You are on page 1of 2

‫«صديقي» تشارلز!

‫هاني عسل‬

‫طبعا «تشارلز» ال صديقى وال أعرفه!‬

‫كل ما حدث أننى شاهدته عن قرب هو وكاميال على مدى يومين كاملين فى القاهرة واإلسكندرية خالل زيارته لمصر فى‬
‫نوفمبر الماضي‪.‬‬

‫خالل هذه الزيارة‪ ،‬التى كانت «وش السعد» عليه وعلى زوجته‪ ،‬كونت عنه انطباعا محددا‪ ،‬فى حدود ما سمح به الوقت‪ ،‬فقد‬
‫رافقته بحكم عملى‪ ،‬واقتربت منه فى جميع تحركاته‪ ،‬واستمعت إلى مالحظاته خالل زياراته للجامع األزهر واألهرامات ومكتبة‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬وكان هذان اليومان فرصة جيدة لمعرفة معلومات ثمينة عن األسرة المالكة فى بريطانيا‪ ،‬ومن ألسنة البريطانيين‬
‫أنفسهم‪ ،‬وتحديدا من الصحفيين المطلعين على خبايا هذه األسرة‪ ،‬بكل ما فيها من أفراح وأحزان وخالفات‪ ،‬وفضائح أيضا!‬

‫لم تكن مصر كلمة عابرة فى حياة تشارلز‪ ،‬فقد كانت من الدول القليلة التى زارها ثالث مرات‪ ،‬وهو بشكل عام متيم بها‬
‫وبحضارتها‪ ،‬ودارس جيد لإلسالم‪ ،‬ويحمل عنها ذكريات سعيدة وأليمة معا‪ ،‬فقد أمضى فيها جزءا من شهر العسل مع ديانا عام‬
‫‪ ،1981‬والتقيا معا السادات قبل شهرين من استشهاده‪ ،‬وال ننسى أن شابا مصريا كان بطال لمأساة ديانا كلها‪.‬‬

‫ومن مصر أيضا‪ ،‬خرج أول بيان تعزية يصفه بـ»الملك تشارلز»‪ ،‬وكان بيان الرئاسة المصرية‪ ،‬الذى صدر بعد دقائق من وفاة‬
‫إليزابيث‪ ،‬وسبق البيانات الدولية األخرى فى وصفه بـ«الملك»‪ ،‬فقد تضمن أيضا إعراب الرئيس السيسى عن ثقته فى قدرة‬
‫«الملك تشارلز» على قيادة بريطانيا خلفا للملكة الراحلة‪ ،‬فقد كان الرئيس قد استقبله فى «االتحادية» فى نوفمبر الماضى‪،‬‬
‫عندما زار تشارلز مصر وليا للعهد‪ ،‬حامال لقب «أمير ويلز»‪ ،‬ورافقته زوجته كاميال باركر‪ ،‬وكانت وقتها تحمل لقب «دوقة‬
‫كورنوول»‪ ،‬ولكنه اآلن صار ملكا‪ ،‬وصارت هى شبه ملكة‪ ،‬حاملة لقبا جديدا هو ‪ ،Queen Consort‬أو «الملكة القرينة» أو‬
‫«المقترنة»‪ ،‬فى إشارة إلى وضعها الخاص كزوجة للملك الحالى‪.‬‬

‫ما عرفته قبل هذه الزيارة أن تشارلز كان «يحلم» بزيارة مصر‪ ،‬بل كان يرتب ويخطط خالل الزيارة لـ«لقطات» معينة ومحددة‬
‫بدقة‪ ،‬بعضها تحقق‪ ،‬واآلخر تعذر تحقيقه لظروف اضط اررية‪.‬‬

‫تشارلز كان يريد مثال زيارة الجامع األزهر‪ ،‬والتجول فى حرمه‪ ،‬ولقاء الطالب الدارسين داخل صحن المسجد نفسه‪ ،‬وفتح حوار‬
‫معهم‪ ،‬وحدث هذا بالفعل‪ ،‬وكان معه اإلمام األكبر خطوة بخطوة‪.‬‬
‫وكان يحلم بالتجول بحرية فى شوارع القاهرة القديمة‪ ،‬وسط المصريين العاديين‪ ،‬وهو ما حدث بعد خروجه من الجامع األزهر‪،‬‬
‫وأسفر ذلك عن صورة ال تقدر بمال لألمير األنيق وهو يسير آمنا مطمئنا وسط الناس فى شارع المعز «الفخيم»‪.‬‬

‫وكان يحلم أيضا بأن تلتقط له صورة فوتوجرافية أمام األهرامات لحظة الغروب‪ ،‬وحدث بالفعل‪ ،‬فقد وصل وزوجته إلى سفح‬
‫الهرم األكبر قبل غروب الشمس بدقائق‪ ،‬ليجد أمامه صفا طويال من الصحفيين المصريين والبريطانيين الذين حجزوا أماكنهم‬
‫مبك ار ألخذ اللقطة التاريخية‪ ،‬التى كانت الصورة الرئيسية فى جميع الصحف البريطانية والعالمية اليوم التالى‪.‬‬

‫وخالل زيارته لألهرامات‪ ،‬أصر تشارلز‪ ،‬رغم ظروف السن – ‪ 73‬عاما – على صعود هرم خوفو حتى منتصفه‪ ،‬وبدا واضحا‬
‫أنه استعد لذلك‪ ،‬فقد كان يرتدى أسفل بدلته األنيقة حذاء رياضيا خفيفا!‬

‫وخالل زيارته لإلسكندرية اليوم التالى‪ ،‬كان يأمل فى أن تلتقط له صورة تاريخية فى نقطة معينة فى باحة مكتبة اإلسكندرية‪،‬‬
‫تكون خلفيتها المكتبة ومياه البحر المتوسط‪ ،‬ولكن هطول األمطار الغزيرة ألغى الخطة‪ ،‬وطلب منه الوفد الملكى المرافق له‬
‫سرعة المغادرة من المكتبة إلى المطار‪ ،‬وكان السبب فى ذلك هو تشارلز نفسه الذى طالت جولته كثي ار داخل جنبات المكتبة‬
‫من فرط إعجابه بما فيها‪ ،‬لدرجة أن شابة مصرية تعمل فى المكان أكدت لى أنه كان يطرح أسئلة عن بعض المقتنيات ال‬
‫تصدر إال من «خبير متاحف»‪ ،‬وهى ملحوظة أفضل بكثير من ملحوظة أخرى مضحكة سمعتها من أحد المارة فى منطقة‬
‫الحسين‪ ،‬عندما قال ببساطة إن «شكله ابن ناس»!‬

‫أما أكثر ما لفت انتباهى فى تشارلز أنه محب للتصوير جدا‪ ،‬رغم عالقته السيئة بالصحافة تاريخيا‪ ،‬فقد كان حريصا على‬
‫تثبيت نفسه وأخذ «بوز» فى نقاط معينة أمام الكاميرات‪ ،‬وكأنه يقول للمصورين‪« :‬صورونى هنا»!‬

‫لن يكون تشارلز مجرد «رمز» كالعلم أو النشيد الوطنى أو «لندن بريدج»‪.‬‬

‫ولن تقتصر اهتماماته اآلن على المناخ واألديان والخيول‪.‬‬

‫فاألوضاع البريطانية والعالمية الراهنة‪ ،‬قد تخلق له أدوارا‪ ،‬وتضعه أمام تحديات غير مسبوقة‪ ،‬حتى وإن بقى دوره فى إطار‬
‫الدستور‪.‬‬

You might also like