You are on page 1of 4

‫‪-‬‬ ‫‪ -‬هل يمكن االعتماد على الواجب لذاته كمعيار للقيمة األخالقية ؟‬

‫هل أساس القيمة& األخالقية العقل ؟‬

‫المقدمة‪ :‬مما ال شك فيه أن األخالق تهدف إلى ترقية سلوك اإلنسان وتهذيب المجتمعات و‬
‫‪,‬‬
‫تنظيم عالقتها حتى تتيسر الحياة االجتماعية و الفردية السعيدة ولكن ال يتأتى ذلك إال عن طريق‬
‫تطبيق و تكريس القيم األخالقية بمعاييرها الالزمة ولكن لو تأملنا إلى القيم األخالقية من عدل‬
‫‪ ,‬خيرة ‪ ,‬ولو نظرنا إلى السرقة و الخيانة كأفعال تعبر عن الشر لتساءلنا عن‬ ‫ووفاء كسلوكيات‬
‫‪ ,‬من أرجعها إلى‬‫أساس القيمة األخالقية ‪ ,‬حيث هناك من يرى أنها تعتمد على أساس العقل ومنهم‬
‫المنفعة ومنهم من ردها إلى المجتمع‪ .‬من هنا يحق لنا طرح السؤال التالي ‪:‬‬
‫هل أساس القيمة األخالقية العقل ؟‬
‫األطروحة ‪:‬‬
‫يعتقد العقليين بأن أساس القيمة األخالقية هو العقل حيث يقول كانط هنا ُ كن جريئا في إعمال‬
‫‪ ,‬على التمييز بين الخير و‬ ‫‪ ,‬عاقل يحمل من القدرات ما بجعله قادرا‬ ‫عقلك ُ فاإلنسان كائن بشري‬
‫الشر ‪ ,‬حيث نشاهد على مسرح هذه الحياة أفعاال نافعة يستعملها اإلنسان مصدرها العقل ‪ ,‬و‬
‫‪ ,‬من العقل و إنما عن شيء آخر‬ ‫نشاهد أفعاال تضر كالكذب و السرقة و القتل هي أفعال لم تصدر‬
‫وهو الطبع و الخلق الفطري ‪ .‬و الخلق الفطري لهذه األفعال تكمن في مبدأ الفعل ال في نتائجه‬
‫‪ ,‬ألنها أفعال ذميمة تحمل في ذاتها معنى الرذيلة ‪.‬‬
‫‪ ,‬على التشريع و سن مختلف‬ ‫كما أرجع كانط مصدر القيمة الخلقية إلى العقل باعتباره قادرا‬
‫القوانين و القواعد التي تضع و تصنع القوالب األخالقية التي تكون بعدها جهاز ينصب فيه كل‬
‫سلوك ‪ .‬فإن كان القالب مناسبا ‪ ,‬كان خير وإن كان متنافيا كان شر‪ .‬و قد اعتبر كانط أن هناك‬
‫‪ ,‬ال تعتبر خيرات‬ ‫مبدأ واحد يعتبره الناس خيرا – هو اإلرادة الخيرة ‪ -‬فلذات الحياة و منافعها‬
‫‪ ,‬اإلرادة الخيرة كما في الشر ‪ .‬و اإلرادة الخيرة تعمل‬ ‫بذاتها ‪ ,‬ألنها وسائل يمكن أن تستخدمها‬
‫‪ ,‬ضميرنا‬‫طبقا للواجب العقلي و الواجب هو جملة من القواعد و القوانين األخالقية التي يأمرنا‬
‫بالتقيد بها و التي تخلو من األهداف التي يلزم تحقيقها و بالتالي تكون األخالق منزهة عن كل‬
‫‪ ,‬للواجب ‪ ,‬بل هو‬ ‫غرض ذاتي فعندما نقول كن أمينا لتنال ثقة اآلخرين ً فهذا فعل غير مطابق‬
‫مرتبط بغرض وغير منزه عن المصلحة الذاتية أما في قولنا ً كن أمينا ً فهذا فعل أخالقي ألنه‬
‫أمر مطلق غير مشروط ال برغبة وال برهبة أو تعاطف ‪ .‬كما وضع كانط ثالثة قواعد أساسية‬
‫التي البد منها لألفعال األخالقية ‪:‬‬
‫القاعدة األولى ‪ ً :‬افعل كما لو كان‬
‫أي ن الشخص عندما يفعل الفعل األخالقي فإنه يفعله ال لغرض نفعي له و إنما‬
‫يفعله لشيء واحد وهو الواجب أو القانون الخلقي‬
‫القاعدة الثانية& ‪ ً :‬أفعل الفعل بأن تعامل اإلنسانية في شخصك وفي شخص كل‬
‫إنسان ‪ ,‬بوصفها دائما وفي نفس الوقت غاية في ذاتها ‪,‬وال تعاملها أبدا كما لو‬
‫كانت مجرد وسيلة ً و تعني هذه القاعدة عدم اتخاذ اآلخرين مجرد وسائل من‬
‫أجل تحقيق رغبات و منافع معينة لهم ‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة‪ :‬اعمل كما لو كانت إرادتك تشريع& عام ً وتعني هذه القاعدة‬
‫ضرورة الخضوع للقانون باعتبارنا مُشرعيه ‪ .‬وخضوع اإلنسان للقانون‬
‫األخالقي ‪,‬يرفع من قيمته باعتباره غاية في حد ذاته‬
‫*يعتبر أفالطون من الذين يعتقدون بوجود علم أو حكمة سامية غرضها األقصى هو‬
‫الخير المطلق ومعرفة هذا العلم ‪ .‬وفي كل ما نرغب فيه عن طريق العقل ‪ ,‬وذلك‬
‫ألن اإلرادة الخيرة عنده هي القيمة العليا‬
‫بقول أفالطونً إن الخير فوق الوجود شرفا و قوة ً ويقسم أفالطون أفعال الناس إلى‬
‫القوة العاقلة و القوة الشهوانية والغضبية ‪ ,‬وان أكمل صورها هي العقل ألنه مدرك للعفة و لكل‬
‫الفضائل‬
‫النقد‪:‬‬
‫يمكن موافقة كانط في تأكيده على العقل في مجال األخالق ألن اإلنسان يميز بين الخير و الشر‬
‫كما نوافقه على تأكيده على أهمية الفاعل األخالقي ً إنما األعمال بالنيات ً‬
‫ولكن ما دعا إليه كانط مثالي وصعب التطبيق و ال يمكن تكريسه على أرض الواقع‬
‫فمن غير الممكن أن نفعل الفعل من أجل الفعل أو الخير من أجل الخير ولهذا قال‬
‫عنه بيجي<< يدا كانط نقيضتان لكنه ال يملك يدين>>‬
‫كما أن كانط تجاهل الطبيعة البشرية في مجال األخالق من خالل وصفه للواجب‬
‫بالخلو من الغرض و اكتفى بالعقل كأساس للقيمة األخالقية ‪.‬‬
‫فال يمكن ًلإلنسان تجا ًَُهل ًًً‬
‫ميوله و رغباته و عواطفه أثناء القيام بالفعل وهناك أمثلة‬
‫كثيرة منها ًًً الشفقة والرحمة ًًً‬
‫وانطالقا> من هذه االنتقادات جاء اتجاه آخر يضع بين أيدينا معيار آخر لتأسيس األخالق هو‬
‫اتجاه النفعيون الذي يقوم على أساس المنفعة فكيف> تعتبر المنفعة معيار القيمة األخالقية ؟‬
‫النقيض‪ ( :‬النظرية النفعية )‬
‫يميز بين اللذات و اآلالم بل وضع لنا مقياسا عاما أي كل ما يحقق لذة فهو خير و كل ما يحقق‬
‫ألم فهو شر ‪.‬‬
‫ولكن جاء زعيم النفعيون أبيقور مؤكدا على أن اللذة المعدّلة هي التي تمثل طبيعة القيم‬
‫األخالقية ‪ .‬وحجتهم في ذلك أن إذا عجز اإلنسان‬
‫عن تحقيق اللذة تألم و إذا تألم كان شقيا و العكس صحيح‬
‫فتحقيق يرى أصحاب هذا االتجاه أن أساس القيمة األخالقية يعود إلى المنفعة ‪ .‬أي أن اللذة و‬
‫األلم هما الكيفيتان اللتان تتحد وفقهما القيمة األخالقية ‪ ,‬فكل ما فيه لذة فهو خير‪,‬وكل ما فيه ألم‬
‫فهو شر ‪ .‬واللذة هي إدراك المالئم من حيث هو مالئم للذات وأما األلم فهو إدراك المنافي من‬
‫‪ ,‬للذات ‪ .‬وهي إما جسمانية وإما نفسية‬ ‫حيث هو منافي‬
‫واإلنسان بطبيعته يرغب في اللذة ويتجنب األلم ومن أنصار هذا االتجاه أرستيب و أبيقور و‬
‫سيد جويك و بنثام ‪.‬‬
‫‪ ,‬هو أول من قدم هذا المعيار و أشار إليه إذ يعود فضل إنشاء هذا‬ ‫ويعتبر أرستيب القورينائي‬
‫االتجاه له حيث يقول " اللذة هي الخير األعظم وهي مقياس القيم جميعا ‪ ....‬هذا هو صوت‬
‫الطبيعة فال خجل وال حياء وما القيود إال من وضع العرف " ومن خالل هذا القول نستنتج أن‬
‫‪ ,‬على مدى إشباع اللذات ‪ .‬و كذالك عدل من فكرة اللذة واأللم‬ ‫أرستيب ال سعادة اإلنسان تتوقف‬
‫التي تبناها أرستيب وجاء بفكرة المنفعة ففي رأيه ‪ ,‬هناك من اآلالم ما يجلب السعادة وهناك من‬
‫اللذات ما يجلب الشقاء فانطالقا من مذهب المنفعة علينا أن نختار األلم الذي يقودنا إلى النجاح‬
‫فالتلميذ لو خير بين اللعب وعدم النجاح وبين التعب والنجاح في االمتحان طبعا سيختار التعب‬
‫الذي يحقق له النجاح ‪ ,‬ال اللعب الذي يحقق له الفشل ‪ .‬فاللذة التي تكون بعيدة أتفضل من اللذة‬
‫اآلنية ‪ ,‬وبذالك أعلو من شأن اللذات المعنوية و أحالوا مذهب اللذة إلى مذهب المنفعة ‪,‬‬
‫‪ ,‬من اللذات المعنوية يبقى مالزما مدى الحياة ‪ ,‬على عكس لذة‬ ‫واعتبروا أن طلب أكبر قسط‬
‫‪,‬‬
‫الحاضر التي سرعا نما تزول فهذه األخيرة في نظرهم عبودية للحاضر‬
‫كما اعتبروا الصداقة و الحكمة و الفضيلة تهذيبا للذة ‪ ,‬ألنها تتحكم في غرائز الدنيا ‪ ,‬كالفضيلة‬
‫‪ ,‬النفس وتغلب القيم العليا ‪.‬‬
‫التي تضبط‬
‫النقد‪ :‬يمكن موافقة هذا النقد على أهمية اللذة العتبارها من صميم الطبيعة البشرية في مجال‬
‫األخالق لكن أن نستخدمها> كأساس للقيمة األخالقية سوف يفقد القيم لشرعيتها و مشروعيتها>‬
‫ويحدث تناقض كبير بين مختلف القيم ‪ ,‬فهذا المعيار الذي اتخذه النفعيون يجعل السلوك‬
‫اإلنساني سلوك حيواني> ‪ ,‬نظرا في تأسيسه على اللذة التي هي غريزة ‪.‬‬
‫وكذلك نالحظ أن هذا القول تصور أناني للغاية األخالقية ‪ .‬ألنه ال يخدم إال المصلحة الذاتية ‪,‬‬
‫وهذا من شأنه قد يمس بقيم المجتمع األخالقية ‪ .‬وقد يؤدي> إلى حروب ‪ ,‬فكل الحروب التي في‬
‫العالم سببها الرغبة في تحقيق المنفعة الذاتية التي تكون على حساب الشوب األخرى‬
‫النقيض‪ " :‬النظرية االجتماعية "‬
‫يعتبر أصحاب النظرية االجتماعية أن مصدر القيمة األخالقية هو المجتمع ‪,‬‬
‫فالقوانين الجماعية تنصب جذورها وتتفرع في ضميرنا ‪ ,‬فتجعلنا نحس بالراحة و‬
‫االطمئنان عندما توافق سلوكياتنا بما ينادي به و يحبذه ‪ ,‬ونشعر بالسخط عندما نجد‬
‫أنفسنا بعيدين عن قيمه ‪ ,‬وهذا السخط و القلق يعود إلى التأثير الكبير للقيم الجماعية‬
‫على ضميرنا ‪ .‬و يؤكد االجتماعيون‪ ,‬بأن األخالق ظاهرة اجتماعية تتميز بشروطها‬
‫الموضوعية ‪ ,‬فدراستها قائمة عــلى ربط الظاهرة بعواملها ‪ ,‬كالواجب االجتماعي‬
‫الذي هو إلزام وضعه المجتمع ‪ ,‬فاألمر لا يتعلق بتأسيس األخالق كما يزعم العقليين‬
‫‪ ,‬بل بالخضوع اللتزامات مفروضة و محددة مسبقا من المجتمع ‪ ,‬ولهذا فالقيم‬
‫الخلقية نسبية ومتغيرة في الزمان و المكان ‪.‬‬
‫وضمن هذا االتجاه يعتقد دوركايم أن الوقائع الجتماعية هي مظاهر خارجية عن‬
‫ذات الفرد ‪ ,‬فاالفرد ينشأ مدينا للجماعة في كل شيء ‪ ,‬والقيمة األخالقية ترتبط‬
‫بأسباب غير شخصية ألنها تستمد من المجتمع ‪ ,‬حيث يقول دوركايم " حين‬
‫يتكلم ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا " ويؤكد عالمنا قائال‬
‫" فالمجتمع ليس سلطة أخالقية فحسب ‪ ,‬بل كل الدالئل تؤكد أن المجتمع هو النموذج و‬
‫المصدر لكل سلطة أخالقية وال بد أن تكون أخالق الفرد ‪ ,‬هي األخالق التي يتطلبها المجتمع‬
‫بالضبط إذ أي فعل ال يقر المجتمع على أنه أخالقي مهما كان نوعه ال يمكن أن يكسب فاعله "‬
‫وهذه المعايير التي بها يقيم أفعاله ويحكم بها على أفعال الغير تكون ابتداء من‬
‫احتكاكه مع الغير ‪ .‬ويذهب ليفي برول إلى أن األخالق تختلف من مجتمع إلى أخر‬
‫فال توجد أخالق بل توجد عادات خلقية ونستنتج من ذلك القيم أن األخالقية تمنح‬
‫للفرد من المجتمع بواسطة التربية ‪ ,‬وما الضمير األخالقي الفردي إال صدى ألحكام‬
‫الوعي الجمعي وإ رادته ‪ ,‬والخير و الشر من حيث هما قيمتان أخالقيتان تتحدان‬
‫بمدى اندماج الفرد في الجماعة أو عدم اندماجه ‪ ,‬فاالندماج هو مقياس الخير و عدم‬
‫االندماج هو مقياس الشر يقول دوركايم " ليس هناك سوى قوة أخالقية واحدة تستطيع أن‬
‫تضع القوانين للناس ‪ :‬هي المجتمع " و‬
‫" األخالق مرادفة للعادات االجتماعية "‬
‫النقد‪ :‬إن هذه األخالق التي ناد بها األخالقيون أخالق مغلقة في نظر برغسون ألنها‬
‫ال تخرج عن إطار المجتمع الواحد ‪ .‬وفي نفس الوقت نج األخالق المفتوحة هي‬
‫التي ليست وليدة اإلكراه االجتماعي ويجسدها المصلحون االجتماعيون و العلماء و‬
‫رجال الدين ‪ ,‬الذين يصنعون الضمير على أساس الوعي األخالقي ال على أساس‬
‫التقليد و اإلتباع ‪ ,‬وهي تتعدى حدود المجتمعات لتصير أخالق إنسانية و عالمية ‪.‬‬
‫هذا التفسير يعد مقبوال من النظرة العلمية ‪ .‬لكن األخالق ليست مجرد ظواهر ‪ ,‬وان‬
‫كانت ترتبط في الممارسة بجملة من العادات االجتماعية ‪.‬بل هي قيم ‪ .‬ومن جهة‬
‫أخرى فان تفسير االجتماعيين ينظر إلى كل األخالق وسائل ال غايات ‪ ,‬التي وجدت‬
‫أساسا لترفع باإلنسان ‪ ,‬كي يحقق كماله البشري ‪.‬‬
‫التركيب ‪ :‬إن المعيار األسمى الذي نعتمد عليه في تأسيس األخالق هو المعيار الديني ‪ ,‬أي‬
‫إلى ما شرعه اهلل سبحانه و تعالى عن طريق> نبيه و كتابه المبين ‪ ,‬وهو القرآن الكريم الذي‬
‫أخرج به ضمائر األمم من الظلمات إلى النور ومن جور األحكام وضاللة العادات إلى القيم‬
‫األخالقية السامية و التي تمتاز بالكمال و المطلقية ‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬رغم الجدل الكبير الذي يدور حول المعيار الذي نعتمد عليه لتأسيس األخالق إال أنه‬
‫يمكن القول بأن الدين هو المعيار األسمى الذي يمكن الوثوق به بما أن مصدره رباني ‪.‬‬

You might also like