You are on page 1of 26

‫قصة حكام ورؤساء سورية منذ عام ‪1918‬‬

‫‪ -1‬محمد سعيد الجزائري‬

‫محمد سعيد الجزائري‪ ،‬هو حفيد المناضل الجزائري الشهير عبد القادر الجزائري الذي عاش واقام في سوريا‪.‬‬

‫عقب انسحاب العثمانيين من دمشق تحرك محمد الجزائري وأعلن نفسه رئيسا ً للحكومة العربية في سوريا باسم‬
‫الشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى‪ ،‬واستمر في منصبه أياما ً قليلة انقضت بدخول فيصل بن الحسين‬
‫إلى دمشق حيث قام بإقالة األمير الجزائري ونصب مكانه رضا باشا الركابي الذي قام بإرسال شكري باشا األيوبي إلى‬
‫بيروت على رأس كتيبة من الجنود ليكون حاكما ً عاما ً عليها تابعآ للحكومة المركزية في دمشق‪.‬‬

‫‪ -2‬علي رضا الركابي‬

‫(‪ 25 - 1868‬مايو‪/‬أيار ‪ )1942‬أول رئيس وزراء في كل من سوريا واألردن‪.‬‬

‫عاصر الحكم العثماني‪ ،‬وكان ركنا ً بارزاً فيه‪ .‬عندما رحل األتراك‪ ،‬ونهض الحكم العربي الفيصلي‪ ،‬شكل أول وزارة في‬
‫تاريخ سورية‪ .‬وشكل وزارتين في األردن‪ ،‬ووضع لألردن نظامه المالي واإلداري‪ .‬دعم الثورة السورية لدى قيامها‪،‬‬
‫وهو رئيس للوزراء في األردن‪ .‬تقلب في عدد كبير من المناصب‪ ،‬وعهد إليه بعدد كبير آخر من المسؤوليات والمهام‪.‬‬
‫كان إداريا ً حازما ً‪ ،‬ونزاهته تعتبر من األساطير في هذه األيام‪ .‬رضا الركابي كان جزءاً من تاريخ سوريا الحديث‪ .‬غير‬
‫أنه لم ينل حقه الكافي من الشهرة‪ ،‬والدراسة‪ ،‬والتحليل‪.‬‬

‫البداية‬

‫ينتمي علي رضا باشا الركابي إلى أسرة دمشقية‪ .‬تلقى تعليمه االبتدائي في المدرسة الرشدية العسكرية‪ .‬وانتقل منها‬
‫إلى المدرسة اإلعدادية‪ .‬وألنه كان متفوقا ً على جميع أقرانه‪ ،‬وتقديراً لعالمات النبوغ والعبقرية لديه‪ ،‬فقد أرسل إلى‬
‫المدرسة الحربية في اآلستانة‪ ،‬حيث درس فيها الشؤون العسكرية‪ .‬وتخرج منها حامالً رتبة " رئيس أركان حرب "‪.‬‬
‫بعد تخرجه من المدرسة الحربية عين قائدا للجيش التركي في القدس‪ ،‬ووكيالً لمتصرفها‪ .‬عندما أعلن الدستور‬
‫العثماني‪ ،‬عين رئيسا ً للشعبة الخاصة في اآلستانة‪ .‬ونقل منها إلى المدينة المنورة‪ ،‬حيث عين محافظا ً فيها وقائداً‬
‫لجيشها‪ ،‬وذلك بعد أن جرت ترقيته إلى رتبة أمير لواء‪ .‬رحل إلى العراق‪ ،‬حيث تسلم قيادة الجيش في بغداد والبصرة‪.‬‬

‫عندما أعلنت الحرب العالمية األولى‪ ‬عام‪ ،1914 ‬استشارته الحكومة العثمانية‪ ،‬بين من استشارتهم من قواد‬
‫جيوشها‪ ،‬بشأن دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب حليفتها الدولة األلمانية‪ ،‬أو عدمه‪ .‬وكان رأي رضا باشا‬
‫الركابي‪ ،‬أن تظل الدولة العثمانية على الحياد‪ ،‬ألنه كان مطلعا ً على حقيقة وضع الجيش العثماني وأسلحته وعتاده‪،‬‬
‫وضعف إمكانياته‪ .‬وألنه أشار بضرورة الحفاظ على الحياد في هذه الحرب الطاحنة‪ ،‬فقد اعتبر من االنهزاميين‬
‫والجبناء‪ ،‬فصدر األمر بتسريحه‪ ،‬وإحالته إلى التقاعد‪ .‬وكان وراء تسريحه وتقاعده عدد من المسؤولين والضباط‬
‫المندفعين والمتحمسين لخوض الحرب‪ ،‬إلى جانب الصديقة والحليفة الدولة األلمانية‪ .‬عندما عاد الركابي إلى دمشق‪،‬‬
‫بعد تسريحه‪ ،‬أراد جمال باشا اإلفادة من علمه وخبرته‪ ،‬مع حرصه على وضعه تحت رقابته‪ ،‬لذا أمر بتعيينه رئيسا ً‬
‫لبلدية دمشق‪ ،‬ورئاسة التحكيمات‪ .‬وقد آثر الركابي قبول هذين المنصبين‪ ،‬كي يدفع عن نفسه الشبهات‪ .‬فقد كان‬
‫الرجل في حقيقته من مؤسسي "جمعية العربية الفتاة " و" جمعية العهد "‪ .‬وهاتان الجمعيتان كانتا أول من زرع‬
‫بذور القومية العربية في العهد العثماني‪.‬‬

‫تشكيل أول وزارة سورية‬

‫عقب إعالن الثورة العربية الكبرى‪ ،‬ودخول الجيش العربي دمشق‪ ،‬عين رضا الركابي حاكما ً عسكريا ً للمنطقة‬
‫الشرقية‪ .‬عندما أعلن المؤتمر السوري استقالل‪ ‬سورية‪ ‬في الثامن من اذار‪/‬مارس ‪ 1920‬وتسلم زمام الحكم األمير‬
‫فيصل بن الحسين‪ ،‬ونودي به ملكا ً على سورية‪ ،‬عهد إليه بتشكيل أول وزارة عربية‪ ،‬فتسلم الركابي زمام األمور‪،‬‬
‫وشكل الوزارة‪ ،‬ولقب بالحاكم العسكري‪ .‬بعد معركة ميسلون غير المتكافئة‪ ،‬ودخول القوات الفرنسية إلى دمشق‪،‬‬
‫وانتهاء العهد الفيصلي‪ ،‬رحل رضا الركابي إلى مصر‪ .‬وانتقل منها إلى الحجاز‪ .‬وهناك كلفه الشريف حسين بالذهاب‬
‫إلى األردن‪ ،‬لمساعدة ولده األمير عبد هللا بتأسيس وإدارة دولة شرقي األردن‪.‬‬

‫رضا الركابي في األردن‬

‫عهد في عمان إلى الركابي في الثاني عشر من آذار ‪ 1922‬الحكومة األردنية األولى‪ .‬وعمل على وضع القوانين‬
‫واألنظمة المناسبة للدولة األردنية الجديدة‪ ،‬والسيما في نطاق األنظمة المالية والجهاز اإلداري‪ .‬وفي الثالث من‬
‫تشرين األول ‪ 1922‬دعاه األمير عبد هللا إلى مرافقته في رحلة إلى لندن‪ ،‬لعقد معاهدة بين األردن وبريطانيا‪ ،‬وبحث‬
‫الشؤون العربية هناك‪.‬‬

‫ومكث الركابي مع األمير عبد هللا بعض الوقت‪ .‬ثم غادر األمير لندن واستبقى رئيس وزرائه لالتفاق مع وزارة‬
‫المستعمرات البريطانية على الشكل النهائي لحكومة األردن‪ .‬وقد وفق رضا الركابي بالحصول على موافقة بريطانيا‬
‫على استقالل المنطقة استقالالً نيابيا ً‪ ،‬على أن ال يشملها وعد بلفور المشؤوم بإنشاء الدولة الصهيونية على األرض‬
‫الفلسطينية‪ .‬عاد الركابي بعدها إلى األردن‪ .‬ثم نشأ بين األمير عبد هللا وبينه خالف حول بنود هذا االتفاق‪ ،‬أدى إلى‬
‫تقديم استقالته من رئاسة الوزراء‪.‬‬

‫وفي أوائل عام ‪ 1924‬دعي رضا الركابي ثانية إلى تشكيل الوزارة في األردن‪ .‬فاستجاب لهذه الدعوة‪ ،‬وشكل الوزارة‬
‫ثانية‪ .‬وظل في منصبه هذا إلى حزيران من عام ‪ ،1926‬حيث استقال‪ ،‬وانتقل لإلقامة بين حيفا والقدس طوال سنتين‬
‫ولصف السنة‪ .‬وكان الركابي يوم شكل وزارته‪ ،‬قد أعلن في برنامجه الوزاري‪ ،‬العمل بالصدق واإلخالص في القول‬
‫والعمل‪ ،‬وتوزيع العدالة بين جميع أفراد الشعب‪ ،‬والمراعاة التامة لشؤون االقتصاد‪ ،‬واالعتماد على الكفاءات في‬
‫التوظيف‪ ،‬وقمع بذور الفساد‪ ،‬وكل ما يسيء إلى السمعة‪ .‬ودعا إلى التعاضد والتكاتف في جميع أمور اإلصالح‪،‬‬
‫وصيانة المنطقة من األحوال المخلة باألمن‪ .‬وكان الركابي وهو رئيس للوزراء في األردن‪ ،‬يدعم الثورة السورية بكل‬
‫إمكاناته سراً ‪ ،‬ويذكي روح المقاومة بين صفوف الثوار‪ .‬ومن أجل هذا‪ ،‬لم يستطع عقب استقالته من رئاسة الوزارة‬
‫العودة إلى أرض الوطن‪ ،‬بل أثر اإلقامة في فلسطين‪ ،‬إلى أن انتهت الثورة‪ ،‬وصدر العفو العام على كل من شارك‬
‫بالثورة‪ .‬وكان خالل إقامته في األرض الفلسطينية‪ ،‬يعيش عيش الكفاف‪ ،‬بسبب فقره وضيق ذات يده‪ .‬بعد عودته إلى‬
‫دمشق‪ ،‬ووفاة الملك الهاشمي فيصل األول‪ ،‬اعتزل الرجل‪ ،‬النزيه‪ ،‬المستقيم‪ ،‬العمل السياسي ولزم بيته‪ ،‬وانقطع عن‬
‫الناس‪.‬‬

‫رحل رضا الركابي إلى جوار ربه‪ ،‬في يوم االثنين الخامس والعشرين من أيار عام ‪ ،1942‬بعد أن عانى من المرض‬
‫طويال‪ ،‬وأصيب بالشلل‪.‬‬

‫‪ -3‬فيصل األول‬
‫سيق الحديث عنه‬

‫‪http://www.7ob-3mre.com/vb/showthread.php?t=59444‬‬

‫‪ -4‬صبحي بركات‬

‫صبحي بركات واسمه الكامل صبحي بيك بركات الخالدي (‪ )1939 - 1889‬هو أول رئيس لالتحاد السوري ثم أول‬
‫رئيس للدولة السورية ورابع حاكم لسوريا بعد زوال العثمانيين‪ ،‬ولد في أنطاكية‪ ،‬غير أنه كان مقي ًما في حلب ومثلها‬
‫في عدد من المجالس النيابية السور ّية فضالً عن تمثيله أنطاكية في المؤتمر السوري العام الذي انعقد عام ‪1919‬‬
‫وأعلن قيام المملكة السورية العربية‪ ] 1[.‬شغل صبحي بركات منصب رئيس االتحاد السوري الذي أعلن عن ميالده‬
‫هنري غورو في ‪ 28‬يونيو ‪ 1922‬كاتحاد فيدرالي بين دولة دمشق ودولة حلب ودولة جبل العلويين‪.‬‬

‫عضوا وذلك خمس عن كل دولة يشكلون‬ ‫ً‬ ‫بموجب قرار تأسيس االتحاد فإن هيئة تأسيسية مؤلفة من خمسة عشر‬
‫المجلس االتحادي‪ ،‬شغل بركات أحد ممثلي دولة حلب‪ ،‬وفي نفس يوم إعالن االتحاد التأم أعضاء الهيئة التأسيسية في‬
‫س ا لالتحاد‪ .‬جمع رئيس االتحاد مهام تشكيل ورئاسة الحكومة إلى مهامه‪ ،‬إلى جانب وجود مجالس‬ ‫حلب وانتخبوه رئي ً‬
‫تمثيلية وحكومات فيدرالية داخل المقاطعات الثالث المكونة له‪ ،‬ولعل من أبرز إنجازات بركات خالل رئاسته االتحاد‪،‬‬
‫استحداث الدرك السوري وإصدار العملة الورقية السورية وذلك في أغسطس ‪ 1922‬بموجب اتفاق مع دولة لبنان‬
‫الكبير ودولة جبل الدروز‪.‬‬

‫ضا فرنس ًيا‪ ،‬طالب السوريون بالوحدة‪ ،‬وقد استجاب‬‫بعد استدعاء هنري غورو إلى فرنسا وتعيين ماكسيم فيغان مفو ً‬
‫فيغان لطلبتهم وأعلن قيام "الدولة السورية" المكونة من دولتي دمشق وحلب‪ ،‬وذلك في ‪ 24‬ديسمبر ‪ ،1924‬وقد‬
‫سا لها لمدة ثالث سنوات أي حتى نهاية ‪ ،1927‬غير أن اندالع‬ ‫جاء في مرسوم استحداث الدولة أن يكون بركات رئي ً‬
‫الثورة السورية الكبرى في يوليو ‪ 1925‬وامتدادها من السويداء جنو ًبا نحو دمشق ثم حماه‪ ،‬وما رافق ذلك من‬
‫ضا سام ًي ا‪ ،‬ثم مقاطعة االنتخابات التأسيسية قد دفع المفوض الفرنسي إلى إقالة‬
‫قصف لدمشق وتعيين دي جوفنيل مفو ً‬
‫بركات وحكومته وإخضاع البالد للحكم الفرنسي المباشر تحت قيادة فرانسوا بيير أليب وذلك بعد حوالي عام ون ّيف في‬
‫فبراير ‪ 1926‬عل ًما أن بركات كان قد تقدّ م باستقالته واستقالة الحكومة في ‪ 21‬ديسمبر‪ ،‬وبإقالة هذه الحكومة لم‬
‫رئيسا للبرلمان السوري عام ‪ ]2[،1932‬وقد انتخب في ‪ 11‬يونيو‬ ‫ً‬ ‫يشغل بركات أي منصب رسمي حتى انتخابه‬
‫بأغلبية ‪ 51‬صو ًتا مقابل ‪ 17‬صو ًت ا لهاشم األتاسي‪ ،‬وذلك بموجب تسوية صاغها جميل مردم نصت على تشكيل‬
‫حكومة مناصفة بين االنتدابيين (المعتدلين) والكتلة الوطنية‪ ،‬وانتخاب رئيس جمهورية محايد ورئيس مجلس نيابي‬
‫عضوا لترشيحه‪]3[،‬‬
‫ً‬ ‫محسوب على المعتدلين‪ ،‬وما ساهم وصول بركات دعم كتلة "نواب الشمال" المؤلفة من ‪28‬‬
‫ورغم ذلك فلم يعد بركات للسلطة التنفيذية مطل ًقا ولم يشكل أي حكومة ثالثة‪.‬‬

‫خالل بداية نشاطه العلني‪ ،‬كان صبحي بركات من الثوار على فرنسا ورفي ًقا البراهيم هنانو‪ ،‬خصو ً‬
‫صا في الفترة‬
‫الواقعة بين مايو ‪ 1919‬ويوليو ‪ ، 1920‬ثم توسط محمود الشركسي أحد وجهاء حلب إليقاف قتاله فرنسا‪ ،‬ثم زار‬
‫بركات بواسطة من الشركسي بيروت والتقى خالل زيارته هنري غورو ومذاك أخذ يميل بموقفه إلى جانب االنتداب‬
‫حو ل صداقته لهنانو لعداوة وتنافس شديدين‪ ،‬ويشير بعض المؤرخين إلى‬ ‫حتى ُحسب على المؤيدين لهم؛[‪ ]4‬وهو ما ّ‬
‫تدخل فرنسا في قضية فوزه بالنيابة عام ‪ ،1932‬وكان قد تعرض لمحاولة اغتيال عام ‪ 1931‬على يد أكرم حوراني‬
‫ورفاقه في بيروت‪ ] 5[.‬يشار إلى أنه في أعقاب تشكيل حكومة حقي العظم الثانية في ‪ 3‬يونيو ‪ 1933‬أخذ بركات يميل‬
‫نحو الكتلة الوطنية‪ ،‬ووقف معها في معارضة الحكومة في مجلس النواب‪ ،‬وفي ‪ 24‬نوفمبر ‪ 1934‬عندما أصدر‬
‫قرار ا بإيقاف عمل البرلمان بعد رفضه التصديق على معاهدة مع فرنسا‪ ،‬شكلت‬‫ً‬ ‫المفوض الفرنسي شارل دي مارتيل‬
‫الكتلة الوطنية "لجنة عمل" كان بركات أحد أعضائها‪ ]6[،‬وخالل االحتجاجات العارمة التي شهدتها دمشق ومدن‬
‫أخرى عام ‪ 1936‬أفضت إلى ميالد وفد من الكتلة الوطنية مهمته السفر إلى باريس للتوصل إلى اتفاقية جديدة‬
‫ومنصفة مع فرنسا‪ ،‬اعتكف بركات في أنطاكية ريثما تتضح معالم االتفاقية‪ ،‬ولم يعد إلى دمشق‪ ،‬وعندما تم فصل‬
‫إسكندرون عن سوريا كان بركات مقي ًم ا في أنطاكية وعندما توفي كان اللواء قد ضم إلى تركيا‪ ،‬وهو ما عارضه‬
‫بركات بشدة‪.‬‬

‫ويقول المحامي عالء الس ّيد أنه قد عرف عنه "نظافة اليد"‬

‫‪ -5‬فرانسوا بيير أليب‬

‫فرانسوا بيير‪-‬أليب كان حاكما عسكريا فرنسيا مؤقتا حكم سوريا خالل فترة االنتداب الفرنسي من ‪ 9‬فبراير إلى ‪28‬‬
‫أبريل ‪1926‬‬

‫‪ -6‬أحمد نامي‬

‫(‪ )1962 - 1878‬هو ثاني رئيس للدولة السورية وحاكم رئيس لسوريا‪ ‬منذ‪ ‬زوال العثمانيين بين ‪ 2‬مايو ‪ 1926‬و‬
‫‪ 15‬فبراير ‪ ،1928‬وقد ألّ ف خالل هذه المدة ثالث حكومات‪ ،‬عبر خاللها عن مطالب وطنية فطالب بوحدة البالد‬
‫السورية وسن دستور لها وإصدار عفو عام عن جميع المتورطين في أعمال عنف خالل الثورة السورية الكبرى‪ ،‬غير‬
‫أن النزر اليسير من هذه الوعود قد تحقق فعالً‪ ] 1[.‬لقب أحمد نامي "بالداماد" أي الصهر ألنه تزوج من األميرة‬
‫عائشة سلطان شقيقة السلطان عبد الحميد الثاني فغدا بذلك صهره؛ وقد درس الداماد في فرنسا وعمل في أزمير‪،‬‬
‫وأقام بعد سقوط الدولة العثمانية في بيروت ومنها تم تكليفه رئاسة الدولة‪ ،‬عل ًما أنه كان صدي ًقا للمفوض الفرنسي‬
‫هنري دي جوفنيل الذي كلفه الرئاسة‪.‬‬

‫س ا للمحافل الماسونية في سوريا ولبنان‪،‬حاشية المدعومة من محفل الشرق األعظم‬


‫اشتهر بكونه ماسون ًيا ورئي ً‬
‫الفرنسي والمحفل المصري ورأسه منذ عام ‪ 1923‬حتى ‪ ]2[،1930‬وإلى جانب نشاطه الماسوني أسس الداماد حز ًبا‬
‫سياس ًيا أسماه "الحزب اإلسالمي الديموقراطي"‬
‫حياته المبكرة‬

‫تحدر أحمد نامي من عائلة سورية وساللة شركسية ترجع إلى قبيلة الشابسوغ القفقاسية التي استقرت في سوريا‬
‫أواخر القرن الثامن عشر‪ ،‬وقد شغل والده فخري بك منصب رئيس بلدية بيروت فكان من رؤسائها البارزين‪ ،‬وعرف‬
‫عنه األعمال المعمارية كفتح الطرق وتشييد األبنية وإنشاء الحدائق ومنها الحديقة الحميدية وساحة البرج وخان‬
‫فخري بك‪ ]3[.‬وقد ولد الداماد في بيروت عام ‪ 1878‬وتلقى تعليمه على يد أساتذة خصوصيين ثم أوفده والده إلى‬
‫يسيرا‪ ،‬ثم هجره مفضالً العمل اإلداري‪،‬‬
‫ً‬ ‫اسطنبول حيث انخرط في الكلية الحربية ودخل سك ضباط األركان زم ًنا‬
‫ً‬
‫وأخيرا أمينا عا ًما لوالية أزمير خالل تواجد‬
‫ً‬ ‫فتوظف في مكتب إدارة الدوين العثمانية‪ ،‬ثم عين أمين سر والية بيروت‬
‫أيض ا تزوج بعائشة سلطان ابنة السلطان عبد الحميد‬ ‫صديقه كامل باشا في الصدارة العظمى‪ ]3[.‬والذي عن طريقه ً‬
‫الثاني فلقب على إثر زواجه "بالداماد" أي الصهر‪ ،‬ولدى اندالع الحرب العالمية األولى انتقل إلى خارج الدولة وأقام‬
‫في سويسرا وبعد نهاية الحرب‪ ،‬انتقل إلى فرنسا وأقام في باريس حيث نسج عالقة حميدة ما ساستها‪ ،‬وقد ساعدت‬
‫سا للدولة السورية‪.‬‬
‫هذه العالقة في تعيينه رئي ً‬

‫رئاسته‬

‫قبل تكليفه الرئاسة‬

‫المفو ض السامي الفرنسي الجديد دي جوفنيل‪ ،‬ولم تكن عالقته جيدة منذ البداية‬ ‫ّ‬ ‫في ديسمبر ‪ 1925‬وصل إلى بيروت‬
‫مع رئيس الدولة صبحي بركات‪ ،‬كما تبدى بعد االجتماع األول بين الرجلين في بيروت‪ ،‬وخالل اشتداد الثورة السورية‬
‫الكبرى وبعيد قصف دمشق بالمدفع ّية والطائرات الفرنس ّية‪ ]4[.‬وعلى إثر اللقاء األول استقال بركات ولم يبد جوفينل‬
‫عسكر ا على منطقتي دمشق وجبل الدروز حيث كانت الثورة‬ ‫ً‬ ‫أي تردد في قبول استقالته‪ ،‬وع ّين الجنرال أندريا حاك ًما‬
‫مشتعلة‪ .‬ويقول يوسف الحكيم‪ ،‬أن جميع األطياف السياسية في سوريا‪ ،‬من وطنيين ومعتدلين قد سروا باستقالة‬
‫بركات‪ ،‬بسبب قسوته في العمل السياسي‪ ] 5[.‬وقد عرض الجنرال أندريا على عطا األيوبي تشكيل الحكومة لكنه اعتذر‬
‫عن الرئاسة والتشكيل لحراجة الموقف في البالد‪ ]4[،‬وشاعت أنباء عن تكليف الشيخ تاج الدين الحسني مهام‬
‫بدءا من ‪ 2‬يناير ‪ 1926‬لكن األمر قد طال مع استمرار وزراء حكومة بركات في تصريف األعمال حتى ُع ّين‬ ‫الرئاسة ً‬
‫في ‪ 9‬فبراير الجنرال فرانسوا بيير أليب مندو ًبا فرنس ًيا في دولة سوريا ودولة جبل الدروز‪]6[.‬‬

‫أنفق أليب أغلب وقته في مالحقة الثوار في غوطة دمشق وحمص والسويداء على وجه الخصوص‪ ،‬وفي أواخر أبريل‬
‫قرر الفرنسيون تعيين رئيس جديد للدولة بشكل جدي‪ ،‬وبدأ دي جوفنيل استشارة مجموعة من اآلراء لشخصيات‬
‫واستقر الرأي على ذلك في ‪ 30‬أبريل ‪ ،1926‬حينها كان نامي‬‫ّ‬ ‫سور ّية وفرنس ّية حول صالحية أحمد نامي للمنصب‪،‬‬
‫في بيروت فاستدعي إلى دمشق‪ ،‬ومنها أعلن عن تشكيل الحكومة في ‪ 2‬مايو ‪ ،1926‬ويقول يوسف الحكيم أن البالد‬
‫السورية بجميع مناطقها استقبلت هذا النبأ "بالسرور واالنشراح وعظيم اآلمال بالمستقبل‪ ،‬لما يتمتع به الداماد من‬
‫شهرة وماضي خالي من كل شائبة"‪.‬‬

‫الحكومة األولى‬
‫المنجزات اإلدارية‬

‫تشكلت الحكومة األولى من ستة وزراء‪ ،‬رأسها رئيس الدولة كسائر حكومات الدولة السور ّية‪ ،‬وقد اتفق أحمد نامي‬
‫مع دي جوفنيل‪ ،‬على أن تشكل الحكومة مناصفة بين المعتدلين والوطنيين ضمن إطار التعاون بين جميع مكونات‬
‫الشعب إلخماد الثورة السورية الكبرى‪ ]8[،‬وقد شارك في استشارات تشكيل الحكومة‪ ،‬جميع األطراف وكان من‬
‫الزعماء الوطنيين الذين ساهموا في تشكيل هذه الحكومة سعد هللا الجابري وحسني البرازي ومن المعتدلين شاكر‬
‫الشعباني‪[.‬‬
‫برنامج ا من عشر نقاط قال أن حكومته ستسعى لتحقيقه‪،‬‬
‫ً‬ ‫أقر المجلس برئاسة نامي‪،‬‬‫خالل أول اجتماع للحكومة‪ّ ،‬‬
‫وشمل البرنامج الذي اتفق عليه مع دي جوفنيل‪ ،‬الدعوة النتخابات جمعية تأسيسية لوضع دستور للبالد‪ ،‬وتحويل‬
‫االنتداب إلى معاهدة بين سوريا وفرنسا مدتها ثالثين عا ًم ا كما هو الحال بين بريطانيا والعراق‪ ،‬وتحقيق وحدة البالد‬
‫السور ّي ة‪ ،‬إلى جانب تاليف جيش وطني وضم سوريا لمنظمة عصبة األمم وإعطائها حق التمثيل السياسي الخارجي‪،‬‬
‫فضالً إن إصالح النظام النقدي وتوحيد النظام القضائي‪ ،‬بما فيه إالء المحاكم االستثنائية والمختلطة‪ ،‬وإصدار عفو عام‬
‫تو جه في أعقاب االجتماع األول‪ ،‬رئيس الدولة بخطاب إلى الشعب‬ ‫عن الثوار والتويعض عن منكوبي الثورة‪ ]9[.‬وقو ّ‬
‫عبر إذاعة دمشق أعلن فيه هذه النقاط العشرة‪ .‬وكذلك‪ ،‬انتهج نامي سياسة التقرب من الوطنيين‪ ،‬وقام بإقالة مدير‬
‫نظر ا لتورطه في تعذيب وقتل عشرات السوريين خالل قمع الثورة السورية‪ ،‬وقد‬ ‫األمن العام الفرنسي الجنرال بيجان‪ً ،‬‬
‫أمرا‬
‫وافق الجنرال جوفنيل على ذلك‪ ،‬إال أن بيجان لم يحاكم بل نقل إلى أفريقيا؛[‪ ]10‬كذلك فقد أصدر أحمد نامي ً‬
‫بإخالء سبيل كل من كان معتقالً دون مذكرة رسمية تصدر من القضاء السوري‪ ،‬وكان لهذه التدابير أثر في تنامي‬
‫عفوا عا ًما لكن المفوض الفرنسي رفض‪ ،‬وقال إن‬‫ضا أن يصدر ً‬ ‫شعبية الرئيس وثقة الشعب به‪ ]10[.‬أراد نامي أي ً‬
‫عفوا عا ًما صدر تحت "ضغط ثوري"‪ ]10[،‬إال أن نامي‪ ،‬وتحقي ًقا لما وعد الشعب به‪ ،‬أصدر‬ ‫السلطة الفرنسية ال تقبل ً‬
‫قرار ا بإلغاء المحاكم االستثنائية التي شكلت خالل الثورة على أن تنظر المحاكم العادية بالقضايا المعروضة أمامها‪.‬‬
‫ً‬
‫الزيارات الداخلية‬

‫إلى جابن الزيارات الدائمة والمتكررة إلى بيروت بحكم كونها مقر المفوضية العليا لفرنسا في الشرق‪ ،‬فإنه من األمور‬
‫وبناء على اتفاق مسبق مع دي جوفنيل‪ ،‬ببدء جولة على الداخل‬
‫ً‬ ‫الهامة التي قام بها نامي في ‪ 1‬أغسطس ‪1926‬‬
‫السوري‪ ،‬هي األولى لحاكم سوري على البالد من قرون باستثناء زيارة فيصل األول القصيرة لحلب وحمص في يونيو‬
‫بحرا إلى إسكندرونة‪ ،‬وبحسب‬
‫‪ ] 11[.1919‬وقد توجه الرئيس إلى بيروت حيث التقى دي جوفنيل‪ ،‬ومنها انتقل ً‬
‫وزيرا للعدل حينها ومراف ًقا لنامي في جولته فإن "االحتفاالت التي أقيمت في كل من‬
‫ً‬ ‫يوسف الحكيم الذي كان‬
‫اسكندرونة وأنطاكية على شرف رئيس الدولة بلغت حد الروعة"‪ ]11[،‬وقد شارك فيها على قدم سواء العرب‬
‫يمر بها الموكب هاتفين‬
‫واألتراك واألرمن واألكراد وهم مكونات اللواء األربعة‪ ،‬وكانوا يجتمعون على الطرقات التي ّ‬
‫بحياة رئيس الدولة‪]11[.‬‬

‫مكث الرئيس في اسكندرونة يومين‪ ،‬وألقى فيها خطا ًب ا أكد خالله على وحدة البالد السورية ورغبته بوضع دستور‬
‫جديد للبالد على قاعدة الالمركزية الواسعة ومنح جميع المكونات كامل حقوقها‪ ،‬وأكد أن فرنسا ال تريد مصادرة حرية‬
‫ضا‪ ،‬ومنها نحو حلب حيث "فاقت‬ ‫الشعوب بل باألحرى مساعدتها‪ ]12[،‬ومنها انتقل إلى أنطاكية حيث مكث يومين أي ً‬
‫المفوض الفرنسي السامي في‬
‫ّ‬ ‫االحتفاالت ما القاه في اسكندرونة"‪ ،‬وفيها ركب الرئيس نامي سيارة مفتوحة وبقربه‬
‫حلب‪ ،‬وح ّي ا الجماهير المحتشدة في شوارع المدينة‪ ،‬وقد حل ّ الرئيس في فندق البارون واستمرت زيارته أسبو ًعا‬
‫كامالً‪ ،‬توجه بعدها إلى حماه وحمص‪ ،‬قبل أن يعود إلى دمشق‪]13[.‬‬

‫عمو ًما لم تكن الثورة قد خمدت تما ًم ا بعد‪ ،‬فبعيد عودة نامي إلى دمشق من حمص‪ ،‬اغتيال محافظها فوزي الملكي‬
‫أيض ا‪ ،‬وبنتيجة التحقيق اكتشف أن خيرو أبو شهال أحد ثوار غوطة‬
‫لوقوفه إلى جانب االنتداب‪ ،‬واتهم نامي بالمثل ً‬
‫حمص‪ ،‬من اغتال المحافظ‪ ،‬وحكم عليه باإلعدام كما فرضت دية قدرها ثالثة آالف ليرة ذهبية عثمانية على أهل‬
‫حمص‪ ،‬تدفع لورثة المحافظ‬
‫استعادة إسكندرونة ومحاولة استعادة الالذقية‬

‫بعد زيارة رئيس الدولة الناجحة للشمال السوري‪ ،‬وعرض موضوع الزيارة في مجلس الوزراء‪ ،‬قرر المجلس تكليف‬
‫وزير العدل يوسف الحكيم ووزير المالية شاكر الشعباني بمهمة التوجه إلى إسكندرونة للتباحث حول موضوع إعادة‬
‫ربط اللواء بسوريا وكان حينها دولة مستقلة تحكم مباشرة من قبل حاكم عسكري فرنسي‪ ،‬وكان النامي قد أخذ موافقة‬
‫مسبقة من دي جوفنيل في مسعاه‪ ] 15[.‬سافر الوفد الرئاسي إلى حلب ومنها إلى اسكندرونة حيث جرى التباحث بعدة‬
‫مواضيع‪ ،‬منها الحفاظ على االستقالل المالي واإلداري وفق قاعدة الالمركزية اإلدارية إلى جانب منح كامل حقوق‬
‫مختلف مكونات اللواء من عرب وأتراك وأرمن وأكراد‪ ،‬كما تمت الموافقة على الحفاظ على اسكندرونة عاصمة‬
‫نظرا ألهمية موقع اسكندرونة‪ .‬استقبل‬
‫للواء‪ ،‬رغم مطالبات األهالي بإعادة المركز إلى أنطاكية العاصمة التاريخية‪ً ،‬‬
‫العرب واألرمن بمزيد من السرور‪ ،‬نبأت استرجاع اللواء الذي كان تاريخ ًيا من ملحقات والية حلب ولم يعترض سوى‬
‫بعض األتراك رغم كونهم أقلية داخل اللواء نفسه‪ ] 16[،‬وفي اليوم الثاني اجتمع المجلس التمثيلي لدولة اسكندرونة‪،‬‬
‫وهو برلمان الدولة وأقر رسم ًيا االنضمام للدولة السور ّي ة‪ ،‬كما أقره في الحفل نفسه إبراهيم األدهم محافظ اللواء‬
‫جزءا من الدولة السورية‪ .‬إال أن فرنسا عادت‬
‫ً‬ ‫ورئيس بلدية اسكندرونة الجنرال فيليبي وبذلك أصبحت اسكندرون‬
‫ففصلت اللواء عام ‪ 1932‬معيدة إياه دولة مستقلة‪ ،‬ثم وافقت على ضمه إلى تركيا رغم كون أكثرية سكانه من العرب‬
‫عام ‪ 1939‬كجائزة ترضية لتحييد تركيا في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وبالتالي فقدت سوريا‪ ،‬أحد أهم إنجازات عهد‬
‫أحمد نامي‪]17[.‬‬

‫في الفترة ذاتها التي تمت بها استعادة سكندرونة‪ ،‬وخالل زيارته إلى بيروت عرض الرئيس مشروع إعادة دولة جبل‬
‫أيضا‪ ] 18[،‬لقاء الحفاظ على االستقالل اإلداري والمالي للبالد‪ ،‬وحصول العلويين على كامل‬
‫العلويين إلى سوريا ً‬
‫نظر ا ألنهم كانوا محرومين من أغلب تلك الحقوق خالل العهد العثماني‪ ]18[.‬وقد حضر االجتماع وزير‬ ‫حقوقهم‪ً ،‬‬
‫العدل يوسف الحكيم ووزير الداخلية حسني البرازي كما حضره الكولونيل جورج كاترو مدير المصلحة السياسية في‬
‫المفوضية الفرنسية العليا والجنرال شلفر حاكم دولة الجبل العسكري‪ .‬تحجج شفلر بثورة الشيخ صالح العلي في جبال‬
‫الالذقية وقال إن أي انضمام يجب أن يتم بعد تمام تخلص فرنسا من الثورة‪ ،‬ويقول وزير الداخلية حسني البرازي أن‬
‫سبب معارضة شلفر رغم موافقة دي جوفنيل المبدئية وكذلك وقوف أغلب سكان الدولة إلى جانب الوحدة هو عدم‬
‫رغبته بتقليص مهامه من حاكم عسكري إلى مندوب‪.‬‬
‫الحكومة الثانية‬
‫اعتقال الوزراء الوطنيين‬
‫بعد أقل من شهر على تشكيل الحكومة‪ ،‬وقبيل عودة الوفد من إسكندرونة كانت السلطة العسكرية الفرنسية قد اعتقلت‬
‫ثالث وزراء في الحكومة محسوبين على الخط الوطني وهم حسني البرازي وزير الداخلية وفارس الخوري وزير‬
‫المعارف ولطفي الحفار وزير األشغال العامة‪ ] 19[،‬ولم تبرر السلطة الفرنسية سبب االعتقال كما لم يصدر أي بيان‬
‫عن دار الرئاسة ما أدى إلى استياء شعبي كبير خاصة في حماه وحمص‪]19[.‬‬

‫أبلغ الرئيس نامي الجنرال فرانسوا بيير أليب الحاكم العسكري في سوريا نيته االستقالة ما لم يتم إطالق سراح‬
‫الوزراء‪ ،‬فبرر القرار بكون البالد تحت األحكام العرفية نتيجة الثورة السورية الكبرى‪ ،‬ثم قبل نفي الوزراء إلى‬
‫الحسكة شمالي سوريا؛[‪ ]20‬في اليوم التالي نشرت الصحف بيا ًن ا لرئيس الدولة أوضح فيه التطورات وقال أن نفي‬
‫الوزراء جاء بعد دعمهم للثوار وحضهم على متابعة "األعمال العدائية ضد فرنسا" ومدهم بالمال والسالح‪ ،‬بغضون‬
‫ذلك ساقت العالقات جدً ا بين الرئيس والجنرال أليب الذي بعث بمراسيم تشكيل حكومة ثانية برئاسة نامي إلمضائها‪،‬‬
‫فقبل الرئيس تحت الضغط‪ ،‬وبالتالي تشكلت الحكومة الثانية "من الوجوه المعتدلة بالكامل"‬
‫تبعات االعتقال‬
‫أراد الرئيس تلطيف األجواء بإصدار عفو عام‪ ،‬لكن دي جوفنيل قال أن العفو لن يصدر ما لم يقم الثوار بوقف األعمال‬
‫العدائية‪ ،‬ولهذه المناسبة وجه الرئيس نامي خطا ًب ا للشعب دعا فيه الثوار لوقف األعمال العدائية ضد فرنسا خالل أربع‬
‫أيام إلصدار عفو يمهد لرفع حالة الطوارئ وإعالن الوحدة السورية واالستقالل كما هو متفق عليه مع المفوض‬
‫أيضا لتلطيف النفي على الوزراء‪ ،‬وتوسط لدى‬‫السامي غير أن دعوته لم تلق آذا ًنا صاغية‪ ]22[.‬سعى الرئيس ً‬
‫الفرنسيين لنقلهم من الحسكة إلى جبل لبنان وهو ما تم العمل به؛ جرى ذلك خالل زيارة ثانية قام بها الرئيس إلى كل‬
‫من حلب وأنطاكية للتأكيد على وحدة البالد‪]22[.‬‬

‫االنقسام الحكومي‬

‫يروي يوسف الحكيم أنه بينما كان الرئيس في حلب كان وزير الداخلية وائق العظم يتآمر مع الفرنسيين لإلطاحة‬
‫س ا للدولة‪ .‬كان العظم يسعى للتعاون مع بيير أليب لجمع تواقيع من وجهاء وكبار‬ ‫بالرئيس لقاء تعيين العظم نفسه رئي ً‬
‫سا‪ ،‬تمهيدً ا لرفعها إلى المفوضية الفرنسية العليا في بيروت‪،‬‬
‫موظفي دمشق تدعو إلى إقالة نامي وتطالب بالعظم رئي ً‬
‫وقد استند الوزير العظم في دعواه إلى كون نامي "شركسي العرق بينما أغلب السوريون عرب‪ ،‬ومن مواليد بيروت‬
‫أي أنه لبناني الوطن ال سوريه"‪ ] 22[.‬غير أن الدعوة لم تلق دعم كبار موظفي الدولة ولم يتحمس لها الفرنسيون‬
‫كما لم يعلم بها الرئيس حينها‪ .‬إال أن عالقته مع الجنرال أليب نتيجة تدخله بشؤون اإلدارة الداخلية في البالد‪ ،‬بلغت‬
‫نظرا لكون دي جوفنيل في فرنسا‪ ،‬وقد‬ ‫حدً ا دفعته لمغادرة حلب نحو بيروت عن طريق حمص للقاء الجنرال كاترو ً‬
‫خ ّي ر نامي الفرنسييين بين نقل أليب أو استقالته هو‪ ،‬وفي غضون ذلك اتفق العظم مع ثالثة وزراء آخرين ‪ -‬أي أربع‬
‫وزراء من أصل ستة ‪ -‬على مقاطعة الرئيس‪ ] 23[.‬غير أن اثنان من الوزراء قد عادا عن الخطة‪ ،‬وقد لبثت العالقات‬
‫بين القصر ووزارة الداخلية معلقة‪ ،‬وهذا االنقسام الحكومي أدى إلى تفجير الحكومة من الداخل بعد أربع أشهر فقط‬
‫مفوض فرنس ًيا سام ًيا جدي ًدا‪ ،‬طلب بونسو من الرئيس في‬
‫ً‬ ‫من تشكيلها؛ فبعد استقالة دي جوفنيل وتعيين هنري بونسو‬
‫‪ 12‬أكتوبر ‪ 1926‬تشكيل حكومته الثالثة مطل ًقا يده في تشكيلها‪.‬‬

‫الحكومة الثالثة‬
‫تشكيل الحكومة‬

‫بعد عودة الرئيس من بيروت شرع في استشارة األطراف السياسية تشكيل حكومته الثالثة‪ ،‬ولهذه المناسبة قرر نامي‬
‫الفصل بين مهام رئيس الدولة ورئيس الوزراء‪ ،‬بحيث يعهد إلحدى الشخصيات رئاسة الوزارة مع احتفاظه برئاسة‬
‫الدولة لتخفيف الضغط عليه‪ ] 24[.‬استدعى نامي وزير العدل يوسف الحكيم وكلفه تشكيل الحكومة وهو مسيحي ومن‬
‫الالذقية‪ ،‬غير أن الحكيم اعتذر عن قبول التكليف ألسباب شخصية وعائلية‪ ]24[،‬واقترح على الرئيس أن يكلف عطا‬
‫وأخيرا كلّف هاشم األتاسي‪ ،‬رئيس الكتلة‬
‫ً‬ ‫األيوبي رئاسة الوزارة‪ ،‬إال أن األيوبي اعتذر مبي ًنا تدهور حالته الصحية‪،‬‬
‫الوطنية غير أنه اعتذر مبي ًن ا أن قبوله المنصب سيؤدي إلى انشقاقات في صفوف الكتلة‪ ]24[.‬وبنتيجة ذلك قرر‬
‫الرئيس أن يرأس الحكومة نفسه‪ ،‬وقد خلت التشكيلة من أي وجوه االنقسام في الحكومة السابقة ولم يحتفظ سوى‬
‫الوزيرين الحكيم والحنبلي بحقائبهما من الحكومة السابعة‪ .‬وقد صدرت مراسيم تشكيل الحكومة من قصر الداماد‬
‫الخاص في بيروت بعد تباحثه مع هنري بونسو في مقر قيادة المفوضية العليا في الشرق‪.‬‬

‫تسويف فرنسا‬

‫أراد الرئيس تسريع العمل في إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية لوضع دستور للبالد‪ ،‬غير أن بونسو رفض خو ًفا من‬
‫فوز الكتلة الوطنية في االنتخابات‪ ،‬وطلب مهلة ثالث أشهر للتباحث في الموضوع ثم لم تثر هذه القضية محددًا‪ ،‬غير‬
‫أن الرئيس نهج في إقناع بونسو إنهاء مهمة فرانسوا أليب في سوريا والذي استدعي إلى فرنسا بعيد تشكيل الحكومة‬
‫ض ا إعادة إثارة موضوع ضم الالذقية لكنه فشل‪ ،‬وطال عهد الحكومة الثالثة لما يفوق‬
‫الثالثة‪ ]25[.‬أراد الرئيس أي ً‬
‫العام‪ ،‬وأغلب الملفات الكبرى مجمدة لذلك لجأ الرئيس إلى التلويح لالستقالة بد ًءا من يناير ‪ ،1928‬حين طلب صراحة‬
‫الدعوة النتخابات جمعية تأسيسية وإصدار عفو عام وف ًقا لالتفاق مع دي جوفنيل عام ‪ ]26[.1926‬إبان ذلك كثر‬
‫الحديث في األوساط السياسية عن تنامي دور الشيخ تاج الدين الحسني في السياسة والسعي لتكليفه رئاسة الوزراءة‬
‫نظر ا لعالقته الجيدة مع رجال الكتلة من ناحية والسلطة الفرنسية من ناحية ثانية‪ ،‬وقد عرف عنه‬
‫على أقل تقدير‪ً ،‬‬
‫صداقته مع الجنرال كوليه مدير المخابرات الفرنسية في دمشق‪.‬‬
‫استقالة الرئيس‬

‫ربما فإن فرنسا كانت تدرك تنامي معارضة الداخل السوري ألحمد نامي‪ ،‬لذلك لم تنفذ مطالبه باالنتخابات العامة‪ ،‬فإلى‬
‫جانب المعارضة التي رأسها الشيخ التاج والمعارضة الدائمة من قبل آل العظم منذ تشكيل الحكومة الثالثة‪ ،‬كان‬
‫ابراهيم هنانو وهاشم األتاسي قد استدعيا إلى بيروت للتشاور حول حلول "مرضية آلمال األمة السورية" في مطلع‬
‫فسر على أنه تعاون وثيق مع معارض الرئيس وقرب سقوطه‪]26[.‬‬ ‫فبراير ‪ .1928‬ما ّ‬

‫في ‪ 2‬فبراير اجتمعت الحكومة في دمشق من دون رئيسها‪ ،‬الذي كان في بيروت بعد وفاة والدته‪ ،‬وقررت استقالة‬
‫جماعية لجميع الوزراء ر ًد ا على مماطلة فرنسا ودعمها معارضي الرئيس من جهة ثانية‪ ،‬غير أنه بنا ًء على طلب‬
‫الرئيس لم ينشر القرار‪ ،‬بينما علمت الصحافة أن حقي العظم وبديع مؤيد العظم قد استدعيا بدورهما إلى بيروت‬
‫وكالهما من كبار معارضي الرئيس‪ ]27[.‬في ‪ 10‬فبراير أعلن فشل المفاوضات بين فرنسا وهنانو واألتاسي ممثلي‬
‫الكتلة الوطنية‪ ،‬لرفض بونسو الدعوة النتخابات جمعية تأسيسية ومن ثم المضي قد ًما في توحيد سوريا‪ ،‬وردًا على‬
‫ذلك شهدت دمشق وحلب مظاهرات حاشدة منددة باالنتداب‪ ،‬قام الرئيس على إثرها بإضافة استقالته إلى استقالة‬
‫الوزراء ورفعها إلى المفوضية العليا‪ ،‬التي قبلتها وكلفت الشيخ تاج الدين الحسني مهام الرئاسة في ‪ 14‬فبراير‬
‫‪]28[.1928‬‬

‫بعد الرئاسة‬

‫بين عامي ‪ 1926‬وحتى سن دستور وانتخاب رئيس عام ‪ 1932‬كان الحديث يدور في سوريا حول إمكانية إعالن‬
‫النظام الملكي الدستوري وقد تعدد المرشحون بين عودة فيصل األول ملك العراق جام ًعا بين التاجين‪ ،‬أو تكليف‬
‫خديوي مصر المخلوع عباس حلمي الثاني شؤون التاج‪ ،‬أو الشريف علي حيدر من ساللة الشريف حسين أو أحد‬
‫أقارب ملك األردن عبد هللا األول‪ ،‬وكذلك فقد كان شكري القوتلي يميل إلسناد التاج المقترح إنشاءه إلى أحد أبناء عبد‬
‫العزيز بن عبد الرحمن آل سعود‪ ،‬وقد تم تداول اسم الداماد كأحد األسماء المحتملة حسب السياسيين والصحفيين‬
‫المفوض الفرنسي هنري بونسو وعشية‬ ‫ّ‬ ‫السوريين‪ ]29[،‬وقد كشف يوسف الحكيم في مذكراته عن تلك الحقبة أن‬
‫صرح لنامي بأنه يود تتويجه مل ًك ا على سوريا‪ ،‬وقال أن المفوض طلب من نامي البقاء على الحياد‪،‬‬ ‫قبول االستقالة ّ‬
‫لكي يكسب ثقة جميع األطراف المتصارعة في الحياة السياسية‪]30[.‬‬

‫سا ساب ًقا للدولة‪ ،‬إال أن المجلس حل ّ بعد‬


‫في ديسمبر ‪ 1931‬نال عضوية المجلس االستشاري السوري بوصفه رئي ً‬
‫جلسته األولى‪ ]31[.‬وعندما نظمت انتخابات نيابية عام ‪ 1932‬رفض أحمد نامي ترشيح نفسه رغم الضغوط التي‬
‫مورست عليه‪ ،‬وفضل االبتعاد عن االنقسام الحاصل بين "المعتدلين" و"الوطنيين" خالل تلك الفترة‪ ،‬ودعم محمد‬
‫علي العابد الذي سيغدو رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫خالل الحرب العالمية الثانية وبعد تحرر سوريا من حكومة فيشي استدعى الجنرال دانتز الرئيس نامي وكلفه رئاسة‬
‫الدولة السورية في يناير ‪ ، 1941‬فقبل نامي المنصب‪ ،‬غير أنه وخالل إعالم سياسي دمشق القرار ترأس خالد العظم‬
‫‪ -‬الطامح للمنصب ‪ -‬معارضة قوية للقرار بحجة أن الدماد قضى أغلب وقته في بيروت منذ استقالته عام ‪،1928‬‬
‫ودعم العظم عدد من رجال الكتلة الوطنية‪ ،‬ولم تكن فرنسا الحرة حينها في وارد إفساد العالقة مع الكتلة الوطنية خالل‬
‫الحرب‪ ،‬فاعتذرت عن تكليف الداماد وع ّينت خالد الظعم في المنصب يوم ‪ 3‬أبريل ‪ ،1941‬كما نقل يوسف الحكيم‪[.‬‬
‫‪ ]32‬وبذلك فإن الرئيس نامي منذ استقالته وحتى وفاته عام ‪ 1963‬لم يمارس فعل ًيا أي نشاط سياسي في سوريا‪،‬‬
‫وعندما توفي دفن في مقبرة العائلة في بيروت‪ ،‬عل ًما أنه الوحيد من العرق الشركسي الذي حكم سوريا‪.‬‬

‫‪ -7‬تاج الدين الحسني‬


‫(‪ )1943 - 1885‬هو ثالث رئيس للدولة السورية بين ‪ 15‬فبراير ‪ 1928‬و‪ 9‬نوفمبر ‪ 1931‬ورئيس ورزاء سوريا‬
‫بعد إعالن النظام الجمهوري بين ‪ 16‬مارس ‪ 1934‬و‪ 22‬فبراير ‪ ،1936‬ورئيس الجمهورية بالتعيين بين ‪16‬‬
‫سبتمبر ‪ 1941‬و‪ 17‬يناير ‪ ، 1943‬وسابع حاكم سوريا بعد زوال الدولة العثمانية؛ كما أنه رجل الدين الوحيد الذي‬
‫شغل مناصب رفيعة في الدولة السور ّية‪ ،‬إذ كان والده مفت ًيا وعال ًما مرمو ًقا في دمشق أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وكان الحسني نفسه قاض ًيا شرع ًيا في دمشق‪ ،‬عندما ت ّم تكليفه رئاسة الدولة‪ُ .‬عرف بقربه من فرنسا وبصداقته مع‬
‫مفوضيها في سوريا‪ ] 1[،‬وبنوع خاص مع شارل ديغول خالل األربعينيات وخالل رئاسته الثانية أعلن في يونيو‬
‫‪ 1941‬االستقالل الثاني‪ ]2[،‬ويشار إلى أ ّن ه وصف "عدو هللا" في المظاهرات التي جابت سوريا مطالبة باالستقالل‬
‫صرح فارس الخوري أحد أركان الكتلة الوطنية بأنّ الشيخ التاج "زعيم‬ ‫وزوال االنتداب الفرنسي‪ ]3[،‬رغم ذلك فقد ّ‬
‫وطني"‪ ]4[.‬توفي خالل رئاسته الثانية في ‪ 17‬يناير ‪ 1943‬وبذلك يكون أول رئيس دولة سوري‪ ،‬يموت خالل‬
‫ممارسته لسلطته‪ .‬وإلى جانب نشاطه السياسي‪ ،‬فله أربعين مؤل ًفا‪]5[.‬‬

‫ورغم كونه ووالده من مواليد دمشق‪ ،‬إال أن جذور عائلته تعود لمراكش في المغرب‪.‬‬

‫حياته‬

‫سا للطالب الشباب‬ ‫درس الحسني الفقه اإلسالمي على يد والده‪ ،‬ثم أصبح عام ‪ 1905‬مساع ًدا شخص ًيا له‪ ،‬وكذلك مدر ً‬
‫مدرسا للعلوم الدينية في المدرسة السلطانية بدمشق ثم‬‫ً‬ ‫يخص حسن السلوك والفكر‪ .‬في عام ‪ 1912‬أصبح‬ ‫ّ‬ ‫فيما‬
‫عضو ا في لجنة مستحدثة من قبل بلدية دمشق إلصالح المدارس‪ ]6[.‬وفي عام ‪ 1916‬أصبح المحرر العام لصحيفة‬ ‫ً‬
‫الشرق‪ ،‬التي كان ينشرها جمال باشا الملقب "بالس ّفاح" حين كان حاك ًما عسكر ًيا عا ًما على بالد الشام‪ ]5[،‬وعندما‬
‫عضو ا في المؤتمر السوري العام‪ ،‬ونسج عن طريق والده عالقات مع‬ ‫ً‬ ‫انتهت الحرب العالمية األولى عام‪ 1918 ‬غدا‬
‫ملك المملكة السورية العربية فيصل األول‪ ،‬وشرح ظروف واحتياجات المدارس الشرعية في البالد‪ ،‬ويقال أن الملك قد‬
‫مديرا لقصره الملكي وكذلك‬
‫ً‬ ‫أعجب ببالغة الحسني وفصاحته‪ ،‬وعينه بعيد إعالن االستقالل األول في مارس ‪1920‬‬
‫وعضوا في مجلس الشورى‪ ]6[.‬بعد معركة ميسلون وسقوط المملكة السورية العربية‬ ‫ً‬ ‫عضوا في محكمة التمييز‬‫ً‬
‫ونفي فيصل غادر الحسني دمشق إلى باريس‪ ،‬وفيها أنشأ عالقات وثيقة مع بعض الساسة وحصل على دعمهم‪،‬‬
‫ومذاك بدأ تمهيد الطريق أمامه للولوج في الحياة السياسية السور ّية‪.‬‬
‫سنوات السلطة‬
‫قبل إقالة صبحي بركات عام ‪ 1925‬كان المفوض الفرنسي موريس سراي قد طلب من الحسني تشكيل الحكومة‬
‫ورئاسة الدولة خالل فترة بالغة االضطراب في البالد بنتيجة تعاظم الثورة السورية الكبرى‪ ،‬غير أن الحسني فشل في‬
‫خلق تشكيلة مناسبة فاعتذر عن المنصب‪ ،‬وفي فبراير ‪ 1926‬أخضعت البالد للحكم الفرنسي المباشر تحت قيادة‬
‫المقرب بدوره لالنتداب رئاسة الدولة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجنرال فرانسوا بيير أليب وذلك حتى مايو ‪ 1926‬حين ت ّم تكليف أحمد نامي‪،‬‬
‫ّ‬
‫بعد استقالة أحمد نامي في ‪ 15‬فبراير ‪ 1928‬كلف الحسني تشكيل الحكومة ورئاسة الدولة السورية‪ ،‬فشكل حكومته‬
‫األولى من وجوه بارزة من أمثال محمد كرد علي والمحامي سعيد محاسن وجميل اآللشي رئيس الوزراء السابق‪،‬‬
‫عمو ًم ا فقد نالت حكومته معارضة قوية من قبل الوطنيين الممثلين "بحزب الشعب" و"حزب االستقالل" (وقد دعيا‬
‫الح ًق ا "الكتلة الوطنية")‪ ،‬وبالرغم من هذه االنتقادات فقد استطاع الحسني النجاح حيث فشل سابقه أحمد نامي‬
‫فأجريت في عهده انتخابات عامة لجمعية تأسيسية وضعت أول دستور لسوريا غير أنه لم ينشر حتى ‪ .1931‬نسج‬
‫مرشحا على‬
‫ً‬ ‫الحسني عالقات ود ّي ة مع أطراف الكتلة الوطنية‪ ،‬حتى رشحوه على قائمتهم عام ‪ 1928‬إلى جانب كونه‬
‫قائمة المعتدلين‪ ،‬ففاز مقعده بالتزكية‪ ،‬كذلك فقد شهدت بداية عهده إعالن عفو عام عن جميع المتورطين بأحداث‬
‫عنف ضد الفرنسيين خالل الثورة السورية الكبرى التي تمكنت فرنسا من قمعها عام ‪ ،1927‬ولم يستثن من اإلعفاء‬
‫سوى سبعين شخصية وطنية بارزة منهم سلطان باشا األطرش‪ ،‬ما دفع الشعب لنعته "العفو األعرج"‪ ]2[.‬كذلك فقد‬
‫قرار ا بإلغاء الرقابة على الصحافة‪ ،‬وأقنع بونسو بالدعوة النتخابات الجمعية التأسيسية فجرت‬ ‫ً‬ ‫أصدر في ‪ 17‬فبراير‬
‫عضوا يرأسهم هاشم األتاسي خمسة عشر‬ ‫ً‬ ‫في ‪ 10‬أبريل و‪ 25‬أبريل‪ ]7[،‬وقد عقدت هذه الجمعية المكونة من ‪68‬‬
‫اجتماعا بين ‪ 28‬يونيو حيث افتتحت أعمالها وحتى ‪ 11‬أغسطس بعد أن أنهت صياغة الدستور‪ ،‬لكن المفوض‬ ‫ً‬
‫الفرنسي رفض نشره بحجة أنه مخالف لميثاق االنتداب‪ ،‬وبعد رد وأخذ ومظاهرات ودعوات إلطالق الثورة السورية‬
‫الكبرى من جديد تم نشر الدستور في ‪ 14‬مايو ‪ ،1930‬ومع ذلك لم يدع بونسو النتخابات نيابية عمالً بالدستور‬
‫وأحكامه‪ ،‬فأجج ذلك المظاهرات واالحتجاجات‪ ،‬وكان ذلك سب ًبا في استقالة حكومة الحسني األولى في ‪ 16‬نوفمبر‬
‫‪]8[.1931‬‬
‫تشكلت حكومة جديدة موالية لالنتداب برئاسة جميل األلشي‪ ،‬ونظمت االنتخابات في أبريل ‪ ،1932‬وهو ما أفضى في‬
‫يونيو ‪ 1932‬النتخاب محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية‪ .‬عمو ًما فإن فرنسا قد تالعبت بنتائج‬
‫االنتخابات النيابية التي حدثت في يناير ‪ 1932‬بحيث لم يتمكن ال الوطنيون وال االنتدابيون من تشكيل الحكومة‬
‫بمفردهم‪ ،‬وتم اللجوء إلى الصيغ الوسطى‪ .‬وفي ‪ 17‬مايو ‪ 1933‬استقالة ثاني حكومات العهد الجديد التي رأسها‬
‫حقي بيك العظم وكلّ ف الحسني تشكيل الحكومة‪ ،‬في وقت حرج من تاريخ سوريا حيث لم تتوقف المظاهرات المنددة‬
‫باالنتداب بل على العكس تأججت منذ نوفمبر حين أعلن بونسو حل دورة مجلس النواب بعد رفضه التصديق على‬
‫معاهدة السلم والصداقة مع فرنسا‪ ]9[.‬غير أن االضرابات تصاعدت العصيان المدني حل بد ًءا من ذكرى أربعين‬
‫إبراهيم هنانو‪ ،‬حيث أعلن فارس الخوري "الميثاق الوطني لالستقالل" من مدرج الجامعة السورية‪ ،‬وكرد على ذلك‬
‫أغلقت الحكومة مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وحلب ومدن أخرى‪ ،‬واعتقلت عددً ا من القادة من أمثال فخري‬
‫البارودي وسعد هللا الجابري ووضعت آخرين منهم شكري القوتلي قيد اإلقامة الجبرية‪ ،‬فرد الشعب بإضراب عام دام‬
‫ستين يو ًما في دمشق ومدن أخرى وامتدّ من سوريا نحو لبنان‪ ،‬وكان من نتيجته انتشار الجيش الفرنسي في شوارع‬
‫المدن الكبرى‪ ،‬مع تهديد بقصف دمشق كما حصل عام ‪ .1925‬وساهمت الظروف اإلقليمية على حشد دعم من‬
‫بريطانيا فاضطر المفوض الفرنسي لقاء رئيس الكتلة الوطنية هاشم األتاسي مع بداية فبراير ‪ 1936‬واتفقا على‬
‫تشكيل حكومة جديدة والعمل إلبرام معاهدة جديدة مع فرنسا‪ ،‬وبنتيجة هذا االتفاق استقالة حكومة التاج الثانية في ‪23‬‬
‫فبراير ‪ ] 10[.1936‬بعد استقالته ترك الحسني سوريا وانتقل إلى فرنسا وأقام فيها حتى بداية الحرب العالمية الثانية‬
‫عام ‪ 1939‬حين قفل راج ًعا إلى دمشق‪.‬‬

‫سنواته األخيرة‬
‫عام ‪ 1941‬كانت البالد تعاني من اضطرابات عنيفة بنتيجة الحرب العالمية الثانية وما رافقها‪ ،‬فضالً عن احتجاجات‬
‫أخرى أثارها قانون األحوال الشخصية‪ .‬بعد الفشل في إقناع هاشم األتاسي من االستقالة‪ ،‬قرر الفرنسيون تعليق العمل‬
‫بالدستور والقدوم بحكومة على رأسها تاج الدين الحسني بمنصب رئيس جمهورية لتدبير األوضاع مؤق ًتا‪ ،‬كان من‬
‫ض ا تدبير األموال اللزامة لتمويل المجهود الحربي لفرنسا في سوريا‪ ،‬وفي سبيل ذلك عمد‬ ‫مهام هذه الحكومة أي ً‬
‫الحسني إلى رفع الضرائب ورفع سعر الخبز وغيره من المواد األساسية‪ ،‬وبالتالي تنامى الحنق عليه في المناطق‬
‫الفقيرة في سوريا‪ ،‬وكمكافأة له عن األموال التي مول عن طريقها الجيوش الفرنس ّية أعلن الفرنسيون ض ّم دولة جبل‬
‫الدروز ودولة جبل العلويين مجددً ا إلى الدولة السورية‪ ،‬بعد أن كان ذلك أحد أبرز مطالب الحركة الوطنية السورية‪،‬‬
‫وقد تحقق عام ‪ 1936‬بعيد االتفاقية مع فرنسا ثم عاد الفرنسيون وحنثوا باالتفاق وفصلوا الدولتين‪ ،‬وربما كان هذا‬
‫اإلعالن مقابل سماح الحكومة السورية لفرنسا باالحتفاظ بقواعد عسكرية لها في البالد لفتراة طويلة‪ ،‬إلى جانب‬
‫مجموعة من االمتيازات االقتصادية والمالية والسياسية‪ ،‬حاول الحسني معارضة رغبات الفرنسيين الطامعة بالمزيد‬
‫ض ا أن يقنع الفرنسيين بإعادة الحياة البرلمانية‬
‫من االمتيازات‪ ،‬وسعى مذاك إلى مصادقة الكتلة الوطنية‪ ،‬حاول أي ً‬
‫بالدعوة لالنتخابات جديدة‪ ،‬لكن جهوده لم تثمر لدى صانعي القرار الفرنسيين‪]5[.‬‬

‫توفي فجأة بنوبة قلبية في ‪ 17‬يناير ‪ 1943‬وقيل مات مسمو ًم ا وأن بريطانيا قد اغتالته‪ ،‬ويقول منير عجالني أنه‬
‫حاول أن يرسم صورة لنفسه بأنه زعيم وطني حقيقي مبتعدً ا عن سياسة فرنسا لكنه توفي قبل أن تكتمل هذه الصورة‪،‬‬
‫وبذلك كان أول رئيس للدولة السورية يموت أثناء وجوده في منصبه‪.‬‬

‫‪ -8‬محمد علي العابد‬

‫(‪ )1939 - 1867‬هو أول رئيس للجمهورية السورية بين ‪ 11‬يونيو ‪ 1932‬و‪ 21‬ديسمبر ‪ ،1936‬وتاسع حاكم‬
‫لسوريا منذا االستقالل عن الدولة العثمانية‪ ،‬كما أنه أول حاكم لسوريا يتم انتخابه وال يتم تعيينه كما هو متبع منذ‬
‫‪ 1918‬ثم منذ قيام الدولة السورية عام ‪ . 1925‬والده أحمد عزت العابد سياسي سوري شهير زمن الدولة العثمانية‬
‫عمل في بالط عبد الحميد الثاني‪ ،‬وعين في مراتب رفيعة كرئيس محاكم بالد الشام‪ .‬درس العابد في دمشق التي‬
‫سفيرا في الواليات‬
‫ً‬ ‫غادرها طفالً وفي بيروت واسطنبول وباريس‪ ،‬وعمل في وزارة الخارجية العثمانية وع ّين‬
‫المتحدة‪ ،‬وبعد خلع عبد الحميد الثاني لم يعد وعائلته إلى الدولة العثمانية مطل ًقا بل تنقلت العائلة في أرجاء أوروبا‪،‬‬
‫فاستقر العابد في مصر ثم عاد إلى دمشق‪ .‬في سياسته كان العابد محاي ًدا ذو عالقات‬
‫ّ‬ ‫حتى نهاية الحرب العالمية األولى‬
‫جيدة مع موالي االنتداب من ناحية ومع الكتلة الوطنية من ناحية ثانية‪ ،‬وهو ما ساهم في وصوله لمقام الرئاسة في‬
‫‪ 13‬يونيو ‪ ،1932‬وبموجب دستور عام ‪ 1928‬فإن والية الرئيس تمتد لخمسة سنوات‪ ،‬إال أنه استقال عام ‪1936‬‬
‫بداعي السن وتمهيدً ا لتدشين حكم الكتلة الوطنية بعد إقرار المعاهدة السورية الفرنسية لعام ‪1936‬؛ وقد تتالى خالل‬
‫رئاسته أربع حكومات‪.‬‬

‫كان يجيد عدا العربية والتركية كالً من الفرنسية واإلنجليزية والفارسية وعرف عنه ولعه باألدب الفرنسي وبالعلوم‬
‫االقتصادية‪ .‬عائلة "العابد" من عائالت دمشق الغنية والمرموقة‪ ،‬استقرت في دمشق على يد هولو العابد جد والد‬
‫العابد‪ ،‬ويعود نسبه لقبيلة الموالي إحدى قبائل سوريا التي استطونتها إبان العهد العباسي‬
‫حياته‬

‫نشأته‬

‫ولد محمد علي العابد في دمشق عام ‪ 1867‬وتلقى علومه االبتدائية فيها ثم انتقل عام ‪ 1885‬إلى بيروت فأقام بها‬
‫قس ًط ا من الزمن وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده‪ ] 1[،‬وانتقل مع أسرته إلى اسطنبول بعد استدعاء والده إليها‪،‬‬
‫تخرج‬
‫فدخل مدرسة غلطة سراي السلطانية‪ ،‬وبعدما أنهى دراسته الثانوية أوفد إلى باريس حيث درس الحقوق ومنها ّ‬
‫مستشارا قضائ ًي ا لوزارة الخارجية العثمانية‪ ،‬وبفضل نفوذ‬
‫ً‬ ‫عام ‪ ]1[.1905‬بعد تخرجه عاد إلى اسطنبول حيث ع ّين‬
‫والده وقربه من السلطان عبد الحميد الثاني غدا مفوض الدولة العثمانية لدى الواليات المتحدة اإلمريكية‪ ،‬وكان قد‬
‫ترقى في سلّ م المراتب ودرس إلى جانب الحقوق التشريع الروماني والفقه اإلسالمي‪ .‬غير أن عمله كسفير في‬
‫واشنطن لم تطل‪ ،‬فبعيد االنقالب على السلطان عبد الحميد الثاني يوم ‪ 23‬يوليو ‪ 1908‬أنهيت مهامه كسفير‪]2[،‬‬
‫سرا خو ًفا على حياته‪ .‬لم يعد محمد علي إلى الدولة العثمانية‬
‫وكذلك أقيل والده من منصبه في اسطنبول الذي غادرها ً‬
‫بل انتقل من واشنطن إلى كاليفورنيا ثم نحو أوروبا حيث التقى والده وكانا دائما التنقل في سويسرا وفرنسا وإنكلترا‬
‫حتى وضعت الحرب العالمية األولى أوزارها‪ ،‬فانتقال إلى مصر وفيها توفي والده‪ ،‬ثم انتقل العابد إلى دمشق مجد ًدا‬
‫توج‬
‫عام ‪ 1920‬بعيد سقوط المملكة السورية العربية‪ ]2[،‬حيث نسج عالقات جيدة مع قادة االنتداب الفرنسي ما ّ‬
‫وزيرا للمالية في حكومة بركات األولى التي تشكلت في يونيو ‪ ،1922‬وقد تاله في الحكومة التالية التي‬
‫ً‬ ‫بتعيينه‬
‫تشكلت في ‪ 1‬يناير ‪ 1925‬جالل الزهدي‪.‬‬

‫بداية العمل الحكومي‬

‫في ‪ 28‬يونيو ‪ 1922‬تم إعالن االتحاد السوري بين دولة دمشق ودولة حلب ودولة جبل العلويين على أن يكون‬
‫اتحادً ا فيدرال ًي ا كخطوة أولى نحو الوحدة السورية‪ ،‬وقد كان المجلس التأسيسي الذي أنشأه الجنرال هنري غورو‪،‬‬
‫عضو ا خمس عن كل دولة ويشكل المجلس الهيئة التشريعية العليا في البالد‪ ،‬وكان بموجب‬
‫ً‬ ‫مؤلف من خمسة عشر‬
‫ض ا من المفترض أن ينتخب أعضاء المجلس إال أنه تعذر إجراء انتخابات نيابية‬
‫دستور االتحاد الذي نشره غورو أي ً‬
‫حينها‪ ،‬ع ّي ن بنفسه أعضاء المجلس‪ ،‬وكان من بين األعضاء المعينين محمد علي العابد ممثالً عن دمشق‪]3[.‬‬

‫سا لمدة‬‫في اليوم نفسه الذي أعلن فيه االتحاد‪ ،‬التأم المجلس االتحادي في حلب وانتخب باإلجماع صبحي بركات رئي ً‬
‫أيضا‪ ]3[.‬شملت البالد السورية الراحة في أعقاب‬‫عام‪ ،‬وقد ش ّكل بركات حكومته األولى مسندً ا وزارة المالية للعابد ً‬
‫وزيرا للمالية حتى ‪ 1‬يناير ‪ 1925‬وخالل وزارته الطويلة تم‬ ‫ً‬ ‫إعالن االتحاد‪ ،‬وعادت الثقة بالمعتدلين‪ ،‬وقد مكث العابد‬
‫إقرار اتفاقية "مصرف سورية ولبنان الكبير" ليكون بمثابة مصرف سورية المركزي وإصدار الليرة السورية كعملة‬
‫له وذلك في ‪ 1‬أغسطس ‪ 1922‬؛ وعلى الصعيد الشخصي فقد تزوج رئيس االتحاد صبحي بركات بليلى العابد ابنة‬
‫قصير ا وانتهى بالطالق‪ ،‬فانتهت بذلك كما يقول يوسف الحكيم الذي عاصر تلك الفترة‬ ‫ً‬ ‫الوزير‪ ،‬غير أن الزواج كان‬
‫أيضا‪ ،‬قد‬
‫"صالت المودة والصداقة بين الرئيس والوزير"‪ ،‬رغم ذلك فلم يستقل العابد‪ ]4[،‬لكنه وكما يوضح الحكيم ً‬
‫خصوصا رجال الكتلة الوطنية الح ًقا‪ ،‬وكان لهذه الصداقة أثر بالغ في‬
‫ً‬ ‫أصبح منزله ملتقى لجميع معارضي بركات‪،‬‬
‫إيصال العابد لسدة الرئاسة الح ًقا عام ‪ 1932‬كمرشح توافقي بين مختلف األطياف‪.‬‬
‫االنتخابات النيابية‬

‫لم يضطلع العابد بأي عمل سياسي خالل الفترة الممتدة بين عامي ‪ 1925‬و‪ ،1932‬وكفل له خروجه المبكر من‬
‫حكومة بركات عدم خسارة تأييد الكتلة الوطنية وفرنسا في الوقت ذاته‪ ،‬وقضى هذه الفترة كما يذكر يوسف الحكيم في‬
‫أقر الدستور السوري عام ‪ 1931‬قرر العابد الترشح عن المقعد النيابي في دمشق ونال دعم‬ ‫األعمال الخيرية‪ ،‬وعندما ّ‬
‫الرئيس األسبق أحمد نامي ويقول الحكيم أن العابد خالل دعايته االنتخابية‪ ،‬قد نشط أعماله الخيرية فقدم إعانة مالية‬
‫كبيرة لجمعية اإلسعاف الخيرية‪ ،‬وشارك مع رجال المال في تأسيس مصرف وطني‪ ،‬ثم عقد تفاه ًما مع رجال الكتلة‬
‫الوطنية كل ال تتضارب األصوات في دمشق‪ ،‬كما زار المؤسسات الروحية لمختلف طوائف دمشق‪ ،‬مقد ًما في كل زيارة‬
‫صا لقرب األعياد الدينية حينها‪]5[.‬‬‫إعانات مالية لتقوم المساجد والكنائس بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين خصو ً‬

‫ت ّمت االنتخابات في ديسمبر ‪ 1931‬ويناير ‪ 1932‬انتخب العابد نائ ًبا عن دمشق وفق النتائج القطعية التي صدرت في‬
‫‪ 9‬أبريل‪.‬‬

‫رئاسته‪ ‬‬
‫إلي معرفتي لمصلحة بلدي"‬
‫"إني أعمل بما توحيه ّ‬

‫انتخابه‬

‫فوض إليه انتخاب رئيس المجلس وهيئة مكتبه إلى جانب رئيس‬ ‫عقد المجلس النيابي اجتماعه األول في ‪ 7‬يونيو‪ّ ،‬‬
‫الجمهورية والتصديق على نتائج االنتخابات النيابية وتحديد مخصصات النواب‪ ]6[،‬لم يكن العمل الحزبي قو ًيا في‬
‫سوريا ولذلك كان أغلب النواب من المستقلين ومفروزين على أساس مناطقي‪ :‬الكتلة األولى بزعامة صبحي بركات‬
‫وحولها أغلب نواب الشمال المعتدلين‪ ،‬والكتلة الثانية يتزعمها حقي العظم وأغلب نواب الجنوب المعتدلين‪ ،‬في حين‬
‫مرشحا‬
‫ً‬ ‫أن ثالث الكتل هي الكتلة الوطنية المؤلفة من ‪ 17‬نائ ًبا فقط‪ ،‬يترأسها هاشم األتاسي‪ ،‬ولم يكن رئيسها‬
‫للرئاسة‪ ،‬بل كان يفضل العابد كمرشح توافقي‪]6[.‬‬

‫رئيس ا له‪ ،‬ثم جرى انتخاب مكتب المجلس الذي شغله أنصار‬‫ً‬ ‫في ‪ 11‬يونيو اجتمع المجلس وانتخب صبحي بركات‬
‫أيض ا‪ ،‬وأراد الرئيس بركات الشروع بانتخاب الرئيس مباشرة فانسحب نواب الكتلة‪ ،‬ولم يشأ بركات أن يؤجل‬ ‫صبحي ً‬
‫الجلسة لصغر حجم الكتلة النيابية الوطنية فعل ًي ا‪ ،‬غير أن الجنرال فيبر ممثل المفوض الفرنسي في دمشق‪ ،‬أصدر وقبل‬
‫البدء باالنتخاب مرسو ًم ا بتأجيل الجلسة بهدف بلورة اتفاق بين مختلف الكتل النيابية‪ ]7[.‬منح قادة الكتل يومان‬
‫رئيسا في ‪ 13‬يونيو‪ ،‬وكان أول من حمل لقب "رئيس الجمهورية" في‬ ‫ً‬ ‫للتباحث‪ ،‬أفضى التباحث النتخاب العابد‬
‫سوريا‪ ،‬إذ إن من سبقوه س ّم وا رؤساء الدولة لعدم وجود دستور مكتوب لها‪ .‬انتخاب العابد‪ ،‬وقد انتخب انتخب‬
‫بأغلبية ‪ 36‬نائ ًبا من أصل ‪ ، 68‬وبذلك قطع الطريق أمام صبحي بركات الرئيس السابق للدولة‪ ،‬والمرشح الفرنسي‬
‫رئيسا‬
‫ً‬ ‫للمنصب‪ ]8[.‬عمو ًم ا فإن االتفاق الذي عقد ضمن للمعتدلين منصب رئيس المجلس النيابي وانتخب بركات‬
‫للمجلس‪ ،‬كما اتفق أن تكون الحكومة مناصفة بين الكتلة الوطنية والمعتدلين‪ ،‬على أن يشكلها حقي العظم‪]9[.‬‬

‫حكومتي العظم‬

‫أول حكومات عهد العابد شكلها حقي بيك العظم وتألفت من أربع وزراء فقط مناصفة بين الكتلة الوطنية والمعتدلين‬
‫في ‪ 14‬يونيو ونالت ثقة المجلس النيابي في ‪ 6‬أكتوبر ‪1932‬؛ وقد كان عهد هذه الحكومة هادًئ ا ولم يكن هناك من‬
‫يعارض حكم الرئيس العابد خالل العام األول من حكمه سوى القلة‪ ]10[،‬وبعد عام في ‪ 3‬يونيو ‪ 1933‬استقالة‬
‫حكومة العظم وتألفت حكومة ثانية برئاسته غير أنها قد خلت من وجوه الكتلة الوطنية فكانت "وزارة انتدابية"‬
‫بتوافق العابد مع المفوض الفرنسي بونسو في أعقاب مظاهرات حاشدة شهدتها البالد كانت الكتلة الوطنية مساندة لها‬
‫بطلب الوحدة واالستقالل‪،‬و كان ذلك بانتقال الكتلة الوطنية إلى المعارضة؛ رغم ذلك فقد دامت حكومة العظم الثاني‬
‫عا ًما كامالً ‪ ،‬انتهجت بها سياسية الترشيد االقتصادي‪ ،‬وحافظت على الحياد والنزاهة واستطاعت ضمن سياستها هذه‬
‫تخفيض أصول الديون السور ّية من أيام الدولة العثمانية وذلك من ‪ 70‬مليون ليرة تركية مستحقة لفرنسا إلى ‪24‬‬
‫مليو ًنا‪ ] 11[،‬ولم يفلح أمام هذه اإلنجازات الهامة رجال الكتلة في خلق معارضة شعبية قوية للحكومة‪ ،‬فاقتصر األمر‬
‫على المعارضة البرلمانية‪ ]11[.‬في يوليو ‪ 1933‬أنهيت مهام هنري بونسو كمفوض فرنسي سامي في سوريا‪،‬‬
‫وع ّين سفير فرنسا في الصين شارل دي مارتيل خل ًفا له‪ ،‬وعندما وصل بيروت في ‪ 12‬أكتوبر ‪ُ 1933‬عقد مؤتمر‬
‫صافيتا من قبل وجهاء الطائفة العلوية طالبوا به بالوحدة واالنضمام للجمهورية السورية‪ ،‬كما شهدت دمشق خالل‬
‫الفترة ذاتها اعتصا ًما قام به ش ّبان دروز للهدف ذاته‪]12[.‬‬

‫في نوفمبر ‪ ، 1933‬عرض دي مارتيل نص معاهدة السلم والصداقة بين سوريا وفرنسا بعد أن أقرتها الحكومة‬
‫ودعمها العابد‪ ،‬غير أن البرلمان رفض التصديق عليها وردها بأغلبية ‪ 46‬نائ ًبا (أي أكثر من ثلثي المجلس) ألنها ال‬
‫تحوي على بنود تتعلق بالسيادة والوحدة واالستقالل‪ ،‬فما كان من دي مارتيل إال أن حل ّ دورة المجلس في ‪ 24‬نوفمبر‬
‫وأوقف اجتماعاته طول ذاك الفصل التشريعي‪ .‬ثالث حكومات عهد العابد شكلها رئيس الدولة السورية السابق تاج‬
‫الدين الحسني وذلك في ‪ 17‬مايو ‪ 1934‬بعد أن استقالت حكومة العظم الثانية بإيعاز من دي مارتيل‬
‫حكومتي التاج واأليوبي‬
‫طال عهد العظم في رئاسة الحكومة ما يقرب السنتين‪ ،‬وقبل أن يبدأ عامه الثالث ومع استمرار القطيعة بين جال الكتلة‬
‫والحكومة وتجدد المظاهرات في مختلف المدن السورية المطالبة بإنهاء االنتداب وما عزي من ضعف الحكومة كسبب‬
‫لذلك‪ ،‬اتفق دي مارتيل مع الرئيس العابد على اإليعاز للعظم باالستقالة‪ ،‬ثم جرى تكليف الرئيس السابق للدولة تاج‬
‫الدين الحسني برئاسة الوزارة‪ ،‬فشكلها في يوم واحد ولم تأخذ حكومته ثقة البرلمان لكنه موقف عن االجتماع بقرار‬
‫من المفوض الفرنسي‪ ] 14[.‬ومما يذكر في عهد هذه الحكومة زيارة الرئيس العابد إلىحلب ونظمته الكتلة الوطنية من‬
‫تظاهرات مضادة للزيارة‪ ،‬فمن ناحية كان يرافق العابد رئيس وزراءه الذي كانت عالقته مع الكتلة على توتر دائم‪،‬‬
‫ومن ناحية ثانية فإن أي قرار بشأن توحيد البالد وإنهاء االنتداب لم يكن يلوح في األفق‪ ،‬وبنتيجة التظاهرات التي‬
‫صا بينهم قيادات هامة‬‫انطلقت خالل قيام العابد بصالة الجمعة في المسجد األموي بحلب‪ ،‬إلى اعتقال نحو ثمانين شخ ً‬
‫مثل سعد هللا الجابري‪]15[.‬‬

‫في مايو ‪ 1935‬شكلت لجنة مستقلة لوضع قانونين لألحوال الشخصية والتجارة وذلك بهدف إنهاء العمل بمجلة‬
‫األحكام العدلية الصادرة عن الدولة العثمانية عام ‪ ،1876‬وقد تداول اعتماد المذاهب األربعة كمصدر للتشريع فيما‬
‫يتعلق بالمسلمين بدالً من حصرها بالمذهب الحنفي‪ ،‬غير أنه ما أعاق العمل فعل ًيا كون أغلب القضاة والحقوقيين‬
‫المعينين بحكم مواقعهم في اللجنة من مناصري الكتلة الوطنية‪ ،‬ولذلك لم يشهد العمل أي جد ّية بهدف منع صدور‬
‫القانون خالل وزارة الشيخ التاج "االنتدابية"‪.‬‬

‫في ‪ 21‬ديسمبر ‪ 1935‬نظمت الكتلة الوطنية حفل تأبين لمناسبة ذكرى أربعين وفاة إبراهيم هنانو على مدرج‬
‫الجامعة السورية‪ ،‬وأعلن فارس الخوري خالل الحفل "الميثاق الوطني"‪ ،‬وبدأت في أعقابه اإلضرابات واالضطرابات‬
‫األمنية الدامية‪ ،‬بينما عجز العابد ومعه حكومة الشيخ التاج عن قمعها‪ .‬وقد أغلقت في أعقاب هذه االحتجاجات مكاتب‬
‫الكتلة الوطنية في دمشق وحلب واعتقل عدد من قادتها كسعد هللا الجابري فردّ الشعب بإضراب شامل دام في دمشق‬
‫ومدن أخرى ستين يو ًم ا‪ ،‬واضطر الجيش الفرنسي لالنتشار في شوارع المدن الرئيسية وهدد دي مارتيل بقصف‬
‫دمشق كما حصل عام ‪ ، 1925‬وشهدت العراق ولبنان واألردن وفلسطين ومصر مظاهرات مؤيدة للشعب السوري‬
‫فضالً عن دعم من بريطانيا‪ ،‬وبنتيجة الضغط الدولي اضطر المفوض الفرنسي لقاء هاشم األتاسي رئيس الكتلة‬
‫الوطنية‪ ،‬واتفق معه على تشكيل حكومة جديدة وتشكيل وفد سوري يقوم بالسفر إلى فرنسا للتفاوض حول معاهدة‬
‫جديدة تضمن حقوق السوريين‪ ،‬وبنتيجة االتفاق استقالة حكومة الحسني وتشكلت رابع وآخر حكومات عهد العابد‬
‫برئاسة عطا األيوبي في ‪ 23‬فبراير ‪ 1936‬وقد شملت وجو ًه ا محايدة وكانت مهمتها األساسية إدارة المرحلة‬
‫االنتقالية؛بعد حوالي شهر في ‪ 21‬مارس غادر وفد الكتلة الوطنية إلى فرنسا ومكثت المفاوضات ستة أشهر حتى‬
‫سبتمبر النشغال فرنسا باالنتخابات النيابية‪ ،‬حين أعلن عن االتفاق بين الوفد والحكومة الفرنسية في ‪ 9‬سبتمبر‬
‫ونشرت نصوص مسودة االتفاق في ‪ 22‬أكتوبر على أن توقع قبل نهاية العام‪ .‬ودعا العابد النتخابات نيابية هي الثانية‬
‫في تاريخ سوريا فازت بها الكتلة باألغلبية الساحقة‪ ،‬وكان من النتائج المباشرة لالتفاق بين الكتلة وفرنسا‪ ،‬عودة‬
‫ارتباط دولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز بالوطن األم في ‪ 5‬ديسمبر ‪ ،1936‬مقابل احتفاظهما باالستقالل اإلداري‬
‫والمالي‪ ،‬غير أن نائب جبلة علي أديب عضو برلمان دولة جبل العلويين أعلن تنازل الالذقية عن استقاللها المالي‬
‫واإلداري لتكون "متساوية مع سائر المحافاظت السورية"‪ ،‬وأيدّ ه في ذلك سائر النواب وع ّين مظهر باشا أحد أركان‬
‫محافظا عليها‪ .‬وقد افتتح البرلمان الجديد أعماله في ‪ 21‬ديسمبر ‪ 1935‬وفي اليوم نفسه أرسل العابد‬ ‫ً‬ ‫الكتلة الوطنية‬
‫كتاب استقالته إلى المجلس فقبلها‪ ،‬وقد علل العابد سبب استقالته ألسباب صح ّية بينما وجد عدد من المؤرخين أن‬
‫السبب يرجع لفوز الكتلة الوطنية‪ ،‬وعدم تمكن رئيس محايد االستمرار إثر فوز الكتلة بأغلبية ساحقة‪ ،‬وقال يوسف‬
‫الحكيم أنّ كبير أمناء الرئيس نجيب أرمنازي هو من نصحه باالستقالة بعد إعالن نتائج االنتخابات إلفساح المجال أمام‬
‫الكتلة الوطنية إلكمال ما بدأت به من تافهم مع فرنسا‪.‬وفي الجلسة التي قبلت فيها االستقالة انتخب هاشم األتاسي‬
‫رئيس ا‪ ،‬أما العابد فقد غادر سوريا إلىباريس وقيل خو ًف ا من االغتيال‪ ،‬وبقي فيها إلى أن وافته المنية عام ‪ 1939‬حين‬
‫ً‬
‫نقل جثمانه إلى دمشق ودفن فيها‪.‬ويمكن القول عن فترة العابد‪:‬‬
‫إن فترة محمد العابد كانت أشبه ما يكون بالهدوء الذي جاء بالعاصفة‪ ،‬امتاز عهده بتح ّدي القوى الوطنية لسلطة‬
‫االحتالل وظهور الكتلة الوطنية الواضح‪ ،‬والتي تقدّ مت على حزب الشعب الذي أسسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر‬
‫عام ‪ ، 1925‬والتي استطاعت فيه الكتلة الوطنية تحريك الشارع إلرغام االحتالل لإلذعان للتوقيع على ُمعاهدة‬
‫االستقالل وبطالن االنتداب الفرنسي‪ ،‬وهو ما لم يتم في عهده‪.‬‬

‫حال ًي ا‪ ،‬يوجد شارع راقي باسمه في دمشق بقرب شارع الحمراء يمتاز بوجود بعض األبنية ذات الطراز المعماري‬
‫الفرنسي من مخلفات االنتداب؛ وقد قال عنه المؤرخ والسياسي السوري يوسف الحكيم‪ ،‬أنّ العابد كان تمتع بمزايا‬
‫عالية من العلم والخبرة االقتصادية والحياة السياسية واالجتماعية فضالً عن ثروة كبيرة و"مكارم األخالق" إلى جانب‬
‫"التواضع"‪.‬‬

‫منزله‬

‫ال يزال منزل محمد علي العابد إلى اليوم في حي ساروجة ضمن دمشق القديمة ويرجع عمر قصر آل العابد لحوالي‬
‫‪ 350‬عا ًما من اآلن‪ ] 20[،‬ويعود تاريخ اقتنائه لهولو العابد جد والد محمد علي العابد‪ ،‬واعتبر في بداية رئاسته‬
‫قصرا جمهور ًي ا واستمر كذلك ستة أشهر فقط‪ ،‬حين تم االنتهاء من القصر الجمهوري الحالي في منطقة المهاجرين‬ ‫ً‬
‫حول القصر عام ‪ 1942‬إلى سليم اليازجي الذي قام بتحويله إلى مدرسة ثانوية حتى عام‬ ‫بدمشق‪ .‬وبعد فاة العابد ّ‬
‫‪ ، 1970‬حين تم تأميم المدارس الخاصة في سوريا‪ ،‬وأتبع البناء لملكية وزارة التربية التي حولة البناء كمديرية‬
‫تربية‪ ،‬وقد أهمل القصر وأتلفت الكثير من محتوياته وسرق بعضها اآلخر س ّيما األسقف العجمية‪ ،‬وفي عام ‪1995‬‬
‫استعاد اليازجي ملكيته‪ ،‬كما تعرض في عام ‪ 2006‬لحريق قضى على أحد طوابقه‪.‬‬

‫‪ -9‬هاشم األتاسي‬

‫(‪ 5 - 1875‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ )1960‬هو ثاني رئيس للجمهورية السورية في ثالث فترات بين ‪21‬‬
‫ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ 1936‬و‪ 7‬يوليو‪/‬تموز ‪ 1939‬وديسمبر‪/‬كانون األول ‪ 1949‬و‪ 24‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪1951‬‬
‫ثم ‪ 1‬مارس‪/‬آذار ‪ 1954‬و‪ 6‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪ ، 1955‬وتاسع حاكم لسوريا منذا االستقالل عن الدولة العثمانية؛ كما أنه‬
‫شغل مناصب بارزة في الجمهورية السورية فش ّكل الوزارة مرتين عام ‪ 1920‬و‪ 1949‬ورأس المؤتمر السوري العام‬
‫بين ‪ 1919‬و‪ 1920‬والمجلس النيابي عام ‪ ،1928‬وكذلك لجان وضع الدستور الثالث أعوام ‪ 1920‬و‪ 1928‬و‬
‫‪ ، 1950‬وانتخب للنيابة عن حمص عدة مرات‪ .‬ينتسب األتاسي لعائلة غنية ومعروفة في حمص وقد شغل والده خالد‬
‫األتاسي منصب مفتي حمص‪ ،‬درس فيها وفي اسطنبول وعمل في ظل الدولة العثمانية في بيروت وحمص‪ ،‬وكان من‬
‫المقربين من الملك فيصل األول خالل المملكة السورية العربية ونشط بعد ذلك خالل االنتداب الفرنسي على البالد‬
‫ً‬
‫بارزا‬ ‫دورا‬
‫خصوص ا إثر تأسيسه وزعامته لحزب "الكتلة الوطنية" التي لعبت ً‬ ‫ً‬ ‫كناشط سياسي بارز مطالب باالستقالل‬
‫في الحياة السياسية السورية قبل ‪.1963‬‬
‫حياته المبكرة وأوائل نشاطه‬
‫تعتبر عائلة األتاسي التي ينتسب إليها من أشهر عائالت حمص اإلقطاعية وأكثرها ثرا ًء‪ ،‬إضافة إلى نشاط سياسي‬
‫محلي لها منذ عهد الدولة العثمانية‪ .‬ولد هاشم األتاسي في ‪ 6‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ ،1875‬وتلقى دراسته االبتدائية‬
‫والثانوية في حمص‪ ،‬ثم انتقل إلى اسطنبول حيث درس اإلدارة العامة في األكاديمية الملكية‪ ،‬وتخرج منها عام‬
‫‪ . 1895‬بداية حياته السياسية كانت في الدولة العثمانية عام ‪ 1898‬حين تم تعيينه موظ ًفا مرمو ًقا في والية بيروت‬
‫محافظا على حمص وحماة وبعلبك ويافا‬ ‫ً‬ ‫العثمانية‪ ،‬وبعد نشوب الحرب العالمية األولى عام ‪ 1914‬تم تعيينه‬
‫واألناضول‪ ،‬وإن كانت واليته أشبه بوالية شرفية‪ .‬بعد الحرب العالمية األولى عام ‪ 1918‬وقف األتاسي في صف‬
‫عضو ا في المؤتمر السوري العام أول برلمان سوري في‬ ‫ً‬ ‫الوطنيين المطالبين باالستقالل عن الدولة العثمانية‪ ،‬وانتخب‬
‫سا للمؤتمر‪ ]1[.‬في ‪ 8‬مارس‪/‬آذار‬ ‫التاريخ‪ ،‬ضم أقطار بالد الشام األربعة في يونيو‪/‬حزيران ‪ ،1919‬وانتخب رئي ً‬
‫‪ 1920‬أعلن قيام المملكة السورية العربية وبويع فيصل األول مل ًك ا عليها بإجماع أعضاء المؤتمر السوري العام‪،‬‬
‫وكلف األتاسي رئاسة لجنة صياغة دستور المملكة‪ ،‬فأقر في يونيو‪/‬حزيران ‪ ،1920‬غير أنه لم يعمل به سوى لفترة‬
‫قصيرة‪ ،‬بسبب سقوط المملكة‪ .‬بعد استقالة حكومة الركابي الثانية‪ ،‬كلّفه الملك فيصل األول تشكيل الحكومة‪ ،‬فشكلها‬
‫في ‪ 2‬مايو‪/‬أيار ‪ ، 1920‬وبذلك كان ثاني من شغل منصب رئيس الوزراء في سوريا‪ ،‬غير أن عمر حكومته كان‬
‫قصيرا‪ ] 1[،‬وأحداثها متسارعة‪ ،‬فقد تلقفت الحكومة اإلنذار الشهير باسم إنذار غورو ثم قبلته في ‪ 13‬يونيو‪ ،‬وأعلنت‬
‫ً‬
‫ً‬
‫حالة الطوارئ في ‪ 15‬يونيو‪/‬حزيران وأعلنت تطبيق ا لموافقتها على مبادئ اإلنذار حل الجيش السوري في ‪20‬‬
‫يونيو‪/‬حزيران وهو ما أدى إلى أحداث احتجاج وشغب في دمشق ومدن أخرى فضالً عن احتالل المحتجين لقلعة‬
‫متظاهرا‪ .‬لم يقتصر األمر على ذلك‪ ،‬تذرع‬
‫ً‬ ‫دمشق‪ ،‬وقد استعملت الحكومة الرصاص الحي ما أدى إلى مقتل عشرين‬
‫هنري غورو قائد الجيوش الفرنسية في الشرق بإنه لم يصله قبول الحكومة باإلنذار‪ ،‬ولذلك زحف إلى دمشق من‬
‫بيروت في ‪ 21‬يوليو‪/‬تموز والتقى مع بقايا الجيش السوري ومتطوعين في معركة ميسلون يوم ‪ 24‬يوليو‪/‬تموز‪،‬‬
‫قادر ا بعتاده المتواضع مواجهة جيوش فرنسا في الشرق‪ ،‬مطل ًقا‪ .‬دخل‬ ‫وعمو ًما فإنه حتى لو لم يحل الجيش‪ ،‬لم يكن ً‬
‫الفرنسيون إلى دمشق في ‪ 25‬يوليو‪/‬تموز وانتقلت الحكومة ومعها الملك إلى الكسوة‪ ،‬وقدّ مت استقالتها في اليوم‬
‫نفسه كنتيجة لمعركة ميسلون واحتالل دمشق وتشكلت حكومة برئاسة عالء الدين الدروبي موالية لالنتداب‪ ،‬وبعدها‬
‫بثالث أيام نفي الملك فيصل وبذلك انتهت المملكة السورية‪ ،‬بعد أن مكث األتاسي في رئاستها حوالي ثالث أشهر‪]2[،‬‬
‫صا حين ع ّين عبد الرحمن الشهبندر المقرب من‬ ‫رغم ذلك فقد أثبت األتاسي عن حنكة في الشؤون السياسية‪ ،‬خصو ً‬
‫فرنسا وذو العالقات البارزة مع ساسة أوروبا بهدف إقامة تحالفات بين المملكة والغرب وكمحاولة لتفادي االنتداب‬
‫الفرنسي على سوريا‪ ،‬غير أنه قد فشل في مسعاه‪.‬‬
‫االنتداب الفرنسي‬

‫في أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ 1927‬اجتمع األتاسي مع عدد من الناشطين البارزين ممن عرف عنهم مقارعة االنتداب‬
‫الفرنسي على سوريا ومنهم شكري القوتلي وسعد هللا الجابري وفارس الخوري وغيرهم‪ ،‬وأعلنوا ميالد "الكتلة‬
‫الوطنية" التي اضطلعت بدور بارز في الحياة السياسية السورية حتى ‪ ،1963‬وش ّكل حكومات منفردة عدة ّ‬
‫مرات‬
‫خالل مرحلتي االنتداب واالستقالل‪ .‬تشكيل الكتلة الوطنية كان ردً ا على حزب الشعب‪ ،‬الذي عرف عنه مواالته‬
‫أيض ا على قمع الثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام ‪1925‬‬ ‫للفرنسيين وقد ترأسه عبد الرحمن الشهبندر‪ ،‬وكرد ً‬
‫واستطاع الفرنسيون قمعها في أغسطس‪/‬آب ‪ 1927‬بعد أن زجت مائة وعشرة آالف جندي فرنسي في سوريا‪ ،‬حيث‬
‫قال المجتمعون أنه من الممكن نيل استقالل سوريا وووحدتها بالوسائل السلمية بدالً من المقاومة العنيفة‪ .‬وقد شملت‬
‫الكتلة الوطنية التي أسسها األتاسي إقطاعيين ومحامين وموظفين وطالب‪ ،‬أي أنها شملت جميع شرائح المجتمع‬
‫أيضا في‬
‫السوري‪ ،‬ليس في حدود "الدولة السورية" التي أعلنها الفرنسيون على دمشق وحلب فقط عام ‪ 1925‬بل ً‬
‫الالذقية والسويداء ومناطق أخرى‪.‬‬

‫وعضوا دائ ًم ا في مكتبها‪ ،‬وبعد مفاوضات تاج الدين الحسني مع المفوض الفرنسي‬ ‫ً‬ ‫رئيسا للكتلة‬
‫ً‬ ‫انتخب هاشم األتاسي‬
‫هنري بونسو والتي أفضت النتخابات جمعية تأسيسية لوضع دستور للبالد عام ‪ 1928‬رأس األتاسي هذه الجمعية‪،‬‬
‫نص على كون النظام جمهور ًيا برلمان ًيا‪ .‬خالل‬
‫وبالتالي وجهت له مهمة وضع الدستور السوري الثاني‪ ،‬وقد ّ‬
‫االحتجاجات التي شهدتها سوريا خالل عام ‪ 1930‬ر ًد ا على عدم نشر الدستور والدعوة النتخابات نيابية‪ ،‬اعتقل‬
‫الفرنسيون األتاسي عدة أشهر ونقلوه إلى جزيرة أرواد؛ وعندما دعا الفرنسيون النتخابات نيابية في سوريا عام‬
‫‪ ،1932‬أسفرت االنتخابات عن فوز الكتلة الوطنية بسبعة عشر مقعدً ا من بينهم األتاسي‪ ،‬غير أغلب المؤرخين يرون‬
‫صا في حلب حيث سقط إبراهيم هنانو بما وصف "فضيحة‬ ‫تالع ًب ا قامت به فرنسا في إعالن نتيجة االنتخابات‪ ،‬خصو ً‬
‫االنتخابات" ليفوز نكرات‪ .‬نتيجة المفاوضات بين الكتل النيابية تم التوصل التفاق يقضي بوصول محمد علي العابد‬
‫رئيس ا للجمهورية كمرشح محايد وتشكيل حكومة مناصفة بين المعتدلين والكتلة الوطنية على أن يرأسها حقي العظم‬ ‫ً‬
‫سا للمجلس النيابي بواحد وخمسين صو ًتا‬ ‫المحسوب على المعتدلين‪ ،‬كذلك فقد انتخب بالتوافق صبحي بركات رئي ً‬
‫مقابل سبعة عشر لألتاسي‪.‬‬
‫رئيسا للجمهورية‬
‫ً‬
‫في ‪ 21‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ 1935‬نظمت الكتلة الوطنية حفل تأبين لمناسبة ذكرى أربعين وفاة إبراهيم هنانو على‬
‫مدرج الجامعة السورية‪ ،‬وأعلن فارس الخوري خالل الحفل "الميثاق الوطني"‪ ،‬وبدأت في أعقابه اإلضرابات‬
‫واالضطرابات األمنية الدامية‪ ،‬بينما عجز العابد ومعه حكومة الشيخ التاج عن قمعها‪ .‬وقد أغلقت في أعقاب هذه‬
‫االحتجاجات مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وحلب واعتقل عدد من قادتها كسعد هللا الجابري فر ّد الشعب بإضراب‬
‫شامل في دمشق ومدن أخرى دام ستين يو ًم ا‪ ،‬واضطر الجيش الفرنسي لالنتشار في شوارع المدن الرئيسية وهدد دي‬
‫مارتيل بقصف دمشق كما حصل عام ‪ ، 1925‬وشهدت العراق ولبنان واألردن وفلسطين ومصر مظاهرات مؤيدة‬
‫للشعب السوري فضالً عن دعم من بريطانيا‪ ،‬وبنتيجة الضغط الدولي اضطر المفوض الفرنسي لقاء هاشم األتاسي‬
‫رئيس الكتلة الوطنية‪ ،‬واتفق معه على تشكيل حكومة جديدة وتشكيل وفد سوري يقوم بالسفر إلى فرنسا للتفاوض‬
‫حول معاهدة جديدة تضمن حقوق السوريين‪ ،‬وبنتيجة االتفاق استقالة حكومة الحسني وتشكلت رابع وآخر حكومات‬
‫عهد العابد برئاسة عطا األيوبي في ‪ 23‬فبراير‪/‬شباط ‪1936‬؛[‪ ]3‬بعد حوالي شهر في ‪ 21‬مارس‪/‬آذار غادر وفد‬
‫الكتلة الوطنية إلى فرنسا ومكثت المفاوضات ستة أشهر حتى سبتمبر‪/‬أيلول‪ ،‬حين أعلن عن االتفاق بين الوفد‬
‫والحكومة الفرنسية في ‪ 9‬سبتمبر‪/‬أيلول ونشرت نصوص مسودة االتفاق في ‪ 22‬أكتوبر‪/‬تشرين األول على أن توقع‬
‫قبل نهاية العام‪ .‬ودعا العابد النتخابات نيابية هي الثانية في تاريخ سوريا فازت بها الكتلة باألغلبية الساحقة‪ ،‬وكان‬
‫من النتائج المباشرة لالتفاق بين الكتلة وفرنسا عودة ارتباط دولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز بالوطن األم في ‪5‬‬
‫ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ ، 1936‬مقابل احتفاظهما باالستقالل اإلداري والمالي‪ ،‬غير أن نائب جبلة علي أديب عضو‬
‫برلمان دولة جبل العلويين أعلن تنازل الالذقية عن استقاللها المالي واإلداري لتكون "متساوية مع سائر المحافاظت‬
‫ً‬
‫محافظا عليها‪ ]4[.‬وقد افتتح‬ ‫السورية"‪ ،‬وأي ّده في ذلك سائر النواب وع ّين مظهر باشا أحد أركان الكتلة الوطنية‬
‫البرلمان الجديد أعماله في ‪ 21‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ 1935‬وفي اليوم نفسه أرسل العابد كتاب استقالته إلى المجلس‬
‫فقبلها‪ ،‬وقد علل العابد سبب استقالته بأسباب صح ّي ة بينما وجد عدد من المؤرخين أن السبب يرجع لفوز الكتلة‬
‫الوطنية‪ ،‬وعدم تمكن رئيس محايد من االستمرار إثر فوز الكتلة بأغلبية ساحقة‪ .‬وفي الجلسة التي قبلت فيها‬
‫سا‪.‬‬
‫االستقالة انتخب هاشم األتاسي رئي ً‬

‫الحرب العالمية الثانية‬

‫واضح ا أن فرنسا ال تود المصادقة على االتفاقية وذلك خو ًفا على ما يكون عليه الوضع في‬
‫ً‬ ‫مع نهاية عام ‪ 1938‬بات‬
‫حال نشبت حرب مع ألمانيا تحت قيادة النازية‪ ،‬كرد على مماطلة فرنسا باالستقالل وبعد تعذر إقرار قانون لألحوال‬
‫الشخصية بين المحافظين وخصومهم والتي تطورت ألعمال عنف فضالً عن سلخ لواء إسكندرون‪ ،‬وكذلك فإن عبد‬
‫القص اب‪ ،‬كانوا قد حشدوا الشارع للتظاهر ضد الكتلة الوطنية وضد حكم‬
‫ّ‬ ‫الرحمن الشهبندر ومعه حزب الشعب وكامل‬
‫األتاسي‪ .‬بتكالب هذه العوامل قدّ م األتاسي استقالته في ‪ 7‬مايو‪/‬أيار ‪ 1939‬وقال في بيان االستقالة أن فرنسا تواصل‬
‫المماطلة حول االستقالل السوري وسحب كامل الجيوش الفرنسية‪ ،‬فضالً عن إعالن لواء إسكندرون دولة مستقلة عام‬
‫‪ 1938‬ثم انسحاب الجيوش الفرنسية منه لتدخلها الجيوش التركية عام ‪ ،1939‬وهو ما يصفه المؤرخون برشوة‬
‫لتركيا كي تبقى على الحياد خالل الحرب العالمية الثانية التي كانت على األبواب‪]2[.‬‬

‫بعد استقالته عاد األتاسي إلى حمص‪ ،‬ورفض المشاركة في النشاط السياسي معل ًنا تقاعده‪ .‬السنوات الالحقة لم تكن‬
‫أب ًد ا بالمستقرة في سوريا‪ ،‬حيث علق العمل بالدستور وأعيد الحكم الفرنسي العسكري المباشر‪ ،‬كما أن الجيش‬
‫البريطاني احتل ّ سوريا مع قوات جيوش فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول‪ ،‬واستمر الوضع طوال فترة الحرب العالمية‬
‫الثانية على حاله‪ .‬يذكر أن شارل ديغول التقى األتاسي خالل زيارة قام بها إلى حمص ودعاه للعودة عن استقالته‪،‬‬
‫مؤكدً ا أن فرنسا بعد نهاية الحرب تود االعتراف بكامل استقالل سوريا بعد نهاية الحرب‪ ،‬رفض األتاسي ذلك وقال أن‬
‫رئيسا‬
‫ً‬ ‫تجربته في الرئاسة أثبتت أنه ال يمكن الوثوق بفرنسا‪ ،‬عمو ًما فإنه عام ‪ 1941‬ت ّم تعيين تاج الدين الحسني‬
‫للجمهورية‪ ،‬وعندما أعيدت الحياة الدستورية وجرت انتخابات نيابية عام ‪ 1943‬فازت بموجبها الكتلة الوطنية‬
‫سا للجمهورية‪ ،‬وبالتالي ُعرف‬ ‫مجد ًد ا‪ ،‬لم يرشح األتاسي نفسه‪ ،‬بل دعم ترشيح شكري القوتلي أحد زعماء دمشق‪ ،‬رئي ً‬
‫رئيسا وبوصفه صان ًعا للرؤساء‪ .‬خالل األزمة الحكومية عام ‪ 1947‬عرض القوتلي على األتاسي أن‬ ‫ً‬ ‫األتاسي بوصفه‬
‫س ا للوزراء بحيث يرأس حكومة وحدة وطنية‪ ،‬اشترط األتاسي في حال قبوله تشكيل الحكومة الحد من‬ ‫يغدو رئي ً‬
‫صالحيات الرئيس التي كانت متزايدة بما ال يتوافق وأحوال الجمهورية النيابية‪ ،‬غير أن القوتلي رفض‪.‬‬

‫في آذار‪/‬مارس ‪ 1949‬تمت اإلطاحة بالقوتلي على يد رئيس أركان الجيش حسني الزعيم في أول انقالب عسكري في‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬وقد ترأس الزعيم حكومة عسكرية لمدة أربعة أشهر قبل أن يطيح به انقالب عسكري آخر في‬
‫أغسطس‪/‬آب ‪ 1949‬بقيادة سامي الحناوي الذي دعا األتاسي للعودة عن تقاعده وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على‬
‫انتخابات من شأنها استعادة الحكم المدني‪ .‬امتثل األتاسي لطلب الحناوي وضم حكومة وحدة وطنية تشمل جميع‬
‫األطراف بما فيها حزب البعث العربي االشتراكي حيث مثله ميشيل عفلق بوزارة الزراعة‪ .‬ثم تمت خالل رئاسته‬
‫للحكومة صياغة قانون انتخابي جديد‪ ،‬صوتت فيه النساء للمرة األولى في ‪ 15‬و‪ 16‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪،1949‬‬
‫وتكونت جمعية تأسيسية انتخب لرئاستها‪ ،‬ثم رشح لوالية ثانية‪ ‬‬
‫واليته الثانية‬

‫س ا للمرة الثانية بإجماع األعضاء في ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ ،1949‬غير أن القالقل عادت من جديد‬ ‫انتخب األتاسي رئي ً‬
‫سا للوزراء‪،‬‬ ‫مع المطالبة بالوحدة مع العراق‪ ،‬وقد تحالف األتاسي مع حزب الشعب وعين رئيسه ناظم القدسي رئي ً‬
‫وافتتحت مفاوضات للوحدة مع العراق‪ .‬كذلك فقد شهدت واليته الثانية إغالق الحدود مع لبنان بحجة منع تدفق‬
‫البضائع اللبنانية التي كانت تغرق السوق السورية‪ .‬طوال ‪ 1950‬كانت مفاوضات االنضمام إلى العراق تسير قد ًما‬
‫خصوص ا بعد سفر األتاسي إلى بغداد ولقاءه فيصل الثاني ملكها‪ ،‬ما أغضب أديب الشيشكلي أحد أبرز قادة الجيش‪،‬‬ ‫ً‬
‫والذي حذ ر األتاسي من مغبة "استيالء بغداد على دمشق"‪ ،‬رفض األتاسي الضغوط العسكرية‪ ،‬فقام الشيكشلي‬ ‫ّ‬
‫بانقالب عسكري واعتقل سامي الحناوي وأبرز المتعاطفين مع حزب الشعب‪ ،‬وعدد من الضباط الموالين للعراق في‬
‫وزير ا الدفاع‪ ،‬لكونه من المقربين منه‪ ،‬بحيث يضمن عدم تأثير موالي‬ ‫ً‬ ‫الجيش السوري‪ ،‬ثم طالب بتعيين فوزي السلو‬
‫العراق على الحكومة‪ .‬نتيجة االنقالب قبل األتاسي بشروط الشيشكلي األولى‪ ،‬ومع ذلك طلب من معروف الدواليبي أحد‬
‫وجوه حزب الشعب تشكيل الحكومة‪ ،‬وقد رفض الدواليبي منح حقيبة الدفاع لفوزي السلو‪ ،‬وبنتيجة ذلك قام الشيشكلي‬
‫بانقالب آخر‪ ،‬واعتقل رئيس الوزراء وجميع أعضاء حزب الشعب وجميع الوزراء ورجال الدولة المؤيدين لألسرة‬
‫احتجاج ا على ذلك قدم األتاسي استقالته إلى البرلمان المنحل في ‪ 24‬ديسمبر‪/‬كانون األول‬‫ً‬ ‫الهاشمية‪ ،‬ثم حل ّ البرلمان‪.‬‬
‫‪ ،1951‬ورفض أن يقدمها للشيشكلي‪ ،‬لكون حكمه غير دستور ًيا‪ .‬وطوال حكم أديب الشيشكلي بين ‪ 1951‬و‪1954‬‬
‫قاد األتاسي معارضة مستترة ضده مؤكدً ا أن حكمه غير دستوري‪ .‬وبتضافر أنصار الكتلة الوطنية وأنصار حزب‬
‫الشعب ‪ -‬الذين باتا من األحزاب المحظورة ‪ -‬إضافة إلى مؤيدي الهاشمية‪ ،‬قامت انتفاضة وطنية من حلب في‬
‫فبراير‪/‬شباط ‪ ، 1954‬واعتقل عدنان نجل الشيشكلي‪ ،‬وكرد على ذلك وضع الشيشكلي األتاسي تحت اإلقامة الجبرية‪،‬‬
‫ولم يقم بوضعه في السجن احترا ًما لدوره البارز في الحياة السياسية السورية‪ .‬في ‪ 1‬مارس‪/‬آذار ‪ 1954‬عاد األتاسي‬
‫من حمص إلى دمشق وتابع مهامه كرئيس للجمهورية‪ ،‬كما أعاد مجلس الوزراء ورئيسه معروف الدواليبي‪ ،‬واستعاد‬
‫ض ا جميع السفراء والوزراء والبرلمانيين الذين عزلهم الشيشكلي مناصبهم السابقة‪ ،‬وحاول األتاسي خالل رئاسته‬ ‫أي ً‬
‫الثالثة بكل قوته القضاء على كل أثر لديكتاتورية الشيكشلي التي دامت أربع سنوات‪.‬‬
‫السنوات األخيرة‬
‫قضى األتاسي سنوات حكمه األخيرة وله من العمر ثمانون عا ًم ا‪ ،‬يحارب نفوذ ضباط الجيش ويسعى للحد من نفوذ‬
‫األحزاب اليسارية التي كانت تتنامى في البالد إلى جانب االشتراكية والتعاطف مع االتحاد السوفياتي‪ ،‬وكذلك جمال عبد‬
‫الناصر‪ ،‬الذي كان يدعمه عدد من وجوه آل اآلتاسي من أمثال جمال األتاسي ونور الدين األتاسي‪ .‬واستطاع األتاسي‬
‫خالل توليه السلطة تحييد سوريا والحفاظ عليها خارج المعسكر االشتراكي‪.‬‬
‫خال ًف ا لمعظم المفكرين والقادة العرب‪ ،‬كان األتاسي يعتقد أن جمال عبد الناصر كان صغير السن لقيادة مصر والوطن‬
‫العربي‪ ،‬وعديم الخبرة فضالً عن آيديولوجيته الحادة‪ ،‬وعمد الرئيس السوري إلى إجراءات صارمة ضد التيار‬
‫الناصري في سوريا‪ ،‬ووقع خالف مع رئيس وزرائه صبري العسلي واتهمه بالسعي لتحويل سوريا إلى "قمر صناعي‬
‫مصري"‪ .‬في عام ‪ 1955‬كان األتاسي يميل للقبول بحلف بغداد وهو االتفاقية المرع ّية من قبل الواليات المتحدة‬
‫وبريطانيا وتهدف إلى احتواء نفوذ االتحاد السوفياتي في المنطقة‪ ،‬ولكن الضباط الناصريين في الجيش السوري‬
‫منعوه من القيام بذلك‪ .‬وخالل الصراع بين العراق الهاشمي ومصر عبد الناصر وقف األتاسي إلى جانب العراق‬
‫سا للوزراء ليكون بذلك السوري المسيحي‬ ‫وتحالف مع نوري السعيد‪ .‬وبعد أن أقال العسلي ع ّين فارس الخوري رئي ً‬
‫الوحيد الذي يتولى منصب رئيس الوزراء‪ .‬وقد أوفد األتاسي‪ ،‬رئيس وزرائه الخوري إلى مصر‪ ،‬لتقديم احتجاج لدى‬
‫الحكومة المصرية على "هيمنة عبد الناصر على الشؤون العربية"‪.‬‬

‫انتهت والية األتاسي في سبتمبر‪/‬أيلول ‪ 1955‬واعتزل الحياة السياسية وأقام في دار للعجزة‪ .‬في عام ‪ 1956‬أدين‬
‫ابنه عدنان األتاسي بالتحالف مع العراق لتدبير انقالب عسكري لإلطاحة بشكري القوتلي الموالي لعبد الناصر‪ ،‬وقد‬
‫حكم على عدنان باإلعدام بتهمة الخيانة العظمى‪ ،‬لكن احترا ًم ا لوالده تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد‪ .‬ويعتقد أن‬
‫خصوصا لكونه قد كبح جماح‬
‫ً‬ ‫الضباط الذي أداروا المحكمة العسكرية قد أصدورا أحكا ًما قاسية انتقا ًما من األتاسي‬
‫السلطة العسكرية خالل واليتيه الثانية والثالثة‪ ،‬ومع ذلك فقد رفض زيارة ابنه في السجن‪.‬‬

‫توفي في حمص يوم ‪ 6‬ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ 1960‬خالل سنوات الجمهورية العربية المتحدة‪ ،‬وكانت جنازته األكبر‬
‫في تاريخ المدينة وحضرها جمال عبد الناصر إلى جانب كبار المسؤولين في الدولة‪ ،‬وقد تحققت رؤيته للجمهورية‬
‫العربية المتحدة إذ انفصلت عام ‪ 1961‬بعد ثالثة أشهر من وفاته‪ ،‬وقد انتخب اثنان من أفراد أسرته هما لؤي األتاسي‬
‫ونور الدين األتاسي رئيسين للجمهورية من بعده‪.‬‬

‫قيل عن األتاسي بأنه رجل "المبادئ السلمية" والمؤيد "للطرق الدستورية" إلى جانب احترامه لجميع الالعبين في‬
‫السياسة السورية‪ ] 5[،‬وهو واحد من قلة في الطبقة السياسية السورية من حقبة ما قبل البعث لم ينتقده البعثيون‬
‫ويشهروا بسيرته بعد وصولهم إلى السلطة عام ‪ .1963‬وقد نشرت سيرة حياته في سوريا عام ‪ 2005‬على يد‬
‫حفيده‪ ] 6[،‬غير أنه لم يترك وراءه أي مذكرات يومية‪ ،‬تؤرخ للمرحلة التي تولى خاللها رئاسة البالد‪.‬‬

‫‪ -10‬بهيج الخطيب‬

‫(‪ ) 1981 - 1899‬عاشر حاكم لسوريا خالل فترة حرجة من تاريخها بعد اندالع الحرب العالمية الثانية والقالقل التي‬
‫قرار ا بتعطيل الدستور السوري والحياة البرلمانية‪،‬‬‫ً‬ ‫دفعت الرئيس هاشم األتاسي لالستقالة‪ .‬أصدر المفوض الفرنسي‬
‫س ا لحكومة دعيت "حكومة المديرين" وتمتعت بصالحيات تشريعية وتنفيذية مطلقة في ظل‬ ‫وتعيين بهيج الخطيب رئي ً‬
‫عدم وجود أي قيد دستوري أو قانوني‪ ،‬عل ًم ا أن وزراء هذه الحكومة كانوا مديري وزاراتهم السابقة‪ ،‬أي لم يجري‬
‫تعيين الوزراء بالمشاورات كما هو متبع بل اكتفي بتعيين مديري الوزارات‪ ،‬كما لم يتمتعوا بلقب "وزير" وهو سبب‬
‫تسمية هذه الحكومة "حكومة المديرين"‪ .‬واستمرت هذه الحكومة حتى ‪ 1941‬حين قامت حكومة فرنسا الحرة بتعيين‬
‫ضا فرنس ًيا جديدً ا حاول استمالة القوى الوطنية في سوريا إلى جانب الحلفاء‪ ،‬فأقال الخطيب‪ ،‬وكلّف خالد العظم‬
‫مفو ً‬
‫تشكيل حكومة مؤقتة تمهد لعودة الحياة الدستورية في سوريا ووعد باالستقالل‪.‬‬

‫كان الخطيب مستقالً سياس ًيا غير أنه ُح سب على الموالين لالنتداب الفرنسي‪ ،‬وهو ما يفسر تعيينه رأس الدولة في‬
‫ظرف دقيق إبان الحرب العالمية الثانية‪ .‬شهد عهده تفكك الكتلة الوطنية وانقسامها‪ ،‬ورغم ذلك فقد اصطفت بوجه‬
‫حكمه ورفضت المشاركة في االستقباالت الرسم ّي ة التي كانت تتم برئاسته‪ ،‬بررت الكتلة الوطنية موقفها بعودة الحكم‬
‫الفرنسي "المباشر" وتعطيل الدستور‪ ،‬بعد النضال الطويل للشعب السوري الذي أفضى عام ‪ 1928‬النتخاب الجمعية‬
‫وأخيرا توقيع‬
‫ً‬ ‫التأسيسية وعام ‪ 1930‬لنشر الدستور ثم إجراء أول انتخابات نيابية في تاريخ البالد عام ‪1932‬‬
‫معاهدة االستقالل (التي لم تص ّدق عليها فرنسا الح ًقا) عام ‪ 1936‬في أعقاب ما سمي "اإلضراب الستيني" الذي‬
‫أفضى لوصول هاشم األتاسي إلى سدة الحكم‪ ،‬بعد فوز الكتلة الوطنية في االنتخابات النيابية لعام ‪ .1936‬كذلك فإن‬
‫عددً ا من كبار موظفي الكتلة الوطنية من أمثال إحسان الجابري محافظ الالذقية ونسيب البكري محافظ السويداء قد‬
‫استقالوا من مناصبهم‪ .‬ومن أبرز أحداث عهده اغتيال عبد الرحمن الشهبندر رئيس حزب الشعب في ‪ 7‬يوليو ‪1940‬‬
‫واتهام الكتلة الوطنية بالعملية واعتقال عدد كبير من رموزها من أمثال شكري القوتلي ثم ظهرت براءة الكتلة‬
‫الوطنية‪ ،‬واتهم عبد الرحمن عصاصة وأعدم‪ ،‬غير أن عملية االغتيال كان الدافع ورائها قرب الشبهندر لالنتداب‪ .‬كذلك‬
‫فإن تركيا خالل واليته أعلنت ضم لواء إسكندرون رسم ًي ا لحدودها‪ ،‬باتفاق فرنسي تركي‪ ،‬لتحييد تركيا خالل الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬وفوق ذلك أعاد االنتداب ككيان مستقل دولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز‪ ،‬والح ًقا استطاع‬
‫السوريون إعادة ضمها عام ‪ .1943‬وبذلك يمكن القول أن حكومة الخطيب لم تق ّدم أي مكاسب سياسية للسوريين ولم‬
‫تحافظ على حقوقهم‪ ،‬واكتفت كحكومة ُمعينة غير منتخبة‪ ،‬بتسيير شؤون المواطنين اليومية فحسب‪.‬‬

‫ولد بهيج الخطيب في شحيم الواقعة حال ًيا بقضاء الشوف في لبنان عام ‪ ،1895‬وانتقل إلى دمشق حيث تلقى دراسته‪،‬‬
‫وزيرا للداخلية بالوكالة‪ ،‬ثم محاف ًظا لدمشق عام ‪1943‬؛ وفي‬
‫ً‬ ‫وبعد إنهاء مهامه كرأس للدولة ع ّين عام ‪1941‬‬
‫أعقاب استالم حزب البعث العربي االشتراكي للسلطة‪ ،‬غادر الخطيب سوريا نحو لبنان كأغلب المسؤولين السوريين‬
‫وأقام فيها إلى أن وافته المنية عام ‪ .1981‬يشار إلى أنه في عام ‪ 2007‬صدر مسلسل سوري بعنوان حسيبة‪،‬‬
‫اتهمت به عائلة الخطيب الروائي خيري الذهبي "التعرض والتجريح الشخصي والدخول بالمغالطات التاريخية التي‬
‫تمس باإلساءة لشخص الرئيس الراحل"‪.‬‬

‫‪ -11‬خالد العظم‬
‫(‪ ) 1965 -1903‬الرئيس الحادي عشر بصفة مؤقتة للدولة السورية بين ‪ 4‬أبريل و‪ 16‬سبتمبر ‪ ،1941‬وأحد أبرز‬
‫الزعماء السياسيين خالل فترة الجمهورية األولى من تاريخ سوريا‪ .‬رأس الحكومة في سوريا ستة مرات‪ ،‬وتولى‬
‫كرس ًيا وزار ًيا أكثر من عشرين مرة‪ ] 1[.‬يعد مجيء حزب البعث إلى السلطة في سوريا‪ ،‬انتقل إلى لبنان وعاش فيها‬
‫حتى وفاته‪ ،‬وقد صادر "مجلس قيادة الثورة" أمالكه داخل البالد‪ ،‬التي ورثها عن آبائه إذ إن آل العظم كانوا من‬
‫األسر الدمشقية العريقة‪ .‬تم ّي ز خالل فترة نشاطه السياسي بتقديم نموذج عن الوسطية السياس ّية‪ ،‬فاستطاع الحفاظ‬
‫نموذجا عن الرأسمالية السور ّية والليبرالية‬
‫ً‬ ‫على نفسه خارج االصطفاف بين حزب الشعب والكتلة الوطنية‪ ،‬كما كان‬
‫السياسية واإلسالم المعتدل‪ ،‬خالل تلك الفترة‪.‬‬
‫نشأته ونشاطه المبكر‬

‫أسرة آل العظم عائلة دمشقية عريقة‪ ،‬غدا خمسة من أفرادها والة لدمشق في العهد العثماني‪ ،‬كان أشهرهم أسعد باشا‬
‫الذي حكم هذه المدينة ‪ 14‬عا ًم ا‪ ،‬وخالل واليته تم إنشاء قصر العظم وخان أسعد باشا‪ ،‬وغيرها من التحسينات على‬
‫بنية المدينة؛ أما والده فهو محمد فوزي باشا العظم الذي تولى رئاسة بلدية دمشق فأنجز فيها العديد من المشاريع‪،‬‬
‫كالمشفى الوطني وجر مياه عين الفيجة والمساهمة في بناء الخط الحديدي الحجازي‪ ،‬وقد انتخب مرتين عضواً في‬
‫مجلس المبعوثين العثماني نائبا ً عن دمشق‪ .‬كما عين وزيراً للشؤون الدينية‪ ]2[،‬غير أن سياسته الوطنية أقالته من‬
‫المنصب سري ًعا‪ ،‬وعندما قام المؤتمر السوري العام في يونيو ‪ 1919‬عرضت عليه رئاسته‪ ،‬لكن المنية وافته في‬
‫نوفمبر ‪]1[.1919‬‬

‫ولد العظم يوم ‪ 6‬نوفمبر ‪ 1903‬في سوق ساروجا‪ ،‬وقد أشار في الجزء األول من مذكراته إلى أنّ فرحة والديه به‬
‫كانت كبيرة إذ قدم بعد خمسة وعشرين عاما ً أنجبا فيها بنتا ً واحدة وطفلين توفيا قبل بلوغهما الثالثة‪ .‬ويضيف أنَ أمه‬
‫عندما كانت حامالً به زارت ضريح خالد بن الوليد في حمص ونذرت إن وهبها هللا مولوداً ذكراً أن تسميه خالداً‪]1[.‬‬

‫وزيرا للشؤون الدينية‪،‬‬


‫ً‬ ‫تلقى تعليمه االبتدائي على أيد أساتذة خصوصيين بين دمشق واسطنبول بعد أن ع ّين والده‬
‫وبعد عودتهم من إسطنبول درس في المدرسة التجارية‪ ،‬ومن بعدها درس الحقوق والقانون في جامعة دمشق وتخرج‬
‫باكرا لكون عائلته إحدى أهم عائالت دمشق وأعيانها‪ ]3[،‬فغدا‬‫منها عام ‪ ،1923‬ورث عن أبيه العمل السياسي ً‬
‫وزير ا في حكومة دمشق الفيدرالية‪ ،‬خالل عهد االتحاد السوري‪ .‬طوال تلك الفترة أدار أمالك عائلته اإلقطاعية الغنية‬
‫ً‬
‫في مختلف أنحاء البالد‪ ،‬وحافظ على نفسه بمنأى من السياسيين المقربين من االنتداب الفرنسي على سوريا‪ ،‬وجمعته‬
‫عالقة طيبة مع هاشم األتاسي وشكري القوتلي‪ ،‬غير أنه في السياسة كان أقرب إلى هاشم األتاسي الذي عارض معه‬
‫مشروع الوحدة مع مصر‪ ،‬كما اتهمه بكونه "سلطوي جدً ا"‪ .‬خالل وزارته تلك قام بتأسيس غرفة صناعة دمشق عام‬
‫‪ 1935‬وكان قد أسس قبالً مصنع االسمنت الحكومي‪ ،‬عام ‪ .1930‬ثم وبعد إعالن الجمهورية األولى عام ‪1932‬‬
‫أصبح نائ ًبا في البرلمان عن دمشق‪ ،‬وكلّف وزارة الخارجية في حكومة نصوح البخاري عام ‪]3[.1939‬‬
‫العمل الحكومي‬
‫نشاطه ‪1948 - 1941‬‬

‫بعد إقالة بهيج الخطيب عام ‪ ، 1941‬في محاولة من قبل الفرنسيين خالل الحرب العالمية الثانية استمالة القوى‬
‫جامعا بين منصبي رئاسة الدولة ورئيس‬ ‫ً‬ ‫السياسية الوطنية في سوريا‪ ،‬عهدت إليه رئاسة الدولة السور ّية بالوكالة‪،‬‬
‫الوزراء فشكل وزارته األولى‪ ،‬التي كان مهامها اإلعداد لعودة الحياة الدستورية إلى البالد؛[‪ ]4‬دمغ حكومته األولى‬
‫عفوا عا ًم ا عن جميع المعتقلين السياسيين الذين أودعتهم فرنسا الفيشية في‬ ‫بعدد من القرارات الهامة‪ ،‬فأصدر ً‬
‫السجون‪ ،‬وحفظ البالد من تبعات انقالب رشيد عالي الكيالني في العراق‪ ،‬غير أن فرنسا انتهجت سياسة المماطلة‬
‫وأخير ا استبدلته بعد خمس أشهر بالرئيس السابق تاج الدين الحسني على أنه رئيس جمهورية‪ ،‬وهو من‬ ‫ً‬ ‫والتسويف‪،‬‬
‫الشخصيات المحسوبة على أنها مقربة من االنتداب‪.‬‬

‫مرات‪ ،‬وأصبح في حكومة االستقالل األولى عام ‪1946‬‬ ‫انتخب نائ ًبا في البرلمان عام ‪ ،1943‬أعيد انتخابه عدة ّ‬
‫وزير ا للعدلية فكان من أول قراراته إلغاء "االمتيازات األجنبية في البالد"‪ ]3[،‬ثم تزعم معارضة شكري القوتلي‬
‫ً‬
‫عندما أراد تعديل الدستور لكي ُي سمح له بالترشح لوالية الثانية‪ ،‬غير أن القوتلي استطاع تعديل الدستور والفوز‬
‫بانتخابات الرئاسة عام ‪ 1947‬في وجه العظم‪ ،‬الذي قبل منصب السفير السوري في فرنسا‪ ،‬ولم يستمر في عمله‬
‫طويالً إذ سرعان ما طلب منه القوتلي تشكيل الحكومة‪ ،‬بعدما لم يجد أفضل منه في حوز المنصب كما يقول مأمون‬
‫البني فكانت تلك حكومته الثانية‪ ] 4[،‬غير أنها لم تكن مدعومة من قبل الكتل الكبرى‪ ،‬فانفرط عقدها بعد عشرة أيام‬
‫سفير ا ونجح في إبرام صفقة تسليح مع فرنسا‪ ،‬كما أبرم الح ًقا صفقة تسليح أخرى مع‬
‫ً‬ ‫من تشكيلها‪ ،‬وعاد العظم‬
‫االتحاد السوفياتي‪.‬‬
‫نشاطه ‪1954 - 1948‬‬

‫في مايو ‪ 1948‬وبعد نكبة فلسطين جابت دمشق مسيرات منددة بحكومة جميل مردم بك‪ ،‬فقدمت الحكومة استقالتها‬
‫وكلّ ف خالد العظم تشكيل الحكومة‪ ،‬فكانت حكومته الثالثة في ‪ 16‬ديسمبر ‪ 1948‬واستمرت حتى مارس ‪ 1949‬حين‬
‫تم انقالب حسني الزعيم‪ ] 5[.‬ورغم قصر مدة هذه الحكومة‪ ،‬كسائر حكومات الجمهورية األولى‪ ،‬إال أنّ عد ًدا من‬
‫القرارات الهامة تم اتخاذها خالل عهدها‪ ،‬منها إقرار الهدنة مع إسرائيل وشراء أسلحة من فرنسا والتصديق على‬
‫أيض ا‪ ،‬وسعت للحصول على قروض من أجل التنمية الوطنية من الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫اتفاقية النقد السوري مع فرنسا ً‬
‫ضا‬
‫ً‬ ‫أي‬ ‫الداخلي‬ ‫الصعيد‬ ‫وعلى‬ ‫الفلسطينية‪،‬‬ ‫بالقضية‬ ‫الخاصة‬ ‫المتحدة‬ ‫األمم‬ ‫اجتماعات‬ ‫كما سافر العظم عدة مرات لحضور‬
‫أسس غرفة الزرارعة الوطنية‪ ،‬وقام ببناء صوامع للحبوب من المنطقة الشرقية ومصن ًعا للنسيج الوطني إلنتاج ألبسة‬
‫وطنية منخفضة السعر بعد ارتفاع أسعارها داخل السوق السورية؛[‪ ]4‬وأراد العمل على بناء سد "يوسف باشا" على‬
‫نهر الفرات‪ ،‬وذلك لمضاعفة المساحة المروية الخاصة لزراعة القطن والقمح في البالد‪ ]4[.‬وعلى الرغم من كونه‬
‫فقرا‪ ،‬كما‬
‫أيض ا التنمية المتوازنة والعمل على إنصاف طبقات الشعب األكثر ً‬ ‫رأسمال ًيا إال أن سياساته المال ّية كانت تدعم ً‬
‫ش ن التحالف بين سوريا واالتحاد السوفياتي‪ ،‬وجمعته عالقة صداقة مميزة مع البطريرك الماروني بولس بطرس‬ ‫أنه د ّ‬
‫المعوشي‪ ،‬الذي يقول المؤرخ مروان البني أنه خالل زيارة البطريرك لواشنطن قال الرئيس اإلمريكي آيزنهاور‬
‫خطيرا لعالقته المميزة مع السوفييت‪]4[.‬‬
‫ً‬ ‫للبطريرك أن اإلدارة اإلمريكية تعتبر العظم‬

‫ض ا اتفاقية مد خطوط تابالين التبالين قبل تحويرها بما يتفق والسيادة السورية كما أراد جعل الخط‬ ‫عارض العظم أي ً‬
‫ً‬
‫يمر من وراء دمشق خوف ا على الخط من إسرائيل‪ ،‬إال أن انقالب حسني الزعيم أطاح بمفاوضات العظم‪ ،‬وقام الزعيم‬ ‫ّ‬
‫بتوقيع االتفاق منفردًا‪ ]4[.‬ودو ًم ا كانت عالقة العظم مع قادة الجيش متوترة وعلى رأسهم حسني الزعيم‪ ،‬الذي أطاح‬
‫بالنظام الديموقراطي خالل حكومة العظم الثالثة بانقالب عسكري في ‪ 30‬مارس ‪ ،1949‬وأودعه السجن مع رئيس‬
‫الجمهورية آنذاك شكري القوتلي وقد اقتيد العظم من بيته إلى السجن "حاف ًيا‪ ،‬إذ ألقى الجند عليه القبض أثناء نومه"‪.‬‬
‫[‪ ]6‬ومكث في االعتقال أسبو ًعا‪ ،‬ففي ‪ 7‬أبريل ق ّد م العظم استقالته من رئاسة الوزارة كما قدّ م القوتلي استقالته من‬
‫رئاسة الجمهورية ومقابل ذلك أطلق الزعيم سراحهما‪ ،‬في محاولة إلضفاء الشرعية على حكمه‪ ]7[.‬وفي أغسطس‬
‫‪ 1949‬انقلب سامي الحناوي على الزعيم وأعدمه‪ ،‬ثم في عام ‪ 1950‬انقلب أديب الشيشكلي على الحناوي وأعاد‬
‫األتاسي إلى رئاسة الجمهورية‪ ،‬ثم دعا إلى انتخابات نيابية‪ ،‬فاز العظم خاللها بمقعد عن دمشق رغم أن هذه‬
‫عضوا في الجمعية التأسيسية الموكولة مهام وضع دستور‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬
‫االنتخابات لم تجر في أجواء كاملة الحر ّية‪ ،‬وانتخب ً‬
‫جديد للبالد‪ ،‬وتولى حقيبة المالية في وزارة الرئيس هاشم األتاسي‪ ،‬وفي أواخر ‪ 1949‬شكل حكومته الرابعة التي‬
‫استمرت حتى يونيو ‪ 1950‬ثم استقالت "بعد خالفات بين الوزراء لم يقو على حلها‪ ،‬وكانت استقالته مفاجأة للوسط‬
‫السياسي"‪]8[.‬‬

‫سا للوزراء للمرة الخامسة في مارس ‪ 1951‬خالل رئاسة هاشم األتاسي الثانية‪ ،‬وكانت وزارة تكنوقراط‬ ‫ثم غدا رئي ً‬
‫خالية من األحزاب بما فيهم حزب الشعب أكبر أحزاب البالد‪ ،‬وذلك بعد مناقشات مع الرئيس األتاسي وقائد االنقالب‬
‫الشيشكلي‪ ،‬وخالل عمل هذه الحكومة أغلق العظم الحدود في وجه السلع اللبنانية في محاولة لمنع سقوط الصناعة‬
‫المحلية نتيجة لتفشي الواردات اللبنانية‪ ،‬معل ًنا بذلك نهاية الوحدة االقتصادية مع لبنان‪ ]3[.‬وأعلن عن تأسيس مرفأ‬
‫الالذقية وأدخل إصالحات اقتصادية في الليرة السورية‪ ،‬كما أعلن عن مشروع مد سكك الحديد بين المناطق الشرقية‬
‫على نهر الفرات والالذقية بهدف تسهيل حركة االستيراد والتصدير‪ ،‬كما حدثت عدة مناوشات حربية بين الجيش‬
‫وزيرا للدفاع وأديب الشيشكلي قائ ًدا‬
‫ً‬ ‫السوري والجيش اإلسرائيلي قرب الجوالن ما دفع بالعظم لتعيين فوزي السلو‬
‫للجيش برتبة مشير‪ ،‬بهدف سرعة التحرك في األحوال الحربية‪ ]9[.‬وعمو ًما‪ ،‬فإنه رغم كره العظم للجيش إال أنه‬
‫تعاون معه في هذه الوزارة‪ ،‬وع ّين عددً ا من الضباط المقربين منه والمقربين من الشيشكلي بمراتب وزراء أو‬
‫مستشارين‪ ،‬وتصادم مع أنصار هاشم األتاسي الذين كانوا يدعوا إلى الوحدة مع العراق‪ ،‬عل ًما أن سبب انقالب‬
‫الشيشكلي أصالً‪ ،‬هو منع األتاسي من إتمام الوحدة مع العراق‪ .‬ومع نهاية يوليو ‪ 1951‬استقال العظم‪ ،‬واعتكف‬
‫العمل السياسي حتى نهاية حكم أديب الشيشكلي عام ‪]10[.1954‬‬
‫نشاطه ‪1963 - 1954‬‬

‫بعد اإلطاحة بالشيشكلي عام ‪ 1954‬عاد األتاسي ليكمل ما تبقى من فترته الرئاسية وتشكلت حكومة برئاسة صبري‬
‫العسلي غير أنها لم تمكث طويالً بل استقالت في يونيو ‪ 1954‬وجاءت وزارة جديدة برئاسة سعيد الغزي نظمت‬
‫انتخابات مجلس النواب‪ ،‬في أعقاب االنتخابات عاد العظم إلى الندوة البرلمانية نائ ًبا عن دمشق‪ ،‬وكما تقتضي‬
‫األعراف استقالت حكومة الغزي بعد االنتخابات وتألفت حكومة جديدة برئاسة فارس الخوري التي استقالت في فبراير‬
‫‪ 1955‬بعد رفض البرلمان ‪ -‬بأغلبية نوابه المستقلين مع البعثيين والشيوعيين ‪ -‬مشروع الموازنة التي قدمتها‬
‫الحكومة‪ ،‬وشكلت حكومة جديدة برئاسة صبري العسلي كان العظم فيها وزير للخارجية ووزير للدفاع بالوكالة‪]11[.‬‬
‫وقد حصلت خالل هذه الحكومة اغتيال عدنان المالكي‪ ،‬واستمرت في مهامها فترة جاوزت الست األشهر‪ ،‬ولم تستقل‬
‫إال في أعقاب االنتخابات الرئاسية عام ‪ 1955‬التي أفضت إلى فوز شكري القوتلي برئاسة الجمهورية في الدورة‬
‫الثانية من االقتراع‪ ،‬وكان منافسه الوحيد خالد العظم‪ .‬تقاعد العظم إثر خسارته لفترة وجيزة‪ ،‬ثم عاد مرة أخرى في‬
‫نوفمبر ‪ 1956‬ليدخل في حكومة صبري العسلي كوزير للدفاع‪ ،‬خالل حكومة إئتالفية من حزب البعث والكتلة الوطنية‬
‫دورا رئيس ًيا في‬
‫و"الكتلة الديموقراطية" التي كانت تجمع عدد من النواب المستقلين‪ ،‬ومن بينهم العظم‪ .‬لعب العظم ً‬
‫مرارا وعديدة لترتيب القروض واالتفاقات االقتصادية وصفقات‬ ‫ً‬ ‫تحقيق التحالف مع االتحاد السوفياتي‪ ،‬وسافر‬
‫األسلحة‪ ،‬مما أثار غضب الواليات المتحدة‪.‬‬

‫انعدمت ثقة االشتراكيين فيه بسبب خلفيته األرستقراطية الغنية والعثمانية‪ ،‬ورغم أنه لم يكن من أنصار الرأسالمية‬
‫المطلقة ورغم تحالفه مع االتحاد السوفياتي بعد األحيان‪ ،‬حتى لقب "المليونير األحمر"‪ ،‬وقد اعتمدت الصحافة‬
‫السورية هذا اللقب خالل فترة الخمسينيات‪ .‬وألنه لم يكن اشتراكياً‪ ،‬بل معارضا ً في واقع األمر لدعوات االشتراكية في‬
‫الوطن العربي‪ ،‬فقد عارض بدون جدوى الوحدة مع مصر في عام ‪ 1958‬التي أدت إلى إعالن الجمهورية العربية‬
‫المتحدة‪ ،‬مبي ًن ا أن عبد الناصر من شأنه أن يدمر النظام الديمقراطي واقتصاد السوق الحرة في سوريا‪ ،‬اعتزل العظم‬
‫الحياة السياسية خالل فترة االتحاد وهاجر إلى لبنان‪.‬‬

‫عندما حصل االنفصال بانقالب عسكري قام به عبد الكريم النحالوي مع ‪ 35‬ضاب ًطا وأعلن ف ّك العالقة مع مصر‪ ،‬بعد‬
‫أن كان سراج وكحالة‪ ،‬مندوبي الرئيس ناصر في سوريا‪ ،‬قد انتهجا سياسة قمعية لم تكن البالد قد شهدتها من قبل‪،‬‬
‫كما أن الوحدة االقتصادية أثرت سل ًبا على اقتصاد البالد‪ ]12[.‬عاد العظم إلى سوريا‪ ،‬وساعد في صياغة وثيقة‬
‫سا‪ ،‬وعاد‬‫االنفصال بنفسه‪ ،‬وحاول خوض انتخابات الرئاسة ولكن الجيش رفض ترشيحه‪ .‬انتخب ناظم القدسي رئي ً‬
‫العظم إلى البرلمان كنائب عن دمشق‪ .‬يوم ‪ 28‬مارس ‪ ،1962‬أطاح انقالب آخر بالنظام‪ ،‬وسجن القدسي والعظم‪.‬‬
‫وفي ‪ 2‬أبريل أطلق انقالب مضاد سراحهم‪ ،‬وأصبح العظم رئيسا للوزراء من جديد تحت حكم القدسي‪ .‬تحالف الرجالن‬
‫مع الرئيس السابق شكري القوتلي لتخليص الجيش من الناصريين‪ ،‬وعكس مشروع التأميم الذي وضعه جمال عبد‬
‫رئيس ا للجمهورية العربية المتحدة‪ .‬وقبل تحقيق ذلك‪ ،‬جاء حزب البعث العربي االشتراكي إلى‬
‫ً‬ ‫الناصر عندما كان‬
‫بانقالب أطلق عليه ثورة الثامن من آذار‪ ،‬وانتقل كل من العظم والقدسي إلى لبنان‪.‬‬
‫وفاته‬

‫انتقل خالد العظم نهائيا إلى بيروت‪ ،‬حيث عاش في ظروف مادية صعبة‪ ،‬إذ استملك حزب البعث على أمالكه في البالد‪.‬‬
‫ومنها بدأ عام ‪ 1964‬نشر مذكراته السياسية في جريدة النهار التي دققها لغو ًيا خليل كالس‪ ،‬واستمرت عملية النشر‬
‫حتى بعد وفاته‪ ،‬إذ توفي الرئيس العظم في بيروت ودفن فيها يوم ‪ 18‬نوفمبر ‪ ]4[.1965‬وقد كانت في وصيته أن‬
‫يدفن قرب اإلمام األوزاعي في بيروت وأال يحمل إلى دمشق لكي ال تضطرب المدينة وأنصاره فير ّد عليهم بالرصاص‬
‫ويسقط قتلى وجرحى‪ ] 1[.‬وقد ورد في كتاب األعالم للزركلي أن زوجته باعت مذكراته بعد وفاته‪ ،‬ويقال إنه دخلها‬
‫تحريف وتبديل‪ ،‬ونشر بعضها متسلسالً في جريدة النهار‪ .‬ثم نشرت كاملة في كتاب‪ ]13[.‬وقد تم التطرق لشخصيته‬
‫أر خ لمرحلة الحياة السياسية في سوريا منذ عهد المملكة السورية وحتى ثورة‬‫في مسلسل حمام القيشاني‪ ،‬الذي ّ‬
‫وغموضا في تاريخ سوريا‬
‫ً‬ ‫البعث وقيام الجمهورية الثانية؛ وقد وصفت شخصيته بكونها من أكثر الشخصيات إشكالية‬
‫ستار ا من الغموض يكتف العديد من المواقف السياسية التي اتخذها خالل حياته السياسية‬
‫ً‬ ‫المعاصر‪ ،‬كما أنّ‬

‫‪ -12‬جميل األلشي‬

‫(‪ )1951 - 1883‬سياسي سوري‪ ،‬تقلّب في عدة مناصب وزار ّية ورأس الحكومة لفترتين قصيرتين المرة األولى‬
‫عام ‪ 1920‬والثانية عام ‪ 1943‬عندما توفي الرئيس حينها تاج الدين الحسني ما بوأه منصب رئيس الجمهورية‬
‫المؤقت بموجب الدستور السوري لحين إجراء انتخابات‪ُ .‬عرف بقربه من الشيخ التاج ومن االنتداب الفرنسي رغم‬
‫وجود خالفات دائمة مع ممثليهم في البالد‪ .‬بعد انهيار المملكة السورية العربية غدا منصب رئيس الوزراء هو األعلى‬
‫أيض ا بكونه الحاكم الثالث لسوريا بعد زوال العثمانيين‪.‬‬
‫في البالد‪ ،‬ولذلك يعرف األلشي ً‬

‫في ‪ 25‬مارس ‪ 1943‬أنهى المفوض الفرنسي حكومة األلشي المؤقتة التي كان رئيسها له صفة رئيس الجمهورية‬
‫المؤقتة بموجب الدستور‪ ،‬وكلّ ف عطا األيوبي تشكيل الحكومة المؤقتة إلجراء االنتخابات‪ ،‬ويعتبر ذلك نهاية الحياة‬
‫ضا في جيش المملكة‬ ‫السياسية لأللشي‪ ،‬الذي توفي عام ‪ 1951‬وهو عقيد سابق في الجيش العثماني وعمل أي ً‬
‫السور ّية وشغل منصب المفوض العسكري باسمها في بيروت‪.‬‬
‫الحياة السياسية‬
‫مع بداية االنتداب‬

‫في ‪ 24‬يوليو ‪ 1920‬هزم جيش المملكة السورية العربية في معركة ميسلون ودخل في اليوم التالي‪ ،‬الجيش الفرنسي‬
‫دمشق‪ ،‬فغادرها الملك فيصل األول إلى الكسوة وطلب من هناك استقالة حكومة األتاسي وجرى تكليف عالء الدين‬
‫الدروبي تشكيل الحكومة‪ ،‬تحوي شخصيات موالية للفرنسيين‪ ،‬فشغل األلشي منصب وزير الدفاع‪ ،‬وهو كان ذو صالة‬
‫جيدة مع الفرنسيين منذ أن كان ضاب ًطا باسم المملكة في بيروت‪]1[.‬‬

‫في ‪ 28‬يوليو غادر الملك الكسوة نحو درعا ومنها إلى حيفا وغدا رئيس الوزراء أعلى سلطة وطنية في البالد‪ ،‬ورغم‬
‫قصر الفترة الزمنية التي مكثت بها حكومة الدروبي إال أنها اتخذت قرارات عامة من أمثال فرض الغرامة الحربية‬
‫بمقدار ‪ 200‬ألف ليرة عثمانية على السوريين في ‪ 2‬أغسطس‪ ،‬وإصدار األمر بجمع السالح من أيدي المواطنين في‬
‫أمرا‬
‫دمشق يوم ‪ 3‬أغسطس‪ ،‬ومنع الموظفين الحكوميين والعسكريين العمل بالشأن السياسي ومن ثم اعتبار االنتداب ً‬
‫واق ًعا في ‪ 5‬أغسطس‪ .‬وفي ‪ 19‬أغسطس اتجه رئيس الوزارة عالء الدين الدروبي إلى درعا رغبة في تهدئة خواطر‬
‫أعيانها اغتالوه مع رئيس مجلس الشورى عبد الرحمن اليوسف في محطة قطار خربة الغزالة على الطريق المودي‬
‫إلى درعا‪ ،‬وفي ‪ 21‬أغسطس قرر وزراء الحكومة تكليف األلشي رئاسة الوزارة مؤق ًتا مع احتفاظه بوزارة الحربية‪[.‬‬
‫‪]2‬‬

‫رئيسا مؤق ًتا حتى ‪ 6‬سبتمبر حين عهد إليه تشكيل حكومة جديدة برئاسته‪ ،‬جميع رئاستها إلى وزارة‬
‫ً‬ ‫مكث األلشي‬
‫الحربية‪ ] 3[،‬ومن ثم اختار جميع الوزراء من وجهاء دمشق دون سواها‪ ،‬ألن هنري غورو كان قد فصل حلب‬
‫والالذقية والسويداء وفلسطين ولبنان الكبير واألردن عن سوريا‪ ]3[،‬وفي ‪ 30‬نوفمبر ‪ 1920‬قرر غورو إلغاء‬
‫وزارة الحربية‪ ،‬فأثار ذلك الخالف بين األلشي وغورو استقال على إثره األلشي من الرئاسة وعهد إلى حقي بيك العظم‬
‫بدءا من‬
‫رئاسة الحكومة نفسها‪ ،‬ومع استقالته من رئاسة الوزارة اعتكف األلشي عن العمل السياسي لسنوات طويلة‪ً ،‬‬
‫وزيرا في عهد تاج الدين‬
‫ً‬ ‫عهد صبحي بركات (‪ )1926 - 1922‬وأحمد نامي (‪ )1928 - 1926‬وعاد إلى السلطة‬
‫الحسني‪.‬‬
‫في الدولة السورية‬

‫في ‪ 15‬فبراير ‪ 1928‬أصبح تاج الدين الحسني ثالث رئيس للدولة السورية‪ ،‬وقد عهد في حكومته األولى لأللشي‬
‫بوزارة المالية‪ ] 4[،‬لم يكن في هذه الوزارة من سبق انتسابه إلى حزب من األحزاب الوطنية‪ ،‬وقد أجمع المؤرخون‬
‫على اعتبارها وزارة انتدابية تستمد قوتها من الكومندان كولييه مدير االستخبارات الفرنسية في دمشق والذي كانت‬
‫تجمعه صداقة مع الشيخ التاج‪ ] 5[.‬ورغم ن الخالف كان قد دب بين األلشي والفرنسيين قبل ذلك‪ ،‬إال أنه لم يفعل كما‬
‫فعل صبحي بركات مثالً ‪ ،‬بالميل نحو الوطنيين بل حافظ على عالقته الجيدة مع فرنسا وهو ما أهله لشغل المناصب‬
‫األخرى في ظل الحكومات االنتدابية‪.‬‬

‫وزيرا للمالية حتى أغسطس ‪ 1930‬حين ش ّك ل الشيخ التاج حكومته الثانية‪ ،‬وقد كان من أبرز أعمال‬ ‫ً‬ ‫استمر األلشي‬
‫حكومته تنظيم انتخابات الجمعية التأسيسية ووضع دستور للبالد‪ ،‬وقد اتهمت الحكومة بنوع من الفساد المالي نشرت‬
‫فصوله صحيفة "القبس" الدمقشية الناطقة باسم الكتلة الوطنية‪ ،‬غير أن القضاء لم يفلح في إدانة التاج ووزير ماليته‬
‫األلشي‪ ]6[.‬وكذلك فقد مولت الحكومة عد ًد ا من المشاريع الهامة في دمشق وسواها كالهالل األحمر بعضها ال يزال‬
‫قائ ًما إلى اليوم‪.‬‬
‫في الجمهورية السورية‬
‫أنهى الفرنسيون حكم الشيخ التاج في ‪ 16‬نوفمبر ‪ 1931‬وجاءت إلى الحكم وزارة مؤقتة ترأسها الفرنسي الجنرال‬
‫سا للجمهورية‪ ،‬غدا حقي بيك‬ ‫سالومياك‪ ،‬نظمت االنتخابات النيابية وبنتيجة االنتخابات انتخب محمد علي العابد رئي ً‬
‫س ا للوزارة بائتالف بين الكتلة الوطنية ومعتدلي الجنوب ثم بإئتالف آخر بين معتدلي الجنوب ومعتدلي‬ ‫العظم رئي ً‬
‫الشمال‪ ،‬واستمر اإلئتالف بين عامي ‪ 1932‬و‪1934‬؛ وفي ‪ 17‬مايو ‪ 1934‬استقالت حكومة العظم الثانية وجيء‬
‫س ا للوزارة فأسند لأللشي وزارة األشغال العامة‪]7[.‬‬‫بالشيخ التاج رئي ً‬

‫لم تنعم الحكومة باالستقرار السياسي‪ ،‬بل تتالت المظاهرات المنددة باالنتداب وسياسته‪ ،‬هذه االحتجاجات أخذت منحى‬
‫متصاعد بعد وفاة ابراهيم هنانو في ديسمبر ‪ ،1935‬واالحتجاجات التي رافقت ذكرة أربعينه وعرفت باسم "اإلضراب‬
‫الستيني" في دمشق ومدن أخرى‪ ،‬وأفضت في نهاية األمر إلى التوافق بين االنتداب والكتلة الوطنية‪ ،‬خالل عهد‬
‫ضا والتي شكلها في ‪ 17‬مايو‬ ‫وزيرا لألشغال خالل حكومة الشيخ التاج أي ً‬
‫ً‬ ‫الجمهورية األولى (‪ )1963 - 1932‬عين‬
‫ضا بعد حل البرلمان وتعطيل عمله بقرار‬ ‫‪ 1934‬على أيام الرئيس محمد علي العابد‪ ،‬وقد جاء تشكيل هذه الحكومة أي ً‬
‫من المفوض شارل دي مارتيل‪ ،‬وقد استقالت هذه الحكومة بعد اإلضراب الستيني واالنتخابات النيابية التي أوصلت‬
‫الكتلة الوطنية إلى سدة الحكم‪ ،‬وطوال رئاستي هاشم األتاسي وبهيج الخطيب ثم رئاسة خالد العظم المؤقتة لم يكن‬
‫سا‬‫لأللشي أي عمل سياسي‪ ،‬وفي ‪ 12‬سبتمبر ‪ 1941‬تم إعادة العمل بالدستور وتم تعيين تاج الدين الحسني رئي ً‬
‫للجمهورية ونودي "بسوريا المستقلة"‪ ،‬وفي ‪ 19‬سبتمبر شكل التاج حكومته األولى برئاسة حسن الحكيم وكانت تلك‬
‫حكومة التاج األولى التي غاب عنها األلشي‪ ،‬وفي أبريل ‪ 1942‬استقالت حكومة الحكيم وكلف البرازي تشكيل‬
‫الحكومة‪ ،‬غير أن الخالفات طغت على عمل هذه الحكومة بين رئيس ورئيس وزرائها المدعوم من قبل بريطانيا‪]8[،‬‬
‫ولم تحل الخالفات إال بتدخل الجنرال كوليه بإقناع بريطانيا التخلي عن دعمها للبرازي‪ ،‬وتمكن إثر ذلك رئيس‬
‫الجمهورية إنهاء الحكومة البراز ّي ة‪ ،‬وعهد بتأليف ثالث وزارات عهده إلى صديقه العقيد السابق جميل األلشي‪.‬‬

‫في ‪ 8‬يناير ‪ 1943‬شكل األلشي حكومته الثانية مؤلفة من تسعة وزراء‪ ،‬جميعهم من "المستقلين" غير أن رئيس‬
‫رئيسا مؤق ًتا للجمهورية‪]9[.‬‬
‫ً‬ ‫الجمهورية توفي بعد أيام قليلة في ‪ 17‬يناير [‪ ،]]1943‬وبموجب الدستور غدا األلشي‬
‫كانت بريطانيا خاللها قد دخلت على الساحة السياسية سورية داعمة للكتلة الوطنية‪ ،‬وأرادت التوصل التفاق بين‬
‫الكتلة وفرنسا‪ ،‬ومن ناحية ثانية كان الخالف قد تفجر بين فرنسا وبين األلشي إثر رفض األخير دفع مبلغ ‪ 15‬مليون‬
‫ليرة لمؤسسة تمويل الجيوش الفرنسية في المشرق لكون المبلغ يؤدي إلى عجز في الموازنة واإلضرار ببرنامج‬
‫"توزيع الخبز على الفقراء مجا ًن ا"‪ ،‬والذي أعلنه األلشي خالل سنوات الحرب‪ .‬ونتيجة ذلك أعلن المفوض الفرنسي‪،‬‬
‫وبعد التافاق مع بريطانيا والكتلة الوطنية على إنهاء حكم األلشي في ‪ 25‬مارس ‪ 1943‬وتشكيل حكومة محايدة‬
‫احتج األلشي لكون إنهاء تكليفه مخالف للسدتور‪ ،‬ورغم ذلك فقد شكل‬
‫ّ‬ ‫مؤقتة برئاسة عطا األيوبي إلدارة االنتخابات‪.‬‬
‫األيوبي حكومته الحيادية‪ .‬وقد برر الكتلويون دعمهم لهذه الحكومة‪ ،‬بأن األلشي بوصفه طر ًفا في النزاع السياسي‪ ،‬ال‬
‫يجوز له أن يشرف على االنتخابات‪ ،‬بل من الواجب أن يشرف عليها حكومة حيادية تحوز ثقة جميع مكونات الشعب‪،‬‬
‫سا للجمهورية‪،‬‬‫وقد نظمت االنتخابات في يونيو ‪ 1943‬وفازت بنتيجتها الكتلة الوطنية‪ ،‬وانتخب شكري القوتلي رئي ً‬
‫وشكل ذلك نهاية الحياة السياسية لأللشي‪.‬‬

‫‪ -13‬عطا األيوبي‬

‫الحياة السياسية‬

‫العمل الحكومي‬

‫في عام ‪ 1908‬عين األيوبي حاك ًم ا على الالذقية‪ ،‬الميناء الهام على الساحل السوري‪ .‬وبعدها عاد إلى دمشق كأحد‬
‫وجهائها ولم يشارك في الثورة العربية الكبرى بين يونيو ‪ 1916‬وسبتمبر ‪ ،1918‬وخالل الفترة االنتقالية التي تلت‬
‫خروج الجيش العثماني من دمشق وقبل دخول الجيش العربي للمدينة‪ ،‬كان أحد أعضاء حكومة مدنية من وجهاء‬
‫دمشق شكلت لتسيير األمور ودامت أربع أيام فقط‪ ،‬وكان الحكومة برئاسة األمير سعيد الجزائري‪ .‬في يونيو ‪1919‬‬
‫انتخب المؤتمر السوري العام وفي ‪ 8‬مارس ‪ 1920‬أعلن استقالل سوريا وقيام المملكة السورية العربية برئاسة‬
‫صا فرنسا وبريطانيا‪.‬‬
‫فيصل األول من جانب واحد‪ ،‬أي لم يتم االعتراف به من المجتمع الدولي خصو ً‬
‫وزير ا للداخلية‪ ،‬وقد شكلت تلك الحكومة بعد معركة ميسلون في‬
‫ً‬ ‫في آخر حكومات المملكة السورية العربية تم تعيينه‬
‫واستمر في منصبه خالل حكومة األلشي حتى ‪ ]2[.1922‬وخالل تلك المدة الطويلة من قيادة‬
‫ّ‬ ‫‪ 26‬يوليو ‪،1920‬‬
‫وزارة الداخلية تمكن األيوبي من إنفاذ عدد من القرارات الهامة جمع السالح من المدنيين وإدخال نظام "تعويضات‬
‫غالء المعيشة" وتشغيل السجناء مقابل أجرة‪ ،‬وإدخال أدوات مقاومة للحريق في هيئات الدولة وغيرها من المشاريع‬
‫الهامة‪]3[.‬‬

‫وزيرا للعدل خالل‬


‫ً‬ ‫ضا‪ ،‬فمن ناحية عين‬ ‫ً‬
‫بارزا أي ً‬ ‫دورا‬
‫وبعد قيام االتحاد السوري في ‪ 28‬يونيو ‪ 1922‬كان لأليوبي ً‬
‫عضوا في المجلس االتحادي‪ ،‬وهو برلمان االتحاد‬ ‫ً‬ ‫حكومة صبحي بركات األولى ومن ناحية ثانية عينه هنري غورو‬
‫المسؤول عن إدارة شؤونه العليا وانتخاب الرئيس‪ ،‬وذلك بصفته ممثالً عن دولة دمشق‪ ،‬وقد مثل دمشق إلى جانبه‬
‫كالً من محمد علي العابد وفارس الخوري‪ ]4[.‬وفي ‪ 1‬يناير ‪ 1925‬تم حل ّ االتحاد السوري وأعلنت الوحدة بين دولتي‬
‫رئيسا للدولة‪ ،‬فشغل األيوبي في حكومة بركات الثانية منصب وزير‬ ‫ً‬ ‫دمشق وحلب‪ ،‬وعين الفرنسيون صبحي بركات‬
‫مستمرا في أداء مهامه السابقة‪ ] 5[.‬وقد اندلعت خالل عمل هذه الحكومة الثورة السورية الكبرى التي قمعها‬
‫ً‬ ‫العدل‪،‬‬
‫الفرنسيون بضراوة وشكلت على إثرها محاكم إستثانئي‪ ،‬وأعلنت حال األحكام العرفية في البالد‪ ،‬كذلك فقد أصدر وزير‬
‫ينص بمصادرة أموال المحكوم عليهم في المحاكم االستثنائية لمصلحة الدولة‪ ،‬عمو ًما فإن هذه‬
‫ّ‬ ‫قرارا آخر‬
‫ً‬ ‫العدل‬
‫اإلجراءات لم توقف الثورة‪ ،‬فلجأ الفرنسيون لقصف دمشق بالمدفعية والطائرات‪ ،‬ولم تتوقف الثورة ال فيها وال في‬
‫سائر المدن السورية‪ ،‬واستدعي المفوض الفرنسي سراي إلى بالده ثم أنهيت رئاسة صبحي بركات لالتحاد وعهد إلى‬
‫أحمد نامي تشكيل الحكومة فألفها في ‪ 2‬مايو ‪ ،1926‬ولم تشمل على اسم األيوبي‪ ،‬وبالتالي كانت تلك أول حكومة ال‬
‫تشمل األيوبي منذ ‪ ] 6[.1920‬ولم يستلم األيوبي أي حقيبة وزارية خالل عهد أحمد نامي (‪ )1928 - 1926‬وكذلك‬
‫في عهد تاج الدين الحسني (‪ )1931 - 1928‬مبتعدً ا بذلك عن المساجالت القائمة بين المعتدلين والوطنيين‪.‬‬

‫في عام ‪ 1932‬جرت أول انتخابات نيابية في سوريا وأدت إلى فوز محمد علي العابد برئاسة الجمهورية وتكليف‬
‫حقي بيك العظم رئاسة الوزارة‪ ،‬مكث العظم في الوزارة حتى ‪ 17‬مايو ‪ 1934‬شكل خاللها حكومتين‪ ،‬ثم شكل الشيخ‬
‫تاج الدين الحسني حكومة عهد العابد الثالثة‪ ،‬وأسند أليوبي مهمة وزارة العدلية مجد ًدا‪ ،‬غير أن عمر هذه الحكومة‬
‫قصير ا ولم يتجاوز ثمانية أشهر‪ ،‬وقد تخللت عهدها مظاهرات عدة مناوئة لالنتداب ومطالبة بالوحدة واالستقالل‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫قادتها الكتلة الوطنية وتفاقمت بعد وفاة ابراهيم هنانو وإعالن "الميثاق الوطني" في ذكرى أربيعنه‪ ،‬وما لحق هذه‬
‫المناسبة من مظاهرات واضطرابات عرفت باسم "اإلضراب الستيني" وأفضت إلى ميالد تفاهم بين سلطة االنتداب‬
‫والكتلة الوطنية‪ ،‬تم بموجبه تشكيل حكومة محايدة تشرف على االنتخابات النيابية‪ ،‬فاستقالت حكومة التاج في ‪23‬‬
‫فبراير ‪ ،1936‬وعهد الرئيس العابد لأليوبي تشكيل الحكومة‪ ،‬كما اتفق سل ًفا األقطاب السياسيون‪.‬‬

‫حكومته األولى‬

‫الحكومة األولى التي شكلها األيوبي في فبراير ‪ 1936‬ويقول يوسف الحكيم الذي عاصر تلك الفترة أنّ األيوبي كان‬
‫حائزا على الثقة العامة وحياد ًيا رصي ًن ا وثقت به الكتلة الوطنية وسائر األحزاب وانشرط بشتكيل هذه الحكومة‬
‫ً‬
‫االنتقالية جميع السوريين؛[‪ ] 7‬وخالل عهد هذه الحكومة حصلت ثالث أمور هامة أولها سفر الوفد الوطني في مارس‬
‫‪ 1936‬إلى باريس وبعد ستة أشهر توصل مع قادتها لمشروع اتفاقية االستقالل والسلم والصداقة بين سوريا‬
‫وفرنسا‪ ] 8[،‬والثاني عودة جبل الدروز ودولة جبل العلويين إلى الوحدة السورية في ‪ 5‬ديسمبر ‪ ،1936‬والثالث‬
‫االنتخابات النيابية التي أدت إلى فوز الكتلة الوطنية الساحق بأغلبية مقاعد مجلس النواب‪ ،‬وكانت ثالث انتخابات‬
‫تجرى في البالد‪ ] 9[.‬رغم ذلك فإن بعض المضائق االقتصادية عاقت هذه الحكومة ممثلة بسقوط قيمة الفرنك الفرنسي‬
‫بشكل كبير ما أدى إلى خسارة البالد عشرات الماليين من الليرات المرتبطة بالفرنك‪]10[.‬‬

‫سا له‪ ،‬وفي الجلسة‬‫أخيرا في ‪ 21‬ديسمبر ‪ 1936‬افتتح المجلس النيابي المنتخب أعماله‪ ،‬وغدا فارس الخوري رئي ً‬ ‫ً‬
‫نفسها قدم الرئيس العابد استقالته قبل ستة أشهر من نهاية واليته الدستورية‪ ،‬فانتخب رئيس الكتلة الوطنية هاشم‬
‫س ا للجمهورية‪ ،‬ما يعني وفق األعراف الدستورية‪ ،‬استقالة حكومة األيوبي‪ ،‬فكلف الرئيس الجديد جميل‬ ‫األتاسي رئي ً‬
‫مردم تشكيل حكومة جديدة من أنصار الكتلة‪ ،‬الحزب الفائز باالنتخابات‪.‬‬

‫حكومته الثانية‬
‫أواخر عام ‪ 1939‬استقال الرئيس هاشم األتاسي وعطل العمل بالدستور وتشكلت حكومة مديرين برئاسة بهيج‬
‫الخطيب بعد أزمة سياسية حادة واندالع الحرب العالمية الثانية‪ ،‬واستمرت حكومة الخطيب حتى ‪ 1941‬حين شكلت‬
‫حكومة مؤقتة برئاسة خالد العظم ثم عهد إلى تاج الدين الحسني رئاسة الجمهورية بالتعيين مع عودة الدستور وتم‬
‫االعتراف "باستقالل سوريا" ريثما تهدأ الحرب لتنظيم انتخابات نيابية‪ ،‬وكانت هذه الخطوات محاولة إلرضاء‬
‫السوريين من قبل فرنسا الحرة في وجه فرنسا الفيشية الموالية للمحور‪ .‬وفي يناير ‪ 1943‬توفي رئيس الجمهورية‬
‫رئيسا مؤق ًت ا للجمهورية وفق أحكام الدستور‪ ،‬غير عهده لم‬
‫ً‬ ‫وهو على رأس عمله‪ ،‬وغدا رئيس الوزارة جميل األلشي‬
‫يطل ففي ‪ 25‬مارس ‪ 1943‬قرر المفوض الفرنسي الجنرال كارتو القفز فوق الدستور وأنهى حكومة األلشي وكلف‬
‫األيوبي تشكيل حكومة مؤقتة‪]11[.‬‬

‫يعود ذلك لعدة أسباب‪ ،‬منها تدخل بريطانيا في السياسة السورية ودعمها مطالب الشعب باالستقالل وتحالفها مع‬
‫ومنع ا لتحول الصداقة بين الكتلة وبريطانيا إلى تحالف وثيق يطيح بمصالح فرنسا‪ ،‬عقد كاترو اتفاقاً‬
‫ً‬ ‫الكتلة الوطنية‪،‬‬
‫مع زعماء الكتلة الوطنية يقضي بتأليف حكومة مؤقتة تمهد النتخابات نيابية تهدف لعودة الحياة السياسية الطبيعية‬
‫إلى البالد‪ ] 12[،‬وال يخفى أن الحكومة التي كانت قائمة حينها تعتبر حكومة انتدابية بامتياز‪ ،‬فكان ال بدّ من حكومة‬
‫حيادية تنال رضا الشعب والكتلة الوطنية من ناحية االنتداب والمعتدلين من ناحية ثانية‪ ،‬فأصدر كاترو مرسو ًما يوم‬
‫‪ 25‬مارس بتكليف عطا األيوبي رئاسة الدولة والحكومة‪ ،‬فألف األيوبي وزارته في اليوم نفسه‪ ،‬من ثالث أسماء‪ ،‬إلى‬
‫جانب شخصه‪ ،‬وقد جمع األيوبي لنفسه إلى جانب رئاسة الوزارة وزارة الداخلية والدفاع الوطني‪ .‬ويقول يوسف‬
‫الحكيم الذي عاصر تلك الفترة‪ ،‬أن هذه الحكومة قد عملت "بصدق وعزيمة وإخالص" ومهدت إلجراء االنتخابات‬
‫النيابية‪ ،‬وفي يونيو ‪ 1943‬أجريت االنتخابات وأعلنت نتائجها في ‪ 7‬أغسطس وأفضت لفوز الكتلة الوطنية‪ ،‬وفي ‪17‬‬
‫رئيس ا للجمهريوة‪ ،‬فاستقالت الحكومة وفق الدستور‪ ،‬وشكلت وزارة برئاسة سعد هللا‬ ‫ً‬ ‫أغسطس انتخب شكري القوتلي‬
‫الجابري في ‪ 19‬أغسطس ‪ ، 1943‬وباستقالة الحكومة الثانية‪ ،‬انتهت الحياة السياسية لأليوبي‪ ،‬والسنوات التي‬
‫نظرا‬
‫قضاها في السلطة‪ ،‬وقد كرمته الدولة السورية خالل رئاسة شكري القوتلي بعد الجالء في أبريل ‪ً 1946‬‬
‫"لخدماته التي قدمها في خدمة الدولة السورية"‪ ،‬وظل في دمشق حتى وافته المنية عام ‪.1951‬‬

‫‪ -14‬القوتلي‪ ‬‬
‫‪ -15‬الزعيم‬
‫‪ -16‬الحناوي‬
‫‪ -17‬هاشم األتاسي‬
‫‪ -18‬الشيشكلي‬
‫‪-19‬سلو‬
‫‪ -20‬الشيشكلي‬
‫‪ -21‬الكزبري‬
‫‪ -22‬عبد الناصر‪ ‬‬
‫‪ -23‬عزت النص‬
‫‪ -24‬القدسي‬
‫‪ -25‬لؤي األتاسي‬
‫‪ -26‬أمين الحافظ‬
‫‪ -27‬نور الدين األتاسي‪ ‬‬
‫‪ -28‬أحمد الخطيب‬
‫‪ -29‬حافظ األسد‪ ‬‬
‫‪-30‬خدام‬
‫‪-31‬بشار األسد‬

You might also like