You are on page 1of 49









‫يا زكريا‬


‫إنا نبشـرك بغالم‬








‫من خطبة اجلمعة لفضيلة الشيخ‬

‫محمـد الدبيسى‬

‫حفظه اهلل وعفا عنه‬




‫م‬2006 ‫ يوليو‬21 / ‫ﻫ‬1427 ‫ مجادى الثانية‬25 ‫اجلمعة‬




‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪2‬‬

‫مجيع احلقوق حمفوظة‬


‫الطبعة األوىل‬
‫‪1427‬ﻫ ‪2006 /‬م‬
‫‪3‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل ‪ ‬وبعد‪..‬‬

‫فهذه خطب‪AA‬ة اقتطعناها من سلس‪AA‬لة "م‪AA‬دح اهلل وثنائ‪AA‬ه على‬


‫الرس‪AA A A A‬ول ‪ ‬ىف الق‪AA A A A‬رآن الك‪AA A A A‬رمي"‪ ،‬لفض‪AA A A A‬يلة الش‪AA A A A‬يخ‪ /‬حمم‪AA A A A‬د‬
‫الدبيسى‪ ،‬عفا اهلل عنه‪ ،‬لكوهنا متكن أن تقوم بذاهتا وألمهي‪A‬ة م‪A‬ا‬
‫فيه‪AA A A‬ا من إحي‪AA A A‬اء روح التوك‪AA A A‬ل واليقني والثق‪AA A A‬ة ىف اهلل‪ ،‬وال‪AA A A‬ىت‬
‫ك ‪AA‬ادت أن تنطفئ ب ‪AA‬التعلق باألس ‪AA‬باب والرك ‪AA‬ون إليه‪AA‬ا‪ ،‬والغفل ‪A‬ة‪A‬‬
‫عن خالق األسباب ومرتبها جل وعال‪.‬‬

‫وهى تع‪AA‬اجل ذل‪AA‬ك ب‪AA‬ذكر س‪AA‬يدنا زكري‪AA‬ا ‪ ، ‬مبا للقص‪AA‬ص‬


‫الق‪AA A‬رآىن من واقع‪AA A‬ه املؤثر وجذب‪AA A‬ه األخ‪AA A‬اذ ال‪AA A‬ذى يثبت املع‪AA A‬ىن‪،‬‬
‫ويض‪AA‬ىء أرك‪AA‬ان الوج‪AA‬دان‪ ،‬ويش‪AA‬عل ج‪AA‬ذوة اإلميان ىف القل‪AA‬وب‪،‬‬
‫وين‪AA A‬ري طري‪AA A‬ق الن‪AA A‬اس هبؤالء املك‪AA A‬رمني من األنبي‪AA A‬اء واملرس‪AA A‬لني‪،‬‬
‫وعلى رأس‪AA A‬هم مق‪AA A‬دمهم وإم‪AA A‬امهم س‪AA A‬يد ول‪AA A‬د آدم رس‪AA A‬ول اهلل‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ، ‬حيث ع ‪AA‬رجت اخلطب ‪AA‬ة قليالً إلظه ‪AA‬ار ق ‪AA‬دره املعظم ف ‪AA‬وق‬
‫اخللق كافة‪ ،‬وإن كان ذلك هو املقصود أصالً‪.‬‬

‫وهذا طريق أوشكت أوهية املادة أن تغلقه بظالمها أم‪AA‬ام‬


‫املؤمنني السائرين إىل اهلل تعاىل‪ ،‬لذا فه‪A‬ذه طاق‪AA‬ة ض‪A‬وء مش‪A‬اركة‬
‫ىف إن‪AA A‬ارة هذا الطري‪AA A‬ق‪ ..‬طري‪AA A‬ق التعل ‪A A‬ق‪ A‬باهلل وحس‪AA A‬ن الظن ب‪AA A‬ه‬
‫والثق‪A‬ة في‪A‬ه وأن‪A‬ه على ك‪A‬ل ش‪A‬ىء ق‪A‬دير‪ ،‬وأن‪A‬ه ال يعج‪A‬زه ش‪A‬ىء ىف‬
‫الس‪AA‬موات وال ىف األرض‪ ،‬ب‪AA‬ل إن أم‪AA‬ره إذا أراد ش‪AA‬يئاً أن يق‪AA‬ول‬
‫ل‪AA‬ه كن فيك‪AA‬ون‪ ،‬وأن‪AA‬ه ق‪AA‬ادر على خل‪AA‬ق ن‪AA‬واميس الك‪AA‬ون‪ ،‬إذ هو‬
‫كون‪AA A‬ه وهو خالق‪AA A‬ه‪ ،‬ولكن ملن حتقق ‪AA‬وا بأس ‪AA‬باب ذل‪AA A‬ك‪ ،‬حيث‬
‫أشارت أيضاً إىل أسباب استجابة اهلل تعاىل للداعني املؤم‪AA‬نني‪..‬‬
‫نس‪AA A‬أله تع‪AA A‬اىل أن حيبب إلين‪AA A‬ا اإلميان وأن يزين‪AA A‬ه ىف قلوبن‪AA A‬ا‪ ،‬وأن‬
‫يك‪AA A A A‬ره إلين‪AA A A A‬ا الكف‪AA A A A‬ر والفس‪AA A A A‬وق والعص‪AA A A A‬يان‪ ،‬وأن جيعلن‪AA A A A‬ا من‬
‫الراشدين‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫وىف النهاية‪ ،‬فهذا جهد البشر‪ ،‬فم‪AA‬ا ك‪AA‬ان في‪AA‬ه من ص‪AA‬واب‬


‫فمن اهلل‪ ،‬وم ‪AA A‬ا ك ‪AA A‬ان في‪AA A‬ه من خط ‪AA A‬أ فمن ‪AA A‬ا ومن الش ‪AA A‬يطان واهلل‬
‫ورسوله بريئان‪.‬‬

‫وحنن إذ ننب‪AA‬ه ونعت‪AA‬ذر لوج‪AA‬ود أخط‪AA‬أ نرج‪AA‬و تالفيه‪AA‬ا‪ ،‬فإنن‪AA‬ا‬


‫ننتظ‪AA‬ر النص‪AA‬ح‪ ،‬تعاون ‪A‬اً على ال‪AA‬رب والتق‪AA‬وى م‪AA‬ع دع‪AA‬وة ص‪AA‬احلة من‬
‫أخ ك‪AA A A‬رمي بظه‪AA A A‬ر الغيب يس ‪AA A A‬دد اهلل هبا اخلطى ونس‪AA A A‬تكمل هبا‬
‫ٍ‬
‫السري‪.‬‬

‫ندعو اهلل أن ينفع به كاتبه وناشره والناظر فيه‪ ،‬إن‪AA‬ه على‬


‫كل شىء قدير‪.‬‬

‫مسجد الهدى المحمدى‬


‫‪ 3‬رجب ‪1427‬ﻫ‬

‫‪‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ 6

‫وذ باهلل‬AA A‫ ونع‬،‫تغفره‬AA A‫تعينه ونس‬AA A‫ده ونس‬AA A‫ حنم‬،‫إن احلمد هلل‬
‫ده اهلل‬AA ‫ من يه‬،‫ا‬AA ‫يئات أعمالن‬AA ‫ ومن س‬،‫نا‬AA ‫رور أنفس‬AA ‫اىل من ش‬AA ‫تع‬
‫اهلل‬ ‫ه إال‬A‫هد أن ال إل‬A‫ وأش‬،‫ه‬A‫لل فال هادى ل‬A‫ ومن يض‬،‫فال مضل له‬
.‫عبده ورسوله‬ ُ ‫حممدا‬
ً ‫ وأشهد أن‬،‫وحده ال شريك له‬

‫ات‬AA A ‫ه أمه‬AA A ‫ىب وأزواج‬AA A ‫د الن‬AA A ‫يدنا حمم‬AA A ‫ل على س‬Aِّ A A ‫اللهم ص‬
‫ك‬AA‫ إن‬،‫ كما صليت على آل إبراهيم‬،‫ وذريته وآل بيته‬،‫املؤمنني‬
.‫محي ٌد جميد‬

        


]102 :‫ [آل عمران‬    
        
       
        
]1 :‫ [النساء‬      
       
      
        
]71-70 :‫ [األحزاب‬  
..‫أما بعـد‬
‫‪7‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫ى‬‫ى هد ُّ‬ ‫ف ‪AA A A‬إن أص ‪AA A A‬دق احلديث كت ‪AA A A‬اب اهلل‪ ،‬وخ ‪AA A A‬ري اهلد ِّ‬
‫حممدٍ ‪ ،‬وش‪AA A‬ر األم‪AA A‬ور حمدثاهتا‪ ،‬وك‪AA A‬ل حمدث‪AA A‬ة بدع‪AA A‬ة‪ ،‬وك‪AA A‬ل‬
‫صل على حممدٍ‬ ‫بدع ‪AA A‬ة ض ‪AA A‬اللة‪ ،‬وك ‪AA A‬ل ض‪AA A‬اللة ىف الن ‪AA A‬ار‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وعلى آل حممد كما صليت على آل إب‪A‬راهيم إن‪AA‬ك محي‪AA‬د جمي‪AA‬د‪،‬‬
‫وب‪AA A A A‬ارك على حممد وعلى آل حمم‪AA A A A‬د كم‪AA A A A‬ا ب‪AA A A A‬اركت على آل‬
‫إبراهيم إنك محيد جميد‪.‬‬

‫‪‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪8‬‬

‫ومازلنا يف الكالم على ما مدح اهلل تبارك وتعاىل ب‪AA‬ه نبي‪AA‬ه‬


‫ص ‪AA‬لى اهلل علي ‪AA‬ه وس ‪AA‬لم تبيان‪A A‬اً ل َق‪ْ A A‬د ِره‪ ،‬وإظه ‪AA‬اراً ملنـزلته‪ ،‬منـزلته‬
‫العالي‪AA‬ة الرفيع‪AA‬ة ال‪AA‬يت مل يص‪AA‬ل إليه‪AA‬ا أح‪AA‬د كم‪AA‬ا ق‪AA‬ال‪(( :‬أنــا ســيد‬
‫ولــد آدم وال فخــر))(‪ ، )1‬وك ‪AA‬ان تق ‪AA‬دير الكالم الي ‪AA‬وم أن‬
‫نس‪AA‬وق ش‪AA‬يئاً مما يُ‪A‬بنِّي ُ قيم‪AA‬ة الن‪AA‬يب ‪ ‬عن‪AA‬د ربِّه ج‪Aَّ A‬ل وعال‪ ،‬متمثالً‬
‫يف سرعة استجابة دعائ‪AA‬ه ص‪AA‬لوات اهلل وس‪AA‬المه علي‪AA‬ه‪ ،‬عناي‪A‬ةً من‬
‫اهلل تع ‪AA A‬اىل ب ‪AA A‬النيب ‪ ، ‬ودليالً على ص ‪AA A‬دق النُّب ‪AA A‬وة وعلى عظم‬
‫‪A‬يء إال‬‫ش ‪AA‬رفه عن ‪AA‬د اهلل‪ ،‬فه ‪AA‬و ‪ ‬م ‪AA‬ا دع ‪AA‬ا ربَّه ج ‪AA‬ل وعال يف ش ‪ٍ A‬‬
‫َّ‬
‫أخره إىل ي‪A‬وم القيام‪AA‬ة أو م‪AA‬ا من‪AA‬ع اهلل تب‪AA‬ارك‬ ‫يب له‪ ،‬إال م‪AA‬ا َّ‬ ‫ِ‬
‫استُج َ‬
‫جل وعال؛ مما يُبنِّي عظيم قدر‬ ‫وتعاىل حلكمة ال يعلمها إال هو َّ‬
‫تعلق‪AA‬ه باهلل تع‪AA‬اىل واللج‪AA‬وء إلي‪AA‬ه وحس‪AA‬ن الت ُّ‬
‫َّوكل علي‪AA‬ه‪ ،‬وأنَّه ج‪Aَّ A‬ل‬
‫رده يف ص‪AA‬غري وال كب‪AA‬ري‪ِ ،‬إذ هو ملج‪AA‬أه ومالذه‪ ،‬وهو‬ ‫وعال م‪AA‬ا َّ‬
‫‪A‬ال‬
‫عصمته سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهو ما ينبغي ك‪A‬ذلك أن يك‪A‬ون ح َ‬
‫املؤم ‪AA‬نني؛ من الرج ‪AA‬وع إىل اهلل تع ‪AA‬اىل والتوج ‪AA‬ه إلي ‪AA‬ه إذا أص ‪AA‬اهبم‬
‫صْبهم شيءٌ؛ ألهَّن م حمت‪AA‬اجون إىل اهلل تع‪AA‬اىل يف‬ ‫شيء‪ ،‬أو إن مل يُ َ‬
‫ومن‬ ‫ك‪AA‬ل حلظ‪AA‬ة ال ينفك ‪AA‬ون عن الض‪AA‬رورة إلي‪AA‬ه واالحتي ‪AA‬اج ل‪AA‬ه‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬رواه اإلمام مسلم يف صحيحه‪ A‬يف كتاب الفضائل برقم ‪. 5749‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪9‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪A‬افر‬ ‫حمتاج هلل تعاىل يف ِّ ٍ‬


‫كل حلظة من حلظات‪AA‬ه فه‪A‬و ك ٌ‬ ‫ظن أنَّه غريُ ٍ‬
‫َّ‬
‫خارج عن دين اإلسالم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ل ‪AA A A‬ذلك ك ‪AA A A‬ان هذا احلال املش ‪AA A A‬رف للنَّيب ‪ ‬مما ينبغي أن‬
‫يشغل املؤمنني اليوم حىت يقبلوا على اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬تأس‪A‬ياً ب‪A‬ه‬
‫ص‪AA A‬لوات اهلل وس‪AA A‬المه علي‪AA A‬ه‪ ،‬وليكون‪AA A‬وا أهالً الس‪AA A‬تجابة ال‪AA A‬دعاء‬
‫ب‪،‬‬ ‫ول ‪AA A‬ريفع اهلل تب ‪AA A‬ارك وتع ‪AA A‬اىل عنهم البالء ويَُنفِّس عنهم ال ُك‪Aَ A A‬ر َ‬
‫وليك‪AA A‬ون عون ‪A A‬اً هلم على إص‪AA A‬الح احلال ب‪AA A‬العودة والتوب‪AA A‬ة إىل اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وىف ذلك الع‪A‬ون هلم على أن تت‪A‬نزل عليهم رمحة اهلل تع‪A‬اىل‬
‫وأن يرتفع عنهم غضبه‪ .‬فإذا دع‪A‬وا رهَّبم ج َّ‪A‬ل وعال حينئ‪A‬ذ بتغي‪A‬ري‬
‫وح ْس ِن التوجه إىل اهلل تعاىل وطلب اإلعانة على ذك‪AA‬ره‬ ‫ِ‬
‫األحوال ُ‬
‫وطاعت‪A‬ه‪ ،‬ورف‪A‬ع م‪A‬ا ن‪A‬زل بأم‪A‬ة حمم‪A‬د ‪ ‬من البالء واجله‪A‬د والش‪ِّA‬دَِّة‬
‫اليت حنن فيها اليوم‪ ،‬كان ذلك ْأدعى إىل قُب‪A‬ول اهلل تع‪A‬اىل ل‪A‬ذلك‪،‬‬
‫ج‪A‬ه املؤمن‪A‬ون قليالً‬ ‫ج‪A‬هُ من أب‪AA‬واب رمحة اهلل تع‪A‬اىل؛ يَلِ ُ‪A‬‬ ‫باب نَلِ ُ‪A‬‬
‫وهو ٌ‬
‫مث إذا ت‪AA A A‬أخرت عنهم إجاب‪AA A A‬ة اهلل تع‪AA A A‬اىل إذا هبم ميلُّو َن وي‪AA A A‬رتكون‬
‫الدعاء‪ ،‬ويتحولون إىل ال َك َس ِل والتواكل الذي هم فيه ويعودون‬
‫سريهتم األوىل من التقصري والتفريط والغفلة‪.‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪10‬‬

‫وقب‪AA‬ل أن خنوض يف أدعي‪AA‬ة الن‪AA‬يب ‪ ،‬املت‪AA‬ذكرون ي‪AA‬ذكرون‬


‫أنَّه يوم ‪A A A‬اً م‪AA A A‬ا ذكرن‪AA A A‬ا موض‪AA A A‬وع ال‪AA A A‬دعاء وأس‪AA A A‬باب االس‪AA A A‬تجابة‬
‫واألوق‪AA‬ات ال‪AA‬يت ي‪AA‬دعو فيه‪AA‬ا وتك‪A‬ون َمظَنَّة اإلجاب‪Aِ A‬ة إىل غ‪AA‬ري ذل‪AA‬ك‬
‫‪A‬رب هبا لعب‪A‬اده املؤم‪A‬نني‪،‬‬ ‫من اآلداب والشرائط اليت يس‪A‬تجيب ال ُّ‬
‫ب رجاءهم‪ ،‬وإن هم استجابوا له كما قال تع‪AA‬اىل‪:‬‬ ‫واليت ال خُيَيِّ ُ‬
‫‪[       ‬غ‪AA‬افر‪ ،]60:‬وقال‬
‫تع ‪AA A A‬اىل‪      :‬‬

‫‪[  ‬البقرة‪.]186:‬‬

‫‪A‬ص الق‪AA‬رآن‬‫ض قص ‪A‬ةً من قص‪ِ A‬‬ ‫قب‪AA‬ل أن ن‪AA‬دخل يف ذل‪AA‬ك َن ْع‪ِ A‬ر ُ‬
‫الك ‪AA‬رمي‪ ،‬وهذه القص ‪A‬ةُ هي قص ‪AA‬ة زكري‪AA‬ا ‪ ، ‬وق ‪AA‬د أش ‪AA‬رنا إليه‪AA‬ا‬
‫يوماً ما يف الزمان الغابر‪ ،‬نُعي ُ‪A‬دها الي‪A‬وم لنت‪A‬دبر منه‪A‬ا مع‪A‬ان أخ‪AA‬ر‬
‫جدي‪AA A A‬دة تُ ‪A A A‬بنِّي ُ لن‪AA A A‬ا أوالً ق‪AA A A‬در الن‪AA A A‬يب ‪ ‬يف دعائ‪AA A A‬ه ربَّه بس‪AA A A‬رعة‬
‫اإلجاب ‪AA‬ة‪ ،‬وت‪AA‬بني ك ‪AA‬ذلك قض ‪AA‬ية التوك ‪AA‬ل على اهلل واإلقب ‪AA‬ال علي‪AA‬ه‬
‫‪A‬باب س‪AA‬بحانه وتع‪AA‬اىل‬ ‫‪A‬رب األس‪ِ A‬‬
‫ونب‪AA‬ذ التَّعلُّق باألس‪AA‬باب والتعلُّ ِ‪A‬ق ب‪ِّ A‬‬
‫وأن اهلل تع ‪AA A‬اىل ليس مثَّ ش ‪AA A‬يءٌ علي ‪AA A‬ه كب ‪AA A‬ري‪ ،‬وأنَّه أك ‪AA A‬رب وأعظم‬
‫‪11‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫(‪)1‬‬
‫وأكثر سبحانه وتعاىل‪( :‬قالوا‪ :‬إذن نكثر قال‪ :‬اهلل أكثر)‬
‫‪         ‬‬
‫‪[ ‬يس‪.]82:‬‬ ‫‪‬‬

‫النفس ملا‬
‫وقص ‪AA‬ة زكري ‪AA‬ا ‪ ‬من القص ‪A‬ص‪ A‬ال ‪AA‬يت متي ‪Aُ A‬ل إليه ‪AA‬ا ُ‬
‫فيه ‪AA‬ا من املع ‪AA‬اين املتج ‪AA‬ددة ال ‪AA‬يت يَ ‪AA‬رى املرءُ فيه ‪AA‬ا زاداً كلَّم ‪AA‬ا خب ‪AA‬ا‬
‫‪A‬باب فلم جيد س‪AA‬ببا‬ ‫إميانُ‪AA‬ه وض‪AA‬عف يقينُ‪AA‬ه وتوكلُّه ونظ‪AA‬ر إىل األس‪ِ A‬‬
‫َ‬
‫يعتم ‪AA A‬د علي ‪AA A‬ه يوص ‪AA A‬له إىل مطلوبِ ‪AA A‬ه وانقطعت علي ‪AA A‬ه الس ‪AA A‬بل إذا‬
‫بس‪AA A‬بيل اهلل تع‪AA A‬اىل وأس‪AA A‬بابه وحبالِ‪AA A‬ه املوص‪AA A‬ولة ال تنقط‪AA A‬ع‪ ،‬وإذا‬
‫بأبوابِ‪AA A‬ه مفتح‪AA A‬ة وهم ال‪AA A‬ذين أغلقوها ب‪AA A‬ذنوهبم ْ‬
‫وأد َب‪Aُ A A‬روا عنه‪AA A‬ا‬
‫وأعرض ‪AA‬وا‪ ،‬واهلل ج ‪Aَّ A‬ل وعال ي‪ْ A A‬دعوهم وهم م‪ْ A A‬دبرون عن ‪AA‬ه‪ ،‬غ ‪AA‬ري‬
‫ملتفتني إليه‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫يق ‪AA‬ول املوىل س ‪AA‬بحانه وتع ‪AA‬اىل يف هذه القص ‪AA‬ة العزي ‪AA‬زة‬
‫‪   ‬‬
‫‪[  ‬مرمي‪ ]2:‬وقد ذكرها املوىل سبحانه وتعاىل‬

‫() رواه الرتمذي يف الدعوات باب ‪ 132‬رقم ‪ 3922‬وقال حديث‬ ‫‪1‬‬

‫حس ‪AA A‬ن ص‪AA A‬حيح ‪ ،‬ويف مس‪AA A‬ند اإلم‪AA A‬ام أمحد يف مس ‪AA A‬ند أيب س‪AA A‬عيد اخلدري‬
‫‪ ،11432‬ومعاذ بن أنس ‪.16015‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ 12

‫ورة آل‬AA ‫ ويف س‬،‫رمي‬AA ‫ورة م‬AA ‫ات يف س‬AA ‫ثالث؛ هذه اآلي‬ ٍ ‫ات‬A ٍ A ‫يف آي‬
‫نرى‬AA‫ة ل‬AA‫اين املرتابط‬AA‫ري إىل املع‬AA‫ ونش‬،‫اء‬AA‫ورة األنبي‬AA‫ ويف س‬،‫ران‬AA‫عم‬
‫دعاء‬AA ‫ة ال‬AA ‫ وعلى قيم‬ ‫يب‬AA ‫ة الن‬AA ‫اطعة على قيم‬AA ‫هذه احلجج الس‬
‫ وأنَّه‬،‫ان‬A‫زل كائناً ما ك‬ َ َ‫وأن اهلل تعاىل يفرج ما ن‬ َّ ‫ولزوم التوكل‬
‫ون أنَّه ال ميكن أن‬AA A A‫ل الظن‬Aَّ A A A‫ظن النَّاس ك‬
َّ ‫و‬AA A A‫اىل ل‬AA A A‫بحانه وتع‬Aْ A A A‫س‬
‫ة عن‬AA‫اىل اخلارج‬AA‫ إذا بأسباب اهلل تع‬،‫حيدث ذلك بأسباب املادة‬
‫بحانه‬AA A ‫ه س‬AA A َ‫ه وقدرت‬AA A َ‫ريهم قوت‬AA A ُ‫نزل عليهم وت‬AA A ‫ر ت‬AA A ‫باب البش‬AA A ‫أس‬
.‫عج ُزه شيءٌ وال يَكٌْبٌر عليه شيء‬ ِ ‫ وأنَّه ال ي‬،‫وتعاىل‬
ُ
        
         
       
       
          
       
        
         
         
         
          
.]10-2:‫[مرمي‬      
‫‪13‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫هذه اآلي ‪AA‬ات من س‪AA‬ورة م ‪AA‬رمي‪ ،‬وانظ ‪AA‬ر إىل ت‪AA‬رتيب الكالم‬
‫املب ‪AA‬ارك‪ ،‬كالم اهلل تع ‪AA‬اىل لِنََت َف َّه َم ش ‪AA‬يئاً من هذه املع ‪AA‬اين ال ‪AA‬يت ال‬
‫ميكن أن حتيط هبا هذه الكلمات القليلة يف هذا الوقت القلي‪AA‬ل‪،‬‬
‫ولعلَّنا نعود يف هنايته‪AA‬ا إذا اختص‪AA‬رنا الكالم إىل م‪AA‬ا وع‪AA‬دنا ب‪AA‬ه يف‬
‫بداي‪AA‬ة اخلطب‪AA‬ة من أدعي‪AA‬ة الن‪AA‬يب ‪ ، ‬إذ هو املقص‪AA‬ود ال‪AA‬ذي ُتَبِّينُ‪AA‬ه‬
‫تلك القصة ‪.‬‬

‫‪       ‬يع ‪AA‬ين هذا‬


‫ذكر رمحة ربك بعبده زكريا ‪ ،‬أما ترتيب اآليات يف س‪AA‬ياقها‬
‫الط‪AA A‬بيعي بغ‪AA A‬ري التق‪AA A‬دمي والت‪AA A‬أخري واإلض‪AA A‬افات ال‪AA A‬يت ت‪AA A‬بني قيم‪AA A‬ة‬
‫‪A‬رب‬
‫زكري ‪AA‬ا ‪ ‬وقيم ‪AA‬ة الن ‪AA‬يب ‪ ‬وهتتم بتل ‪AA‬ك الرمحة ال ‪AA‬يت َّنزهلا ال ‪ُّ A‬‬
‫على عب‪AA‬ده زكري‪AA‬ا فه‪AA‬و‪ِ :‬ذ ْ‪A‬ك‪A‬ر عب‪AA‬دنا زكري‪AA‬ا إذ ن‪AA‬ادى ربَّه ن‪AA‬داء‬
‫رب إيِّن وهن العظْم م‪AA‬ين وك‪AA‬ذا وك‪AA‬ذا وك‪AA‬ذا مِح‬
‫ور َ‪AA‬هُ‬‫َ‬ ‫خفي‪A‬اً ق‪AA‬ال ِّ َ َ َ َ ُ‬
‫ربك – وهذا للنيب ‪ ‬ملا قال‪      :‬ربُّك‬
‫أنت ي‪A‬ا حمم‪AA‬د ‪ ‬عب‪A‬ده زكري‪A‬ا ‪ – ‬فكأنَّه يق‪A‬ول‪ :‬هذا أوان أن‬ ‫َ‬
‫ن‪AA A‬ذكر ل‪AA A‬ك قص‪AA A‬ة زكري‪AA A‬ا ‪ ‬عن‪AA A‬دما دع‪AA A‬ا ربَّه س‪AA A‬بحانه وتع‪AA A‬اىل‬
‫العظْ ُم ميِّن واش‪A‬تعل‬ ‫رب إين َو َه َن َ‬
‫وناداه ن‪AA‬داءً خفي‪A‬اً ق‪A‬ال في‪A‬ه ي‪A‬ا ّ‬
‫ت املوايل‬ ‫ِ‬
‫ال ‪AA‬رأس ش ‪AA‬يباً ومل أكن ب ‪AA‬دعائك رب ش ‪AA‬قيا‪ ،‬وإيِّن خ ْف ُ‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪14‬‬

‫ب‬ ‫ِ‬
‫ب يل من لدنك ولياً‪ ،‬وقد رمحه ربُّك ف‪Aَ A‬و َه َ‬ ‫وإيِّن وإىِّن ‪َ ...‬ف َه ْ‬
‫له هذا الولد الذي كان يبتغيه ويطلبُ‪AA‬ه من اهلل تع‪AA‬اىل كرام‪A‬ةً ل‪AA‬ه‪.‬‬
‫هذا ترتيب الكالم‪.‬‬

‫َّأما التق‪A‬دمي والت‪A‬أخري فنبين‪A‬ه يف الس‪AA‬ياق الق‪AA‬رآين ليظه‪A‬ر ل‪A‬ك‬


‫مجال هذه العب‪A‬ارات‪ ،‬ومجال املع‪A‬اين ال‪A‬يت حتمله‪AA‬ا تل‪A‬ك العب‪AA‬ارات‬
‫يف ذل ‪AA‬ك التق ‪AA‬دمي والت ‪AA‬أخري‪ ،‬وغ ‪AA‬ريه‪ .‬وأول الكالم الك ‪AA‬رمي هذا‬
‫ذك‪AA‬ر رمحة رب‪AA‬ك‪ ،‬يع‪AA‬ين ملا ك‪AA‬ان املهم أن ن‪AA‬ذكر م‪AA‬ا ح‪AA‬دث م‪AA‬ع‬
‫زكري‪AA A‬ا ‪ ‬من رمحة اهلل ل‪AA A‬ه وإعطائ‪AA A‬ه الول‪AA A‬د على الك‪AA A‬رب والعقم‬
‫ال ‪AA‬ذي ك ‪AA‬انت في ‪AA‬ه امرأت ‪AA‬ه ق ‪AA‬دمنا ذك ‪AA‬ر رمحة اهلل تع ‪AA‬اىل‪ ،‬اهتمام ‪A‬اً‬
‫هبذه الرمحة ال ‪AA A‬يت ن ‪AA A‬زلت على عبي ‪AA A‬ده ال ‪AA A‬ذين يس ‪AA A‬تحقوهنا كم ‪AA A‬ا‬
‫أشارت اآلي‪AA‬ات وكم‪A‬ا سنش‪AA‬ري إليه‪A‬ا إن ش‪A‬اء اهلل تع‪A‬اىل‪ ،‬فب‪A‬دأت‬
‫القص‪AA‬ة ب‪AA‬املطلوب ال‪AA‬ذي يطلبُ‪AA‬ه عب‪AA‬ده زكري‪AA‬ا ‪، ‬يري‪AA‬د أن يرمحَ‪AA‬ه‬
‫مِح‬
‫َّم الرَّمْح َ‪A‬ة م‪A‬ع أهَّن ا – أي هذه الرمحة ‪ -‬ح ْ‬
‫‪A‬دثت‬ ‫ربُّه َفَر َ‪A‬ه‪ ،‬وقَ‪A‬د َ‬
‫‪A‬رأس ش‪A‬يباً‪،‬‬‫بعد هذه القصة الطويلة؛ دع‪AA‬ا ربَّه‪ ،‬وق‪A‬ال‪ :‬اش‪A‬تعل ال‪ُ A‬‬
‫مِح‬
‫ب يل من ل ‪AA‬دنك َولي ‪A‬اً‪َ ،‬ر َ ‪AA‬هُ‬ ‫العظْ ُم‪ ،‬وام ‪AA‬رأيت ع ‪AA‬اقر‪َ ،‬ف َه ْ‬
‫وو َه َن َ‬‫َ‬
‫الرمحة لالهتم ‪AA A‬ام ب ‪AA A‬أن اهلل تع‪AA A A‬اىل ق ‪AA A‬د‬ ‫ِّ‬
‫بع ‪AA A‬د ذل‪AA A A‬ك كله‪ ،‬ق ‪AA A‬دَّم َّ‬
‫اس‪A‬تجاب ل‪A‬ه‪ ،‬يع‪AA‬ين كأنَّه من بداي‪AA‬ة الكالم حنن اس‪AA‬تجبنا لزكري‪AA‬ا‬
‫‪15‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪ ‬ورمحن‪AA‬اه لِ َ‪A‬م‪A‬ا ك‪AA‬ان ب‪AA‬ه وم‪AA‬ا ك‪AA‬ان علي‪AA‬ه من األح‪AA‬وال الش‪AA‬ريفة‪،‬‬


‫ولِ ‪A‬م‪A‬ا َد َع‪AA‬ا ب‪AA‬ه ربَّه س‪AA‬بحانه وتع‪AA‬اىل‪ ،‬ولِم‪AA‬ا حتق‪Aَ A‬ق ب‪AA‬ه من أس‪ِ A‬‬
‫‪A‬باب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَأعطَْينَ‪AA‬اه‬ ‫‪A‬اه‬‫‪A‬‬ ‫ن‬ ‫ُّعاء ال‪AA‬يت دع‪AA‬ا هبا ربَّه ج‪AA‬ل وعال‪ ،‬رمِح‬‫‪A‬تجابة ال‪AA‬د ِ‬
‫ِ‬ ‫اس‪A‬‬
‫َ َْ ْ‬ ‫َّ‬
‫‪A‬باب ال ‪AA‬يت‬ ‫ض‪Aِ A A‬ل ِ‬
‫اهلل تع ‪AA‬اىل بتل ‪AA‬ك األس ‪ِ A‬‬ ‫َّق بَِف ْ‬
‫َم‪AA‬ا يُري ‪Aُ A‬د ألنَّه قَ‪ْ A A‬د حَتَق َ‬
‫يب مبثله‪AA‬ا لِ َم ْن َد َع‪AA‬ا اهلل تع‪AA‬اىل‪ ،‬وك‪AA‬ذلك جيزي احملس‪AA‬نني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نَ ْس‪A‬تَج ُ‬
‫‪A‬يب ‪‬‬ ‫وليعظم لن ‪AA‬ا ق‪AA A‬در زكري ‪AA‬ا ‪ ‬بتق‪AA A‬دمي الرمحة ب ‪AA‬ه‪ ،‬وق‪AA A‬در الن‪ِّ A A‬‬
‫حيث ِذك‪AA A‬ره أوالً‪ ،‬م‪AA A‬ع إض‪AA A‬افة ال‪AA A‬رب إلي‪AA A‬ه تش‪AA A‬ريفاً وتكرمياً ‪‬‬
‫ّ‬
‫‪.  ‬‬

‫‪       ‬والن ‪AA‬داء ال‬


‫يك ‪AA‬ون خفي‪A A‬اً‪ ،‬وإمنا يك ‪AA‬ون جه ‪AA‬راً‪ ،‬عن ‪AA‬دما يُن ‪AA‬ادي أح‪ٌ A A‬د أح ‪AA‬داً‬
‫يق‪AA‬ول‪ :‬ي‪AA‬ا فالن‪ ،‬فالن‪AA‬داءُ معن‪AA‬اه أن يرف‪Aَ A‬ع ص‪AA‬وتَه وجيه‪Aَ A‬ر ب‪AA‬ه ليقب‪AA‬ل‬
‫‪A‬دل على‬ ‫عليه َمن يُنَ ِاديه‪ََّ ،‬أما نداء زكريا ‪ ‬فك‪AA‬ان ن‪AA‬داءً خفي‪A‬اً ي‪ُ A‬‬
‫واإلخالص له وَت ْر ِك الري‪A‬اء برف‪A‬ع الص‪A‬وت‪ ،‬وي ُ‬
‫‪A‬دل‬ ‫ِ‬ ‫التواض ِع لربِّه‬
‫على االنكس ‪AA A‬ار هلل تع ‪AA A‬اىل – وهو ص ‪AA A‬فةٌ من ص ‪AA A‬فات ال ‪AA A‬دعاء‬
‫املقب‪AA‬ول عن‪AA‬د ال‪AA‬رب ج‪Aَّ A‬ل وعال ‪ -‬أن ينكس‪Aَ A‬ر وأن يتواض‪Aَ A‬ع وأن‬
‫وعال‪ ،‬وانظ ‪AA‬ر‬ ‫‪A‬ل َ‬ ‫يتخ َّش ‪َ A‬ع في ‪AA‬ه وأن يظه ‪Aَ A‬ر َف ْق‪Aَ A‬ره ومس ‪AA‬كنتَه هلل َج‪َّ A‬‬
‫إىل الفق ‪AA‬ر واملس ‪AA‬كنة ال ‪AA‬يت أب ‪AA‬داها زكري ‪AA‬ا ‪ ،‬مل يق ‪AA‬ل مباش ‪AA‬رة إذ‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪16‬‬

‫‪A‬باب‬
‫مهد باألس‪َ A‬‬ ‫نادى ربه فقال هب يل من ل‪A‬دنك ولي‪A‬اً‪ ،‬ولكن َّ‬
‫ِ‬
‫املهمة اليت َي ْقبَ ُل اهللُ تعاىل هبا الدعاءَ‪ ،‬وال‪A‬يت ينبغي إذا دع‪A‬ا املرءُ‬
‫هبا ربَّه ج‪Aَّ A A A A‬ل وعال‪ ،‬أن ي‪AA A A A‬دعوه هبا ح‪AA A A A‬ىت تك‪AA A A A‬ون س‪AA A A A‬بباً ألن‬
‫يستجيب دعاءَه وأن يُْن‪ِ A‬ز َل علي‪A‬ه َرمْح َتَ‪A‬هُ وأن يُ ْع ِطي‪A‬ه ُس‪A‬ؤلَه‪ ،‬وأال‬ ‫َ‬
‫يرده خائباً شقياً كما سنعرف بقية اآليات‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪       ‬‬
‫‪        ‬مل ي‪AA‬دع‬
‫هب يل‪ ،‬وإمَّن ا ق ‪AA‬دَّم األس ‪َ A‬‬
‫‪A‬باب أو كم ‪AA‬ا‬ ‫ربَّه دع ‪AA‬اءً خفي‪A A‬اً ليق ‪AA‬ول ْ‬
‫مهد إلجابة دعائه قبل أن يدعو ب‪AA‬ه‪ ،‬ق‪AA‬ال‪:‬‬ ‫يقول املفسرون‪ :‬قد َّ‬
‫‪        ‬‬
‫يطلب ول‪AA‬داً على هذه احلال‪،‬‬ ‫‪ ‬هذه األوىل‪ ،‬كأنَّه يق‪AA‬ول‪ :‬إنَّه ُ‬
‫واحتياج‪AA‬ه‬ ‫هلل ج ‪Aَّ A‬ل وعال ض ‪AA‬رورتَه‬ ‫مُيَِّه ُد َلن ْف ِس ‪A‬ه الس ‪AA‬بب‪ ،‬يظْ ِه‪AA‬ر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫الولَ ‪Aِ A A‬د‪ ،‬كي ‪AA A‬ف ذل ‪AA A‬ك؟ بََأنَّه ليس حيت ‪AA A‬اج الول ‪Aَ A A‬د للتَّوس‪A A A‬ع يف‬
‫ِ‬
‫إىل َ‬
‫ب‬
‫َّمتَُ ِع هبا‪ ،‬وال ليكون له شأن فيها‪ ،‬وأنَّه ق‪AA‬د َق‪Aُ A‬ر َ‬ ‫الدنيا‪ ،‬وال للت َ‬
‫‪A‬ل علي ‪AA‬ه‪ ،‬وأوش ‪AA‬ك أن خيرج من هذه ال ‪AA‬دنيا‪،‬‬ ‫ود َخ‪َ A‬‬
‫إبَّان املوت‪َ ،‬‬
‫‪A‬دل على أنَّه فعالً حيت‪AA‬اج إىل هذا الول‪Aِ A‬د‬ ‫ف ِمن َحالِ‪AA‬ه َم‪AA‬ا ي‪ُ A‬‬ ‫ص‪َ A‬‬ ‫َو َو َ‬
‫َأح َوال املؤمنني‪ ،‬ويك‪AA‬ون ل‪AA‬ه‬ ‫الذي ي ُقوم بشئون الدِّي ِن‪ِ ،‬‬
‫ويَراعي ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪17‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫خليفةً بالقيام على مصاحل الش‪AA‬رع؛ إ ْذ األنبي‪AA‬اء ال يَطْلُبُ‪AA‬و َن الول‪Aَ A‬د‬


‫ملرياث ال ‪AA A‬دنيا وال لطلبه ‪AA A‬ا وال للتحص ‪AA A‬يل‪ A‬فيه ‪AA A‬ا‪ ،‬إذ مِه َ ُم ُهم هي‬
‫ِ‬
‫الع ‪AA‬ايل‪ ،‬ليس‬ ‫ِ‬
‫‪A‬رع َ‬‫‪A‬ود الش ‪ِ A‬‬‫‪A‬ودهم‪ A‬هو مقص ‪ُ A‬‬ ‫العالي ‪AA‬ة‪ ،‬ومقص ‪ُ A‬‬
‫اهل َم ُم َ‬
‫اصد الدَّنِيئة اليت نتمتع هبا اليوم‪.‬‬
‫م ْقصودهم امل َق ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ف‬‫إنَّه يُظْ ِه‪Aُ A‬ر ل ‪AA‬ه أنَّه يف أش ‪Aِّ A‬د الض ‪AA‬رورة واالحتي ‪AA‬اج‪ ،‬ويَص ‪ُ A‬‬
‫‪A‬دل على اس‪AA A A‬تعطافه لربِّه‬ ‫ِمن َحالِ ‪Aِ A A A‬ه ال َف ْ‪A‬ق ‪Aَ A A‬ر َواملس‪AA A A‬كنَةَ ال‪AA A A‬يت ت‪ُ A A A‬‬
‫واسرتحامه ل‪A‬ه‪ ،‬وهو الزم هذا الكالم عن‪A‬دما تق‪A‬ول ملن تس‪A‬أله‪:‬‬
‫‪A‬اج‪ ،‬وإن‪AA‬ين‬ ‫‪A‬ادر‪ ،‬وإن‪AA‬ين حمت‪ٌ A‬‬
‫‪A‬وي وق‪ٌ A‬‬ ‫‪A‬ريض وأنت ق‪ٌ A‬‬ ‫‪A‬عيف وم‪ٌ A‬‬ ‫إن‪AA‬ين ض‪ٌ A‬‬
‫كل ذلك ال ِز ُم‪AA‬ه‬ ‫ِ‬
‫ث يل‪ُّ ،‬‬ ‫وح َد َ‬ ‫ث يل‪َ ،‬‬ ‫قد بلغت من الكرَبِ ‪َ ،‬‬
‫وح َد َ‬
‫أنَّك تطلب رمحت ‪AA A‬ه هبذه الص‪AA A A‬فات‪ ،‬وتس ‪AA A‬رتمحه هبذه األح ‪AA A‬وال‬
‫املس ‪AA‬كينة ال ‪AA‬يت تس ‪AA‬تجلَّب الرمحة حىَّت من القلب‪ A‬القاس ‪AA‬ي‪ ،‬فل ‪AA‬و‬
‫وطلبت من‪AA A‬ه‪ ،‬وك‪AA A‬ان قلب‪AA A‬ه قاس‪AA A‬ياً وقلت ل‪AA A‬ه‪ :‬أن‪AA A‬ا‬ ‫َ‬ ‫ك‪AA A‬ان ام‪AA A‬رءاً‪،‬‬
‫فالزم‬
‫وضعيف وقد حدث وح‪A‬دث وح‪A‬دث ألجاب‪A‬ك ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مسكني‬
‫ٌ‬
‫الكالم أنَّه يس‪AA A‬تعطف ربَّه س ‪AA‬بحانه وتع‪AA A‬اىل ويس‪AA A‬رتمحه – يع‪AA A‬ين‬ ‫ِ‬
‫بوصفه حلاله الذي يستدعي ذلك‪.‬‬ ‫يطلب رمحته – ِ‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪18‬‬

‫‪ ‬‬ ‫‪A‬ف هذا احلال ال‪AA‬ذي يطلب ألجل‪AA‬ه فيق‪AA‬ول‪:‬‬


‫ويص‪ُ A‬‬
‫‪       ‬‬
‫يريد ولياً يرثُه وي‪A‬رث من آل يعق‪A‬وب‪،‬‬ ‫‪ُ     ‬‬
‫يرث مرياث النُّب‪AA‬وة ويق‪AA‬وم بال َّش‪ْ A‬ر ِع ألنَّه خياف إذا هو م‪AA‬ات أال‬
‫‪A‬تعطاف آخ‪Aُ A‬ر هلل‬
‫ٌ‬ ‫مقام‪AA‬ه برعاي‪AA‬ة ال‪AA‬دِّين‪ ،‬وهذا اس‪A‬‬
‫‪A‬وم من يق‪AA‬وم َ‬ ‫يق‪َ A‬‬
‫تع ‪AA‬اىل‪ ،‬أن يس ‪AA‬تعطفه مبا حُي ب‪AA‬ه ربُّه ج ‪Aَّ A‬ل وعال – كم ‪AA‬ا ذكرن ‪AA‬ا يف‬
‫قصة إبراهيم عليه السالم ملا قال‪     :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪      ‬‬

‫‪A‬ام‬
‫[إب ‪AA‬راهيم‪ ،]37A:‬فاس‪AA‬تعطف ربَّه مبا حيبُّه ربُّه ج‪Aَّ A‬ل وعال وهو قي‪ُ A‬‬
‫دينِ ‪AA‬ه ورعايت‪AA‬ه وحفظ ‪AA‬ه‪ ،‬ليس لل ‪AA‬دنيا وللعل ‪AA‬و فيه ‪AA‬ا‪ ،‬وك ‪AA‬ذلك أن‬
‫يس‪AA‬هر على انتش‪AA‬ار هذا ال‪AA‬دين ألنَّه خياف من ورائ‪AA‬ه أن حيدث‬
‫َ‪A‬ه ‪ْ A‬د ٌم هلذا ال ‪AA‬دين أو أن حيدث بُع‪ٌ A A‬د عن ‪AA‬ه‪ ،‬أو أن يق ‪AA‬ع الن ‪AA‬اس يف‬
‫خمالف‪AA A‬ة الش‪AA A‬رع‪ ،‬فيس‪AA A‬تعطف ربَّه بأنَّه يري‪AA A‬د ول‪AA A‬داً يقيم الش‪AA A‬رع‬
‫ب ج‪A‬ل وعال‪ ،‬يري‪A‬د ول‪A‬داً يق‪A‬وم بوراث‪Aِ A‬ة النُّبُ‪A‬وةَ ال‪AA‬يت‬ ‫الر ُّ‬
‫الذي حُي بُّه َّ‬
‫حُي ب ربُّه أن يكون الناس عليه‪AA‬ا‪ .‬ق‪AA‬دَّمنا هذه اآلي‪AA‬ة ونع‪AA‬ود إليه‪AA‬ا‬
‫يف موضعها إن شاء اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪ ‬‬ ‫زكري ‪AA A A A‬ا ‪ ‬م ‪AA A A A‬ازال يس ‪AA A A A‬رتحم ربَّه فيق ‪AA A A A‬ول‬
‫‪    ‬واش‪AA A A A A‬تعل ال‪AA A A A A‬رأس‬
‫القرآن دقي‪Aٌ A‬ق‪ ،‬وهذه اآلي‪AA‬ة مليئ‪A‬ةٌ بالبالغ‪AA‬ة‪ ،‬ولس‪AA‬نا يف‬ ‫ِ‬ ‫تعليق‬
‫شيباً ُ‬
‫مع‪AA‬رض الكالم على البالغ‪AA‬ة وإمنا توض‪AA‬يح مجال هذه الكلم‪AA‬ات‬
‫القرآني‪AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‬ة ‪   ‬‬
‫املرء‪ ،‬أش ‪Aُّ A‬د ش ‪ٍ A‬‬
‫‪A‬يء في ‪AA‬ه‬ ‫‪A‬يء يف ِ‬ ‫‪  ‬والعظْم هو أش ‪Aُّ A‬د ش ‪ٍ A‬‬
‫َ ُ‬
‫‪A‬دل ذل ‪AA‬ك‬ ‫وهنت ف ‪َّ A‬‬ ‫‪A‬ام ق ‪AA‬د‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ص ‪A‬لبه وعظَ ُام‪AA‬ه ف ‪AA‬إذا ك ‪AA‬انت العظَ ‪ُ A‬‬ ‫هو ُ‬
‫جسمه كلَّه ق ْد َو َه َن‪ ،‬ولو قال‪ :‬إن بدين كلّه ق ْد َو َه َن‬ ‫على أن َ‬
‫ال تعطي هذا املفه‪AA A‬وم‪ ،‬وهذا املع ‪AA A‬ىن‪ ،‬ل ‪AA A‬ذلك ق ‪AA A‬ال‪  :‬‬

‫‪  ‬فما بالك باجلسم الضعيف ‪.‬‬

‫إذن فق ‪AA‬د ض ‪AA‬عف جس ‪AA‬مي كل ‪AA‬ه من أول ‪AA‬ه إىل آخ ‪AA‬ره وق ‪AA‬د‬
‫ضعف فيه أقوى ما فيه حىت إنين ال اس‪AA‬تطيع ش‪AA‬يئا فهب يل من‬
‫ل ‪AA‬دنك ولي ‪AA‬ا‪ ،‬وعالين الش ‪AA‬يب‪ ،‬وأص ‪AA‬ابتين الش ‪AA‬يخوخة‪ ،‬ومل يب ‪AA‬ق‬
‫من العمر بقية‪ ،‬فارمحين‪.‬‬

‫‪       ‬وانظ‪AA‬ر إىل هذه‬


‫اللفظ‪AA A‬ة اجلميل‪AA A‬ة وم‪AA A‬ا حتم‪AA A‬ل من املع‪AA A‬اين ال‪AA A‬يت على املؤم‪AA A‬نني أن‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪20‬‬

‫وه‪A‬ا وهم ي‪ْ A‬دعُون اهلل تع‪AA‬اىل مت‪AA‬وكلني علي‪AA‬ه‪ ،‬وك‪AA‬ذلك وهم‬
‫يَُراعُ َ‪A‬‬
‫يقرءون القرآن فيتعلم‪A‬ون تل‪AA‬ك املع‪A‬اين احلس‪A‬نة واأللف‪A‬اظ الرقيق‪A‬ة‬
‫ال‪AA‬يت ج‪AA‬اء هبا الق‪AA‬رآن ليح‪AA‬رك تل‪AA‬ك القل‪AA‬وب واملش‪AA‬اعر على حمب‪AA‬ة‬
‫اهلل تعاىل وعلى ُّ‬
‫التوك ِل عليه وعلى اليقني فيه والثقة فيما عنده‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪A‬قي من‬ ‫‪ :       ‬الش ‪ُّ A‬‬
‫الش‪AA‬قوة‪ ،‬والش‪AA‬قوة ض‪AA‬د الس‪AA‬عادة‪ ،‬والس‪AA‬عادة هي ع‪AA‬دم حص‪AA‬ول‬
‫املأمول وض‪AA‬الل الس‪AA‬عي‪ ،‬ومقص‪AA‬ود اآلي‪AA‬ة أنَّين مل أكن ب‪AA‬دعائك‬
‫رب س ‪AA‬عي ٌد‪ ،‬ألن الش‪AA‬قاوة ض‪AA‬د‬ ‫ريب ش‪AA‬قيا‪ ،‬يع ‪AA‬ين أن‪AA‬ين ب ‪AA‬دعائك ِّ‬
‫الس‪AA‬عادة‪ ،‬فلم يكن يوم ‪A‬اً م‪AA‬ا ش‪AA‬قياً هبا‪ ،‬ب‪AA‬ل ك‪AA‬ان س‪AA‬عيداً ب‪ِ A‬‬
‫‪A‬دعاء‬
‫أن ع ‪AA‬ادة اهلل تع ‪AA‬اىل مع ‪AA‬ه الس ‪AA‬عادة باس ‪AA‬تجابة دعائ ‪AA‬ه‪،‬‬ ‫ربِّه ‪،‬يع ‪AA‬ين َّ‬
‫وأن اهلل تع ‪AA‬اىل مل خييب ل ‪AA‬ه دع ‪AA‬اء من قب ‪AA‬ل‪ ،‬هذا مع ‪AA‬ىن الكالم‪،‬‬
‫وليس مع‪AA‬ىن الكالم ‪ :‬ومل أكن ش‪AA‬قياً ب‪AA‬دعائك يع‪AA‬ين أدع‪AA‬وك فال‬
‫أشقى‪ ،‬ال‪ .‬أدعوك فأسعد‪ ،‬ل‪AA‬ذلك ق‪AA‬ال الن‪AA‬يب ‪ ‬فيم‪AA‬ا يروي‪A‬ه عن‬
‫ربِّه ملا جلَّس هذا اجلالس م‪AA‬ع الق‪AA‬وم ال‪AA‬ذين ي‪AA‬ذكرون اهلل تع‪AA‬اىل‬
‫َّ‬
‫‪A‬رت‬
‫ُ‬ ‫‪A‬‬‫ف‬ ‫غ‬ ‫‪A‬د‬ ‫ق‬ ‫أين‬ ‫كم‬ ‫د‬‫ه‬‫ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫‪A‬‬ ‫ش‬‫ُأ‬ ‫‪A‬ال‬
‫‪A‬‬ ‫ق‬‫ف‬ ‫‪A‬اىل‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫اهلل‬ ‫إىل‬ ‫‪A‬ة‬ ‫ك‬ ‫املالئ‬ ‫وصعدت‬
‫‪21‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫هلم‪ .‬ق ‪AA‬الوا‪ :‬إن فالن ‪A‬اً ليس منهم‪ ،‬ق ‪AA‬ال هم الق ‪AA‬وم ال‪ ‬يش ‪AA‬قى هبم‬
‫جلَّيس‪AA A‬هم‪ ،‬جلَّيس‪AA A‬هم ال يش‪AA A‬قى معن‪AA A‬اه أنَّه ملا ج‪AA A‬اءت الس‪AA A‬عادة‬
‫‪A‬دل ذل‪AA‬ك على أنَّه ال يش‪AA‬قى‬ ‫مشلته أيضاً مع أنَّه مل يكن منهم‪ ،‬ف‪َّ A‬‬
‫بل يسعد‪ ،‬ف َس‪A‬عِ َد هذا ال‪A‬ذي ق‪A‬د أتى وليس منهم‪َ ،‬س‪A‬عِ َد مبغف‪AA‬ر ِة‬
‫اهلل تع‪AA A A A A‬اىل ورمحت ‪AA A A A‬ه‪ ،‬فمع‪AA A A A A‬ىن الكالم ‪  ‬‬

‫‪    ‬يع‪AA‬ين أن‪AA‬ا س‪AA‬عيد‬


‫بدعائك‪.‬‬

‫ومعن ‪AA A A‬اه الت‪AA A A‬ايل‪ :‬إن‪AA A A‬ين مل أكن قب‪AA A A‬ل ذل ‪AA A A‬ك أدع ‪AA A A‬وك فال‬
‫تستجيب يل‪ ،‬ب‪A‬ل كنت تس‪A‬عدين باإلجاب‪A‬ة‪ ،‬يع‪AA‬ين عه‪AA‬د اهلل معي‬
‫أنَّه مل يرتك‪AA A A A A‬ين يوم‪A A A A A‬اً أدع‪AA A A A A‬و فلم يس‪AA A A A A‬تجب‪ ،‬عه‪Aُ A A A A A‬د اهلل معي‬
‫االستجابة هلذا الدعاء ‪.‬‬

‫‪  ‬‬ ‫وانظ‪AA A A A‬ر هلذا املع‪AA A A A‬ىن‪ ،‬ملاذا يق‪AA A A A‬ول ل‪AA A A A‬ه‪:‬‬
‫ث ربَّه س ‪AA‬بحانه‬‫‪    ‬؟ إنَّه متهي‪ٌ A A‬د أل ْن حَيُ َّ‬
‫وتع‪AA A‬اىل على اس ‪AA‬تمرار مجي ‪AA‬ل اإلجاب ‪AA‬ة ل‪AA A‬ه‪ ،‬يع ‪AA‬ين؛ ي ‪AA‬ا رب إن ‪AA‬ين‬
‫سعي ٌد بدعائي إياك‪ ،‬وأنت تس‪A‬تجيب دع‪A‬ائي يف ك ِّ‪A‬ل م‪A‬رة‪ ،‬وأن‬
‫عهدي بك أن‪A‬ك مل ختيب يل دع‪AA‬اءً‪ ،‬وها أن‪A‬ا أدع‪A‬وك الي‪A‬وم وأن‪A‬ا‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪22‬‬

‫أطلب من ‪AA‬ك الي‪AA‬وم وعه‪AA‬دي أن ‪AA‬ك ال ختيب‪AA‬ين‪ ،‬وعه ‪AA‬دي الس ‪AA‬عادة‬
‫هبذا ال ‪AA‬دعاء من ‪AA‬ك‪ ،‬فكأنَّه يق ‪AA‬ول‪ :‬فكم ‪AA‬ا مل ختيب ‪AA‬ين من قب ‪AA‬ل ومل‬
‫‪A‬عدت ب‪A‬ك من قب‪A‬ل يف األدعي‪AA‬ة كاف‪A‬ة‬ ‫َأ ْش َق ب‪A‬ك من قب‪A‬ل‪ ،‬وق‪A‬د س ُ‬
‫دع ْوهُت ا‪ ،‬ف‪AA‬اليوم أدع‪AA‬وك وأن‪AA‬ا أتوس‪AA‬ل إلي‪AA‬ك بس‪AA‬ابق ص‪AA‬نعك‬
‫ال‪AA‬يت َ‬
‫اجلميل أن يستمر هذا الصنع اجلميل اليوم‪.‬‬

‫فيتوس ُ‪A‬ل جبمي‪A‬ل اهلل علي‪A‬ه إىل اهلل تع‪A‬اىل‪ ،‬كم‪A‬ا ق‪A‬ال القائ‪A‬ل‪:‬‬
‫أن ‪AA‬ا ال ‪AA‬ذي أحس ‪AA‬نت إليَّه يف الزم ‪AA‬ان املاض ‪AA‬ي‪ ،‬ق ‪AA‬ال‪ :‬مرحب‪A A‬اً مبن‬
‫توس‪AA‬ل بن‪A‬ا إلين‪A‬ا‪ ،‬فكأنَّه يتوس‪AA‬ل بس‪AA‬ابق ص‪A‬نع اهلل اجلمي‪AA‬ل ل‪AA‬ه على‬
‫أن يس‪A‬تمر هذا الص‪A‬نع ِمن اهلل ج َّ‪A‬ل وعال ل‪A‬ه‪ ،‬وأال تت‪A‬أخر إجاب‪A‬ةُ‬
‫اهلل تع‪AA‬اىل‪ ،‬وهو ِمن أحس‪AA‬ن أن‪AA‬واع التو ُّس ‪ِ A‬ل؛ أن يتوس‪Aَ A‬ل إىل اهلل‬
‫ج‪Aَّ A A‬ل وعال مبا َّأداه إلي‪AA A‬ه من نَِع ٍم‪ ،‬مبا َّأداه إلي‪AA A‬ه من مجي‪AA A‬ل‪ ،‬وم‪AA A‬ا‬
‫ب من ربِّه اس‪AA‬تمرار ذل‪AA‬ك املع‪AA‬روف‬ ‫ٍ‬
‫معروف يَطْلُ ُ‪A‬‬ ‫أسداه إليه من‬
‫وح ْس‪A‬نه‪ ،‬وأال خُي يِّب‪A‬ه ألنَّه مل يكن خائب‪A‬اً‬ ‫واس‪A‬تمرار ذل‪A‬ك اجلمي‪A‬ل ُ‬
‫يوما ِ‬
‫بدعاء ربه‪.‬‬

‫وهذا ال ‪AA‬ذي ينبغي أن يفهم ‪AA‬ه املؤمن ‪AA‬ون‪ ،‬وتل ‪AA‬ك قص ‪AA‬ص‬
‫الن ‪AA‬يب ‪ ‬ال ‪AA‬يت أش ‪AA‬رنا يف البداي‪AA‬ة إليه‪AA‬ا‪ ،‬أنَّه إذا ك ‪AA‬ان زكري ‪AA‬ا ‪ ‬مل‬
‫‪23‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪A‬ك‬ ‫ِ‬
‫يكن يوم‪A A‬اً ب ‪AA‬دعاء ربِّه ش ‪AA‬قياً‪ ،‬فم ‪AA‬ا بال ‪AA‬ك ب ‪AA‬النيب ‪ ، ‬م ‪AA‬ا بالُ ‪َ A‬‬
‫بسيد اخلَْل ِق‪ ،‬وهو أت َقاهم هلل تعاىل‪ ،‬وأطوعُهم إليه وأش‪AA‬دُّهم ل‪AA‬ه‬ ‫ِ‬
‫خش‪AA A‬يةً‪ ،‬وهو أق‪AA A‬رهُب م عن‪Aَ A A‬ده َمْن ِزلَ ‪A A‬ةً كم‪AA A‬ا ذك‪AA A‬ر املوىل س‪AA A‬بحانه‬
‫وتعاىل وكما ذكر النيب ‪.‬‬

‫‪A‬رض األس ‪ِ A‬‬


‫‪A‬باب ال ‪AA‬يت يس ‪AA‬تجيب هبا‬ ‫ويس ‪AA‬تمر زكري ‪AA‬ا يف َع ‪ِ A‬‬
‫‪A‬رب لدعاِئه‪   ،‬‬ ‫ال ‪ُّ A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬وانظ ‪AA A‬ر‬
‫هذا ال‪AA‬رتكيب اجلمي‪AA‬ل ال‪AA‬ذي ال خيط‪AA‬ر على ب ِ‬
‫‪A‬ال الق‪AA‬ارئني إال من‬ ‫ُ‬
‫مسع املوعظة تلك من قبل‪.‬‬

‫ص ‪A‬بَةَ‬
‫الع َ‬
‫‪A‬اف َ‬
‫يق‪AA‬ول‪ :‬خفت املوايل من ورائي‪ ،‬يع‪AA‬ين أنَّه َخ‪َ A‬‬
‫‪A‬رع اهلل‬‫أقارب زكريا ‪َ -‬خ‪A‬ا َف ُهم إن هو َم‪AA‬ات أال يقوم‪A‬وا بش ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫تع‪AA‬اىل ودين‪AA‬ه‪ ،‬وأن ينتهى هذا ال‪AA‬دِّين‪ ،‬وأن تنتش‪Aَ A‬ر املعص‪AA‬يةَ‪ ،‬وأن‬
‫وأهل البِ ‪Aَ A‬د ِع‪ ،‬وإيِّن ِخ ْفُت ُهم‬
‫ُ‬ ‫‪A‬رك‪ ،‬وأن يعل ‪Aَ A‬و الفس ‪Aُ A‬ق‬
‫يرتف ‪Aَ A‬ع الش ‪ُ A‬‬
‫نك ولياً‪.‬‬‫فهب يل من ُلد َ‬‫عليه‪ْ ،‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪24‬‬

‫وامسع ت ‪AA‬رتيب اجلمل ‪AA‬ة ال ‪AA‬يت ال ميكن أن ت ‪AA‬دخل يف العق ‪AA‬ل‪:‬‬


‫‪          ‬هذا‬
‫كالم ال ي ‪AA A‬دخل يف العق ‪A A‬ل‪ A‬إذن‪ ،‬فليس ل ‪AA A‬ه قي ‪AA A‬اس يف املادة وال‬ ‫ٌ‬
‫فهب يل ول ‪AA A‬داً‪ ،‬عالوة على كِرَبِ ه‬ ‫ش ‪AA A‬به‪ ،‬يع ‪AA A‬ين ام ‪AA A‬رأيت ال تَل ‪Aُ A A‬د ْ‬
‫ِ‬
‫وح ْس‪َ A‬ن اليقني على‬ ‫وضعفه السابق‪ ،‬وهذا يَُبنِّي ُ ش‪َّ A‬دةَ الت ََّو ُّك ِل‪ُ ،‬‬
‫‪A‬ادر‬
‫ب علي ‪AA‬ه ش ‪AA‬يءٌ‪ ،‬وأنَّه ق ‪ٌ A‬‬‫ص ‪A‬عُ ُ‪A‬‬ ‫اهلل تع ‪AA‬اىل والتعل ‪A‬ق‪ A‬ب ‪AA‬ه‪ ،‬وأنَّه ال يَ ْ‬
‫على ك ‪Aِّ A‬ل ش ‪AA‬يء‪ ،‬ال يُعج ‪AA‬زه ش ‪AA‬يء يف األرض وال يف الس ‪AA‬ماء‪،‬‬
‫‪A‬رعة اس ‪ِ A‬‬
‫‪A‬تجابة اهلل تع ‪AA‬اىل ل ‪AA‬ه‬ ‫ل ‪AA‬ذلك ملا ان ‪AA‬دهش زكري ‪AA‬ا ‪ ‬من س ‪ِ A‬‬
‫ق‪AA‬ال‪         :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪  ‬أي هذا وغريه هنِّي ٌ ‪ ،‬وقد خلقتك ي‪AA‬ا زكري‪AA‬ا من قب‪AA‬ل‬
‫ومل تك شيئا‪.‬‬

‫‪A‬كني – الس‪AA A‬امع واملتكلم ‪ -‬تق‪AA A‬ول‪ :‬أي‬ ‫وأنت أيُّه‪AA A‬ا املس‪ُ A A‬‬
‫‪A‬باب‪ ،‬وأن‪AA A A‬ا أري‪Aُ A A A‬د ك‪AA A A‬ذا وك‪AA A A‬ذا‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫ريب ليس يل أس‪ٌ A A A‬‬
‫يتحق‪AA‬ق‪ ،‬ولكنَّه ليس كب‪AA‬رياً علي‪AA‬ك‪ ،‬ويتحق‪AA‬ق ب‪AA‬ك‪ ،‬وك‪AA‬ل ش‪ٍ A‬‬
‫‪A‬يء‬ ‫ُّ‬
‫‪A‬ريض مرض ‪A‬اً ال يش ‪AA‬فيه إال هو س ‪AA‬بحانه‪،‬‬ ‫هني على اهلل؛ فه ‪AA‬و م ‪ٌ A‬‬ ‫ٌ‬
‫حار فيه الطب فاشفه بفضلك‪ A‬وقدرتك‪ ،‬أو فقري فََأ ْغنِه جبودك‬
‫‪25‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫وس ‪AA A‬عة كرم ‪AA A‬ك‪ ،‬أو ن ‪AA A‬زل ب ‪AA A‬ه من البالء م ‪AA A‬ا ال يرفع ‪AA A‬ه إال أنت‬
‫فارفع‪AA A A A A‬ه برمحت‪AA A A A A‬ك وإحس‪AA A A A A‬انك ال يرفع‪AA A A A A‬ه إال أنت‪ ،‬أو ح‪Aَّ A A A A A‬ل‬
‫باملسلمني ما ال قبل هلم به فانصرهم بنص‪AA‬رك‪ ،‬واهزم أع‪AA‬داءك‪،‬‬
‫وأظه‪AA‬ر بأس‪AA‬ك‪ ،‬ال إل‪AA‬ه إال أنت‪ ،‬وهك‪AA‬ذا‪ ،‬أظه‪Aْ A‬ر أيَّه‪AA‬ا املس‪AA‬كني‬
‫توكلِ ‪AA‬ك علي ‪AA‬ه‪ ،‬ادعُ وال‬ ‫إميانَ ‪AA‬ك بربِّك ويقين ‪AA‬ك في ‪AA‬ه‪ ،‬وحس ‪Aَ A‬ن ُّ‬
‫تستكثر شيئاً فاهلل أكثر‪ ،‬ولكن حقق أسباب اإلجابة‪.‬‬

‫‪         ‬ق‪AA‬ال ل‪AA‬ه‪:‬‬


‫‪A‬وم‬ ‫ِ‬
‫‪A‬حاب املادة الي‪َ A‬‬
‫ولكن أص‪َ A‬‬‫كن‪ .‬فيك‪AA‬ون ‪ -‬س‪AA‬بحانه وتع‪AA‬اىل ‪َّ -‬‬
‫قلت هلم‬‫باألسباب اليوم على هذا احلال الس‪AA‬يئ‪ ،‬إن َ‬ ‫ِ‬ ‫واملتعلقني‬
‫َ‪A‬‬
‫ك‪AA‬ذا وك‪AA‬ذا يقول‪AA‬ون‪ :‬الس‪AA‬ماءُ ال متط‪AA‬ر ذهب‪A‬اً وال فض‪A‬ةً ‪ .‬ال‪ ،‬هي‬
‫مِل‬
‫مُتْ ِط ُ‪A‬ر ذهب‪A‬اً وفض‪A‬ةً‪ ،‬مُتْ ِط ُ‪A‬ر‪ َ ،‬ال مُتْ ِط‪A‬ر ؟ ق‪A‬د أمط ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪A‬رت حج‪A‬ارةً‬
‫من قب ‪AA‬ل فم ‪AA‬ا املانع أن متط ‪AA‬ر ذهب ‪A‬اً وفض ‪A‬ةً‪ ،‬يق ‪AA‬ول‪ :‬من أين ي ‪AA‬أيت‬
‫ب‪AA A‬ذلك؟ وواح‪AA A‬د وواح‪AA A‬د اث‪AA A‬نني‪ ،‬وكي‪AA A‬ف يتحص‪AA A‬ل على ذل‪AA A‬ك‬
‫األم‪AA‬ر؟ وكي‪AA‬ف يل‪AA‬د وامرأت‪AA‬ه ع‪AA‬اقر؟ كي‪AA‬ف يفع‪AA‬ل ذل‪AA‬ك وهو ال‬
‫ميل‪AA‬ك م‪AA‬االً وال س‪AA‬بباً ؟ كي‪AA‬ف حيدث ل‪AA‬ه ذل‪AA‬ك وهو مس‪AA‬افر وال‬

‫() إشارة إىل حديث اإلمام البخاري يف قصة اغتسال سيدنا أيوب ‪. ‬‬ ‫‪1‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪26‬‬

‫الظن‬
‫‪A‬وء ِّ‬ ‫‪A‬باب س‪ِ A‬‬
‫يفع‪AA‬ل ش‪AA‬يئاً؟ وكي‪AA‬ف؟ وكي‪AA‬ف؟ وكلّه‪AA‬ا من أس‪ِ A‬‬
‫بربِّه والتشكك يف قدرتِ‪A‬ه س‪A‬بحانه وتع‪AA‬اىل وقوت‪A‬ه وأنَّه على ك‪Aِّ A‬ل‬
‫وأن ْ‪A‬أم‪A‬ره إذا أراد ش‪AA‬يئاً ‪ -‬أي ش‪AA‬يء ك‪AA‬ان ‪ -‬ق‪AA‬ال‬ ‫‪A‬دير‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ش‪AA‬يء ق‪ٌ A‬‬
‫ل ‪AA‬ه‪ :‬كن‪ .‬فيك ‪AA‬ون‪ ،‬ال يت ‪AA‬أخر‪ ،‬تُ ‪AA‬رى اهلل تع ‪AA‬اىل ل ‪AA‬و ق ‪AA‬ال لل ‪AA‬دنيا‬
‫واآلخ ‪AA‬رة‪ :‬كون ‪AA‬ا ش ‪AA‬يئاً آخ ‪AA‬ر‪ .‬ميكن أال يكون ‪AA‬ا‪ ،‬لق ‪AA‬د ق ‪AA‬ال هلما‪:‬‬
‫‪        ‬‬

‫كل آياتِه‪.‬‬
‫يقول املوىل يف ِّ‬
‫[فصلت‪.]11:‬كما ُ‬

‫ل ‪AA A A A A A A A A A A A A A A A A A‬ذلك لَ َّما دع ‪AA A A A A A A A A A A A A A A A A A‬ا الن ‪AA A A A A A A A A A A A A A A A A A‬يب ‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪[   ‬األنف‪AA A A‬ال‪:‬‬
‫‪ ]9‬ف‪AA‬انظر إىل س‪AA‬رعة اإلجاب‪AA‬ة وق‪AA‬وة املدد‪َّ ،‬أما هؤالء املس‪AA‬اكني‬
‫الذين يتشككون اليوم‪ ،‬إذا قلت هلم‪ :‬ال‪ ،‬حاول أن تفعل ك‪A‬ذا‬
‫‪A‬ال‪ ،‬ليس‬ ‫وقت‪ ،‬ليس هن‪AA A‬اك م‪ٌ A A‬‬ ‫وك‪AA A‬ذا‪ ،‬يق‪AA A‬ول‪ :‬ال‪ .‬ليس هن‪AA A‬اك ٌ‬
‫‪A‬الوقت؟ ومن‬‫باملال؟ ومن أين آيت ب‪ِ A A‬‬ ‫هن‪AA A‬اك جه ‪ٌ A A‬د‪ ،‬من أين آيت ِ‬
‫أين آيت باجله‪Aِ A A A‬د‪ ،‬كي‪AA A A‬ف نف‪AA A A‬رغُ وقت ‪A A A‬اً للعلم وال‪AA A A‬دِّين وال‪AA A A‬ذكر‬
‫والص‪AA A‬الة والق‪AA A‬رآن؟ وكأنَّه هو واهب ال‪AA A‬وقت واملال واجله‪AA A‬د‬
‫‪27‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫رده ي‪AA A‬ا‬


‫والص‪AA A‬حة‪ ،‬ل‪AA A‬و أخ‪AA A‬ذ من‪AA A‬ك ش‪AA A‬ىءٌ من ذل‪AA A‬ك اس‪AA A‬تطعت َّ‬
‫‪A‬ادر على ك ‪Aِّ A‬ل‬
‫‪A‬ارك وتع ‪AA‬اىل ق ‪ٌ A‬‬ ‫مس ‪AA‬كني‪ .‬مس ‪AA‬تيقناً قُ ‪Aْ A‬ل‪َّ :‬‬
‫إن اهلل تب ‪َ A‬‬
‫‪A‬دير‪،‬‬
‫كل شيء ق‪ٌ A‬‬‫ذلك‪ ،‬ملاذا ال تقول‪ :‬اهلل املستعان أو اهللُ على ِّ‬
‫هو موالنا فنعم املوىل‪ ،‬كما ذكرنا يف آيات الويل‪.‬‬

‫‪     ‬وهذا دلي ُ‪A‬ل الت ُّ‬


‫َّوك ِل على‬
‫ِ‬
‫اهلل تع ‪AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‬اىل‪   ،‬‬
‫‪    ‬‬
‫فهب يل من‬
‫هب يل ولي‪A‬اً‪ْ ،‬‬
‫ولكن ْ‬
‫‪  ‬ام‪AA‬رأيت ال‪ ‬تل‪ْ A‬د ْ‬
‫لدنك ولياً‪ ،‬وانظر إىل هذا التعبري‪.‬‬

‫‪(       ‬من ل‪AA‬دنك) يع‪AA‬ين من‬
‫اهلل تع‪AA A‬اىل‪،‬‬ ‫‪A‬رف أن ك‪AA A‬ل ش‪ٍ A A‬‬
‫‪A‬يء من عن‪AA A‬د ِ‬ ‫‪A‬ائل يع‪ُ A A‬‬
‫َّ‬ ‫عن‪AA A‬دك‪ ،‬والس‪ُ A A‬‬
‫‪A‬رف َّ‬
‫أن‬ ‫زكري ‪AA‬ا ال يع ‪AA‬رف أن ك ‪AA‬ل ش ‪AA‬يء من عن ‪AA‬د اهلل!؟ بلى يع ‪ُ A‬‬
‫‪A‬يء من عن ‪AA‬د اهلل‪ ،‬فلم ‪AA‬اذا يق ‪AA‬ول من عن ‪AA‬دك؟ من عن ‪AA‬دك‬ ‫ك ‪AA‬ل ش ‪ٍ A‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ألن هذه العِْنديَّة اخلاص‪A‬ةَ‬
‫اهلل تعاىل؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫هذه عنديةٌ خاصةٌ من عند ِ‬
‫مْن ‪AA A‬ه س ‪AA A‬بحانه وتع ‪AA A‬اىل‪ ،‬أن املس ‪AA A‬ببات ال ت ‪AA A‬رتتب على أس ‪AA A‬باهبا‪،‬‬
‫فهب يل من ل‪AA‬دنك موهب ‪A‬ةً من عن‪AA‬دك‪ ،‬كم‪AA‬ا يق‪AA‬ول القائ‪AA‬ل‪ :‬أن‪AA‬ا‬ ‫ْ‬
‫أريد منك أنت‪ ،‬أنا أريد منك أنت تكرمياً وتشريفاً موهب‪A‬ةً من‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪28‬‬

‫اهلل‪ ،‬وأن كل ش‪ٍ A‬‬


‫‪A‬يء‬ ‫شيء من عند ِ‬ ‫اهلل تعاىل؛ ألنَّه يعلم أن كل ٍ‬
‫َّ‬
‫يطلب‬ ‫َّه‬
‫ن‬ ‫ولك‬ ‫‪A‬باهبا‪،‬‬ ‫‪A‬‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫على‬ ‫اهلل تق ‪AA‬دير املس ‪ِ A‬‬
‫‪A‬ببات‬ ‫جيري بتق ‪AA‬دير ِ‬
‫ُ‬
‫ش‪AA A A A‬يئاً على غ‪AA A A A‬ري املعت‪AA A A A‬اد من أح‪AA A A A‬وال البش‪AA A A A‬ر‪ ،‬فق‪AA A A A‬ال ‪ ‬‬

‫‪  ‬من عن‪AA A A A‬دك أنت‪ ،‬ال ميكن أن يفعل‪AA A A A‬ه إال أنت‪،‬‬
‫وال يكون إال هبةً منك‪ ،‬موهبةً من اهلل تعاىل وكرامةً له‪.‬‬

‫‪ ،       ‬وتأمل مل يقل هب يل‬


‫تبني‬
‫من لدنك ولداً‪ ،‬هب يل من لدنك ولياً‪ ،‬والواليةُ هنا اليت ُ‬
‫الح‪ ،‬الذرية الطيب‪A‬ة ‪-‬كم‪AA‬ا دع‪AA‬ا إب‪AA‬راهيم رب‪AA‬ه س‪A‬بحانه‬
‫الص ِ‬
‫درجةَ َّ‬
‫وتعاىل قال‪[        :‬الص‪AA‬افات‪]100:‬‬
‫ولكن ق ‪AA‬ال‪ :‬هذه الذري ‪AA‬ة‬ ‫‪ -‬مل يطلب ِمن اهلل تع ‪AA‬اىل َّ ٍ‬
‫أي ذري ‪AA‬ة ْ‬
‫من اهلل تعاىل‪ ،‬أن تكو َن ذريةً من أوليائه س‪AA‬بحانه وتع‪AA‬اىل‪ ،‬واهلل‬
‫تع‪AA‬اىل كم‪AA‬ا ق‪AA‬ال‪[     :‬احلج‪ ]78:‬يف اآلي‪AA‬ات ال‪AA‬يت‬
‫جل وعال‪   :‬‬ ‫ذكرنا عن النيب ‪ ‬يقول فيها املوىل َّ‬
‫‪        ‬‬
‫‪[        ‬األعراف‪:‬‬
‫طلب ولياً البد أن يكون صاحلاً ألن الواليةَ‬
‫فلما َ‬ ‫‪َّ ،]196-195‬‬
‫الح‪ ،‬ال‪ ‬يك‪A‬ون املرء يف والي ِ‪A‬ة ِ‬
‫اهلل تع‪A‬اىل‬ ‫ص‪ِ A‬‬ ‫هي أعلى درج ِ‬
‫‪A‬ات ال َّ‬
‫ُ‬
‫‪29‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪‬‬ ‫ولي ‪A A‬اً ل ‪AA A‬ه ج ‪Aَّ A A‬ل وعال‪ ،‬ويلٌّ هلل تع ‪AA A‬اىل إال أن يك ‪AA A‬ون ص ‪AA A‬احلاً‪،‬‬
‫‪.   ‬‬

‫ل ‪AA‬ذلك ج ‪AA‬اءت آي ‪AA‬ات س ‪AA‬ورة آل عم ‪AA‬ران على نفس هذا‬


‫الس ‪AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‬ياق ‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫[آل عم‪AA‬ران‪:‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪A‬ات اليقني‪ ،‬ونفس اآلي ‪ِ A‬‬
‫‪A‬ات‬ ‫َّوكل ونفس آي ‪ِ A‬‬ ‫‪َ ]37‬ن ْفس آي ‪AA‬ات الت ُّ‬
‫ال‪AA A‬يت ُتَبنِّي ُ أن املس ‪AA A‬ببات ال ترتب‪AA A‬ط بأس‪AA A‬باهبا عن‪AA A‬د اهلل‪ ،‬وأن اهلل‬
‫ق ن‪AA A‬واميس كونِ‪AA A‬ه ملن ش‪AA A‬اء م‪AA A‬ىت ش‪AA A‬اء مبا ش‪AA A‬اء‪ ،‬‬
‫تع‪AA A‬اىل خَي ْ ‪ِ A A‬ر ُ‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫نيب وهي ام‪AA‬رأة ص‪AA‬احلة ‪ -‬م‪AA‬رمي بنت‬ ‫‪   ‬زكريا ‪ٌّ ‬‬
‫احملراب ‪-‬‬
‫َ‬ ‫عم ‪AA‬ران عليه ‪AA‬ا الس ‪AA‬الم ‪ -‬كلَّم ‪AA‬ا دخ ‪Aَ A‬ل عليه ‪AA‬ا زكري ‪AA‬ا‬
‫وهو ال‪A‬ذي َك َفلَه‪A‬ا ويق‪A‬وم على رعايته‪A‬ا ‪ -‬وج‪A‬د أن الكفال‪A‬ةَ ق‪A‬د‬
‫انتقلت إىل اهلل تع ‪AA A‬اىل‪ ،‬وأن الكاف ‪Aَ A A‬ل هلا على احلقيق ‪AA A‬ة هو اهلل‬
‫ْ‪A‬‬
‫تع‪AA‬اىل وأنَّه ال حيت‪AA‬اج من‪AA‬ه ش‪AA‬يئاً‪ ،‬وأن الكاف‪Aَ A‬ل هلا س‪AA‬بحانه وتع‪AA‬اىل‬
‫‪A‬وق‪،‬‬
‫قد كفاها مبا ال ميكن أن يكفيه‪A‬ا هذا الكفي‪Aُ A‬ل البش ُ‪A‬ر املخل‪ُ A‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪30‬‬

‫كفاها كفاي ‪A‬ةً ال ميكن أن توج‪AA‬د من أح‪AA‬د‪ ،‬وال ميكن أن يق‪AA‬وم‬


‫هبا أح ‪ٌ A‬د‪ ،‬ح‪AA‬ىت جعلت زكري‪AA‬ا نفس‪AA‬ه لَ َّما رأى هذا املع‪AA‬ىن ق‪AA‬ال‪:‬‬
‫‪           ‬‬
‫رب خترق اآلي‪AA A‬ات‬ ‫كنت ي‪AA A‬ا ِّ‬
‫‪[  ‬آل عم‪AA A‬ران‪ .]38:‬إذا َ‬
‫وتعطي‪ ،‬كم ‪AA‬ا يق ‪AA‬ول املفس ‪AA‬رون‪( :‬رزقه ‪AA‬ا) يع ‪AA‬ين وج ‪Aَ A‬د عن ‪AA‬دها‬
‫‪A‬يف‪ ،‬ووج‪Aَ A‬د‬ ‫‪A‬تاء يف الص‪ِ A‬‬ ‫‪A‬تاء وفاكه ‪A‬ةَ الش‪ِ A‬‬
‫‪A‬يف يف الش‪ِ A‬‬ ‫فاكه ‪A‬ةَ الص‪ِ A‬‬
‫‪A‬رزق الواس ‪Aَ A‬ع ال ‪AA‬ذي ال‪ ‬ميكن إال أن يك ‪AA‬ون من‬ ‫عن ‪AA‬دها ذل ‪AA‬ك ال ‪َ A‬‬
‫خيرق هذا الك ‪AA‬ون ونواميس ‪AA‬ه كرام‪A A‬ةً‬ ‫وأن اهلل تع ‪AA‬اىل ُ‬ ‫عن ‪AA‬د اهلل‪َّ ،‬‬
‫لعباده املؤمنني‪ ،‬وأنَّه ال يَ ْكرُب عليه ش‪AA‬يءٌ‪ ،‬إذا بزكري‪AA‬ا ‪ ‬يق‪AA‬ول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫‪A‬ربت‪ ،‬وأري ُ‪A‬د‬
‫‪A‬اقر‪ ،‬وأن‪A‬ا ق‪A‬د ك ُ‬ ‫أنا حباج‪A‬ة إىل مث‪A‬ل ذل‪A‬ك؛ ام‪A‬رأيت ع ٌ‬
‫‪A‬تاء وفاكه‪A A A‬ةَ الش ‪ِ A A‬‬
‫‪A‬تاء يف‬ ‫‪A‬يف يف الش ‪ِ A A‬‬
‫من اهلل تع ‪AA A‬اىل فاكه‪A A A‬ةَ الص ‪ِ A A‬‬
‫وأن ذلك ال يَ ْكرُب على اهلل‪.‬‬ ‫الصيف‪َّ ،‬‬‫ِ‬

‫‪[      ‬آل عمران‪ ]38:‬هنالك‪،‬‬


‫‪A‬زات اهلل تع‪AA‬اىل‪ ،‬ف‪َّ A‬‬
‫‪A‬إن‬ ‫يف هذا املكان املب‪A‬ارك ال‪A‬ذي رأى في‪AA‬ه معج‪Aِ A‬‬
‫‪A‬وس الص ‪ِ A A‬‬
‫‪A‬افية‬ ‫الن ُف‪ِ A A‬‬
‫وأهل ُّ‬ ‫‪A‬وب الزكي ‪Aِ A A‬ة‬ ‫ِ‬
‫اإلميان وأهل القل ‪ِ A A‬‬ ‫أهل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مير عليهم من األق ‪AA A A‬وال واألفع ‪AA A A‬ال فتك ‪AA A A‬ون س ‪AA A A‬بباً‬
‫يعت ‪AA A A‬ربون مبا ُّ‬
‫مير عليهم‬ ‫ل ‪AA‬دعائهم وق ‪Aْ A‬رهِب م من اهلل تع ‪AA‬اىل‪ ،‬س ‪AA‬بباً ملوعظتهم‪ ،‬ال ُّ‬
‫‪31‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪A‬رف إال ويق‪AA A A‬رِّهُب م إىل اهلل تع‪AA A A‬اىل‪ ،‬إال‬


‫‪A‬ول وال فع‪Aٌ A A A‬ل وال تص‪ٌ A A A‬‬
‫ق‪ٌ A A A‬‬
‫ويفهم ‪AA‬ون من ‪AA‬ه احلكم ‪AA‬ة واملوعظ ‪AA‬ة ال ‪AA‬يت س ‪AA‬اقها س ‪AA‬بحانه وتع ‪AA‬اىل‬
‫إليهم على لسان غريهم وتصرفاهتم‪.‬‬

‫لَ َّما رأى زكري ‪AA‬ا ‪ ‬ذل ‪AA‬ك ك ‪َّ A‬‬


‫‪A‬أن اهلل تع ‪AA‬اىل يق ‪AA‬ول ل ‪AA‬ه‪ :‬ملاذا‬
‫‪A‬اء ربِّك؟ أن ت ‪AA A‬دعوه لريزق ‪AA A‬ك رزق ‪A A‬اً ‪-‬كم ‪AA A‬ا‬‫ت ‪AA A‬أخرت عن دع ‪ِ A A‬‬
‫َ‬
‫يقول‪          :‬بغري ع ّد‬
‫‪      ‬‬
‫‪    ‬هو من عن‪AA‬د اهلل ال‪AA‬ذي ق‪AA‬د تش‪AA‬ككنا‬
‫ب ش‪AA‬يئاً عي‪AA‬اذاً‬
‫مينح وال َي َه ُ‬
‫يف قوت‪AA‬ه وقدرت‪AA‬ه‪ ،‬وأنَّه ال يعطي وال ُ‬
‫َّوك ِل ِ‬
‫وسوء الظَّ ِّن الذي حنن فيه‪.‬‬ ‫باهلل تعاىل من ِ‬
‫سوء الت ُّ‬

‫هذه ال‪AA A‬يت ال تس‪AA A‬تطيع ش‪AA A‬يئاً إذا باهلل تع‪AA A‬اىل ق‪AA A‬د َك َفلَ َ‪A‬ه ‪AA‬ا‪،‬‬
‫املوح ُدون الي ‪AA‬وم كي ‪AA‬ف يتوكل ‪AA‬ون على رهبم‪،‬‬ ‫ليس ‪AA‬تيقن هؤالء ِّ‬
‫‪A‬ائف على أوالده وال ‪AA‬رزق‬ ‫‪A‬ائف عليه ‪AA‬ا‪ ،‬وهو خ ‪ٌ A‬‬ ‫يق ‪AA‬ول‪ :‬هو خ ‪ٌ A‬‬
‫ص‪A A A‬ل‪   ،‬‬
‫والغ ‪AA A‬د واملس ‪AA A‬تقبل‪ ،‬وليس معهم‪ ،‬وحُيَ ِّ ُ‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬ومل تكن م‪AA‬رمي عليه‪AA‬ا الس‪AA‬الم لتس‪AA‬عى وال لتعم‪AA‬ل‬
‫وال لتش ‪AA‬تغل وال لتحس ‪AA‬ب وال لت ‪AA‬دبر يوم ‪A‬اً فض ‪A‬الً عن مس ‪AA‬تقبل‪A‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪32‬‬

‫‪  ‬‬ ‫وإمَّن ا قد تفرغت لعب‪ِ A‬‬


‫‪A‬ادة اهلل تع‪AA‬اىل‪،‬‬
‫‪   ‬يف هذا املك‪AA‬ان املش‪AA‬رف ال‪AA‬ذي‬
‫رأى فيه ما كان ‪ .‬ليس معىن ذلك ترك األس‪AA‬باب‪ ،‬ولكن تعلم‬
‫جل وعال والثقة فيه‪.‬‬ ‫التوكل والتوحيد هلل َّ‬

‫مير‬
‫وأهل اإلميان ‪ -‬كم ‪AA A‬ا ذكرن ‪AA A‬ا ‪ -‬يعت ‪AA A‬ربون بك ‪Aِّ A A‬ل م ‪AA A‬ا ُّ‬
‫ُ‬
‫اهلل وال‪AA‬دعاءِ‬ ‫‪A‬رب إىل ِ‬‫‪A‬ول أو فع‪Aٍ A‬ل فيس‪AA‬تغلونه يف التق‪ِ A‬‬ ‫عليهم من ق‪ٍ A‬‬
‫ل‪AA‬ه ج‪Aَّ A‬ل وعال‪ ،‬ويس‪AA‬تفيدون من‪AA‬ه املوعظ‪A‬ةَ واحلكم‪A‬ةَ ال‪AA‬يت أرس‪AA‬لها‬
‫‪A‬رفات وأفع‪AA A‬ال‬ ‫اهلل تع‪AA A‬اىل إليهم على ألس‪AA A‬نة غ‪AA A‬ريهم‪ ،‬أو يف تص‪ِ A A‬‬
‫متر عليهم ‪ -‬أي أص‪AA A‬حاب القل‪AA A‬وب الزكي‪AA A‬ة ‪ -‬إال‬ ‫غ ‪ِ A A‬ريهم‪ ،‬ال ُّ‬
‫وقد ات ََّعظُوا منها ‪.‬‬

‫وهلم أم‪Aٌ A A A‬ر آخ‪AA A A‬ر؛ وهو أهَّن م يس‪AA A A‬تغلون هذه األم‪Aَ A A A‬‬
‫‪A‬اكن‬
‫ب س ‪AA‬بحانه‬ ‫الط ‪AA‬اهر َة ال ‪AA‬يت ق ‪ْ A‬د و َقعت فيه ‪AA‬ا تل ‪AA‬ك املعج ‪ِ A‬‬
‫‪A‬زات لل ‪Aَّ A‬ر ِّ‬ ‫َ َْ‬
‫‪A‬رت فيه ‪AA‬ا‬
‫وتع ‪AA‬اىل ويس ‪AA‬تغلون تل ‪AA‬ك األوق ‪AA‬ات الش ‪AA‬ريفة ال ‪AA‬يت ظه ‪ْ A‬‬
‫‪A‬زات اهلل تع ‪AA‬اىل ليك ‪AA‬ون هذا املك ‪AA‬ان وهذا ال ‪AA‬وقت ‪ -‬أي‬ ‫معج ‪ِ A‬‬
‫املك‪AA‬ان الش‪AA‬ريف وال‪AA‬وقت الش‪AA‬ريف ‪ -‬س‪AA‬بباً يف اس‪AA‬تجابة ال‪AA‬دعاء‬
‫من اهلل تعاىل‬
33 ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

ِ ‫ار‬A‫ يف هذا املكان الذي ظهرت فيه آث‬  


‫رمحة‬ ُ ْ
ِ
،‫اىل‬AA‫ات اهلل تع‬A‫ه برك‬A‫رت في‬A
ْ A‫ذي ظه‬A‫ان ال‬AA‫ يف هذا املك‬،‫اهلل تعاىل‬
  ‫ ربَّه‬ ‫ا‬AA ‫ا زكري‬AA ‫رف دع‬Aِ A ‫ان املش‬A
ِ A ‫يف هذا املك‬
    
    
   
     :ً‫ا‬A A ‫ال أيض‬AA A‫ وق‬ 
 ‫تجابة اهلل له‬AA A A A A A A A ‫ر إىل اس‬AA A A A A A A A ‫وانظ‬ ]5:‫رمي‬AA A A A A A A A‫ [م‬ 
 
   
   
  
   
‫ [آل‬   
.]39:‫عمران‬

    ً‫ا‬A A‫تني مع‬AA ‫ا إىل اآلي‬AA َ‫جعن‬


ْ ‫َر‬
   
  
‫و‬     
     
  
   
   :‫اىل يف األوىل‬AA ‫بحانه وتع‬AA ‫ه س‬AA ‫واجلواب يف قول‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ 34

‫] و قوله جل وعال يف‬40 :‫ [آل عمران‬    


         :‫ة‬AA ‫الثاني‬

‫ل هذين‬AA‫ وتأم‬.]9:‫رمي‬AA‫ [م‬      


!‫ وعظم ربك‬،‫ واحكم على نفسك‬،‫اجلوابني‬


‫‪35‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫احلم‪AA A‬د هلل رب الع‪AA A‬املني والص‪AA A‬الة والس‪AA A‬الم على أش‪AA A‬رف‬
‫املرس‪AA A‬لني س ‪AA‬يد األولني واآلخ‪AA A‬رين س ‪AA‬يدنا وموالن‪AA A‬ا رس‪AA A‬ول اهلل‬
‫ص ‪AA A‬لى اهلل علي ‪AA A‬ه وآل ‪AA A‬ه وص ‪AA A‬حبه ومن تبعهم بإحس ‪AA A‬ان إىل ي ‪AA A‬وم‬
‫ال‪AA A A‬دين اللهم ص‪AA A A‬ل على س‪AA A A‬يدنا حمم‪AA A A‬د الن‪AA A A‬يب األمي وأزواج‪AA A A‬ه‬
‫أمه ‪AA‬ات املؤم ‪AA‬نني ذريت ‪AA‬ه وأهل بيت ‪AA‬ه كم ‪AA‬ا ص ‪AA‬ليت على إب ‪AA‬راهيم‬
‫إنك محيد جميد ‪.‬‬

‫‪A‬رج يف ثناي ‪AA A‬ا هذه القص ‪Aِ A A‬ة إىل ذك‪ِ A A A‬ر‬
‫وك‪AA A‬ان ينبغي أن نع ‪َ A A‬‬
‫ميَزهُ اهلل تع ‪AA‬اىل‬ ‫َّوك ِل وال ‪ِ A‬‬
‫‪A‬دعاء واليق ِ‬
‫ني وم ‪AA‬ا َّ‬ ‫منزل ‪Aِ A‬ة النَّيب ‪ ‬يف الت ُّ‬
‫‪A‬اء‪ ،‬لكن نس ‪AA A‬تكمل هذه اآلي ‪AA A‬ة ال ‪AA A‬يت حنن‬ ‫ب ‪AA A‬ه عن س ‪AA A‬ائ ِر األنبي ‪ِ A A‬‬
‫بصددها أوالً‪:‬‬

‫‪      ‬والف‪AA‬اء هن‪AA‬ا‬


‫للتعقيب‪ ،‬م‪AA A A A‬ا أن دع‪AA A A A‬ا ربَّه س‪AA A A A‬بحانه وتع‪AA A A A‬اىل ال‪AA A A A‬دعاء اخلفي‪،‬‬
‫واس ‪AA‬تعرض في ‪AA‬ه أحوالَ ‪AA‬ه ال ‪AA‬يت تس ‪AA‬تلزم الرمحةَ من املس ‪AA‬ئول‪ ،‬وبني‬
‫سبب هذه األس‪AA‬ئلة واالس‪AA‬تغاثة باهلل تع‪AA‬اىل فيه‪A‬ا‪ ،‬وأن ك‪Aَّ A‬ل ذل‪AA‬ك‬ ‫َ‬
‫‪A‬توجب ‪ -‬بفض‪A‬ل اهلل تع‪A‬اىل وبرمحت‪A‬ه ‪ -‬أن يس‪A‬تجيب ال‪A‬دعاءَ‬ ‫يس ُ‬
‫س‪AA A A A A A A A A A A A A A A‬بحانه وتع‪AA A A A A A A A A A A A A A A‬اىل‪ ،‬ق‪AA A A A A A A A A A A A A A A‬ال ‪ ‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ 36

‫ا‬AA A A A‫ م‬   


ُ‫ة‬A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‫ه املالئك‬AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A ‫ىت نادت‬AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A ‫ا ح‬AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A ‫أن َد َع‬
      
ِ
‫ا‬AA‫نة؛ أنَّه دع‬AA‫احلاالت احلس‬ ‫اً من‬A ‫ةٌ أيض‬A ‫ وهذه حال‬ 
‫ل إىل‬AA‫لي ويتوس‬AA‫ذ يص‬AA‫ أخ‬،‫ دعا ربَّه وأخذ ي ْدعُو‬،‫ينتظر‬ ْ ‫ربَّه ومل‬
‫ل‬Aَّ A‫ه ج‬AA‫دعاء إلي‬AA‫ريتفع هذا ال‬A‫احل ل‬A‫ل الص‬A‫الة والعم‬A‫اىل بالص‬A‫اهلل تع‬
 : ‫ حىت يستجيب له سبحانه وتعاىل فأجابه على الفور‬،‫وعال‬
َ َ
      
.    

‫ة‬AA ‫ا هبا القص‬AA ‫يت افتتحن‬AA ‫رمي ال‬AA ‫ورة م‬AA ‫ة األوىل يف س‬AA ‫ويف اآلي‬
       :‫ال‬AA‫ق‬
:‫ أي قال‬، ‫ قال‬:‫ واحملذوف‬      
‫ وأن اهلل‬،ُ‫رتْه‬AA ‫ةَ بش‬A A‫أن املالئك‬A ٍ ‫رك‬AA ‫ا إنَّا نبش‬AA ‫ا زكري‬AA ‫ي‬
َّ A ‫ وك‬،‫بغالم‬
‫ا‬AA A ‫ال) هن‬AA A ‫ و(ق‬،‫ه‬AA A ‫ةً لقلب‬A A A‫ وطمأنين‬،‫ه‬AA A ‫َره إعالءً لدرجت‬A A A‫اىل ب َّش‬AA A ‫تع‬
َّ ً‫ة‬A A A A‫حمذوف‬
 :‫ال‬AA A A A‫ ق‬،‫ك‬AA A A A‫د ذل‬AA A A A‫ بع‬ ‫ا‬AA A A A‫ول زكري‬AA A A A‫ا ق‬AA A A A‫دل عليه‬
       
           

‫ون يل‬AA ‫رب أىَّن يك‬


ِّ ‫ا‬AA ‫ ي‬:‫ا‬AA ‫ال زكري‬AA ‫ مث ق‬،‫ا‬AA ‫ا زكري‬AA ‫ ي‬:‫ال اهلل‬AA ‫أي ق‬
‫‪37‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪A‬تجابة ِمن اهلل تع‪AA A A A‬اىل س‪AA A A A‬ريعاً ِ‬


‫هلؤالء‬ ‫غالم؟ لق‪AA A A A‬د وقعت االس‪ِ A A A A‬‬
‫ٌ‬
‫املت‪AA A A A‬وكلني‪ِ ،‬‬
‫هلؤالء املس‪AA A A A‬تيقنني ال‪AA A A A‬واثقني يف رهِّب م‪ ،‬يف هؤالء‬
‫املتضرعني الذين يدعونَه تضرعاً وخفية‪.‬‬

‫وهو احلال املش ‪AA A‬رف للن ‪AA A‬يب ‪ ‬لَ َّما ق ‪AA A‬ال اهلل تع ‪AA A‬اىل ل ‪AA A‬ه‪:‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪        ‬‬

‫‪[   ‬األع ‪AA‬راف‪ ]56-55:‬هذه احلال ‪A‬ةَ ال ‪AA‬يت ت ‪A‬بنِّي ُ‬
‫‪A‬ة ص‪AA A‬لوات اهلل وس‪AA A‬المه علي‪AA A‬ه‪ ،‬ملا ق‪AA A‬ال‪ :‬‬ ‫درج ‪A A‬ةَ الن‪AA A‬يب العالي‪ِ A A‬‬
‫ِّ‬
‫‪     ‬فك ‪AA‬ان ََّأو َل ال ‪AA‬داعني هلل‬
‫َّق في‪A‬ه أنَّه َّأو ُل من ي‪A‬دعو‬ ‫النيب ‪ ،‬فال شك أنَّه قد حتق َ‬ ‫تعاىل هو ُّ‬
‫ل من ي ‪AA‬دعوه خوف ‪A‬اً وطمع ‪A‬اً ‪‬‬ ‫ربَّه تض ‪AA‬رعاً وخفي ‪AA‬ة ‪ ،‬وأن ‪AA‬ه ََّأو ُ‬
‫‪    ‬ألنَّه‬
‫‪‬ك‪AA‬ان يق‪AA‬ول‪(( :‬أنــا أطْــوعُكم هلل وأقــربُكم إليــه وأشــدكم لــه‬
‫‪A‬يزان أح ‪Aٍ A‬د من اخلَْل ‪Aِ A‬ق‬ ‫خش ــيةً))‪ .‬وال ميكن أب ‪AA‬داً أن يك ‪AA‬ون يف م ‪ِ A‬‬
‫ش‪A‬يءٌ ليس يف م‪AA‬يزان الن‪AA‬يب ‪ ‬ويفض ُ‪A‬ل‪ A‬ب‪A‬ه على الن‪A‬يب ‪ ، ‬ال‪ ،‬ال‬
‫ميكن أن يك‪AA A A A‬ون ذل‪AA A A A‬ك‪ ،‬ملاذا؟ ألنَّه ص‪AA A A A‬احب املق‪Aِ A A A A‬ام احملم‪ِ A A A A‬‬
‫‪A‬ود‬ ‫ُ‬
‫والدرج‪Aِ A‬ة الرفيع‪Aِ A‬ة العالي‪Aِ A‬ة يف اجلنَّة وال‪AA‬يت ال يص‪AA‬ل إليه‪AA‬ا إال واح‪ٌ A‬د‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ 38

‫ر‬AA ‫ فرُت ى ملا ذك‬،  ‫ان هو‬AA ‫ وك‬،))‫((أرج ــو أن أك ــون أن ــا هو‬
،‫ف ٍع‬AA‫وأول مش‬
ُ ‫اف ٍع‬A‫أول ش‬
ُ  ‫ان َّأوهَل م ألنَّه‬AA‫نني ك‬AA‫ك عن املؤم‬AA‫ذل‬
:‫ال‬A‫ذلك ق‬A‫ ل‬،‫ة‬A‫وم القيام‬A‫ه ي‬A‫واه حتت لوائ‬A‫ق آدم فمن س‬Aِ A‫كل اخلَْل‬
ُّ
. ً‫ فدعاه خوفاً وطمعا‬    

        :‫ول‬AA ‫يق‬


‫ فإذا كان هؤالء ُهم احملسنني يعين‬   
‫ر اهلل‬AA A‫ا ذك‬AA A‫نون كم‬AA A‫ هم احملس‬- ‫نني املتقني‬AA A‫ أي املؤم‬- ‫هؤالء‬
:‫ه‬AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‫اىل يف قول‬AA A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A A‫تع‬
        
        

‫ك‬AA ‫ل ذل‬AA ‫انوا قب‬AA ‫ون ك‬AA ‫ات وعي‬AA ‫] املتقني يف جن‬16-15:‫ذاريات‬AA ‫[ال‬
،‫وى‬AA‫ا يف التَّق‬AA‫ة العلي‬Aِ A‫ وهو يف الدرج‬ ‫النيب‬A‫ك ب‬AA‫ا بال‬AA‫نني فم‬AA‫حمس‬
ِ A ‫ا يف اإلحس‬AA A‫ة العلي‬AA ‫ويف الدرج‬
:‫ال‬AA A‫ذلك كأنَّه ملا ق‬AA ‫اً ك‬A A‫ان أيض‬A
َّ
،))‫ ف ــإن لم تكن تــراه فإنَّه يــراك‬،‫((أن تعب ــد اهلل كأنَّك ت ــراه‬
‫يب‬AA‫حصل الن‬
َّ ‫ مل حيصل منها أح ٌد مثل ما‬،‫وهي درجة اإلحسان‬
     :‫ال‬AA ‫إذا ق‬AA ‫ذلك؟ ف‬AA ‫ أليس ك‬، 

‫ك‬AA A ‫ان ذل‬AA A ‫ ك‬      


‫‪39‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫للمس ‪AA‬اكني املؤم ‪AA‬نني املت ‪AA‬دينني‪َّ ،‬أما الن ‪AA‬يب ‪ ‬وهو س ‪A‬يِّ ُد احملس ‪AA‬نني‬
‫قريب ‪A A‬ةٌ منه‬
‫وأعالهم ق‪AA A‬دراً يف ال‪AA A‬دنيا واآلخ‪AA A‬رة‪ ،‬فليس‪AA A‬ت رمحة اهلل َ‬
‫فق‪AA‬ط‪ ،‬ب‪AA‬ل هو الرمح ُة امله‪AA‬داُة‪ ،‬ق‪AA‬ال ‪ِ « :‬إنََّمـا َأنَـا َر ْح َـم ةٌ ُم ْـه َداٌة‪،» ‬‬
‫احلق‪      :‬‬ ‫وقال عنه ُّ‬
‫يبق ألح ٍ‪A‬د فض ٌ‪A‬ل‪ A‬مثل‪AA‬ه ‪ ،‬رمحة اهلل ق‪A‬ريب‬ ‫‪[ ‬األنبي‪AA‬اء‪ ]107:‬فلم َ‬
‫من احملس ‪AA‬نني َّأما هو فه ‪AA‬و رمحةُ اهلل امله ‪AA‬داة‪َّ ،‬أما هو فه ‪AA‬و رمحةٌ‬
‫للع‪AA A A‬املني كم‪AA A A‬ا ق‪AA A A‬ال اهلل تع‪AA A A‬اىل‪ ،‬وزكري‪AA A A‬ا ‪ ‬يُق‪AA A A‬ال يف حقِّه‪:‬‬
‫‪A‬ام‬
‫‪ ،      ‬فاتض ‪AA‬ح ب ‪AA‬ذلك مق ‪َ A‬‬
‫املسألة ويف هذا املعىن يف دعاِئه وتض‪Aُّ A‬ر ِعه‪ ،‬وأنَّه‬ ‫ِ‬ ‫النيب ‪ ‬يف هذه‬
‫كذلك يف الدرجة العليا‪.‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪[       ‬مرمي‪.]5:7:‬‬

‫‪        ‬فيها تفسريان‪ ،‬يعين‬


‫مل َيتَ َس ‪َّ A‬م أح ‪ٌ A‬د من قب‪AA‬ل هبذا االس‪AA‬م ‪ -‬وهو حيىي ‪ - ‬وزكري‪AA‬ا‬
‫ميوت زكري‪AA A‬ا ‪‬‬
‫‪ ‬ك‪AA A‬ان خياف إن أعط‪AA A‬اه اهلل تع‪AA A‬اىل ول‪AA A‬داً أن َ‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪40‬‬

‫‪A‬رع‬
‫قبل أن يراه‪ ،‬قبل أن يرى ول‪A‬ده وهو كب‪AA‬ريٌ يس‪A‬تأمنه على ش ِ‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬فطمأنه اهلل تعاىل هبذين األمرين‪:‬‬

‫األم ‪AA‬ر األول‪ :‬أن امسه حيىي؛ يع ‪AA‬ين بش ‪AA‬ارة ل ‪AA‬ه أن ‪AA‬ه س ‪AA‬يحىي‬
‫ح ‪AA‬ىت ي ‪AA‬راه ك ‪AA‬ذلك‪ ،‬واإلش ‪AA‬ارة الثاني ‪AA‬ة يف قول ‪AA‬ه‪  :‬‬

‫‪[   ‬م‪AA A‬رمي‪ .]12:‬ومل حيدث ألح ‪Aٍ A‬د ذل ‪AA‬ك‪ ،‬وهو‬
‫التفس ‪AA A‬ري الث ‪AA A‬اين يف اآلية ‪    ‬‬

‫‪   ‬يع ‪AA‬ين مل يُ َس‪َّ A A‬م أح‪ٌ A A‬د هبذا االس ‪AA‬م من‬
‫قبل بشارة لزكريا وحيىي عليهما السالم ‪.‬‬

‫والتفس‪Aُ A‬ري الث‪AA‬اين معن‪AA‬اه أن‪AA‬ه ليس ل‪AA‬ه نظ‪AA‬ري؛ حص‪AA‬ل م‪AA‬ا حص‪AA‬ل‬
‫ْم‬ ‫ٍ ٍ‬
‫‪ ‬من مزايا من قبل‪ ،‬فق ْ‪A‬د ول َ‪A‬د من ام‪A‬رأة ع‪A‬اقر ‪ ، ‬وُأويت احلُك َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ص‪AA‬بياً ‪ ،‬وك‪AA‬ذلك ك‪AA‬ان س‪AA‬يداً وحص‪AA‬وراً كم‪AA‬ا ق‪AA‬ال تع‪AA‬اىل‪ :‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪[      ‬آل عمران‪، ]39:‬‬
‫وك ‪AA A A A A A A A A A A‬ذلك ‪   ‬‬

‫() حصوراً‪ :‬يعين مل يعط كذلك أح ٌد من األنبياء ذلك قبله ‪،‬أن يكون‬ ‫‪1‬‬

‫حصوراً على النساء توفرياً لوقته وجهده لعبادة اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪  ‬ومصدقاً بكلمة من اهلل؛ أي مصدقاً ب‪AA‬التوراة أو مص‪AA‬دقاً‬


‫بعيس ‪AA‬ى ‪ ‬وهو كلم ‪A‬ةُ اهلل تع ‪AA‬اىل كم ‪AA‬ا ذك ‪AA‬ر املوىل ج ‪Aَّ A‬ل وعال يف‬
‫عيس ‪AA‬ى على نبين ‪AA‬ا وعلي ‪AA‬ه أفض ‪AA‬ل الص ‪AA‬الة والس ‪AA‬الم‪  :‬‬

‫‪ ،    ‬ف‪AA‬اجتمعت ل‪AA‬ه هذه املزاي‪AA‬ا ال‪AA‬يت مل جتتم‪Aْ A‬ع‬
‫املزي ‪A‬ةُ ال تع‪AA‬ين األفض‪AA‬لية‪،‬‬ ‫‪A‬ول العلم‪AA‬اءُ‪ِّ :‬‬
‫‪A‬يب من قب‪AA‬ل‪ ،‬وم‪AA‬ع ذل‪AA‬ك يق‪ُ A‬‬ ‫لن‪ٍّ A‬‬
‫ت فيه هذه املزايا فمجموع هذه املزايا ق‪AA‬د تق‪AA‬دََّم‬ ‫يعين حىت لو َّ‬
‫حتقَق ْ‬
‫في ‪AA‬ه أوىل الع ‪AA‬زم من ُّالر ُس ‪ِ A‬ل عليهم الس ‪AA‬الم‪ ،‬وك ‪Aُّ A‬ل املزاي ‪AA‬ا ف ‪AA‬النىب ‪‬‬
‫فوقهم مجيعاً فيها‪.‬‬

‫فإذا كان زكريا ‪ ‬قد حتقق مبا مل يتحقق‪ A‬به نيب ْقبله من‬
‫هذه املزاي‪AA‬ا ال يع‪AA‬ين أنَّه األفض‪AA‬ل‪ ،‬وم‪AA‬ع ذل‪AA‬ك إذا ك‪AA‬ان ق‪AA‬د حتق‪AA‬ق‬
‫ب‪AA‬ذلك ف‪AA‬النيب ‪ ‬أفض‪Aُ A‬ل‪ A‬من‪AA‬ه‪ ،‬وأفض‪Aُ A‬ل من أوىل الع‪AA‬زم من الرس‪AA‬ل‬
‫عليهم الس‪AA‬الم‪ ،‬وأفض‪Aُ A‬ل من البش‪AA‬ر مجيع ‪A‬اً ((أنــا ســيد ولــد آدم‬
‫وال فخر))(‪.)1‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪[      ‬مرمي‪ ]8 :‬تُراه أي‬ ‫‪‬‬

‫() سبق خترجيه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪42‬‬

‫‪    ‬‬ ‫زكري‪A‬ا ‪ ‬وهو ال‪A‬ذي ق‪A‬ال‪:‬‬


‫‪          ‬‬
‫‪    ‬لَ َّما جاءت‪AA A‬ه البش‪AA A‬ارةُ من اهلل تع‪AA A‬اىل‬
‫إن هذا على س‪AA A A A A‬بيل‬ ‫يق‪AA A A A A‬ول‪ :‬أىَّن ؟ وكي‪AA A A A A‬ف حيدث ذل‪AA A A A A‬ك؟ َّ‬
‫يعلم يقين ‪A A‬اً أنَّه يُعطي‪AA A‬ه وأنَّه‬
‫‪A‬ف دع‪AA A‬ا ربَّه وهو ُ‬ ‫االس‪AA A‬تبعاد‪ ،‬فكي‪َ A A‬‬
‫‪A‬يف يف‬ ‫‪A‬اب‪ ،‬وأنَّه يعطي فاكه ‪A‬ةَ الص ‪ِ A‬‬ ‫‪A‬رزق من يش ‪AA‬اء بغ ‪ِ A‬ري حس ‪ٍ A‬‬ ‫ي‪ُ A‬‬
‫ُ‬
‫‪A‬دبري وال‬ ‫الش ‪ِ A‬‬
‫‪A‬رزق م ‪AA‬رميَ ال ‪AA‬يت ال حيل ‪A‬ةَ وال ق ‪AA‬و َة وال ت ‪َ A‬‬ ‫‪A‬تاء‪ ،‬وأنَّه ي ‪ُ A‬‬
‫ِ‪A‬‬
‫كلمات‬ ‫يثق يف‬
‫ميكن إال أن يكو َن تدبريها من اهلل تعاىل‪ ،‬وهو ُ‬ ‫ُ‬
‫ظن في‪AA‬ه أنَّه‬ ‫احلال بنا أن نَ َّ‬
‫يصل ُ‬‫نيب ال ميكن أن َ‬ ‫اهلل تعاىل إ ْذ هو ٌّ‬
‫ب من‬ ‫للتعج ِ‪A‬‬
‫ك يف ق‪AA A A‬در ِة اهلل تع‪AA A A‬اىل‪ ،‬ال‪ .‬وإمَّن ا هو ُّ‬ ‫ق ‪ْ A A A‬د تَش‪Aَّ A A A‬ك َ‬
‫سرعة استجابة اهلل تعاىل له‪.‬‬

‫رب س‪AA‬يكون هذا الغالم من‬ ‫مث يس‪AA‬أل هذا الس‪AA‬ؤال‪ :‬أي ِّ‬
‫هذه املرأة العاقر ومين ! يع‪AA‬ين هذه املرأة الع‪AA‬اقر ال‪AA‬يت ال تس‪A‬تطيع‬
‫الرجل العجوز وقد بلغت من ِ‬
‫الكرَبِ عتي‪A‬اً‪ ،‬يع‪AA‬ين‬ ‫َّ‬ ‫أن تنجب وأنا‬
‫ب ب‪AA‬ه املرءُ من الق ‪ِ A‬رب‪ ،‬هل‬ ‫ِ‬
‫أش ‪ّ A‬د الكرَبِ وَأ ْ‬
‫ص ‪َ A‬عبَهُ وَأْن َ‪A‬ه‪A‬اهُ‪َ ،‬م‪AA‬ا َي ْ‪A‬ق ُ‪A‬ر ُ‬
‫يك ‪AA‬ون ذل‪AA A‬ك ِمنَّّا وحنن على هذا احلال؟ ق ‪AA‬ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق ‪AA‬ال‪ :‬‬

‫‪[        ‬مرمي‪.]9:‬‬


‫‪43‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪  ‬‬ ‫وهذه اآلية األوىل وهي قوله سبحانه وتع‪A‬اىل‪:‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪.   ‬‬

‫‪A‬مني الش ‪AA‬كر هلل تع ‪AA‬اىل؛ وانظ ‪AA‬ر إىل هذا‬


‫وفيه ‪AA‬ا ك ‪AA‬ذلك تض ‪ُ A‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املع‪AA‬ىن اجلمي‪AA‬ل‪ ،‬يق‪AA‬ول ل‪AA‬ه‪َ :‬س ‪ُA‬ت ْعطيين على الكرَبِ وعلى ُ‬
‫الع ْق‪ِ A‬ر ال‪AA‬ذي‬
‫نجب أو أن‬
‫في‪A‬ه ام‪A‬رأيت وال‪A‬ذي ال ميكن أن يص َ‪A‬ل املرءُ في‪A‬ه إىل أن يُ َ‬
‫تك‪AA‬ون ل‪AA‬ه ذري‪A‬ةٌ‪ ،‬إن‪AA‬ين َأ ْش‪ُ A‬كُر َك على ذل‪AA‬ك‪ ،‬هذا هو املع‪AA‬ىن اجلمي‪AA‬ل‬
‫الكرَبِ وعلى هذا‬ ‫الث ‪AA‬اين ال ‪AA‬ذي يلي‪AA A‬ق باألنبي ‪AA‬اء‪ ،‬كأنَّه يق ‪AA‬ول‪ :‬على ِ‬
‫السن ُت ْع ِطيين ولداً‪ ..‬شكراً لك يا إهلي‪ ،‬محداً لك شكراً لك‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وش ‪A A A A‬كْرهم معل‪AA A A A‬وم‪ A‬من حس‪ِ A A A A‬ن الثن‪ِ A A A A‬‬
‫‪A‬اء على اهلل تع‪AA A A A‬اىل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ُُ‬
‫‪A‬رب ج‪Aَّ A‬ل وعال‪ ،‬وأن يك‪AA‬ون‬ ‫ِ‬
‫ض ‪A‬اة ال‪ِّ A‬‬ ‫ِ‬
‫ِّعم يف َم ْر َ‬ ‫وتص‪AA‬ريف هذه الن َ‬
‫القلب كذلك على هذا املعىن من شكر اهلل تعاىل ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إذن فه‪AA A‬ذه اآلي‪AA A‬ة للتعجب من ناحي‪AA A‬ة‪ ،‬ومن ناحي‪Aٍ A A‬ة أخ‪AA A‬رى‬
‫‪A‬اقر‬
‫بس‪AA‬ؤاله عن الكيفي‪AA‬ة‪ ،‬كي‪AA‬ف يك‪AA‬ون ذل‪AA‬ك منه‪AA‬ا! هذه املرأ ُة الع‪ُ A‬‬
‫تنجب؟ مث تتضمن بعد ذلك الشكر له سبحانه‪.‬‬ ‫ميكن أن َ‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪44‬‬

‫ويش‪AA‬كره يف ض‪AA‬من هذا الكالم أنَّه على هذه احلال‪Aِ A‬ة ال‪AA‬يت‬
‫ال ميكن أن ينجب فيه‪AA A A‬ا جاءت‪AA A A‬ه املالئك‪A A A‬ةُ فبش‪AA A A‬رته باإلجناب‪،‬‬
‫ميكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخاطبَ ‪AA‬هُ ربُّه باإلجناب يف ذل ‪AA‬ك‪ ،‬وبتل ‪AA‬ك املوهب ‪AA‬ة ال ‪AA‬يت ال ُ‬
‫ُّب املس ‪AA‬بب‬ ‫‪A‬وهب هبذه األس ‪AA‬باب من معت ‪AA‬اد البش ‪ِ A‬ر من َت‪AA‬رت ِ‬
‫َ‬ ‫أن تُ ‪َ َ A‬‬
‫على السبب‪.‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪[       ‬م‪AA‬رمي‪ ]9-8:‬واملؤمن‪AA‬ون‬
‫هني على اهلل‪ ،‬وم‪AA‬ع ذل‪AA‬ك ُكلُّهم ‪ -‬إال من‬ ‫ٍ‬ ‫يعلم‪AA‬ون َّ‬
‫أن ك‪AA‬ل ش‪AA‬يء ٌ‬
‫رحم اهلل تع ‪AA‬اىل ‪-‬يق ‪AA‬ول‪ :‬كي ‪AA‬ف؟ وم ‪AA‬ىت؟ وق‪AA A‬د ط ‪AA‬ال األم‪AA A‬ر‪ ،‬وال‬
‫كل ذل‪A‬ك مْنَت ٍ‬
‫‪A‬ف‬ ‫استطيع‪ ،‬وال ميكن‪ ،‬ومل حيدث‪ ،‬وكيف حيدث؟ ُّ‬
‫ُ‬
‫يف ح‪Aِّ A‬ق اهلل تع‪AA‬اىل لِقوتِ ‪AA‬ه وقُدرتِ‪AA‬ه وإحاط‪AA‬ة علم ‪AA‬ه كائن ‪A‬اً م ‪AA‬ا ك‪AA‬انت‬
‫‪A‬اعب يف ال‪A‬دنيا‪ ،‬كائن‪A‬اً م‪A‬ا تك‪A‬اثر ال َكَف َ‪A‬رةُ على املس‪A‬لمني‪ ،‬كائن‪A‬ا‬ ‫املص ُ‬
‫وظن النَّاس َّ‬
‫أن‬ ‫أهل اإلميان‪َّ ،‬‬ ‫‪A‬ان على ِ‬ ‫م‪A‬ا تك‪A‬اثر أهل الش‪ِ A‬‬
‫‪A‬رك والطغي‪ِ A‬‬
‫َ ُ‬
‫فرج‪ ،‬وليس مَثَّ خَمَْر ُج‪ ،‬وليس مَثَّ ض‪AA‬وء‬‫ت‪ ،‬وليس مَثَّ ٌ‬ ‫اسَو َّد ْ‬
‫الدنيا قد ْ‬
‫‪A‬وة ِ‬
‫اهلل تع ‪AA‬اىل‬ ‫‪A‬ريب‪ ،‬م ‪AA‬ازالوا يثق ‪AA‬ون يف ق ‪ِ A‬‬
‫‪A‬رج ق ‪ٍ A‬‬
‫ٌ ينظ ‪AA‬رون من ‪AA‬ه إىل ف ‪ٍ A‬‬
‫وأن ك ‪AA‬ل ش ‪ٍ A‬‬
‫‪A‬يء‬ ‫وقدرتِ ‪AA‬ه وأنَّه ج ‪Aَّ A‬ل وعال ليس ش ‪AA‬يءٌ علي ‪AA‬ه كب ‪AA‬رياً‪َّ َّ ،‬‬
‫هني ‪   ‬‬ ‫علي‪AA A A A A A A A A A A‬ه ٌ‬
‫‪     ‬‬
‫‪45‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫‪A‬ريتفع عنهم حينئ‪Aٍ A‬ذ اإلحب‪AA‬ا ُط وم‪AA‬ا‬ ‫‪[  ‬يس‪ ]82:‬ف‪ُ A‬‬
‫‪A‬زل هبم‪ ،‬إذا‬ ‫‪A‬أس وض‪AA A‬ج ٍر ومل‪Aٍ A A‬ل ِمن أنفس‪A A‬هم ومما ن‪َ A A‬‬
‫ِ‬ ‫هم في ‪AA‬ه من ي ‪ٍ A‬‬
‫‪A‬تطيع عب‪AA‬ادًة وال ص‪AA‬وماً وال‬ ‫‪A‬اقت علي‪AA‬ه نفس‪AA‬ه ك‪AA‬ذلك بأنَّه ال يس‪ُ A‬‬ ‫ض‪ْ A‬‬
‫األمل يف أن يك‪A‬ون ام‪A‬رًأ ص‪A‬احلاً يس ُ‪A‬ري إىل اهلل‬ ‫صالًة وال قياماً وفقد َ‬
‫تع‪AA‬اىل مس‪AA‬تقيماً إلي‪AA‬ه غ‪AA‬ري ُم ْع‪Aَ A‬و ٍج وال ُمَتَق ْهِق‪AA‬ر إذا بأملِ‪AA‬ه يف اهلل تع‪AA‬اىل‬
‫األوهام والبُع‪Aِ A‬د‬
‫ِ‬ ‫اهلل ُتْنِق‪ُ A‬ذ ُه وَتْنَت ِش‪A‬لُه مما هو في‪AA‬ه من‬
‫‪A‬وة ِ‬‫اهلل وق‪ِ A‬‬ ‫وقُ‪AA‬درِة ِ‬
‫َ‬
‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعدم ِّالثَقة يف ربِّه‪َ ،‬تْنَتشلُهُ ممَّا ُهو في‪A‬ه ممَّا ال ميكن ال أن يك‪A‬و َن إال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪A‬اطت ك‪A‬ذلك ب‪A‬املؤمنني ق‪A‬وى الغ‪A‬د ِر وق‪A‬وى‬ ‫ِ ِ‬
‫بي‪A‬د اهلل تع‪A‬اىل‪ ،‬وق‪A‬د أح ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظلم وق‪A‬وى الكف‪ِ A‬ر وق‪A‬وى الش‪A‬رك‪ ،‬ك ُّ‪A‬ل ذل‪A‬ك جع َ‪A‬ل ال‪A‬دنيا تض ُ‬
‫‪A‬يق‬
‫‪A‬وه ِهم‪ ،‬وأهَّن م ال جيدون هلا خمرج‪A A A A A‬اً‪ ،‬إذا‬ ‫عليهم‪ ،‬وتَس‪A A A A A‬و ُّد يف وج‪ِ A A A A‬‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫حيث ال حيتس‪AA A‬بون‪ ،‬وإذا بق‪AA A‬وة اهلل –كم ‪AA A‬ا ذك ‪AA A‬ر‬ ‫اهلل ِمن ُ‬ ‫مِبَ ‪A‬خ ‪AA‬ر ِج ِ‬
‫َْ‬
‫املوىل س ‪AA A A A‬بحانه وتع ‪AA A A A‬اىل‪ -‬من حيث ال يُق ‪AA A A A‬دِّرون ومن حيث ال‬
‫يتخيلون وال يتومَّه ون فإن ُهم أصلحوا واستجابوا لرهِّبم وأحسنوا‬
‫‪A‬ال علي ‪AA A‬ه‪ ،‬ووقف ‪AA A‬وا ل ‪AA A‬ه متض ‪AA A‬رعني‬ ‫التََّو ُّك َل علي ‪AA A‬ه‪ ،‬وأحس ‪AA A‬نوا اإلقب ‪َ A A‬‬
‫‪A‬تحق الرمح َة بفض ‪AA‬لِه وعنايتِ ‪AA‬ه‬ ‫خاش ‪AA‬عني يص ‪AA‬فون ح‪A A‬اهَلم ال ‪AA‬ذي يس ‪ُّ A‬‬
‫جل وعال أكرمهم ورمحهم‪.‬‬ ‫وكرمه َّ‬‫ِ‬
‫‪        ‬‬
‫‪          ‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ 46

‫اءَ يف‬AA‫ه ج‬AA‫ذي حنن في‬AA‫ري الكالم ال‬AA‫ وتفس‬.]10-9:‫رمي‬AA‫ [م‬ 


ِ
ُ ‫سور ِة األنبياء‬
      :‫ال‬A‫حيث ق‬
       
       

‫ىت‬AA ‫ه ح‬AA ‫يب ل‬ ِ ِ


َ ‫تُج‬AA ‫ذي اس‬AA ‫بَب ال‬A A‫ر إىل ال َّس‬AA ‫ وانظ‬.]90-89:‫اء‬AA A‫[األنبي‬
‫ة‬AA‫ يف الدرج‬ ‫يب‬AA‫ه الن‬AA‫ان في‬AA‫ذي ك‬AA‫ وال‬،‫وم‬A َ A‫ه الي‬AA‫ون ب‬AA‫َّق املؤمن‬
َ ‫يتحق‬
    ‫ا‬AA A A A A A‫العلي‬
  
    
‫ت‬ْ ‫يت َّأد‬AA ‫باب ال‬A ُ A ‫] وهذه األس‬90:‫اء‬AA ‫ [األنبي‬ 
‫ا‬AA ‫ه‬Aَ ‫ة ينبغي أن َي ْف َه َم‬AA A‫رى طويل‬AA A‫ةٌ أخ‬A A ‫ص‬ ِ A A‫إىل اس‬
َّ ‫تجابة اهلل هلم هلا ق‬A
ِ ‫املؤمنون لعلنا نشرع يف‬
.‫شرح َها إذا شاء اهلل تعاىل‬ َ
:‫ال‬AA‫ ملا ق‬      
  :ً‫ائال‬A‫ادى ربَّه ق‬A‫ا إذ ن‬A‫ يعين واذكر زكري‬  
ْ
       
       
  ‫ريين‬AA A‫د التفس‬AA A‫اء على أح‬AA A‫ أي هؤالء األنبي‬
  
   
‫انوا‬AA ‫فلما ك‬
َّ    
‫‪47‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫َّق في ِه ُم‬ ‫ِ‬ ‫مس‪AA A‬ا ِر ِعني يف‬


‫ور َهب ‪A A‬اً وحتق َ‬ ‫َ‬ ‫اخلريات وي‪Aْ A A‬د ُعو َن رهَّبم َر َغب ‪A A‬اً‬
‫ميكن أن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اخلش ِ‬
‫‪A‬رع ش‪A‬يء ْ‬ ‫‪A‬انت اس‪A‬تجابةُ اهلل تع‪A‬اىل هلم أس َ‬ ‫‪A‬وع هلل ك ْ‬‫ُ‬
‫يُص‪A‬يَِب ُهم َوَيْن‪ِ A‬ز َل علي ِهم‪ ،‬ح‪AA‬ىت يتعلم املؤمن‪AA‬ون كي‪AA‬ف يقبل‪AA‬و َن على‬
‫رهِّبم؟ وكي‪AA A A‬ف يأخ‪AA A A‬ذون يف الس‪AA A A‬ري إىل اهلل تع‪AA A A‬اىل‪ ،‬ويفتتح‪AA A A‬ون‬
‫ص ‪AA A‬فحةً جدي ‪AA A‬د ًة م ‪AA A‬ع رهِّبم ج ‪Aَّ A A‬ل وعال يَكْتُبُ ‪AA A‬و َن فيه ‪AA A‬ا َت‪Aَ A A‬و ُّكلَهم‬
‫وم َس‪َ A‬ار َعتِ ِهم إىل اخل ِري ع‪Aَّ A‬ل اهلل ج‪Aَّ A‬ل وعال‬ ‫وعهم ُ‬ ‫وخ ُش‪َ A‬‬
‫ض‪ُّA‬ر َع ُهم ُ‬
‫وتَ َ‬
‫عنهم وعن‬ ‫ِِ‬
‫‪A‬اهم وأن يرف‪Aَ A A A A A A A A A A‬ع ُ‬ ‫يفتح عليهم يف دينهم َو ُد ْنيَ‪ُ A A A A A A A A A A‬‬
‫أن َ‬
‫‪A‬لوك هذا الطَري ‪Aِ A‬ق‪،‬‬ ‫املس ‪AA‬لمني م ‪AA‬ا ح ‪Aَّ A‬ل هبم‪ ،‬وأال يتَخ‪AA‬ا َذلُوا عن س ‪ِ A‬‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫تلك مسئوليتَهم امللق‪A‬اةُ على َع‪A‬اتِق ِهم‪ ،‬وال‪A‬يت ال ينبغي أن يتخلف‪A‬وا‬
‫ب م‪AA‬ا‬ ‫عنه‪AA‬ا أب‪AA‬داً‪ ،‬إذ هم مس‪AA‬ئولون عنه‪AA‬ا يف ال‪AA‬دنيا واآلخ‪AA‬رة بس‪AA‬بَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫األشهاد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يقوم‬
‫يوم ٌ‬ ‫أمام اهلل تعاىل َ‬ ‫وبسبب َم ْوقف ِهم َ‬ ‫حنن فيه‪،‬‬

‫‪  ‬‬ ‫وخنتم بقول‪AA A‬ه تع‪AA A‬اىل ىف س‪AA A‬ورة آل عم‪AA A‬ران‪:‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪..   ‬‬

‫‪    ‬‬ ‫ونق ‪AA A‬ف عن ‪AA A‬د قول ‪AA A‬ه‪:‬‬
‫‪ ،‬ومعناها أن اهلل ق ‪AA‬د اس ‪AA‬تجاب ل ‪AA‬ك‬ ‫‪ ‬‬
‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬ ‫‪48‬‬

‫ووهبك على ما كان منك‪ ،‬وأكرمك‪ ،‬ورفع ق‪AA‬درك‪ ،‬ال تنس أن‬
‫تش ‪AA A A‬كره‪ ،‬لكى يثبت علي ‪AA A A‬ك النعم‪ ،‬ويزي ‪AA A A‬دك منه ‪AA A A‬ا‪ ،‬وال ت ‪AA A A‬رتك‬
‫ش‪A‬كره‪ ،‬لكى يثبت علي‪A‬ك النعم‪ ،‬ويزي‪A‬دك منه‪A‬ا‪ ،‬وال ت‪A‬رتك ش‪A‬كره‬
‫فتس‪AA‬لب تل‪AA‬ك النعم‪ ،‬وحترم تل‪AA‬ك املنن‪ .‬وزكري‪AA‬ا ‪ ‬الش‪AA‬ك يعلم‬
‫ش‪A‬كره رب‪A‬ه على نعم‪A‬ه‪ ،‬ولكن اهلل تع‪A‬اىل مل ي‪A‬رتك ذل‪A‬ك لزكري‪A‬ا ‪‬‬
‫‪ ،‬ب‪AA‬ل أم‪AA‬ره ب‪AA‬ه‪ ،‬موعظ‪ً A‬ة لغ‪AA‬ريه‪ ،‬وعه‪AA‬داً ألهل اإلميان ح‪AA‬ىت يكون‪AA‬وا‬
‫على ذك ‪AA‬ر من ذل ‪AA‬ك فال ينس ‪AA‬وه‪ ،‬وهو ب ‪AA‬اب فق ‪AA‬دناه من أب ‪AA‬واب‬
‫الطاع‪AA A A A‬ة‪ ،‬إذ ال يش‪AA A A A‬عر املرء بنعم رب‪AA A A A‬ه‪ ،‬فض ‪A A A A‬الً عن أن حيص‪AA A A A‬يها‬
‫ليشكرها‪.‬‬

‫‪  ‬‬ ‫وهو س ‪AA A A‬بب خط ‪AA A A‬ري حلرم ‪AA A A‬ان النعم‪..‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ،       ‬وق‪AA‬ال‪:‬‬
‫‪.     ‬‬

‫وىف نفس ال‪AA A A‬وقت بني اهلل ج‪AA A A‬ل جالل‪AA A A‬ه طريق‪A A A A‬اً للش‪AA A A‬كر‪A‬‬
‫عظيم‪A‬اً‪ ،‬وهو ك‪AA‬ثرة ال‪AA‬ذكر وك‪AA‬ثرة الص‪AA‬الة‪ ،‬وهات‪AA‬ان بال‪AA‬ذات ىف‬
‫مق‪AA‬دور ك‪AA‬ل أح‪AA‬د‪ ،‬لئال يتعل‪AA‬ل أح‪AA‬د ب‪AA‬رتك الش‪AA‬كر أو اس‪AA‬تثقاله‪،‬‬
‫وك‪AA‬ذلك ليس‪AA‬لك طريق ‪A‬اً س‪AA‬هالً يس‪AA‬تجلب ب‪AA‬ه رمحة اهلل ونعم‪AA‬ه‪،‬‬
‫‪49‬‬ ‫يا زكريا إنا نبشرك بغالم‬

‫وليح‪A‬ل ب‪A‬ه مش‪A‬اكله كاف‪A‬ة ىف دين‪A‬ه ودني‪A‬اه‪ .‬وق‪A‬د أعلمن‪A‬ا أن نعم‪A‬ه‬


‫جتل عن التع ‪AA A A‬داد‪ ،‬وتص ‪AA A A‬عب على احلص ‪AA A A‬ر‪   ..‬‬

‫‪ ،    ‬فم‪AA‬ا بال‪A‬ك مبا حنن مط‪AA‬البون ب‪A‬ه إذن‬
‫من ذكر وصالة فقط لشكر ش‪A‬ىء من هذه النعم‪ ،‬ف‪A‬اللهم أعن‪A‬ا‬
‫على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‪.‬‬

‫‪‬‬

You might also like