Professional Documents
Culture Documents
حكام سوريا من عام 1918
حكام سوريا من عام 1918
محمد سعيد الجزائري ،هو حفيد المناضل الجزائري الشهير عبد القادر الجزائري الذي عاش واقام في سوريا.
عقب انسحاب العثمانيين من دمشق تحرك محمد الجزائري وأعلن نفسه رئيسا ً للحكومة العربية في سوريا باسم
الشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى ،واستمر في منصبه أياما ً قليلة انقضت بدخول فيصل بن الحسين
إلى دمشق حيث قام بإقالة األمير الجزائري ونصب مكانه رضا باشا الركابي الذي قام بإرسال شكري باشا األيوبي إلى
بيروت على رأس كتيبة من الجنود ليكون حاكما ً عاما ً عليها تابعآ للحكومة المركزية في دمشق.
عاصر الحكم العثماني ،وكان ركنا ً بارزاً فيه .عندما رحل األتراك ،ونهض الحكم العربي الفيصلي ،شكل أول وزارة في
تاريخ سورية .وشكل وزارتين في األردن ،ووضع لألردن نظامه المالي واإلداري .دعم الثورة السورية لدى قيامها،
وهو رئيس للوزراء في األردن .تقلب في عدد كبير من المناصب ،وعهد إليه بعدد كبير آخر من المسؤوليات والمهام.
كان إداريا ً حازما ً ،ونزاهته تعتبر من األساطير في هذه األيام .رضا الركابي كان جزءاً من تاريخ سوريا الحديث .غير
أنه لم ينل حقه الكافي من الشهرة ،والدراسة ،والتحليل.
البداية
ينتمي علي رضا باشا الركابي إلى أسرة دمشقية .تلقى تعليمه االبتدائي في المدرسة الرشدية العسكرية .وانتقل منها
إلى المدرسة اإلعدادية .وألنه كان متفوقا ً على جميع أقرانه ،وتقديراً لعالمات النبوغ والعبقرية لديه ،فقد أرسل إلى
المدرسة الحربية في اآلستانة ،حيث درس فيها الشؤون العسكرية .وتخرج منها حامالً رتبة " رئيس أركان حرب ".
بعد تخرجه من المدرسة الحربية عين قائدا للجيش التركي في القدس ،ووكيالً لمتصرفها .عندما أعلن الدستور
العثماني ،عين رئيسا ً للشعبة الخاصة في اآلستانة .ونقل منها إلى المدينة المنورة ،حيث عين محافظا ً فيها وقائداً
لجيشها ،وذلك بعد أن جرت ترقيته إلى رتبة أمير لواء .رحل إلى العراق ،حيث تسلم قيادة الجيش في بغداد والبصرة.
عندما أعلنت الحرب العالمية األولى عام ،1914 استشارته الحكومة العثمانية ،بين من استشارتهم من قواد
جيوشها ،بشأن دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب حليفتها الدولة األلمانية ،أو عدمه .وكان رأي رضا باشا
الركابي ،أن تظل الدولة العثمانية على الحياد ،ألنه كان مطلعا ً على حقيقة وضع الجيش العثماني وأسلحته وعتاده،
وضعف إمكانياته .وألنه أشار بضرورة الحفاظ على الحياد في هذه الحرب الطاحنة ،فقد اعتبر من االنهزاميين
والجبناء ،فصدر األمر بتسريحه ،وإحالته إلى التقاعد .وكان وراء تسريحه وتقاعده عدد من المسؤولين والضباط
المندفعين والمتحمسين لخوض الحرب ،إلى جانب الصديقة والحليفة الدولة األلمانية .عندما عاد الركابي إلى دمشق،
بعد تسريحه ،أراد جمال باشا اإلفادة من علمه وخبرته ،مع حرصه على وضعه تحت رقابته ،لذا أمر بتعيينه رئيسا ً
لبلدية دمشق ،ورئاسة التحكيمات .وقد آثر الركابي قبول هذين المنصبين ،كي يدفع عن نفسه الشبهات .فقد كان
الرجل في حقيقته من مؤسسي "جمعية العربية الفتاة " و" جمعية العهد " .وهاتان الجمعيتان كانتا أول من زرع
بذور القومية العربية في العهد العثماني.
عقب إعالن الثورة العربية الكبرى ،ودخول الجيش العربي دمشق ،عين رضا الركابي حاكما ً عسكريا ً للمنطقة
الشرقية .عندما أعلن المؤتمر السوري استقالل سورية في الثامن من اذار/مارس 1920وتسلم زمام الحكم األمير
فيصل بن الحسين ،ونودي به ملكا ً على سورية ،عهد إليه بتشكيل أول وزارة عربية ،فتسلم الركابي زمام األمور،
وشكل الوزارة ،ولقب بالحاكم العسكري .بعد معركة ميسلون غير المتكافئة ،ودخول القوات الفرنسية إلى دمشق،
وانتهاء العهد الفيصلي ،رحل رضا الركابي إلى مصر .وانتقل منها إلى الحجاز .وهناك كلفه الشريف حسين بالذهاب
إلى األردن ،لمساعدة ولده األمير عبد هللا بتأسيس وإدارة دولة شرقي األردن.
عهد في عمان إلى الركابي في الثاني عشر من آذار 1922الحكومة األردنية األولى .وعمل على وضع القوانين
واألنظمة المناسبة للدولة األردنية الجديدة ،والسيما في نطاق األنظمة المالية والجهاز اإلداري .وفي الثالث من
تشرين األول 1922دعاه األمير عبد هللا إلى مرافقته في رحلة إلى لندن ،لعقد معاهدة بين األردن وبريطانيا ،وبحث
الشؤون العربية هناك.
ومكث الركابي مع األمير عبد هللا بعض الوقت .ثم غادر األمير لندن واستبقى رئيس وزرائه لالتفاق مع وزارة
المستعمرات البريطانية على الشكل النهائي لحكومة األردن .وقد وفق رضا الركابي بالحصول على موافقة بريطانيا
على استقالل المنطقة استقالالً نيابيا ً ،على أن ال يشملها وعد بلفور المشؤوم بإنشاء الدولة الصهيونية على األرض
الفلسطينية .عاد الركابي بعدها إلى األردن .ثم نشأ بين األمير عبد هللا وبينه خالف حول بنود هذا االتفاق ،أدى إلى
تقديم استقالته من رئاسة الوزراء.
وفي أوائل عام 1924دعي رضا الركابي ثانية إلى تشكيل الوزارة في األردن .فاستجاب لهذه الدعوة ،وشكل الوزارة
ثانية .وظل في منصبه هذا إلى حزيران من عام ،1926حيث استقال ،وانتقل لإلقامة بين حيفا والقدس طوال سنتين
ولصف السنة .وكان الركابي يوم شكل وزارته ،قد أعلن في برنامجه الوزاري ،العمل بالصدق واإلخالص في القول
والعمل ،وتوزيع العدالة بين جميع أفراد الشعب ،والمراعاة التامة لشؤون االقتصاد ،واالعتماد على الكفاءات في
التوظيف ،وقمع بذور الفساد ،وكل ما يسيء إلى السمعة .ودعا إلى التعاضد والتكاتف في جميع أمور اإلصالح،
وصيانة المنطقة من األحوال المخلة باألمن .وكان الركابي وهو رئيس للوزراء في األردن ،يدعم الثورة السورية بكل
إمكاناته سراً ،ويذكي روح المقاومة بين صفوف الثوار .ومن أجل هذا ،لم يستطع عقب استقالته من رئاسة الوزارة
العودة إلى أرض الوطن ،بل أثر اإلقامة في فلسطين ،إلى أن انتهت الثورة ،وصدر العفو العام على كل من شارك
بالثورة .وكان خالل إقامته في األرض الفلسطينية ،يعيش عيش الكفاف ،بسبب فقره وضيق ذات يده .بعد عودته إلى
دمشق ،ووفاة الملك الهاشمي فيصل األول ،اعتزل الرجل ،النزيه ،المستقيم ،العمل السياسي ولزم بيته ،وانقطع عن
الناس.
رحل رضا الركابي إلى جوار ربه ،في يوم االثنين الخامس والعشرين من أيار عام ،1942بعد أن عانى من المرض
طويال ،وأصيب بالشلل.
-3فيصل األول
سيق الحديث عنه
http://www.7ob-3mre.com/vb/showthread.php?t=59444
-4صبحي بركات
صبحي بركات واسمه الكامل صبحي بيك بركات الخالدي ( )1939 - 1889هو أول رئيس لالتحاد السوري ثم أول
رئيس للدولة السورية ورابع حاكم لسوريا بعد زوال العثمانيين ،ولد في أنطاكية ،غير أنه كان مقي ًما في حلب ومثلها
في عدد من المجالس النيابية السور ّية فضالً عن تمثيله أنطاكية في المؤتمر السوري العام الذي انعقد عام 1919
وأعلن قيام المملكة السورية العربية ] 1[.شغل صبحي بركات منصب رئيس االتحاد السوري الذي أعلن عن ميالده
هنري غورو في 28يونيو 1922كاتحاد فيدرالي بين دولة دمشق ودولة حلب ودولة جبل العلويين.
عضوا وذلك خمس عن كل دولة يشكلون ً بموجب قرار تأسيس االتحاد فإن هيئة تأسيسية مؤلفة من خمسة عشر
المجلس االتحادي ،شغل بركات أحد ممثلي دولة حلب ،وفي نفس يوم إعالن االتحاد التأم أعضاء الهيئة التأسيسية في
س ا لالتحاد .جمع رئيس االتحاد مهام تشكيل ورئاسة الحكومة إلى مهامه ،إلى جانب وجود مجالس حلب وانتخبوه رئي ً
تمثيلية وحكومات فيدرالية داخل المقاطعات الثالث المكونة له ،ولعل من أبرز إنجازات بركات خالل رئاسته االتحاد،
استحداث الدرك السوري وإصدار العملة الورقية السورية وذلك في أغسطس 1922بموجب اتفاق مع دولة لبنان
الكبير ودولة جبل الدروز.
ضا فرنس ًيا ،طالب السوريون بالوحدة ،وقد استجاببعد استدعاء هنري غورو إلى فرنسا وتعيين ماكسيم فيغان مفو ً
فيغان لطلبتهم وأعلن قيام "الدولة السورية" المكونة من دولتي دمشق وحلب ،وذلك في 24ديسمبر ،1924وقد
سا لها لمدة ثالث سنوات أي حتى نهاية ،1927غير أن اندالع جاء في مرسوم استحداث الدولة أن يكون بركات رئي ً
الثورة السورية الكبرى في يوليو 1925وامتدادها من السويداء جنو ًبا نحو دمشق ثم حماه ،وما رافق ذلك من
ضا سام ًي ا ،ثم مقاطعة االنتخابات التأسيسية قد دفع المفوض الفرنسي إلى إقالة
قصف لدمشق وتعيين دي جوفنيل مفو ً
بركات وحكومته وإخضاع البالد للحكم الفرنسي المباشر تحت قيادة فرانسوا بيير أليب وذلك بعد حوالي عام ون ّيف في
فبراير 1926عل ًما أن بركات كان قد تقدّ م باستقالته واستقالة الحكومة في 21ديسمبر ،وبإقالة هذه الحكومة لم
رئيسا للبرلمان السوري عام ]2[،1932وقد انتخب في 11يونيو ً يشغل بركات أي منصب رسمي حتى انتخابه
بأغلبية 51صو ًتا مقابل 17صو ًت ا لهاشم األتاسي ،وذلك بموجب تسوية صاغها جميل مردم نصت على تشكيل
حكومة مناصفة بين االنتدابيين (المعتدلين) والكتلة الوطنية ،وانتخاب رئيس جمهورية محايد ورئيس مجلس نيابي
عضوا لترشيحه]3[،
ً محسوب على المعتدلين ،وما ساهم وصول بركات دعم كتلة "نواب الشمال" المؤلفة من 28
ورغم ذلك فلم يعد بركات للسلطة التنفيذية مطل ًقا ولم يشكل أي حكومة ثالثة.
خالل بداية نشاطه العلني ،كان صبحي بركات من الثوار على فرنسا ورفي ًقا البراهيم هنانو ،خصو ً
صا في الفترة
الواقعة بين مايو 1919ويوليو ، 1920ثم توسط محمود الشركسي أحد وجهاء حلب إليقاف قتاله فرنسا ،ثم زار
بركات بواسطة من الشركسي بيروت والتقى خالل زيارته هنري غورو ومذاك أخذ يميل بموقفه إلى جانب االنتداب
حو ل صداقته لهنانو لعداوة وتنافس شديدين ،ويشير بعض المؤرخين إلى حتى ُحسب على المؤيدين لهم؛[ ]4وهو ما ّ
تدخل فرنسا في قضية فوزه بالنيابة عام ،1932وكان قد تعرض لمحاولة اغتيال عام 1931على يد أكرم حوراني
ورفاقه في بيروت ] 5[.يشار إلى أنه في أعقاب تشكيل حكومة حقي العظم الثانية في 3يونيو 1933أخذ بركات يميل
نحو الكتلة الوطنية ،ووقف معها في معارضة الحكومة في مجلس النواب ،وفي 24نوفمبر 1934عندما أصدر
قرار ا بإيقاف عمل البرلمان بعد رفضه التصديق على معاهدة مع فرنسا ،شكلتً المفوض الفرنسي شارل دي مارتيل
الكتلة الوطنية "لجنة عمل" كان بركات أحد أعضائها ]6[،وخالل االحتجاجات العارمة التي شهدتها دمشق ومدن
أخرى عام 1936أفضت إلى ميالد وفد من الكتلة الوطنية مهمته السفر إلى باريس للتوصل إلى اتفاقية جديدة
ومنصفة مع فرنسا ،اعتكف بركات في أنطاكية ريثما تتضح معالم االتفاقية ،ولم يعد إلى دمشق ،وعندما تم فصل
إسكندرون عن سوريا كان بركات مقي ًم ا في أنطاكية وعندما توفي كان اللواء قد ضم إلى تركيا ،وهو ما عارضه
بركات بشدة.
ويقول المحامي عالء الس ّيد أنه قد عرف عنه "نظافة اليد"
فرانسوا بيير-أليب كان حاكما عسكريا فرنسيا مؤقتا حكم سوريا خالل فترة االنتداب الفرنسي من 9فبراير إلى 28
أبريل 1926
-6أحمد نامي
( )1962 - 1878هو ثاني رئيس للدولة السورية وحاكم رئيس لسوريا منذ زوال العثمانيين بين 2مايو 1926و
15فبراير ،1928وقد ألّ ف خالل هذه المدة ثالث حكومات ،عبر خاللها عن مطالب وطنية فطالب بوحدة البالد
السورية وسن دستور لها وإصدار عفو عام عن جميع المتورطين في أعمال عنف خالل الثورة السورية الكبرى ،غير
أن النزر اليسير من هذه الوعود قد تحقق فعالً ] 1[.لقب أحمد نامي "بالداماد" أي الصهر ألنه تزوج من األميرة
عائشة سلطان شقيقة السلطان عبد الحميد الثاني فغدا بذلك صهره؛ وقد درس الداماد في فرنسا وعمل في أزمير،
وأقام بعد سقوط الدولة العثمانية في بيروت ومنها تم تكليفه رئاسة الدولة ،عل ًما أنه كان صدي ًقا للمفوض الفرنسي
هنري دي جوفنيل الذي كلفه الرئاسة.
تحدر أحمد نامي من عائلة سورية وساللة شركسية ترجع إلى قبيلة الشابسوغ القفقاسية التي استقرت في سوريا
أواخر القرن الثامن عشر ،وقد شغل والده فخري بك منصب رئيس بلدية بيروت فكان من رؤسائها البارزين ،وعرف
عنه األعمال المعمارية كفتح الطرق وتشييد األبنية وإنشاء الحدائق ومنها الحديقة الحميدية وساحة البرج وخان
فخري بك ]3[.وقد ولد الداماد في بيروت عام 1878وتلقى تعليمه على يد أساتذة خصوصيين ثم أوفده والده إلى
يسيرا ،ثم هجره مفضالً العمل اإلداري،
ً اسطنبول حيث انخرط في الكلية الحربية ودخل سك ضباط األركان زم ًنا
ً
وأخيرا أمينا عا ًما لوالية أزمير خالل تواجد
ً فتوظف في مكتب إدارة الدوين العثمانية ،ثم عين أمين سر والية بيروت
أيض ا تزوج بعائشة سلطان ابنة السلطان عبد الحميد صديقه كامل باشا في الصدارة العظمى ]3[.والذي عن طريقه ً
الثاني فلقب على إثر زواجه "بالداماد" أي الصهر ،ولدى اندالع الحرب العالمية األولى انتقل إلى خارج الدولة وأقام
في سويسرا وبعد نهاية الحرب ،انتقل إلى فرنسا وأقام في باريس حيث نسج عالقة حميدة ما ساستها ،وقد ساعدت
سا للدولة السورية.
هذه العالقة في تعيينه رئي ً
رئاسته
المفو ض السامي الفرنسي الجديد دي جوفنيل ،ولم تكن عالقته جيدة منذ البداية ّ في ديسمبر 1925وصل إلى بيروت
مع رئيس الدولة صبحي بركات ،كما تبدى بعد االجتماع األول بين الرجلين في بيروت ،وخالل اشتداد الثورة السورية
الكبرى وبعيد قصف دمشق بالمدفع ّية والطائرات الفرنس ّية ]4[.وعلى إثر اللقاء األول استقال بركات ولم يبد جوفينل
عسكر ا على منطقتي دمشق وجبل الدروز حيث كانت الثورة ً أي تردد في قبول استقالته ،وع ّين الجنرال أندريا حاك ًما
مشتعلة .ويقول يوسف الحكيم ،أن جميع األطياف السياسية في سوريا ،من وطنيين ومعتدلين قد سروا باستقالة
بركات ،بسبب قسوته في العمل السياسي ] 5[.وقد عرض الجنرال أندريا على عطا األيوبي تشكيل الحكومة لكنه اعتذر
عن الرئاسة والتشكيل لحراجة الموقف في البالد ]4[،وشاعت أنباء عن تكليف الشيخ تاج الدين الحسني مهام
بدءا من 2يناير 1926لكن األمر قد طال مع استمرار وزراء حكومة بركات في تصريف األعمال حتى ُع ّين الرئاسة ً
في 9فبراير الجنرال فرانسوا بيير أليب مندو ًبا فرنس ًيا في دولة سوريا ودولة جبل الدروز]6[.
أنفق أليب أغلب وقته في مالحقة الثوار في غوطة دمشق وحمص والسويداء على وجه الخصوص ،وفي أواخر أبريل
قرر الفرنسيون تعيين رئيس جديد للدولة بشكل جدي ،وبدأ دي جوفنيل استشارة مجموعة من اآلراء لشخصيات
واستقر الرأي على ذلك في 30أبريل ،1926حينها كان ناميّ سور ّية وفرنس ّية حول صالحية أحمد نامي للمنصب،
في بيروت فاستدعي إلى دمشق ،ومنها أعلن عن تشكيل الحكومة في 2مايو ،1926ويقول يوسف الحكيم أن البالد
السورية بجميع مناطقها استقبلت هذا النبأ "بالسرور واالنشراح وعظيم اآلمال بالمستقبل ،لما يتمتع به الداماد من
شهرة وماضي خالي من كل شائبة".
الحكومة األولى
المنجزات اإلدارية
تشكلت الحكومة األولى من ستة وزراء ،رأسها رئيس الدولة كسائر حكومات الدولة السور ّية ،وقد اتفق أحمد نامي
مع دي جوفنيل ،على أن تشكل الحكومة مناصفة بين المعتدلين والوطنيين ضمن إطار التعاون بين جميع مكونات
الشعب إلخماد الثورة السورية الكبرى ]8[،وقد شارك في استشارات تشكيل الحكومة ،جميع األطراف وكان من
الزعماء الوطنيين الذين ساهموا في تشكيل هذه الحكومة سعد هللا الجابري وحسني البرازي ومن المعتدلين شاكر
الشعباني[.
برنامج ا من عشر نقاط قال أن حكومته ستسعى لتحقيقه،
ً أقر المجلس برئاسة نامي،خالل أول اجتماع للحكومةّ ،
وشمل البرنامج الذي اتفق عليه مع دي جوفنيل ،الدعوة النتخابات جمعية تأسيسية لوضع دستور للبالد ،وتحويل
االنتداب إلى معاهدة بين سوريا وفرنسا مدتها ثالثين عا ًم ا كما هو الحال بين بريطانيا والعراق ،وتحقيق وحدة البالد
السور ّي ة ،إلى جانب تاليف جيش وطني وضم سوريا لمنظمة عصبة األمم وإعطائها حق التمثيل السياسي الخارجي،
فضالً إن إصالح النظام النقدي وتوحيد النظام القضائي ،بما فيه إالء المحاكم االستثنائية والمختلطة ،وإصدار عفو عام
تو جه في أعقاب االجتماع األول ،رئيس الدولة بخطاب إلى الشعب عن الثوار والتويعض عن منكوبي الثورة ]9[.وقو ّ
عبر إذاعة دمشق أعلن فيه هذه النقاط العشرة .وكذلك ،انتهج نامي سياسة التقرب من الوطنيين ،وقام بإقالة مدير
نظر ا لتورطه في تعذيب وقتل عشرات السوريين خالل قمع الثورة السورية ،وقد األمن العام الفرنسي الجنرال بيجانً ،
أمرا
وافق الجنرال جوفنيل على ذلك ،إال أن بيجان لم يحاكم بل نقل إلى أفريقيا؛[ ]10كذلك فقد أصدر أحمد نامي ً
بإخالء سبيل كل من كان معتقالً دون مذكرة رسمية تصدر من القضاء السوري ،وكان لهذه التدابير أثر في تنامي
عفوا عا ًما لكن المفوض الفرنسي رفض ،وقال إنضا أن يصدر ً شعبية الرئيس وثقة الشعب به ]10[.أراد نامي أي ً
عفوا عا ًما صدر تحت "ضغط ثوري" ]10[،إال أن نامي ،وتحقي ًقا لما وعد الشعب به ،أصدر السلطة الفرنسية ال تقبل ً
قرار ا بإلغاء المحاكم االستثنائية التي شكلت خالل الثورة على أن تنظر المحاكم العادية بالقضايا المعروضة أمامها.
ً
الزيارات الداخلية
إلى جابن الزيارات الدائمة والمتكررة إلى بيروت بحكم كونها مقر المفوضية العليا لفرنسا في الشرق ،فإنه من األمور
وبناء على اتفاق مسبق مع دي جوفنيل ،ببدء جولة على الداخل
ً الهامة التي قام بها نامي في 1أغسطس 1926
السوري ،هي األولى لحاكم سوري على البالد من قرون باستثناء زيارة فيصل األول القصيرة لحلب وحمص في يونيو
بحرا إلى إسكندرونة ،وبحسب
] 11[.1919وقد توجه الرئيس إلى بيروت حيث التقى دي جوفنيل ،ومنها انتقل ً
وزيرا للعدل حينها ومراف ًقا لنامي في جولته فإن "االحتفاالت التي أقيمت في كل من
ً يوسف الحكيم الذي كان
اسكندرونة وأنطاكية على شرف رئيس الدولة بلغت حد الروعة" ]11[،وقد شارك فيها على قدم سواء العرب
يمر بها الموكب هاتفين
واألتراك واألرمن واألكراد وهم مكونات اللواء األربعة ،وكانوا يجتمعون على الطرقات التي ّ
بحياة رئيس الدولة]11[.
مكث الرئيس في اسكندرونة يومين ،وألقى فيها خطا ًب ا أكد خالله على وحدة البالد السورية ورغبته بوضع دستور
جديد للبالد على قاعدة الالمركزية الواسعة ومنح جميع المكونات كامل حقوقها ،وأكد أن فرنسا ال تريد مصادرة حرية
ضا ،ومنها نحو حلب حيث "فاقت الشعوب بل باألحرى مساعدتها ]12[،ومنها انتقل إلى أنطاكية حيث مكث يومين أي ً
المفوض الفرنسي السامي في
ّ االحتفاالت ما القاه في اسكندرونة" ،وفيها ركب الرئيس نامي سيارة مفتوحة وبقربه
حلب ،وح ّي ا الجماهير المحتشدة في شوارع المدينة ،وقد حل ّ الرئيس في فندق البارون واستمرت زيارته أسبو ًعا
كامالً ،توجه بعدها إلى حماه وحمص ،قبل أن يعود إلى دمشق]13[.
عمو ًما لم تكن الثورة قد خمدت تما ًم ا بعد ،فبعيد عودة نامي إلى دمشق من حمص ،اغتيال محافظها فوزي الملكي
أيض ا ،وبنتيجة التحقيق اكتشف أن خيرو أبو شهال أحد ثوار غوطة
لوقوفه إلى جانب االنتداب ،واتهم نامي بالمثل ً
حمص ،من اغتال المحافظ ،وحكم عليه باإلعدام كما فرضت دية قدرها ثالثة آالف ليرة ذهبية عثمانية على أهل
حمص ،تدفع لورثة المحافظ
استعادة إسكندرونة ومحاولة استعادة الالذقية
بعد زيارة رئيس الدولة الناجحة للشمال السوري ،وعرض موضوع الزيارة في مجلس الوزراء ،قرر المجلس تكليف
وزير العدل يوسف الحكيم ووزير المالية شاكر الشعباني بمهمة التوجه إلى إسكندرونة للتباحث حول موضوع إعادة
ربط اللواء بسوريا وكان حينها دولة مستقلة تحكم مباشرة من قبل حاكم عسكري فرنسي ،وكان النامي قد أخذ موافقة
مسبقة من دي جوفنيل في مسعاه ] 15[.سافر الوفد الرئاسي إلى حلب ومنها إلى اسكندرونة حيث جرى التباحث بعدة
مواضيع ،منها الحفاظ على االستقالل المالي واإلداري وفق قاعدة الالمركزية اإلدارية إلى جانب منح كامل حقوق
مختلف مكونات اللواء من عرب وأتراك وأرمن وأكراد ،كما تمت الموافقة على الحفاظ على اسكندرونة عاصمة
نظرا ألهمية موقع اسكندرونة .استقبل
للواء ،رغم مطالبات األهالي بإعادة المركز إلى أنطاكية العاصمة التاريخيةً ،
العرب واألرمن بمزيد من السرور ،نبأت استرجاع اللواء الذي كان تاريخ ًيا من ملحقات والية حلب ولم يعترض سوى
بعض األتراك رغم كونهم أقلية داخل اللواء نفسه ] 16[،وفي اليوم الثاني اجتمع المجلس التمثيلي لدولة اسكندرونة،
وهو برلمان الدولة وأقر رسم ًيا االنضمام للدولة السور ّي ة ،كما أقره في الحفل نفسه إبراهيم األدهم محافظ اللواء
جزءا من الدولة السورية .إال أن فرنسا عادت
ً ورئيس بلدية اسكندرونة الجنرال فيليبي وبذلك أصبحت اسكندرون
ففصلت اللواء عام 1932معيدة إياه دولة مستقلة ،ثم وافقت على ضمه إلى تركيا رغم كون أكثرية سكانه من العرب
عام 1939كجائزة ترضية لتحييد تركيا في الحرب العالمية الثانية ،وبالتالي فقدت سوريا ،أحد أهم إنجازات عهد
أحمد نامي]17[.
في الفترة ذاتها التي تمت بها استعادة سكندرونة ،وخالل زيارته إلى بيروت عرض الرئيس مشروع إعادة دولة جبل
أيضا ] 18[،لقاء الحفاظ على االستقالل اإلداري والمالي للبالد ،وحصول العلويين على كامل
العلويين إلى سوريا ً
نظر ا ألنهم كانوا محرومين من أغلب تلك الحقوق خالل العهد العثماني ]18[.وقد حضر االجتماع وزير حقوقهمً ،
العدل يوسف الحكيم ووزير الداخلية حسني البرازي كما حضره الكولونيل جورج كاترو مدير المصلحة السياسية في
المفوضية الفرنسية العليا والجنرال شلفر حاكم دولة الجبل العسكري .تحجج شفلر بثورة الشيخ صالح العلي في جبال
الالذقية وقال إن أي انضمام يجب أن يتم بعد تمام تخلص فرنسا من الثورة ،ويقول وزير الداخلية حسني البرازي أن
سبب معارضة شلفر رغم موافقة دي جوفنيل المبدئية وكذلك وقوف أغلب سكان الدولة إلى جانب الوحدة هو عدم
رغبته بتقليص مهامه من حاكم عسكري إلى مندوب.
الحكومة الثانية
اعتقال الوزراء الوطنيين
بعد أقل من شهر على تشكيل الحكومة ،وقبيل عودة الوفد من إسكندرونة كانت السلطة العسكرية الفرنسية قد اعتقلت
ثالث وزراء في الحكومة محسوبين على الخط الوطني وهم حسني البرازي وزير الداخلية وفارس الخوري وزير
المعارف ولطفي الحفار وزير األشغال العامة ] 19[،ولم تبرر السلطة الفرنسية سبب االعتقال كما لم يصدر أي بيان
عن دار الرئاسة ما أدى إلى استياء شعبي كبير خاصة في حماه وحمص]19[.
أبلغ الرئيس نامي الجنرال فرانسوا بيير أليب الحاكم العسكري في سوريا نيته االستقالة ما لم يتم إطالق سراح
الوزراء ،فبرر القرار بكون البالد تحت األحكام العرفية نتيجة الثورة السورية الكبرى ،ثم قبل نفي الوزراء إلى
الحسكة شمالي سوريا؛[ ]20في اليوم التالي نشرت الصحف بيا ًن ا لرئيس الدولة أوضح فيه التطورات وقال أن نفي
الوزراء جاء بعد دعمهم للثوار وحضهم على متابعة "األعمال العدائية ضد فرنسا" ومدهم بالمال والسالح ،بغضون
ذلك ساقت العالقات جدً ا بين الرئيس والجنرال أليب الذي بعث بمراسيم تشكيل حكومة ثانية برئاسة نامي إلمضائها،
فقبل الرئيس تحت الضغط ،وبالتالي تشكلت الحكومة الثانية "من الوجوه المعتدلة بالكامل"
تبعات االعتقال
أراد الرئيس تلطيف األجواء بإصدار عفو عام ،لكن دي جوفنيل قال أن العفو لن يصدر ما لم يقم الثوار بوقف األعمال
العدائية ،ولهذه المناسبة وجه الرئيس نامي خطا ًب ا للشعب دعا فيه الثوار لوقف األعمال العدائية ضد فرنسا خالل أربع
أيام إلصدار عفو يمهد لرفع حالة الطوارئ وإعالن الوحدة السورية واالستقالل كما هو متفق عليه مع المفوض
أيضا لتلطيف النفي على الوزراء ،وتوسط لدىالسامي غير أن دعوته لم تلق آذا ًنا صاغية ]22[.سعى الرئيس ً
الفرنسيين لنقلهم من الحسكة إلى جبل لبنان وهو ما تم العمل به؛ جرى ذلك خالل زيارة ثانية قام بها الرئيس إلى كل
من حلب وأنطاكية للتأكيد على وحدة البالد]22[.
االنقسام الحكومي
يروي يوسف الحكيم أنه بينما كان الرئيس في حلب كان وزير الداخلية وائق العظم يتآمر مع الفرنسيين لإلطاحة
س ا للدولة .كان العظم يسعى للتعاون مع بيير أليب لجمع تواقيع من وجهاء وكبار بالرئيس لقاء تعيين العظم نفسه رئي ً
سا ،تمهيدً ا لرفعها إلى المفوضية الفرنسية العليا في بيروت،
موظفي دمشق تدعو إلى إقالة نامي وتطالب بالعظم رئي ً
وقد استند الوزير العظم في دعواه إلى كون نامي "شركسي العرق بينما أغلب السوريون عرب ،ومن مواليد بيروت
أي أنه لبناني الوطن ال سوريه" ] 22[.غير أن الدعوة لم تلق دعم كبار موظفي الدولة ولم يتحمس لها الفرنسيون
كما لم يعلم بها الرئيس حينها .إال أن عالقته مع الجنرال أليب نتيجة تدخله بشؤون اإلدارة الداخلية في البالد ،بلغت
نظرا لكون دي جوفنيل في فرنسا ،وقد حدً ا دفعته لمغادرة حلب نحو بيروت عن طريق حمص للقاء الجنرال كاترو ً
خ ّي ر نامي الفرنسييين بين نقل أليب أو استقالته هو ،وفي غضون ذلك اتفق العظم مع ثالثة وزراء آخرين -أي أربع
وزراء من أصل ستة -على مقاطعة الرئيس ] 23[.غير أن اثنان من الوزراء قد عادا عن الخطة ،وقد لبثت العالقات
بين القصر ووزارة الداخلية معلقة ،وهذا االنقسام الحكومي أدى إلى تفجير الحكومة من الداخل بعد أربع أشهر فقط
مفوض فرنس ًيا سام ًيا جدي ًدا ،طلب بونسو من الرئيس في
ً من تشكيلها؛ فبعد استقالة دي جوفنيل وتعيين هنري بونسو
12أكتوبر 1926تشكيل حكومته الثالثة مطل ًقا يده في تشكيلها.
الحكومة الثالثة
تشكيل الحكومة
بعد عودة الرئيس من بيروت شرع في استشارة األطراف السياسية تشكيل حكومته الثالثة ،ولهذه المناسبة قرر نامي
الفصل بين مهام رئيس الدولة ورئيس الوزراء ،بحيث يعهد إلحدى الشخصيات رئاسة الوزارة مع احتفاظه برئاسة
الدولة لتخفيف الضغط عليه ] 24[.استدعى نامي وزير العدل يوسف الحكيم وكلفه تشكيل الحكومة وهو مسيحي ومن
الالذقية ،غير أن الحكيم اعتذر عن قبول التكليف ألسباب شخصية وعائلية ]24[،واقترح على الرئيس أن يكلف عطا
وأخيرا كلّف هاشم األتاسي ،رئيس الكتلة
ً األيوبي رئاسة الوزارة ،إال أن األيوبي اعتذر مبي ًنا تدهور حالته الصحية،
الوطنية غير أنه اعتذر مبي ًن ا أن قبوله المنصب سيؤدي إلى انشقاقات في صفوف الكتلة ]24[.وبنتيجة ذلك قرر
الرئيس أن يرأس الحكومة نفسه ،وقد خلت التشكيلة من أي وجوه االنقسام في الحكومة السابقة ولم يحتفظ سوى
الوزيرين الحكيم والحنبلي بحقائبهما من الحكومة السابعة .وقد صدرت مراسيم تشكيل الحكومة من قصر الداماد
الخاص في بيروت بعد تباحثه مع هنري بونسو في مقر قيادة المفوضية العليا في الشرق.
تسويف فرنسا
أراد الرئيس تسريع العمل في إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية لوضع دستور للبالد ،غير أن بونسو رفض خو ًفا من
فوز الكتلة الوطنية في االنتخابات ،وطلب مهلة ثالث أشهر للتباحث في الموضوع ثم لم تثر هذه القضية محددًا ،غير
أن الرئيس نهج في إقناع بونسو إنهاء مهمة فرانسوا أليب في سوريا والذي استدعي إلى فرنسا بعيد تشكيل الحكومة
ض ا إعادة إثارة موضوع ضم الالذقية لكنه فشل ،وطال عهد الحكومة الثالثة لما يفوق
الثالثة ]25[.أراد الرئيس أي ً
العام ،وأغلب الملفات الكبرى مجمدة لذلك لجأ الرئيس إلى التلويح لالستقالة بد ًءا من يناير ،1928حين طلب صراحة
الدعوة النتخابات جمعية تأسيسية وإصدار عفو عام وف ًقا لالتفاق مع دي جوفنيل عام ]26[.1926إبان ذلك كثر
الحديث في األوساط السياسية عن تنامي دور الشيخ تاج الدين الحسني في السياسة والسعي لتكليفه رئاسة الوزراءة
نظر ا لعالقته الجيدة مع رجال الكتلة من ناحية والسلطة الفرنسية من ناحية ثانية ،وقد عرف عنه
على أقل تقديرً ،
صداقته مع الجنرال كوليه مدير المخابرات الفرنسية في دمشق.
استقالة الرئيس
ربما فإن فرنسا كانت تدرك تنامي معارضة الداخل السوري ألحمد نامي ،لذلك لم تنفذ مطالبه باالنتخابات العامة ،فإلى
جانب المعارضة التي رأسها الشيخ التاج والمعارضة الدائمة من قبل آل العظم منذ تشكيل الحكومة الثالثة ،كان
ابراهيم هنانو وهاشم األتاسي قد استدعيا إلى بيروت للتشاور حول حلول "مرضية آلمال األمة السورية" في مطلع
فسر على أنه تعاون وثيق مع معارض الرئيس وقرب سقوطه]26[. فبراير .1928ما ّ
في 2فبراير اجتمعت الحكومة في دمشق من دون رئيسها ،الذي كان في بيروت بعد وفاة والدته ،وقررت استقالة
جماعية لجميع الوزراء ر ًد ا على مماطلة فرنسا ودعمها معارضي الرئيس من جهة ثانية ،غير أنه بنا ًء على طلب
الرئيس لم ينشر القرار ،بينما علمت الصحافة أن حقي العظم وبديع مؤيد العظم قد استدعيا بدورهما إلى بيروت
وكالهما من كبار معارضي الرئيس ]27[.في 10فبراير أعلن فشل المفاوضات بين فرنسا وهنانو واألتاسي ممثلي
الكتلة الوطنية ،لرفض بونسو الدعوة النتخابات جمعية تأسيسية ومن ثم المضي قد ًما في توحيد سوريا ،وردًا على
ذلك شهدت دمشق وحلب مظاهرات حاشدة منددة باالنتداب ،قام الرئيس على إثرها بإضافة استقالته إلى استقالة
الوزراء ورفعها إلى المفوضية العليا ،التي قبلتها وكلفت الشيخ تاج الدين الحسني مهام الرئاسة في 14فبراير
]28[.1928
بعد الرئاسة
بين عامي 1926وحتى سن دستور وانتخاب رئيس عام 1932كان الحديث يدور في سوريا حول إمكانية إعالن
النظام الملكي الدستوري وقد تعدد المرشحون بين عودة فيصل األول ملك العراق جام ًعا بين التاجين ،أو تكليف
خديوي مصر المخلوع عباس حلمي الثاني شؤون التاج ،أو الشريف علي حيدر من ساللة الشريف حسين أو أحد
أقارب ملك األردن عبد هللا األول ،وكذلك فقد كان شكري القوتلي يميل إلسناد التاج المقترح إنشاءه إلى أحد أبناء عبد
العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ،وقد تم تداول اسم الداماد كأحد األسماء المحتملة حسب السياسيين والصحفيين
المفوض الفرنسي هنري بونسو وعشية ّ السوريين ]29[،وقد كشف يوسف الحكيم في مذكراته عن تلك الحقبة أن
صرح لنامي بأنه يود تتويجه مل ًك ا على سوريا ،وقال أن المفوض طلب من نامي البقاء على الحياد، قبول االستقالة ّ
لكي يكسب ثقة جميع األطراف المتصارعة في الحياة السياسية]30[.
خالل الحرب العالمية الثانية وبعد تحرر سوريا من حكومة فيشي استدعى الجنرال دانتز الرئيس نامي وكلفه رئاسة
الدولة السورية في يناير ، 1941فقبل نامي المنصب ،غير أنه وخالل إعالم سياسي دمشق القرار ترأس خالد العظم
-الطامح للمنصب -معارضة قوية للقرار بحجة أن الدماد قضى أغلب وقته في بيروت منذ استقالته عام ،1928
ودعم العظم عدد من رجال الكتلة الوطنية ،ولم تكن فرنسا الحرة حينها في وارد إفساد العالقة مع الكتلة الوطنية خالل
الحرب ،فاعتذرت عن تكليف الداماد وع ّينت خالد الظعم في المنصب يوم 3أبريل ،1941كما نقل يوسف الحكيم[.
]32وبذلك فإن الرئيس نامي منذ استقالته وحتى وفاته عام 1963لم يمارس فعل ًيا أي نشاط سياسي في سوريا،
وعندما توفي دفن في مقبرة العائلة في بيروت ،عل ًما أنه الوحيد من العرق الشركسي الذي حكم سوريا.
ورغم كونه ووالده من مواليد دمشق ،إال أن جذور عائلته تعود لمراكش في المغرب.
حياته
سا للطالب الشباب درس الحسني الفقه اإلسالمي على يد والده ،ثم أصبح عام 1905مساع ًدا شخص ًيا له ،وكذلك مدر ً
مدرسا للعلوم الدينية في المدرسة السلطانية بدمشق ثمً يخص حسن السلوك والفكر .في عام 1912أصبح ّ فيما
عضو ا في لجنة مستحدثة من قبل بلدية دمشق إلصالح المدارس ]6[.وفي عام 1916أصبح المحرر العام لصحيفة ً
الشرق ،التي كان ينشرها جمال باشا الملقب "بالس ّفاح" حين كان حاك ًما عسكر ًيا عا ًما على بالد الشام ]5[،وعندما
عضو ا في المؤتمر السوري العام ،ونسج عن طريق والده عالقات مع ً انتهت الحرب العالمية األولى عام 1918 غدا
ملك المملكة السورية العربية فيصل األول ،وشرح ظروف واحتياجات المدارس الشرعية في البالد ،ويقال أن الملك قد
مديرا لقصره الملكي وكذلك
ً أعجب ببالغة الحسني وفصاحته ،وعينه بعيد إعالن االستقالل األول في مارس 1920
وعضوا في مجلس الشورى ]6[.بعد معركة ميسلون وسقوط المملكة السورية العربية ً عضوا في محكمة التمييزً
ونفي فيصل غادر الحسني دمشق إلى باريس ،وفيها أنشأ عالقات وثيقة مع بعض الساسة وحصل على دعمهم،
ومذاك بدأ تمهيد الطريق أمامه للولوج في الحياة السياسية السور ّية.
سنوات السلطة
قبل إقالة صبحي بركات عام 1925كان المفوض الفرنسي موريس سراي قد طلب من الحسني تشكيل الحكومة
ورئاسة الدولة خالل فترة بالغة االضطراب في البالد بنتيجة تعاظم الثورة السورية الكبرى ،غير أن الحسني فشل في
خلق تشكيلة مناسبة فاعتذر عن المنصب ،وفي فبراير 1926أخضعت البالد للحكم الفرنسي المباشر تحت قيادة
المقرب بدوره لالنتداب رئاسة الدولة.
ّ الجنرال فرانسوا بيير أليب وذلك حتى مايو 1926حين ت ّم تكليف أحمد نامي،
ّ
بعد استقالة أحمد نامي في 15فبراير 1928كلف الحسني تشكيل الحكومة ورئاسة الدولة السورية ،فشكل حكومته
األولى من وجوه بارزة من أمثال محمد كرد علي والمحامي سعيد محاسن وجميل اآللشي رئيس الوزراء السابق،
عمو ًم ا فقد نالت حكومته معارضة قوية من قبل الوطنيين الممثلين "بحزب الشعب" و"حزب االستقالل" (وقد دعيا
الح ًق ا "الكتلة الوطنية") ،وبالرغم من هذه االنتقادات فقد استطاع الحسني النجاح حيث فشل سابقه أحمد نامي
فأجريت في عهده انتخابات عامة لجمعية تأسيسية وضعت أول دستور لسوريا غير أنه لم ينشر حتى .1931نسج
مرشحا على
ً الحسني عالقات ود ّي ة مع أطراف الكتلة الوطنية ،حتى رشحوه على قائمتهم عام 1928إلى جانب كونه
قائمة المعتدلين ،ففاز مقعده بالتزكية ،كذلك فقد شهدت بداية عهده إعالن عفو عام عن جميع المتورطين بأحداث
عنف ضد الفرنسيين خالل الثورة السورية الكبرى التي تمكنت فرنسا من قمعها عام ،1927ولم يستثن من اإلعفاء
سوى سبعين شخصية وطنية بارزة منهم سلطان باشا األطرش ،ما دفع الشعب لنعته "العفو األعرج" ]2[.كذلك فقد
قرار ا بإلغاء الرقابة على الصحافة ،وأقنع بونسو بالدعوة النتخابات الجمعية التأسيسية فجرت ً أصدر في 17فبراير
عضوا يرأسهم هاشم األتاسي خمسة عشر ً في 10أبريل و 25أبريل ]7[،وقد عقدت هذه الجمعية المكونة من 68
اجتماعا بين 28يونيو حيث افتتحت أعمالها وحتى 11أغسطس بعد أن أنهت صياغة الدستور ،لكن المفوض ً
الفرنسي رفض نشره بحجة أنه مخالف لميثاق االنتداب ،وبعد رد وأخذ ومظاهرات ودعوات إلطالق الثورة السورية
الكبرى من جديد تم نشر الدستور في 14مايو ،1930ومع ذلك لم يدع بونسو النتخابات نيابية عمالً بالدستور
وأحكامه ،فأجج ذلك المظاهرات واالحتجاجات ،وكان ذلك سب ًبا في استقالة حكومة الحسني األولى في 16نوفمبر
]8[.1931
تشكلت حكومة جديدة موالية لالنتداب برئاسة جميل األلشي ،ونظمت االنتخابات في أبريل ،1932وهو ما أفضى في
يونيو 1932النتخاب محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية .عمو ًما فإن فرنسا قد تالعبت بنتائج
االنتخابات النيابية التي حدثت في يناير 1932بحيث لم يتمكن ال الوطنيون وال االنتدابيون من تشكيل الحكومة
بمفردهم ،وتم اللجوء إلى الصيغ الوسطى .وفي 17مايو 1933استقالة ثاني حكومات العهد الجديد التي رأسها
حقي بيك العظم وكلّ ف الحسني تشكيل الحكومة ،في وقت حرج من تاريخ سوريا حيث لم تتوقف المظاهرات المنددة
باالنتداب بل على العكس تأججت منذ نوفمبر حين أعلن بونسو حل دورة مجلس النواب بعد رفضه التصديق على
معاهدة السلم والصداقة مع فرنسا ]9[.غير أن االضرابات تصاعدت العصيان المدني حل بد ًءا من ذكرى أربعين
إبراهيم هنانو ،حيث أعلن فارس الخوري "الميثاق الوطني لالستقالل" من مدرج الجامعة السورية ،وكرد على ذلك
أغلقت الحكومة مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وحلب ومدن أخرى ،واعتقلت عددً ا من القادة من أمثال فخري
البارودي وسعد هللا الجابري ووضعت آخرين منهم شكري القوتلي قيد اإلقامة الجبرية ،فرد الشعب بإضراب عام دام
ستين يو ًما في دمشق ومدن أخرى وامتدّ من سوريا نحو لبنان ،وكان من نتيجته انتشار الجيش الفرنسي في شوارع
المدن الكبرى ،مع تهديد بقصف دمشق كما حصل عام .1925وساهمت الظروف اإلقليمية على حشد دعم من
بريطانيا فاضطر المفوض الفرنسي لقاء رئيس الكتلة الوطنية هاشم األتاسي مع بداية فبراير 1936واتفقا على
تشكيل حكومة جديدة والعمل إلبرام معاهدة جديدة مع فرنسا ،وبنتيجة هذا االتفاق استقالة حكومة التاج الثانية في 23
فبراير ] 10[.1936بعد استقالته ترك الحسني سوريا وانتقل إلى فرنسا وأقام فيها حتى بداية الحرب العالمية الثانية
عام 1939حين قفل راج ًعا إلى دمشق.
سنواته األخيرة
عام 1941كانت البالد تعاني من اضطرابات عنيفة بنتيجة الحرب العالمية الثانية وما رافقها ،فضالً عن احتجاجات
أخرى أثارها قانون األحوال الشخصية .بعد الفشل في إقناع هاشم األتاسي من االستقالة ،قرر الفرنسيون تعليق العمل
بالدستور والقدوم بحكومة على رأسها تاج الدين الحسني بمنصب رئيس جمهورية لتدبير األوضاع مؤق ًتا ،كان من
ض ا تدبير األموال اللزامة لتمويل المجهود الحربي لفرنسا في سوريا ،وفي سبيل ذلك عمد مهام هذه الحكومة أي ً
الحسني إلى رفع الضرائب ورفع سعر الخبز وغيره من المواد األساسية ،وبالتالي تنامى الحنق عليه في المناطق
الفقيرة في سوريا ،وكمكافأة له عن األموال التي مول عن طريقها الجيوش الفرنس ّية أعلن الفرنسيون ض ّم دولة جبل
الدروز ودولة جبل العلويين مجددً ا إلى الدولة السورية ،بعد أن كان ذلك أحد أبرز مطالب الحركة الوطنية السورية،
وقد تحقق عام 1936بعيد االتفاقية مع فرنسا ثم عاد الفرنسيون وحنثوا باالتفاق وفصلوا الدولتين ،وربما كان هذا
اإلعالن مقابل سماح الحكومة السورية لفرنسا باالحتفاظ بقواعد عسكرية لها في البالد لفتراة طويلة ،إلى جانب
مجموعة من االمتيازات االقتصادية والمالية والسياسية ،حاول الحسني معارضة رغبات الفرنسيين الطامعة بالمزيد
ض ا أن يقنع الفرنسيين بإعادة الحياة البرلمانية
من االمتيازات ،وسعى مذاك إلى مصادقة الكتلة الوطنية ،حاول أي ً
بالدعوة لالنتخابات جديدة ،لكن جهوده لم تثمر لدى صانعي القرار الفرنسيين]5[.
توفي فجأة بنوبة قلبية في 17يناير 1943وقيل مات مسمو ًم ا وأن بريطانيا قد اغتالته ،ويقول منير عجالني أنه
حاول أن يرسم صورة لنفسه بأنه زعيم وطني حقيقي مبتعدً ا عن سياسة فرنسا لكنه توفي قبل أن تكتمل هذه الصورة،
وبذلك كان أول رئيس للدولة السورية يموت أثناء وجوده في منصبه.
( )1939 - 1867هو أول رئيس للجمهورية السورية بين 11يونيو 1932و 21ديسمبر ،1936وتاسع حاكم
لسوريا منذا االستقالل عن الدولة العثمانية ،كما أنه أول حاكم لسوريا يتم انتخابه وال يتم تعيينه كما هو متبع منذ
1918ثم منذ قيام الدولة السورية عام . 1925والده أحمد عزت العابد سياسي سوري شهير زمن الدولة العثمانية
عمل في بالط عبد الحميد الثاني ،وعين في مراتب رفيعة كرئيس محاكم بالد الشام .درس العابد في دمشق التي
سفيرا في الواليات
ً غادرها طفالً وفي بيروت واسطنبول وباريس ،وعمل في وزارة الخارجية العثمانية وع ّين
المتحدة ،وبعد خلع عبد الحميد الثاني لم يعد وعائلته إلى الدولة العثمانية مطل ًقا بل تنقلت العائلة في أرجاء أوروبا،
فاستقر العابد في مصر ثم عاد إلى دمشق .في سياسته كان العابد محاي ًدا ذو عالقات
ّ حتى نهاية الحرب العالمية األولى
جيدة مع موالي االنتداب من ناحية ومع الكتلة الوطنية من ناحية ثانية ،وهو ما ساهم في وصوله لمقام الرئاسة في
13يونيو ،1932وبموجب دستور عام 1928فإن والية الرئيس تمتد لخمسة سنوات ،إال أنه استقال عام 1936
بداعي السن وتمهيدً ا لتدشين حكم الكتلة الوطنية بعد إقرار المعاهدة السورية الفرنسية لعام 1936؛ وقد تتالى خالل
رئاسته أربع حكومات.
كان يجيد عدا العربية والتركية كالً من الفرنسية واإلنجليزية والفارسية وعرف عنه ولعه باألدب الفرنسي وبالعلوم
االقتصادية .عائلة "العابد" من عائالت دمشق الغنية والمرموقة ،استقرت في دمشق على يد هولو العابد جد والد
العابد ،ويعود نسبه لقبيلة الموالي إحدى قبائل سوريا التي استطونتها إبان العهد العباسي
حياته
نشأته
ولد محمد علي العابد في دمشق عام 1867وتلقى علومه االبتدائية فيها ثم انتقل عام 1885إلى بيروت فأقام بها
قس ًط ا من الزمن وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده ] 1[،وانتقل مع أسرته إلى اسطنبول بعد استدعاء والده إليها،
تخرج
فدخل مدرسة غلطة سراي السلطانية ،وبعدما أنهى دراسته الثانوية أوفد إلى باريس حيث درس الحقوق ومنها ّ
مستشارا قضائ ًي ا لوزارة الخارجية العثمانية ،وبفضل نفوذ
ً عام ]1[.1905بعد تخرجه عاد إلى اسطنبول حيث ع ّين
والده وقربه من السلطان عبد الحميد الثاني غدا مفوض الدولة العثمانية لدى الواليات المتحدة اإلمريكية ،وكان قد
ترقى في سلّ م المراتب ودرس إلى جانب الحقوق التشريع الروماني والفقه اإلسالمي .غير أن عمله كسفير في
واشنطن لم تطل ،فبعيد االنقالب على السلطان عبد الحميد الثاني يوم 23يوليو 1908أنهيت مهامه كسفير]2[،
سرا خو ًفا على حياته .لم يعد محمد علي إلى الدولة العثمانية
وكذلك أقيل والده من منصبه في اسطنبول الذي غادرها ً
بل انتقل من واشنطن إلى كاليفورنيا ثم نحو أوروبا حيث التقى والده وكانا دائما التنقل في سويسرا وفرنسا وإنكلترا
حتى وضعت الحرب العالمية األولى أوزارها ،فانتقال إلى مصر وفيها توفي والده ،ثم انتقل العابد إلى دمشق مجد ًدا
توج
عام 1920بعيد سقوط المملكة السورية العربية ]2[،حيث نسج عالقات جيدة مع قادة االنتداب الفرنسي ما ّ
وزيرا للمالية في حكومة بركات األولى التي تشكلت في يونيو ،1922وقد تاله في الحكومة التالية التي
ً بتعيينه
تشكلت في 1يناير 1925جالل الزهدي.
في 28يونيو 1922تم إعالن االتحاد السوري بين دولة دمشق ودولة حلب ودولة جبل العلويين على أن يكون
اتحادً ا فيدرال ًي ا كخطوة أولى نحو الوحدة السورية ،وقد كان المجلس التأسيسي الذي أنشأه الجنرال هنري غورو،
عضو ا خمس عن كل دولة ويشكل المجلس الهيئة التشريعية العليا في البالد ،وكان بموجب
ً مؤلف من خمسة عشر
ض ا من المفترض أن ينتخب أعضاء المجلس إال أنه تعذر إجراء انتخابات نيابية
دستور االتحاد الذي نشره غورو أي ً
حينها ،ع ّي ن بنفسه أعضاء المجلس ،وكان من بين األعضاء المعينين محمد علي العابد ممثالً عن دمشق]3[.
سا لمدةفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه االتحاد ،التأم المجلس االتحادي في حلب وانتخب باإلجماع صبحي بركات رئي ً
أيضا ]3[.شملت البالد السورية الراحة في أعقابعام ،وقد ش ّكل بركات حكومته األولى مسندً ا وزارة المالية للعابد ً
وزيرا للمالية حتى 1يناير 1925وخالل وزارته الطويلة تم ً إعالن االتحاد ،وعادت الثقة بالمعتدلين ،وقد مكث العابد
إقرار اتفاقية "مصرف سورية ولبنان الكبير" ليكون بمثابة مصرف سورية المركزي وإصدار الليرة السورية كعملة
له وذلك في 1أغسطس 1922؛ وعلى الصعيد الشخصي فقد تزوج رئيس االتحاد صبحي بركات بليلى العابد ابنة
قصير ا وانتهى بالطالق ،فانتهت بذلك كما يقول يوسف الحكيم الذي عاصر تلك الفترة ً الوزير ،غير أن الزواج كان
أيضا ،قد
"صالت المودة والصداقة بين الرئيس والوزير" ،رغم ذلك فلم يستقل العابد ]4[،لكنه وكما يوضح الحكيم ً
خصوصا رجال الكتلة الوطنية الح ًقا ،وكان لهذه الصداقة أثر بالغ في
ً أصبح منزله ملتقى لجميع معارضي بركات،
إيصال العابد لسدة الرئاسة الح ًقا عام 1932كمرشح توافقي بين مختلف األطياف.
االنتخابات النيابية
لم يضطلع العابد بأي عمل سياسي خالل الفترة الممتدة بين عامي 1925و ،1932وكفل له خروجه المبكر من
حكومة بركات عدم خسارة تأييد الكتلة الوطنية وفرنسا في الوقت ذاته ،وقضى هذه الفترة كما يذكر يوسف الحكيم في
أقر الدستور السوري عام 1931قرر العابد الترشح عن المقعد النيابي في دمشق ونال دعم األعمال الخيرية ،وعندما ّ
الرئيس األسبق أحمد نامي ويقول الحكيم أن العابد خالل دعايته االنتخابية ،قد نشط أعماله الخيرية فقدم إعانة مالية
كبيرة لجمعية اإلسعاف الخيرية ،وشارك مع رجال المال في تأسيس مصرف وطني ،ثم عقد تفاه ًما مع رجال الكتلة
الوطنية كل ال تتضارب األصوات في دمشق ،كما زار المؤسسات الروحية لمختلف طوائف دمشق ،مقد ًما في كل زيارة
صا لقرب األعياد الدينية حينها]5[.إعانات مالية لتقوم المساجد والكنائس بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين خصو ً
ت ّمت االنتخابات في ديسمبر 1931ويناير 1932انتخب العابد نائ ًبا عن دمشق وفق النتائج القطعية التي صدرت في
9أبريل.
رئاسته
إلي معرفتي لمصلحة بلدي"
"إني أعمل بما توحيه ّ
انتخابه
فوض إليه انتخاب رئيس المجلس وهيئة مكتبه إلى جانب رئيس عقد المجلس النيابي اجتماعه األول في 7يونيوّ ،
الجمهورية والتصديق على نتائج االنتخابات النيابية وتحديد مخصصات النواب ]6[،لم يكن العمل الحزبي قو ًيا في
سوريا ولذلك كان أغلب النواب من المستقلين ومفروزين على أساس مناطقي :الكتلة األولى بزعامة صبحي بركات
وحولها أغلب نواب الشمال المعتدلين ،والكتلة الثانية يتزعمها حقي العظم وأغلب نواب الجنوب المعتدلين ،في حين
مرشحا
ً أن ثالث الكتل هي الكتلة الوطنية المؤلفة من 17نائ ًبا فقط ،يترأسها هاشم األتاسي ،ولم يكن رئيسها
للرئاسة ،بل كان يفضل العابد كمرشح توافقي]6[.
رئيس ا له ،ثم جرى انتخاب مكتب المجلس الذي شغله أنصارً في 11يونيو اجتمع المجلس وانتخب صبحي بركات
أيض ا ،وأراد الرئيس بركات الشروع بانتخاب الرئيس مباشرة فانسحب نواب الكتلة ،ولم يشأ بركات أن يؤجل صبحي ً
الجلسة لصغر حجم الكتلة النيابية الوطنية فعل ًي ا ،غير أن الجنرال فيبر ممثل المفوض الفرنسي في دمشق ،أصدر وقبل
البدء باالنتخاب مرسو ًم ا بتأجيل الجلسة بهدف بلورة اتفاق بين مختلف الكتل النيابية ]7[.منح قادة الكتل يومان
رئيسا في 13يونيو ،وكان أول من حمل لقب "رئيس الجمهورية" في ً للتباحث ،أفضى التباحث النتخاب العابد
سوريا ،إذ إن من سبقوه س ّم وا رؤساء الدولة لعدم وجود دستور مكتوب لها .انتخاب العابد ،وقد انتخب انتخب
بأغلبية 36نائ ًبا من أصل ، 68وبذلك قطع الطريق أمام صبحي بركات الرئيس السابق للدولة ،والمرشح الفرنسي
رئيسا
ً للمنصب ]8[.عمو ًم ا فإن االتفاق الذي عقد ضمن للمعتدلين منصب رئيس المجلس النيابي وانتخب بركات
للمجلس ،كما اتفق أن تكون الحكومة مناصفة بين الكتلة الوطنية والمعتدلين ،على أن يشكلها حقي العظم]9[.
حكومتي العظم
أول حكومات عهد العابد شكلها حقي بيك العظم وتألفت من أربع وزراء فقط مناصفة بين الكتلة الوطنية والمعتدلين
في 14يونيو ونالت ثقة المجلس النيابي في 6أكتوبر 1932؛ وقد كان عهد هذه الحكومة هادًئ ا ولم يكن هناك من
يعارض حكم الرئيس العابد خالل العام األول من حكمه سوى القلة ]10[،وبعد عام في 3يونيو 1933استقالة
حكومة العظم وتألفت حكومة ثانية برئاسته غير أنها قد خلت من وجوه الكتلة الوطنية فكانت "وزارة انتدابية"
بتوافق العابد مع المفوض الفرنسي بونسو في أعقاب مظاهرات حاشدة شهدتها البالد كانت الكتلة الوطنية مساندة لها
بطلب الوحدة واالستقالل،و كان ذلك بانتقال الكتلة الوطنية إلى المعارضة؛ رغم ذلك فقد دامت حكومة العظم الثاني
عا ًما كامالً ،انتهجت بها سياسية الترشيد االقتصادي ،وحافظت على الحياد والنزاهة واستطاعت ضمن سياستها هذه
تخفيض أصول الديون السور ّية من أيام الدولة العثمانية وذلك من 70مليون ليرة تركية مستحقة لفرنسا إلى 24
مليو ًنا ] 11[،ولم يفلح أمام هذه اإلنجازات الهامة رجال الكتلة في خلق معارضة شعبية قوية للحكومة ،فاقتصر األمر
على المعارضة البرلمانية ]11[.في يوليو 1933أنهيت مهام هنري بونسو كمفوض فرنسي سامي في سوريا،
وع ّين سفير فرنسا في الصين شارل دي مارتيل خل ًفا له ،وعندما وصل بيروت في 12أكتوبر ُ 1933عقد مؤتمر
صافيتا من قبل وجهاء الطائفة العلوية طالبوا به بالوحدة واالنضمام للجمهورية السورية ،كما شهدت دمشق خالل
الفترة ذاتها اعتصا ًما قام به ش ّبان دروز للهدف ذاته]12[.
في نوفمبر ، 1933عرض دي مارتيل نص معاهدة السلم والصداقة بين سوريا وفرنسا بعد أن أقرتها الحكومة
ودعمها العابد ،غير أن البرلمان رفض التصديق عليها وردها بأغلبية 46نائ ًبا (أي أكثر من ثلثي المجلس) ألنها ال
تحوي على بنود تتعلق بالسيادة والوحدة واالستقالل ،فما كان من دي مارتيل إال أن حل ّ دورة المجلس في 24نوفمبر
وأوقف اجتماعاته طول ذاك الفصل التشريعي .ثالث حكومات عهد العابد شكلها رئيس الدولة السورية السابق تاج
الدين الحسني وذلك في 17مايو 1934بعد أن استقالت حكومة العظم الثانية بإيعاز من دي مارتيل
حكومتي التاج واأليوبي
طال عهد العظم في رئاسة الحكومة ما يقرب السنتين ،وقبل أن يبدأ عامه الثالث ومع استمرار القطيعة بين جال الكتلة
والحكومة وتجدد المظاهرات في مختلف المدن السورية المطالبة بإنهاء االنتداب وما عزي من ضعف الحكومة كسبب
لذلك ،اتفق دي مارتيل مع الرئيس العابد على اإليعاز للعظم باالستقالة ،ثم جرى تكليف الرئيس السابق للدولة تاج
الدين الحسني برئاسة الوزارة ،فشكلها في يوم واحد ولم تأخذ حكومته ثقة البرلمان لكنه موقف عن االجتماع بقرار
من المفوض الفرنسي ] 14[.ومما يذكر في عهد هذه الحكومة زيارة الرئيس العابد إلىحلب ونظمته الكتلة الوطنية من
تظاهرات مضادة للزيارة ،فمن ناحية كان يرافق العابد رئيس وزراءه الذي كانت عالقته مع الكتلة على توتر دائم،
ومن ناحية ثانية فإن أي قرار بشأن توحيد البالد وإنهاء االنتداب لم يكن يلوح في األفق ،وبنتيجة التظاهرات التي
صا بينهم قيادات هامةانطلقت خالل قيام العابد بصالة الجمعة في المسجد األموي بحلب ،إلى اعتقال نحو ثمانين شخ ً
مثل سعد هللا الجابري]15[.
في مايو 1935شكلت لجنة مستقلة لوضع قانونين لألحوال الشخصية والتجارة وذلك بهدف إنهاء العمل بمجلة
األحكام العدلية الصادرة عن الدولة العثمانية عام ،1876وقد تداول اعتماد المذاهب األربعة كمصدر للتشريع فيما
يتعلق بالمسلمين بدالً من حصرها بالمذهب الحنفي ،غير أنه ما أعاق العمل فعل ًيا كون أغلب القضاة والحقوقيين
المعينين بحكم مواقعهم في اللجنة من مناصري الكتلة الوطنية ،ولذلك لم يشهد العمل أي جد ّية بهدف منع صدور
القانون خالل وزارة الشيخ التاج "االنتدابية".
في 21ديسمبر 1935نظمت الكتلة الوطنية حفل تأبين لمناسبة ذكرى أربعين وفاة إبراهيم هنانو على مدرج
الجامعة السورية ،وأعلن فارس الخوري خالل الحفل "الميثاق الوطني" ،وبدأت في أعقابه اإلضرابات واالضطرابات
األمنية الدامية ،بينما عجز العابد ومعه حكومة الشيخ التاج عن قمعها .وقد أغلقت في أعقاب هذه االحتجاجات مكاتب
الكتلة الوطنية في دمشق وحلب واعتقل عدد من قادتها كسعد هللا الجابري فردّ الشعب بإضراب شامل دام في دمشق
ومدن أخرى ستين يو ًم ا ،واضطر الجيش الفرنسي لالنتشار في شوارع المدن الرئيسية وهدد دي مارتيل بقصف
دمشق كما حصل عام ، 1925وشهدت العراق ولبنان واألردن وفلسطين ومصر مظاهرات مؤيدة للشعب السوري
فضالً عن دعم من بريطانيا ،وبنتيجة الضغط الدولي اضطر المفوض الفرنسي لقاء هاشم األتاسي رئيس الكتلة
الوطنية ،واتفق معه على تشكيل حكومة جديدة وتشكيل وفد سوري يقوم بالسفر إلى فرنسا للتفاوض حول معاهدة
جديدة تضمن حقوق السوريين ،وبنتيجة االتفاق استقالة حكومة الحسني وتشكلت رابع وآخر حكومات عهد العابد
برئاسة عطا األيوبي في 23فبراير 1936وقد شملت وجو ًه ا محايدة وكانت مهمتها األساسية إدارة المرحلة
االنتقالية؛بعد حوالي شهر في 21مارس غادر وفد الكتلة الوطنية إلى فرنسا ومكثت المفاوضات ستة أشهر حتى
سبتمبر النشغال فرنسا باالنتخابات النيابية ،حين أعلن عن االتفاق بين الوفد والحكومة الفرنسية في 9سبتمبر
ونشرت نصوص مسودة االتفاق في 22أكتوبر على أن توقع قبل نهاية العام .ودعا العابد النتخابات نيابية هي الثانية
في تاريخ سوريا فازت بها الكتلة باألغلبية الساحقة ،وكان من النتائج المباشرة لالتفاق بين الكتلة وفرنسا ،عودة
ارتباط دولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز بالوطن األم في 5ديسمبر ،1936مقابل احتفاظهما باالستقالل اإلداري
والمالي ،غير أن نائب جبلة علي أديب عضو برلمان دولة جبل العلويين أعلن تنازل الالذقية عن استقاللها المالي
واإلداري لتكون "متساوية مع سائر المحافاظت السورية" ،وأيدّ ه في ذلك سائر النواب وع ّين مظهر باشا أحد أركان
محافظا عليها .وقد افتتح البرلمان الجديد أعماله في 21ديسمبر 1935وفي اليوم نفسه أرسل العابد ً الكتلة الوطنية
كتاب استقالته إلى المجلس فقبلها ،وقد علل العابد سبب استقالته ألسباب صح ّية بينما وجد عدد من المؤرخين أن
السبب يرجع لفوز الكتلة الوطنية ،وعدم تمكن رئيس محايد االستمرار إثر فوز الكتلة بأغلبية ساحقة ،وقال يوسف
الحكيم أنّ كبير أمناء الرئيس نجيب أرمنازي هو من نصحه باالستقالة بعد إعالن نتائج االنتخابات إلفساح المجال أمام
الكتلة الوطنية إلكمال ما بدأت به من تافهم مع فرنسا.وفي الجلسة التي قبلت فيها االستقالة انتخب هاشم األتاسي
رئيس ا ،أما العابد فقد غادر سوريا إلىباريس وقيل خو ًف ا من االغتيال ،وبقي فيها إلى أن وافته المنية عام 1939حين
ً
نقل جثمانه إلى دمشق ودفن فيها.ويمكن القول عن فترة العابد:
إن فترة محمد العابد كانت أشبه ما يكون بالهدوء الذي جاء بالعاصفة ،امتاز عهده بتح ّدي القوى الوطنية لسلطة
االحتالل وظهور الكتلة الوطنية الواضح ،والتي تقدّ مت على حزب الشعب الذي أسسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر
عام ، 1925والتي استطاعت فيه الكتلة الوطنية تحريك الشارع إلرغام االحتالل لإلذعان للتوقيع على ُمعاهدة
االستقالل وبطالن االنتداب الفرنسي ،وهو ما لم يتم في عهده.
حال ًي ا ،يوجد شارع راقي باسمه في دمشق بقرب شارع الحمراء يمتاز بوجود بعض األبنية ذات الطراز المعماري
الفرنسي من مخلفات االنتداب؛ وقد قال عنه المؤرخ والسياسي السوري يوسف الحكيم ،أنّ العابد كان تمتع بمزايا
عالية من العلم والخبرة االقتصادية والحياة السياسية واالجتماعية فضالً عن ثروة كبيرة و"مكارم األخالق" إلى جانب
"التواضع".
منزله
ال يزال منزل محمد علي العابد إلى اليوم في حي ساروجة ضمن دمشق القديمة ويرجع عمر قصر آل العابد لحوالي
350عا ًما من اآلن ] 20[،ويعود تاريخ اقتنائه لهولو العابد جد والد محمد علي العابد ،واعتبر في بداية رئاسته
قصرا جمهور ًي ا واستمر كذلك ستة أشهر فقط ،حين تم االنتهاء من القصر الجمهوري الحالي في منطقة المهاجرين ً
حول القصر عام 1942إلى سليم اليازجي الذي قام بتحويله إلى مدرسة ثانوية حتى عام بدمشق .وبعد فاة العابد ّ
، 1970حين تم تأميم المدارس الخاصة في سوريا ،وأتبع البناء لملكية وزارة التربية التي حولة البناء كمديرية
تربية ،وقد أهمل القصر وأتلفت الكثير من محتوياته وسرق بعضها اآلخر س ّيما األسقف العجمية ،وفي عام 1995
استعاد اليازجي ملكيته ،كما تعرض في عام 2006لحريق قضى على أحد طوابقه.
-9هاشم األتاسي
( 5 - 1875ديسمبر/كانون األول )1960هو ثاني رئيس للجمهورية السورية في ثالث فترات بين 21
ديسمبر/كانون األول 1936و 7يوليو/تموز 1939وديسمبر/كانون األول 1949و 24ديسمبر/كانون األول 1951
ثم 1مارس/آذار 1954و 6سبتمبر/أيلول ، 1955وتاسع حاكم لسوريا منذا االستقالل عن الدولة العثمانية؛ كما أنه
شغل مناصب بارزة في الجمهورية السورية فش ّكل الوزارة مرتين عام 1920و 1949ورأس المؤتمر السوري العام
بين 1919و 1920والمجلس النيابي عام ،1928وكذلك لجان وضع الدستور الثالث أعوام 1920و 1928و
، 1950وانتخب للنيابة عن حمص عدة مرات .ينتسب األتاسي لعائلة غنية ومعروفة في حمص وقد شغل والده خالد
األتاسي منصب مفتي حمص ،درس فيها وفي اسطنبول وعمل في ظل الدولة العثمانية في بيروت وحمص ،وكان من
المقربين من الملك فيصل األول خالل المملكة السورية العربية ونشط بعد ذلك خالل االنتداب الفرنسي على البالد
ً
بارزا دورا
خصوص ا إثر تأسيسه وزعامته لحزب "الكتلة الوطنية" التي لعبت ً ً كناشط سياسي بارز مطالب باالستقالل
في الحياة السياسية السورية قبل .1963
حياته المبكرة وأوائل نشاطه
تعتبر عائلة األتاسي التي ينتسب إليها من أشهر عائالت حمص اإلقطاعية وأكثرها ثرا ًء ،إضافة إلى نشاط سياسي
محلي لها منذ عهد الدولة العثمانية .ولد هاشم األتاسي في 6ديسمبر/كانون األول ،1875وتلقى دراسته االبتدائية
والثانوية في حمص ،ثم انتقل إلى اسطنبول حيث درس اإلدارة العامة في األكاديمية الملكية ،وتخرج منها عام
. 1895بداية حياته السياسية كانت في الدولة العثمانية عام 1898حين تم تعيينه موظ ًفا مرمو ًقا في والية بيروت
محافظا على حمص وحماة وبعلبك ويافا ً العثمانية ،وبعد نشوب الحرب العالمية األولى عام 1914تم تعيينه
واألناضول ،وإن كانت واليته أشبه بوالية شرفية .بعد الحرب العالمية األولى عام 1918وقف األتاسي في صف
عضو ا في المؤتمر السوري العام أول برلمان سوري في ً الوطنيين المطالبين باالستقالل عن الدولة العثمانية ،وانتخب
سا للمؤتمر ]1[.في 8مارس/آذار التاريخ ،ضم أقطار بالد الشام األربعة في يونيو/حزيران ،1919وانتخب رئي ً
1920أعلن قيام المملكة السورية العربية وبويع فيصل األول مل ًك ا عليها بإجماع أعضاء المؤتمر السوري العام،
وكلف األتاسي رئاسة لجنة صياغة دستور المملكة ،فأقر في يونيو/حزيران ،1920غير أنه لم يعمل به سوى لفترة
قصيرة ،بسبب سقوط المملكة .بعد استقالة حكومة الركابي الثانية ،كلّفه الملك فيصل األول تشكيل الحكومة ،فشكلها
في 2مايو/أيار ، 1920وبذلك كان ثاني من شغل منصب رئيس الوزراء في سوريا ،غير أن عمر حكومته كان
قصيرا ] 1[،وأحداثها متسارعة ،فقد تلقفت الحكومة اإلنذار الشهير باسم إنذار غورو ثم قبلته في 13يونيو ،وأعلنت
ً
ً
حالة الطوارئ في 15يونيو/حزيران وأعلنت تطبيق ا لموافقتها على مبادئ اإلنذار حل الجيش السوري في 20
يونيو/حزيران وهو ما أدى إلى أحداث احتجاج وشغب في دمشق ومدن أخرى فضالً عن احتالل المحتجين لقلعة
متظاهرا .لم يقتصر األمر على ذلك ،تذرع
ً دمشق ،وقد استعملت الحكومة الرصاص الحي ما أدى إلى مقتل عشرين
هنري غورو قائد الجيوش الفرنسية في الشرق بإنه لم يصله قبول الحكومة باإلنذار ،ولذلك زحف إلى دمشق من
بيروت في 21يوليو/تموز والتقى مع بقايا الجيش السوري ومتطوعين في معركة ميسلون يوم 24يوليو/تموز،
قادر ا بعتاده المتواضع مواجهة جيوش فرنسا في الشرق ،مطل ًقا .دخل وعمو ًما فإنه حتى لو لم يحل الجيش ،لم يكن ً
الفرنسيون إلى دمشق في 25يوليو/تموز وانتقلت الحكومة ومعها الملك إلى الكسوة ،وقدّ مت استقالتها في اليوم
نفسه كنتيجة لمعركة ميسلون واحتالل دمشق وتشكلت حكومة برئاسة عالء الدين الدروبي موالية لالنتداب ،وبعدها
بثالث أيام نفي الملك فيصل وبذلك انتهت المملكة السورية ،بعد أن مكث األتاسي في رئاستها حوالي ثالث أشهر]2[،
صا حين ع ّين عبد الرحمن الشهبندر المقرب من رغم ذلك فقد أثبت األتاسي عن حنكة في الشؤون السياسية ،خصو ً
فرنسا وذو العالقات البارزة مع ساسة أوروبا بهدف إقامة تحالفات بين المملكة والغرب وكمحاولة لتفادي االنتداب
الفرنسي على سوريا ،غير أنه قد فشل في مسعاه.
االنتداب الفرنسي
في أكتوبر/تشرين األول 1927اجتمع األتاسي مع عدد من الناشطين البارزين ممن عرف عنهم مقارعة االنتداب
الفرنسي على سوريا ومنهم شكري القوتلي وسعد هللا الجابري وفارس الخوري وغيرهم ،وأعلنوا ميالد "الكتلة
الوطنية" التي اضطلعت بدور بارز في الحياة السياسية السورية حتى ،1963وش ّكل حكومات منفردة عدة ّ
مرات
خالل مرحلتي االنتداب واالستقالل .تشكيل الكتلة الوطنية كان ردً ا على حزب الشعب ،الذي عرف عنه مواالته
أيض ا على قمع الثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925 للفرنسيين وقد ترأسه عبد الرحمن الشهبندر ،وكرد ً
واستطاع الفرنسيون قمعها في أغسطس/آب 1927بعد أن زجت مائة وعشرة آالف جندي فرنسي في سوريا ،حيث
قال المجتمعون أنه من الممكن نيل استقالل سوريا وووحدتها بالوسائل السلمية بدالً من المقاومة العنيفة .وقد شملت
الكتلة الوطنية التي أسسها األتاسي إقطاعيين ومحامين وموظفين وطالب ،أي أنها شملت جميع شرائح المجتمع
أيضا في
السوري ،ليس في حدود "الدولة السورية" التي أعلنها الفرنسيون على دمشق وحلب فقط عام 1925بل ً
الالذقية والسويداء ومناطق أخرى.
وعضوا دائ ًم ا في مكتبها ،وبعد مفاوضات تاج الدين الحسني مع المفوض الفرنسي ً رئيسا للكتلة
ً انتخب هاشم األتاسي
هنري بونسو والتي أفضت النتخابات جمعية تأسيسية لوضع دستور للبالد عام 1928رأس األتاسي هذه الجمعية،
نص على كون النظام جمهور ًيا برلمان ًيا .خالل
وبالتالي وجهت له مهمة وضع الدستور السوري الثاني ،وقد ّ
االحتجاجات التي شهدتها سوريا خالل عام 1930ر ًد ا على عدم نشر الدستور والدعوة النتخابات نيابية ،اعتقل
الفرنسيون األتاسي عدة أشهر ونقلوه إلى جزيرة أرواد؛ وعندما دعا الفرنسيون النتخابات نيابية في سوريا عام
،1932أسفرت االنتخابات عن فوز الكتلة الوطنية بسبعة عشر مقعدً ا من بينهم األتاسي ،غير أغلب المؤرخين يرون
صا في حلب حيث سقط إبراهيم هنانو بما وصف "فضيحة تالع ًب ا قامت به فرنسا في إعالن نتيجة االنتخابات ،خصو ً
االنتخابات" ليفوز نكرات .نتيجة المفاوضات بين الكتل النيابية تم التوصل التفاق يقضي بوصول محمد علي العابد
رئيس ا للجمهورية كمرشح محايد وتشكيل حكومة مناصفة بين المعتدلين والكتلة الوطنية على أن يرأسها حقي العظم ً
سا للمجلس النيابي بواحد وخمسين صو ًتا المحسوب على المعتدلين ،كذلك فقد انتخب بالتوافق صبحي بركات رئي ً
مقابل سبعة عشر لألتاسي.
رئيسا للجمهورية
ً
في 21ديسمبر/كانون األول 1935نظمت الكتلة الوطنية حفل تأبين لمناسبة ذكرى أربعين وفاة إبراهيم هنانو على
مدرج الجامعة السورية ،وأعلن فارس الخوري خالل الحفل "الميثاق الوطني" ،وبدأت في أعقابه اإلضرابات
واالضطرابات األمنية الدامية ،بينما عجز العابد ومعه حكومة الشيخ التاج عن قمعها .وقد أغلقت في أعقاب هذه
االحتجاجات مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وحلب واعتقل عدد من قادتها كسعد هللا الجابري فر ّد الشعب بإضراب
شامل في دمشق ومدن أخرى دام ستين يو ًم ا ،واضطر الجيش الفرنسي لالنتشار في شوارع المدن الرئيسية وهدد دي
مارتيل بقصف دمشق كما حصل عام ، 1925وشهدت العراق ولبنان واألردن وفلسطين ومصر مظاهرات مؤيدة
للشعب السوري فضالً عن دعم من بريطانيا ،وبنتيجة الضغط الدولي اضطر المفوض الفرنسي لقاء هاشم األتاسي
رئيس الكتلة الوطنية ،واتفق معه على تشكيل حكومة جديدة وتشكيل وفد سوري يقوم بالسفر إلى فرنسا للتفاوض
حول معاهدة جديدة تضمن حقوق السوريين ،وبنتيجة االتفاق استقالة حكومة الحسني وتشكلت رابع وآخر حكومات
عهد العابد برئاسة عطا األيوبي في 23فبراير/شباط 1936؛[ ]3بعد حوالي شهر في 21مارس/آذار غادر وفد
الكتلة الوطنية إلى فرنسا ومكثت المفاوضات ستة أشهر حتى سبتمبر/أيلول ،حين أعلن عن االتفاق بين الوفد
والحكومة الفرنسية في 9سبتمبر/أيلول ونشرت نصوص مسودة االتفاق في 22أكتوبر/تشرين األول على أن توقع
قبل نهاية العام .ودعا العابد النتخابات نيابية هي الثانية في تاريخ سوريا فازت بها الكتلة باألغلبية الساحقة ،وكان
من النتائج المباشرة لالتفاق بين الكتلة وفرنسا عودة ارتباط دولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز بالوطن األم في 5
ديسمبر/كانون األول ، 1936مقابل احتفاظهما باالستقالل اإلداري والمالي ،غير أن نائب جبلة علي أديب عضو
برلمان دولة جبل العلويين أعلن تنازل الالذقية عن استقاللها المالي واإلداري لتكون "متساوية مع سائر المحافاظت
ً
محافظا عليها ]4[.وقد افتتح السورية" ،وأي ّده في ذلك سائر النواب وع ّين مظهر باشا أحد أركان الكتلة الوطنية
البرلمان الجديد أعماله في 21ديسمبر/كانون األول 1935وفي اليوم نفسه أرسل العابد كتاب استقالته إلى المجلس
فقبلها ،وقد علل العابد سبب استقالته بأسباب صح ّي ة بينما وجد عدد من المؤرخين أن السبب يرجع لفوز الكتلة
الوطنية ،وعدم تمكن رئيس محايد من االستمرار إثر فوز الكتلة بأغلبية ساحقة .وفي الجلسة التي قبلت فيها
سا.
االستقالة انتخب هاشم األتاسي رئي ً
واضح ا أن فرنسا ال تود المصادقة على االتفاقية وذلك خو ًفا على ما يكون عليه الوضع في
ً مع نهاية عام 1938بات
حال نشبت حرب مع ألمانيا تحت قيادة النازية ،كرد على مماطلة فرنسا باالستقالل وبعد تعذر إقرار قانون لألحوال
الشخصية بين المحافظين وخصومهم والتي تطورت ألعمال عنف فضالً عن سلخ لواء إسكندرون ،وكذلك فإن عبد
القص اب ،كانوا قد حشدوا الشارع للتظاهر ضد الكتلة الوطنية وضد حكم
ّ الرحمن الشهبندر ومعه حزب الشعب وكامل
األتاسي .بتكالب هذه العوامل قدّ م األتاسي استقالته في 7مايو/أيار 1939وقال في بيان االستقالة أن فرنسا تواصل
المماطلة حول االستقالل السوري وسحب كامل الجيوش الفرنسية ،فضالً عن إعالن لواء إسكندرون دولة مستقلة عام
1938ثم انسحاب الجيوش الفرنسية منه لتدخلها الجيوش التركية عام ،1939وهو ما يصفه المؤرخون برشوة
لتركيا كي تبقى على الحياد خالل الحرب العالمية الثانية التي كانت على األبواب]2[.
بعد استقالته عاد األتاسي إلى حمص ،ورفض المشاركة في النشاط السياسي معل ًنا تقاعده .السنوات الالحقة لم تكن
أب ًد ا بالمستقرة في سوريا ،حيث علق العمل بالدستور وأعيد الحكم الفرنسي العسكري المباشر ،كما أن الجيش
البريطاني احتل ّ سوريا مع قوات جيوش فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول ،واستمر الوضع طوال فترة الحرب العالمية
الثانية على حاله .يذكر أن شارل ديغول التقى األتاسي خالل زيارة قام بها إلى حمص ودعاه للعودة عن استقالته،
مؤكدً ا أن فرنسا بعد نهاية الحرب تود االعتراف بكامل استقالل سوريا بعد نهاية الحرب ،رفض األتاسي ذلك وقال أن
رئيسا
ً تجربته في الرئاسة أثبتت أنه ال يمكن الوثوق بفرنسا ،عمو ًما فإنه عام 1941ت ّم تعيين تاج الدين الحسني
للجمهورية ،وعندما أعيدت الحياة الدستورية وجرت انتخابات نيابية عام 1943فازت بموجبها الكتلة الوطنية
سا للجمهورية ،وبالتالي ُعرف مجد ًد ا ،لم يرشح األتاسي نفسه ،بل دعم ترشيح شكري القوتلي أحد زعماء دمشق ،رئي ً
رئيسا وبوصفه صان ًعا للرؤساء .خالل األزمة الحكومية عام 1947عرض القوتلي على األتاسي أن ً األتاسي بوصفه
س ا للوزراء بحيث يرأس حكومة وحدة وطنية ،اشترط األتاسي في حال قبوله تشكيل الحكومة الحد من يغدو رئي ً
صالحيات الرئيس التي كانت متزايدة بما ال يتوافق وأحوال الجمهورية النيابية ،غير أن القوتلي رفض.
في آذار/مارس 1949تمت اإلطاحة بالقوتلي على يد رئيس أركان الجيش حسني الزعيم في أول انقالب عسكري في
الشرق األوسط ،وقد ترأس الزعيم حكومة عسكرية لمدة أربعة أشهر قبل أن يطيح به انقالب عسكري آخر في
أغسطس/آب 1949بقيادة سامي الحناوي الذي دعا األتاسي للعودة عن تقاعده وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على
انتخابات من شأنها استعادة الحكم المدني .امتثل األتاسي لطلب الحناوي وضم حكومة وحدة وطنية تشمل جميع
األطراف بما فيها حزب البعث العربي االشتراكي حيث مثله ميشيل عفلق بوزارة الزراعة .ثم تمت خالل رئاسته
للحكومة صياغة قانون انتخابي جديد ،صوتت فيه النساء للمرة األولى في 15و 16نوفمبر/تشرين الثاني ،1949
وتكونت جمعية تأسيسية انتخب لرئاستها ،ثم رشح لوالية ثانية
واليته الثانية
س ا للمرة الثانية بإجماع األعضاء في ديسمبر/كانون األول ،1949غير أن القالقل عادت من جديد انتخب األتاسي رئي ً
سا للوزراء، مع المطالبة بالوحدة مع العراق ،وقد تحالف األتاسي مع حزب الشعب وعين رئيسه ناظم القدسي رئي ً
وافتتحت مفاوضات للوحدة مع العراق .كذلك فقد شهدت واليته الثانية إغالق الحدود مع لبنان بحجة منع تدفق
البضائع اللبنانية التي كانت تغرق السوق السورية .طوال 1950كانت مفاوضات االنضمام إلى العراق تسير قد ًما
خصوص ا بعد سفر األتاسي إلى بغداد ولقاءه فيصل الثاني ملكها ،ما أغضب أديب الشيشكلي أحد أبرز قادة الجيش، ً
والذي حذ ر األتاسي من مغبة "استيالء بغداد على دمشق" ،رفض األتاسي الضغوط العسكرية ،فقام الشيكشلي ّ
بانقالب عسكري واعتقل سامي الحناوي وأبرز المتعاطفين مع حزب الشعب ،وعدد من الضباط الموالين للعراق في
وزير ا الدفاع ،لكونه من المقربين منه ،بحيث يضمن عدم تأثير موالي ً الجيش السوري ،ثم طالب بتعيين فوزي السلو
العراق على الحكومة .نتيجة االنقالب قبل األتاسي بشروط الشيشكلي األولى ،ومع ذلك طلب من معروف الدواليبي أحد
وجوه حزب الشعب تشكيل الحكومة ،وقد رفض الدواليبي منح حقيبة الدفاع لفوزي السلو ،وبنتيجة ذلك قام الشيشكلي
بانقالب آخر ،واعتقل رئيس الوزراء وجميع أعضاء حزب الشعب وجميع الوزراء ورجال الدولة المؤيدين لألسرة
احتجاج ا على ذلك قدم األتاسي استقالته إلى البرلمان المنحل في 24ديسمبر/كانون األولً الهاشمية ،ثم حل ّ البرلمان.
،1951ورفض أن يقدمها للشيشكلي ،لكون حكمه غير دستور ًيا .وطوال حكم أديب الشيشكلي بين 1951و1954
قاد األتاسي معارضة مستترة ضده مؤكدً ا أن حكمه غير دستوري .وبتضافر أنصار الكتلة الوطنية وأنصار حزب
الشعب -الذين باتا من األحزاب المحظورة -إضافة إلى مؤيدي الهاشمية ،قامت انتفاضة وطنية من حلب في
فبراير/شباط ، 1954واعتقل عدنان نجل الشيشكلي ،وكرد على ذلك وضع الشيشكلي األتاسي تحت اإلقامة الجبرية،
ولم يقم بوضعه في السجن احترا ًما لدوره البارز في الحياة السياسية السورية .في 1مارس/آذار 1954عاد األتاسي
من حمص إلى دمشق وتابع مهامه كرئيس للجمهورية ،كما أعاد مجلس الوزراء ورئيسه معروف الدواليبي ،واستعاد
ض ا جميع السفراء والوزراء والبرلمانيين الذين عزلهم الشيشكلي مناصبهم السابقة ،وحاول األتاسي خالل رئاسته أي ً
الثالثة بكل قوته القضاء على كل أثر لديكتاتورية الشيكشلي التي دامت أربع سنوات.
السنوات األخيرة
قضى األتاسي سنوات حكمه األخيرة وله من العمر ثمانون عا ًم ا ،يحارب نفوذ ضباط الجيش ويسعى للحد من نفوذ
األحزاب اليسارية التي كانت تتنامى في البالد إلى جانب االشتراكية والتعاطف مع االتحاد السوفياتي ،وكذلك جمال عبد
الناصر ،الذي كان يدعمه عدد من وجوه آل اآلتاسي من أمثال جمال األتاسي ونور الدين األتاسي .واستطاع األتاسي
خالل توليه السلطة تحييد سوريا والحفاظ عليها خارج المعسكر االشتراكي.
خال ًف ا لمعظم المفكرين والقادة العرب ،كان األتاسي يعتقد أن جمال عبد الناصر كان صغير السن لقيادة مصر والوطن
العربي ،وعديم الخبرة فضالً عن آيديولوجيته الحادة ،وعمد الرئيس السوري إلى إجراءات صارمة ضد التيار
الناصري في سوريا ،ووقع خالف مع رئيس وزرائه صبري العسلي واتهمه بالسعي لتحويل سوريا إلى "قمر صناعي
مصري" .في عام 1955كان األتاسي يميل للقبول بحلف بغداد وهو االتفاقية المرع ّية من قبل الواليات المتحدة
وبريطانيا وتهدف إلى احتواء نفوذ االتحاد السوفياتي في المنطقة ،ولكن الضباط الناصريين في الجيش السوري
منعوه من القيام بذلك .وخالل الصراع بين العراق الهاشمي ومصر عبد الناصر وقف األتاسي إلى جانب العراق
سا للوزراء ليكون بذلك السوري المسيحي وتحالف مع نوري السعيد .وبعد أن أقال العسلي ع ّين فارس الخوري رئي ً
الوحيد الذي يتولى منصب رئيس الوزراء .وقد أوفد األتاسي ،رئيس وزرائه الخوري إلى مصر ،لتقديم احتجاج لدى
الحكومة المصرية على "هيمنة عبد الناصر على الشؤون العربية".
انتهت والية األتاسي في سبتمبر/أيلول 1955واعتزل الحياة السياسية وأقام في دار للعجزة .في عام 1956أدين
ابنه عدنان األتاسي بالتحالف مع العراق لتدبير انقالب عسكري لإلطاحة بشكري القوتلي الموالي لعبد الناصر ،وقد
حكم على عدنان باإلعدام بتهمة الخيانة العظمى ،لكن احترا ًم ا لوالده تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد .ويعتقد أن
خصوصا لكونه قد كبح جماح
ً الضباط الذي أداروا المحكمة العسكرية قد أصدورا أحكا ًما قاسية انتقا ًما من األتاسي
السلطة العسكرية خالل واليتيه الثانية والثالثة ،ومع ذلك فقد رفض زيارة ابنه في السجن.
توفي في حمص يوم 6ديسمبر/كانون األول 1960خالل سنوات الجمهورية العربية المتحدة ،وكانت جنازته األكبر
في تاريخ المدينة وحضرها جمال عبد الناصر إلى جانب كبار المسؤولين في الدولة ،وقد تحققت رؤيته للجمهورية
العربية المتحدة إذ انفصلت عام 1961بعد ثالثة أشهر من وفاته ،وقد انتخب اثنان من أفراد أسرته هما لؤي األتاسي
ونور الدين األتاسي رئيسين للجمهورية من بعده.
قيل عن األتاسي بأنه رجل "المبادئ السلمية" والمؤيد "للطرق الدستورية" إلى جانب احترامه لجميع الالعبين في
السياسة السورية ] 5[،وهو واحد من قلة في الطبقة السياسية السورية من حقبة ما قبل البعث لم ينتقده البعثيون
ويشهروا بسيرته بعد وصولهم إلى السلطة عام .1963وقد نشرت سيرة حياته في سوريا عام 2005على يد
حفيده ] 6[،غير أنه لم يترك وراءه أي مذكرات يومية ،تؤرخ للمرحلة التي تولى خاللها رئاسة البالد.
-10بهيج الخطيب
( ) 1981 - 1899عاشر حاكم لسوريا خالل فترة حرجة من تاريخها بعد اندالع الحرب العالمية الثانية والقالقل التي
قرار ا بتعطيل الدستور السوري والحياة البرلمانية،ً دفعت الرئيس هاشم األتاسي لالستقالة .أصدر المفوض الفرنسي
س ا لحكومة دعيت "حكومة المديرين" وتمتعت بصالحيات تشريعية وتنفيذية مطلقة في ظل وتعيين بهيج الخطيب رئي ً
عدم وجود أي قيد دستوري أو قانوني ،عل ًم ا أن وزراء هذه الحكومة كانوا مديري وزاراتهم السابقة ،أي لم يجري
تعيين الوزراء بالمشاورات كما هو متبع بل اكتفي بتعيين مديري الوزارات ،كما لم يتمتعوا بلقب "وزير" وهو سبب
تسمية هذه الحكومة "حكومة المديرين" .واستمرت هذه الحكومة حتى 1941حين قامت حكومة فرنسا الحرة بتعيين
ضا فرنس ًيا جديدً ا حاول استمالة القوى الوطنية في سوريا إلى جانب الحلفاء ،فأقال الخطيب ،وكلّف خالد العظم
مفو ً
تشكيل حكومة مؤقتة تمهد لعودة الحياة الدستورية في سوريا ووعد باالستقالل.
كان الخطيب مستقالً سياس ًيا غير أنه ُح سب على الموالين لالنتداب الفرنسي ،وهو ما يفسر تعيينه رأس الدولة في
ظرف دقيق إبان الحرب العالمية الثانية .شهد عهده تفكك الكتلة الوطنية وانقسامها ،ورغم ذلك فقد اصطفت بوجه
حكمه ورفضت المشاركة في االستقباالت الرسم ّي ة التي كانت تتم برئاسته ،بررت الكتلة الوطنية موقفها بعودة الحكم
الفرنسي "المباشر" وتعطيل الدستور ،بعد النضال الطويل للشعب السوري الذي أفضى عام 1928النتخاب الجمعية
وأخيرا توقيع
ً التأسيسية وعام 1930لنشر الدستور ثم إجراء أول انتخابات نيابية في تاريخ البالد عام 1932
معاهدة االستقالل (التي لم تص ّدق عليها فرنسا الح ًقا) عام 1936في أعقاب ما سمي "اإلضراب الستيني" الذي
أفضى لوصول هاشم األتاسي إلى سدة الحكم ،بعد فوز الكتلة الوطنية في االنتخابات النيابية لعام .1936كذلك فإن
عددً ا من كبار موظفي الكتلة الوطنية من أمثال إحسان الجابري محافظ الالذقية ونسيب البكري محافظ السويداء قد
استقالوا من مناصبهم .ومن أبرز أحداث عهده اغتيال عبد الرحمن الشهبندر رئيس حزب الشعب في 7يوليو 1940
واتهام الكتلة الوطنية بالعملية واعتقال عدد كبير من رموزها من أمثال شكري القوتلي ثم ظهرت براءة الكتلة
الوطنية ،واتهم عبد الرحمن عصاصة وأعدم ،غير أن عملية االغتيال كان الدافع ورائها قرب الشبهندر لالنتداب .كذلك
فإن تركيا خالل واليته أعلنت ضم لواء إسكندرون رسم ًي ا لحدودها ،باتفاق فرنسي تركي ،لتحييد تركيا خالل الحرب
العالمية الثانية ،وفوق ذلك أعاد االنتداب ككيان مستقل دولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز ،والح ًقا استطاع
السوريون إعادة ضمها عام .1943وبذلك يمكن القول أن حكومة الخطيب لم تق ّدم أي مكاسب سياسية للسوريين ولم
تحافظ على حقوقهم ،واكتفت كحكومة ُمعينة غير منتخبة ،بتسيير شؤون المواطنين اليومية فحسب.
ولد بهيج الخطيب في شحيم الواقعة حال ًيا بقضاء الشوف في لبنان عام ،1895وانتقل إلى دمشق حيث تلقى دراسته،
وزيرا للداخلية بالوكالة ،ثم محاف ًظا لدمشق عام 1943؛ وفي
ً وبعد إنهاء مهامه كرأس للدولة ع ّين عام 1941
أعقاب استالم حزب البعث العربي االشتراكي للسلطة ،غادر الخطيب سوريا نحو لبنان كأغلب المسؤولين السوريين
وأقام فيها إلى أن وافته المنية عام .1981يشار إلى أنه في عام 2007صدر مسلسل سوري بعنوان حسيبة،
اتهمت به عائلة الخطيب الروائي خيري الذهبي "التعرض والتجريح الشخصي والدخول بالمغالطات التاريخية التي
تمس باإلساءة لشخص الرئيس الراحل".
-11خالد العظم
( ) 1965 -1903الرئيس الحادي عشر بصفة مؤقتة للدولة السورية بين 4أبريل و 16سبتمبر ،1941وأحد أبرز
الزعماء السياسيين خالل فترة الجمهورية األولى من تاريخ سوريا .رأس الحكومة في سوريا ستة مرات ،وتولى
كرس ًيا وزار ًيا أكثر من عشرين مرة ] 1[.يعد مجيء حزب البعث إلى السلطة في سوريا ،انتقل إلى لبنان وعاش فيها
حتى وفاته ،وقد صادر "مجلس قيادة الثورة" أمالكه داخل البالد ،التي ورثها عن آبائه إذ إن آل العظم كانوا من
األسر الدمشقية العريقة .تم ّي ز خالل فترة نشاطه السياسي بتقديم نموذج عن الوسطية السياس ّية ،فاستطاع الحفاظ
نموذجا عن الرأسمالية السور ّية والليبرالية
ً على نفسه خارج االصطفاف بين حزب الشعب والكتلة الوطنية ،كما كان
السياسية واإلسالم المعتدل ،خالل تلك الفترة.
نشأته ونشاطه المبكر
أسرة آل العظم عائلة دمشقية عريقة ،غدا خمسة من أفرادها والة لدمشق في العهد العثماني ،كان أشهرهم أسعد باشا
الذي حكم هذه المدينة 14عا ًم ا ،وخالل واليته تم إنشاء قصر العظم وخان أسعد باشا ،وغيرها من التحسينات على
بنية المدينة؛ أما والده فهو محمد فوزي باشا العظم الذي تولى رئاسة بلدية دمشق فأنجز فيها العديد من المشاريع،
كالمشفى الوطني وجر مياه عين الفيجة والمساهمة في بناء الخط الحديدي الحجازي ،وقد انتخب مرتين عضواً في
مجلس المبعوثين العثماني نائبا ً عن دمشق .كما عين وزيراً للشؤون الدينية ]2[،غير أن سياسته الوطنية أقالته من
المنصب سري ًعا ،وعندما قام المؤتمر السوري العام في يونيو 1919عرضت عليه رئاسته ،لكن المنية وافته في
نوفمبر ]1[.1919
ولد العظم يوم 6نوفمبر 1903في سوق ساروجا ،وقد أشار في الجزء األول من مذكراته إلى أنّ فرحة والديه به
كانت كبيرة إذ قدم بعد خمسة وعشرين عاما ً أنجبا فيها بنتا ً واحدة وطفلين توفيا قبل بلوغهما الثالثة .ويضيف أنَ أمه
عندما كانت حامالً به زارت ضريح خالد بن الوليد في حمص ونذرت إن وهبها هللا مولوداً ذكراً أن تسميه خالداً]1[.
بعد إقالة بهيج الخطيب عام ، 1941في محاولة من قبل الفرنسيين خالل الحرب العالمية الثانية استمالة القوى
جامعا بين منصبي رئاسة الدولة ورئيس ً السياسية الوطنية في سوريا ،عهدت إليه رئاسة الدولة السور ّية بالوكالة،
الوزراء فشكل وزارته األولى ،التي كان مهامها اإلعداد لعودة الحياة الدستورية إلى البالد؛[ ]4دمغ حكومته األولى
عفوا عا ًم ا عن جميع المعتقلين السياسيين الذين أودعتهم فرنسا الفيشية في بعدد من القرارات الهامة ،فأصدر ً
السجون ،وحفظ البالد من تبعات انقالب رشيد عالي الكيالني في العراق ،غير أن فرنسا انتهجت سياسة المماطلة
وأخير ا استبدلته بعد خمس أشهر بالرئيس السابق تاج الدين الحسني على أنه رئيس جمهورية ،وهو من ً والتسويف،
الشخصيات المحسوبة على أنها مقربة من االنتداب.
مرات ،وأصبح في حكومة االستقالل األولى عام 1946 انتخب نائ ًبا في البرلمان عام ،1943أعيد انتخابه عدة ّ
وزير ا للعدلية فكان من أول قراراته إلغاء "االمتيازات األجنبية في البالد" ]3[،ثم تزعم معارضة شكري القوتلي
ً
عندما أراد تعديل الدستور لكي ُي سمح له بالترشح لوالية الثانية ،غير أن القوتلي استطاع تعديل الدستور والفوز
بانتخابات الرئاسة عام 1947في وجه العظم ،الذي قبل منصب السفير السوري في فرنسا ،ولم يستمر في عمله
طويالً إذ سرعان ما طلب منه القوتلي تشكيل الحكومة ،بعدما لم يجد أفضل منه في حوز المنصب كما يقول مأمون
البني فكانت تلك حكومته الثانية ] 4[،غير أنها لم تكن مدعومة من قبل الكتل الكبرى ،فانفرط عقدها بعد عشرة أيام
سفير ا ونجح في إبرام صفقة تسليح مع فرنسا ،كما أبرم الح ًقا صفقة تسليح أخرى مع
ً من تشكيلها ،وعاد العظم
االتحاد السوفياتي.
نشاطه 1954 - 1948
في مايو 1948وبعد نكبة فلسطين جابت دمشق مسيرات منددة بحكومة جميل مردم بك ،فقدمت الحكومة استقالتها
وكلّ ف خالد العظم تشكيل الحكومة ،فكانت حكومته الثالثة في 16ديسمبر 1948واستمرت حتى مارس 1949حين
تم انقالب حسني الزعيم ] 5[.ورغم قصر مدة هذه الحكومة ،كسائر حكومات الجمهورية األولى ،إال أنّ عد ًدا من
القرارات الهامة تم اتخاذها خالل عهدها ،منها إقرار الهدنة مع إسرائيل وشراء أسلحة من فرنسا والتصديق على
أيض ا ،وسعت للحصول على قروض من أجل التنمية الوطنية من الواليات المتحدة. اتفاقية النقد السوري مع فرنسا ً
ضا
ً أي الداخلي الصعيد وعلى الفلسطينية، بالقضية الخاصة المتحدة األمم اجتماعات كما سافر العظم عدة مرات لحضور
أسس غرفة الزرارعة الوطنية ،وقام ببناء صوامع للحبوب من المنطقة الشرقية ومصن ًعا للنسيج الوطني إلنتاج ألبسة
وطنية منخفضة السعر بعد ارتفاع أسعارها داخل السوق السورية؛[ ]4وأراد العمل على بناء سد "يوسف باشا" على
نهر الفرات ،وذلك لمضاعفة المساحة المروية الخاصة لزراعة القطن والقمح في البالد ]4[.وعلى الرغم من كونه
فقرا ،كما
أيض ا التنمية المتوازنة والعمل على إنصاف طبقات الشعب األكثر ً رأسمال ًيا إال أن سياساته المال ّية كانت تدعم ً
ش ن التحالف بين سوريا واالتحاد السوفياتي ،وجمعته عالقة صداقة مميزة مع البطريرك الماروني بولس بطرس أنه د ّ
المعوشي ،الذي يقول المؤرخ مروان البني أنه خالل زيارة البطريرك لواشنطن قال الرئيس اإلمريكي آيزنهاور
خطيرا لعالقته المميزة مع السوفييت]4[.
ً للبطريرك أن اإلدارة اإلمريكية تعتبر العظم
ض ا اتفاقية مد خطوط تابالين التبالين قبل تحويرها بما يتفق والسيادة السورية كما أراد جعل الخط عارض العظم أي ً
ً
يمر من وراء دمشق خوف ا على الخط من إسرائيل ،إال أن انقالب حسني الزعيم أطاح بمفاوضات العظم ،وقام الزعيم ّ
بتوقيع االتفاق منفردًا ]4[.ودو ًم ا كانت عالقة العظم مع قادة الجيش متوترة وعلى رأسهم حسني الزعيم ،الذي أطاح
بالنظام الديموقراطي خالل حكومة العظم الثالثة بانقالب عسكري في 30مارس ،1949وأودعه السجن مع رئيس
الجمهورية آنذاك شكري القوتلي وقد اقتيد العظم من بيته إلى السجن "حاف ًيا ،إذ ألقى الجند عليه القبض أثناء نومه".
[ ]6ومكث في االعتقال أسبو ًعا ،ففي 7أبريل ق ّد م العظم استقالته من رئاسة الوزارة كما قدّ م القوتلي استقالته من
رئاسة الجمهورية ومقابل ذلك أطلق الزعيم سراحهما ،في محاولة إلضفاء الشرعية على حكمه ]7[.وفي أغسطس
1949انقلب سامي الحناوي على الزعيم وأعدمه ،ثم في عام 1950انقلب أديب الشيشكلي على الحناوي وأعاد
األتاسي إلى رئاسة الجمهورية ،ثم دعا إلى انتخابات نيابية ،فاز العظم خاللها بمقعد عن دمشق رغم أن هذه
عضوا في الجمعية التأسيسية الموكولة مهام وضع دستور ً أيضا
االنتخابات لم تجر في أجواء كاملة الحر ّية ،وانتخب ً
جديد للبالد ،وتولى حقيبة المالية في وزارة الرئيس هاشم األتاسي ،وفي أواخر 1949شكل حكومته الرابعة التي
استمرت حتى يونيو 1950ثم استقالت "بعد خالفات بين الوزراء لم يقو على حلها ،وكانت استقالته مفاجأة للوسط
السياسي"]8[.
سا للوزراء للمرة الخامسة في مارس 1951خالل رئاسة هاشم األتاسي الثانية ،وكانت وزارة تكنوقراط ثم غدا رئي ً
خالية من األحزاب بما فيهم حزب الشعب أكبر أحزاب البالد ،وذلك بعد مناقشات مع الرئيس األتاسي وقائد االنقالب
الشيشكلي ،وخالل عمل هذه الحكومة أغلق العظم الحدود في وجه السلع اللبنانية في محاولة لمنع سقوط الصناعة
المحلية نتيجة لتفشي الواردات اللبنانية ،معل ًنا بذلك نهاية الوحدة االقتصادية مع لبنان ]3[.وأعلن عن تأسيس مرفأ
الالذقية وأدخل إصالحات اقتصادية في الليرة السورية ،كما أعلن عن مشروع مد سكك الحديد بين المناطق الشرقية
على نهر الفرات والالذقية بهدف تسهيل حركة االستيراد والتصدير ،كما حدثت عدة مناوشات حربية بين الجيش
وزيرا للدفاع وأديب الشيشكلي قائ ًدا
ً السوري والجيش اإلسرائيلي قرب الجوالن ما دفع بالعظم لتعيين فوزي السلو
للجيش برتبة مشير ،بهدف سرعة التحرك في األحوال الحربية ]9[.وعمو ًما ،فإنه رغم كره العظم للجيش إال أنه
تعاون معه في هذه الوزارة ،وع ّين عددً ا من الضباط المقربين منه والمقربين من الشيشكلي بمراتب وزراء أو
مستشارين ،وتصادم مع أنصار هاشم األتاسي الذين كانوا يدعوا إلى الوحدة مع العراق ،عل ًما أن سبب انقالب
الشيشكلي أصالً ،هو منع األتاسي من إتمام الوحدة مع العراق .ومع نهاية يوليو 1951استقال العظم ،واعتكف
العمل السياسي حتى نهاية حكم أديب الشيشكلي عام ]10[.1954
نشاطه 1963 - 1954
بعد اإلطاحة بالشيشكلي عام 1954عاد األتاسي ليكمل ما تبقى من فترته الرئاسية وتشكلت حكومة برئاسة صبري
العسلي غير أنها لم تمكث طويالً بل استقالت في يونيو 1954وجاءت وزارة جديدة برئاسة سعيد الغزي نظمت
انتخابات مجلس النواب ،في أعقاب االنتخابات عاد العظم إلى الندوة البرلمانية نائ ًبا عن دمشق ،وكما تقتضي
األعراف استقالت حكومة الغزي بعد االنتخابات وتألفت حكومة جديدة برئاسة فارس الخوري التي استقالت في فبراير
1955بعد رفض البرلمان -بأغلبية نوابه المستقلين مع البعثيين والشيوعيين -مشروع الموازنة التي قدمتها
الحكومة ،وشكلت حكومة جديدة برئاسة صبري العسلي كان العظم فيها وزير للخارجية ووزير للدفاع بالوكالة]11[.
وقد حصلت خالل هذه الحكومة اغتيال عدنان المالكي ،واستمرت في مهامها فترة جاوزت الست األشهر ،ولم تستقل
إال في أعقاب االنتخابات الرئاسية عام 1955التي أفضت إلى فوز شكري القوتلي برئاسة الجمهورية في الدورة
الثانية من االقتراع ،وكان منافسه الوحيد خالد العظم .تقاعد العظم إثر خسارته لفترة وجيزة ،ثم عاد مرة أخرى في
نوفمبر 1956ليدخل في حكومة صبري العسلي كوزير للدفاع ،خالل حكومة إئتالفية من حزب البعث والكتلة الوطنية
دورا رئيس ًيا في
و"الكتلة الديموقراطية" التي كانت تجمع عدد من النواب المستقلين ،ومن بينهم العظم .لعب العظم ً
مرارا وعديدة لترتيب القروض واالتفاقات االقتصادية وصفقات ً تحقيق التحالف مع االتحاد السوفياتي ،وسافر
األسلحة ،مما أثار غضب الواليات المتحدة.
انعدمت ثقة االشتراكيين فيه بسبب خلفيته األرستقراطية الغنية والعثمانية ،ورغم أنه لم يكن من أنصار الرأسالمية
المطلقة ورغم تحالفه مع االتحاد السوفياتي بعد األحيان ،حتى لقب "المليونير األحمر" ،وقد اعتمدت الصحافة
السورية هذا اللقب خالل فترة الخمسينيات .وألنه لم يكن اشتراكياً ،بل معارضا ً في واقع األمر لدعوات االشتراكية في
الوطن العربي ،فقد عارض بدون جدوى الوحدة مع مصر في عام 1958التي أدت إلى إعالن الجمهورية العربية
المتحدة ،مبي ًن ا أن عبد الناصر من شأنه أن يدمر النظام الديمقراطي واقتصاد السوق الحرة في سوريا ،اعتزل العظم
الحياة السياسية خالل فترة االتحاد وهاجر إلى لبنان.
عندما حصل االنفصال بانقالب عسكري قام به عبد الكريم النحالوي مع 35ضاب ًطا وأعلن ف ّك العالقة مع مصر ،بعد
أن كان سراج وكحالة ،مندوبي الرئيس ناصر في سوريا ،قد انتهجا سياسة قمعية لم تكن البالد قد شهدتها من قبل،
كما أن الوحدة االقتصادية أثرت سل ًبا على اقتصاد البالد ]12[.عاد العظم إلى سوريا ،وساعد في صياغة وثيقة
سا ،وعاداالنفصال بنفسه ،وحاول خوض انتخابات الرئاسة ولكن الجيش رفض ترشيحه .انتخب ناظم القدسي رئي ً
العظم إلى البرلمان كنائب عن دمشق .يوم 28مارس ،1962أطاح انقالب آخر بالنظام ،وسجن القدسي والعظم.
وفي 2أبريل أطلق انقالب مضاد سراحهم ،وأصبح العظم رئيسا للوزراء من جديد تحت حكم القدسي .تحالف الرجالن
مع الرئيس السابق شكري القوتلي لتخليص الجيش من الناصريين ،وعكس مشروع التأميم الذي وضعه جمال عبد
رئيس ا للجمهورية العربية المتحدة .وقبل تحقيق ذلك ،جاء حزب البعث العربي االشتراكي إلى
ً الناصر عندما كان
بانقالب أطلق عليه ثورة الثامن من آذار ،وانتقل كل من العظم والقدسي إلى لبنان.
وفاته
انتقل خالد العظم نهائيا إلى بيروت ،حيث عاش في ظروف مادية صعبة ،إذ استملك حزب البعث على أمالكه في البالد.
ومنها بدأ عام 1964نشر مذكراته السياسية في جريدة النهار التي دققها لغو ًيا خليل كالس ،واستمرت عملية النشر
حتى بعد وفاته ،إذ توفي الرئيس العظم في بيروت ودفن فيها يوم 18نوفمبر ]4[.1965وقد كانت في وصيته أن
يدفن قرب اإلمام األوزاعي في بيروت وأال يحمل إلى دمشق لكي ال تضطرب المدينة وأنصاره فير ّد عليهم بالرصاص
ويسقط قتلى وجرحى ] 1[.وقد ورد في كتاب األعالم للزركلي أن زوجته باعت مذكراته بعد وفاته ،ويقال إنه دخلها
تحريف وتبديل ،ونشر بعضها متسلسالً في جريدة النهار .ثم نشرت كاملة في كتاب ]13[.وقد تم التطرق لشخصيته
أر خ لمرحلة الحياة السياسية في سوريا منذ عهد المملكة السورية وحتى ثورةفي مسلسل حمام القيشاني ،الذي ّ
وغموضا في تاريخ سوريا
ً البعث وقيام الجمهورية الثانية؛ وقد وصفت شخصيته بكونها من أكثر الشخصيات إشكالية
ستار ا من الغموض يكتف العديد من المواقف السياسية التي اتخذها خالل حياته السياسية
ً المعاصر ،كما أنّ
-12جميل األلشي
( )1951 - 1883سياسي سوري ،تقلّب في عدة مناصب وزار ّية ورأس الحكومة لفترتين قصيرتين المرة األولى
عام 1920والثانية عام 1943عندما توفي الرئيس حينها تاج الدين الحسني ما بوأه منصب رئيس الجمهورية
المؤقت بموجب الدستور السوري لحين إجراء انتخاباتُ .عرف بقربه من الشيخ التاج ومن االنتداب الفرنسي رغم
وجود خالفات دائمة مع ممثليهم في البالد .بعد انهيار المملكة السورية العربية غدا منصب رئيس الوزراء هو األعلى
أيض ا بكونه الحاكم الثالث لسوريا بعد زوال العثمانيين.
في البالد ،ولذلك يعرف األلشي ً
في 25مارس 1943أنهى المفوض الفرنسي حكومة األلشي المؤقتة التي كان رئيسها له صفة رئيس الجمهورية
المؤقتة بموجب الدستور ،وكلّ ف عطا األيوبي تشكيل الحكومة المؤقتة إلجراء االنتخابات ،ويعتبر ذلك نهاية الحياة
ضا في جيش المملكة السياسية لأللشي ،الذي توفي عام 1951وهو عقيد سابق في الجيش العثماني وعمل أي ً
السور ّية وشغل منصب المفوض العسكري باسمها في بيروت.
الحياة السياسية
مع بداية االنتداب
في 24يوليو 1920هزم جيش المملكة السورية العربية في معركة ميسلون ودخل في اليوم التالي ،الجيش الفرنسي
دمشق ،فغادرها الملك فيصل األول إلى الكسوة وطلب من هناك استقالة حكومة األتاسي وجرى تكليف عالء الدين
الدروبي تشكيل الحكومة ،تحوي شخصيات موالية للفرنسيين ،فشغل األلشي منصب وزير الدفاع ،وهو كان ذو صالة
جيدة مع الفرنسيين منذ أن كان ضاب ًطا باسم المملكة في بيروت]1[.
في 28يوليو غادر الملك الكسوة نحو درعا ومنها إلى حيفا وغدا رئيس الوزراء أعلى سلطة وطنية في البالد ،ورغم
قصر الفترة الزمنية التي مكثت بها حكومة الدروبي إال أنها اتخذت قرارات عامة من أمثال فرض الغرامة الحربية
بمقدار 200ألف ليرة عثمانية على السوريين في 2أغسطس ،وإصدار األمر بجمع السالح من أيدي المواطنين في
أمرا
دمشق يوم 3أغسطس ،ومنع الموظفين الحكوميين والعسكريين العمل بالشأن السياسي ومن ثم اعتبار االنتداب ً
واق ًعا في 5أغسطس .وفي 19أغسطس اتجه رئيس الوزارة عالء الدين الدروبي إلى درعا رغبة في تهدئة خواطر
أعيانها اغتالوه مع رئيس مجلس الشورى عبد الرحمن اليوسف في محطة قطار خربة الغزالة على الطريق المودي
إلى درعا ،وفي 21أغسطس قرر وزراء الحكومة تكليف األلشي رئاسة الوزارة مؤق ًتا مع احتفاظه بوزارة الحربية[.
]2
رئيسا مؤق ًتا حتى 6سبتمبر حين عهد إليه تشكيل حكومة جديدة برئاسته ،جميع رئاستها إلى وزارة
ً مكث األلشي
الحربية ] 3[،ومن ثم اختار جميع الوزراء من وجهاء دمشق دون سواها ،ألن هنري غورو كان قد فصل حلب
والالذقية والسويداء وفلسطين ولبنان الكبير واألردن عن سوريا ]3[،وفي 30نوفمبر 1920قرر غورو إلغاء
وزارة الحربية ،فأثار ذلك الخالف بين األلشي وغورو استقال على إثره األلشي من الرئاسة وعهد إلى حقي بيك العظم
بدءا من
رئاسة الحكومة نفسها ،ومع استقالته من رئاسة الوزارة اعتكف األلشي عن العمل السياسي لسنوات طويلةً ،
وزيرا في عهد تاج الدين
ً عهد صبحي بركات ( )1926 - 1922وأحمد نامي ( )1928 - 1926وعاد إلى السلطة
الحسني.
في الدولة السورية
في 15فبراير 1928أصبح تاج الدين الحسني ثالث رئيس للدولة السورية ،وقد عهد في حكومته األولى لأللشي
بوزارة المالية ] 4[،لم يكن في هذه الوزارة من سبق انتسابه إلى حزب من األحزاب الوطنية ،وقد أجمع المؤرخون
على اعتبارها وزارة انتدابية تستمد قوتها من الكومندان كولييه مدير االستخبارات الفرنسية في دمشق والذي كانت
تجمعه صداقة مع الشيخ التاج ] 5[.ورغم ن الخالف كان قد دب بين األلشي والفرنسيين قبل ذلك ،إال أنه لم يفعل كما
فعل صبحي بركات مثالً ،بالميل نحو الوطنيين بل حافظ على عالقته الجيدة مع فرنسا وهو ما أهله لشغل المناصب
األخرى في ظل الحكومات االنتدابية.
وزيرا للمالية حتى أغسطس 1930حين ش ّك ل الشيخ التاج حكومته الثانية ،وقد كان من أبرز أعمال ً استمر األلشي
حكومته تنظيم انتخابات الجمعية التأسيسية ووضع دستور للبالد ،وقد اتهمت الحكومة بنوع من الفساد المالي نشرت
فصوله صحيفة "القبس" الدمقشية الناطقة باسم الكتلة الوطنية ،غير أن القضاء لم يفلح في إدانة التاج ووزير ماليته
األلشي ]6[.وكذلك فقد مولت الحكومة عد ًد ا من المشاريع الهامة في دمشق وسواها كالهالل األحمر بعضها ال يزال
قائ ًما إلى اليوم.
في الجمهورية السورية
أنهى الفرنسيون حكم الشيخ التاج في 16نوفمبر 1931وجاءت إلى الحكم وزارة مؤقتة ترأسها الفرنسي الجنرال
سا للجمهورية ،غدا حقي بيك سالومياك ،نظمت االنتخابات النيابية وبنتيجة االنتخابات انتخب محمد علي العابد رئي ً
س ا للوزارة بائتالف بين الكتلة الوطنية ومعتدلي الجنوب ثم بإئتالف آخر بين معتدلي الجنوب ومعتدلي العظم رئي ً
الشمال ،واستمر اإلئتالف بين عامي 1932و1934؛ وفي 17مايو 1934استقالت حكومة العظم الثانية وجيء
س ا للوزارة فأسند لأللشي وزارة األشغال العامة]7[.بالشيخ التاج رئي ً
لم تنعم الحكومة باالستقرار السياسي ،بل تتالت المظاهرات المنددة باالنتداب وسياسته ،هذه االحتجاجات أخذت منحى
متصاعد بعد وفاة ابراهيم هنانو في ديسمبر ،1935واالحتجاجات التي رافقت ذكرة أربعينه وعرفت باسم "اإلضراب
الستيني" في دمشق ومدن أخرى ،وأفضت في نهاية األمر إلى التوافق بين االنتداب والكتلة الوطنية ،خالل عهد
ضا والتي شكلها في 17مايو وزيرا لألشغال خالل حكومة الشيخ التاج أي ً
ً الجمهورية األولى ( )1963 - 1932عين
ضا بعد حل البرلمان وتعطيل عمله بقرار 1934على أيام الرئيس محمد علي العابد ،وقد جاء تشكيل هذه الحكومة أي ً
من المفوض شارل دي مارتيل ،وقد استقالت هذه الحكومة بعد اإلضراب الستيني واالنتخابات النيابية التي أوصلت
الكتلة الوطنية إلى سدة الحكم ،وطوال رئاستي هاشم األتاسي وبهيج الخطيب ثم رئاسة خالد العظم المؤقتة لم يكن
سالأللشي أي عمل سياسي ،وفي 12سبتمبر 1941تم إعادة العمل بالدستور وتم تعيين تاج الدين الحسني رئي ً
للجمهورية ونودي "بسوريا المستقلة" ،وفي 19سبتمبر شكل التاج حكومته األولى برئاسة حسن الحكيم وكانت تلك
حكومة التاج األولى التي غاب عنها األلشي ،وفي أبريل 1942استقالت حكومة الحكيم وكلف البرازي تشكيل
الحكومة ،غير أن الخالفات طغت على عمل هذه الحكومة بين رئيس ورئيس وزرائها المدعوم من قبل بريطانيا]8[،
ولم تحل الخالفات إال بتدخل الجنرال كوليه بإقناع بريطانيا التخلي عن دعمها للبرازي ،وتمكن إثر ذلك رئيس
الجمهورية إنهاء الحكومة البراز ّي ة ،وعهد بتأليف ثالث وزارات عهده إلى صديقه العقيد السابق جميل األلشي.
في 8يناير 1943شكل األلشي حكومته الثانية مؤلفة من تسعة وزراء ،جميعهم من "المستقلين" غير أن رئيس
رئيسا مؤق ًتا للجمهورية]9[.
ً الجمهورية توفي بعد أيام قليلة في 17يناير [ ،]]1943وبموجب الدستور غدا األلشي
كانت بريطانيا خاللها قد دخلت على الساحة السياسية سورية داعمة للكتلة الوطنية ،وأرادت التوصل التفاق بين
الكتلة وفرنسا ،ومن ناحية ثانية كان الخالف قد تفجر بين فرنسا وبين األلشي إثر رفض األخير دفع مبلغ 15مليون
ليرة لمؤسسة تمويل الجيوش الفرنسية في المشرق لكون المبلغ يؤدي إلى عجز في الموازنة واإلضرار ببرنامج
"توزيع الخبز على الفقراء مجا ًن ا" ،والذي أعلنه األلشي خالل سنوات الحرب .ونتيجة ذلك أعلن المفوض الفرنسي،
وبعد التافاق مع بريطانيا والكتلة الوطنية على إنهاء حكم األلشي في 25مارس 1943وتشكيل حكومة محايدة
احتج األلشي لكون إنهاء تكليفه مخالف للسدتور ،ورغم ذلك فقد شكل
ّ مؤقتة برئاسة عطا األيوبي إلدارة االنتخابات.
األيوبي حكومته الحيادية .وقد برر الكتلويون دعمهم لهذه الحكومة ،بأن األلشي بوصفه طر ًفا في النزاع السياسي ،ال
يجوز له أن يشرف على االنتخابات ،بل من الواجب أن يشرف عليها حكومة حيادية تحوز ثقة جميع مكونات الشعب،
سا للجمهورية،وقد نظمت االنتخابات في يونيو 1943وفازت بنتيجتها الكتلة الوطنية ،وانتخب شكري القوتلي رئي ً
وشكل ذلك نهاية الحياة السياسية لأللشي.
-13عطا األيوبي
الحياة السياسية
العمل الحكومي
في عام 1908عين األيوبي حاك ًم ا على الالذقية ،الميناء الهام على الساحل السوري .وبعدها عاد إلى دمشق كأحد
وجهائها ولم يشارك في الثورة العربية الكبرى بين يونيو 1916وسبتمبر ،1918وخالل الفترة االنتقالية التي تلت
خروج الجيش العثماني من دمشق وقبل دخول الجيش العربي للمدينة ،كان أحد أعضاء حكومة مدنية من وجهاء
دمشق شكلت لتسيير األمور ودامت أربع أيام فقط ،وكان الحكومة برئاسة األمير سعيد الجزائري .في يونيو 1919
انتخب المؤتمر السوري العام وفي 8مارس 1920أعلن استقالل سوريا وقيام المملكة السورية العربية برئاسة
صا فرنسا وبريطانيا.
فيصل األول من جانب واحد ،أي لم يتم االعتراف به من المجتمع الدولي خصو ً
وزير ا للداخلية ،وقد شكلت تلك الحكومة بعد معركة ميسلون في
ً في آخر حكومات المملكة السورية العربية تم تعيينه
واستمر في منصبه خالل حكومة األلشي حتى ]2[.1922وخالل تلك المدة الطويلة من قيادة
ّ 26يوليو ،1920
وزارة الداخلية تمكن األيوبي من إنفاذ عدد من القرارات الهامة جمع السالح من المدنيين وإدخال نظام "تعويضات
غالء المعيشة" وتشغيل السجناء مقابل أجرة ،وإدخال أدوات مقاومة للحريق في هيئات الدولة وغيرها من المشاريع
الهامة]3[.
في عام 1932جرت أول انتخابات نيابية في سوريا وأدت إلى فوز محمد علي العابد برئاسة الجمهورية وتكليف
حقي بيك العظم رئاسة الوزارة ،مكث العظم في الوزارة حتى 17مايو 1934شكل خاللها حكومتين ،ثم شكل الشيخ
تاج الدين الحسني حكومة عهد العابد الثالثة ،وأسند أليوبي مهمة وزارة العدلية مجد ًدا ،غير أن عمر هذه الحكومة
قصير ا ولم يتجاوز ثمانية أشهر ،وقد تخللت عهدها مظاهرات عدة مناوئة لالنتداب ومطالبة بالوحدة واالستقالل
ً كان
قادتها الكتلة الوطنية وتفاقمت بعد وفاة ابراهيم هنانو وإعالن "الميثاق الوطني" في ذكرى أربيعنه ،وما لحق هذه
المناسبة من مظاهرات واضطرابات عرفت باسم "اإلضراب الستيني" وأفضت إلى ميالد تفاهم بين سلطة االنتداب
والكتلة الوطنية ،تم بموجبه تشكيل حكومة محايدة تشرف على االنتخابات النيابية ،فاستقالت حكومة التاج في 23
فبراير ،1936وعهد الرئيس العابد لأليوبي تشكيل الحكومة ،كما اتفق سل ًفا األقطاب السياسيون.
حكومته األولى
الحكومة األولى التي شكلها األيوبي في فبراير 1936ويقول يوسف الحكيم الذي عاصر تلك الفترة أنّ األيوبي كان
حائزا على الثقة العامة وحياد ًيا رصي ًن ا وثقت به الكتلة الوطنية وسائر األحزاب وانشرط بشتكيل هذه الحكومة
ً
االنتقالية جميع السوريين؛[ ] 7وخالل عهد هذه الحكومة حصلت ثالث أمور هامة أولها سفر الوفد الوطني في مارس
1936إلى باريس وبعد ستة أشهر توصل مع قادتها لمشروع اتفاقية االستقالل والسلم والصداقة بين سوريا
وفرنسا ] 8[،والثاني عودة جبل الدروز ودولة جبل العلويين إلى الوحدة السورية في 5ديسمبر ،1936والثالث
االنتخابات النيابية التي أدت إلى فوز الكتلة الوطنية الساحق بأغلبية مقاعد مجلس النواب ،وكانت ثالث انتخابات
تجرى في البالد ] 9[.رغم ذلك فإن بعض المضائق االقتصادية عاقت هذه الحكومة ممثلة بسقوط قيمة الفرنك الفرنسي
بشكل كبير ما أدى إلى خسارة البالد عشرات الماليين من الليرات المرتبطة بالفرنك]10[.
سا له ،وفي الجلسةأخيرا في 21ديسمبر 1936افتتح المجلس النيابي المنتخب أعماله ،وغدا فارس الخوري رئي ً ً
نفسها قدم الرئيس العابد استقالته قبل ستة أشهر من نهاية واليته الدستورية ،فانتخب رئيس الكتلة الوطنية هاشم
س ا للجمهورية ،ما يعني وفق األعراف الدستورية ،استقالة حكومة األيوبي ،فكلف الرئيس الجديد جميل األتاسي رئي ً
مردم تشكيل حكومة جديدة من أنصار الكتلة ،الحزب الفائز باالنتخابات.
حكومته الثانية
أواخر عام 1939استقال الرئيس هاشم األتاسي وعطل العمل بالدستور وتشكلت حكومة مديرين برئاسة بهيج
الخطيب بعد أزمة سياسية حادة واندالع الحرب العالمية الثانية ،واستمرت حكومة الخطيب حتى 1941حين شكلت
حكومة مؤقتة برئاسة خالد العظم ثم عهد إلى تاج الدين الحسني رئاسة الجمهورية بالتعيين مع عودة الدستور وتم
االعتراف "باستقالل سوريا" ريثما تهدأ الحرب لتنظيم انتخابات نيابية ،وكانت هذه الخطوات محاولة إلرضاء
السوريين من قبل فرنسا الحرة في وجه فرنسا الفيشية الموالية للمحور .وفي يناير 1943توفي رئيس الجمهورية
رئيسا مؤق ًت ا للجمهورية وفق أحكام الدستور ،غير عهده لم
ً وهو على رأس عمله ،وغدا رئيس الوزارة جميل األلشي
يطل ففي 25مارس 1943قرر المفوض الفرنسي الجنرال كارتو القفز فوق الدستور وأنهى حكومة األلشي وكلف
األيوبي تشكيل حكومة مؤقتة]11[.
يعود ذلك لعدة أسباب ،منها تدخل بريطانيا في السياسة السورية ودعمها مطالب الشعب باالستقالل وتحالفها مع
ومنع ا لتحول الصداقة بين الكتلة وبريطانيا إلى تحالف وثيق يطيح بمصالح فرنسا ،عقد كاترو اتفاقاً
ً الكتلة الوطنية،
مع زعماء الكتلة الوطنية يقضي بتأليف حكومة مؤقتة تمهد النتخابات نيابية تهدف لعودة الحياة السياسية الطبيعية
إلى البالد ] 12[،وال يخفى أن الحكومة التي كانت قائمة حينها تعتبر حكومة انتدابية بامتياز ،فكان ال بدّ من حكومة
حيادية تنال رضا الشعب والكتلة الوطنية من ناحية االنتداب والمعتدلين من ناحية ثانية ،فأصدر كاترو مرسو ًما يوم
25مارس بتكليف عطا األيوبي رئاسة الدولة والحكومة ،فألف األيوبي وزارته في اليوم نفسه ،من ثالث أسماء ،إلى
جانب شخصه ،وقد جمع األيوبي لنفسه إلى جانب رئاسة الوزارة وزارة الداخلية والدفاع الوطني .ويقول يوسف
الحكيم الذي عاصر تلك الفترة ،أن هذه الحكومة قد عملت "بصدق وعزيمة وإخالص" ومهدت إلجراء االنتخابات
النيابية ،وفي يونيو 1943أجريت االنتخابات وأعلنت نتائجها في 7أغسطس وأفضت لفوز الكتلة الوطنية ،وفي 17
رئيس ا للجمهريوة ،فاستقالت الحكومة وفق الدستور ،وشكلت وزارة برئاسة سعد هللا ً أغسطس انتخب شكري القوتلي
الجابري في 19أغسطس ، 1943وباستقالة الحكومة الثانية ،انتهت الحياة السياسية لأليوبي ،والسنوات التي
نظرا
قضاها في السلطة ،وقد كرمته الدولة السورية خالل رئاسة شكري القوتلي بعد الجالء في أبريل ً 1946
"لخدماته التي قدمها في خدمة الدولة السورية" ،وظل في دمشق حتى وافته المنية عام .1951
-14القوتلي
-15الزعيم
-16الحناوي
-17هاشم األتاسي
-18الشيشكلي
-19سلو
-20الشيشكلي
-21الكزبري
-22عبد الناصر
-23عزت النص
-24القدسي
-25لؤي األتاسي
-26أمين الحافظ
-27نور الدين األتاسي
-28أحمد الخطيب
-29حافظ األسد
-30خدام
-31بشار األسد