامح‪ ،‬ابلبشاشة‪ ،‬و ابلكلمة الطيبة‪--‬‬
‫‪- ---------------------------‬‬
‫أمة هللا اندية‬
‫حاصلة على اإلجازة يف الدراسات اإلسالمية من جامعة‬
‫حممد اخلامس‪ ،‬مؤطرة حمو األمية داخل املساجد‪ ،‬و مستشارة‬
‫تربوية اتبعة للمندوبية اإلقليمية للشؤون اإلسالمية‬

‫‪ ‬السالم عليكم ‪.‬أما بعد‪ ،‬يشرفين ويسعدين أن أشارككم رأيي‬


‫اخلاص فيما يتعلق مبحاضرة ''نعم أستطيع'' واليت ألقاها علينا‬
‫األستاذ الفاضل حممد بنساسي ‪ .‬فأان شخصيا استفدت منها‬
‫العديد من األشياء على سبيل املثال ‪:‬أان فتاة خجولة ابلرغم من‬
‫أن لدي إمكانيات‪ ،‬ودائما أحرز املراتب األوىل يف مؤسسيت إال‬
‫‪11‬‬

‫أن هذا العائق‪ -‬اخلجل‪ -‬يقف يف طريقي‪ .‬فعندما أكلف إبلقاء‬


‫عرض فإين أكون يف كامل االستعداد‪ ،‬لكن حاملا أبدأ يف‬
‫اإللقاء أصاب حبالة من التوتر‪ ،‬وأتلعثم يف الكالم أحياان‪ ،‬ما‬
‫جيعل مضمون ذلك العرض ال يصل إىل عقل املتلقي كما جيب‪،‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فأان أحب جمال الطب وأمتىن أن أصبح طبيبة‬
‫وأحصل على أعلى الشهادات … وبعد استماعي للمحاضرة‬
‫فكرت مليا وتغريت أحاسيسي بل أفكاري وصرت أان تلك‬
‫الفتاة احلاملة والطموحة والباسلة حىت أنين أحببت شخصييت‬
‫وقلت مرة يف نفسي "لو كنت غريي لصرت أان مرة اثنية "‬
‫وبدأت أردد ملاذا هؤالء حققوا أهدافهم؟ ملاذا اآلخرون سعداء‬
‫يف حياهتم؟وكان هذا سؤال استنكاراي فعليكم ابلعمل ‪.‬‬
‫وخالصة القول ‪ :‬نعم أستطيع‪ ،‬وأستطيع أن أكون الشخص‬
‫الذي أريد‪.‬‬
‫فلك جزيل الشكر أستاذي وأان أدين لك هبذا املعروف‪.‬‬
‫أمساء أروي أدرس ابجلذع مشرتك علوم اثنوية أم‬
‫الربيع بسال‬
‫‪12‬‬

‫‪ ‬يشرفين كوين تلميذة يف السنة أوىل ابك‪ ،‬حظيت بزايرة األستاذ‬


‫الفاضل حممد بنساسي إىل اثنويتنا وألقى خالهلا حماضرة حتت‬
‫عنوان ‪°‬نعم أستطيع‪ °‬و اليت كان هلا طابع خاص يف نفوس‬
‫احلاضرين حيت لقيت تفاعال حممودا منهم‪ .‬فكل كلمة فيها‬
‫كانت انبعة من القلب‪ ،‬و إىل القلب‪ ،‬و محلت جمموعة من‬
‫املعاين‪ ،‬و اليت تبلورت حول عدم التنازل و لو حلظة‪ ،‬أو التفكري‬
‫ابلرجوع‪ ،‬أو اإلنصات لصوت اليأس الذي يشككنا يف قدراتنا‬
‫عند أول عقبة‪ ،‬وذلك أن عدم اإلستعداد لدفع الثمن أو بذل‬
‫اجلهد الشديد‪ ،‬أو التضحية‪ ،‬أسباب متنعنا من حتقيق أهدافنا‬
‫بدعوى أننا ال نستطيع‪.‬‬
‫لكن يف املقابل علينا أن ال ننسى أن كل شيء يولد من‬
‫جديد‪ :‬األقدار‪،‬األمل‪،‬النجاح‪ ،‬الطموح‪ .‬فقصة األمس‬
‫انتهت‪ ،‬و قصة اليوم بدأت‪.‬‬
‫و ال أنكر أن هذه احملاضرة تركت بصمتها علي‪ ،‬و جعلت‬
‫لدي قناعة أبين كي أعيش واقعا مجيال و أخطط ملستقبل‬
‫‪13‬‬

‫أمجل‪ ،‬وجب علي أن أدرك أن كل ما كان يف املاضي هو‬


‫جمرد دروس‪ ،‬و ليست خيبات أمحلها على عاتق حاضري‪ ،‬و‬
‫أان متأكيدة أين أستطيع ذلك‪.‬‬
‫مجيلة املساوي أدرس بثانوية أم الربيع التأهيلية بسال‪.‬‬

‫‪'' ‬نعم استطيع'' حماضرة ألقاها علينا األستاذ حممد بنساسي‪.‬‬


‫فقد غري يل مفهوم ''أين ال استطيع'' القيام مبجموعة من‬
‫األمور‪ .‬اآلن أقول إين قادر على القيام هبا‪.‬‬
‫فمثال كان عندي عائق‪ ،‬وهو مواجهة اآلخرين يف أمور‬
‫بسيطة‪ .‬واحلمد هلل والفضل بعد هللا لألستاذ بنساسي‪.‬‬
‫جتاوزت هذه األمور يف حيايت اليومية‪ ،‬فقد أصبحت أبدي‬
‫رأيي وال أجعل اآلخرين يتحكمون يب‪ ،‬إذ أين استطيع أن‬
‫أسري نفسي بدون تدخالت من اآلخرين‪ ،‬ورمست طريقا لكي‬
‫أسري عليه يف حيايت وأحدد به مصريي الدراسي‪ .‬واكتشفت‬
‫من خالل هده احملاضرة أن العمل قد ال خيلق السعادة ولكنه‬
‫وسيلة فقط لكسب املال‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫ويف خري اخلتام أقدم شكري هلذا األستاذ العظيم حممد‬


‫بنساسي وأعتربه اثلث شخصية أثرت يف حيايت‪.‬‬
‫حممد بيدوح االوىل ابكالورية علوم جتريبية‬

‫‪ ‬متكنت من خالل هذه احملاضرة من حتقيق التوافق النفسي‬


‫واألخالقي يف حميطي املدرسي واجملتمعي‪ ،‬وكذا التفاعل اإلجيايب‬
‫بني أفراد أسريت وزمالئي‪ ،‬وأيضا تنمية روح حتمل املسؤولية‪،‬‬
‫وحتمل العواقب واإلعرتاف ابألخطاء‪ ،‬والتحلي ابلشجاعة لفعل‬
‫األشياء املفيدة حليايت‪ ،‬وأيضا مساعدة األشخاص غري القادرين‬
‫على فعلها وشكرا لك‪.‬‬
‫ايمسني املسعودي تلميذة بثانوية أم الربيع بسال‬

‫‪ ‬السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬أستاذي الفاضل لقد كان يل‬


‫شرف حضور احملاضرة (نعم أستطيع) اليت قدمتموها أوال‬
‫ابلثانوية التأهيلية زينب النفزاوية ‪-‬واليت كنت إطارا تربواي سابقا‬
‫هبا‪ -‬ابلدار البيضاء‪ ،‬فااثرت إعجايب وكان هذا حافزاً يل‬
‫‪15‬‬

‫الستدعاءكم للثانوية التأهيلية أم الربيع بسال ‪ -‬واليت اعمل هبا‬


‫حالياً‪ -‬واوجز بعض األفكار اليت استفدهتا من حماضرتكم القيمة‬
‫األوىل والثانية‪:‬‬
‫‪ -‬الفشل هو أول خطوة للنجاح وأول أداة للتعلم‪ ،‬واحلياة‬
‫فرص ال حصر هلا‪.‬‬
‫‪ -‬ال حتقر نفسك وقل أان أحب أن أكون شخصاً آخر‪.‬‬
‫‪ -‬أقل ما تكافئ به نفسك أن تنظر إىل املرآة وتقول ‪ :‬ما‬
‫أروعين وما أروع مجايل‪......‬إضافة إىل األسئلة الثالثة اليت‬
‫تؤكد أنين (نعم أستطيع)‪ .‬فجزاكم هللا عنا خري اجلزاء‪.‬‬
‫إهلام اجلوهري أستاذة ابلثانوية التأهيلية أم الربيع بسال‬

‫‪ ‬حقيقة إن حملاضرتك وقعا اجيابيا على تغيري اجتاه أفكاري و‬


‫نظريت للحياة‪ ،‬ألهنا حماضرة جد مفيدة لنا حنن الشباب يف بداية‬
‫احلياة‪ ،‬وألهنا متنحنا انطالقة سليمة خالية من التشاؤم واإلحباط‬
‫‪ .‬بل جتعلنا نركز على انتقاء أفكار سليمة و إجيابية فتتحول إىل‬
‫‪16‬‬

‫شعور ميدان ابلدفئ‪ ،‬فتتكون لدينا الثقة ابلنفس‪ .‬و هذا الشعور‬
‫يتحول إىل سلوك يسهل علينا اختاذ قرارات ملصلحة جناحنا يف‬
‫احلياة‪ ،‬ألننا فعال نكون قادرين على حتديد هدفنا يف احلياة حتت‬
‫شعار "نعم أستطيع" ‪.‬‬
‫حسىن حداد تلميذة بثانوية أم الربيع سال‬

‫‪ ‬أوال أود أن أشكرك من أجل حماضرتك األكثر من رائعة ووقتك‬


‫الثمني الذي قضيته معنا‪.‬‬
‫وقد استفدت كثريا من حماضرتك وقد غريت نظريت للحياة‪،‬‬
‫ف بالطبع أان لدي أحالمي اخلاصة مثلي مثل اآلخرين لكن‬
‫دائما ما تعيقين كلمة "ال أستطيع"حيث سيطرت على حيايت‬
‫ابلكامل‪ ،‬حىت إين صرت أستخدمها يف أبسط األشياء رغم‬
‫أين على علم أين أستطيع فعلها‪ ،‬لكن كنت أخشى الفشل‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫دائما هناك خوف بداخلي و كلما حصلت يل مشكلة و لو‬


‫صغرية تسيطر علي بشكل كامل و تصبح أكرب املشاكل‬
‫ابلنسبة يل‪ ،‬و دائما ما أحاول اهلرب وعدم مواجهة الناس‬
‫واخلضوع هلم‪ ،‬لكن احلمد هلل مث بفضل األستاذ استطعت أن‬
‫أواجهها وأواجه كل ما يعرتض طريقي ومل أعد أهتم لسعادة‬
‫غريي على حساب سعاديت‪ ،‬وأصبحت أؤمن أبن الشئ يف‬
‫هذه احلياة ال أستطيع فعله إال إذ مل أكن أريده أان‪.‬‬
‫وأخريا شكرا لك و جلميع األساتذة الذين حضروا معك‬
‫وخصوصا أستاذة الرتبية اإلسالمية على تشجيعها لنا و زرع‬
‫األمل فينا ‪.‬‬
‫التلميذة‪ :‬زينب السنة األوىل اثنوي اثنوية أم الربيع سال‬
‫نعم أستطيع‬ ‫‪‬‬
‫" نعم أستطيع " عبارة تنطوي على بعد إجيايب‪ ،‬طاملا‬
‫رددها األستاذ الفاضل" حممد بنساسي" وهو يلقي‬
‫‪18‬‬

‫احملاضرات‪ ،‬أو ينظم الدورات التكوينية مدراب ومؤطرا‪ ،‬واليت‬


‫شاركت يف بعضها بصفة املتلقي املتدرب‪.‬‬
‫" نعم أستطيع" ذلك املفتاح الذي كان يركز عليه املدرب‬
‫املتميز ممسكا به‪ ،‬فيغلق بواسطته أبواب الفشل اليت فتحت‬
‫على مصراعيها يف دواخلنا وذواتنا‪ ،‬إهنا ذلك املفتاح النفسي‬
‫الذي حييل أبواب النجاح مشرعة أمامنا‪ .‬ابلفعل أدركت أنين‬
‫أستطيع التغيري والسري قدما حنو األفضل بواسطة حمفزات‬
‫ذاتية‪ ،‬فالتغيري ينبجس من الذات وينطلق منها ‪.‬‬

‫" نعم أستطيع" َ‬


‫تقدير ذايت‪ ،‬وهذا التقدير سيكون بال‬
‫ريب طريقي إىل النجاح‪ ،‬نعم أستطيع إذا استفدت من‬
‫أخطاء املاضي‪ ،‬إذا مل أفكر إال يف احلاضر اآلين‪.‬‬
‫" نعم أستطيع" التحدث أمام اجلمهور مبنأى عن املعيقات‬
‫النفسية والسلوكات السلبية‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫أفكار وحمفزات عديدة موصولة بتنمية الذات كان يركز‬


‫عليها األستاذ املدرب " حممد بنساسي" يف إطار حتفيزي‬
‫وبناء على مبدأ تشاركي إنساين مت التسليم به وترمجته إىل واقع‬
‫يف كل حماضرة أو دورة تدريبية ينظمها ‪.‬‬
‫" نعم أستطيع" أيقونة النجاح والتفوق شحنت وجداين‬
‫بطاقة إجيابية‪ ،‬وشحذت ذهين أبفكار بناءة‪ ،‬فأدركت أثناء‬
‫كل حماضرة ودورة تكوينية وبعدها أنين ابلفعل أمتلك القدرة‬
‫بفضل هللا تعاىل على حتقيق كل هدف كنت أرنو إليه‪.‬‬
‫الدكتورة بشرى قانت‪ ،‬أستاذة اللغة العربية‪ ،‬ابلثانوي التأهيلي‬
‫‪ ‬السالم عليكم ورمحة هللا تعايل وبركاته‬
‫يف البداية حتية حب واحرتام ايل األستاذ القدير حممد بنساسي‬
‫على حماضراته القيمة واحملفزة حتت عنوان "نعم نستطيع" ‪ ،‬واليت‬
‫أحيت فينا أمل إحقاق احلق و التشبت بقيم الصدق والتضحية‬
‫من أجل وطننا احلبيب‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫وقد كانت ابلفعل مشوعا أانرت دروب املستسلمني لضغوط‬


‫احلياة واحملاصرين ابألفكار املتشائمة ‪...‬‬

‫أما ابلنسبة يل فكانت مستندا‪ ،‬ولزمالئي من أجل التشبت‬


‫ابلقيم واألخالق يف جمتمع طغت فيه املادايت‪ .‬وقد كانت احملاضرة‬
‫حافزا لنا كي نضاعف جمهوداتنا من أجل املدرسة العمومية وفقك‬
‫هللا‪.‬‬

‫فيصل يوسف أستاذ الرايضيات بثانوية زينب النفزاوية التأهيلية‬

‫‪ ‬السالم عليكم و رمحة هللا و بركاته‬

‫بعد الصالة و السالم على اشرف اخللق حممد ابن عبد هللا‬

‫ألقيت حتت رعاية مجعية الواحة برشيد حماضرة بعنوان (نعم أستطيع)‬
‫يوم السبت ‪ 01‬مارس ‪ 0202‬من توقيع األستاذ حممد بنساسي‬
‫‪21‬‬

‫كانت أول أمسية أحضرها لكن أعطتين كما هائال من احلماس‬


‫ولفتت نظري إىل أمور كثرية‪ ،‬واجلميل أهنا كانت ثرية ابملعلومات‬
‫وختاطب كل الفئات العمرية و اإلجتماعية ‪ ،‬فقد كانت دعوة‬
‫صرحية ابلنسبة يل للغوص يف أعماق الذات حيث يقبع ذلك الطفل‬
‫الرائع بداخلنا الذي ال يعرف كلمة ال‪ ،‬وال معىن املستحيل رغم افتقاره‬
‫للعديد من املهارات لكنه على الفطرة‪ ،‬هذه اهلبة الرابنية اليت حباان‬
‫هللا هبا ليجعلنا خلفاء يف األرض ومن مثة املصاحلة معه‪(.‬أي الطفل)‬

‫كانت دعوة لتغيري اللغة السلبية واليت اكتسبناها عرب املراحل العمرية‬
‫واليت حتولت إىل أفكار مث سلوك فعادات لترتسخ كمعتقد ومسلمات‪.‬‬

‫كانت دعوة إىل استثمار كل جتارب املاضي حلوها و مرها وحتويلها‬


‫إىل خربات تستثمر يف احلاضر‪ .‬هذا األخري الذي منلكه ومن خالله‬
‫سنرسم معامل مستقبلنا فكان ال بد من عيشه حبكمة شديدة‬
‫‪22‬‬

‫وما زاد احملاضرة إثراء و أتثريا صدق األستاذ وأسلوبه الشيق والعملي‬
‫حيث أدرج أسئلة وتطبيقات بل وأمثلة من الواقع املعاش‪.‬كل هذا‬
‫أعطى طاقة واجيابية و تفاعال كبريين من خمتلف الفئات‪ ،‬أما أان‬
‫شخصيا فقد كانت نقطة التحول أحسست أين أخريا وضعت يدي‬
‫على تلك الطاقة الكامنة بداخلي واليت طاملا نقبت عنها‪ ،‬أكيد إن‬
‫هذه األمسية كانت خماضا أسفر عن والدة حقيقية للمدربة الكامنة‬
‫بداخلي فكانت حماضرة "نعم استطيع" شهادة ميالد هلا ‪.‬‬

‫اسأل هللا العلي القدير أن جيزيه عين خري اجلزاء وان يسدد خطاه‪.‬‬

‫نعيمة سعود‬

‫األستاذة نعيمة سعود صارت مدربة يف التنمية الذاتية معتمدة من‬


‫املركز األمريكي الكندي‬
‫‪23‬‬

‫‪ ‬بسم هللا الرمحان الرحيم‪ ،‬والصالة والسالم على من ال ينطق عن‬


‫اهلوى سيدان حممد أشرف اخللق عليه أفضل الصالة وأزكى‬
‫السالم‪..‬‬
‫أما بعد ‪...‬‬
‫مرحبا بكل من سنحت له الفرصة حلضور هذا النشاط ذي‬
‫الطبيعة الرتبوية حتت عنوان "نعم أستطيع" كما أتفضل جبزيل‬
‫الشكر لكل من ساهم يف إعداد هذه احملاضرة كرما منهم ال أمرا‬
‫‪ ...‬وحنن على أبواب امتحاانت الباكالوراي الشهادة اليت يعتربها‬
‫البعض مسألة حياة أو موت‪ ،‬حبيث يربط مستقبله وقدراته‬
‫وطموحاته هبذه الشهادة‪ .‬الكثري منا ال يدرس ألجل الدراسة‪،‬‬
‫بل من أجل الوظيفة‪ ،‬من هنا أتساءل أين حنن من جمتمع‬
‫متمدرس تسوده املعرفة ويعلو فيه شأن الثقافة‪.‬‬
‫……‪ ...........‬نعم نستطيع ‪ ...‬نستطيع ‪....‬‬
‫(ولوسوف يعطيك ربك فرتضى) قرآن كرمي‬
‫‪24‬‬

‫فاطمة الزهراء دهاج اثنية ابكالوراي (بتصرف)‬


‫اثنوية ابجة التأهيلية مدينة بن امحد‬
‫‪25‬‬

‫احملطة ا ألوىل ‪ :‬أأنت أأوال ‪...‬‬

‫هل هي دعوة إىل األاننية؟‬

‫أم هل هو نداء إىل إلغاء اآلخر أو على األقل جتاهله وعدم االلتفات‬
‫إليه؟‬

‫هل أقصد أن يرى الواحد منا نفسه على أنه مركز الكون ومنطلق‬
‫احلياة وحمور ما جيري فيها من أحداث؟‬

‫متهل عزيزي وال تستعجل ‪….‬‬

‫ميكنك إعادة قراءة العنوان ‪ :‬أنت أوال ‪....‬‬

‫إذن هناك اثنيا واثلثا ورابعا‪ ........،‬والالئحة طويلة جدا ال تنتهي‪.‬‬


‫‪26‬‬

‫لكن البداية جيب أن تكون منك‪ ،‬وبيديك‪ ،‬ووفق تصورك‪ ،‬وعلى‬


‫مقدار مهتك وعزمك وإرادتك‪.‬‬

‫ال تنس عزيزي القارئ أهنا حياتك أنت أوال‪ ،‬وأنت الشخص األول‬
‫املخول بكتابة األحرف األوىل من قصتها‪ ،‬واختيار نوعيتها وآفافقها‬
‫وألواهنا ‪ ......‬اخل‪.‬‬

‫دعين أدعوك لتأمل قول احلق سبحانه وتعاىل ( ‪ ...‬الذي خلق املوت‬
‫واحلياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال ) سورة امللك اآلية ‪ .0‬املوت‬
‫واحلياة آيتان من آايت هللا تعاىل‪ ،‬واحلكمة منهما ( ليبلوكم أيكم‬
‫أحسن عمال) واضح عزيزي القارئ أنين املقصود ابخلطاب‪ ،‬وأنت‬
‫أيضا وكل شخص يف هذه احلياة‪.‬‬

‫يف اآلية تصريح أبن كل واحد منا مسؤول عن حياته‪ ،‬وابلتايل مسؤول‬
‫عن قراراته ونتائج أعماله‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫وأييت يف مقدمة املسؤوليات مسؤولية الشخص عن ذاته‪ .‬ومن هذه‬


‫املسؤولية تنبثق بقية املسؤوليات‪ ،‬وابلتايل من الذات ننطلق حنو آفاق‬
‫احلياة‪.‬‬

‫أظنك عزيزي بدأت تدرك معي ماذا أعين بقويل ‪:‬أنت أوال‪....‬‬

‫إن معناه أن التغيري إىل األفضل الذي تنشده يف حياتك‪ ،‬ينبغي أن‬
‫يبدأ منك أنت أوال‪.‬‬

‫وهنا السؤال األهم ‪ :‬من أنت الذي سينطلق منك التغيري؟‬

‫إنك ذاتك اليت تتشكل نتيجة أفكارك‪ ،‬ومشاعرك‪ ،‬وسلوكك‪.‬‬

‫عزيزي القارئ أنت اآلن أمام ثالث أوراش من أهم األوراش اليت‬
‫ستدخلها يف حياتك ‪ :‬أفكارك ومشاعرك وسلوكك‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫داخل هذه األوراش ستتشكل ذاتك اليت سيكون من نصيبها السعادة‬


‫والنجاح واإلجناز والفرح والسرور واملشاركة يف عمارة األرض مبا حيقق‬
‫احلياة اليت ستقرر نوع بصمتك بعد املوت‪.‬‬

‫عن أيب جحيفة رضي هللا عنه قال‪ :‬آخى النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫بني سلمان وأيب الدرداء‪ ،‬فزار سلمان أاب الدَّرداء‪ ،‬فرأى َّأم الدَّرداء‬
‫أخوك أبو الدرداء ليس له‬ ‫متَ بَ ِّذلَةً‪ ،‬فقال هلا‪ :‬ما شأنك؟ فقالت‪َ :‬‬
‫طعاما‪ ،‬فقال له‪ :‬كل‪،‬‬ ‫فصنع له ً‬ ‫حاجةٌ يف الدنيا‪ ،‬فجاء أبو الدرداء‪َ ،‬‬
‫صائم‪ ،‬قال‪ :‬ما أان آبكل حىت أتك َل‪ ،‬فأكل‪ ،‬فلما كان الليل‬
‫فإين ٌ‬
‫ذهب أبو الدرداء يقوم‪ ،‬فقال‪ :‬من‪ ،‬فنام‪ ،‬مثَّ ذهب يقوم‪ ،‬فقال‪ :‬من‪،‬‬
‫فلما كان من آخر الليل‪ ،‬قال‪ :‬سلمان‪ :‬قم اآلن‪ ،‬فصلَّيَا‪ ،‬فقال له‬
‫إن لربِّك عليك حقًّا‪ِّ َّ ،‬‬
‫فسك عليك حقًّا‪ ،‬وألهلك‬ ‫وإن لنَ َ‬ ‫سلمان‪َ َّ :‬‬
‫حق حقَّه‪ ،‬فأتى النيب صلى هللا عليه‬ ‫كل ذي ٍّ‬‫عليك حقًّا‪ ،‬فأع ِّط َّ‬
‫ص َد َق‬
‫فذكر ذلك له‪ ،‬فقال النيب صلى هللا عليه وسلم ‪َ « :‬‬
‫وسلم َ‬
‫سلمان» أخرجه البخاري والرتمذي‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫الشاهد عندان يف هذا احلديث الشريف قول سيدان سلمان ‪َّ ( :‬‬
‫إن‬
‫فسك عليك حقًّا‪ ،‬وألهلك عليك حقًّا‪،‬‬ ‫لربِّك عليك حقًّا‪ِّ َّ ،‬‬
‫وإن لنَ َ‬ ‫َ‬
‫فأع ِّط َّ‬
‫كل ذي ٍّ‬
‫حق حقَّه)‬

‫ويف حديث آخر عن عبد هللا بن عمرو قال دخل علي رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فقال ( أمل أخرب أنك تقوم الليل وتصوم النهار‬
‫قلت بلى قال فال تفعل قم ومن وصم وأفطر فإن جلسدك عليك حقا‬
‫وإن لعينك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك‬
‫حقا ‪ ).....‬احلديث عند البخاري يف كتاب األدب‪.‬‬

‫عزيزي القارئ أرجو أن تكون فكرة " أنت أوال " قد صارت اآلن‬
‫أكثر وضوحا وستزداد مع تقدمنا يف مراحل رحلتنا الشيقة‪ .‬ما يهمين‬
‫أكثر أن ال ترتدد يف اختبار أي أمر من أمور حياتك وعرضه على‬
‫هذه القاعدة حىت يتبني لك أن الشيء يستقيم قبل أن تستقيم‬
‫نظرتك إىل حياتك‪ ،‬وقبل أن تتضح رؤيتك إىل نفسك‪ ،‬وقبل أن‬
‫‪30‬‬

‫تعرف موقعك أنت كإنسان له كيانه‪ ،‬وله استقالله‪ ،‬وله إعرابه يف‬
‫احلياة وبني األحياء‪.‬‬

‫ومن املفيد جدا أن تالحظ عزيزي القارئ التباين الكبري بني اإلهتمام‬
‫ابلذات أوال‪ ،‬وبني األاننية البغيضة اليت تعين ببساطة اختاذ الذات‬
‫حمورا وحيدا لنشاط الشخص يف احلياة‪ ،‬وما تنتجه من شعور ابزدراء‬
‫اآلخر‪ ،‬واالستخفاف حبقوق الغري‪ ،‬واستغالل شنيع لطاقاهتم‬
‫وكفاءاهتم لتحقيق مصاحل شخصية دون اعتبار هلؤالء اآلخرين‬
‫ومصاحلهم‪ ،‬وكأهنم جمرد أدوات يف خدمة رغبات الشخص األانين‪.‬‬

‫عزيزي القارئ احلياة هي جمال عملك‪ ،‬والكون على اتساعه ميثل أفقا‬
‫رحبا لنشاطك كما تشري اآلية الكرمية ( وسخر لكم ما يف السموات‬
‫وما يف االرض مجيعا منه ) سورة اجلاثية اآلية ‪ ، 00‬لكن كيف تتوقع‬
‫أن تكون حركتك يف اجتاه الكون واحلياة بينما ال تكاد تدرك أمهية‬
‫الذات اليت تقع حتت نظرك‪ ،‬وهي يف متناول يدك‪ ،‬واملفروض أن‬
‫‪31‬‬

‫تكون حتت سيطرتك‪ ،‬ومنها بداية حركتك حنو آفاق احلياة‪ ،‬وأسرار‬
‫الكون‪.‬‬

‫هلذا السبب الواضح نقول عزيزي القارئ " أنت أوال " ونعين هبا أمورا‬
‫عدة ميكن أن جنملها يف اآليت‪:‬‬

‫أوال ألن أي حركة يف اجتاه احلياة والكون من حولك البد أن تنطلق‬


‫منك‪ ،‬من فكرة تتبناها‪ ،‬ومن شعور ينطوي علية قلبك‪ ،‬وسلوك ترتجم‬
‫به يف الواقع ما يعتمل يف نفسك وعقلك‪.‬‬

‫اثنيا التغيري أييت نتيجة إرادة يف التغيري وشعور ابحلاجة إىل التغيري‪،‬‬
‫وسلوك حيقق التغيري‪ ،‬وهذه األمور مرتبطة بشخصك عزيزي القارئ‬
‫وابلتايل فكرة " أنت أوال " تصبح مبثابة مسلمة من مسلمات التغيري‬
‫الذي تنشده يف حياتك‪.‬‬

‫اثلثا تعلم عزيزي القارئ أن املسؤولية يف احلياة تبدأ من مسؤولية كل‬


‫شخص عن حياته‪ ،‬فأنت مثال أول من يتحمل املسؤولية عن‬
‫‪32‬‬

‫سالمتك العامة‪ ،‬سواء تعلقت ابجلسم أو العقل أو النفس‪ .‬من هذه‬


‫املسؤولية تنبثق حركتك يف احلياة يف اجتاه الكون واحلياة واألحياء‪.‬‬

‫سلوكك‪.‬‬ ‫أنت‬ ‫مشاعرك‪،‬‬ ‫أنت‬ ‫أفكارك‪،‬‬ ‫أنت‬

‫أأنت مسؤول عن‪:‬‬


‫(ذاتك =‬
‫روحك‪+‬عقكل‪+‬قلبك‪+‬جسمك)‬

‫اختيارك لسلوكك‬ ‫اختيارك وادارتك‬ ‫اختيارك ألفاكرك‬


‫ملشاعرك‬
‫(مسؤوليتك حنو‬ ‫(مسؤوليتك جتاه‬
‫خشصيتك)‬ ‫(مسؤوليتك جتاه‬ ‫عقكل)‬
‫روحك وقلبك)‬

‫من هنا البداية عزيزي القارئ ‪ ...‬من وعيك بذاتك‪ ،‬وقدرتك على‬
‫حتديد اختياراتك على مستوى األفكار واملشاعر والسلوك‪ .‬واالختيار‬
‫يعين احلرية‪ ،‬وهذه األخرية تعين املسؤولية على كل القرارات اليت‬
‫‪33‬‬

‫تتخذها الختيار أفكارك اليت ستحدد معتقداتك‪ ،‬ومشاعرك اليت‬


‫ستحتضن هذه املعتقدات‪ ،‬وابلتايل سلوكك الذي ستعرب من خالله‬
‫عن توجهاتك يف احلياة ونشاطك وبصمتك فيها‪.‬‬

‫أنت إذن عزيزي القارئ حمصلة قراراتك اليت اختذهتا حىت اآلن‪،‬‬
‫وستكون مستقبال حيث ستأخذك قراراتك اليت ستتخذها من اآلن‪.‬‬

‫**********‬

‫اإلنسان كائن إجيايب‬

‫يف كتايب " التنمية الذاتية من أجل حياة ذات جودة عالية " حتدثت‬
‫عن ثالثة مفاتيح للتنمية الذاتية‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫املفتاح األول أن تعتقد أن مثة حياة أفضل من احلياة اليت تعيشها‬


‫اآلن‪.‬‬

‫املفتاح الثاين أن تعتقد أنك تستحق هذه احلياة‪.‬‬


‫‪34‬‬

‫املفتاح الثالث أن تعتقد أنك تستطيع حتقيق هذه احلياة‪.‬‬

‫واإلنسان ‪ -‬بعيدا عن ظروفه السلبية اليت حتيط به‪ ،‬وبناء على فطرته‬
‫اليت فطره هللا عليها ‪ -‬مييل إىل التوافق مع هذه املفاتيح‪ .‬ويكفي‬
‫ملالحظة ذلك والتأكد منه الرجوع إىل حياة الطفولة الباكرة وأقصد‬
‫حتديدا مرحلة ثالث سنوات األوىل من عمر اإلنسان‪.‬‬

‫عزيزي القارئ أدعوك إىل مراقبة سلوك أحد الصبية الصغار يف أول‬
‫عهده ابلعامل وابحلياة‪ .‬أتمل حال إرادته وطريقة تعبريه عن حاجياته‬
‫اليت تقوم عليها حياته‪ .‬راقبه وهو حياول اإلمساك ببعض األشياء‬
‫وإصراره على نيل ما يريد وكيف يوظف ما ميلك للتعبري عن رغباته‬
‫‪ ...‬اترة ابلبكاء‪ ،‬واترة ابحلركة واترة أخرى ابألصوات اليت يعرب هبا‬
‫عن سعادته أو احتجاجه‪ ،‬عن رضاه أو سخطه‪ .‬راقبه وهو ينتقل من‬
‫االستلقاء على الظهر بال حول وال قوة يف أول أمره‪ ،‬إىل حماولة‬
‫االنقالب على البطن‪ ،‬ألنه الوضع الذي سيمكنه من االنتقال من‬
‫مكان إىل آخر‪ ،‬بعد أن صار هذا مطمحا ملحا ابلنسبة إليه‪ .‬ومنه‬
‫‪35‬‬

‫إىل السعي زحفا‪ ،‬مث إىل احلبو مث إىل الوقوف اعتمادا على الغري‪ ،‬مث‬
‫إىل املشي مع االعتماد على أشياء من البيئة احمليطة‪ ،‬مث إىل رفض هذا‬
‫االعتماد ومنه إىل السري معتدال‪ ،‬وأخريا إىل الركض والقفز‪.......‬اخل‬

‫(إننا مجيعا ويف كل مراحل حياتنا ويف كل جتاربنا نعيد اتريخ‬


‫طفولتنا‪ .‬فنحتاج كي نبلغ غاية نضجنا أن نتدرج يف سلم‬
‫جناحنا‪،‬وكما يسعد الطفل بكل اجناز‪،‬كذلك نسعد مبا حنققه من‬
‫آمالنا وطموحاتنا‪.‬وكما ال يتوقف الطفل عن التطلع إىل االستقالل‬
‫واالعتماد على نفسه يف السري والركض والقفز كذلك ال ينبغي‬
‫ألحدان أن يتوقف عن الرقي والتحسني الدائم والنجاح املتواصل‬
‫طاملا أن هناك حياة‪ ).‬من كتاب ثالثية النجاح ص ‪.91‬‬

‫حياة الطفولة هي املرحلة اليت يهتم هبا األخصائي النفسي لفهم‬


‫مشكالت الشخص الذي يرتدد عليه يف العيادة‪ ،‬وحنن يف هذا‬
‫الكتاب نعود إىل هذه املرحلة لفهم عناصر القوة اليت كانت‬
‫‪36‬‬

‫حبوزتنا‪ ،‬ووضع يدان على مكامن الطاقة يف كياننا‪ ،‬واستعادة‬


‫املبادرة األوىل قبل أن تبسط األفكار السلبية ظالهلا على عقولنا‪،‬‬
‫وتغطي سحابة اإلحباط على قلوبنا‪ ،‬وتستحكم العادات املثبطة‬
‫على سلوكنا‪.‬‬

‫**********‬

‫ما هي الطفولة اي ترى؟‬

‫لو أنك عزيزي القارئ راقبت األطفال فرتة من الزمن يف مناسبات‬


‫خمتلفة‪ ،‬يف لعبهم‪ ،‬ومحاسهم‪ ،‬وشغبهم‪ ،‬ونومهم‪ ،‬وأكلهم‪ ،‬وسائر‬
‫أنشطتهم لعلمت أن الطفولة تعين اإلرادة واإلصرار والتلقائية والقدرة‬
‫على اإلبداع والرغبة يف التغيري والسعادة ابملتاح والسرور ابليسري‬
‫والطموح الدائم واملبادرة بغري حدود ‪ .........‬اخل‪.‬‬

‫**********‬
‫‪37‬‬

‫اتصل ابلطفل القابع يف أعماقك‬

‫نعم عزيزي القارئ ميكنك فعال االتصال ابلطفل القابع يف داخلك‪،‬‬


‫والتواصل معه من أجل استعادة بعض من مميزاتك اليت كنت تتمتع‬
‫هبا‪ ،‬وإلحياء بعض من مكامن القوة لديك‪ ،‬ويكون هذا اإلتصال‬
‫ابخلطوات اآلتية ‪:‬‬

‫اخلطوة األوىل ‪ :‬مراقبة األطفال يف أحواهلم املختلفة‪.‬‬

‫اخلطوة الثانية ‪ :‬استحضار املعاين ابملرتبطة ابلطفولة وحماولة تقمصها‪،‬‬


‫والتصرف من وحيها‪.‬‬

‫اخلطوة الثالثة ‪ :‬اللعب مع األطفال والقيام ببعض األنشطة معهم‬


‫وبصحبتهم ووفق مزاجهم مع تقمص شخصية الطفل يف تنفيذ بعض‬
‫األنشطة وتطبيق بعض األفكار‪.‬‬

‫تذكر دائما عزيزي القارئ أن كل جتربة يف حياتنا تشكلت نتيجة‬


‫أفكار ارتبطت بتلك التجربة‪ ،‬ومشاعر صاحبت التجربة‪ ،‬وسلوك‬
‫‪38‬‬

‫جتسدت من خالله التجربة‪ ،‬وابلتايل عندما نستحضر أفكارا ومشاعر‬


‫وسلوكيات مرتبطة مبرحلة من حياتنا ميكننا آنئذ استدعاء التجربة‬
‫أبكثر التفاصيل أمهية وجدوى‪.‬‬

‫أحياان – بل يف كثري من األحيان – نقوم ابستدعاء أكثر التجارب‬


‫سلبية يف حياتنا‪ ،‬نفعل ذلك عادة عندما نواجه صعوبة ما‪ ،‬أو حينما‬
‫ن كون مقبلني على ظرف جديد‪ ،‬كاختبار مثال أو مباراة‪ ،‬أو تغيري‬
‫حال‪ ،‬كالسفر من أجل الدراسة‪ ،‬أو العمل ‪ ،‬أو الزواج‪ ....... ،‬اخل‪.‬‬

‫**********‬

‫كيف نفعل ذلك؟ وملاذا؟‬

‫أما كيف؟‬

‫فألن ما من جتربة متر بنا يف حياتنا‪ ،‬وإال وتعلق بتفاصيلها يف ذاكرتنا‬


‫بصورها‪ ،‬وألواهنا‪ ،‬وحجمها‪ ،‬وحىت أصواهتا‪،‬ونربات تلك األصوات‬
‫سواء كانت ألشخاص أو أشياء‪ ،‬واملشاعر اليت رافقتها‪ ،‬فتصبح تلك‬
‫‪39‬‬

‫الصور واألصوات واملشاعر مبثابة روابط الشعورية‪ -‬يف العقل الباطن‪-‬‬


‫مستعدة لبعث التجربة بتفاصيلها يف أي حلظة‪ ،‬يطفو أحد روابطها‬
‫ويقفز إىل الذاكرة‪ ،‬بواسطة حدث يطرأ يف الواقع‪.‬‬

‫ميكنك القيام ابلتجربة اآلتية ‪:‬‬

‫حاول أن تتذكر جتربة سيئة مرت بك‪ .‬ختيل نفسك يف املكان الذي‬
‫كنت فيه يف الفرتة اليت كنت تعيش فيها التجربة‪ ،‬تذكر األشخاص‬
‫الذين كنت معهم مثال‪ ،‬وتفاصيل ما حدث‪ .‬تفاصيل املكان من‬
‫حيث الصور واألشكال واأللوان واإلضاءة والقرب أو البعد واالرتفاع‬
‫وكل ما يتعلق ابلتجربة من حيث شكلها‪ .‬مث استحضر األصوات اليت‬
‫رافقت التجربة‪ ،‬أشخاص يصرخون‪ ،‬أو أصوات سيارات مثال أو‬
‫آالت‪ ،‬ال تنس أن تتذكر إيقاع هذه األصوات وشدهتا‪ ،‬ارتفاعها أو‬
‫اخنفاضها‪ .‬تذكر مشاعرك يومها‪ ،‬شعورك ابألمل والضيق‪ ،‬أو الغضب‬
‫واالنزعاج‪ ،‬إحساسك ابحلزن وعدم الرضا الذي أمل بك‪.‬‬
‫‪40‬‬

‫واآلن أخربين ‪ :‬وأنت تسرتجع تفاصيل هذه التجربة مباذا أحسست؟‬

‫أكيد شعرت بنفس األحاسيس اليت انتابتك يوم كنت تعيش التجربة‪،‬‬
‫رمبا حبدة أقل‪ ،‬لكن املشاعر هي هي‪ .‬فإذا كنت يف كل مرة تستعيد‬
‫تلك التجربة وتعيشها كما لو كانت حقيقية فلن تنعم ابلسعادة أبدا‪.‬‬

‫تذكر أنه إذا كان من قدران أن نعيش بعض التجارب السيئة املؤملة‬
‫يف حياتنا‪ ،‬فليس من قدران أن نعيش حياتنا كلها رهائن لتلك‬
‫التجارب‪.‬‬

‫أما ملاذا؟‬

‫فألننا مل حنول تلك التجربة إىل خربة حىت تصبح موردا من مواردان‪،‬‬
‫نعود إليها كما يعود أحدان اليوم إىل كتاب يبحث بني صفحاته عن‬
‫معلومة‪ ،‬أو فائدة‪ ،‬أو حل ملشكلة طارئة‪.‬‬
‫‪41‬‬

‫عندما ننجح يف حتويل جتاربنا إىل خربات تتحول تلك التجارب إىل‬
‫موارد هامة وغري قابلة للنضوب‪ ،‬والسؤال اآلن هو ‪ :‬كيف يتم حتويل‬
‫جتاربنا يف احلياة إىل خربات؟‬

‫عزيزي القارئ عندما متر عليك جتربة‪ ،‬اسأل نفسك هذا السؤال ‪:‬‬
‫ماذا تعلمت منها؟‬

‫ميكنك تطوير هذا السؤال إبجياد صيغ أخرى له ‪:‬‬

‫ما هو أو ما هي الدروس اليت تعلمتها من هذه التجربة؟‬

‫فيما لو قدر يل أن أجد نفسي يف نفس الظرف كيف ميكنين التصرف‬


‫حىت أجتنب األمور اليت مل تنل رضاي يف هذه املرة؟‬

‫ما هو اإلجراء أو اإلجراءات اليت كان علي جتنبها تفاداي للوقوع فيما‬
‫وقعت فيه؟ وما هي التدابري اليت علي القيام هبا واللجوء إليها لئال‬
‫أضطر إىل ما اضطررت إليه؟‬
‫‪42‬‬

‫أسئلة كثرية ميكنك افرتاضها والغرض األساسي منها أن تتعلم من‬


‫التجربة كيف تصنع خربة حتتاجها يف املستقبل‪ ،‬حىت إذا تذكرت‬
‫التجربة مستقبال ستتذكر فورا الدروس اليت تعلمتها منها والفوائد اليت‬
‫جنيتها ‪ .....‬وهذا ما نعرب عنه ابخلربات‪.‬‬

‫واآلن أتركك مع هذه القصة ‪:‬‬

‫يروى أن رجال ىف بالد اهلند سرق قطيعا من اخلراف‪ ،‬فقبضوا عليه‬


‫وومشوا على جبينه احلرفني س خ ( أي سارق خراف ) ولكن الرجل‬
‫قرر التوبة وتغيري حاله إىل األفضل‪.‬‬

‫ىف البداية تشكك الناس منه‪ ،‬مل يصدقوا أن الرجل حتول فعال عن‬
‫السرقة‪ ،‬لكنه قرر أن ال يعود إىل ما كان عليه مهما ظن الناس فيه‪،‬‬
‫ومهما كانت كلفة التغيري‪ ،‬ألنه قرر أن يبدأ حياة جديدة مليئة‬
‫ابلسعادة والنور‪ ،‬فأخذ يساعد احملتاجني‪ ،‬وميد يد العون للجميع ال‬
‫يفرق بني غين وفقري‪ ،‬وال بني كبري وصغري‪ ،‬وال بني امرأة ورجل‪ ،‬فكان‬
‫‪43‬‬

‫يعود املريض‪ ،‬ويعطف على اليتيم ‪ ،‬ويساعد األرملة ‪ ...‬وبعد سنني‬


‫مر رجل ابلقرية فوجد رجال عجوزاً موشوماً‪ ،‬وكل من مير عليه يلقي‬
‫عليه التحية ابحرتام‪ ،‬ويقبل يده والعجوز حيتضن اجلميع‪ ،‬وهنا سأل‬
‫الرجل أحد شباب القرية عن الوشم املوجود على جبهة هذا العجوز‬
‫ما معناه ؟ فقال الشاب ‪ :‬ال أدرى ‪ ،‬لقد كان هذا منذ زمن بعيد‬
‫ولكىن أعتقد أنه يعين الساعي (س) ىف اخلري(خ) ‪.‬‬

‫تذكر عزيزي القارئ أنك أنت من يقع عليه عبء اختيار اللغة اليت‬
‫تتواصل هبا مع ذاتك ومع العامل من حولك‪ ،‬وأنك أنت من يعطي‬
‫املعىن لللكمات اليت تعرب هبا عن أفكارك ومواقفك ومشاعرك‪ .‬وعندما‬
‫تتحدث إىل نفسك – وكلنا يفعل هذا – فأنت من خيتار املعاين‬
‫واملقاصد اليت ترمي إليها‪ ،‬فكن حذرا يف اختيار اللغة اليت تتبىن‪ ،‬ألهنا‬
‫هي اليت ستشكل نظرتك إىل نفسك‪ ،‬وهي اليت ستحرك وجدانك أو‬
‫تنشر الغيوم يف مسائك‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫ميكنك عزيزي القارئ صناعة الصورة عن نفسك اليت تريد أن تؤمن‬


‫هبا‪ ،‬وتريد أن تستقر يف عقول وذاكرة اآلخرين‪ ،‬وتريد أن ختلد هبا‬
‫امسك يف التاريخ‪.‬‬

‫وال تنس عزيزي أنك من اآلن تستطيع أن تتحرر من املفاهيم السائدة‬


‫اليت تعرقل حياتك‪ ،‬ومتنعك من احلركة يف اإلجتاه الذي حيقق‬
‫أهدافك‪ ،‬وحيقق لك السعادة والرضا‪ .‬ال تلتفت كثريا إىل ما يبثه‬
‫املثبطون يف حميطك‪ ،‬وال تصغ إىل كلمات من فرغوا حياهتم لنشر‬
‫اإلحباط وثقافته‪ .‬هؤالء مبثوثون يف أرجاء احلياة‪ ،‬لغتهم ايئسة‪،‬‬
‫ونظرهتم مليئة ابلكآبة‪ ،‬وتفسريهم ألحوال الناس وأحداث احلياة‬
‫مغمور ابليأس‪ ،‬ومساء تطلعاهتم ملبدة بغيوم اخلوف والرتدد والعجز‪،‬‬
‫شعارهم الدائم " ال أستطيع " ونشيدهم املفضل " ليس يف اإلمكان‬
‫خري مما كان "‪.‬‬
‫‪45‬‬

‫فهذه سكينة تلميذيت السابقة تروي قصتها أبسلوهبا مع 'نعم أستطيع"‬


‫حني تتذكر ما واجهته من حتدايت قبل أن تكون اليوم طالبة مبدرسة‬
‫للمهندسني ‪:‬‬

‫("نعم استطيع" عبارة عندما استحضرها يهتز قليب وترتعد جوارحي‬


‫وتصلين الذكرايت أبايمي اخلوايل‪ ،‬أايم شهدت إصراري‬
‫أايم كتبت جهدا وكفاحا‬ ‫وعزميت‪ ،‬أايم عرفت قوة تشبيت أبهدايف‪ٌ ،‬‬
‫بغية حتقيق غاية كانت تبدو لطفلة‪ ،‬ولرباءهتا وعفويتها ‪،‬أهنا سهلة‬
‫املنال وحمطة السعادة والسرور‪.‬‬
‫مل تدر حينها هذه الطفلة أهنا بعفويتها كانت تسرت طريقة حياةٍّ‪ ،‬ومل‬
‫تكن واعيةً مبسؤولية اختياراهتا وال حميطة بتداعيات رغباهتا‪ ،‬لكنها‬
‫أحبت وبقوة ما كان يراودها‪.‬‬
‫كانت حتلم أبن تصبح مهندسة متميزة يف ختصصها‪ ،‬ولشدة حبها‬
‫للقران الكرم‪ ،‬كانت تتمىن حفظ كتاب هللا العزيز لينور صدرها ‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫كان يبدو أن كل ذلك جمرد أحالم الطفولة العابرة‪ ،‬بيد أن طفلتنا مل‬
‫تكن ترى يف ذلك حلما‪ ،‬بل منهج حياة‪ .‬فعزمت على االجتهاد يف‬
‫دراستها واخنرطت يف مدرسة قرآنية حلفظ كتاب هللا‪.‬‬
‫و فور دخوهلا املرحلة االعدادية‪ ،‬مل تعد طفلتنا طفلة كما كانت‪ ،‬بل‬
‫نضجت وبدأت تستوعب معامل الطريق ومشقة اإلختيار‪ .‬فلنيل‬
‫هدفها‪ ،‬ينبغي عليها أن تكون متفوقةً يف دراستها للحصول على‬
‫بكالوراي علوم رايضية مبعدل جيد خيول هلا ولوج األقسام التحضريية‪.‬‬
‫وحلسن حظها‪ ،‬كتب هللا هلا لقاء أستاذ‪ ،‬يسره هللا هلا ليوجهها وحيضن‬
‫حلمها‪ .‬فتبلورت فكرة أتسيس اندي النجاح مع األستاذ بنساسي‬
‫وثلةٌ من التالميذ‪.‬‬
‫مل نكن حنن التالميذ‪ ،‬حميطني أبهداف النادي وال بطريقة عمله ولكنه‬
‫أسس حلاجة ٍّ‬
‫نبيلة يف نفس أستاذان الكرمي‪ ،‬وقد وفق حبمد هللا يف‬
‫ذلك‪ .‬كنا نتعلم يف النادي مهارات التواصل واإلتصال وفنون اإللقاء‬
‫و اإلقناع و التفاوض‪ ،‬كما كنا نتعلم كيفية تقوية الثقه ابلنفس و‬
‫تقدير الذات وكيفية وضع األهداف وحتقيقها‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫و يف سن مبكر‪ ،‬كنا نتجاوب وبقوة مع هذه املهارات والفنون‪،‬‬


‫وبدأت هذه االمور تسري يف تفكريان وتشكل ذواتنا فأصبحت جزء‬
‫ال يتجزأ من شخصيتنا‪.‬‬
‫هنا‪ ،‬بدأان نتشرب معاين هذه الكلمات "نعم أستطيع" و نتذوق‬
‫قوهتا‪ ،‬فأحست صديقتنا حينها بروعة شخصيتها وبقدرهتا الالحمدودة‬
‫و اليت عليها توظيفها لتحقيق أهدافها‪ .‬و أخدت ترى االمور مبنظور‬
‫التفاؤل واألمل املقرون ابلعمل اجلاد والتوكل على احلي القيوم‪ .‬رفعت‬
‫صديقتنا شعار "نعم أستطيع" يف حياهتا وعزمت على عدم‬
‫االستسالم‪.‬‬
‫ختمت بفضل هللا حفظ كتابه يف سن السادسة عشرة‪ ،‬وكان ذلك‬
‫أول نصر هلا يف حياهتا وأول جناح تقطف مثاره‪.‬‬
‫وبكل عزمية وثقه‪ ،‬قررت اختيار شعبة العلوم الرايضية ‪.‬كانت‬
‫مسؤولية القرار ثقيلة‪ ،‬ولكن من طلب العال سهر الليايل‪.‬‬
‫ووفقت صديقتنا يف احلصول على بكالوراي علوم رايضية مبيزة حسن‬
‫جداً‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫دون تردد دخلت بطلتنا األقسام التحضريية للمدارس العليا‪ ،‬ختصص‬


‫الرايضيات والفيزايء‪ ،‬لكنها مل تتوقع يوما ما ينتظرها ‪ .‬كانت العثرات‬
‫والعراقيل والتحدايت كثرية يف هذه املرحلة‪ ،‬لدرجة أهنا فكرت يف‬
‫اإلنسحاب يف مرة من املرات‪.‬لكن ثقتها يف رهبا وتشبثها حبلمها و‬
‫تقديرها لذاهتا ‪،‬كانت كلها دوافع تقويها للمضي قدما يف حتقيق‬
‫مبتغاها ‪.‬كلمات "نعم أستطيع" كانت لصديقتنا كالنور الساطع و‬
‫الدواء جلرح اإلحباط‪..‬‬
‫كانت كلما اشتدت عليها األمور ‪،‬رجعت إىل موطن الثقه واإلصرار‪،‬‬
‫تزور األستاذ بنساسي و أعضاء اندي النجاح‪ ،‬فتسرتجع تقديرها‬
‫لذاهتا واحرتامها لقدراهتا و جتدد العزم وتشحذ اهلمة ملواصلة اجلهاد‬
‫والكد والعطاء‪.‬‬
‫وبفضل هللا‪ ،‬فاليت كانت طفلة صغرية حتلم مبستقبلها‪ ،‬هي األن طالبةٌ‬
‫مهندسة ابلسنة الثانية يف إحدى مدارس املهندسني شعبة‬
‫الكهروميكانيكي‪)......‬‬
‫مترين الرحلة‬
‫‪49‬‬

‫ضع الئحة تضم مخسة أمور كنت دائما تريدها وتتمناها وحترص‬
‫عليها‪ ،‬لكنك تركتها بسبب أنك أعطيت األولوية لغريك على نفسك‪،‬‬
‫وقدمت فيه مصلحة غريك على مصلحتك‪ ،‬بينما مل تكن راضيا مبا‬
‫تصنع‪ .‬مث ضع برانجما لتنفيذ أمهها ابلنسبة لك وأكثرها إحلاحا عليك‪.‬‬

‫***********‬
‫‪50‬‬

‫احملطة الثانية ‪ :‬اآلن !!!‬

‫استيقظت إحدى السيدات صباح يوم ونظرت يف املرآة لتجد ثالث‬


‫شعرات فقط يف رأسها فابتسمت قائلة ‪ :‬ال أبس ! سأصبغ شعري‬
‫اليوم !فعلت ذلك ‪ ...‬وقضت يوماً رائعاً ‪ .‬ويف اليوم التايل‪،‬‬
‫استيقظت ونظرت يف املرآة‪ ،‬فوجدت شعرتني فقط فانفرجت‬
‫أساريرها‪ ،‬وقالت ‪:‬مدهش ! سأغري تسرحية شعري اليوم ‪ ،‬سأقسمه‬
‫إىل نصفني وأصنع مفرقاً يف منتصفه ففعلت ذلك ‪ ...‬وقضت يوماً‬
‫رائعا‪ .‬ويف اليوم الثالث‪ ،‬استيقظت لتجد شعرة واحدة فقط يف رأسها‬
‫! وهنا قالت ممتاز ! سأسرح شعري للخلف ففعلت ذلك ‪...‬‬
‫وقضت يوماً مرحاً وسعيداً ‪ .‬ويف اليوم التايل استيقظت ونظرت يف‬
‫املرآة لتجد رأسها خالياً من الشعر متاماً فهتفت بسعادة ابلغة ‪ :‬اي‬
‫للروعة ! لن أضطر لتصفيف شعري منذ اليوم‪.‬‬
‫عزيزي القارئ ال تسأل هل القصة حقيقية أم خيالية؟ فهذا ال يغري‬
‫من احلقيقة اليت سقت القصة من أجلها شيئا‪ .‬مث أنت نفسك ميكنك‬
‫‪51‬‬

‫أن تتذكر أو تبحث عن أشخاص كثريين يف عاملنا ممن فقدوا بعض‬


‫أعضائهم‪ ،‬أو أصيبوا يف حوادث آبفات لكنهم يتمتعون بدرجة عالية‬
‫من التفكري اإلجيايب تثري الدهشة واإلعجاب‪ .‬وبعضهم يتقدم ال جيد‬
‫مانعا بتاات من التنافس على األلقاب يف جماالت العلم واملعرفة‬
‫والرايضة والفنون‪.‬‬
‫هل أدركت عزيزي الرسالة اليت أود إيصاهلا إليك؟‬
‫إهنا ببساطة ‪ :‬أفضل وقت متلكه كي تكون سعيدا هو اآلن وليس‬
‫أمس وال الغد‪.‬‬
‫فكر معي جيدا‪.......‬‬
‫ما هو الوقت الذي متلكه فعال؟‬
‫ما هي الفرتة من عمرك اليت حتياها وتشعر هبا شعورا حقيقيا؟‬
‫ما هي الفرصة اليت حتت تصرفك كي حتدث أي تغيري يف حياتك؟‬
‫مىت ميكنك أن تقرر أن تصنع الفرق الذي حتتاجه يف حياتك كي‬
‫يصبح شعورك أفضل؟‬
‫هل هو األمس؟‬
‫‪52‬‬

‫األمس فات وانقضى ولن يعود‪ ،‬وابلتايل ال ميكنك أن تفعل شيئا‬


‫فيه‪ ،‬ألنه مل يعد موجودا أصال‪ .‬حقه يف الوجود انتهى‪ ،‬وفرصتك يف‬
‫العمل فيه مل تعد متاحة‪.‬‬
‫هل هو الغد؟‬
‫الغد مل أيت بعد‪ ،‬وفرصتك للعمل فيه غري مضمونة‪ ،‬وهللا تعاىل وحده‬
‫من حييط به وبكل األزمنة‪.‬‬
‫''اآلن'' هي الفرتة الوحيدة من عمرك اليت متلكها‪ ،‬ألنك تعيشها‪،‬‬
‫وميكنك إحداث أي تغيري فيها تراه مناسبا لك‪.‬‬
‫**********‬
‫املاضي واحلاضر واملستقبل‬

‫عزيزي القارئ لو سألتك ‪ :‬أين توجد أحالمك وأهدافك وأمنياتك؟‬


‫الشك أنك ستجيب ‪ :‬يف املستقبل‪.‬‬
‫وماذا يوجد يف ماضيك؟‬
‫‪53‬‬

‫توجد جتاربنا اليت عشناها من قبل‪ ،‬وهي مزيج من التجارب الفاشلة‬


‫والناجحة‪ ،‬فيها ما سبب لنا األمل وفيها أيضا حلظات كانت ممتعة‬
‫وابعثة على السعادة‪.‬‬
‫ممتاز‪ ،‬دعين أضيف إليك هذا السؤال ‪ :‬املستقبل يضم أحالمنا‬
‫وأمنياتنا وأهدافنا اليت مل تتحقق بعد‪ ،‬وماضينا يضم جتاربنا اليت‬
‫عشناها من قبل‪ ،‬اي ترى ماذا يوجد يف اللحظة احلاضرة اليت نعيشها‬
‫اآلن بينما نقرأ معا هذه الكلمات؟‬
‫عندما كنت أطرح هذا السؤال على املتدربني كنت أتلقى عدة أجوبة‪،‬‬
‫منها ‪ :‬اآلن ال يوجد شيء ! (وهذا أبعد جواب عن الصحة) اليوم‬
‫توجد األفكار ! اليوم يوجد اإلجتهاد !‬
‫وكلها أجوبة جيمع بينها أن اليوم هو وقت العمل‪.‬‬
‫الحظ أن العمل ال ميكن أن تقوم به يف املاضي بينما تعيش يف‬
‫احلاضر‪ ،‬وال ميكنك أداؤه يف املستقبل وأنت الزلت يف الزمن احلاضر‪.‬‬
‫جمال العمل عزيزي القارئ هو اآلن واآلن فقط‪.‬‬
‫ما رأيك عزيزي القارئ أن منثل الفكرة اليت عرضناها هبذا الرسم‬
‫التوضيحي ‪:‬‬
‫‪54‬‬

‫األحالم •‬
‫خبرات•‬ ‫التخطيط•‬
‫الماضي‬ ‫الحاضر‬ ‫تحقيق • المستقبل‬
‫دروس•‬ ‫العمل•‬
‫األهداف‬

‫فاملاضي عندما حتول جتاربه إىل خربات حياتية‪ ،‬تتغري نظرتك إىل‬
‫اللحظة احلاضرة "اآلن" ويصبح – املاضي‪ -‬موردا هاما حتت تصرفك‬
‫الستنباط احللول‪ ،‬ومغالبة الواقع‪ ،‬وجتاوز الصعوابت‪ ،‬ومواجهة‬
‫التحدايت‪ ،‬واالستمتاع ابلعمل اجلاد واملثمر تطلعا ملستقبل تتجسد‬
‫فيه أحالمك‪ ،‬وأتخذ فيه أهدافك الشكل الذي رمسته وخططت له‪،‬‬
‫وتنعكس فيه طموحاتك على أرض احلقيقة‪.‬‬

‫تذكر من اآلن عزيزي القارئ واحفظ معادلة اخلربة التالية ‪:‬‬


‫‪55‬‬

‫جتارب‬
‫خربات‬ ‫تعمل‬
‫املايض‬

‫قيمة "اآلن"‬

‫املاضي قد ميتد يف حياة أحدان إىل سنوات ورمبا إىل عقود من الزمن‪،‬‬
‫واملستقبل ال أحد يدرك مداه‪ ،‬وقد ميتد إىل سنوات أو عقود‪.‬‬

‫**********‬

‫ماذا عن "اآلن"؟‬

‫كم تستغرق اللحظة احلاضرة اي ترى؟‬

‫هل ميكن قياسها أصال؟‬


‫‪56‬‬

‫هل ميلك أحد أن يدرك مبتدأها ومنتهاها؟‬

‫اللحظة احلاضرة مشدودة من جهة إىل املاضي‪ ،‬فسرعان ما ستلحق‬


‫بقافلته وتصبح جزء منه‪ .‬وهي من انحية اثنية متعلقة ابملستقبل وما‬
‫زالت حتاول االنفصال عنه‪ ،‬كي تستقل بذاهتا يف حماولة ايئسة تنتهي‬
‫ابنصرام اللحظة احلاضرة وانتزاع غطاء "اآلن" عنها لتصبح جزء من‬
‫املاضي‪.‬‬

‫عزيزي القارئ تالحظ أن املاضي ميكن قياسه وحتديده ابلوحدات‬


‫الزمنية‪ ،‬واملستقبل ميكن تقديره وختمينه‪ ،‬لكن اللحظة احلاضرة "اآلن"‬
‫ال ميكن أبي حال من األحوال السيطرة عليها وال حتديدها أو تقدير‬
‫مدهتا‪.‬‬

‫إهنا تلك الفرتة الزمنية اليت تدخل علينا من كل ابب‪ ،‬وخترج دون أن‬
‫حتدث أي ضجيج أو يسمع هلا ركزا‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫"اآلن" ختتفي وراء أعمالنا‪ ،‬ونشعر هبا من خالل إجنازاتنا‪ ،‬وميكننا‬


‫التحكم فيها بواسطة إجراءات وتدابري عملية ترتك أثرا شاهدا على‬
‫فعاليتنا وفاعليتنا‪.‬‬

‫اَّللُ َع َملَ ُك ْم َوَر ُسولُهُ‬ ‫ريى ه‬ ‫قال عز من قائل ( َوقُ ِل ا ْع َملُوا فَ َ‬


‫س ََ‬
‫ادةِ فَ يُ نَ بِئُ ُك ْم ِمبَا ُك ْن تُ ْم‬ ‫ب َوال ه‬
‫ش َه َ‬ ‫ُتدُّو َن إِ َىل َع ِاِل الْغَْي ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ ُم ْؤمنُو َن َو َس َُ‬
‫تَ ْع َملُو َن ) سورة التوبة اآلية ‪022‬‬

‫فالعمل هو السبيل الوحيد للسيطرة على اللحظة احلاضرة والتحكم يف‬


‫"اآلن"‪.‬‬

‫بغري العمل ال ميكن أن تشعر هبذه اللحظة‪ ،‬فضال أن تتحكم فيها أو‬
‫تسيطر عليها‪.‬‬

‫**********‬

‫ال عمل بدون قصد واضح ووجهة حمددة ‪.....‬‬


‫‪58‬‬

‫ين َآمنوا‬ ‫َّ ِّ‬


‫الشك أنك عزيزي القارئ مررت بقوله تعاىل ( َاي أَيُّ َها الذ َ‬
‫اَّللَ َخبِّريٌ ِّمبَا‬ ‫َّمت لِّغَ ٍّد َواتَّقوا َّ‬
‫اَّللَ إِّ َّن َّ‬ ‫س َما قَد َ‬
‫اَّللَ َولتَ نظر نَف ٌ‬
‫اتَّقوا َّ‬
‫تَع َملو َن ) من سورة احلشر اآلية ‪ .01‬هل أتملت قوله تعاىل ( َولتَ نظر‬
‫َّمت لِّغَ ٍّد) ؟‬
‫س َما قَد َ‬
‫نَف ٌ‬
‫الشك أن أول ما ينصرف إليه التفكري هو ضرورة االستعداد للقاء هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬والتفكري فيما يلقى العبد به ربه يوم القيامة‪ .‬لكن أال ترى معي‬
‫أن الغد عام لكل زمن آت؟ وابلتايل ضرورة أن تكون لدينا وجهة‬
‫حمددة لسريان وسعينا حىت نتميز عن السائمة اليت ال خيتلف يومها عن‬
‫أمسها عن غدها؟ ومن ذلك التفكري واالهتمام واالستعداد ملا بعد‬
‫املوت‪.‬‬

‫الحظ عزيزي القارئ أن االستعداد ملا بعد املوت ال يكون برتك الزمن‬
‫مفتوحا على الفوضى‪ ،‬وال ابالستهتار ابللحظة األقوى يف احلياة وهي‬
‫" اآلن " وقت العمل والفعل الذي يغري وجه احلياة‪ ،‬ويعطي الزمن‬
‫قيمة‪.‬‬
‫‪59‬‬

‫كثري من الناس يعملون وجيتهدون ويثابرون بال خطة واضحة أو‬


‫وجهة حمددة‪ ،‬وقد حيصلون على نتائج كثرية أو قليلة‪ ،‬وبعضهم ال مهة‬
‫هلم يف العمل وال خطة دأهبم التأجيل حىت فيما يتعلق ابلتزاماهتم‬
‫الدنيوية‪ .‬وبعضهم لديهم أهداف كبرية ورمبا خطط دقيقة لكن‬
‫ينقصهم االلتزام‪ ،‬فهم يبدأون يف العمل لكن سرعان ما يستسلمون‬
‫أمام الصعوابت أو أمام طول الطريق‪ .‬واملسددون من لديهم أهداف‬
‫واضحة ويعملون يف سبيل حتقيقها وفق خطط واضحة وبرامج حمددة‪.‬‬

‫هذا اجلدول يبني هذه احلاالت كلها أتركك تتأمله وحتدد مكانك فيه‪.‬‬

‫ليس معك خطة‬ ‫معك خطة‬


‫خبط العشواء‬ ‫التغيري حنو األفضل‬ ‫فعل‬
‫اإلحباط‬ ‫العجز‬ ‫بدون فعل‬
‫**********‬
‫‪60‬‬

‫قوة الُتكيز‬

‫عزيزي القارئ حاولنا يف الفقرات السابقة أن نتأمل اللحظة احلاضرة‪،‬‬


‫كي نصل إىل درجة الرتكيز عليها‪ ،‬يف حماولة لتعزيز وعينا هبا‪ ،‬وتنمية‬
‫قدرتنا على استثمارها‪ ،‬هبدف الرفع من قدرتنا على اإلجناز‪.‬‬

‫الُتكيز عزيزي القارئ هو توجيه نسبة متزايدة من االهتمام إىل‬


‫مهمة حمددة يف وقت حمدد‪ ،‬هلدف حمدد‪ .‬مهمة الرتكيز هي استفراغ‬
‫وسعنا‪ ،‬وتوجيه طاقتنا‪ ،‬واستجماع مهتنا‪ ،‬من أجل إجناز املهمة حمل‬
‫االهتمام‪.‬‬

‫والرتكيز يتعارض مع توزيع االهتمامات بني أمور متفرقة‪ ،‬وتشتيت‬


‫االنتباه بني انشغاالت متباعدة‪ ،‬وتبديد اجلهود بني قضااي متباينة‪،‬‬
‫وهي أمور تؤثر عادة على أدائنا‪ ،‬وتضعف جودة أعمالنا‪.‬‬

‫ويعد الرتكيز من أهم أسرار النجاح‪ ،‬وهو أبرز ما مييز الناجحني يف‬
‫شىت مناحي احلياة‪ .‬إنه قدرة ميكن لك عزيزي القارئ أن تطورها‬
‫‪61‬‬

‫ابلتدريب واملمارسة‪ ،‬وميكنك أن تالحظ حتسنا يف أدائك بقدر رفع‬


‫درجة تركيزك‪.‬‬

‫كما نؤكد عزيزي القارئ على مسألة أساسية وهي أن الرتكيز قدرة‬
‫حمايدة‪ ،‬ميكن أن يعزز فرصك يف النجاح‪ ،‬كما ميكن أن يقضي على‬
‫كل فرصك يف احلياة‪ .‬األمر يتوقف على ما تركز عليه‪.‬‬

‫تذكر عزيزي أننا حتدثنا من قبل عن املاضي وربطناه ابخلربات‪ ،‬وعن‬


‫احلاضر وجعلنا منه مزرعة لألعمال بذور األحالم‪ ،‬وعن املستقبل حمط‬
‫أحالمنا وأمنياتنا وأهدافنا‪ .‬عندما تنظر إىل املاضي وتركز على آالمه‪،‬‬
‫ومعاانته‪ ،‬وأوجاعه فإن ك هبذه الطريقة لن تتعلم منه شيئا‪ ،‬وبذلك‬
‫تقضي على فرصك يف استثمار احلاضر وبناء جسر "اآلن" حنو‬
‫املستقبل‪ .‬ذلك أن الرتكيز على أحداث املاضي والنظر إليها من زاوية‬
‫أهنا روابط حتيي يف قلبك الشعور ابألمل واإلحباط والضعف‪ ،‬من شأهنا‬
‫أن تشل حركتك وحتبط قدرتك اإلبداعية‪ ،‬وتصيب عزميتك ابلعجز‬
‫والكسل‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫عن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( املؤمن‬
‫القوي خري وأحب إىل هللا من املؤمن الضعيف ويف كل خري‪،‬‬
‫احرص على ما ينفعك واستعن ابهلل وال تعجز‪ .‬وإن أصابك شيء‬
‫فال تقل لو أين فعلت كان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل قدر هللا وما شاء‬
‫فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم‪.‬‬

‫فاملؤمن القوي من صفاته عزيزي القارئ ‪:‬‬

‫‪ ‬أنه حيرص على ما ينفعه‪.‬‬


‫‪ ‬يستعني ابهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ ‬ال يستسلم للشعور ابلعجز‪.‬‬
‫‪ ‬ال يطيل التحسر على ما فات‪.‬‬
‫‪ ‬يؤمن ابلقدر خريه وشره‪.‬‬
‫**********‬

‫التوجه اإلجيايب‬
‫‪63‬‬

‫هو القدرة على متثل االسُتاتيجيات اخلمسة الواردة يف احلديث‬


‫اآلنف‪.‬‬

‫‪ ‬احلرص على ما ينفع من األفكار واملشاعر والسلوك على‬


‫صعيد الذات‪ .‬والسعي الغالب إىل ما يعزز النفع العام يف‬
‫احلياة‪ ،‬واخلري الشامل يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪ ‬االستعانة ابهلل تعاىل‪ ،‬يف الصغرية والكبرية‪ ،‬واللجوء إليه يف كل‬
‫أمر‪ ،‬وتفويض األمر إليه يف كل شأن‪ .‬وال يكون ذلك إال ببذل‬
‫اجلهد واستفراغ الوسع فيما ينفع وجيدي‪.‬‬
‫‪ ‬عدم االستسالم حلالة العجز اليت تعُتي كل إنسان‪ .‬الشك‬
‫أنك عزيزي القارئ واجهت ظروفا صعبة‪ ،‬ووجدت نفسك‬
‫أحياان يف مواقف حدثتك فيها نفسك برتك بذل اجلهد وخيم‬
‫عليك الشعور ابليأس من احلصول على ما سعيت واثبرت من‬
‫أجله‪ .‬هذه احلالة من الشعور ابلعجز أمر طبيعي جدا‪ ،‬وهي‬
‫حالة ميكن أن تعرتي أاي منا‪ ،‬يف أي مسلك من مسالك احلياة‪.‬‬
‫‪64‬‬

‫ميكنك اختبار مدى توجهك اإلجيايب مبدى قدرتك على احلد‬


‫من سيطرة هذه احلالة عليك‪ ،‬ومدى سرعتك يف التحرر منها‪.‬‬
‫‪ ‬عدم االستسالم للشعور ابحلسرة الذي يهجم على املرء إذا‬
‫فاته نيل مطلب ‪ .‬بصرف النظر عن سبب فوات مطلبك‪،‬‬
‫وبصرف النظر عن تقصريك وهتاونك‪ ،‬فإن شدة احلسرة‪ ،‬وطول‬
‫أمدها لن جيديك نفعا‪ .‬ابلعكس متاما احلسرة إذا سيطرت على‬
‫القلب‪ ،‬وهيمنت على النفس‪ ،‬أصابت اإلرادة ابإلحباط‪،‬‬
‫وشلت العزمية وعطلت املبادرة‪ .‬ولذلك كان صلى هللا عليه‬
‫وسلم كثريا ما يتعوذ من أمور ومنها العجز والكسل‪ ،‬ففي‬
‫صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال ‪ :‬كان النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬يقول ( اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن‪،‬‬
‫والعجز والكسل‪ ،‬واجلنب والبخل‪ ،‬وضلع الدين وغلبة‬
‫الرجال)‬
‫‪65‬‬

‫‪ ‬اإلميان ابلقدر خريه وشره‪ ،‬وهو ميثل قوة نفسية‪ ،‬تعطيك قدرة‬
‫خارقة على تضميد اجلروح‪ ،‬وجتاوز اآلالم‪ ،‬وختطي آاثر الفشل‪.‬‬
‫اإلميان ابلقضاء والقدر ليس رضا ابحلدث الطارئ وال تنازال عن‬
‫األحالم‪ ،‬وال استسالما أمام العراقيل والتحدايت‪ .‬إنه نوع من‬
‫التطعيم ضد اإلصابة ابإلحباط‪ ،‬والرضوخ للشعور ابلعجز‪،‬‬
‫والوقوع يف آفة التحسر‪.... .‬‬
‫عزيزي القارئ إن من شأن هذه االسُتاتيجيات إذا تعلمتها‬
‫أن ‪:‬‬
‫‪ ‬هتيئ قلبك وعقلك للتعلم املستمر‪.‬‬
‫‪ ‬تدفعك ل بذل قصارى جهدك من أجل إحراز ما تتطلع إليه من‬
‫النتائج‪.‬‬
‫‪ ‬حتافظ على محاسك يف أثناء سعيك حنو أهدافك‪.‬‬
‫‪ ‬تعزز استعدادك للنماء والتطور مبا يكفل قدرتك على التكيف‬
‫مع املستجدات‪ ،‬والتالؤم مع املتغريات‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫‪ ‬تقوي لديك املرونة يف التعامل مع األفكار واألحداث‬


‫واألشخاص‪.‬‬
‫‪ ‬جتعلك مصدرا لإلجيابية يف حميطك وبيئتك‪.‬‬
‫‪ ‬فضال عن فوزك برضىا هللا تعاىل وهي اهلدية العظمى‪.‬‬
‫**********‬

‫ابدر ابدر ابدر ‪.....‬‬

‫(اب ِّدروا‬ ‫اَّللِّ صلَّى َّ ِّ‬


‫اَّلل َعلَيه َو َسلَّ َم قَ َال ‪َ :‬‬ ‫ول َّ َ‬ ‫َن َرس َ‬ ‫َعن أَِّيب هَري َرةَ أ َّ‬
‫ِّابألَع َم ِّال َسب ًعا‪َ :‬هل تَن تَ ِّظرو َن إَِّّال فَقًرا من ِّسيًا‪ ,‬أَو ِّغ ًىن مطغِّيًا‪ ,‬أَو‬
‫ب‬ ‫َّج َال؛ فَ َشُّر َغائِّ ٍّ‬
‫ضا مف ِّس ًدا‪ ,‬أَو َهَرًما م َفنِّ ًدا‪ ,‬أَو َمو ًات جم ِّهًزا‪ ,‬أَو الد َّ‬ ‫َمَر ً‬
‫اعة أَد َهى َوأ ََمُّر؟) أخرجه الرتمذي يف سننه‬
‫الس َ‬
‫اعةَ؛ فَ َّ‬
‫الس َ‬
‫ي ن تَظَر‪ ,‬أَو َّ‬

‫إن من أكثر ما يسبب لنا الفشل يف حتقيق السعادة يف احلياة‪ ،‬وحيول‬


‫دون استثماران للحظة احلاضرة‪ ،‬ويفوت علينا فرص االستمتاع ابلعمل‬
‫يف الوقت الذي منلكه حقا ومنلك السيطرة عليه وهو "اآلن" ‪ ،‬آفة‬
‫‪67‬‬

‫التأجيل وتسمى التسويف أيضا وهي ترك العمل الذي حان وقته إىل‬
‫وقت آخر‪ .‬واندرا جدا ما ينجو شخص من آفة التأجيل‪ ،‬والفرق بني‬
‫الناس يف نسبة ما يتم أتجيله من أعماهلم‪.‬‬

‫عزيزي القارئ اعلم أن هناك إمجاعا بني كل الناجحني‪ ،‬واملهتمني‬


‫إبدارة الوقت‪ ،‬والوعاظ من كل األداين أن أتجيل األعمال آفة‬
‫اآلفات‪ ،‬وأن اإلدمان عليه معناه القضاء على الفرص اليت تزخر هبا‬
‫احلياة من أجل السعي اجلاد والنجاح والتألق‪.‬‬

‫لذلك أوصى النيب صلى هللا عليه وسلم ابملبادرة إىل األعمال الصاحلة‬
‫قبل فوات األوان‪ ،‬بوقوع ما حيول بيننا وبني القيام هبا‪ ،‬وذكر سبعة‬
‫موانع‪.‬‬

‫**********‬

‫كيف تتخلص عزيزي القارئ من آفة التأجيل؟‬

‫إليك هذه اخلطة من مخس مراحل ‪:‬‬


‫‪68‬‬

‫أكتب ابلضبط ما تعتزم القيام به مع حتديد اتريخ اإلنتهاء‬ ‫‪)0‬‬


‫منه‪ ،‬فهذا من شأنه أن يقلل من فرص التأجيل‪.‬‬
‫تقسيم املهمة الكبرية إىل مهام صغرية‪ .‬عادة األعمال اليت‬ ‫‪)0‬‬
‫نؤجلها تتطلب عمال شاقا وجمهودا متواصال ووقتا طويال‪.‬‬
‫لذا يستحسن تقسيم مثل هذه املهام الكبرية إىل مهام‬
‫صغرية يسهل القيام هبا‪ ،‬وأداؤها أبقل ما ميكن من العناء‪.‬‬

‫مثال تريد أن تدخل عادة القراءة إىل حياتك‪.‬‬

‫‪ -‬ابدأ بكتاب صغري احلجم‪.‬‬


‫‪ -‬اقرأ ملدة عشر دقائق يف اليوم فقط‪.‬‬
‫‪ -‬املس الكتاب برفق قبل الشروع يف قراءته‪ ،‬فأنت حتتاج أن‬
‫تنشئ عالقة خاصة معه‪ ،‬واللمس من احلواس اليت تساعد يف‬
‫بناء عالقة قوية‪.‬‬
‫‪69‬‬

‫بعد تقسيم املهمة إىل مهام صغرية‪ ،‬ابدأ ابجلزء األهم‬ ‫‪)9‬‬
‫واعتربه مهمة مستقلة بذاهتا‪ ،‬وكافئ نفسك عند اإلنتهاء‬
‫منها حىت تشعر مبتعة اإلجناز‪.‬‬
‫انتقل إىل الفعل‪ ،‬ألن ابلفعل فقط أتخذ أهدافنا الشكل‬ ‫‪)4‬‬
‫الذي نريده هلا‪ ،‬وابلفعل فقط ميكننا أن حنقق ما نريد‬
‫وننجز ما نتطلع إليه من السعادة‪.‬‬
‫األسئلة الثالثة األساسية‬ ‫‪)5‬‬
‫‪ -‬أين أان اآلن؟‬
‫‪ -‬ماذا تريد أن أفعل؟‬
‫‪ -‬كيف سيكون شعوري عندما أنتهي من إجناز املهمة؟‬

‫مثال ‪ :‬أريد اإلقالع عن التدخني‪.‬‬

‫كيف أطبق اسرتاتيجية األسئلة الثالثة األساسية؟‬

‫‪ -‬أين أان اآلن؟‬


‫‪70‬‬

‫‪ -‬أان يف املقهى‪.‬‬
‫‪ -‬أين أريد أن أكون؟‬
‫‪ -‬أريد أن أكون يف بييت بني أفراد أسريت الذين حيبونين ويريدون‬
‫يل كل مصلحة‪ .‬أريد أن أستمتع بصحة جيدة‪ ،‬فمي خال‬
‫متاما من رائحة الدخان الكريهة‪ ،‬بشريت رائعة وأسناين بيضاء‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يكون شعورك بعد جناحك يف اإلقالع عن التدخني؟‬
‫‪ -‬أكون يف قمة السعادة ‪:‬‬
‫‪ ‬ألين استعدت حرييت اليت سلبتها مين السجارة‪.‬‬
‫‪ ‬ألين وفرت ماالً كنت أبدده من أجل تدمري صحيت‪.‬‬
‫‪ ‬ألين كسبت سعادة أفراد أسريت مجيعا ألهنم مجيعا كانوا يتمنون‬
‫أن أقلع يوما ما عن التدخني‪.‬‬
‫‪ ‬ألين سأكون قدوة للكثريين ممن يرغبون يف ترك عادة التدخني‪،‬‬
‫وستكون يل اجلرأة والشجاعة كي أساعدهم على ذلك‪.‬‬
‫‪71‬‬

‫هيا انطلق من اآلن فليس لديك وقت تضيعه‪ ،‬هيا حترك بسرعة ففي‬
‫احلياة جمال واسع للعمل‪ ،‬ويف الكون آفاق واعدة لإلجناز‪.‬‬

‫مترين املرحلة‬

‫خذ أمرا كنت تؤجله ابستمرار وأتملت كثريا من هذا التأجيل‪ ،‬مث‬
‫ابشر تنفيذه فورا‪ ،‬قم خبطوة مهما بدت لك بسيطة‪ ،‬ال تتهاون يف‬
‫القيام ابخلطوة األوىل‪ ،‬وال تتساهل مع نفسك يف التمادي يف‬
‫التأجل‪ ،‬أخرب نفسك أنك ستفطمها عن عادة التأجيل‪.‬‬
‫‪72‬‬

‫احملطة الثالثة ‪ :‬الك مند ‪...‬‬

‫يف إحدى أركان مرتو األنفاق املهجورة‪ ..‬كان هناك صيب هزيل اجلسم‬
‫‪ ..‬شارد الذهن ‪ ..‬يبيع أقالم الرصاص ‪ ..‬ويشحذ الناس اإلحسان‬
‫مر عليه أحد رجال األعمال ‪ ..‬فوضع دوالراً يف كيسه مث‬ ‫إليه ‪َّ .‬‬
‫استقل املرتو يف عجلة من أمره وبعد حلظة من التفكري خرج من املرتو‬
‫مرة أخرى‪ ،‬وسار حنو الصيب ‪ ....‬و تناول بعض أقالم الرصاص‪،‬‬
‫وأوضح للشاب بلهجة يغلب عليها االعتذار أنه نسي التقاط األقالم‬
‫اليت دفع مثنها ‪ ...‬وقال له ‪:‬إنك رجل أعمال مثلي ولديك بضاعة‬
‫تبيعها وأسعارها مناسبة للغاية مث استقل القطار التايل‪.‬‬
‫بعد سنوات من هذا املوقف ويف إحدى املناسبات االجتماعية تقدم‬
‫شاب أنيق حنو رجل األعمال وقدم نفسه له قائالً ‪ :‬إنك ال تذكرين‬
‫على األرجح وأان ال أعرف حىت امسك ولكين لن أنساك ما حييت‬
‫‪ ....‬إنك أنت الرجل الذي أعاد إيل احرتامي وتقديري لنفسي لقد‬
‫‪73‬‬

‫كنت أظن أنين (شحاذ) أبيع أقالم الرصاص وأنتظر شفقة الناس‬
‫وإحساهنم إيل‪ ،‬إىل أن جئت أنت وأخربتين أنين رجل أعمال‪.‬‬
‫ليس مهما أن تكون هذه القصة وقعت ابلفعل أم جمرد أتليف من‬
‫صنع اخليال‪ ،‬املهم هو الرسائل القوية اليت حتملها‪ .‬وجه إيراد هذه‬
‫القصة يف هذا الفصل أمران ‪:‬‬
‫األول أن احلياة خلقها هللا تعاىل وجعل فيها من اإلمكاانت واملوارد ما‬
‫يكفي اجلميع‪ .‬فاهلل تعاىل كما تشري اآلية الكرمية ‪ُ ( :‬ك اال ُُنِ ُّد ََٰه ُؤَال ِء‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورا ) اآلية ‪02‬‬ ‫ك َْحمظُ ً‬‫ك ۚ َوَما َكا َن َعطَاءُ َربِ َ‬ ‫َو ََٰه ُؤَالء ِم ْن َعطَاء َربِ َ‬
‫من سورة اإلسراء‪ .‬لك أن تتأمل املدى البعيد الذي ترمسه اآلية الكرمية‬
‫لعطاء هللا تعاىل‪ ،‬والذي عرب عنه بقوله "ُند هؤالء وهؤالء من عطاء‬
‫ربك" وتوقف عند عبارة "من عطاء ربك" اليت تشري إىل الوفرة اليت‬
‫تزخر هبا احلياة على األرض‪ ،‬وأيضا هناك إشارة إليك أنت عزيزي‬
‫القارئ فاهلل تعاىل ربك أنت كما هو رب العاملني‪ ،‬وهو يعطيك كما‬
‫يعطيهم‪ ،‬وميد لك كما ميد هلم‪ .‬ويعزز هذا املعىن قوله سبحانه‬
‫مج ًيعا ِمْنهُ ۚ‬
‫ض َِ‬ ‫سماو ِ‬
‫ات َوَما ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫هر لَ ُك ْم َما ِيف ال ه َ َ‬
‫وتعاىل ‪َ ( :‬و َسخ َ‬
‫ت لَِق ْوٍم يَتَ َف هك ُرو َن ) اآلية ‪ 00‬من سورة اجلاثية‪.‬‬ ‫ك َآلاي ٍ‬ ‫َٰ ِ‬
‫إِ هن ِيف ذَل َ َ‬
‫‪74‬‬

‫وهنا جيدر بك عزيزي القارئ أن تتأمل قوله سبحانه " سخر لكم "‬
‫وأنت من ضمن "لكم" وابلتايل فقد سخر لك ما يف السموات وما‬
‫يف األرض مجيعا منه حىت تقوم بدورك يف احلياة عندما تتخذ من كل‬
‫ذلك سبيال إىل هللا تعاىل ورضاه‪.‬‬
‫الثاين أن رجل األعمال وضع فكرة يف عقل صيب يف حلظة معينة‬
‫حتولت إىل حلم مث إىل هدف قبل أن تصبح واقعا‪ .‬وأان شخصيا أذكر‬
‫حاالت كثرية من تالميذي وضعت يف عقوهلم الغضة الطرية يف فرتة‬
‫من الفرتات فكرة أهنم رائعون ومميزون وأذكياء‪ ،‬فكان لتلك الفكرة‬
‫األثر البالغ يف جناحهم الدراسي واملهين‪ ،‬وميكن لكل مريب أو مسؤول‬
‫أن يتذكر كم للكلمة الطيبة احملفزة املشجعة من األثر اإلجيايب يف تقرير‬
‫مصائر الناس‪.‬‬
‫وقولوا للناس ‪ .....‬وقل لعبادي ‪.....‬‬
‫ويقول سبحانه وتعاىل ( َوقُولُوا لِلن ِ‬
‫هاس ُح ْسنًا ) من اآلية ‪ 10‬من‬
‫سورة البقرة‪.‬‬
‫‪75‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫س ُن ) من اآلية‬ ‫يقول عز من قائل (وقُ ْل لعبَادي يَ ُقولُوا الهِيت ه َي أ ْ‬
‫َح َ‬
‫‪ 59‬من سورة اإلسراء‪.‬‬

‫القول احلسن والقول األحسن من صميم ديننا‪ ،‬ومن مهمات الرتبية‬


‫تدريب اإلنسان عليهما‪ ،‬حىت يغدو املرء عنصر برجمة إجيابية يف‬
‫اجملتمع واحلياة‪.‬‬

‫حنن اليوم ندرك ما ميكن أن تصنعه الكلمة يف نفس اإلنسان أكثر مما‬
‫كان لدى أسالفنا من املعرفة هبذا املوضوع‪ ،‬لكننا أكثر استهتارا‬
‫ابللغة وما ميكن أن حتدثه يف حياتنا من آاثر سلبية أو إجيابية‪.‬‬

‫أذكر كم مرة أيتيين تلميذ يشكو يل حجم معاانته من العبارات اليت‬


‫يصفه هبا أحد والديه أو كالمها‪ ،‬أو أحد مدرسيه‪ ،‬وأان كمريب أدرك‬
‫ما تصنعه تلك العبارات السلبية يف تشكيل مستقبل الفىت أو الفتاة‪،‬‬
‫وال ميكن أن أتذكر عدد املرات اليت أحدثت فيها اللغة اإلجيابية اليت‬
‫استعملتها مع بعض تالميذي من تغيريات حقيقية يف سلوكهم‪.‬‬
‫‪76‬‬

‫وأنت أيضا لك أن تتذكر كم مرة تركت لغتك اإلجيابية أثرها على‬


‫سلوك شخص حني فشلت اللغة السلبية يف إحداث نفس األثر‪ .‬وال‬
‫خيفى على أحد الفرق الشاسع بني ما ترتكه اللغة اإلجيابية من آاثر‬
‫إجيابية‪ ،‬وما ختلف اللغة السلبية من آاثر سلبية على النفس والسلوك‪.‬‬

‫بعض اآلابء رمبا يرون يف كالمي هذا مبالغة‪ ،‬ولسان أحدهم يقول ‪:‬‬
‫أان نشأت يف بيئة سادهتا اللغة السلبية وها أنذا أمامك مل تؤثر يف‬
‫بتاات‪ ،‬وأمارس حيايت الطبيعية وأجنح‪.‬‬

‫على فرض أنك سيدي تزاول حياتك الطبيعية اليوم‪ ،‬هل لك أن‬
‫تذكر لنا كم تطلب منك األمر كي تتخلص من آاثر اللغة لسلبية اليت‬
‫نشأت يف ظلها؟ هل ميكنك تقييم حجم اخلسائر اليت حلقت حياتك‬
‫نتيجة تلك اللغة السلبية؟ علما أننا نسلم أن اللغة السلبية ال ترتك‬
‫نفس اآلاثر عند كل الناس بنفس الطريقة‪ .‬فبعض الناس ينسون‬
‫بسهولة‪ ،‬وبعضهم يتمتعون بدرجات متفاوتة من القدرة على‬
‫‪77‬‬

‫التجاهل‪ ،‬وبعضهم ال تعنيهم تلك اللغة السلبية وال يرون أنفسهم‬


‫تنطبق عليهم وابلتايل ال يقعون حتت ضغطها وأتثريها‪.‬‬

‫لكننا حنن نتحدث عن القاعدة العامة عزيزي القارئ‪ ،‬وابلتايل حنذر‬


‫أشد التحذير من تبين اللغة السلبية يف الرتبية‪ ،‬بل حىت مع الذات‪.‬‬

‫فعن عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال ‪((:‬ال‬
‫لكن لِّيَ قل‪ :‬لَِّق َست نَفسي)) متفق‬ ‫ي قولَ َّن أَحدكم‪ :‬خب ثَت نَفسي‪ ،‬و ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪،‬ولَ ِّكن َك ِّرَه‬ ‫ِّ‬
‫قال العلَ َماء‪َ :‬مع َىن َخب ثَت ‪َ :‬غثَت‪َ ،‬وه َو َمع َىن ‪:‬لَق َست َ‬
‫َ‬
‫ث‪.‬‬‫ظ اخلب ِّ‬ ‫لَف َ‬

‫يف معجم املعاين جند ‪:‬‬

‫س ‪:‬فعل‬
‫‪ .0‬لََق َ‬
‫َّاس‬ ‫ِّ‬
‫ولَق ٌ‬ ‫س‬
‫الق ٌ‬ ‫فهو‬ ‫لَق ًسا‬ ‫س‬‫لََق َ‬
‫لََق َسه ‪ :‬عابَه‬
‫‪78‬‬

‫س ‪:‬فعل‬ ‫ِّ‬
‫‪ .0‬لَق َ‬
‫لَِّق َسة‬ ‫فهي‬ ‫لََق ًسا‬ ‫لَِّق َست‬
‫صت عليه‬ ‫وحَر َ‬ ‫لَِّقست نفسه إىل الشيء ‪ِّ َ :‬‬
‫انز َعته إليه َ‬ ‫َ‬
‫ث اللَّحم ‪ :‬فَ َس َد‬‫لَِّق َست نفسه من الشيء ‪َ :‬غثَت (ومنه َغ َّ‬
‫ث ِّيف خل ِّق ِّه ‪َ :‬ساء)‬ ‫َّت الشَّاة ‪َ :‬ع ِّج َفت ‪َ ،‬هَزلَت‪ ،‬و َغ َّ‬
‫َغث ِّ‬
‫كسلت‬ ‫و ِّ‬ ‫فََرتت‬ ‫‪:‬‬ ‫نفسه‬ ‫لَِّق َست‬
‫لَِّقس به ‪ِّ :‬‬
‫فطن به‪.‬‬ ‫َ‬
‫عزيزي القارئ أرأيت حرص النيب صلى هللا عليه وسلم على انتقاء‬
‫الكلمة مراعاة للذات وتقديرا هلا‪ ،‬ورمبا محاية هلا من الوقوع حتت‬
‫التأثري السليب لشحنة الكلمة السلبية وأتثريها على السلوك على املدى‬
‫البعيد‪.‬‬

‫ليس هذا فحسب عزيزي القارئ بل إن النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫عمد إىل تغيري أمساء بعض الصحابة ملا حتمله من معاين سلبية‪ ،‬فعن‬
‫ابن عمر ‪ :‬أن ابنة لعمر كانت يقال هلا عاصية فسماها رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم مجيلة ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫صلَّى‬ ‫اء إِّ َىل النِّ ِّ‬


‫َّيب َ‬ ‫َن أ ََابه َج َ‬‫ب َعن أَبِّ ِّيه أ َّ‬
‫وروى البخاري َعن اب ِّن المسيَّ ِّ‬
‫َ‬
‫ت َسه ٌل ‪.‬‬ ‫ك ؟ قَ َال ‪َ :‬حزٌن ‪ .‬قَ َال ‪ :‬أَن َ‬ ‫اَّلل َعلَي ِّه َو َسلَّ َم فَ َق َال ‪َ :‬ما امس َ‬
‫َّ‬
‫ب ‪ :‬فَ َما َزالَت احلزونَة‬ ‫قَ َال ‪ :‬ال أ َغِّري امسًا َمسَّانِّ ِّيه أَِّيب ‪ .‬قَ َال ابن المسيَّ ِّ‬
‫َ‬
‫فِّينَا بَعد ‪ .‬واحلزونة هي الصعوبة وشدة اخللق‪.‬‬

‫هل تعلم قارئي ا لعزيز أن اسم الشخص هو أكثر ما يرن يف أذنه‪ ،‬وإذا‬
‫كان االسم حيمل معىن إجيابيا فهو فرصة لتذكريه بذلك املعىن‬
‫اإلجيايب‪ .‬أما إذا كان حيمل معىن سلبيا فسيظل هذا املعىن يرتدد على‬
‫مسعه كأنه صفة من صفاته‪ ،‬بل لن يلبث أن يصبح داال عليه كما‬
‫يدل ظله على وجوده‪.‬‬

‫**********‬

‫الكلمة الطيبة ‪ ...‬والكلمة اخلبيثة ‪....‬‬

‫ٍّ‬ ‫ِّ‬
‫ت‬ ‫اَّلل َمثَ ًال َكل َمةً طَيِّبَةً َك َش َجَرةٍّ طَيِّبَة أَصل َها َاثبِّ ٌ‬
‫ب َّ‬ ‫ضَر َ‬
‫ف َ‬ ‫( أََمل تَ َر َكي َ‬
‫اَّلل‬ ‫السم ِّاء (‪ )02‬ت ِّويت أكلَ َها ك َّل ِّح ٍّ‬
‫ني ِّإبِّذ ِّن َرِّهبَا َويَض ِّرب َّ‬ ‫ِّ‬
‫َوفَرع َها يف َّ َ‬
‫اس لَعلَّهم ي ت َذ َّكرو َن (‪ )02‬ومثَل َكلِّم ٍّة خبِّيثٍَّة َك َشجرةٍّ خبِّيثَةٍّ‬ ‫ِّ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫االمثَ َال للنَّ ِّ َ ََ‬
‫‪80‬‬

‫ض ما َهلا ِّمن قَر ٍّار (‪ )01‬ي ث بِّت َّ َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬


‫ين آَ َمنوا‬
‫اَّلل الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اجت ثَّت من فَوق االَر ِّ َ َ‬
‫ض ُّل َّ ِّ ِّ‬‫ت ِّيف احلياةِّ الدُّن يا وِّيف اآل ِّخرةِّ وي ِّ‬
‫ِّابل َقوِّل الثَّابِّ ِّ‬
‫اَّلل الظَّالم َ‬
‫ني َويَف َعل‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫اَّلل َما يَ َشاء (‪ ) )01‬سورة إبراهيم اآلية‪01-02:‬‬ ‫َّ‬

‫الكلمة الطيبة اإلجيابية‪ -‬بنص القرآن الكرمي ‪ -‬أصلها اثبت وفرعها‬


‫يف السماء تويت أكلها كل حني إبذن رهبا‪ ،‬عمرها طويل‪ ،‬ومثرهتا‬
‫حلوة‪ ،‬ممتدة يف أعماق الفطرة‪ ،‬يهتز هلا القلب وتطرب هلا النفس‬
‫فتحرك اجلسم ابلنشاط واحليوية واللياقة‪ .‬وأما الكلمة اخلبيثة السلبية‬
‫فهي كشجرة خبيثة اجتثت من فوق األرض ما هلا من قرار‪ ،‬ال تصلح‬
‫أن تكون أساسا لبناء‪ ،‬وال مقرا لعمران‪ ،‬ألهنا توهن النفس وتضعف‬
‫القلب وهي سبب يف خور اهلمة ودانءة العزمية وضعف اإلرادة‪.‬‬

‫الكلمة الطيبة أداة بناء‪ ،‬ملن يؤمن هبا ‪ ،‬وملن ينثرها بني الناس مبشرا‬
‫وداعيا إىل اخلري‪ ،‬وسراجا منريا‪ .‬والكلمة اخلبيثة معول هدم‪ ،‬متأل‬
‫القلب ظالما مبا تنثره حوله من اليأس‪ ،‬وما تبثه فيه من معاين‬
‫الضحالة والقتامة‪.‬‬

‫**********‬
‫‪81‬‬

‫ويف السماء رزقكم ‪...‬‬


‫كلما مررت بقوله تعاىل (وِيف ال ه ِ‬
‫س َماء ِرْزقُ ُك ْم َوَما ت َ‬
‫وعدو َن )‪(22‬‬ ‫َ‬
‫نطقو َن )‪ )(23‬سورة‬ ‫َ َ َ‬ ‫الس َم ِّاء َواالَر ِّ‬
‫ض إِّنَّه َحل ٌّق ِّمثل ما أَنَّكم تَ ِّ‬ ‫ب َّ‬‫فَور ِّ‬
‫ََ‬
‫الذارايت اآلايت ‪ . 09 – 00‬أتذكر اجلهة الوحيدة اليت على العبد‬
‫أن يقصدها لطلب الرزق‪ ،‬ومن انحية أخرى أرى أن فيها إشارة إىل‬
‫أن على من يسعى يف الرزق أن يسري مرفوع الرأس انظرا إىل األعلى‬
‫كأنه ينظر إىل السماء يرجو وينتظر العطاء‪.‬‬

‫هر‬
‫ضع هذا املعىن إبزاء املعىن الوارد يف قوله تعاىل الذي مر بنا ( َو َسخ َ‬
‫مج ًيعا ِمْنهُ ) لتكتمل لك‬
‫ض َِ‬ ‫سماو ِ‬
‫ات َوَما ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫لَ ُك ْم َما ِيف ال ه َ َ‬
‫الصورة يف ذهنك وقلبك‪.‬‬

‫عزيزي القارئ أحب أن تفرغ قسطا كافيا من وقتك‪ ،‬وختصص قدرا‬


‫كبريا من ذكائك‪ ،‬ونصيبا كبريا من إرادتك كي تقف على أسرار‬
‫الوفرة اليت تزخر هبا احلياة‪ ،‬وتزخر هبا األرض‪ ،‬وأن تتأمل حقيقة هذه‬
‫الوفرة وكيف أهنا رهن إشارة الكائنات اليت جعل هللا تعاىل هلا من‬
‫األرض موطنا‪ ،‬وعلى رأسها اإلنسان‪.‬‬
‫‪82‬‬

‫**********‬

‫قصة مقالة الصياد ‪....‬‬

‫يروى أن صياداً كان السمك يعلق بصنارته بكثرة‪.‬‬


‫الصيادين‪.‬‬ ‫زمالئه‬ ‫بني‬ ‫حسد‬ ‫موضع‬ ‫وكان‬
‫وذات يوم استشاطوا منه غضباً عندما الحظوا أنه حيتفظ ابلسمكة‬
‫البحر‪.‬‬ ‫إىل‬ ‫الكبرية‬ ‫السمكة‬ ‫ويعيد‬ ‫الصغرية‬
‫عندها صرخوا يف وجهه ‪ :‬أيها األمحق ماذا تفعل؟ هل أنت جمنون؟‬
‫الكبرية؟‬ ‫السمكات‬ ‫ترمي‬ ‫ملاذا‬
‫صغرية"‬ ‫مقالة‬ ‫أملك‬ ‫"ألين‬ ‫أجاهبم ‪:‬‬ ‫أن‬ ‫وكان‬
‫ال أطلب منك عزيزي القارئ أن تصدق القصة‪ ،‬فهي هنا للعربة‬
‫فقط‪ .‬وهي تعرب عن كثري من الناس الذي يتخلون عن أحالمهم‬
‫مدعني أهنا أكرب منهم‪ ،‬وأن قدراهتم ال تتسع لتلك األحالم‪.‬‬

‫قد تكون أنت واحدا من هؤالء الذين طرق مسعهم يوما ما عبارات‬
‫مثل ‪ ( :‬استمر يف األحالم ‪ ....‬أنت مىت ستكف عن أحالمك‬
‫وتعتنق دين الواقع ‪ ...‬أنت أقل مما تعتقد وأحالمك تلك ال تناسبك‬
‫‪83‬‬

‫‪ ) ...‬ليس هذا فحسب فاألدهى من ذلك أن ترد مثل هذه األفكار‬


‫عليك من داخلك‪ ،‬فرتدد يف نفسك ‪ :‬شخص يف مثل وضعي ال حيق‬
‫له أن يتطلع إىل هذا األمر ‪ ...‬شاب مبثل مواصفايت ال يناسبه أن‬
‫حيلم أو يفكر كما حيلم ويفكر الكبار‪ ...‬فتاة مثلي ليس هلا احلق يف‬
‫أن حتلم أبكثر مما هي فيه ‪ ...‬فتاة يف أسرة مثل أسريت مع أب مثل‬
‫أيب وأم كأمي غري جديرة أبكثر مما حصلت عليه‪)...‬‬

‫هل حتتاج عزيزي القارئ أن أذكرك مبفاتيح التنمية الذاتية؟‬

‫طيب الأبس ‪ ...‬هيا بنا ‪...‬‬

‫املفتاح األول ‪ :‬اعتقادك أن مثة حياة أفضل من احلياة اليت تعيشها‬


‫أنت اآلن‪.‬‬

‫املفتاح الثاين ‪ :‬أن تعتقد أنك جدير هبذه احلياة األفضل‪.‬‬

‫املفتاح الثالث ‪ :‬أن تعتقد أن ابستطاعتك حتقيق هذه احلياة‬


‫األفضل‪.‬‬
‫‪84‬‬

‫سنذكر مثانية أبعاد أراها متثل اجملاالت اليت عليها اإلمجاع فيما أعتقد‪،‬‬
‫وهي كاآليت ‪:‬‬

‫**********‬

‫‪ )1‬البعد الروحي‬

‫الحظ عزيزي أن هذه املفاتيح تتيح لك التفكري والدخول إىل عامل‬


‫السعادة يف مجيع أبعاد احلياة وجماالهتا‪ .‬ابمتالكك هلذه املفاتيح‬
‫ميكنك أن تتقرب إىل هللا تعاىل أكثر‪ ،‬وحتبه وتعبده أكثر‪ ،‬ميكنك‬
‫الفوز مبزيد من رضاه‪ ،‬وتنال املزيد من قربه سبحانه وتعاىل‪ ،‬ألن‬
‫ذلك ممكن جدا‪ ،‬وأنت تستحقه وألنه سبحانه حيرضك على‬
‫ذلك ابستمرار ويريده منك دائما ويتيحه لك يف كل وقت وحني‪.‬‬

‫وهبم بِ ِذ ْك ِر هِ‬
‫اَّلل ۗ أ ََال‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬
‫آمنُوا َوتَط َْمئ ُّن قُلُ ُُ ْ‬
‫ين َ‬
‫اقرأ قول هللا تعاىل (الذ َ‬
‫احل ِ‬ ‫اَّلل تَطْمئِ ُّن الْ ُقلُوب (‪ )92‬اله ِذين آمنُوا و َع ِملُوا ال ه ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ات‬ ‫ص َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫بذ ْك ِر ه َ‬
‫آب (‪ ) )03‬من سورة الرعد‪ .‬وأتمل كيف‬ ‫وَب َهلُ ْم َو ُح ْس ُن َم ٍ‬
‫طُ َ َٰ‬
‫أن طمأنينة القلب ‪ -‬وهي عالمة السعادة وبرهاهنا – مرتبطة‬
‫‪85‬‬

‫بذكر هللا تعاىل‪ ،‬وهي مهمة يف متناول كل إنسان‪ ،‬وما على من‬
‫يريد االستزادة منها إال االستزادة من ذكر هللا عز وجل‪.‬‬

‫وحيث إن التقرب إىل هللا تعاىل‪ -‬وهو لب اإلهتمام ابلبعد‬


‫الروحي – يتم ابلفرض والنفل‪ ،‬ويتم بكل فعل يف مرضاة هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬وبكل قول يرضاه هللا عز وجل‪ ،‬وبكل شعور يعزز الرضا‬
‫ابهلل سبحانه‪ ،‬كان من أوىل أولوايت العبد أن يكون له أوقات‬
‫ومواسم وحمطات للتزود للسلوك والسري إىل هللا‪.‬‬

‫عن أيب هريرة رضي هللا عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول هللا صلي هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ( :‬إن هللا تعاىل قال ‪ :‬من عادى يل ولياً فقد آذنته ابحلرب‬
‫‪ ،‬وما تقرب إيل عبدي بشيء أحب إيل مما افُتضته عليه ‪ ،‬وال‬
‫يزال عبدي يتقرب إيل ابلنوافل حىت أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته كنت مسعه‬
‫الذي يسمع به ‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ‪ ،‬ويده اليت يبطش هبا‪،‬‬

‫ورجله اليت ميشي هبا ‪ ،‬ولئن سألين ألع طينه ‪ ،‬ولئن استعاذين‬
‫ألعيذنه ) ‪.‬‬
‫‪86‬‬

‫رواه البخاري‬

‫**********‬

‫‪ )9‬البعد العقلي‬

‫ض من هذا البعد ميكنك عزيزي القارئ أن تتعلم أكثر‪ ،‬ألن ذلك أمر‬
‫ممكن‪ ،‬وألنك تستحق أن تتعلم أكثر‪ ،‬فقط عليك أن تؤمن أن ذلك‬
‫ابستطاعتك‪ ،‬كما ميكنك إضافة رصيد جديد من املعارف واملهارات‬
‫إىل معارفك ومهاراتك‪ ،‬وتعزيز خرباتك خبربات جديدة من شأهنا أن‬
‫تفتح اجملال أمامك ألداء ما تقوم به بطريقة أفضل وكفاءة أكرب‪ ،‬أو‬
‫ألداء أعمال جديدة تتطلبها أحالمك اجلديدة‪.‬‬

‫أذكر مرة أن مرمي – وهي تلميذة – ملا كانت يف الثالثة إعدادي‪،‬‬


‫عزمت على الصعود إىل السبورة إلجناز مترين يف الرايضيات وكان‬
‫عبارة عن معادلة‪ ،‬وهي اليت مل يسبق هلا أن وقفت أمام السبورة‪.‬‬
‫شرعت يف اإلجناز‪ ،‬لكنها بعد مرحلتني توقفت ومل تعد تعرف كيف‬
‫تواصل‪ ،‬فارتبكت وزاد موقفها ارتباكا ملا بدأ بعض التالميذ ميلون‬
‫‪87‬‬

‫عليها مراحل احلل املتبقية‪ ،‬لكنها شعرت بضيق شديد‪ ،‬وأسرعت‬


‫عائدة إىل مكاهنا‪ .‬لكين مل أمهلها إال ثوان‪ ،‬مث طلبت منها النهوض‬
‫إىل السبورة إلمتام التمرين مشددا على بقية التالميذ أن يرتكوها تفكر‬
‫وحدها يف احلل مذكرا هلم أن مرمي عندما قررت أن تصعد إىل‬
‫السبورة‪ ،‬فقد قررت من تلقاء نفسها حمققة بذلك رغبة ذاتية يف حتقيق‬
‫إجناز خيصها هي وتريده أن يكون من توقيعها‪ .‬وفعال قامت إىل‬
‫السبورة ومكثت حلظة مث قالت والدموع يف عينيها ‪:‬‬

‫أستاذ لقد قمت مبا أعرف‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫رائع مرمي‪ ،‬هل ميكنك أن تعيدي ما قلت اآلن‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لقد قمت مبا أعرف‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫هل مسعتم ماذا قالت مرمي‪ ،‬قلت هذا موجها كالمي إىل‬ ‫‪-‬‬
‫تالميذ القسم‪ .‬مث قلت هلا عزيزيت مرمي أرجوك أعدي ما قلت‬
‫حىت يسمعك اجلميع‪.‬‬
‫‪ -‬لقد قمت مبا أعرف ‪ ...‬رددت مرمي وهي هذه املرة تبتسم‪.‬‬
‫‪ -‬الحظوا معي مجيعا وأنت أيضا اي مرمي لقد قلت " لقد قمت‬
‫مبا أعرف" واآلن لو سألتكم ‪ :‬مرمي تريد أن تقوم مبا هو أكرب‬
‫‪88‬‬

‫وأهم واصح‪ ،‬ماذا عليها أن تعمل بناء على قوهلا " قمت مبا‬
‫أعلم"‬
‫‪ -‬عليها أن تعلم أكثر حىت تقوم مبا هو أكرب وأصح‪.‬‬

‫من هذا املوقف استنبطنا قاعدة اتفقنا أن نعرب عنها كاآليت ‪:‬‬

‫أنت مستعد أن تقوم مبا تعرف ومبا تستطيع‪ ،‬وحىت تقوم مبا‬
‫هو أفضل عليك أن تتعرف على ما هو أفضل وتتدرب‬
‫عليه حىت تتقنه‪ ،‬وسوف تقوم به على الوجه األفضل‪.‬‬

‫*********‬

‫‪ )0‬البعد النفسي‬

‫البعد النفسي ونقصد به كل ما له عالقة بنظرتك إىل نفسك وشعورك‬


‫حنو ذاتك‪ ،‬وقدرتك على التعبري عن احتياجاتك مبا جيعلك فعاال يف‬
‫حتقيق ما ترنو إليه وتتطلع إىل حتقيقه‪ ،‬مبا حيقق حضورك يف احلياة‪،‬‬
‫ويقوي عزمك على مزيد من اإلجناز‪.‬‬
‫‪89‬‬

‫ال خيفى عليك عزيزي القارئ أن حالتك النفسية متثل شرطا حامسا يف‬
‫سعيك حنو النجاح‪ ،‬ووصولك إىل ما تريد‪ .‬بغري احلالة النفسية املتزنة‬
‫سيضطرب سريك‪ ،‬وستتعثر كثريا‪ ،‬ورمبا لن تصل‪.‬‬

‫واحلالة النفسية املتزنة نقصد هبا ما يلي ‪:‬‬

‫‪ ‬احرتامك لنفسك وتقديرك لذاتك مبا يضمن لك تعبريا عنها‬


‫جيلب لك احرتام اآلخرين وتقديرهم‪.‬‬
‫‪ ‬قدرتك على معرفة احتياجاتك املختلفة الروحية والنفسية‬
‫واالجتماعية ‪ ...‬وغريها‪ ،‬والتعبري عنها مبا ال يتعارض مع حق‬
‫اآلخرين يف نفس اإلحتياجات‪ ،‬بل والتعاون معهم لتلبية‬
‫احتياجاهتم مجيعا‪.‬‬
‫‪ ‬قدرتك على إدارة مشاعرك بفعالية‪ ،‬والتحكم يف انفعاالتك‬
‫حبسب األشخاص واملواقف واألحداث مبا حيقق التوافق‬
‫والسعادة والرضا‪.‬‬

‫**********‬
‫‪90‬‬

‫‪ )4‬البعد اجلسدي‬

‫ضمن هذا البعد حتتل الصحة البدنية حيزا كبريا‪ ،‬فاجلسد هو آلتك‬
‫ومركبتك لبلوغ أهدافك‪ .‬بغري جسد سليم‪ ،‬ينال نصيبه من الغذاء‬
‫الصحي‪ ،‬وأيخذ حظه من العناية والراحة‪ ،‬ومعاىف من األمراض‬
‫واألوبئة ال ميكن حتقيق أي جناح‪ .‬بل إن من أهم مظاهر النجاح‪،‬‬
‫احلفاظ على جسمك يف حالة صحية مثالية قدر اإلمكان‪.‬‬

‫وعلى صعيد التعبري فإن جسدك عزيزي القارئ أداة تعرب عن كثري من‬
‫مالمح شخصيتك‪ ،‬ويفصح ال إراداي عما ال تريد اإلفصاح عنه‪ ،‬أو‬
‫يعرب مبا ال يعرب عنه اللسان أحياان‪.‬‬

‫ومن مثة فلغة اجلسد مما ينبغي لك اإلطالع عليه‪ ،‬واإلحاطة ببعض‬
‫جزئياته حىت يتسىن لك ما يلي ‪:‬‬

‫أوال أن تفهم جسدك وتعرف كيف تتواصل معه‪ .‬إىل وقت قريب كان‬
‫الشخص إ ذا أراد أن خيلو بنفسه لبعض الوقت يعرب عن ذلك بقوله (‬
‫ال أريد شيئا غري اإلنصات إىل عظامي ) واليوم نعرب عن ذلك‬
‫‪91‬‬

‫ابالسرتخاء وهو حالة تسمح ابلتواصل مع الذات عموما‪ ،‬ومع‬


‫الالشعور حتديدا‪.‬‬

‫اإلنصات إىل العظام‪ ،‬كانت كناية عن اإلنصات إىل كل أعضاء‬


‫اجلسم‪ ،‬وعموما اإلنصات إىل الذات جبميع مكوانهتا‪ .‬األمر يوحي‬
‫أبن للعظام‪ -‬وابلتايل للجسم‪ -‬لغة خاصة حتتاج حىت نسمعها‬
‫ونفهمها إىل حالة من االسرتخاء بعيدا عن ضوضاء احلياة اليومية‬
‫وصخبها‪.‬‬

‫واإلنصات إىل الذات هدفه التعرف على احتياجاهتا األساسية‪،‬‬


‫والبحث عما حيقق هلا الرضا والسعي يف اإلرتقاء هبا مبا يبعث فيها‬
‫النشاط‪ ،‬وحيركها حنو معايل األمور اليت تزكو هبا النفس طاعة هلل‬
‫تعاىل‪ ،‬ويطمئن هبا القلب حىت ينطلق حرا من اخلوف والرتدد والقلق‬
‫وهي املشاعر اليت تشل حركة اإلنسان يف احلياة‪ ،‬ومتأل حياته ابلسلبية‬
‫القاتلة‪.‬‬
‫‪92‬‬

‫عزيزي القارئ ال تنس أن مثة حياة جلسدك أفضل وأغىن وأكثر اتزاان‬
‫مما هو عليه احلال اآلن‪ .‬تذكر أنك جدير جبسد معاىف متاما ونظيف‬
‫وقوي وأكثر نشاط‪ ،‬وتذكر أن يف استطاعتك احلصول على ذلك‪.‬‬

‫**********‬

‫‪ )5‬البعد األسري‬

‫األسرة هي البيئة األوىل اليت نتلقى فيها أوىل معتقداتنا وقيمنا‬


‫وسلوكنا‪ ،‬وفيها نتلقى املشاعر األوىل وفيها نعلن عن بوادر انفعاالتنا‪.‬‬
‫يف األس رة وبني أحضان األبوين تتشكل إرهاصات ذواتنا ومسات‬
‫شخصياتنا‪ .‬منها أنخذ أوىل دروسنا يف احلياة اليت ستشكل طريقتنا‬
‫وأسلوبنا يف التعامل مع مستجدات األايم وتطورات السنني‪ ،‬وأمزجة‬
‫الناس املختلفة‪.‬‬

‫احلياة األسرية بناء يساهم يف تشييده الزوجان‪ ،‬ومها من يضع اللبنات‬


‫األوىل لألسرة السعيدة‪ .‬لذا فهما من يقع على عاتقهما عبء إقامة‬
‫صرح احلياة الزوجية اآلمنة املطمئنة‪.‬‬
‫‪93‬‬

‫اللغة اليت ستربمج عقل الطفل على السلبية أو اإلجيابية‪ ،‬على القيد أو‬
‫احلرية‪ ،‬على الالمباالة أو املسؤولية‪ ،‬على املبادرة أو الرتدد‪ ،‬على‬
‫الشجاعة أو اخلوف‪ ،‬على اإلستهتار أو اإلحرتام‪ ..... ،‬هذه اللغة‬
‫يتحكم فيها األبوان‪ ،‬وخيتارها األبوان‪ ،‬ويستعملها األبوان‪ ،‬وابلتايل‬
‫فهما السؤوالن قبل غريمها على مآل حالة الطفل عموما والراشد بعد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫**********‬

‫‪ )2‬البعد اإلجتماعي‬

‫إن إلقاء نظرة سريعة على حياة أي شخص تربز لك أن التواصل مع‬
‫اآلخرين حيتل مساحة كبرية من نشاطه اليومي‪ ،‬وابلتايل فإن‬
‫األشخاص الناجحني حيققون ما حيققون من إجنازات ومنها الشعور‬
‫ابلرضا والسعادة مبعثه قدرة هؤالء األشخاص على التواصل‬
‫اإلجتماعي الذي من خالله يتقدمون يف مناحي احلياة‪ ،‬ويسجلون‬
‫إجنازاهتم وحيققون درجات متقدمة يف سلم السعادة‪.‬‬
‫‪94‬‬

‫أجرت مؤسسة ديل كارنيجي دراسة عن أمهية التواصل يف حتقيق‬


‫النجاح الشخصي واملهين وانتهت هذه الدراسة إىل أن التواصل‬
‫االجتماعي والقدرة على حتقيق األلفة متثل ‪ 85%‬من النجاح‪ ،‬بينما‬
‫ال متثل الكفاءة املهنية والتخصص إال ‪ 15%‬من النجاح ‪:‬‬
‫أأمهية التواصل وحتقيق ا أللفة يف النجاح‬

‫‪15%‬‬
‫القدرة على التواصل الفعال‬
‫التخصص والكفاءة المهنية‬
‫‪85%‬‬

‫واضح أن الرسالة وصلت‪ ،‬ومفادها أن الشخص الناجح كما يراهن‬


‫على ختصصه وإتقان جمال عمله يف حتقيق النجاح‪ ،‬عليه أن يراهن‬
‫أضعاف ذلك على إتقان مهارات التواصل‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫عزيزي القارئ هل ذكرتك هذه املعلومات عن أمهية التواصل‪ ،‬مبا قرأته‬


‫وتقرأه من كتاب ربنا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وما مسعته من توجيهات حبيبنا‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف أحاديثه الكثرية؟‬

‫ما رأيك أن نقف عند بعضها‪ ،‬يف حلظة تدبر وأتمل حىت جنعل من‬
‫هذه اللحظة اليت تستأنس فيها بكالمي‪ ،‬وأستأنس مبجالستك‪ ،‬ساعة‬
‫عبادة‪ ،‬بفكر حر ينطلق وراء العادات والتقاليد حبثا عن روح احلياة‬
‫ومجال التواصل اإلنساين؟‬

‫**********‬

‫‪ )0‬من القرآن الكرمي‬

‫‪ ‬قال تعاىل ‪َ ( :‬اي أَيُّ َها النَّاس إِّ َّان َخلَقنَاكم ِّمن ذَ َك ٍّر َوأنثَ ٰى‬
‫ند اللَّ ِّه أَت َقاكم‬ ‫ِّ‬
‫واب َوقَبَائِّ َل لتَ َع َارفوا ۗ إِّ َّن أَكَرَمكم ِّع َ‬
‫َو َج َعلنَاكم شع ً‬
‫يم َخبِّريٌ ) سورة احلجرات اآلية ‪....‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ۗ إ َّن اللَّ هَ َعل ٌ‬
‫َّاس حسناً﴾ سورة البقرة اآلية ‪19‬‬ ‫﴿وقولوا لِّلن ِّ‬ ‫‪ ‬قوله تعاىل ‪َ :‬‬
‫‪96‬‬

‫(وقل لِّعِّبَ ِّادي يَقولوا الَِّّيت ِّه َي أَح َسن) من سورة‬ ‫‪ ‬قوله تعاىل َ‬
‫اإلسراء اآلية ‪. 59‬‬
‫ظ‬‫ت فَظًّا َغلِّي َ‬ ‫ت َهلم َولَو كن َ‬
‫‪ ‬قوله تعاىل (فَبِّما رمح ٍّة ِّمن َِّّ ِّ‬
‫اَّلل لن َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ك فَاعف َعن هم َواستَ غ ِّفر َهلم َو َش ِّاورهم‬ ‫ِّ‬
‫ضوا ِّمن َحول َ‬ ‫ال َقل ِّ‬
‫ب َالن َف ُّ‬
‫ني”)‬ ‫ِِّّ‬ ‫اَّللَ ِّحي ُّ‬ ‫ِّيف األَم ِّر فَِّإ َذا عزمت فَت وَّكل علَى َِّّ‬
‫اَّلل إِّ َّن َّ‬
‫ب المتَ َوكل َ‬ ‫ََ َ َ َ َ‬
‫آل عمران‪051 :‬‬

‫أترك لك الفرصة لتدبر املعاين العميقة هلذه اآلايت وما ينبثق عنها من‬
‫مفاهيم وقيم واسرتاتيجيات ميكنك تبنيها يف حياتك كي حتقق أقصى‬
‫درجات التواصل‪ ،‬وتنعم أبوفر نصيب من التوافق‪ ،‬وتنال حظك‬
‫الكبري من السعادة‪ ،‬وتسعى ابلتايل لتحقيق أفضل النتائج يف جماالت‬
‫عملك ونشاطك وتنال أعظم األجر‪.‬‬

‫**********‬

‫‪ )0‬من السنة النبوية‬


‫‪97‬‬

‫اء إِّ َىل النِّ ِّ‬ ‫ص ٍّ‬ ‫ِّ‬


‫َّب‬ ‫َن َرجالً َج َ‬ ‫ني رضي هللا عنه ‪ ،‬أ َّ‬ ‫‪َ ‬عن عمَرا َن ب ِّن ح َ‬
‫َّب صلى‬ ‫السالَم َعلَيكم ‪ ،‬قَ َال النِّ ُّ‬‫صلى هللا عليه وسلم فَ َق َال ‪َّ :‬‬
‫السالَم َعلَيكم‬ ‫آخر فَ َق َال ‪َّ :‬‬ ‫اء َ‬
‫هللا عليه وسلم ‪َ " :‬عشٌر " ‪ ،‬مثَّ َج َ‬
‫َّب صلى هللا عليه وسلم ‪ِّ " :‬عشرو َن " ‪ ،‬مثَّ‬ ‫ورمحة َِّّ‬
‫اَّلل ‪ ،‬فَ َق َال النِّ ُّ‬ ‫ََ َ‬
‫السالَم علَيكم ورمحة َِّّ‬
‫اَّلل َوبََرَكاته ‪ ،‬فَ َق َال النِّ ُّ‬
‫َّب‬ ‫ََ َ‬ ‫آخر فَ َق َال ‪َ َّ :‬‬ ‫اء َ‬ ‫َج َ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ثَالَثو َن " و رواه الرتمذي وقَ َال ‪َ :‬ه َذا‬
‫يح‬ ‫يث حسن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫صح ٌ‬ ‫َحد ٌ َ َ ٌ َ‬
‫‪ ‬عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما أن َرجالً سأل‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم خريٌ ؟ قال ‪" :‬‬ ‫أي‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم قال ‪ُّ :‬‬
‫عرف " و‬‫ومن مل تَ ِّ‬
‫ت َ‬ ‫السالم على َمن َعَرف َ‬
‫َ‬ ‫الطعام ‪ ،‬وتَقَرأ‬
‫َ‬ ‫تطعِّم‬
‫أخرجه البخاري ومسلم‬
‫‪ ‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت للنيب صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال ( لقد لقيت من‬
‫قومك ما لقيت ‪ ،‬وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ‪ ،‬إذ‬
‫عرضت نفسي على ابن عبد ايليل بن عبد كالل ‪ ،‬فلم جيبين‬
‫إىل ما أردت ‪ ،‬فانطلقت وأان مهموم على وجهي ‪ ،‬فلم أستفق‬
‫‪98‬‬

‫إال وأان بقرن الثعالب ‪ ،‬فرفعت رأسي ‪ ،‬فإذا أان بسحابة قد‬
‫أظلتين ‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جربيل ‪ ،‬فناداين فقال ‪ :‬إن هللا قد‬
‫مسع قول قومك لك ‪ ،‬وما ردوا عليك ‪ ،‬وقد بعث هللا إليك‬
‫ملك اجلبال ‪ ،‬لتأمره مبا شئت فيهم ‪ ،‬فناداين ملك اجلبال ‪،‬‬
‫فسلم علي ‪ ،‬مث قال ‪ :‬اي حممد ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذلك فيما شئت ‪ ،‬إن‬
‫شئت أن أطبق عليهم األخشبني ؟ فقال النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ :‬بل أرجو أن خيرج هللا من أصالهبم من يعبد هللا وحده ‪،‬‬
‫ال يشرك به شيئاً ) رواه البخاري‪.‬‬

‫أتركك عزيزي القارئ تتأمل هذه النصوص لرتى الصورة الرائعة اليت‬
‫يرمسها للتواصل الناجح‪ ،‬ولألمهية اليت حيظى هبا التواصل يف حياتنا‪.‬‬

‫**********‬

‫‪ )2‬البعد املهين‬

‫ال خيفى عليك عزيزي القارئ حجم الزمن الذي تستهله املهنة من‬
‫حياتنا‪ .‬فإذا اعتربان معدل ما يقضيه الشخص النشيط يف عمله مثان‬
‫‪99‬‬

‫ساعات‪ ،‬فهذا ميثل ثلث اليوم‪ ،‬وابلتايل فثلث العمر يقضيه الواحد‬
‫منا يف عمله أو مهنته أو وظيفته‪ ،‬أو متجره‪ ،‬وهي نسبة كبرية جدا‬
‫تضعنا أمام عظمة مسؤوليتنا عن أوقات مهنتنا‪.‬‬

‫حنن يف هذا الكتاب معنيون أكثر بتحقيق النجاح يف حياتنا املهنية‪،‬‬


‫اليت تستحوذ على ثلث أوقاتنا‪ ،‬ومن مثة فاحلديث عن السعادة ال‬
‫ميكن أن يكون ذي قيمة ما أنخذ يف اإلعتبار تلك الفرتة الزمنية‬
‫املهمة اليت نقضيها مع الزمالء‪ ،‬أو الزبناء‪ ،‬وكما عربان وأكدان وأحلحنا‬
‫على قدرتك عزيزي القارئ على حتقيق السعادة يف كل اجملاالت‬
‫السابقة وحاولنا بسط احلديث عن أبعاد احلياة السعيدة الثمانية‪ ،‬فإننا‬
‫نرى ضرورة أن يكون من بني أهدافك حتقيق السعادة املهنية ألن‬
‫السعادة ال تتجزأ‪ ،‬وألن النجاح كما مر بنا سالفا يتوقف على مدى‬
‫إتقاننا ملهارات التواصل الفعال‪.‬‬

‫تذكر جيدا احلقيقة الكونية الكبرية اليت عنوان هبا هذه احملطة على‬
‫الطريق حنو النجاح والسعادة (كال مند) نعم هكذا خياطبك احلق‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬فأنت ممن ميدهم هللا تعاىل ‪ ،‬وأنت ممن عليهم‬
‫‪100‬‬

‫التعرض للوعد الرابين (من ع ِّمل ص ِّ‬


‫احلًا ِّمن ذَ َك ٍّر أَو أن ثَ ٰى َوه َو مؤِّم ٌن‬ ‫َ َ َ َ‬
‫فَلَنحيِّيَ نَّه َحيَاةً طَيِّبَةً ۗ َولَنَج ِّزيَنَّهم أَجَرهم ِّأبَح َس ِّن َما َكانوا يَع َملو َن)‬
‫من سورة النحل اآلية ‪ ،12‬حىت تنال نصيبك من احلياة الطيبة‬
‫السعيدة‪.‬‬

‫**********‬

‫‪ )1‬البعد املايل‬

‫املال عصب احلياة‪ ،‬وهو أحد أكثر احملفزات على العمل والسعي على‬
‫األرض‪ .‬لكنه ال ميكن أن يصنع السعادة ملن ميلكه إذا فقد التوازن‬
‫بني نواحي احلياة الروحية واملادية‪ .‬لذلك كان سببا من أسباب‬
‫السعادة مبا يوفره لصاحبه من الشعور ابألمن‪ ،‬لكنه أيضا يعد من‬
‫أكرب أسباب األمل عندما يتحل النفس اجلشع والبخل واألثرة‪.‬‬

‫عزيزي القارئ أدعوك لنفكر سواي يف قول هللا تعاىل من سورة الكهف‬
‫(المال والب نو َن ِّزينة احلياةِّ الدُّن يا ۗ والباقِّيات َّ ِّ‬
‫الصاحلَات َخريٌ ِّع َ‬
‫ند‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ََ‬
‫َربِّ َ‬
‫ك ثَ َو ًااب َو َخريٌ أ ََم ًال) اآلية ‪ . 42‬ملاذا اقرتان املال والبنني كي يشكال‬
‫‪101‬‬

‫معا زينة احلياة الدنيا‪ .‬رمبا تعرفت يف احلياة من خالل خربتك على‬
‫زوجني ثريني من جهة املال لكنهما يعيشان بدون أبناء‪ ،‬ولعلك‬
‫مسعت بسعيهما بني األطباء على مدار سنوات طويلة من أجل تيسري‬
‫اإلجناب هلما بدون جدوى‪ .‬والشك أنك رأيت الكثري ممن رزقوا‬
‫ابألبناء لكن قطار السعادة مل مير بدارمها‪.‬‬

‫فا ملال ليس مطلواب لذاته‪ ،‬هو فقط وسيلة حلياة أفضل‪ ،‬وليس أفضل‬
‫من حياة األسرة يزينها األبناء‪ .‬ومن مثة نفهم حاجتنا الدائمة عزيزي‬
‫القارئ ملواكبة أطوار احلياة املختلفة وفق قيم اثبتة ثبات نظام الكون‬
‫من حولنا‪.‬‬

‫املال يتطور‪ ،‬ويف كل عصر أيخذ شكال خمتلفا عما كان عليه يف‬
‫السابق‪ ،‬وسبل حتصيله تتطور أيضا مبا يتناسب مع شكل احلياة‬
‫وحتدايهتا وتطور حاجيات اإلنسان واختالفها‪ .‬لكن القيم اليت حتكم‬
‫التعامل ابملال حتصيال وإنفاقا وتوظيفا ال تتغري وال تتبدل‪.‬‬

‫******‬
‫‪102‬‬

‫حقيقة اثبتة‬

‫تلك اليت تقول أن املال واألبناء من أعظم زينة احلياة ‪:‬‬

‫المال‬

‫والبنون‬

‫زينة الحياة الدنيا‬

‫لكن احلياة الطيبة هلا معادلتها اليت أتخذ العمل الصاحل يف اإلعتبار ‪:‬‬
‫(من ع ِّمل ص ِّ‬
‫احلًا ِّمن ذَ َك ٍّر أَو أن ثَ ٰى َوه َو مؤِّم ٌن فَلَنحيِّيَ نَّه َحيَاةً طَيِّبَةً ۗ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َولَنَج ِّزيَنَّهم أَجَرهم ِّأبَح َس ِّن َما َكانوا يَع َملو َن) اآلية ‪ 12‬من سورة‬
‫النحل‬
‫‪103‬‬

‫فَل َ ُن ْح ِييَن َّ ُه َح َياة‬ ‫َم ْن َ َِع َل َصا ِلحا‬


‫َط ِي َبة َولَنَ ْج ِزيََّنَّ ُ ْم‬ ‫َوه َُو مُؤْ ِم ٌن‬ ‫ِم ْن َذكَر أَ ْو‬
‫أَ ْج َر ُ ُْه ِبأَ ْح َس ِن َما‬ ‫أُن َ َْٰث‬
‫ون‬ ‫ََكنُوا ي َ ْع َملُ َ‬

‫هذه عزيزي القارئ هي معادلة احلياة الطيبة‪ ،‬اليت تقوم على أساس‬
‫اإلميان مقروان ابلعمل الصاحل‪ ،‬هي احلياة اليت تسودها القيم الرابنية‬
‫اخلالدة‪ .‬وهي ليست كاحلياة اليت وصفها هللا تعاىل بقوله ( ِّزينة احلياةِّ‬
‫َ ََ‬
‫الدُّن يَا ) اليت يشرتك ويتساوى فيها املومن والكافر‪ ،‬والعاصي واملطيع‪،‬‬
‫والرب والفاجر‪.‬‬

‫ما الذي جيعل احلياة طيبة إذن عزيزي القارئ؟‬

‫إنه اإلميان الباعث على العمل الصاحل‪.‬‬

‫واآلن هل ميكنك الربط بني ما وصلنا إليه اآلن وبني أول رحلتنا يف‬
‫هذا الكتاب؟‬
‫‪104‬‬

‫ميكنك الرجوع إىل الكتب اليت تتحدث عن الذكاء املايل‪ ،‬وكيف‬


‫تكسب املال وتنمي الثروة‪ ،‬ال حرج عليك وال مانع من ذلك‪ ،‬فقط‬
‫اجعل احلياة الطيبة مبتغاك ومقصدك أبن يكون املال خادما لك ال‬
‫سيدا عليك‪ ،‬فإنه نعم اخلادم وبئس السيد‪.‬‬

‫مترين املرحلة‬

‫بينما كنت كثريا ما تركز على ما ال متلك‪ ،‬ما رأيك أن تكتب الئحة‬
‫أبروع األشياء اليت متلها بينما حرم منها الكثريون‪ ،‬وهي نعم غفلت‬
‫عنها ردحا من الدهر‪ ،‬أكتب أكثر ما ميكنك ذكره من هذه النعم‪،‬‬
‫ويف كل مرة أشكر هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪105‬‬

‫احملطة الرابعة ‪ :‬سامح ‪ ...‬سامح‪...‬‬

‫ول َِّّ‬
‫اَّلل‬ ‫ك رضي هللا عنه قَ َال ‪ :‬كنَّا جلوسا مع رس ِّ‬ ‫عن أنس بن مالِّ ٍّ‬
‫ً ََ َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َعلَي ِّه َو َسلَّ َم فَ َق َال ‪ ( :‬يَطلع َعلَيكم اآل َن َرج ٌل ِّمن أَه ِّل اجلَن َِّّة‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َ‬
‫ص ِّار تَن ِّطف ِّحليَ ته ِّمن وضوئِِّّه قَد تَ َعلَّ َق نَعلَي ِّه ِّيف‬ ‫ِّ‬
‫) فَطَلَ َع َرج ٌل من األَن َ‬
‫اَّلل َعلَي ِّه َو َسلَّ َم ِّمث َل‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫صلَّى َّ‬ ‫َّيب َ‬ ‫يَده الش َم ِّال ‪ ،‬فَلَ َّما َكا َن الغَد قَ َال النِّ ُّ‬
‫وىل ‪ ،‬فَلَ َّما َكا َن اليَ وم الثَّالِّث‬ ‫الرجل ِّمث َل ال َمَّرةِّ األ َ‬
‫ك َّ‬ ‫ِّ‬
‫ك ‪ ،‬فَطَلَ َع َذل َ‬
‫ِّ‬
‫َذل َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫قَ َال النَِّّيب صلَّى َّ ِّ‬
‫الرجل‬ ‫ك َّ‬ ‫ضا فَطَلَ َع َذل َ‬ ‫اَّلل َعلَيه َو َسلَّ َم مث َل َم َقالَته أَي ً‬ ‫ُّ َ‬
‫‪106‬‬

‫اَّلل َعلَي ِّه َو َسلَّ َم تَبِّ َعه َعبد‬‫صلَّى َّ‬ ‫َّيب َ‬ ‫وىل ‪ ،‬فَلَ َّما قَ َام النِّ ُّ‬‫َعلَى ِّمث ِّل َحالِِّّه األ َ‬
‫اص فَ َق َال ‪ :‬إِِّّين َال َحيت أَِّيب فَأَق َسمت أَن َال‬ ‫اَّللِّ بن َعم ِّرو ب ِّن ال َع ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫ت أَن ت ؤِّويَِّين إِّلَي َ‬ ‫ِّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ك َح َّىت َمتض َي فَ َعل َ‬ ‫أَدخ َل َعلَيه ثََال ًاث ‪ ،‬فَِّإن َرأَي َ‬
‫قَ َال نَعم قَ َال أَنَس ‪ :‬وَكا َن عبد َِّّ ِّ‬
‫ك اللَّيَ ِّايل‬ ‫ت َم َعه تِّل َ‬ ‫اَّلل حيَدث أَنَّه َاب َ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ َّ‬
‫ب َعلَى‬ ‫ث فَلَم يََره يَقوم من اللي ِّل َشي ئًا ‪َ ،‬غ َري أَنَّه إ َذا تَ َع َّار َوتَ َقل َ‬ ‫الث ََّال َ‬
‫اَّلل عَّز وج َّل وَك َّرب ح َّىت ي قوم لِّص َالةِّ ال َفج ِّر ‪ .‬قَ َال عبد َِّّ‬
‫اَّلل‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫فَراشه ذَ َكَر ََّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ضت الث ََّالث لَيَ ٍّال َوكِّدت‬ ‫‪َ :‬غ َري أَِّين َمل أَمسَعه يَقول إَِّّال َخ ًريا ‪ .‬فَلَ َّما َم َ‬
‫أَن أَحت ِّقر عملَه ق لت ‪ :‬اي عبد َِّّ‬
‫ب‬ ‫ضٌ‬ ‫ني أَِّيب َغ َ‬ ‫اَّلل إِِّّين َمل يَكن بَي ِّين َوبَ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ ََ‬
‫ول َِّّ‬
‫ك‬ ‫اَّلل َعلَي ِّه َو َسلَّ َم يَقول لَ َ‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫َوَال َهجٌر َمثَّ ‪َ ،‬ولَ ِّكن َِّمسعت َرس َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ثََال َ ِّ‬
‫ت‬ ‫ت أَن َ‬ ‫ث مَر ٍّار ‪( :‬يَطلع َعلَيكم اآل َن َرج ٌل من أَه ِّل اجلَنَّة ) فَطَلَع َ‬
‫ي بِِّّه ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫آوي إِّلَي ِّ‬
‫ك فَأَق تَد َ‬ ‫ك ألَنظَر َما َع َمل َ‬ ‫ث ِّمَر ٍّار ‪ ،‬فَأ ََردت أَن ِّ َ َ‬ ‫الث ََّال َ‬
‫فَلَم أَرَك تَعمل َكثِّري عم ٍّل ‪ ،‬فَما الَّ ِّذي ب لَغ بِّك ما قَ َال رسول َِّّ‬
‫اَّلل‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫صلَّى َّ ِّ‬
‫ت ‪ ،‬قَ َال ‪ :‬فَلَ َّما َولَّيت‬ ‫اَّلل َعلَيه َو َسلَّ َم ؟ فَ َق َال َما ه َو إَِّّال َما َرأَي َ‬ ‫َ‬
‫َح ٍّد‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ت ؛ َغ َري أَِّين َال أَجد ِّيف نَفسي أل َ‬ ‫َد َع ِّاين فَ َق َال ‪َ :‬ما ه َو إَِّّال َما َرأَي َ‬
‫‪107‬‬

‫اَّلل إِّ َّايه ‪ .‬فَ َق َال‬


‫َح ًدا َعلَى َخ ٍّري أَعطَاه َّ‬ ‫ِّمن المسلِّ ِّم ِّ‬
‫ني غشًّا َوَال أَحسد أ َ‬ ‫َ‬
‫ك ‪َ ،‬وِّه َي الَِّّيت َال ن ِّطيق‪ .‬احلديث‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اَّلل ‪َ :‬هذه الَِّّيت بَلَغَت بِّ َ‬
‫عبد َِّّ‬
‫َ‬
‫صححة األلباين رمحة هللا تعاىل‪.‬‬

‫عزيزي القارئ هل تعرف ما هو مثن اجلنة؟‬

‫إنه احلرية‪.....‬نعم لن يدخل اجلنة إال األحرار‪.‬‬

‫هل تدري من هم األحرار؟ ومن هو الشخص احلر؟‬

‫ال خنتلف أن اجلنة جعلها هللا تعاىل ملن أخلص له العبودية‪ ،‬وال خيفى‬
‫عليك عزيزي أن إخالص العبودية هلل تعاىل مقتضاه التحرر من كل ما‬
‫سوى هللا تعاىل من فكر‪ ،‬أو شعور أو سلوك أو أشخاص‪ ،‬أو أماكن‬
‫أو أزمان‪.‬‬

‫إن الرجل يف القصة اليت بدأان هبا رحلتنا هذه حترر متاما من كل‬
‫املشاعر السلبية‪ ،‬وهذا يقتضي أنه ال يفكر يف اإلنتقام‪ ،‬وال جيرت‬
‫‪108‬‬

‫األفكار واملشاعر السلبية حىت تعطل طاقته وقدرته على العمل‬


‫والسعي‪.‬‬

‫واآلن دعين أسألك عزيزي هذا األسئلة ‪:‬‬

‫هل تتذكر شخصا أساء إليك يف يوم من األايم؟‬

‫هل مازلت جتد عليه رغم مرور زمن على تلك اإلساءة؟‬

‫هل تشعر أن ابستطاعتك أن تساحمه وتفو عنه؟‬

‫حريتك عزيزي القارئ وحنن يف آخر حمطة من رحلتنا‪ ،‬على قدر‬


‫شجاعتك يف التخلص من كل تلك املشاعر السلبية اليت تراكمت عرب‬
‫األايم ورمبا الشهور والسنوات بسبب حادث أو موقف من صدر من‬
‫شخص‪ .‬ضع يف حسابك أنك طاملا ال تستطيع التحرر من تلك‬
‫املشاعر السلبية فأنت أشبه ابملعتقل الذي ال يستطيع اإلستمتاع‬
‫حبريته ومزالة حياته الطليقة‪.‬‬
‫‪109‬‬

‫نعم أستطيع هو شعاران خالل هذه الرحلة‪ ،‬وابلتايل عليك من اآلن‬


‫أن تقرر حقيقة كبرية تؤسس هبا حلياة جديدة‪ ،‬تقول احلقيقة أنك‬
‫أقوى من كل شعور سليب‪ ،‬وقدرتك على التحرر من األفكار السلبية‪،‬‬
‫واملشاعر السلبية والسلوكيات السلبية هو سبيلك إىل اإلنعتاق واحلرية‬
‫واإلستقالل‪.‬‬
‫التحرر من‬
‫ا ألفاكر‬
‫السلبية‬

‫احلرية‬
‫التحرر من‬ ‫التحرر من‬
‫السلوكيات‬ ‫املشاعر‬
‫السلبية‬ ‫السلبية‬

‫دائرة احلرية كما أتصورها‬


‫‪110‬‬

‫وهنا جيدر بك عزيزي القارئ أن تنتبه إىل اإلعتقاد اخلاطئ عند‬


‫الكثريين مفاده أنك عندما تسامح شخصا فإنك تؤدي خدمة هلذا‬
‫الشخص وكأنك تنازلت له عن حق من حقوقك وهو اإلنتقام أو ما‬
‫شابه‪ .‬ينسى الكثريون أن التسامح والعفو هي أمجل خدمة ميكن أن‬
‫يقدمها الشخص لنفسه أوال وأخريا‪ ،‬وأن املستفيد احلقيقي من عملية‬
‫التسامح هذه هو الشخص املتسامح‪.‬‬

‫ال خيفى عليك عزيزي القارئ أن الغضب واحلقد والكراهية والرغبة يف‬
‫اإلنتقام‪ ،‬كلها مشاعر سلبية‪ ،‬تلحق ضررا ابلغا بصحتنا وتؤثر على‬
‫فاعليتنا ومحاسنا‪ ،‬ميكنك بسهولة التأكد من ذلك كله بتجارب‬
‫بسيطة للغاية‪.‬‬

‫ردد مثال كلمة غضب مرات ومرات والحظ شعورك كيف يتأثر‪ ،‬وال‬
‫أظنك جنوت من كلمات جارحة يف حقك‪ ،‬تذكر كيف تلقيتها‪،‬‬
‫وكيف سببت لك أملا‪ ،‬رمبا استمر ألايم‪ .‬أما إذا كنت ممن ال تؤثر‬
‫‪111‬‬

‫فيهم الكلمات والعبارات السيئة يف حقهم فأنت جدير أبن أقدم لك‬
‫التهنئة‪.‬‬

‫وأظنك مر بك أشخاص يف حياتك كانت عبارة جارحة يف حقهم‬


‫سببا لردود أفعال قوية وعنيفة جلبت هلم الندم واحلسرة‪ ،‬مبا خلفته من‬
‫شجارات أحياان وتبادل للشتائم والسباب أبقذع األلفاظ والعبارات‬
‫فضال عن األضرار اليت تلحق ابجلهاز العصيب والصحة عموما‪.‬‬

‫لذلك نقول ونؤكد أن كظم الغيظ تعود فائدته على كاظم الغيظ ال‬
‫على التسبب فيه ابتداء‪ .‬وهذه حقيقة حني ندركها توفر علينا الكثري‬
‫من املتاعب‪ ،‬وحتفظ صحتنا وتنأى بعالقاتنا عن الثارات واألحقاد‬
‫والضغائن‪.‬‬

‫**********‬

‫املشاعر السلبية تضعف اهلمة وحتد من الفاعلية‬


‫‪112‬‬

‫يف كتابه "اكسر قيوك" يتحدث د فاريل سيلفربريج عن منط التفكري‬


‫السليب‪ ،‬ويف صفحة ‪ 00‬يعرف النمط أبنه ( سلسلة من اخلطوات‬
‫النشطة اليت نتبعها بنفس الطريقة وبنفس الرتتيب طوال الوقت)‬

‫عزيزي القارئ إن خطورة املشاعر السلبية أكرب من خطورة األفكار‬


‫السلبية‪ ،‬فالفكرة السلبية قد تراودك مث تذهب وختتفي‪ ،‬لكنها إذا‬
‫وجدت مشاعر سلبية فإن هذه األخرية تقوم ابحتضاهنا متاما كما‬
‫حتتضن الرتبة البذرة‪ ،‬فتنمو وترتعرع وتتوغل يف أعماق النفس حىت‬
‫تغدو موجهة للسلوك وابعثة على ردود األفعال املختلفة‪ .‬أي أهنا‬
‫حينئذ تتحول إىل منط يف التفكري‪ ،‬وابلتايل ستأخذ أشكاال خمتلفة‬
‫وتؤثر على مناحي عدة يف حياتك‪ ،‬وعلى مدى ال ميكن التنبؤ به‬
‫سواء أدركت ذلك أم مل تدركه‪.‬‬

‫واألمناط يؤكد د فاريل قسمان ‪ :‬أمناط سلبية وأخرى إجيابية‪ ،‬وكما‬


‫ميكن أن نساعد على تغلغل األمناط السلبية يف حياتنا‪ ،‬كذلك ميكننا‬
‫‪113‬‬

‫توفري البيئة املناسبة لرعاية ومنو األمناط اإلجيابية حىت نتحرر من كل ما‬
‫ميكن أن حيول دون حتقيق السعادة واألمن الداخليني‪.‬‬

‫التسامح واحد من أهم االسرتاتيجيات لتغذية أفكاران اإلجيابية‪،‬‬


‫وتنمية قدرتنا على مواجهة العامل السليب املتحرك حولنا‪ ،‬واملرتبص‬
‫بقلوبنا يتحني الفرصة للقضاء على حقنا يف حياة مطمئنة ونفوس‬
‫سليمة‪.‬‬

‫**********‬

‫ال أستطيع أن أنسى اإلساءة‬

‫هكذا يتحدث بعض الناس عن آالمهم املاضية‪ ،‬ومن حيث ال‬


‫يشعرون يستعيدون اآلالم ويتجدد عليهم العذاب كما لو كانوا واقعني‬
‫حتته اآلن‪ .‬وطاملا ال ينسون من تسبب هلم يف تلك اآلالم فإن اآلالم‬
‫ال هتدأ وال تنتهي‪ .‬ميكنك عزيزي القارئ أن تالحظ – وقد ذكرت‬
‫هذا مرارا يف حماضرايت‪ -‬أن أكثر األمور اليت تؤملنا توجد يف املاضي ومل‬
‫‪114‬‬

‫يعد هلا وجود يف احلاضر‪ .‬وأن أكثر األمور اليت تسبب لنا القلق توجد‬
‫يف املستقبل وهي غري موجودة يف اللحظة احلاضرة‪ ،‬وأقول أننا هبذا‬
‫اللون من التفكري – وأمسيه التفكري املعطِّل (بكسر الطاء وتشديدها)‬
‫– ندع اللحظة احلاضرة تتسرب من بني أيدان‪ ،‬علما أهنا اللحظة‬
‫الوحيدة اليت منلك حقيقة‪.‬‬

‫هل أدركت عزيزي القارئ حجم اخلسائر اليت نتكبدها نتيجة اجرتار‬
‫آالم املاضي؟ هل الحظت فداحة الضريبة اليت نؤديها جراء القلق من‬
‫املستقبل؟ التلميذ خيشى من الرسوب ويف إمكانه اآلن أن أيخذ‬
‫ابألسباب اليت تؤهله للنجاح‪ .‬املرأة ختشى من الطالق ويف مقدورها‬
‫اآلن صناعة حياة سعيدة خالية من القلق واخلوف‪ .‬والطالب يتوجس‬
‫خيفة من البطالة وأمامه فرص لبناء شخصيته وأتهيل نفسه مبا يعزز‬
‫من فرص حصوله على العمل الذي حيب‪ .‬وهكذا املريض خياف من‬
‫عدم الشفاء والفتاة ختاف من أتخر الزواج ‪ ...........‬اخل‪.‬‬

‫**********‬
‫‪115‬‬

‫ما معىن أنك ال تستطيع أن تسامح؟‬

‫ببساطة معناه أنك واقع حتت سيطرة منط تفكري سليب قابع يف أعماق‬
‫عقلك الباطن‪ ،‬لذلك أنت ال تدركه‪ ،‬وعندما تدركه سوف تفاجأ‬
‫ببشاعته وقوته التدمريية حلياتك‪.‬‬

‫لكن ما الذي حيفز هذا النمط السليب وجيعله يستمر يف أداء دوره يف‬
‫إحباط فرص النجاح والسعادة يف احلياة؟‬

‫عزيزي القارئ دعين أقرتح عليك مثاال رمبا أكثر وضوحا‪ ،‬يتعلق األمر‬
‫ابلشخص الذي يتعاطى التدخني‪ .‬لو سألتك ‪ :‬هل يدرك املدخن‬
‫كم يلحق من األضرار بصحته؟ ماذا جتيب؟ ابلتأكيد ستقول يل ‪ :‬ال‬
‫ميكن أن خنتلف يف هذه املسألة وستجزم أبن كل مدخن يعلم يقينا‬
‫أنه يقوم بعادة مدمرة للصحة ولو على املدى البعيد‪ .‬ممتاز‪ ....‬يف‬
‫نظرك ما الذي جيعل هذا املدخن رغم علمه مبا يقرتفه يف حق نفسه‬
‫من اخلطإ إبصراره على التدخني يستمر يف تناول السجارة؟‬
‫‪116‬‬

‫هل تعرف السبب؟‬

‫رمبا تقول ‪ :‬إهنا العادة الراسخة اليت أرست جذورها يف أعماق النفس‬
‫وصارت عصية على اإلجتثاث‪.‬‬

‫أقول لك ‪ :‬صحيح‪ ،‬لكن ما الذي أعطى العادة كل هذه القدرة على‬


‫السيطرة والتحكم يف مصري الشخص املدخن؟‬

‫إنه ببساطة اإلعتقاد الدفني العميق اجلذور يف تربة الالشعور القاضي‬


‫أبن مثة منفعة حتصل نتيجة تناول السجارة‪ .‬وأان أكتب هذه الفقرة‬
‫َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ض َّل‬
‫ين َ‬ ‫تذكرت قول هللا تعاىل (قل َهل ن نَ بئكم ابألَخ َس ِّر َ‬
‫ين أَع َم ًاال الذ َ‬
‫َسعي هم ِّيف احلَيَاةِّ الدُّن يَا َوهم َحي َسبو َن أ ََّهنم حي ِّسنو َن صن ًعا) اآلية ‪11‬‬
‫من سورة الكهف‪.‬‬

‫هناك إذن شعور ابملتعة جيدها املدخن وهو ينفث الدخان يف الفضاء‪،‬‬
‫وهناك إحساس بنوع من اإلسرتخاء حيصل عليه من يتناولون السجارة‬
‫بعد فرتة انقطاع تطول أو تقصر‪ ،‬هذه املتعة وهذا الشعور ابإلسرتخاء‬
‫‪117‬‬

‫صارا جزء من برانمج مثبت يف العقل الباطن وأصبح مسلمة غري قابلة‬
‫ألي نوع من املراجعة أو التشكيك‪ .‬وهكذا كل األمناط السلبية تنشط‬
‫وتستمر يف أداء مهمتها التدمريية ألهنا حتقق لصاحبها منفعة أو‬
‫مصلحة أو متعة مسها ماشئت‪ ،‬ومن مثة استمرارها وسيطرهتا على‬
‫حياتنا رغم ما تسببه لنا من خسائر فادحة‪.‬‬

‫ك َع ِّن اخلَم ِّر‬ ‫اقرأ إن شئت قول املوىل سبحانه وتعاىل ( يَسأَلونَ َ‬
‫َوال َمي ِّس ِّر قل فِّ ِّيه َما إِّمثٌ َكبِّريٌ َوَمنَافِّع لِّلن ِّ‬
‫َّاس َوإِّمثه َما أَك َرب ِّمن نَفعِّ ِّه َما )‬
‫سورة الربقة اآلية ‪002‬‬

‫ولنعد لنتساءل ملاذا عرب القرآن عن األخسرين أعماال‪ ،‬أبهنم صنف‬


‫من الناس ضل سعيهم يف احلياة الدنيا؟‬

‫الحظ أهنم تومهوا السوء خريا‪ ،‬واملفسدة مصلحة‪ ،‬واألذى متعة‪ ،‬ذلك‬
‫أبهنم حيسبون أهنم حيسنون صنعا‪.‬‬

‫هل تتذكر قولة الفيلسوف الصيين الوتسو ‪:‬‬


‫‪118‬‬

‫راقب أفكارك ألهنا ستصبح كلمات‬


‫راقب كلماتك ألهنا ستصبح أفعاال‬
‫راقب أفعالك ألهنا ستتحول إىل عادات‬
‫راقب عاداتك ألهنا تكون شخصيتك‬
‫راقب شخصيتك ألهنا ستحدد مصريك‬
‫ا ألفاكر‬ ‫اللكامت‬ ‫ا ألفعال‬ ‫العادات‬ ‫الشخصية‬ ‫املصري‬

‫أستأذنك عزيزي القارئ يف العودة إىل احملطة اليت وضعنا هلا عنوان‬
‫"اآلن" وأنقل منها هذه الفقرة (اللحظة احلاضرة مشدودة من جهة إىل‬
‫املاضي‪ ،‬فسرعان ما ستلحق بقافلته وتصبح جزء منه‪ .‬وهي من انحية‬
‫اثنية متعلقة ابملستقبل وما زالت حتاول االنفصال عنه‪ ،‬كي تستقل‬
‫بذاهتا يف حماولة ايئسة تنتهي ابنصرام اللحظة احلاضرة وانتزاع غطاء‬
‫"اآلن" عنها لتصبح جزء من املاضي‪).‬‬

‫أحببت الرجوع إىل هذه الفقرة حىت أذكر نفسي وأذكرك عزيزي‬
‫القارئ أبمهية اللحظة احلاضرة‪ ،‬وأهنا أمثن من أن هتدر يف التأسف‬
‫‪119‬‬

‫على املاضي‪ ،‬أو التحسر ابجرتار آالم األايم اخلالية‪ .‬فإن ذلك ال‬
‫يقدم لك شيئا‪ ،‬بل يقوض أي فرصة لتحقيق ما تصبو إليه‪ .‬ورمبا‬
‫حيرمك حىت احلق يف احلل م مبا هو أفضل وأمجل‪ .‬ألن من عادة من‬
‫يطيل أتمل آالم ماضيه ال يتحرك يف حاضره إال ابلقدر الذي حيفظ‬
‫عليه حياة اجلسد‪ ،‬وهي صورة احلياة يف مستواها األدىن‪.‬‬

‫**********‬

‫افهم انفعاالتك‬

‫هل سألت نفسك عزيزي القارئ قبل اليوم ما هي اإلنفعاالت؟‬

‫وملاذا ال نستطيع أحياان التحكم يف انفعاالتنا؟ ما جيلب علينا أحياان‬


‫أمورا نتجرع بعدها كميات كبرية من األمل واحلسرة والندم‪.‬‬

‫وكيف ميكننا ضبط انفعاالتنا ابلشكل الذي جيعل هذه اإلنفعاالت يف‬
‫مصلحتنا‪ ،‬وليست ضدان‪.‬‬
‫‪120‬‬

‫سنناقش بعض هذه القضااي اليوم من خالل الصفحات اآلتية‪ ،‬لكن‬


‫ال أريدك اإلكتفاء مبا سأكتب بل أطمح أن أحرك رغبتك يف معرفة‬
‫املزيد ألن املوضوع حقا يستحق‪.‬‬

‫أحب أن أعرف اإلنفعال أبنه التعبري اخلارجي عن مشاعران‬


‫وأحاسيسنا ‪ .‬عندما يسيئ إليك أحدهم بكلمة أو سلوك فأنت تشعر‬
‫ابإلهانة وينتابك اإلحساس ابلضيق واإلمشئزاز‪ ،‬وحىت تعرب عن ذلك‬
‫كله فأنت تقوم برد فعل عن طريق واحدة من جوارحك أو أكثر‪،‬‬
‫فتسب أو تدفع وقد تدخل يف شجار‪.‬‬

‫يف كثري من األحيان تكون بعض ردود األفعال مكلفة جدا مبا تتسبب‬
‫فيه من األضرار سواء املادية أو الصحية أو اإلجتماعية وغريها‪ .‬وكثريا‬
‫ما نصاب ابلندم الشديد جراء بعض ردود األفعال ونقول اي ليتنا‬
‫تصرفنا بطريقة خمتلفة‪ .‬بل كثريا ما نتساءل بعد صدور رد الفعل ‪ :‬ملاذا‬
‫تصرفنا هبذه الطريقة؟ أمل يكن األوىل التصرف بطريقة أفضل؟‬
‫‪121‬‬

‫أعتقد أنك عزيزي القارئ أدركت ملاذا طلبت منك أن تسامح؟‬

‫أريدك أن تكون لك السيادة على تصرفاتك‪ ،‬وتكون صاحب‬


‫مبادرات وليس صاحب ردود أفعال‪.‬‬

‫الشخص الذي حيسن فن التسامح هو شخص ميلك قدرة خارقة‬


‫على إدارة انفعاالته‪ ،‬هو شخص ميلك زمام نفسه‪ ،‬يتمتع حبرية كبرية‬
‫يف اختيار ردود األفعال اليت ال تسبب له الندم وال تعود عليه‬
‫ابحلسرة‪ ،‬هو شخص عادة يتمتع بعالقات واسعة‪ ،‬انجحة ودائمة‪.‬‬

‫الشخص عندما ينفعل بشكل سليب الشك أن قصده يكون إجيابيا‪،‬‬


‫وهو إعادة اإلعتبار إىل ذاته من جراء اإلهانة اليت تعرض هلا‪ ،‬أو‬
‫الوقوف يف وجه خطر يتهدده‪ ،‬أو حتقيق منفعة كاحملافظة على صورته‬
‫أمام اآلخرين‪.‬‬
‫‪122‬‬

‫عزيزي القارئ أحب أن أذكر لك هبذه املناسبة حكمة رائعة ال أعرف‬


‫قائلها‪ .‬تقول احلكمة ‪( :‬إذا كنت تريد أن حتصل على أكثر مما‬
‫لديك‪ ،‬فاحرص أن تكون أكرب مما أنت اآلن)‬

‫كأين بصديق إىل جوارك يسمع ما تقرأ‪ ،‬يهز رأسه ويقول ‪( :‬كالم‬
‫مجيل‪ ،‬لكن لعل الكاتب ال يعرف أننا يف زمن إذا مل تكن فيه أسدا‬
‫فتكت بك األسود) ‪.‬‬

‫أخرب صديقك عزيزي أنك إنسان ولست أسدا وال محارا‪.‬‬

‫احرص أن تكون أكرب مما أنت اآلن فكرا‪ ،‬وشعورا وسلوكا‪ ،‬تشبه‬
‫ابلكبار إذا مل تكن كبريا حىت تصري كبريا‪ ،‬فبمجرد أن تفكر مبعيار‬
‫الكبار ستغمرك مشاعر تليق ابلكبار وستتصرف كما يتصرف الكبار‪.‬‬

‫**********‬

‫اذهبوا فأنتم الطلقاء ‪...‬‬


‫‪123‬‬

‫هل تذكرك عزيزي القارئ هذه العبارة بشيء؟‬

‫نعم هو كذلك ‪...‬‬

‫عبارة قاهلا سيد البشرية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حني فتح‬
‫مكة‪ ،‬حاول أن تبحث عن قصة املوقف كاملة‪ ،‬حىت تقف بنفسك‬
‫على كل تفاصيله كي ترى منوذجا لشخص كبري يف فكره‪ ،‬وشعوره‬
‫وسلوكه‪.‬‬

‫أراك تنظر إيل وكأنك تريد طرح السؤال اآليت ‪ :‬هل أفهم من كالمك‬
‫أستاذي الفاضل أن شعار سامح ميكن أن يكون اسرتاتيجية إلدارة‬
‫انفعاالتنا يف احلياة؟‬

‫نعم هو كذلك عزيزي القارئ‪ ،‬وهو من أهم االسرتاتيجيات اليت‬


‫تساعدان على بناء العالقات الناجحة يف األسرة واجملتمع‪ .‬لن حتتاج‬
‫إىل أي جمهود إذا أردت أن تتعرف على اآلاثر السلبية لإلنفعاالت‬
‫السلبية يف حياتنا‪ ،‬يف جمال األسرة واجملتمع واإلدارة والتجارة وسائر‬
‫‪124‬‬

‫مرافق احلياة‪ .‬كثرية هي حاالت الطالق اليت جاءت نتيجة شعور‬


‫ابلغضب أدى إىل تقويض صرح األسرة بسبب انفعال مل حيسن‬
‫صاحبه إدارته ابلشكل األمثل‪ ،‬وكم حاالت العنف يف مؤسساتنا‬
‫التعليمية ومرافقنا العمومية جاءت مرة أخرى بسبب العجز أو اجلهل‬
‫إبدارة اإلنفعاالت‪.‬‬

‫أذكرك أن اإلنفعال هو التعبري اخلارجي عن إحساس داخلي‪ ،‬وهو‬


‫يكون إجيابيا عندما يكون تعبريا عن احلب والعطف والتعاون‬
‫والتضامن والشفقة واإليثار وغريها من املشاعر اإلجيابية‪ ،‬يف هذه‬
‫احلاالت يتخذ اإلنفعال صورا مجيلة ومؤثرة مثل املصافحة احلارة‪،‬‬
‫والعناق الدافئ والقبلة الصادقة واإلبتسامة املعربة وغري ذلك من‬
‫مظاهر التعبري اإلجيابية‪ .‬وقد يكون ‪-‬اإلنفعال‪ -‬سلبيا مثل الصراخ‬
‫ولطم اخلدود والضرب واألشكال املتعددة للعنف عندما يكون تعبريا‬
‫عن الغضب واحلزن والسخط والتذمر وغري ذلك مما يرتبص ابلنفس‬
‫من املشاعر السلبية املختلفة‪.‬‬
‫‪125‬‬

‫**********‬

‫لكن كيف أتبىن اسُتاتيجية التسامح؟‬

‫أوال أريدك عزيزي القارئ اللبيب أن تفرق بني أمرين ‪:‬‬

‫األول مصدر اإلنفعال‪ ،‬وأقصد السبب الذي حرك مشاعرك وجيش‬


‫أحاسيك قبل أن تتحول إىل انفعال‪.‬‬

‫الثاين قرار اإلنفعال‪.‬‬

‫الفرق بني األمرين أن األول يقع خارج دائرة سيطرتك‪ ،‬أي ضمن‬
‫دائرة اإلهتمام‪ ،‬بينما الثاين ينشأ داخل دائرة التأثري أي بقرار منك‬
‫أنت شخصيا‪ .‬وابلتايل فأنت تتحمل مسؤولية الثاين‪ ،‬ألنه من‬
‫اختيارك‪.‬‬
‫‪126‬‬

‫دائرة االهامتم‬

‫دائرة التأأثري‬

‫أنظر كتاب العادات السبع لألشخاص األكثر فعالية‬

‫لستيفن كويف‬

‫ال تنس عزيزي أن حديثنا ابلدرجة األوىل عن اإلنفعاالت السلبية‬


‫ألهنا املقصودة بعالجها ابتباع اسرتاتيجية التسامح‪.‬‬

‫فالشخص الذي يسيئ إليك بكلمة أو غريها‪ ،‬عليه تقع مسؤولية ما‬
‫قال وما فعل‪ ،‬واآلن جاء دورك يف املسؤولية حسب نوع رد الفعل‬
‫الذي سيصدر عنك‪.‬‬

‫***********‬
‫‪127‬‬

‫تذكر دائما أن دائرة التأثري هي دائرة النجاح والتطوير واإلجناز‪ ،‬هي‬


‫دائرة احلرية والسيادة والقوة واملبادرة‪ ،‬ألن فيها ميارس الشخص إرادته‪،‬‬
‫وفيها يعرب عن نفسه وأهدافه وطموحاته واألهم عن قيمه‪.‬‬

‫خارج هذه الدائرة تكون جمردا من وسائل التأثري‪ ،‬هناك تتحكم فيك‬
‫إرادة اآلخرين‪ ،‬وتنفذ برامج غريك‪ ،‬بينما تتقلص قدرتك التنفيذية‪،‬‬
‫وتتعرض إرادتك الحنسار مستمر ينتهي ابنتشار حالة من السلبية‬
‫ختيم على جوانب حياتك‪ ،‬وتبسط سيطرهتا على جماالت نشاطاتك‬
‫املختلفة‪.‬‬

‫والضربة األكثر إيالما حني تصل اإلصابة دائرة قيمك‪....‬‬

‫نعم عزيزي القارئ كثريا ما ننسى القيم اليت حتكم أفكاران ومشاعران‬
‫وسلوكنا‪ ،‬ما جيعل تصرفاتنا أقرب إىل ردود األفعال منها إىل القرارات‬
‫البناءة‪.‬‬

‫ال تنس عزيزي القارئ أنك أحد اثنني ال اثلث هلما ‪:‬‬
‫‪128‬‬

‫األول شخص حتكمه قيم يؤمن هبا‪ ،‬وعنها يصدر يف كل أفكاره‬


‫ومشاعره وسلوكياته‪ .‬فهو يفكر مبا ال يتعارض مع قيمه‪ ،‬ويشعر مبا‬
‫يعزز أثر تلك القيم يف حياته‪ ،‬ويتصرف وفق ما متليه عليه قيمه تلك‪.‬‬
‫مثل هذا الشخص ال جتد صعوبة يف التعامل معه‪ ،‬يكفي أن تتعرف‬
‫على قيمه اليت حتكم حياته حىت تعرف كيف تتواصل معه‪.‬‬

‫الثاين شخص القيم له‪ ،‬أو هكذا يزعم‪ ،‬فهو مزاجي يف كل شيء‪،‬‬
‫أحياان حتكمه الشهوة‪ ،‬وأحياان يتلون حبسب املصلحة‪ ،‬وقد تشرتيه‬
‫ابملال‪ ،‬وقد تكفيه اجملاملة الكاذبة‪ .‬مثل هذا الشخص ال ميكن الوثوق‬
‫به‪ ،‬وال اإلعتماد عليه‪.‬‬

‫واليوم أكثر اجملتمعات تقدما يف جماالت التنظيم والتنمية اإلقتصادية‬


‫والسلم اإلجتماعي هي تلك اليت جنحت يف غرس أفكار ومشاعر‬
‫وسلوكيات عن طريق بناء منظومة قيم حتظى بنسبة من اإلمجاع على‬
‫أساسها يتصرف الناس فيما بينهم ‪ ،‬ويف ضوئها يتحرك الفرد وتتواصل‬
‫اجلماعة‪.‬‬
‫‪129‬‬

‫ليس قصدي عزيزي القارئ أن أتناول مفهوم القيم من الناحية‬


‫الفلسفية فلذلك أهله ومظانه من كتب الفلسفة‪ .‬يكفيين أن نالحظ‬
‫أن القيم مفردها قيمة‪ ،‬وأن القيمة هي القدر واملكانة‪ .‬فأنت مثال‬
‫عندما تعطي شيئا قيمة فمعناه أنك تعظمه وجتله وتقدره وتستحسنه‬
‫وقد يكون معيارا ملعرفة الصواب من اخلطإ‪ ،‬وحتديد ما ينبغي مما ال‬
‫ينبغي من األفكار واملشاعر والسلوكيات‪.‬‬

‫عزيزي القارئ التسامح قيمة من القيم‪ ،‬وهو تعبري عن قيمة أو قيم‬


‫أخرى منها احتساب األجر عند هللا‪ ،‬ومنها احلب والبذل والتؤدة ‪...‬‬
‫اخل‪.‬‬

‫وحنن اآلن نتحدث عن اسرتاتيجية "سامح" وأمتىن أن األمور صارت‬


‫واضحة أكثر‪ .‬هذه اإلسرتاتيجية تعين ابختصار شديد أمورا على‬
‫درجة كبرية من اخلطورة أمهها ‪:‬‬

‫‪ ‬فكر قبل أن تتصرف‪.‬‬


‫‪130‬‬

‫‪ ‬يف كل مرة اخرت أفضل احللول‪.‬‬


‫‪ ‬استحضر عواقب األمور‪.‬‬
‫‪ ‬ال تفكر بعقل الضحية‪.‬‬
‫‪ ‬كن صانعا للحدث‪.‬‬

‫فأنت عزيزي القارئ حني تفكر قبل أن تتصرف ستصنع فعال‪.‬‬

‫وحني ختتار أفضل احللول ستبدي استعدادا متزايدا البتكار اجلديد‪.‬‬

‫وحني تستحضر عواقب األمور‪ ،‬ميكنك التحكم يف املستقبل انطالقا‬


‫من اإلختيارات السليمة للحظة احلاضرة‪.‬‬

‫وحني ال تفكر بعقل الضحية تتحرر من ذهنية التربير‪ ،‬اليت عادة ما‬
‫يسقط صاحبها يف اإلفالس العاجل‪.‬‬

‫وحني تصنع األحداث فإنك متارس أرقى أشكال القيادة‪.‬‬

‫مترين املرحلة‬
‫‪131‬‬

‫‪ )0‬سامح على كل ما سلف منك من تقصري‪ ،‬وأعلن أنك تبدأ‬


‫مرحلة جديدة من حياتك عنواهنا أنك جتاوزت عن نفسك ما‬
‫كان منك وأنك صديق نفسك بل أفضل صديق لذاتك‪،‬‬
‫وأكثر حرصا على مصلحتك‪ ،‬حبيث لن تدع خريا إال دفعت‬
‫ن فسك إليه‪ ،‬وال شرا إال حلت بينه وبني نفسك طاعة لربك‬
‫سبحانه و تكرميا لذاتك‪.‬‬
‫‪ )0‬تذكر أشخاصا حتمل يف قلبك حنوهم مشاعر سلبية‪ ،‬ابدأ‬
‫أبقرب الناس إليك الوالدان والزوج واألبناء واإلخوة مث األقرب‬
‫فاألقرب‪ .‬مث قل يف نفسك أنك ساحمتهم‪ ،‬وجتاوزت عما كان‬
‫منهم‪ ،‬وإن كنت أنت املخطئ يف حق أحدهم‪ ،‬فبادر إىل‬
‫طلب الصفح واإلعتذار‪ ،‬فأنت أقوى ما تكون حني تتخلص‬
‫من مشاعرك السلبية‪.‬‬

‫**********‬
‫‪132‬‬

‫اخلامتة‬

‫عزيزي القارئ وصلنا إىل هناية رحلتنا‪ ،‬كنت يل نعم الرفيق‪ ،‬وأرجو أين‬
‫كنت لك نعم الصاحب‪ .‬أان شخصيا كنت مستمتعا جدا برفقتك‪،‬‬
‫أشكر لك صربك وحسن التؤدة اليت أبديت طيلة سفران عرب احملطات‬
‫األربع‪.‬‬

‫اآلن وقد وصلنا إىل هناية رحلتنا املمتعة فهل تراين سأودعك؟ كال‬
‫فمثلك ال ينبغي ملثلي اإلستغناء عنه وال التخلي عنه‪ .‬فقد مجع هللا‬
‫بيننا لكي تكون هذه الرحلة بداية صحبتنا‪ ،‬أرى أن عالقتنا قد‬
‫توطدت عرب احملطات اليت نزلنا هبا تباعا‪ ،‬وتبادلنا يف كل مرة احلديث‬
‫عن قضية من قضااي السري حنو احلياة الطيبة اليت ننشدها مجيعا‪.‬‬

‫لن نفرتق إن شاء هللا‪ ،‬فأمامنا الكثري من العمل علينا القيام به وإجنازه‬
‫تفعيال ملا تعلمناه بينما ننتقل من حمطة إىل اليت تليها‪ ،‬حنتاج أن‬
‫نتواصل ابستمرار وأن نظل على أهبة اإلستعداد للتفاعل مع‬
‫‪133‬‬

‫املستجدات اليت تطرأ يف حياتنا املتجددة دوما‪ ،‬ما يعين تعزيز قدرتنا‬
‫على التحلي ابملرونة الكافية‪ ،‬وهذا يعين بكل بساطة اإلستمرار يف‬
‫التعلم بدون انقطاع‪.‬‬

‫قريبا إن شاء هللا سنعلن عن رحلة جديدة شعارها " التنمية الذاتية‬
‫خطوة ومسار" ‪ ،‬أترك احلديث عن تفاصيلها وبرانجمها إىل حينه‪ .‬أما‬
‫اآلن فأكثر شيء يهمين هو اخلروج من هذه الرحلة ابألهداف اليت‬
‫من أجلها وجدت‪ ،‬ومن أجلها التقينا‪.‬‬

‫دعين عزيزي القارئ أضع بني يديك أمورا كنا قد اتفقنا عليها طيلة‬
‫الفرتة السابقة حني قررت أن تكون رفيقي خالل مراحل هذا السفر‬
‫الرائع‪.‬‬

‫األمر األول ‪ :‬أنت حمور التغيري اإلجيايب الذي تنشده وتتطلع إليه‪،‬‬
‫وأنت قائد هذا التغيري وصانعه‪ ،‬وال أحد غريك سيقوم به نيابة عنك‪.‬‬
‫وإذا كنت انتظرت زماان حصول ذلك التغيري دومنا جدوى فالوقت قد‬
‫‪134‬‬

‫حان لألخذ بزمام املبادرة والتوكل على هللا تعاىل والتوجه حنو اخلطوة‬
‫األوىل‪.‬‬

‫األمر الثاين ‪ :‬اخلطوة األوىل هي إعادة اإلعتبار للحظة الراهنة "اآلن"‬


‫‪ .‬لنتذكر أهنا اللحظة الوحيدة اليت منلك لتحويل أفكاران إىل أفعال‬
‫وابلتايل إىل نتائج ملموسة جند آاثرها يف الواقع املتحرك‪ .‬وأن الفعل‬
‫هو األسلوب الوحيد للسيطرة على اللحظة احلاضرة وإال فإهنا سرعان‬
‫ما ستلحق بركب الزمن املاضي خملفة األمل واحلسرة‪.‬‬

‫األمر الثالث ‪ :‬كل ما يف احلياة مسخر لك وطوع إرادتك إذا‬


‫أحسنت التعامل مع سنن هللا تعاىل يف احلياة‪ .‬دع عنك الرتدد‪ ،‬وطارد‬
‫التفكري السليب من كل مساحات حياتك حىت حترر إرادتك وجتلي‬
‫عن أرض نفسك وعقلك وجسدك ذهنية القطيع وعقلية اإلنتظار‪.‬‬

‫األمر الرابع ‪ :‬ارفع شعار اذهبوا فأنتم الطلقاء‪ ،‬قل هذه العبارة أوال‬
‫لنفسك حىت حتررها من آالم املاضي وغصة احلسرة على التقصري فيما‬
‫‪135‬‬

‫سلف‪ .‬مث قلها لكل من تعرف خاصة من تظن أهنم أساؤوا إليك‬
‫وكانوا سببا يف معاانتك وأملك‪ ،‬قلها بعمق وصدق ويقني‪ ،‬حىت تتحرر‬
‫إرادتك وتنظر إىل احلياة نظرة من يعترب كل شيء يف صاحله‪ ،‬وحىت‬
‫تتحرر من التفكري بذهنية من يرى نفسه دائما ضحية الظروف‪،‬‬
‫وضحية اآلخرين‪ ،‬وكأن الكون كله متآمر عليه وكأن احلياة تعاديه من‬
‫دون الناس‪.‬‬

‫يف رعاية هللا عزيزي القارئ والسالم عليكم ورمحة هللا تعاىل وبركاته‬

‫الدار البيضاء يف ‪ 00‬رمضان ‪0492‬‬

‫املوافق ‪ 02‬يونيو ‪0202‬‬

‫الساعة الثانية عشرة ليال وثالث دقائق‬


136
137
138

You might also like