You are on page 1of 40

‫حظ العربية‪ ..

‬يف شهر القرآن‬


‫حقوق الطبع حمفوظة‬
‫الطبعة األوىل‬
‫‪1429‬هـ ‪ 2008 -‬م‬

‫اإلخـراج الفين‬
‫حسـن عبد القادر العـزاني‬

‫دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخليري بدبي‬


‫إدارة البحوث‬
‫فاكس‪+971 4 6087555 :‬‬ ‫هاتف‪+971 4 6087777 :‬‬
‫ص‪ .‬ب‪ - 3135 :‬دب��ي‬ ‫اإلم��ارات العربي��ة املتح��دة‬
‫‪www.iacad.gov.ae‬‬ ‫‪mail@iacad.gov.ae‬‬
‫إصدارات مشروع محاية اللغة العربية (‪)2‬‬

‫حـظ العربية‪ ..‬يف شهر القرآن‬


‫‪AXtGihaneLight‬‬

‫تأليف‬
‫شــروق مـحـمـد سـلـمــان‬
‫مدققة لغوية أوىل بإدارة البحــوث‬
‫افتتاحـية‬
‫احلم�د هلل رب العاملين‪ ،‬والصالة والسلام عىل س�يدنا‬
‫حممد وعىل آله وصحبه و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪..‬‬
‫وبعـــ�د‪ :‬فيسر « دائ��رة الش��ؤون اإلس�لامية والعم��ل‬
‫إصداره�ا اجلدي�د‬
‫َ‬ ‫الخي��ري بدب��ي ‪ -‬إدارة البح��وث » أن تق�دِّ م‬
‫« ح�ظ العربية‪ ..‬في ش�هر القرآن » جلمهور القراء من الس�ادة‬
‫الباحثني واملثقفني واملتطلعني إىل املعرفة‪.‬‬
‫وت�أيت هذه الرس�الة مع مناس�بة عظيمة القدر‪ ،‬هي ش�هر‬
‫رمضان املبارك‪ ،‬وهو ش�هر القرآن كما قال عز وجل‪﴿ :‬ﮘ‬
‫ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [البق�رة‪ ،]185:‬ومل�ا كان‬
‫القرآن قد نزل بلس�ان عريب مبني فقد وج�ب التنبيه عىل فضل‬
‫إتق�ان العربي�ة ألهن�ا مفت�اح فه�م كت�اب اهلل وتدبره‪ ،‬ليفس�ح‬
‫املؤمن�ون هل�ا جم�اال يف حياهتم ال س�يام مع قدوم الش�هر املعظم‬
‫لي�ؤدوا واح�دة م�ن الش�عائر اجلليل�ة وه�ي التفك�ر والتدبر‪:‬‬
‫﴿ﮑ ﮒ ﮓ ﴾[النساء‪.]82:‬‬

‫‬
‫وهذا اإلنجاز العلمي جيعلنا نقدم عظيم الشكر والدعاء‬
‫ألرسة آل مكت�وم حفظه�ا اهلل تع�اىل الت�ي حتب العل�م وأهله‪،‬‬
‫وت�ؤازر قضاي�ا اإلسلام والعروب�ة ب�كل متي�ز وإق�دام‪ ،‬ويف‬
‫مقدمتها صاحب الس�مو الش�يخ حممد بن راش�د بن سعيد آل‬
‫مكت�وم‪ ،‬نائب رئيس الدولة‪ ،‬رئيس جملس الوزراء‪ ،‬حاكم ديب‬
‫الذي يش�يد جمتمع املعرف�ة‪ ،‬ويرعى البحث العلمي ويش�جع‬
‫أصحابه و ُطالبه ‪.‬‬
‫راجني من العيل القدي�ر أن ينفع هبذا العمل‪ ،‬وأن يرزقنا‬
‫التوفي�ق والس�داد‪ ،‬وأن يوف�ق إىل مزيد من العط�اء عىل درب‬
‫التميز املنشود‪.‬‬
‫ىَّ‬
‫وصل اهلل عىل‬ ‫وآخ�ر دعوانا أن احلم�د هلل رب العاملني‪،‬‬
‫النَّبي األمي اخلاتم س ّيدنا حممد وعىل آله وصحبـه أمجعني‪.‬‬

‫مدير إدارة البحوث‬ ‫ ‬


‫الدكتور سيف بن راشد اجلابري‬

‫‬
‫القرآن واللسان العربي‬
‫* ﴿ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾[يوسف‪.]2:‬‬
‫* ﴿ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﴾ [الرعد‪.]37:‬‬
‫* ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫[النحل‪.]103:‬‬ ‫ﭡ﴾ ‬
‫*﴿ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫[طه‪.]113:‬‬ ‫ ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾‬
‫* ﴿ ﮓﮔﮕﮖ*ﮘﮙ ﮚ ﮛ*ﮝﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ * ﮣ ﮤ ﮥ ﴾ [الشعراء‪.]195-192:‬‬
‫* ﴿ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ * ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾ [الزم�ر‪:‬‬
‫‪.]28-27‬‬ ‫ ‬

‫‬
‫*﴿ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﴾‬
‫[فصلت‪.]3:‬‬ ‫ ‬
‫* ﴿ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ‬
‫[فصلت‪.]44:‬‬ ‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ ‬
‫* ﴿ ﮏﮐ ﮑ ﮒﮓﮔﮕ ﮖﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫[الشورى‪.]7:‬‬ ‫ﮥ ﴾ ‬
‫*﴿ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾‬
‫[الزخرف‪.]3:‬‬ ‫ ‬
‫* ﴿ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾‬
‫[األحقاف‪.]12:‬‬ ‫ ‬

‫***‬

‫‬
‫املقدمة‬
‫احلم�د هلل ال�ذي جعل رمض�ان أفضل الش�هور‪،‬‬
‫وخص�ه بالترشي�ف عىل م�ر الدهور‪ ،‬احلم�د هلل الذي‬
‫أنزل الق�رآن هداية للعاملني‪ ،‬وجعله ش�فاء للمؤمنني‪،‬‬
‫َ‬
‫اللسان العريب املبني‪،‬‬ ‫وهدى للمتفكرين‪ ،‬وجعل لسانه‬
‫وصيه سبيال إىل التعقل إىل يوم الدين‪.‬‬
‫رّ‬
‫والصالة والسلام عىل رس�وله املصطف�ى‪ ،‬النبي‬
‫املجتب�ى‪ ،‬أفص�ح ناطق بالض�اد‪ ،‬وخرية بن�ي عدنان‪،‬‬
‫الذى تلقى القرآن نور ًا وضياء ورمحة للخلق أمجعني‪.‬‬
‫وبعــ�د‪ :‬فهذه كلم�ة جالت يف الذه�ن‪ ،‬وماجت‬
‫يف القل�ب‪ ،‬وأبت إال أن يدفعها م�داد القلم إىل الورق‬
‫لتصافحه�ا أعني القارئين‪ ،‬ناطقة بوضع م�ز ٍر آل إليه‬
‫ح�ال لغة الق�رآن بني أهليه�ا‪ ،‬داعية إىل اس�تعادة هيبة‬

‫‬
‫لسان القرآن‪ ،‬واختاذه سبي ً‬
‫ال للتقرب إىل اهلل بغية التدبر‬
‫يف كتابه‪ ،‬والتفكر يف آياته‪.‬‬

‫وق�د كان�ت الكلم�ة نت�اج موق�ف رأيت�ه فدونته‬


‫كام ح�دث‪ ،‬وأتبعت�ه بخواط�ري التي أرج�و أال تثقل‬
‫عىل القراء‪.‬‬

‫أترككم معها سائلة اهلل القبول والتوفيق‪.‬‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫***‬

‫‪10‬‬
‫حظ العربية‪ ..‬يف شهر القرآن‬

‫كلمة ودمعة‪:‬‬
‫مررت بأحدهم وهو يقول‪ :‬سمعت أغنية للمطربة‬
‫عيني‪ ،‬ومعه أخته تقول‪:‬‬
‫(فالنة) عن القدس فأدمعت ّ‬
‫ش�اهدت املسلس�ل الفالين فأبكاين موق�ف االعتذار‪،‬‬
‫والسامحة التي أبداها املجني عليه‪.‬‬
‫قلت يف نفيس‪ :‬مجيل أن يكون للمرء نفس حساسة‬
‫تش�عر بقضايا األمة‪ ،‬وتتفاعل مع املواقف التي تتجىل‬
‫فيها األخالق الرفيعة يف أهبى صورها فتأرس القلوب‪.‬‬
‫ثم سألت هذا وتلك‪ :‬هل تبكي عند قراءة القرآن‬
‫أو سامعه؟‬
‫أطرقا حياء وقد بدا اخلجل عىل حميامها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫قل�ت‪ :‬م�ا ال�ذي جعلكما تبكي�ان م�ع القصي�دة‬
‫ُ‬
‫واملسلسل؟‬
‫قاال‪ :‬تأثرنا باملوضوع الذي يعرب عنه‪ ،‬والذي يمثل‬
‫أمرا هيمنا أو مش�كلة تؤرقنا كالقدس‪ ،‬أو حيمل موقفا‬
‫مثاليا ّ‬
‫قل أن يرى املرء مثله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أفال تبكيان إن ذكرمتا اجلنة أو النار؟‬
‫صمت حلظات أعطيهام فرصة التفكري ثم تابعت‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن أبكاكما موقف الرمحة والتس�امح م�ن العباد وهذا‬
‫أم�ر حس�ن ي�دل على رق�ة النفس ومج�ال اخلل�ق أال‬
‫تبكيكما رمح�ة اهلل وس�عة مغفرت�ه‪ ،‬وتك�راره الوع�د‬
‫بالنعي�م والرضوان‪ ،‬وبس�طه األمل بالتوب�ة‪ ،‬وتفضله‬
‫ِ‬
‫ومنحهم اجلنة وهو الذي خلقهم‬ ‫ِ‬
‫بالغف�ران‬ ‫عىل عباده‬
‫وأنع�م عليهم وعصوه ‪ -‬وال خيلو من ذلك أحد ‪ -‬ثم‬
‫غفر هلم ؟‬

‫‪12‬‬
‫وم�ا ال�ذي فعل�وه ؟ وم�اذا قدم�وا لينال�وا جنت�ه‬
‫ورض�اه ؟ أهو االلتزام بالطاع�ات ؟ وإن التزموا فامذا‬
‫تك�ون طاعاتنا مهام بلغت أم�ام نِ َعم اهلل عز وجل وهو‬
‫خالقنا ورازقنا ومالك أمرنا ؟‬

‫أين الدمعة مع القرآن ؟‬


‫بقيا عىل صمتهما فتابعت‪ :‬أال يبكيكام ذكر القرآن‬
‫للمس�جد األقىص تكري ًام وترشيف ًا باإلرساء‪ ،‬وبرك ًة له‬
‫وملا حوله؟ أال تتأثران بوعد اهلل بالنرص عىل املفس�دين‬
‫ودعوته املس�لمني إىل نرصة احلق لينالوا النرص املأمول‬
‫﴿ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [محم�د‪]7:‬‬
‫كام أبكتكام ٌ‬
‫أغنية حول القضية نفسها؟‬
‫أطرقا خج ً‬
‫ال مرة أخرى ثم قال هو عىل استحياء‪:‬‬
‫ما نشعر هبذي املعاين عند قراءة القرآن‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وأضافت هي بصوت متعث�ر‪ :‬والذهن يرشد عند‬
‫التالوة ‪.‬‬
‫ملع�ت عيناي انتص�ار ًا ألين مخنت الس�بب قبل أن‬
‫ينطق�ا‪ ،‬ث�م ملعتا برتق�رق الدم�ع فيهام حزنا عىل س�وء‬
‫أحوالنا‪ ،‬ومضيت أفكر‪ :‬ترى ما الس�بب يف هذه احلال‬
‫الت�ي نحن فيه�ا؟ لن أحتدث ع�ن الرين ال�ذي يغطي‬
‫القلب فيغشيه‪ ،‬وال عن الشيطان وهو يسوق العقل يف‬
‫مراتع الدنيا يف تلك اللحظات‪ ،‬ولكني س�أحتدث عن‬
‫س�بب آخر مهم لعلنا إن عرفناه وجاهدنا أنفس�نا عليه‬
‫وعرف اهلل صدقنا فيه أن يفتح قلوبنا لنور القرآن‪.‬‬

‫أفكار وخواطر‪:‬‬
‫وقبل هذا أبدأ بالتساؤل‪ :‬ترى لو كنا نحب ما نقرأ‬
‫فه�ل كان ذهننا س�يرشد أثن�اء قراءته؟ ول�و كنا نحب‬
‫صاحب الكالم هل كنا سنغفل عن كالمه؟‬

‫‪14‬‬
‫فإن ادعينا وجود هذا وذاك فام السبب الذي جيعلنا‬
‫ال نش�عر بمرور هذه املعاين علين�ا وال نتفاعل معها أو‬
‫نتأثر هبا ؟‬

‫ه�ل يتح�دث الق�رآن يف موضوع�ات بعي�دة عن‬


‫حياتنا واهتامماتنا ؟ أو عن قضايا ال تناس�بنا وال تعنى‬
‫رينا وال‬
‫بمش�كالتنا ؟ أو أن�ه خياطب أناس�ا آخري�ن غ َ‬
‫ندخ�ل نحن ضم�ن الفئة التي يوج�ه احلديث إليها أو‬
‫يتكلم عنها ؟‬

‫الس�بب املتبادر للذه�ن عند إحس�ان الظن ونفي‬


‫االحتامالت السيئة هو عدم فهم ما نقرأ‪ ،‬فلو أننا فهمنا‬
‫ألحسس�نا ولتفاعلنا‪ ،‬لكن اجلهل يقف مانعا من ذاك‪،‬‬
‫وه�ؤالء قد فهم�وا الكالم الذي قيل هن�اك ‪ -‬األغنية‬
‫واملسلسل ‪ -‬فتأثروا !‬

‫‪15‬‬
‫إن كلامت القرآن وآياته إذا تليت عىل جبل خلش�ع‬
‫من خش�ية اهلل‪ ،‬لكنن�ا نقرأ وال نتأث�ر إال من رحم اهلل!‬
‫أمل يق�ل اهلل عز وج�ل‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾ [احلرش‪.]21:‬‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫آيـات‪ ،‬إذا ُت ِلي ْت عىل اجلبلِ َ‬
‫األ َص ِّم تأ َّثرا‬ ‫الفي ِ‬
‫اض‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫نورك َّ‬ ‫يف‬

‫البُعد عن العربية الفصحى‪ ،‬وآثاره‪:‬‬


‫إن اجله�ل الذي أقصده ليس ع�دم معرفة القراءة‬
‫والكتاب�ة لكن�ه البعد ع�ن العربي�ة الفصح�ى‪ ،‬وعدم‬
‫التفاع�ل مع كلامهتا‪ ،‬وع�دم إدراك معانيها ألننا اعتدنا‬
‫اللهجات العامي�ة‪ ،‬واعتدنا اللغات األخرى فصارت‬

‫ عب�د الرمح�ن العشماوي‪ ،‬يف قصي�دة ألقاه�ا عن�د افتتاح أحد‬
‫مؤمترات اإلعجاز العلمي للقرآن ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ذات الس�يادة يف حياتن�ا! واللغ�ة الت�ي يعتاده�ا امل�رء‬
‫ويتم�رس فيه�ا تصبح هي لغ�ة تفكريه وحيات�ه‪ ،‬وأما‬
‫غريها فيغدو هامشي ًا ‪.‬‬

‫والكالم يقال‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ومع�ان‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وحروف‬ ‫كلامت‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫والق�رآن‬
‫مصطلح يطلـق عىل اللغـة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫واللسـان‬ ‫ويقـرأ باللسـان‪،‬‬
‫﴿ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [النحل‪.]103:‬‬

‫ف�إن مل نكن نفه�م اللغة التي حيدثنا هب�ا اهلل تعاىل‪،‬‬


‫فكيف سنمتثل ملا يريد؟ وكيف نتدبر كلامته ونتفكر يف‬
‫معانيها‪ ،‬و نستشعر إعجازها و سحر بياهنا؟‬

‫وهلل املث�ل األعلى أقول‪ :‬ه�ذا أمر بده�ي أننا إن مل‬


‫نك�ن نفهم اللغة التي يكلمنا هبا فالن أو التي كتب هبا‬
‫فالن كتابه أو رسالته فهل سنفهم منه ما أراد؟‬

‫وع�دم الفه�م ال يعن�ي اجله�ل التام بلغ�ة جديدة‬

‫‪17‬‬
‫فحس�ب بل يش�مل عدم التمرس يف اللغة األم إىل حد‬
‫جيعله�ا غريبة على اآلذان والقلوب فينت�ج عنها عدم‬
‫تذوق ما ُكتب هبا كام أرشت آنفا‪.‬‬

‫العالقة بني القرآن الكريم واللغة العربية‪:‬‬


‫فعالقة القرآن باللغة عالقة وثيقة‪ ،‬وكلام زاد قربنا‬
‫م�ن اللغ�ة العربية زاد إحساس�نا هبا وتذوقن�ا ملعانيها‪،‬‬
‫وإدراكن�ا ألرسارها‪ ،‬ف�إن غابت عنا تل�ك املعاين عند‬
‫ق�راءة القرآن فلجهلنا باللغ�ة التي أنزل هبا‪ ،‬وحينها ال‬
‫نلوم إال أنفسنا املقرصة‪.‬‬
‫وقد ق�ال الطبري‪ :‬إين ألعجب ممن يق�رأ القرآن‬
‫كيف يلتذ بتالوته ومل يفهم معناه؟‬
‫فالس�بيل األول إذن لفه�م الق�رآن بعد مجع الفكر‬
‫وتركي�ز العق�ل يب�دأ من أب�واب اللغ�ة‪ ،‬فل�و فهمناها‬

‫‪18‬‬
‫لفهمنا تلك املعاين عند ورودها إلينا‪ ،‬ومل نكن نمر عىل‬
‫اآليات ونحن غافلون‪ ،‬أو تتلفظ هبا ش�فاهنا ونحن يف‬
‫عامل آخر سائحون!‬

‫ال أقص�د بمعرف�ة اللغ�ة معرف�ة أغواره�ا وكل‬


‫مفرداهت�ا وقواعده�ا‪ ،‬وال أقص�د فهم دقائ�ق القرآن‪،‬‬
‫وال إدراك م�راده ومعرف�ة مقاص�ده كله�ا أو تلم�س‬
‫ِح َكم�ه والوق�وف على أرساره‪ ،‬ولكني أقص�د الفهم‬
‫امليرس م�ن مدلول اللفظ القرآين‪ ،‬فه�و الذي ينبغي أن‬
‫وفهم ِه‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬ ‫لولوج عاملِ القرآن‬
‫ِ‬ ‫يكون مفتاحن�ا األول‬
‫َث َّم تدبره‪.‬‬

‫واللغ�ة العربي�ة أيض� ًا مهمة لنفهم كتب التفسير‬


‫الت�ي تفرس لنا القرآن‪ ،‬ألن الفهم الس�ليم كام تقدم هو‬
‫أساس الفهم لكل ما نقرأ ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ابن عباس‪ « :‬التفسير عىل أربعة أوجه‪..‬‬
‫وقد قال ُ‬
‫ٍ‬
‫وتفسير ال يعذر أحدٌ‬ ‫العرب من كالمها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وج�ه تعرفه‬
‫ٍ‬
‫وتفسير ال يعلمه‬ ‫بجهالت�ه‪ ،‬وتفسير يعلم�ه العلماء‪،‬‬
‫إال اهلل »  ‪ ،‬وج�زء كبري من القرآن هو من القس�مني‬
‫األولني‪.‬‬

‫هل جيوز للمس�لم أن يقرأ ه�ذه الكلامت وال يفهم‬


‫معانيها؟ « ال ريب فيه ‪ -‬الصمد ‪ -‬الفلق ‪ -‬ال تزغ قلوبنا‬
‫‪ -‬تبىل الرسائر ‪ -‬غاسق إذا وقب ‪ -‬أجر غري ممنون ‪ -‬قد‬
‫‬
‫أفلح من زكاها وقد خاب من دساها »؟‬

‫ انظر‪ :‬تفسري الطربي ‪ -‬حتقيق أمحد شاكر ‪. 75/1 -‬‬


‫ م�ن أيسر الكت�ب وأكثرها ش�هرة يف جمال تقدي�م املعنى املبارش‬
‫لكلمات الق�رآن كت�اب «كلمات القرآن تفس�ير وبي�ان» ملؤلفه‬
‫حممد حسنني خملوف‪ ،‬وهذا الكتاب هو أقل ما يرجع إليه املسلم‬
‫ملعرفة معاين الكلامت‪ ،‬لكنه ال يعطينا املعنى العام لآليات ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ه�ل جي�وز أن نس�مع كلمات القارع�ة والطام�ة‬
‫والصاخة دون أن نستش�عر شيئا مما كان يقع يف نفوس‬
‫املرشكين ‪ -‬الذي�ن تن�زل يف عرصه�م ‪ -‬م�ن اهليب�ة‬
‫جرس�ا ومعن�ى؟ هل جيوز‬
‫إلحساس�هم هبذه الكلامت ْ‬
‫أن يفه�م ذل�ك الكاف�ر م�راد اهلل حين يق�ول زاجرا‪:‬‬
‫« كال‪ » ..‬يف بع�ض آيات الكتاب‪ ،‬ونمر نحن بالكلمة‬
‫م�رورا عابرا دون أن تثري فينا ش�يئا مم�ا أثارته يف نفس‬
‫ذلك الرجل من اهليبة واخلوف والزجر؟ وأنى للقارئ‬
‫أن خيشع حينها أو يتدبر أو يرتدع عن غي أو هيتدي إىل‬
‫صواب ؟‬

‫***‬

‫‪21‬‬
‫أوجه احلاجة إىل اللغة العربية‪:‬‬
‫إن ق�راءة القرآن تتطلب معرفة لغته وإتقاهنا قراءة‬
‫وفهام‪ ،‬فاللغة ال تنفك عن القرآن‪ ،‬فهي الوعاء احلامل‬
‫وفهم ِه‬
‫ِ‬ ‫وسبيل تدب ِر ِه‬
‫ُ‬ ‫مفتاح قـراءتـه‬
‫ُ‬ ‫لكلامت اهلل‪ ،‬وهي‬
‫ومن َث َّم العمل به‪.‬‬

‫وحاجتن�ا للغ�ة العربية عن�د تالوة الق�رآن حاجة‬


‫عظيم�ة تتن�وع وجوهه�ا وتتع�دد مواضعه�ا‪ ،‬فنح�ن‬
‫نحتاج إىل لغة صحيحة لقراءة القرآن قراءة صحيحة‪،‬‬
‫والقراءة الصحيحة تعني أمرين‪:‬‬

‫أم�ا األول فهو نطق الكلامت الت�ي ال بد أن خترج‬


‫م�ن خمارجه�ا الصحيح�ة على وف�ق طبيع�ة احلروف‬
‫وصفاهت�ا‪ ،‬ومراعاة األح�كام الناجتة ع�ن اجتامع هذه‬
‫احلروف برتتيب معين‪ ،‬فهنا اإلدغام وهناك اإلخفاء‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫وهذا هو اإلقالب وتلك القلقلة وغريها من األحكام‬
‫التي اهتم هبا علم التجويد‪.‬‬

‫وأما األمر الثاين ال�ذي تقتضيه القراءة الصحيحة‬


‫اللح ِ‬
‫�ن ‪ -‬واللحن هو اخلط�أ يف القراءة‪،-‬‬ ‫فه�و جت ّن ُب ْ‬
‫والت�زام الضب�ط الس�ليم للكلمات رصفي�ا ونحوي�ا‪،‬‬
‫ُ‬
‫وجتن�ب اخلط�أ يف ذل�ك‪ ،‬فإن�ه يوق�ع يف أم�ر عظي�م‬
‫ُ‬
‫يقل�ب املع�اين امل�رادة أو يش�وهها‪ ،‬وه�و إىل جان�ب‬
‫ه�ذا خط�أ يف نط�ق كالم اهلل ع�ز وج�ل‪ ،‬واخلط�أ يف‬
‫كالم اهلل مرفوض قطع ًا ‪.‬‬

‫وق�د كان األصمع�ي يق�ول ع�ن اخلط�أ يف‬


‫احلدي�ث‪ :‬أخ�وف م�ا أخ�اف على طال�ب العل�م‬
‫إذا مل يع�رف النح�و أن يدخ�ل يف مجل�ة قول�ه ﷺ‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫« م�ن ك�ذب علي متعم�دا فليتب�وأ مقعده م�ن النار »‬
‫ألن�ه ﷺ مل يك�ن يلح�ن‪ ،‬فمهما روي�ت عن�ه وحلنت‬
‫فقد كذبت ‪.‬‬

‫وم�ن احلوادث التي أن�ذرت باخلطر وكانت ناجتة‬


‫عن تغيري حركة واحدة يف القراءة أدت إىل قلب املعنى‬
‫م�ا روي من أن أعرابيا ق�دم إىل املدينة املنورة يف عرص‬
‫عمر بن اخلطاب‪ ،‬فس�مع رجال يقرأ قول اهلل تعاىل من‬
‫سورة التوبة‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ﴾‬
‫[التوبة‪ ]3 :‬بجر كلمة الرسول‪ ،‬فصار املعنى كأن القارئ‬
‫يقول‪ :‬إن اهلل بريء من املرشكني ومن الرس�ول! فقال‬
‫األع�رايب مبدي�ا الدهش�ة ومعلما مل�ن ال يعل�م يف آن‬
‫واح�د‪ :‬أو ق�د َب ِرئ اهلل من رس�وله؟ إن يك�ن اهلل َب ِرئ‬

‫ تدريب الراوي ‪. 161/2‬‬

‫‪24‬‬
‫من رس�وله فأنا أبرأ منه! فبلغ خبره عمر بن اخلطاب‬
‫فاس�تدعاه وسأله‪ ،‬فأخربه بام س�مع‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ليس‬
‫هك�ذا يا أعرايب‪ .‬قال‪ :‬كيف هي؟ قال‪ « :‬أن اهلل بريء‬
‫م�ن املرشكني ورس�و ُله » برف�ع كلمة الرس�ول‪ .‬فقال‬
‫األعرايب‪ :‬وأنا واهلل أبرأ مما برئ ُ‬
‫اهلل ورس�و ُله منه‪ .‬فأمر‬
‫عمر أال يقرئ القرآن إال عامل بلغة العرب‪.‬‬
‫إن تلاوة القرآن عبادة نرج�و أجرها‪ ،‬فهل نؤدي‬
‫العبادة أداء خاطئا ثم ننتظر قبوهلا ؟‬
‫نع�م ‪ ..‬نطم�ع يف قبوهلا من اهلل ع�ز وجل الرحيم‬
‫بنا‪ ،‬العالمِ بسوء أوضاعنا واعوجاج ألسنتنا‪ ،‬ولكن هل‬
‫قدمن�ا عذر ًا يلقى قبو ً‬
‫ال؟ هل جاهدنا لفهم كتابه؟ هل‬
‫اجتهدنا يف تعلم لغته؟‬

‫ انظر‪ :‬سبب وضع علم العربية ونزهة األلباء البن األنباري ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫اللغة العربية مفتاح التدبر‪:‬‬

‫تلك إذن هي املرحلة األوىل حلاجتنا إىل اللغة عند‬


‫ق�راءة القرآن‪ ،‬فلننتق�ل إىل املرحلة الثاني�ة وهي مهمة‬
‫جدا‪ ،‬وقد دعا إليها اهلل عز وجل يف كثري من آياته وقال‬
‫عز وجل‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ص‪.]29:‬‬

‫ف�كأن اآلية األخرية تق�ول إن غاية إن�زال القرآن‬


‫ه�ي تدبر اآلي�ات‪ ،‬فام مفتاح ه�ذا التدبر؟ وما س�بيل‬
‫فه�م األمث�ال التي ج�اءت يف الق�رآن بأس�اليب بليغة‬
‫رفيعة؟ وما وسيلة استيعاب القصص التي ذكرت فيه‬
‫واالتعاظ بحوادثها؟‬

‫إن مفتاح ذلك هو اللغة العربية‪ ،‬فبمعرفتها نتلقى‬

‫‪26‬‬
‫املعن�ى الع�ام ال�ذي تقصده اآلي�ات‪ ،‬ون�درك لطائفه‬
‫وإشاراته ونفقه ِ‬
‫احلكم التي تؤخذ منه‪ ،‬وباللغة العربية‬
‫نفه�م تك�رار مقاص�د اآلي�ات وأرسار البي�ان وحكم‬
‫التعبري القرآين‪ ،‬ونفهم رس آياته املتش�اهبات ونفطن إىل‬
‫مواضع اختالف التفسريات وندرك أسباهبا بتوفيق اهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬فينطلق لس�اننا بالتس�بيح لقائل هذا الكالم‬
‫املعج�ز يف كل لفظ�ة‪ ،‬املتق�ن يف كل ح�رف‪ ،‬حملقني يف‬
‫آفاق�ه الرحب�ة بجناح�ي التدبر واخلش�وع لي�ؤيت ذلك‬
‫التسبيح ُأ ُكله‪ :‬إجال ً‬
‫ال يف القلب‪ ،‬والتزاما يف اجلوارح‪،‬‬
‫ويصل املرء إىل تذوق حالوة االلتزام الصادق واإليامن‬
‫الراسخ‪.‬‬

‫***‬

‫‪27‬‬
‫من أقفال القلوب‪:‬‬
‫وق�د ق�ال تع�اىل‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [محم�د‪ ،]24:‬وق�د يك�ون ‪ -‬واهلل‬
‫أعل�م ‪ -‬تقصرينا يف فهم العربية من تلك األقفال التي‬
‫متن�ع القلوب من التدبر املطلوب إذ تقف حاجزا كبريا‬
‫يعي�ق الفهم وحيرم لذة القراءة ومج�ال التأمل وحالوة‬
‫التعامل مع اآليات الباهرة التي تقود إىل حب عميق هلل‬
‫عز وجل ولرسوله ﷺ‪.‬‬

‫فيمك�ن أن تكون اللغ�ة مفتاح ًا م�ن مفاتيح تلك‬


‫األقف�ال‪ ،‬فلندرس�ها ولنفهمه�ا حت�ى تصري حس� ًا يف‬
‫وجداننا ومعنى يف شعورنا‪.‬‬

‫ملاذا نحرم أنفسنا من تلك اللحظات الباهرة حني‬


‫تتجلى للقلب والعقل بعض مع�اين كتاب اهلل التي كنا‬

‫‪28‬‬
‫نحسبها غامضة‪ ..‬مستعصية عىل الفهم‪ ،‬فإذ هبا تتكشّ ف‬
‫له‪ ،‬و يس�تنبطها بفهمه‪ ،‬وبام أفاد م�ن علم العلامء‪ .‬هنا‬
‫فقط يس�تطيع أن يتلذذ بالقرآن‪ ..‬و يتد ّبره؛ ألنه ينفعل‬
‫بآياته ومقاصدها؛ فتسعد به القلوب وتستمتع العقول‬
‫وختش�ع النفوس فتكون تل�ك اللحظات واحات غناء‬
‫ُيستظل هبا يف هجري هذه الدنيا املضطربة‪.‬‬

‫آيات ومعان‪:‬‬

‫ك�م قارئ� ًا يلح�ظ ذل�ك التج�دد واالس�تمرار يف‬


‫اس�تعامل الفع�ل املض�ارع يف قول�ه ع�ز وجل‪ ﴿ :‬ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾[البق�رة‪ ]213:‬فيستحثه‬
‫ذل�ك عىل تك�رار طلب اهلداي�ة دوما وجتدي�د الثقة يف‬
‫توفيق اهلل له؟‬

‫‪29‬‬
‫وه�ل ندرك معن�ى التوحي�د اخلال�ص والعبودية‬
‫اخلالصة يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾‬
‫[الفاتح�ة‪ ]5:‬بتقديم الضمري عىل الفعـل دون أن يقول‪:‬‬
‫(نعب�دك ونس�تعينك) مل�ا فيه�ا م�ن احتمال أن تتوجه‬
‫العبودي�ة واالس�تعانة إلي�ه جل وعلا وإىل غريه؟ هل‬
‫نش�عر بذل�ك التخصي�ص بالعبودي�ة واالس�تعانة هلل‬
‫الواح�د األحد؟ هل نش�عر بالتوجه اخلاش�ع إليه وأنه‬
‫ال رب لن�ا س�واه؟ ه�ل تدفعنا تلك اآلية إىل الس�كينة‬
‫والطمأنينة ونحن نتلوه�ا يف صالتنا؟ هل حتفظ ذهننا‬
‫م�ن أن يسرح هن�ا أو هناك ه�ل تغرس فين�ا االعتامد‬
‫الراس�خ واليقين العميق ب�اهلل تعاىل ال�ذي هو وحده‬
‫يستعان به وهو وحده القادر عىل دفع الرض؟‬

‫م�ن يالح�ظ مثال ذل�ك االتس�اع يف ق�ول اهلل عز‬

‫‪30‬‬
‫وج�ل‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾ [التوب�ة‪]82:‬؟‬
‫لقد ُح�ذف املفعول املطلق وبقي�ت صفته (كثريا) ويف‬
‫حذف�ه مجع ملع�ان‪ ،‬فق�د يك�ون التقدي�ر (فليضحكوا‬
‫ضح�كا قليلا وليبك�وا ب�كاء كثيرا)‪ ،‬وق�د يك�ون‬
‫(فليضحك�وا زمن�ا قليلا وليبك�وا زمنا كثيرا)‪ ،‬ومع‬
‫احل�ذف يبق�ى االحتمال هل�ذا وذاك‪ ،‬فيجم�ع املعنيني‬
‫وخيتصر يف اللفظ‪ ..‬وهكذا هي آيات الكتاب العزيز‪،‬‬
‫حتمل املعاين الغزيرة يف األلفاظ اليسرية‪.‬‬

‫وهل ترانا نلحظ ورود الالم يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯹ‬


‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [الش�ورى‪،]43:‬‬
‫واختفاءها من قوله‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [لقم�ان‪]17:‬؟ وه�ل نتذوق من فهمنا‬
‫لآليات س�بب ذلك؟ هل نشعر بشدة التوكيد يف اآلية‬

‫‪31‬‬
‫األوىل؟ وه�ل نش�عر بتواف�ق هذه الش�دة م�ع صعوبة‬
‫األمر املطلوب (الصرب واملغفرة ملن أس�اء)؟ فاإلنسان‬
‫قد يقوى عىل الصرب عىل املصائب التي تناله‪ ،‬لكن يقل‬
‫صبره أمام املصائب التي يس�ببها له إنس�ان مثله وهو‬
‫ق�ادر عىل االنتقام منه‪ ،‬فرتش�ده اآلية إىل اقرتان الصرب‬
‫باملغف�رة وه�ي تع�رف مش�قته على النفس اإلنس�انية‬
‫الضعيفة لذلك تزيد التوكيد فتقول «إن ذلك ملن عزم‬
‫األمور»‪.‬‬

‫ويف قول�ه تع�اىل‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ‬


‫ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ‬

‫ﯲ ﯳ ﴾ [التوب�ة‪ ]40:‬نصب�ت « كلم�ة الذي�ن‬


‫ورفعت‬
‫كف�روا » عىل أهنا مفع�ول أول للفعل جع�ل‪ُ ،‬‬
‫« كلم�ة اهلل » على أهن�ا مبت�دأ‪ ،‬ومل ُتنص�ب عطف� ًا عىل‬

‫‪32‬‬
‫ال�كالم أن « كلمة‬
‫ُ‬ ‫« كلم�ة الذي�ن كفروا » لئلا يوهم‬
‫اهلل » كانت سفىل‪ ،‬فصارت بعد اهلجرة عليا ‪.‬‬

‫فه�ذا غير صحي�ح ألن « كلم�ة اهلل » ه�ي العليا‬


‫دوم� ًا‪ ،‬وهو ما يناس�به اس�تعامل اجلملة االس�مية التي‬
‫تستهل باملبتدأ‪ ،‬وتدل عىل الثبوت والدوام‪.‬‬

‫أم�ا « كلمة الذين كفروا » فق�د كانت قبل اهلجرة‬


‫متغطرس�ة متكبرة ث�م انحط�ت وذه�ب ش�أهنا بع�د‬
‫اهلج�رة‪ ،‬لذلك ج�اءت مفعو ً‬
‫ال ب�ه أول للفعل جعل‪:‬‬
‫«وجعل كلمة الذين كفروا السفىل»‪.‬‬

‫***‬

‫‪33‬‬
‫اخلامتة‬
‫رمضان شهر القرآن‪ ..‬نسمعها ونرددها باستمرار‪،‬‬
‫وعلينا أن نحقق رشوطها ليصبح يف حياتنا شهر القرآن‬
‫َ‬
‫رمضان هذا العام فرصة ملراجعة‬ ‫ح ّق ًا‪ ،‬فهل نجعل من‬
‫أنفس�نا ومعرفة تقصرينا ثم ملحاول�ة إصالح يشء من‬
‫ذل�ك؟ واإلصالح يسير وباهلل التوفيق فه�و يتمثل يف‬
‫الت�زام صحبة القرآن بحس�ن تالوته واإلصغ�اء إليه‪،‬‬
‫وورود املناب�ع العذب�ة للغة القرآن‪ :‬نس�تقي منها ما قد‬
‫يطف�ئ غلة الس�نني التي قصرّ ن�ا فيها جتاه كت�اب ربنا‪،‬‬
‫ون�زداد فهما بمفردات�ه وإعراهب�ا‪ ،‬ونتعرف على لغته‬
‫وقواعدها وأس�اليبها‪ ،‬ونقدم عذرن�ا خلالقنا‪ ،‬ووعدَ نا‬
‫باجله�د يف س�بيل تدب�ر كتاب�ه؛ فنضبط نطقن�ا‪ ،‬ونقوم‬
‫لس�اننا‪ ،‬ونتفيأ ظالل كلامته ومعانيه‪ ،‬ونتلمس مواضع‬
‫إعجازه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ع�ز ّ‬
‫وج�ل يكف�ل مل�ن ق�دّ م وعم�ل‪ ،‬وثاب�ر‬ ‫واهلل ّ‬
‫واجته�د أن يوفق�ه ويتقبل عمل�ه‪﴿ :‬ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾‬
‫[العنكبوت‪.]69:‬‬

‫هذا وب�اهلل التوفيق‪ ،‬وصىل اهلل وس�لم وبارك عىل‬


‫نبين�ا املصطفى وعىل آله الطيبين وصحابته املنتجبني‪،‬‬
‫صلا ًة وسلام ًا وبرك�ة دائمين م�ا دامت الس�موات‬
‫واألرض‪.‬‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫***‬

‫‪35‬‬
‫املراجع‬
‫‪ -1‬تدري�ب ال�راوي يف رشح تقري�ب الن�واوي‪،‬‬
‫جلال الدي�ن الس�يوطي‪ ،‬الطبع�ة األوىل‪ ،‬مؤسس�ة‬
‫الرسالة‪.‬‬

‫‪ -2‬التعبري القرآين‪ ،‬د‪ .‬فاضل السامرائي‪ ،‬دار عامر‬


‫األردن‪.‬‬

‫‪ -3‬جام�ع البي�ان عن تأوي�ل آي القرآن (تفسير‬


‫الطربي)‪ ،‬حتقيق حممود ش�اكر‪ ،‬ختريج أمحد شاكر‪ ،‬دار‬
‫املعارف‪ ،‬مرص‪.‬‬

‫‪ -4‬س�بب وض�ع عل�م العربي�ة‪ ،‬جلال الدي�ن‬


‫السيوطي‪ ،‬مقال االفتتاحية يف جملة األمحدية‪ ،‬يف العدد‬
‫احل�ادي والعرشي�ن‪ 1426 ،‬هـ‪ ،‬بقل�م د‪ .‬عبد احلكيم‬
‫األنيس‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -5‬املعجزة اخلالدة‪ ،‬حممد متويل الشعراوي‪.‬‬

‫‪ -6‬نزه�ة األلباء يف طبق�ات األدباء‪ ،‬أبو الربكات‬


‫عبد الرمح�ن بن األنباري‪ ،‬حتقيق إبراهيم الس�امرائي‪،‬‬
‫مكتبة املنار‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫‪ -7‬نظ�رات يف كت�اب اهلل ‪ ،‬هش�ام عب�د ال�رزاق‬


‫احلميص‪ ،‬دار الكلم الطيب ‪.‬‬

‫***‬

‫‪37‬‬
38
‫الفهرس‬

‫ص‬ ‫املوضــــــــوع‬

‫‪5‬‬ ‫افتتاحية‬

‫‪7‬‬ ‫القرآن واللسان العريب‬

‫‪9‬‬ ‫املقدمـــة‬

‫‪11‬‬ ‫كلمة ودمعة‬

‫‪13‬‬ ‫أين الدمعة مع القرآن ؟‬

‫‪14‬‬ ‫أفكار وخواطر‬

‫‪16‬‬ ‫البعد عن العربية الفصحى‪ ،‬وآثاره‬

‫‪18‬‬ ‫العالقة بني القرآن الكريم واللغة العربية‬

‫‪22‬‬ ‫أوجه احلاجة إىل اللغة العربية‬

‫‪26‬‬ ‫اللغة العربية مفتاح التدبر‬

‫‪39‬‬
‫‪28‬‬ ‫من أقفال القلوب‬

‫‪29‬‬ ‫آيات ومعان‬

‫‪34‬‬ ‫اخلامتــــــة‬

‫‪36‬‬ ‫املراجــع‬

‫‪39‬‬ ‫الفهرس‬

‫***‬

‫‪40‬‬

You might also like