You are on page 1of 35

‫‪2‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫!‬
‫احلمــد هلل رب العاملــن‪ ،‬والصــاة والســام على خاتم‬
‫النبييـــن‪ ،‬وأشــهد أن ال إلــه إال هللا‪ ،‬وحــده ال شــريك لــه‪،‬‬
‫ً‬
‫وأشــهد أن محمــدا عبــده ورســوله‪ ،‬وبعــد‪:‬‬
‫معصيــة‪ ،‬فــا يســلم مــن‬ ‫ٍ‬ ‫*فــإن العبــد ال خيلــو مــن‬
‫ٌ‬
‫هــذا النقــص أحــد مــن بــي آدم‪ ،‬واملعصــوم مــن عصمــه‬
‫هللا‪ ،‬ففــي احلديــث الصحيــح‪«:‬كل بــي آدم خطــاء‪،‬‬
‫وخــر اخلطائــن التوابون»(((*وإنمــا يتفــاوت البشــر‬
‫ً‬
‫يف املقاديــر‪ ،‬ومــن تفقــد نفســه وجدهــا مشــحونة بهــذا‬
‫النقــص‪ ،‬فــإذا ُو ِّفــق انبعــث منــه خــوف‪ ،‬فرجــع فـ ًّ‬
‫ـارا إىل‬
‫ـال يطلــب النجــاة مــن عقوبــات الذنــوب‪ ،‬وعلــم‬ ‫هللا َت َعـ َ ٰ‬
‫أن لــه ًّربــا يغفــر الذنــوب‪ ،‬فتــاب وأناب‪،‬قــال رســول هللا‬
‫ــال‪ :‬مــن‬ ‫‪H‬فيمــا يرويــه عــن ربه‪«:‬قــال هللا َت َع َ ٰ‬
‫علــم أين ذو قــدرة علــى مغفــرة الذنــوب؛ غفــرت لــه وال‬
‫ً‬
‫أبــايل‪ ،‬مــا لــم يشــرك يب شــيئ�ا»((( ‪ .‬فــإذا رجــع العبــد إىل‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ربــه َعــز َو َجــل وجــد بــاب مكفــرات الذنــوب مفتوحــا على‬

‫(((‪:‬حم‪ .‬ت‪ .‬هـ‪ .‬صحيح اجلامع (‪.)4515‬‬


‫(((‪ :‬رواه الطرباين واحلاكم‪ ،‬وهو يف صحيح اجلامع (‪ )0334‬‬
‫‪3‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ً‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫ـاد َي ال ِذيـ َـن أ ْسـ َـرفوا َعلــى‬


‫مصراعيــه مكتوبــا عليه‪﴿:‬قــل ي ِاعبـ ِ‬
‫الذ ُنـ َ‬
‫ـوب َجم ً‬ ‫ْ َ ْ َ َّ َّ َّ َ َ ْ ُ ُّ‬ ‫ْ َ ََُْ‬ ‫َُْ‬
‫يعــا‬ ‫ِ‬ ‫للا ِإن للا يغ ِفــر‬ ‫أنف ِسـ ِـهم ل تقنطــوا ِمــن رحمـ ِـة ِ‬
‫َّ ُ ُ َ ْ َ ُ ُ َّ ُ‬
‫ِإنــه هــو الغفــور الر ِحيم﴾[الزمــر‪.]53 :‬‬

‫❋وتكفير الذنوب على ضربين‪:‬‬

‫❶األول‪ :‬املحــو‪ ،‬كمــا يف حديــث‪« :‬وأتبــع الســيئ�ة‬


‫(((‬
‫احلســنة تمحهــا»‬
‫َُ َ َ‬ ‫َ َ َٰ‬
‫❷والثــاين‪ :‬التب�ديــل‪ ،‬كمــا يف قولــه تعــال‪﴿ :‬فأول ِئــك‬
‫ُ َ ِّ ُ َّ ُ َ ِّ َ ْ َ َ َ‬
‫ات﴾[الفرقان‪ ،]70 :‬وهــذا النــوع فيــه‬
‫للا ســيئ ِ�ات ِهم حســن ٍ‬ ‫يب ـ�دل‬
‫زيــادة إحســان وتفضــل بعــد التوبـ ِـة واإليمــان والعمــل‬
‫الصالــح‪.‬‬
‫› إذن للذنــوب واآلثــام مكفــرات‪ ،‬أشــار إليهــا أهــل‬
‫العلــم‪ ،‬مســتدلني بمــا ورد مــن نصــوص الكتــاب‬
‫ْ‬
‫والســنة‪ .‬وقبــل ِذكــر أقوالهــم‪ ،‬وســرد مكفــرات الذنــوب‬
‫مــع أدلتهــا‪ ،‬سنشــر إىل احلكمــة مــن خلــق الذنــوب‪.‬‬
‫ُ‬
‫❖ فمــا هــي احلكمــة واملصالــح مــن خلــق املعــايص‬
‫والذنــوب وتقديرهــا علــى العبــاد؟‬
‫❖البــد أوال أن نؤمــن ونصــدق بمــا أخربنــا هللا بــه يف‬
‫(((‪ :‬حـم‪ .‬د‪ .‬ت‪ .‬صحيح اجلامع (‪.)97‬‬
‫ ‬
‫‪4‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫كتابــه‪ ،‬وعلــى لســان نبي�ه‪H‬مــن أن املعــايص‬


‫﴿و َمــا‬
‫ال‪َ :‬‬‫والذنــوب تقــع كمــا تقــع الطاعــات َبقــدر هللا َت َع َ ٰ‬
‫ِ‬
‫َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ ُّ ْ َ َ َ‬
‫ني﴾[التكويــر‪ ،]29 :‬فأفعــال‬ ‫تشــاءون ِإ ل أن يشــاء للا رب العال ِم‬
‫العبــاد مقــدرة‪ ،‬والعبــد هــو الــذي خيتــار طريــق اخلــر أو‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َّ ْ‬
‫﴿و َما َر ُّبــك ِبظــا ٍم ِلل َع ِبي ِ�د﴾[فصلــت‪﴿،]46 :‬ف َمــا كان‬
‫طريــق الشــر؛ َ‬
‫َُْ َ ُ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َّ ُ َ ْ َ ُ ْ َ َ‬
‫للا ِليظ ِلمهــم ول ِكــن كانــوا أنفســهم يظ ِلمون﴾[الــروم‪.]9 :‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فــاهلل َعــز َو َجــل هــو احلكيــم العليــم‪ ،‬فــكل أمـ ٍـر قــدره‪،‬‬
‫أو شــرعه‪ ،‬أو أمــر بــه‪ ،‬أو شــاءه‪ ،‬فهــو حلكمــة بالغــة‪،‬‬
‫ومصلحــة عظيمــة‪ ،‬قــد يعلمهــا العبــد وقــد جيهلهــا‪:‬‬
‫َ ً‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َْ ُ َ ًْ َ ُ َ َ ٌْ َ ُ‬
‫ـر لكـ ْـم َو َعـ َـى أن ِت ُّبــوا شـ ْـيئ�ا‬ ‫﴿وعــى أن تكرهــوا شــيئ�ا وهــو خـ‬
‫َ ُ َ َ ٌّ َ ُ ْ َ َّ ُ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫وهــو شــر لكــم وللا يعلــم وأنتــم ل تعلمون﴾[البقــرة‪.]216 :‬‬

‫❖ومــن احلكــم واملصالــح العظيمــة لتقديــر الذنــوب‬


‫علــى العبــاد‪:‬‬
‫أ‪-‬مجاهــدة المعاصــي والذنــوب‪ ،‬وهــذا مــن أعظــم مــا‬
‫ُ‬
‫يقــوي خــوف العبــد وذلــه لربــه الــذي ابتـلاه بالشــهوات‪،‬‬
‫فــإذا وقــع العبــد يف الذنــب؛ جلــأ إىل هللا َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال‪ ،‬واســتعان‬
‫بــه‪ ،‬وخــاف مــن عقابــه‪ ،‬فإذا لــم يقــع يف الذنب؛ ســينتفي‬
‫شــعوره بالــذل واخلــوف؛ لعــدم وجــود التقصــر يف حــق‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪5‬‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َّ‬
‫هللا‪ ،‬وسيشــعر باألمــن مــن مكــر هللا﴿فــا يأمــن مكــر ِ‬
‫للا‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫ِإ ل الق ْــو ُم ال ِاس ُــر ون﴾[األعراف‪ ،]99 :‬فــا بــد مــن الوقــوع يف‬
‫الذنــب والتقصــر حــى يشــعر العبــد باخلــوف والــذل‬
‫هلل دائمــا‪ ،‬ولذلــك قــال رســول هللا ‪«H‬والــذي‬
‫نفــي بيـ�ده! لــو لــم تذنبــوا لذهــب هللا بكــم‪ ،‬وجــاء بقــوم‬
‫(((‬
‫يذنبــون‪ ،‬فيســتغفرون هللا‪ ،‬فيغفــر لهــم»‬
‫ب‪ -‬ومــن المصالــح لتقديــر الذنــوب‪ :‬حتقيــق صفــات‬
‫الــرب َت َب ـ َ�ار َك َو َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال‪ ،‬وهــي الرحمــة والعفــو واملغفـــرة‪،‬‬
‫فلــو لــم تكــن الذنــوب؛ لــم يكــن هنــا عفــو وال غفــران‪.‬‬
‫واحلكــم واملصالــح كثــرة لتقديــر الذنــوب‪.‬‬
‫❖وأمــا عــن مكفــرات الذنــوب؛ فقــد تكلــم فيهــا أهــل‬
‫العلــم‪ ،‬وقســموها حســب مــا وردت يف النصــوص‪،‬‬
‫ً‬
‫وأفضــل مــن جمعهــا إجمــال ‪-‬حســب علــي‪ -‬هــو شــيخ‬
‫اإلســام ابــن تميمــة‪ ،ُV‬حيــث قال‪«:‬املؤمــن إذا‬
‫فعــل ســيئ�ة؛ فــإن عقوبتهــا تن�دفــع عنــه بعشــرة أســباب‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يتــوب فيتــوب هللا عليــه‪ ،‬فــإن التائــب مــن‬

‫(((‪ :‬رواه مسلم (‪.)2106/4‬‬


‫ ‬
‫‪6‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫الذنــب كمــن ال ذنــب لــه‪.‬‬


‫‪ .2‬أو يستغفر فيغفر له‪.‬‬
‫‪ .3‬أو يعمــل حســنات تمحوهــا‪ ،‬فــإن احلســنات يذهنب‬
‫السيئ�ات‪.‬‬
‫‪ .4‬أو يدعــو لــه إخوانــه املؤمنــون ويســتغفرون لــه ًّ‬
‫حيــا‬
‫ً‬
‫وميت ـ�ا‪.‬‬
‫‪ .5‬أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه هللا به‪.‬‬
‫‪ .6‬أو يشفع فيه نبي�ه ‪.H‬‬
‫ال يف الدني�ا بمصائب تكفر عنه‪.‬‬ ‫‪ .7‬أو يبتليه هللا َت َع َ ٰ‬
‫‪ .8‬أو يبتليــه هللا َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال يف الــرزخ بالصعقــة فيكفــر بهــا‬
‫عنــه‪.‬‬
‫‪ .9‬أو يبتليــه يف عرصــات القيامــة مــن أهوالهــا بمــا‬
‫يكفــر عنــه‪.‬‬
‫‪ .01‬أو يرحمه أرحم الراحمني»‪.‬‬
‫قـــال‪« :‬فمــن أخطأتــه هــذه العشــر؛ فــا يلومــن إال‬
‫نفســه‪ ،‬كمــا قــال هللا َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال فيمــا يــروي عنــه رســول هللا‬
‫ُ‬
‫‪«:H‬يــا عبــادي! إنمــا هــي أعمالكــم‪ ،‬أحصيهــا‬
‫لكــم‪ ،‬ثــم أوفيكــم بهــا‪ ،‬فمــن وجــد ً‬
‫خــرا؛ فليحمــد هللا‪،‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪7‬‬
‫(((‬
‫ومــن وجــد غــر ذلــك؛ فــا يلومــن إال نفســه»(((»‬
‫❖ وســنتكلم بــإذن هللا َت َع َ ٰ‬
‫ــال عــن هــذه املكفــرات‬
‫ثــان‪ ،‬وبالتفصيــل مــع زيــادات مهمــة‬
‫العشــر برتتيــب ٍ‬
‫عليهــا؛ ليســهل حفظهــا إن شــاء هللا َت َع َ ٰ‬
‫ــال‪.‬‬
‫❖تنقســم مكفــرات الذنــوب العشــر إىل‬
‫قســمني‪ :‬خمــس يف الدنيــ�ا وخمــس يف اآلخــرة‪ .‬‬
‫❋أما الخمس التي في الدنيا فهي‪:‬‬

‫‪ .1‬التوبة النصوح‪.‬‬
‫‪ .2‬االستغفار‪.‬‬
‫‪ .3‬احلسنات الماحية وأعظمها التوحيد‪.‬‬
‫‪ .4‬دعاءاملالئكة و املؤمنني للعبد‪.‬‬
‫‪ .5‬املصائب املكفرة يف حياته‪.‬‬
‫❋وأما الخمس التي في اآلخرة فهي‪:‬‬

‫‪ .1‬االبتلاء عند املوت يف الربزخ‪.‬‬


‫‪ .2‬االبتلاء يف عرصات يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ .3‬دعــاء املؤمنــن وإهداؤهــم لــه مــن ثــواب أعمالهــم‬
‫(((‪:‬رواه مسلم (‪)7752‬‬
‫(((‪:‬الفتاوى (‪)64-54/01‬‬
‫‪8‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫بعــد موتــه‪.‬‬
‫‪.4‬شــفاعة النيب‪H‬وغــره مــن املالئكــة‬
‫والشــهداء وغريهــم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ .5‬رحمة أرحم الراحمني َعز َو َجل‪.‬‬
‫فإلــى ســرد للمكفــرات العشــر بالتفصيــل‪ ،‬مــع ذكــر‬

‫أدلتهــا وأقــوال أهــل العلــم‪:‬‬

‫‪ -1‬التوبة النصوح‪:‬‬
‫َ َّ َ ً‬
‫للا ت ْو َبــة‬ ‫قــال هللا َت َع َ ٰ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ُ ُ‬
‫ال‪﴿:‬ياأيهــا ال ِذيــن آمنــوا توبــوا ِإل ِ‬
‫َ ُّ ُ ْ َ ْ ُ َ ِّ َ َ ْ ُ ْ َ ِّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َّ‬ ‫َ ُ ً َ‬
‫ـات‬‫نصوحــا عـ َـى ربكــم أن يكفــر عنكــم ســيئ ِ�اتكم ويد ِخلكــم جنـ ٍ‬
‫ــال‪﴿:‬إ َّل َم ْ‬
‫ــن‬ ‫ال ْن َه ُار﴾[التحريــم‪،]8 :‬وقــال َت َع َ ٰ‬ ‫ْ َْ َ َْ‬
‫ْت ِــري ِمــن ت ِتهــا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ً َ ً َُ َ َ‬
‫ــك ُي َبــ ِّ�د ُل َّ ُ‬
‫للا َس ِّــيئ ِ�ات ِه ْم‬ ‫تــاب وآمــن وع ِمــل عمــا ص ِالــا فأول ِئ‬
‫للا َغ ُف ً‬ ‫ََ َ‬
‫ان َّ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ــورا َر ِح ًيما﴾[الفرقــان‪.]70 :‬‬ ‫ات وك‬
‫حســن ٍ‬
‫❖ والتوبــة النصــوح هــي اإلقــاع عــن الذنــب يف‬
‫احلــال‪ ،‬والنــدم عليــه‪ ،‬والعــزم علــى عــدم العــودة إليــه‪،‬‬
‫والعــزم علــى فعــل المأمــور والزتامــه‪ ،‬وإن كان الذنــب يف‬
‫حــق آديم؛ فالتحلــل منــه‪ .‬والتوبــة النصــوح البــد مــن‬
‫الصــدق فيهــا‪ ،‬واإلخــاص‪ ،‬وتعميــم الذنــوب بهــا‪ ،‬وهــي‬
‫واجبــة علــى الفــور بإجمــاع العلمــاء‪.‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪9‬‬
‫❖ فالواجــب علــى العبــد أن يتــوب إىل هللا توبــة عامــة‬
‫ممــا يعلــم مــن ذنوبــه‪ ،‬وممــا ال يعلــم؛ ولذلــك كان مــن‬
‫دعائــه ‪ ..«:H‬اللهــم اغفــر يل مــا قدمــت ومــا‬
‫أخــرت‪ ،‬ومــا أســررت ومــا أعلنــت‪ ،‬ومــا أنــت أعلــم بــه‬
‫(((‬
‫مــي‪ ،‬أنــت إلهــي‪ ،‬ال إلــه إال أنــت»‬
‫ ❖ والتوبــة تكــون مــن تــرك الواجبــات والمأمــورات‪،‬‬
‫معــا‪ ،‬وتكــون بالتحلــل‬ ‫وتكــون مــن الصغائــر والكبائــر ً‬
‫مــن حقــوق اآلدميــن‪ ،‬أو أداء تلــك احلقــوق إليهــم‪،‬‬
‫ويف ذلــك يقــول ‪«:H‬مــن كان ألخيــه عنــده‬
‫مظلمــة مــن مــال أو عــرض‪ ،‬فليتحللــه اليــوم قبــل أن ال‬
‫يكــون دينــ�ار أو درهــم إال احلســنات والســيئ�ات»((( ‪.‬‬
‫فالتوبــة مــن أهــم مكفــرات الذنــوب باآليــات الســابقة‪،‬‬
‫(((‬
‫وحلديث‪«:‬التائــب مــن الذنــب كمــن ال ذنــب لــه»‬
‫‪-2‬االستغفار‪:‬‬
‫فــإن مــن اســتغفر هللا َت َع َ ٰ‬
‫ــال غفــر لــه‪ :‬قــال هللا‬

‫(((‪:‬متفق عليه‪ ،‬فتح (‪ )196/11‬مسلم (‪.)2719‬‬


‫(((‪ :‬رواه البخاري وغريه‪ .‬‬
‫(((‪:‬رواه ابن ماجه‪ ،‬وهو يف صحيح اجلامع (‪.)3008‬‬
‫‪10‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َٰ َُْ ُ‬


‫ال‪﴿:‬فقلــت ْاســتغ ِف ُر وا َر َّب ُكـ ْـم ِإنـ ُـه َكان غف ًارا﴾[نــوح‪ ،]10 :‬وقــال‬ ‫تع‬
‫َ َ َٰ‬
‫هللا تعــال يف احلديــث القــديس‪ ..«:‬يــا عبادي!إنكــم‬
‫ختطئــون بالليــل والنهــار‪ ،‬وأنــا أغفــر الذنــوب جميعــا‪،‬‬
‫فاســتغفروين أغفــر لكــم‪ . ((1(»...‬وقــال رســول هللا‬
‫‪«:H‬إن الشــيطان قــال‪ :‬وعزتــك يــا رب‪ ،‬ال‬
‫أبــرح أغــوي عبــادك مادامــت أرواحهــم يف أجســادهم‪،‬‬
‫فقــال الــرب‪ :‬وعــزيت وجــايل ال أزال أغفــر لهــم مــا‬
‫(‪((1‬‬
‫اســتغفروين»    ‬
‫❖واالســتغفار هــو طلــب املغفــرة مــن هللا‪ ،‬واعــراف‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫بالذنــب والتقصــر يف حقــه َعــز َو َجــل‪ ،‬فــإذا عــى‬
‫العبــد ربــه وظلــم نفســه بارتكابــه الذنــب‪ ،‬كمــا قــال‬
‫اغف ْــر ل َف َغ َف َــر َل ُــه إ َّن ُــه ُه َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ِّ ِّ َ َ ْ ُ َ ْ‬
‫ــو‬ ‫ِ‬ ‫ــي ف ِ ِ‬ ‫مــوىس‪﴿:‬رب ِإن ظلمــت نف ِ‬
‫الر ِح ُيم﴾[القصــص‪ .]16 :‬فــإذا وقــع يف الذنــب مــرة‬ ‫ْال َغ ُف ُ‬
‫ــور َّ‬

‫دائمــا يف اســتغفار‪،‬‬ ‫أخــرى؛ عــاد واســتغفر ربــه هكــذا ً‬


‫فصــار مثــل ماذكــره رســول هللا‪H‬بقولــه‪« :‬إن‬
‫ذنبــ�ا‪ ،‬فقــال‪ :‬رب أذنبــت ً‬ ‫عبــدا أصــاب ً‬ ‫ً‬
‫ذنبــ�ا فاغفــره‪،‬‬
‫ً‬
‫مرفوعا ‪.‬‬ ‫(‪ :((1‬رواه أحمد ومسلم عن أيب ذر‬
‫(‪:((1‬رواه أحمد واحلاكم‪ ،‬وهو يف صحيح اجلامع (‪.)1650‬‬
‫ ‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪11‬‬
‫َ‬
‫علــم عبــدي أن لــه ًّربــا يغفــر الذنــب ويأخــذ‬
‫فقــال ربــه‪ :‬أ ِ‬
‫بــه؟ غفــرت لعبــدي‪ ،‬ثــم مكــث مــا شــاء هللا‪ ،‬ثــم أصــاب‬
‫ذنبــ�ا‪ ،‬فقــال‪ :‬رب أذنبــت ذنــب آخــر فاغفــره‪ ،‬فقــال‪:‬‬ ‫ً‬
‫أعلــم عبــدي أن لــه ًّربــا يغفــر الذنــب ويأخــذ بــه؟ غفــرت‬
‫لعبــدي‪ ،‬ثــم مكــث مــا شــاء هللا‪ ،‬ثــم أذنــب ً‬
‫ذنبـ�ا‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫رب أذنبــت آخــر فاغفــره يل‪ ،‬فقــال‪ :‬أعلــم عبــدي أن لــه‬
‫ًّربــا يغفــر الذنــب ويأخــذ بــه؟ غفــرت لعبــدي‪ ،‬غفــرت‬
‫(‪((1‬‬
‫لعبــدي‪ ،‬غفــرت لعبــدي‪ ،‬فليعمــل مــا شــاء»‬
‫❖فاالســتغفار مــن أعظــم مكفــرات الذنــوب‪ ،‬فعلــى‬
‫العبــد أن يكــر مــن االســتغفار‪ ،‬فــإن الرســول‪H‬‬
‫يقول‪«:‬مــن أحــب أن تســره صحيفتــه؛ فليكــر مــن‬
‫االســتغفار»(‪ ، ((1‬ويف احلديــث اآلخر‪«:‬طــوىب ملــن وجــد‬
‫كثريا»ابــن ماجــه وغــره صحيــح‬ ‫ـتغفارا ً‬
‫ً‬ ‫يف صحيفتــه اسـ‬
‫دائمــا قــول هللا يف احلديــث‬ ‫اجلامــع (‪ ،)0393‬وتذكــر ً‬
‫القديس‪«:‬يــا ابــن آدم! لــو بلغــت ذنوبــك عنــان الســماء‪،‬‬
‫ثــم اســتغفرتين؛ غفــرت لــك وال أبــايل‪ »..‬الرتمــذي‪،‬‬
‫(‪:((1‬متفق عليه‪ ،‬البخاري (‪ ،)7507‬مسلم (‪.)2758‬‬
‫(‪ :((1‬البيهقي وغريه صحيح اجلامع (‪ .)5595‬‬
‫‪12‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫صحيــح اجلامــع (‪.)8334‬‬


‫‪ -3‬الحسنات الماحية وأعظمها التوحيد‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َ ُ ْ ْ َ َّ ِّ َ‬ ‫َ َ َٰ‬
‫�ات ذ ِلــك‬
‫ات يذ ِهــن الســيئ ِ‬ ‫قــال هللا تعــال‪ِ :‬‬
‫﴿إن الســن ِ‬
‫ين﴾[هــود‪ ،]114 :‬قــال ابــن كثــر ‪« :ُV‬إن‬ ‫ذ ْك َــرى ل َّلذاكر َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫فعــل اخلــرات يكفــر الذنــوب الســالفة‪ ..‬ويبــن‬
‫هــذا ويوضحــه حديــث أيب ذر ومعــاذ أن رســول‬
‫هللا‪H‬قــال‪ ..«:‬وأتبــع الســيئ�ة احلســنة‬
‫تمحهــا‪ ، ((1(»..‬وأعظــم احلســنات الماحيــة‪ :‬التوحيــد‪،‬‬
‫وصحــة االعتقــاد‪ ،‬واحلــذر مــن الشــرك بأنواعــه‪.‬‬
‫* قــال رســول هللا ‪«:H‬قــال هللا َت َع َ ٰ‬
‫ال‪:‬يــا ابــن‬
‫آدم! لــو أنــك أتيتــي بقــراب األرض خطايــا‪ ،‬ثــم لقيتــي‬
‫ً‬
‫ال تشــرك يب شــيئ�ا؛ ألتيتــك بقرابهــا مغفــرة»(‪ . ((1‬فقولــه‬
‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫َ َ َٰ َ ُ ْ ْ‬
‫ســليما مــن‬ ‫ــال‪﴿:‬ل تش ِــرك ِب ش ْــيئ�ا﴾[احلج‪ ]26 :‬أي‪:‬‬ ‫تع‬
‫الشــرك‪ :‬كثــره وقليلــه‪ ،‬صغــره وكبــره‪.‬‬
‫قــال ابــن رجــب‪«: V‬مــن جــاء مــع التوحيــد بقــراب‬
‫َ‬
‫األرض خطايــا؛ لقيــه هللا بقرابهــا مغفــرة‪ ..‬فــإذا ك ُمــل‬

‫(‪ :((1‬حم‪ .‬د‪ .‬ت صحيح اجلامع (‪) 79‬‬


‫(‪ :((1‬الرتمذي‪ ،‬وروى حنوه أحمد ومسلم‪ ،‬صحيح اجلامع (‪)4338‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪13‬‬
‫توحيــد العبــد وإخالصــه هلل َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال فيــه‪ ،‬وقــام بشــروطه‬
‫بقلبــه ولســانه وجبوارحــه عنــد املــوت؛ أوجــب ذلــك‬
‫مغفــرة مــا قــد ســلف مــن الذنــوب كلهــا‪ ،‬ومنعــه مــن‬
‫دخــول النــار بالكليــة‪ . ((1(»..‬فالعبــد يســعى ً‬
‫دائمــا‬
‫لتصحيــح عقيدتــه‪ ،‬ليســلم مــن الشــرك بأنواعــه‪.‬‬
‫❖فاحلســنات كلهــا ماحيــة للســيئ�ات‪ ،‬وقــد جــاءت‬
‫النصــوص يف بعــض األعمــال املكفــرة للذنــوب‪ ،‬منهــا‪:‬‬
‫❖ حديث‪«:‬مــن توضــأ فأحســن الوضــوء؛ خرجــت‬
‫خطايــاه مــن جســده حــى ختــرج مــن حتــت أظافــره»‬
‫مســلم‪.‬‬
‫❖ حديــث‪«:‬إن مــن موجبــات املغفــرة‪ :‬بــذل الســام‪،‬‬
‫وحســن الــكالم»(‪. ((1‬‬
‫❖ حديث‪«:‬مــا مــن قــوم يذكــرون هللا‪ ،‬ال يريــدون بذلك‬
‫إال وجهــه؛ إال ناداهــم منــاد مــن الســماء‪ :‬أن قومــوا مغفـ ٌ‬
‫ـور‬ ‫ٍ‬
‫(‪((1‬‬
‫لكــم‪ ،‬قــد ُبدلت ســيئ�اتكم حســنات»‬
‫❖وكذلــك الصــاة‪ ،‬والصيــام‪ ،‬والصدقــة‪ ،‬والشــهادة‪،‬‬
‫(‪ :((1‬جامع العلوم واحلك ‬
‫م‬
‫(‪ :((1‬السلسلة الصحيحة (‪)1035‬‬
‫(‪:((1‬أحمــد‪ ،‬وراجــع صحيــح اجلامــع (‪ )5610‬و(‪ ،)5507‬وحســنه ســليم‬
‫‪14‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫وكفــارة املجلــس وغريها؛فاإلكثــار مــن األعمــال الصاحلة‬


‫فيــه تكفــر للذنــوب والعــايص‪ .‬ومنهــا حديــث‪«:‬إن‬
‫ســبحان هللا‪ ،‬واحلمــد هلل‪ ،‬وال إلــه إال هللا‪ ،‬وهللا أكــر‬
‫(‪((1‬‬
‫تنفــض اخلطايــا كمــا تنفــض الشــجرة ورقهــا»‬
‫❖ ومنهــا حديــث‪« :‬أال أدلكــم علــى مــا يمحــو هللا بــه‬
‫اخلطايــا‪ ،‬ويرفــع بــه الدرجــات‪ :‬إســباغ الوضــوء علــى‬
‫املــكاره‪ ،‬وكــرة اخلطــا إىل املســاجد‪ ،‬وانتظــار الصــاة‬
‫بعــد الصــاة‪. ((2(»..‬‬
‫‪ -4‬دعاء المالئكة والمؤمنين للعبد المؤمن‪:‬‬
‫َ‬ ‫ــون ْال َع ْــر َش َو َم ْ‬
‫ــن َح ْول ُــه‬
‫َّ َ َ ْ ُ َ‬
‫ــال‪﴿ :‬ال ِذيــن ي ِمل‬‫قــال هللا َت َع َ ٰ‬
‫ون ل َّلذ َ‬
‫يــن‬
‫ََ ْ َْ ُ َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ َ َ ْ َ ِّ ْ َ ُ ْ ُ َ‬
‫ــه ويســتغ ِفر ِ ِ‬ ‫ــد رب ِهــم ويؤ ِمنــون ِب ِ‬ ‫يســبحون ِبم ِ‬
‫َ ُ َ َّ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ْ َ ً َ ْ ً َ ْ ْ َّ َ َُ‬
‫آمنــوا ربنــ�ا و ِســعت كل ش ٍء رحمــة و ِعلمــا فاغ ِفــر ِلل ِذيــن تابــوا‬
‫ال ِح ِيم﴾[غافــر‪ ،]7 :‬قــال ابــن‬ ‫ــم َع َــذ َ‬
‫اب ْ َ‬ ‫َو َّات َب ُعــوا َســب َيل َك َوقه ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ــال مالئكتــه املقربــن أن يدعــوا‬ ‫كثري‪«:‬قيــض هللا َت َع َ ٰ‬
‫للمؤمنــن بظهــر الغيــب‪ ،‬ولــذا كانــوا ِّ‬
‫يؤمنــون علــى دعــاء‬

‫الهاليل يف مكفرات الذنوب‪.‬‬


‫(‪ :((1‬حم‪ .‬ت‪ .‬األدب املفرد‪ .‬صحيح اجلامع (‪.)2089‬‬
‫(‪ :((2‬مسلم (‪ )219/1‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪15‬‬
‫املؤمنــن بظهــر الغيــب»(‪. ((2‬‬
‫❖قلــت‪ :‬يشــر ‪ V‬إىل حديــث أيب الــدرداء‪ ،‬أن رســول‬
‫هللا‪H‬قال‪«:‬دعــوة املــرء املســلم ألخيــه بظهــر‬
‫الغيــب مســتجابة‪ ،‬عنــد رأســه ملــك مــوكل‪ ،‬كلمــا دعــا‬
‫(‪((2‬‬
‫ألخيــه خبــر قــال امللــك املــوكل بــه‪ :‬آمــن ولــك بمثــل»‬
‫‪ ،‬فمــن مكفــرات الذنــوب‪ :‬أن يدعــو لــه إخوانــه املؤمنون‪،‬‬
‫ويســتغفرون لــه‪.‬‬
‫‪ -5‬المصائب المكفرة في حياته‪:‬‬

‫ـال‪،‬‬ ‫بشــرط الصــر‪ ،‬واحتســاب األجــر‪ ،‬وحمــد هللا َت َعـ َ ٰ‬


‫ُ‬
‫وهــذه املصائــب تطهــر العبــد املؤمــن مــن خطايــاه كمــا‬
‫ُيغســل الثــوب األبيــض بالمــاء والثلــج‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫❖زار شــداد بــن أوس ‪ I‬رجــا مريضــا‪ ،‬فقــال‬
‫لــه‪« :‬أبشــر بكفــارات الســيئ�ات وحــط اخلطايــا‪ ،‬فــإين‬
‫ــال‪:‬‬ ‫ســمعت رســول هللا‪H‬يقول‪«:‬قــال هللا َت َع َ ٰ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إين إذا ابتليــت عبــدا مــن عبــادي مؤمنــا‪ ،‬فحمــدين‪ ،‬وصــر‬
‫علــى مــا بليت�ه؛فإنــه يقــوم مــن مضجعــه ذلــك كيــوم‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ولدتــه أمــه مــن اخلطايــا»‪ ،‬ويقــول الــرب َعــز َو َجــل‪:‬‬
‫(‪ :((2‬تفسري ابن كثري (‪ )71/4‬‬
‫(‪ :((2‬رواه مسلم (‪ )2094/4‬‬
‫‪16‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫«أنــا قيــدت عبــدي هــذا وابتليت ـ�ه‪ ،‬فأجــروا لــه مــا كنتــم‬
‫ُ‬
‫تــرون لــه قبــل ذلــك مــن األجــر‪ ،‬وهــو صحيــح»(‪، ((2‬‬
‫قــال ابــن عبــد الــر‪« :‬الذنــوب تكفرهــا املصائــب واآلالم‬
‫واألمــراض‪ ،‬وهــذا أمــر مجتمــع عليــه» (‪.((2‬‬
‫وقــال رســول هللا ‪«:H‬مــا يصيــب املســلم مــن‬
‫ـزن‪ ،‬وال أذى‪ ،‬وال غـ ٍّـم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍّ‬
‫ـب‪ ،‬وال هــم‪ ،‬وال حـ ٍ‬ ‫ـب‪ ،‬وال وصـ ٍ‬
‫نصـ ٍ‬
‫حــى الشــوكة يشــاكها إال كفــر هللا بهــا خطايــاه»(‪. ((2‬‬
‫وقــال ‪«:H‬مــا يــزال البــاء باملؤمــن واملؤمنــة‬
‫يف نفســه وولــده ومالــه‪ ،‬حــى يلقــى هللا َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال ومــا عليــه‬
‫خطيئ ـ�ة»(‪.((2‬‬
‫وقــال ‪«:H‬مــا مــن مســلم يصيبــ�ه أذى مــن‬
‫مــرض فمــا ســواه‪ ،‬إال حــط هللا بــه ســيئ�اته‪ ،‬كمــا حتــط‬
‫الشــجرة ورقهــا»(‪ ، ((2‬والنصــوص يف تكفــر املصائــب‬
‫ًّ‬
‫للذنــوب كثــرة جــدا‪.‬‬
‫(‪ :((2‬أحمد وغريه صحيح اجلامع (‪)4300‬‬
‫(‪ :((2‬التمهيد (‪ )26/23‬‬
‫(‪ :((2‬متفق عليه ‬
‫(‪:((2‬ت‪ .‬حــم‪ .‬ك صحيــح جلامــع (‪ ،)5815‬صحيــح ســن الرتمــذي‬
‫(‪ )286/2‬‬
‫(‪ : ((2‬متفق عليه‪ ،‬خ (‪،)5647‬م(‪ )2571‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪17‬‬
‫‪ -6‬االبتالء عند الموت وفي البرزخ‪:‬‬

‫يف ســاعة االحتضــار يعــاين العبــد مــن ســكرات‬


‫املوت؛لتطهــره مــن الذنــوب‪ ،‬ولرفــع درجاتــه‪ ،‬وهــذه‬
‫الســكرات عــاىن منهــا رســول هللا ‪ ،H‬فقــال‪«:‬ال‬
‫إلــه إال هللا‪ ،‬إن للمــوت لســكرات»(‪ ،((2‬فــإذا ُو ِضــع يف‬
‫ً‬
‫قــره ضمـ ُـه القــر ضمــة ال ينجــو منهــا أحــد‪ ،‬قــال رســول‬
‫هللا ‪«:H‬لــو جنــا أحــد مــن ضمــة القــر؛ لنجــا‬
‫(‪((2‬‬
‫خ عنــه»‬ ‫ســعد بــن معــاذ‪ ،‬ولقــد ُضــم ضمــة ثــم ُر ِ َ‬
‫‪ ،‬ويف القــر فتنــ�ة عظيمــة‪ ،‬هــي ســؤال امللكــن منكــر‬
‫ونكــر‪.‬‬
‫❖فــإذا بقيــت ذنــوب لــم تكفرهــا املكفــرات الســابقة‪،‬‬
‫ُ‬
‫ولــم يعــف هللا عنــه‪ُ ،‬عــذب العــايص يف قــره َلي ْطهــر مــن‬
‫ذنوبــه الــي أصرعليهــا‪ ،‬ولــم يت�داركهــا بتوبــة صادقــة‪،‬‬
‫ومــا أعظــم أهــوال القــر‪ ،‬ومــا أفظــع منظــره‪ ،‬قــال رســول‬
‫هللا ‪«:H‬مــا رأيــت منظـ ًـرا قــط أفظــع منــه»(‪،((3‬‬
‫فيعــذب العــايص لتكفــر ذنوبــه وتمــى ســيئ�اته‪ ،‬قــال‬
‫(‪ :((2‬رواه البخاري‬
‫(‪ :((2‬الطرباين‪ ،‬وهو يف صحيح اجلامع (‪ )5306‬‬
‫(‪ :((3‬ت‪ .‬جه صحيح اجلامع (‪ )85/2‬‬
‫‪18‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫رســول هللا ‪«:H‬إن املــوىت ُليعذبــون يف قبورهــم‪،‬‬


‫حــى أن البهائــم لتســمع أصواتهــم»(‪،((3‬ووردت‬
‫النصــوص الــي تــدل علــى عــذاب أهــل املعــايص‪،‬‬
‫كالنميمــة وعــدم االســتت�ار مــن البــول‪ ،‬والني�احــة‪،‬‬
‫والكــذب‪ ،‬والزنــا‪ ،‬وأكل الربــا‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬ومــا هــذا العــذاب‬
‫يف القــر إال نتيجــة اآلثــام والســيئ�ات الــي عملهــا العبــد‪،‬‬
‫وبــه تكفــر هــذه الذنــوب‪.‬‬
‫‪ -7‬االبتالء في عرصات يوم القيامة‪:‬‬

‫يــوم القيامــة يــوم عســر علــى الكافرين وبعــض عصاة‬


‫املؤمنــن‪ ،‬فيعــذب هللا فيــه ً‬
‫أقوامــا مــن هــذه األمــة‪ ،‬لــم‬
‫تكفــر ســيئ�اتهم وذنوبهــم يف الدنيــ�ا وال يف الربزخ‪،‬ومــن‬
‫هــؤالء املــراؤون بأعمالهــم يف الدنيــ�ا كالشــهيد املــرايئ‪،‬‬
‫والقــارئ‪ ،‬واملتصــدق‪ ،‬وكذلــك أصحــاب الكبائرالــي لــم‬
‫يتوبــوا منهــا‪ ،‬كمانعــي الــزكاة واملتكبريــن‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬
‫‪ -8‬دعــاء المؤمنيــن لــه بعــد موتــه وإهدائهــم لــه مــن‬
‫ـى‪:‬‬ ‫الَ‬
‫ثــواب أعمالهــم مــا ينفعــه بــإذن هللا َت َع ـ ٰ‬
‫أمــا دعــاء املؤمــن لــه؛ فهــو جائــز باتفــاق العلمــاء‪،‬‬
‫ودلــت عليــه النصــوص الصرحيـــة‪ ،‬ومنهــا‪ :‬قولــه‬
‫(‪ :((3‬صحيح اجلامع ‬
‫‪19‬‬
‫َت َع َ ٰ‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫ْ ُ ُ َ َ ْ‬
‫ــم َيقولــون َر َّبنــ�ا اغ ِف ْــر‬ ‫ــاءوا م ْ‬
‫ــن َب ْع ِد ِه‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫ــال‪﴿ :‬وال ِذيــن ج ُ ِ‬
‫َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ‬
‫ال َيم ِان﴾[احلشــر‪ ،]10 :‬وقولــه‬ ‫لنــا و ِ ِلخوا ِننــ�ا ال ِذيــن ســبقونا ِب ِ‬
‫‪«:H‬اســتغفروا ألخيكــم‪ ،‬وســلوا لــه التثبيــت‪،‬‬
‫فإنــه اآلن ُيســأل»(‪ ، ((3‬وكذلــك صــاة اجلنــازة غالبهــا‬
‫دعــاء للميــت واســتغفار له‪،‬فالدعــاء للميــت مــن‬
‫مكفــرات الذنــوب‪ ،‬ومــن أســباب رفــع الدرجــات‪.‬‬
‫قــال ابــن أيب العــز ‪-‬شــارح الطحاوية‪«:-‬أثــى هللا‬
‫علــى املؤمنــن باســتغفارهم للمؤمنــن قبلهــم‪ ،‬فــدل‬
‫علــى انتفاعهــم باســتغفار األحيــاء‪ ،‬وقــد دل علــى انتفــاع‬
‫امليــت بدعــاء األحيــاء لــه‪ :‬إجمــاع األمــة علــى الدعــاء لــه‬
‫يف صــاة اجلنــازة»(‪. ((3‬‬
‫❖أمــا يف بقيــة العبــادات والقربــات‪ ،‬وهــل يصــل‬
‫ثوابهــا إىل األمــوات لينتفعــوا بهــا‪ ،‬وتكــون ســبب�ا لتكفــر‬
‫ســيئ�اتهم ورفــع درجاتهم؛فقــد اختلــف العلمــاء علــى‬
‫أقــوال ثالثــة‪:‬‬
‫❋القــول األول‪ :‬أن األمــوات ينتفعــون مــن ســعي‬
‫(‪ :((3‬صحيح اجلامع‪ ،‬أبو داود ‬
‫(‪ ،)666/2( :((3‬وكذلــك حكــى اإلجمــاع ابــن تميمــة‪ ،‬وابــن كثــر يف‬
‫تفسريه (‪ )259/4‬‬
‫‪20‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫األحيــاء لهــم يف العبــادات الــي تدخلهــا الني�ابــة‬


‫كالصدقــة‪ ،‬واحلــج‪ ،‬وغريهــا‪.‬‬
‫❋القــول الثانــي‪ :‬أنهــم ينتفعــون بمــا كان امليــت سـ ً‬
‫ـبب�ا‬
‫فيــه‪ ،‬كالوصيــة‪ ،‬ودعــاء الولــد‪ ،‬والصدقــة اجلاريــة‪.‬‬
‫ً‬
‫❋القــول الثالــث‪ :‬أن األمــوات ينتفعــون مطلقــا‪ ،‬ويف‬
‫جميــع العبــادات والقربــات‪.‬‬
‫❖والراجــح‪ :‬هــو أن كل مــا ورد فيــه نــص ينتفــع بــه‬
‫مــن إهــداء وعمــل األحياء‪،‬أمــا مــا لــم يــرد فيــه نــص مــن‬
‫القربــات فــا؛ألن ذلــك لــم يكــن مــن هــدي الســلف‪.‬‬
‫❖ وهــذه بعــض األعمــال الــي ينتفــع بهــا امليــت مــع‬
‫أدلتهــا وأقــوال أهــل العلــم‪.‬‬
‫قضاء ولي الميت صوم النذر عنه‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫َ َ ُ ْ‬
‫هللا َعن َهاقالــت‪ :‬قــال رســول‬ ‫عــن عائشــة ر ِض‬
‫هللا ‪«:H‬مــن مــات وعليــه صيام؛صــام عنــه‬
‫وليــه»(‪ ، ((3‬وهــذا الصيــام ليــس علــى إطالقــه‪ ،‬وإنمــا‬
‫هــو مقيــد بصيــام النــذر‪ ،‬بدليــل مــا روت عمــرة أن أمهــا‬
‫ماتــت وعليهــا مــن رمضــان‪ ،‬فقالــت لعائشــة‪« :‬أقضيــه‬

‫(‪ :((3‬متفق عليه ‬


‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪21‬‬
‫عنهــا؟ قالــت‪ :‬ال‪ ،‬بــل تصــديق عنهــا مــكان كل يــوم نصــف‬
‫صــاع علــى كل مســكني»(‪ ، ((3‬وكذلــك مــا روى ســعيد‬
‫بــن جبــر عــن ابــن عبــاس ‪َ I‬مــا قــال‪«:‬إذا مــرض‬
‫الرجــل يف شــهر رمضــان‪ ،‬ثــم مــات ولــم يصــم أطعــم‬
‫عنــه‪ ،‬وإن كان عليــه نــذر قــى عنــه وليــه» (‪.((3‬‬
‫قــال الشــيخ األلبــاين‪« : V‬وهــذا يف التفصيــل‬
‫الــذي ذهبــت إليــه أم املؤمنــن‪ ،‬وحــر األمــة ابــن‬
‫عبــاس‪ ،‬وتابعهمــا إمــام الســنة أحمــد بــن حنبــ�ل‪ ،‬هــو‬
‫أعــدل األقــوال يف هــذه املســألة‪ ،‬وفيــه إعمــال جلميــع‬
‫(‪((3‬‬
‫األحاديــث»‬
‫وعــن ابــن عبــاس أن ســعد بــن عبــادة ‪ I‬قــال‪:‬‬
‫اســتفىت رســول هللا‪ :‬إن أيم ماتــت وعليهــا نــذر‪،‬‬
‫فقال‪«:‬اقضــه عنهــا»(‪ .((3‬فقضــاء صيــام النــذر ينتفــع‬
‫بــه امليــت؛ ألن رســول هللا‪H‬أمــر الــويل أن يصــوم‬

‫(‪ :((3‬أخرجه الطحاوي وله طر ‬


‫ق‬
‫(‪ :((3‬أخرجه أبو داود‪ ،‬وله طرق عند ابن حزم والطحاوي ‬
‫(‪:((3‬أحــكام اجلنائــز ص‪ ،215‬ورجــح ذلــك اإلمــام ابــن القيــم يف أعــام‬
‫املوقعني (‪ ،)554/3‬وتهذيب السنن (‪ .)279/3‬‬
‫(‪ :((3‬متفق عليه ‬
‫‪22‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫عــن امليــت‪.‬‬
‫قضــاء الديــن عنــه مــن أي شــخص وليــا كان أو‬ ‫‪.2‬‬
‫غيــره‪:‬‬

‫فعــن ســعد بــن األطــول ‪ I‬أن أخــاه مــات‬


‫وعليــه ديــن‪ ،‬فقــال لــه رســول هللا ‪«:H‬إن‬
‫أخــا ك   محبــوس بدين ـ�ه‪ ،‬فاذهــب فاقــض عنــه‪.((3(»..‬‬
‫وعــن ســمرة بــن جنــدب ‪ I‬أن النــي‪H‬‬
‫ً‬
‫صلــى علــى جنــازة‪ ،‬فلمــا انصــرف قــال ألهلــه‪«:‬إن فالنــا‬
‫مأســور بدينــ�ه‪ ،‬فلــو رأيــت أهلــه ومــن يتحــرون أمــره‬
‫قامــوا فقضــوا عنــه»(‪.((4‬‬
‫وكذلــك حديــث جابــر يف قصــة الرجــل الــذي عليــه‬
‫ديــن‪ ،‬فقــال رســول هللا ‪«:H‬صلــوا علــى‬
‫صاحبكــم»‪ ،‬فقــال أبــو قتــادة‪ :‬دينــ�ه علــي‪ ،‬فصلــى‬
‫عليــه‪ ،‬وقــال أليب قتــادة‪« :‬همــا عليــك الدين ـ�اران»‪ ،‬ويف‬
‫مالك‪«:‬وامليــت منهمــا بــريء»(‪. ((4‬‬
‫❖أفــادت هــذه األحاديــث أن امليــت ينتفــع بقضــاء‬
‫(‪ :((3‬أحمد وابن ماجه والبيهقي‪ ،‬أحكام اجلنائز لأللباين ص ‪25‬‬
‫(‪ :((4‬د‪ .‬ن‪ .‬ك‪ .‬هق أحكام اجلنائز ص‪ 26‬‬
‫(‪ :((4‬حم‪ .‬ك أحكام اجلنائز ص‪ 27‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪23‬‬
‫الديــن عنــه‪ ،‬ولــو كان مــن غــر ولــده‪ ،‬وأن القضــاء ينفــع‬
‫امليــت برفــع العــذاب عنــه‪ ،‬وهــي مــن املخصصــات؛‬
‫ــعى﴾‬ ‫ِِ‬
‫﴿و َأ ْن َل ْي َ‬
‫ــس ل ْل ْن َســان إ َّل َمــا َس َ‬ ‫لعمــوم قولــه َت َع َ ٰ‬
‫ــال‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬
‫[النجــم‪.]39 :‬‬
‫مــا يفعلــه الولــد الصالــح مــن األعمــال الصالحــة‬ ‫‪.3‬‬
‫فــإن لوالديــه مثــل أجــره‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ألن الولــد مــن ســعيهما وكســبهما‪ ،‬وهللا َعــز َو َجــل‬
‫َّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫﴿وأن ل ْيـ َـس ِل ِلن َسـ ِـان ِإ ل َمــا َسـ َـعى﴾[النجم‪ ،]39 :‬ورســول‬ ‫قــال‪:‬‬
‫هللا‪H‬يقــول‪«:‬إن أطيــب مــا أكل الرجــل مــن‬
‫كســبه‪ ،‬وإن ولــده مــن كســبه»(‪ .((4‬ويؤيــده نصــوص‬
‫وردت يف انتفــاع الوالــد بعمــل ولــده‪ ،‬كالصدقــة‪،‬‬
‫والصيــام‪ ،‬والعتــق‪ ،‬وحنــوه‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫َ َ ُ َ َْ‬
‫❖ مــا رواه الشــيخان عــن عائشــة ر ِض هللا عنهــا‪ :‬أن‬
‫رجــا قــال للنــي ‪ :H‬إن أيم افتلتـــت نفســها‪،‬‬
‫وأظنهــا لــو تكلمــت تصدقــت‪ ،‬فهــل لهــا أجــر إن‬
‫تصدقــت عنهــا؟ قــال‪« :‬نعــم»‪ ،‬ومــا رواه مســلم وغــره‬
‫ً‬
‫عــن أيب هريــرة ‪ :I‬أن رجــا قــال للنــي ‪:H‬‬

‫(‪ :((4‬رواه اخلمسة‪ ،‬صحيح اجلامع (‪ )1566‬‬


‫‪24‬‬
‫ً‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫إن أيب مــات وتــرك مــال‪ ،‬ولــم يــوص‪ ،‬فهــل يكفــر عنــه‬
‫أن أتصــدق عنــه؟ قــال‪« :‬نعــم»‪ ،‬ويف صحيــح البخــاري‬
‫(‪ )2581‬عــن ابــن عبــاس‪ ،‬أن امــرأة جــاءت إىل النــي‬
‫‪ ،H‬فقالــت‪ :‬إن أيم نــذرت أن حتــج فلــم حتــج‬
‫حــى ماتــت‪ ،‬أفأحــج عنهــا؟ قــال‪« :‬نعــم حــي عنهــا‪،‬‬
‫أرأيــت لــو كان علــى أمــك ديــن أكنــت قاضيتــ�ه؟ ‪.»..‬‬
‫❖ قــال الشــوكاين‪« :V‬وأحاديــث البــاب تــدل علــى‬
‫أن الصدقــة مــن الولــد تلحــق الوالديــن بعــد موتهمــا‪،‬‬
‫ويصــل إليهمــا ثوابهمــا‪ ،‬فيخصــص بهــذه األحاديــث‬
‫َ َ َٰ ََ ْ َْ َ‬
‫ـس ل ْل ْن َسـ َّ َ َ َ‬
‫ـان ِإ ل مــا ســعى﴾[النجم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫عمــوم قولــه تعــال‪﴿:‬وأن ليـ ِ ِ‬
‫‪ ،]39‬وأمــا مــن غــر الولــد‪ ،‬فالظاهــر أنــه ال يصــل ثوابــه إىل‬
‫امليــت‪. ((4(»..‬‬
‫* قــال الشــيخ األلباين‪«:ُV‬وهــذا هــو احلــق الــذي‬
‫تقضيــه القواعــد العلميــة‪ ...‬وذهــب بعضهــم إىل قيــاس‬
‫غــر الولــد‪ ،‬وهــو قيــاس باطــل مــن وجــوه‪:‬‬
‫❋األول‪ :‬أنه مخالف للعموميات القرآني�ة‪.‬‬
‫❋الثاني‪ :‬أنه قياس مع الفارق‪.‬‬

‫(‪ :((4‬ني�ل األوطار (‪ )79/4‬‬


‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪25‬‬
‫❋الثالث‪ :‬أن السلف لم يهدوا الثواب إىل املوىت»(‪.((4‬‬
‫❖ قــال شــيخ اإلســام‪« :‬ولــم يكــن مــن عــادة الســلف‬
‫ً‬
‫تطوعــا‪ ،‬أو‬ ‫ً‬
‫تطوعــا‪ ،‬أو حجــوا‬ ‫ً‬
‫تطوعــا‪ ،‬أو صامــوا‬ ‫إذا صلــوا‬
‫قــرؤوا القــرآن يهــدون ثــواب ذلــك إىل أمــوات املســلمني؛‬
‫فــا ينبغــي العــدول عــن طريــق الســلف‪ ،‬فإنــه أفضــل‬
‫وأكمــل‪. ((4(»..‬‬
‫❖ قــال العــز بــن عبــد الســام‪«:‬ومن فعــل طاعــة‬
‫هلل َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال‪ ،‬ثــم أهــدى ثوابهــا إىل يح أو ميــت؛ لــم ينتقــل‬
‫ثوابهــا إليــه؛ إذ ليــس لإلنســان إال مــا ســعى‪ ،‬إال فيمــا‬
‫اســتثن�اه الشــرع‪ ،‬كالصدقــة والصــوم واحلــج»(‪. ((4‬‬
‫مــا خلفــه مــن بعــده مــن آثــار صالحــة وصدقــات‬ ‫‪.4‬‬
‫جاريــة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫﴿و َن ْك ُت ُ‬
‫ــب َمــا ق َّد ُمــوا َوآث َار ُه ْم﴾[يــس‪،]12 :‬‬ ‫قــال َت َع َ ٰ‬
‫ــال‪َ :‬‬

‫تالهــا رســول هللا‪H‬بعــد حديث‪«:‬مــن ســن‬

‫(‪ :((4‬أحكام اجلنائز‪ ،‬وفيه حبث مهم‪ .‬‬


‫(‪ :((4‬االختي�ارات العلمية ص‪ 54‬‬
‫(‪ :((4‬الفتاوى (‪ )2/24‬‬
‫‪26‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫يف اإلســام» ‪.‬وعن أيب هريــرة ‪ ،I‬أن رســول هللا‬ ‫(‪((4‬‬

‫‪ ،H‬قــال‪«:‬إذا مــات اإلنســان انقطــع عنــه عملــه‬


‫إال مــن ثالثــة أشــياء‪:‬صدقة جاريــة‪ ،‬أو علــم ينتفــع بــه‪،‬‬
‫أو ولــد صالــح يدعــوا لــه» (‪.((4‬‬
‫❖وخالصــة مــا يتعلــق بانتفــاع األمــوات بمــا يعملــه‬

‫األحيــاء‪ :‬أن العمومــات القرآني ـ�ة تــدل علــى أن امليــت ال‬

‫ـس‬ ‫﴿و َأ ْن َل ْيـ َ‬ ‫ينتفــع مــن عمــل األحيــاء‪ ،‬ومنهــا قولــه َت َعـ َ ٰ‬
‫ـال‪َ :‬‬

‫َ َ َّ‬
‫﴿و َمـ ْـن تزكــى‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫ِل ْل ْن َسـ ِـان إ َّل َمــا َسـ َـعى﴾[النجم‪ ،]39 :‬وقولــه َت َع َ ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ َّ‬
‫ف ِإن َمــا َيتكــى ِلنف ِسـ ِـه﴾[فاطر‪ .]18 :‬وقــد جــاءت الســنة النبويــة‬

‫وخصصــت بعــض احلــاالت‪ ،‬منهــا‪ :‬الدعــاء‪ ،‬وقضــاء‬

‫الديــن‪ ،‬وقضــاء صــوم النــذر عنــه مــن الــويل‪ ،‬وكذلــك‬

‫مــا يفعلــه الولــد الصالــح مــن األعمــال الصاحلــة‪،‬‬

‫(‪ :((4‬رواه مسلم ‬


‫(‪ :((4‬مسلم وأحمد وأبو داو د‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪27‬‬
‫كالصدقــة‪ ،‬واحلــج‪ ،‬والصيــام‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬وكذلــك مــا‬

‫خلفــه امليــت مــن بعــده مــن آثــار صاحلــة وصدقــات‬

‫جاريــة‪ ،‬أمــا غــر ذلــك فلــم يكــن مــن عــادة الســلف‬

‫الصالــح إهــداء الثــواب إىل األمــوات‪ ،‬كذلــك ال يصــل‬

‫إىل امليــت بعــد موتــه بعــض مــا يفعلــه النــاس‪ ،‬وهــو‬

‫مــن جنــس البــدع املنكــرة‪ ،‬مثــل‪ :‬قــراءة ســورة يــس علــى‬

‫امليــت‪ ،‬أو قــراءة القــرآن يف مجالــس التعزيــة‪ ،‬أو قولهــم‬

‫الفاحتــة علــى روح فــان‪ ،‬أو غريهــا مــن العبــادات الــي ال‬

‫أصــل لهــا يف الشــرع‪.‬‬


‫ومــن مكفــرات الذنــوب‪ :‬شــفاعة النبــي‪H‬‬ ‫‪-9‬‬
‫وغيــره مــن األنبيــاء والمالئكــة والشــهداء واألطفــال‬

‫وغيرهــم‪:‬‬

‫❖ وشــفاعة النيب‪H‬ثابت ـ�ة بالكتــاب والســنة‪،‬‬


‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َٰ َ َ َْ‬
‫ــى أن َي ْب َعثــك َر ُّبــك َمق ًامــا َم ْح ُمــودا﴾‬‫قــال هللا تعال‪﴿:‬ع‬
‫[اإلســراء‪ ،]79 :‬وعــن أنــس عــن النيب‪H‬قــال‪« :‬كل‬
‫‪28‬‬
‫ً‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫نــي ســأل ســؤال» أو قال‪«:‬لــكل نــي دعــوة قــد دعــا‬


‫بهــا فحســب‪ ،‬فجعلــت دعــويت شــفاعيت ألمــي يــوم‬
‫القيامــة»(‪.((4‬‬
‫❖ وعــن أنــس أن النيب‪H‬قــال‪« :‬شــفاعيت‬
‫ألهــل الكبائــر مــن أمــي»(‪ .((5‬وعــن عمــران بــن حصــن‬
‫عــن النيب‪H‬قال‪«:‬خيــرج قــوم مــن النــار بشــفاعة‬
‫محمــد‪ ،‬فيدخلــون اجلنــة‪ ،‬ويســمون اجلهنميــن»(‪. ((5‬‬
‫❖ وكذلــك األنبيــ�اء يشــفعون ألقوامهــم واملالئكــة‬
‫ً‬
‫أيضــا؛ حلديــث أيب ســعيد يف الصحيحــن أن رســول‬
‫هللا‪H‬قال‪«:‬فيشــفع النبيــون واملالئكــة‬
‫واملؤمنــون‪ »..‬وهــذه الشــفاعات ال بــد أن يتوفــر فيهــا‬
‫شــرطان‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫❋األول‪ :‬إذن هللا للشــافع أن يشــفع‪ ،‬قــال ت َعـ ٰ‬
‫﴿مـ ْـن‬
‫ـال‪َ :‬‬
‫َّ ْ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫ذا الـ ِـذي َيشــف ُع ِعنـ َـد ُه ِإ ل ِب ِإذ ِن ِه﴾[البقــرة‪.]255 :‬‬
‫َ َ َٰ ََ‬
‫﴿ول‬ ‫❋الثانــي‪ :‬رىض هللا عــن املشــفوع لــه‪ ،‬قــال تعــال‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ َّ‬
‫َيشــف ُعون ِإ ل ِل َمـ ِـن ْارتض﴾[األنبيـ�اء‪.]28 :‬‬
‫(‪ :((4‬متفق عليه‬
‫(‪ :((5‬ت‪ .‬د‪ .‬صحيح سنن أيب داود (‪ )4739‬‬
‫(‪ :((5‬خ‪ .‬د‪ .‬جه صحيح أيب داود (‪ )4741‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪29‬‬
‫❖وكذلــك املالئكــة تشــفع‪ ،‬وكذلــك الصديقــون‬
‫والشــهداء والصاحلــون مــن املؤمنــن املتقــن‪ .‬قــال‬
‫َْ َ‬
‫ــى َو ُه ْ‬
‫ــم‬ ‫ــن ارت‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ََ َ ْ َ ُ َ‬
‫ون إ َّل ل َ‬ ‫ع‬ ‫ــف‬‫ش‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫﴿و‬ ‫املالئكــة‪:‬‬ ‫عــن‬ ‫َت َع َ ٰ‬
‫ــال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ــن خش َــي ِت ِ�ه ُمش ِــفقون﴾[األنبي�اء‪ ،]28 :‬وقــال رســول ​‬
‫هللا‬ ‫ِم‬
‫(‪((5‬‬
‫‪«:H‬فيشــفع النبيــون واملالئكــة واملؤمنــون »‬
‫❖وقــال رســول هللا ‪«:H‬ليدخلــن اجلنــة‬
‫بشــفاعة رجــل مــن أمــي أكــر مــن بــي تميــم»‪ ،‬قالــوا‪ :‬يــا‬
‫رســول هللا! ســواك؟ قــال‪« :‬ســواي»(‪. ((5‬‬
‫❖وروى أحمــد والرتمــذي عــن أيب ســعيد أن رســول‬
‫هللا‪H‬قــال‪«:‬إن مــن أمــي مــن يشــفع للفئــام‪،‬‬
‫ومنهــم مــن يشــفع للقبيلــة‪ ،‬ومنهــم مــن يشــفع‬
‫للعصبــة‪ ،‬ومنهــم مــن يشــفع للرجــل؛ حــى يدخلــوا‬
‫اجلنــة»‪.‬‬
‫❖وقــال رســول هللا ‪«:H‬للشــهيد عنــد هللا‬
‫(‪((5‬‬
‫ســت خصــال‪ ..‬ويشــفع يف ســبعني مــن أقاربــه»‬

‫(‪ :((5‬حديث أيب سعيد يف الصحيحني‪ ،‬مسلم (‪ )115/1‬‬


‫(‪ :((5‬صحيح سنن ابن ماجه (‪ ،)3502‬والصحيحة (‪ )2178‬‬
‫(‪:((5‬رواه الرتمــذي وابــن ماجــة وأحمــد‪ .‬صحيــح ســن ابــن ماجــة‬
‫(‪ .)2275‬‬
‫‪30‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫❖يف صحيــح مســلم وغــره عــن أيب هريــرة‪ ،‬أن رســول‬


‫هللا‪H‬قال‪«:‬صغارهــم دعاميــص اجلنــة‪ ،‬يتلقى‬
‫أحدهــم أبــاه» أو قال‪«:‬أبويــه‪ ،‬فيأخــذ بيـ�ده‪ ،‬فــا ينتهــي‬
‫حــى يدخلــه هللا وأبــاه اجلنــة»(‪. ((5‬‬
‫❖ وعنــد أحمــد والنســايئ وغريهمــا عــن أيب هريــرة‬
‫قــال‪ :‬قــال رســول هللا ‪«:H‬مــا مــن مســلمني‬
‫يمــوت لهمــا ثالثــة أوالد لــم يبلغــوا احلنــث؛ إال أدخلهمــا‬
‫وقال‪«:‬يقــال لهم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫هللا وإياهــم بفضــل رحمتــه اجلنــة»‪،‬‬
‫أدخلــوا اجلنــة‪ ،‬فيقولــون‪ :‬حــى يــيء أبوانــا‪ ،‬فيقــال‬
‫لهم‪:‬ادخلــوا اجلنــة أنتــم وأبواكــم»‪.‬‬
‫❖روى أحمــد واحلاكــم بســند حســن عــن عبــد هللا بــن‬
‫عمــرو ‪ ،I‬أن رســول هللا‪H‬قال‪«:‬الصيــام‬
‫والقــرآن يشــفعان للعبــد يــوم القيامــة‪. ((5(»..‬‬
‫❖ عــن أيب هريــرة قــال أن رســول هللا‪H‬‬
‫قــال‪«:‬إن ســورة مــن القــرآن ثالثــون آيــة شــفعت‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫لرجــل حــى غفــر لــه» وهــي ســورة‪﴿ :‬ت َب ـ َ�ارك الـ ِـذي ِب َي ـ ِ�د ِه‬

‫(‪ :((5‬حم‪ .‬األدب املفر د‬


‫(‪ :((5‬صحيح الرتغيب والرتهيب (‪ )969‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪31‬‬
‫ْ ْ‬
‫ال ُمل ُك﴾(‪[((5‬امللــك‪ ، ]1 :‬ورواه غــره‬
‫❖ ويف صحيــح مســلم والرتمــذي والنســايئ وأحمــد‬
‫عــن عائشــة َر َ ُ َ ْ َ‬
‫ض هللا عنهــا‪ ،‬أن رســول هللا‪H‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪«:‬مــا مــن ميــت يصلــي عليــه أمــة مــن املســلمني‬
‫يبلغــون مائــة‪ ،‬كلهــم يشــفعون لــه‪ ،‬إال شــفعوا فيــه»‪.‬‬
‫❖ وعنــد أحمــد وأيب داود وابــن ماجــه عــن ابــن عبــاس‬
‫‪ ،L‬أن رســول هللا‪H‬قــال‪« :‬مــا مــن رجــل‬
‫ً‬
‫مســلم يمــوت‪ ،‬فيقــوم علــى جنازتــه أربعــون رجــا‪،‬‬
‫ً‬
‫ال يشــركون بــاهلل شــيئ�ا؛ إال شــفعهم هللا فيــه»‪ .‬قــال‬
‫(‪((5‬‬
‫األلباين‪«:‬أخرجــه مســلم وأبــو داود وابــن ماجــه‪»..‬‬
‫‪ -10‬وآخــر مكفــرات الذنــوب‪ :‬رحمــة أرحــم الراحمــن‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َعــز َو َجــل‪:‬‬
‫هللا برحمتــه الواســعة‪ ،‬الــي ادخــر‬ ‫أي‪ :‬أن يرحمــه ُ‬
‫منهــا تســعة وتســعني رحمــة ليــوم القيامــة‪.‬‬
‫❖ففــي حديــث أيب ســعيد يف الصحيحــن قــال‪..«:‬‬
‫فيشــفع النبيــون واملالئكــة واملؤمنــون‪ ،‬فيقــول اجلبــار‪:‬‬
‫(‪ :((5‬سنن ابن ماجه (‪ )3069‬‬
‫(‪ :((5‬أحكام اجلنائز ‪ )63‬ص‪ .127‬فالشفاعة من مكفرات الذنو ‬
‫ب‬
‫‪32‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫بقيــت شــفاعيت‪ ،‬فيقبــض قبضــة مــن النــار فيخــرج‬


‫ً‬
‫أقوامــا قــد امتحشــوا‪ُ ،‬فيلقــون يف نهــر بأفــواه اجلنــة‪،‬‬
‫ُيقــال لــه‪ :‬مــاء احليــاة‪ ..‬فيخرجــون كأنهــم اللؤلــؤ‪،‬‬
‫فيجعــل يف رقابهــم اخلواتيــم‪ ،‬فيدخلــون اجلنــة‪ ،‬فيقــول‬
‫ُ‬
‫أهــل اجلنــة‪ :‬هــؤالء عتقــاء الرحمــن‪ ،‬أدخلــوا اجلنــة بغــر‬
‫عمــل عملــوه وال خــر قدمــوه‪ ،‬فيقــال لهــم‪ :‬لكــم مــا رأيتــم‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ومثلــه معــه»‪ ،‬ويف روايــة ملســلم‪«:‬فيقول هللا َعــز َو َجــل‪:‬‬
‫شــفعت املالئكــة‪ ،‬وشــفع النبيــون‪ ،‬وشــفع املؤمنــون‪،‬‬
‫ولــم يبــق إال رحمــة أرحــم الراحمــن؛ فيقبــض قبضــة‬
‫قومــا لــم يعملــوا ً‬
‫خــرا قــط‪،‬‬ ‫مــن النــار‪ ،‬فيخــرج منهــا ً‬
‫عــادوا ً‬
‫حممــا‪ ،‬فيلقيهــم يف نهــر يف أفــواه اجلنــة»‪.‬‬
‫❖وعنــد مســلم وابــن ماجــه عــن أيب هريــرة‪ ،‬أن رســول‬
‫هللا‪H‬قــال‪«:‬إن هلل مائــة رحمة‪ ،‬أنــزل منها رحمة‬
‫ّ‬
‫واحــدة بــن اجلــن واإلنــس والبهائــم والهوائــم‪ ،‬وأخــر‬
‫تسـ ًـعا وتســعني رحمــة يرحــم بهــا عبــاده يــوم القيامــة»‪.‬‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪33‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫❖ فرحمــة هللا َعــز َو َجــل واســعة‪ ،‬مــن نظــر إليهــا‬
‫لــم يقنــط مــن رحمتــه‪ ،‬ويف ذلــك يقــول عليــه الصــاة‬
‫والســام‪«:‬لو يعلــم الكافــر مــا عنــد هللا مــن الرحمــة‪،‬‬
‫مــا قنــط مــن رحمتــه»(‪. ((5‬‬
‫❖ ويف الصحيحــن حديــث عمــر بــن اخلطــاب ‪I‬‬

‫قــال‪ :‬لمــا قــدم علــى رســول هللا‪H‬ســي‪،‬‬


‫فــإذا امــرأة تأخــذ ًّ‬
‫صبيــ�ا فأرضعتــه‪ ،‬فقــال رســول‬
‫هللا ‪«:H‬أتــرون هــذه املــرأة طارحــة ولدهــا يف‬
‫النار؟»قلنا‪ :‬ال وهللا‪ ،‬فقال رســول هللا ‪«:H‬هلل‬
‫أرحــم بعبــاده مــن هــذه بولدهــا»(‪. ((6‬‬
‫❖فمــن أخطأتــه هــذه العشــر املكفــرات فــا يلومــن‬
‫إال نفســه‪.‬‬
‫ينبغــي للمســلم أن ال يتــكل علــى‬ ‫❖وأخيــــرا‪:‬‬

‫املكفــرات‪ ،‬فيطلــق لنفســه العنــان يف مقارفــة الذنــوب‪،‬‬


‫ً‬
‫وارتــكاب املعــايص‪ ،‬ويظــن أنــه قــد عمــل عمــا ضمــن‬

‫(‪ :((5‬مسلم (‪ )2755‬‬


‫(‪ :((6‬خ (‪ ،)5999‬م (‪ )2754‬‬
‫‪34‬‬ ‫مكفـــرات الذنــوب‬

‫تكفــر خطايــاه كلهــا‪ ،‬فمــا يدريــه أن هللا تقبــل عملــه‬


‫فغفــر لــه ذنوبــه‪.‬‬
‫فاملؤمــن التقــي ال يغــر بعملــه‪ ،‬بــل جيتهــد يف طاعــة‬
‫هللا‪ ،‬ويبتعــد عــن الذنــوب واملعــايص‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أســأل هللا َعــز َو َجــل أن يكفــر ســيئ�اتن�ا ويرحمنــا‬
‫برحمتــه‪.‬‬
‫َ ْ ُ َّ َ ِّ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ‬
‫العال ِمي‬ ‫لل رب‬
‫وآخر دعوانا أ ِن احلمد ِ‬‫ِ‬
‫مكفـــرات الذنــوب‬ ‫‪35‬‬

You might also like