Professional Documents
Culture Documents
قال رحمه هللا تعالى[ :وعن أبي ثعلبة الخشني رضي هللا عنه قال :قلت:
يا رسول هللا! إنا بأرض قوم أهل كتاب؛ أفنأكل في آنيتهم؟ !قال( :ال
تأكلوا فيها إال أال تجدوا غيرها ،فاغسلوها ،وكلوا فيها )متفق عليه.
وعن عمران بن حصين رضي هللا عنه( :أن النبي صلى هللا عليه وسلم
وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشرك )متفق عليه في حديث
طويل] .
ننتقل إلى حديث أبي ثعلبة الخشني رضي هللا تعالى عنه قال( :إنا نكون
بأرض قوم أهل كتاب؛ أفنأكل في آنيتهم ) ...وأهل الكتاب :يصدق على
اليهود وعلى النصارى ،وكان اليهود يسكنون في الجزيرة ،وكذلك
النصارى خاصة في الجهة الشمالية في دولة الغساسنة ،ونصارى بني
تغلب كانوا موجودين في تلك المناطق ،فكان جوابه صلى هللا عليه
وسلم( :ال تأكلوا فيها إالَّ أال تجدوا غيرها ،فارحضوها غسالً وكلوا
فيها ) ،وفي بعض الروايات( :وهم يطبخون الخنزير ،ويشربون
الخمر )يعني :في تلك األواني ،فهل نستعير تلك األواني ونستعملها
والحال أنهم يطبخون فيها الخنزير ،ويشربون فيها الخمور أم
ال؟ قال( :ال ،إال أال تجدوا غيرها ،فارحضوها غسالً )يعني :اغسلوها
بقوة ،ثم بعد ذلك كلوا واشربوا فيها ،وأخذ العلماء من هذه الحديث عدم
جواز استعمال أواني أهل الكتاب إال بعد غسلها ،ويقول البعض :إذا لم
نشاهد فيها شيئا ً يستوجب الغسل فنأخذها ونستعملها ،فلو جاءنا إناء
فيه آثار إدام أو شراب فنغسله ،لكن إذا هم قد غسلوها ووضعوها
وهيئوها حتى استعمالها ،فطلبناها منهم ولم نجد فيها شيئا ً يستوجب
الغسل استعملناها ،فهي في ذاتها ليست نجسة ،وإنما رحضها بالغسل
لما عساه أن يطرأ عليها ،واستدلوا بأن النبي صلى هللا عليه وسلم
والصحابة رضوان هللا تعالى عليهم كانوا يأكلون من طعام أهل الكتاب
عند أهل الكتاب ،وفي أوانيهم ،ولم يسألوهم :هل غسلتموها أم ال؟ فهم
قد أكلوا في أواني أهل الكتاب حينما قدموا لهم الطعام في أوانيهم
فأكلوا ،وال ننسى الشاة المسمومة التي قدمتها المرأة في
خيبر ،وورد( :أن يهوديا ً دعا النبي صلى هللا عليه وسلم ،فقدم له إهالة
سنخة فأكل منها ) ،وإهالة :عصيدة خفيفة مثل الشربة ،فيها سمن
متغير ريحه ،فأكل منها في أوانيهم.
<<
[وجوب الحفاظ على عادات وتقاليد ولغة األمة اإلسالمية]
النبي صلى هللا عليه وسلم نهى عن استعمال آنية أهل الكتاب في
قوله( :إال أال تجدوا غيرها ) ،يعني :عند الحاجة والضرورة فقط ،وعند
عدم الضرورة تترك ولو كانت طاهرة ،نرجع إلى مبدأ آخر وهو :في
آخر حياته صلوات هللا وسالمه عليه أوصى بقوله( :أخرجوا اليهود من
جزيرة العرب ) ،وقال( :ال يجتمع دينان في جزيرة العرب )بمعنى:
يجب على المسلمين أن يتميزوا ،وأال يندمجوا مع أهل الكتاب؛ ألن
تبادل األواني ،وتبادل الزيارات ،وتقارب الجوار ،واالحتكاك واالختالط
مدعاة إلى تبادل األفكار واآلراء والتقليد حتى في األزياء والحياة ،ومن
هنا حرص صلى هللا عليه وسلم على إبعاد المسلمين عن أهل الكتاب
في التجاور والمخالطة ،وفي التعاون والتبادل؛ ليبقى المسلم متميزا ً
بذاته ومنهجه وشعائره ،وعلى هذا ال ينبغي مخالطتهم حتى بتبادل
األواني ،ولذا قال( :ال يجتمع دينان في جزيرة العرب )؛ فإن كل أمة
خالطت أمة أخرى البد وأن تدخل تلك األمة بعاداتها وتقاليدها ولغاتها
في األمة األخرى؛ فيحصل التجريح في اللغات ،ويقع اللحن في
اللهجات ،والتقليد في العادات ،ويؤخذ من هذه إلى تلك ،ومن تلك إلى
هذه؛ فيقع االشتراك في المناهج في الحياة ،وإذا طال الزمن بهذا
االشتراك انماعت إحدى األمتين في األخرى ،والذي يتتبع أخبار العالم
اإلسالمي مع العالم الغربي منذ عهد االستعمار وما فعله في العالم
اإلسالمي ،فإننا نجد حينما تدخل أمة مستعمرة بقوتها ،فإنها تحارب
أوالً اللغة والدين والتقاليد والعادات ،وأول ما تدعو إليه :انصهار األمة
المستعمرة الغاصبة؛
ِ المستع َمرة صاحبة البلد األساسي في بوتقة
فتصبغ عليها زيها ،وتفرض عليها لغتها ،وجميع أنواع حياتها ،ولقد
وجدنا في اآلونة األخيرة أقطارا ً ودوالً لغتها األصلية العربية ،ثم إذا بها
تنسلخ عنها ،بل وتكتب لغتها المحلية بالحروف الالتينية ربطا ً لها بلغة
المستعمرة؛ ليلغى من أذهانهم العربية بالكلية ،وإذا انسلخت
ِ الدولة
األمة المسلمة من اللغة العربية فما الذي يربطها بكتاب هللا الذي قال هللا
ون[ }يوسف] ٢:؟ ما الذي فيه{ ِ :إنَّا أَ َ
نز ْلنَاهُ قُ ْرآنا ً ع ََر ِبيّا ً لَعَلَّ ُك ْم تَ ْع ِقلُ َ
يربطها بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟! ولقد لقينا بعض
األشخاص من رؤساء بعض البعثات في عام () ٨٤في رحلة إلى
أفريقيا ،وكان يدعو إلى مؤتمر إفريقي في فرنسا لدراسة اللغة المحلية
التي يتعارف عليها االتحاد اإلفريقي ،وقلنا له :يا فالن! اتق هللا! إنكم إن
اخترتم لغة غير العربية؛ فمعنى ذلك أنكم عزلتم أنفسكم عن العالم
اإلسالمي.
وأقول لكم :إن اللغة العربية ليست كبقية اللغات ،واللغات في أصلها ما
لم يكن لها ضمان تتشعب بسبب اللهجات ،وهذه اللغة اإلنجليزية
والفرنسية واأللمانية واإليطالية هي متفرعة من لغة واحدة وهي اللغة
الالتينية ،فتشعبت إلى لهجات ،ثم استقلت وصارت كل منها لغة
مستقلة ،واآلن اللغة اإلنجليزية في شمال بريطانيا تغاير ما في جنوبها،
وكذلك اللغة الفرنسية في شمالها تغاير ما في جنوبها ،واللغة العربية
أوجد هللا لها ضامنا ً من أن تتشعب مهما وجد فيها من لهجات عامة،
فإنك اآلن تأتي إلى الموسم في الحج فتجد البادي من الجزائر ،والبادي
من المغرب ،والبادي من الصعيد ،ونجد ،وتجد البادي من أقطار العالم،
وكلهم يتكلم اللغة العربية ،وإذا تكلم بلهجته المحلية ال يفهم اآلخر منه
ب شيئاً؛ ألنها لهجة محلية ،أما إذا قرأ اإلمام في صالته{ :ا ْل َح ْم ُد ِ َّ ِ
َلِل َر ّ ِ
ين[ }الفاتحة] ٢:فإن جميع هذه األقطار تفهم ما يقول اإلمام، ا ْلعَا َل ِم َ
لماذا؟ ألن القرآن الكريم أصبح قطب رحى اللغة العربية ،تدور حوله
مهما تشعبت لهجاتها ،وتباعدت أقطارها؛ فإنها ترجع إلى المركز
األساسي أال وهو :القرآن الكريم ،وقلت له :أيها األخ! مهما اخترتم من
لغة محلية فإن طول الزمن سيجعلها تتشعب إلى لهجات ،ويوجد في
أفريقيا ما ال يقل عن مائتي لغة محلية ،فستعود المسألة في حافرتها،
وأين لألجيال المقبلة ما يربطهم بمعجمات اللغة وقواميسها،
وموسوعات الفقه والحديث والتفسير؟ وال تستطيعون أن تترجموا هذه
الموسوعات إلى اللغة التي سوف تختارونها ،وإذا تشعبت إلى لغات لن
تستطيعوا متابعة الترجمة إلى كل ما يستجد من لهجة.
إذا ً :عودتكم إلى اللغة العربية عودة إلى األصل ،وفيها الغناء
لكم ،ويقول الشافعي رحمه هللا :فرض عين على كل مسلم أن يتعلم من
العربية ما يتعلق بعبادته لربه.
أيها اإلخوة! نحن استطردنا في هذا الموضوع؛ ألنها قضية اليوم ،وهذا
الحديث ليس الغرض فيه مجرد أحكام :طهارة ،نجاسة ،استعمال آنية
كفار أو عدم استعمالها ،ولكن الحديث أوسع أفقا ً في الداللة ،وفيما
ينتفع به المسلم ،وهنا صلى هللا عليه وسلم يوصي أنه ال ينبغي للمسلم
أن يستعمل آنية أهل الكتاب إال عند الحاجة ،وكما أشرت ليست القضية
أوان ،إنما القضية قضية مبادئ؛ ألن الرسول صلى هللا عليه
ٍ قضية
وسلم يريد من المسلم أن يكون متميزا ً بذاته ال يندمج مع غيره فينماع
وتذوب شخصيته ،ويبقى هو وغيره -من غير المسلمين -سواء ،وباهلل
التوفيق.
<<
[شرح حديث :انكسار قدح النبي عليه الصالة والسالم وتضبيبه]
قال رحمه هللا تعالى[ :وعن أنس بن مالك رضي هللا تعالى عنه( :أن
ب سلسلة من
ش ْع ِ
قدح النبي صلى هللا عليه وسلم انكسر؛ فاتخذ مكان ال َّ
فضة) ] .
هذا الحديث تتمة لما تقدم ،وله صلة بالنهي عن أواني الذهب والفضة،
وله صلة أيضا ً بما أشرنا إليه -أيضا ً -في شاة ميمونة.
وقدح النبي صلى هللا عليه وسلم كان مربعا ً -يعني :لم يكن مستطيالًًً ،
ولكنه قصير وواسع -وكان يشرب فيه ،ويقول أنس( :سقيت فيه رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم الماء والنبيذ واللبن) .
(انكسر ) :ما ألقى به وجاء بغيره ،مع أنه كان يستطيع -لو أراد -أن
يتخذ قدحا ً من زمرد ،ولكن حفاظا ً على ما يمكن أن يستفاد منه ،جعل
محل الشعب سلسلة من فضة ،أي :أنه صار مضبباً ،والتضبيب :أن
يخرز اإلناء من طرفيه ،ويلمه ويمأل محل الخرم بالجبس ،فيلتحم اإلناء
الذي كان مكسوراً ،ثم يستعمل ،وكانت الصحون الصينية النفيسة عندما
تنكسر -وقد تنكسر إلى ثالثة أجزاء أو أربعة -ال يلقي بها أصحابها،
ولكن يؤتى بها إلى من يمارس هذه الصنعة فيخرز محل الكسر ،ويجعل
له ضبة ،فيلمها ،ويصبح الصحن -نوعا ً ما -كما كان قبل ذلك.
إذا ً :يجوز استعمال الفضة عند الحاجة؛ ألن غيرها ال يجزئ عنها ،وإذا
كانت الفضة تجزئ فال حاجة إلى الذهب ،ولكن يقول الفقهاء :عند
االستعمال ال ينبغي أن يعمد إلى موضع الفضة :ويشرب منه مالمسا ً
له ،إنما جعل التضبيب لحفظ اإلناء حتى يمكن استعماله ،فيشرب بعيدا ً
عن مواطن الفضة؛ حتى ال يالمسها عند االستعمال ،وباهلل تعالى
التوفيق.
<<