You are on page 1of 266

‫عـن الغضـب‬

‫لوكيوس أنايوس سينيكا‬

‫‪1‬‬
‫ الم�ؤلف‪ :‬لوكيو�س �أنايو�س �سينيكا‬
‫ ‬
‫‪‬‬
‫ العنوان‪ :‬عن الغ�ضب‬
‫ ‬
‫‪‬‬
‫ ترجمة‪ :‬د‪ .‬حمادة �أحمد علي‬
‫ ‬
‫‪‬‬
‫ الطبعة‪ :‬الأولى ‪2020‬‬
‫ ‬
‫‪‬‬
‫ ت�صميم الغالف‪ :‬عمرو الكفراوي‬ ‫ ‬
‫‪‬‬
‫ م�ست�شار الن�شر‪� :‬سو�سن ب�شير‬
‫ ‬
‫‪‬‬
‫ المدير العام‪ :‬م�صطفى ال�شيخ‬
‫ ‬
‫‪‬‬

‫رقم اإليداع‪:‬‬
‫‪2019 / 15178‬‬
‫الرتقيم الدولي‪ISBN :‬‬
‫‪978 - 977 - 765 - 227 - 8‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أى جزء منه‪ ،‬أو تخزينه فى نطاق‬
‫استعادة المعلومات‪ ،‬أو نقله بأى شكل من األشكال دون إذن مسبق من الناشر‪.‬‬
‫‪All rights are reserved. No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval‬‬
‫‪system, or transmitted in any form, or by any means without prior permission in‬‬
‫‪writing from the publisher.‬‬

‫‪Afaq Bookshop & Publishing House‬‬

‫‪1 Kareem El Dawla st. - From Mahmoud Basiuny st. Talaat Harb‬‬
‫‪CAIRO – EGYPT - Tel: 00202 25778743 - 00202 25779803 Mobile: +202-01111602787‬‬
‫‪E-mail:afaqbooks@yahoo.com – www.afaqbooks.com‬‬
‫‪ 1‬شارع كريم الدولة‪ -‬من شارع حممود بسيوين ‪ -‬ميدان طلعت حرب‪ -‬القاهرة ‪ -‬مجهورية مرص العربية‬
‫ت‪ - 00202 25779803 - 00202 25778743 :‬موبايل‪01111602787 :‬‬

‫‪2‬‬
‫لوكيو�س �أنايو�س �سينيكا‬

‫عـن الغضـب‬
‫مع درا�سة للمترجم بعنوان‬
‫«الغ�ضب بين النظرية والعالج عند �سينيكا»‬

‫ترجمة‬
‫د‪ .‬حمادة أحمد علي‬
‫رئي�س ق�سم الفل�سفة‬
‫جامعة جنوب الوادي‬

‫آفاق للنشر والتوزيع‬

‫‪3‬‬
‫بطاقة الفهرسة‬
‫إعداد الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية‬
‫إدارة الشؤون الفنية‬

‫سينيكا‪ ،‬لوكيوس أنايوس‬


‫عن الغضب‪ -‬ترجمة ‪ :‬د‪ .‬حمادة أحمد علي‬
‫ط‪1‬القاهرة ‪-‬آفاق للنشر والتوزيع ‪2020 -‬‬
‫‪ 264‬ص‪ 24 ،‬سم‪.‬‬

‫رقم اإليداع ‪2019 / 15178‬‬


‫الترقيم الدولي ‪978 - 977 - 765 - 227 - 8‬‬
‫‪ - 1‬العنوان‬
‫أ ‪ -‬سينيكا‪ ،‬لوكيوس أنايوس‬

‫‪4‬‬
‫المحتويات‬
‫‪7‬‬ ‫ ‬
‫سينيكا وعالمه‬
‫‪10‬‬ ‫ ‬‫مقدمة موجزة عن الرواقية‬
‫‪17‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬
‫رواقية سينيكا‬
‫‪22‬‬ ‫تراجيديا سينيكا ‬
‫‪27‬‬ ‫ ‬
‫دراما سينيكا بعد المرحلة الكالسيكية‬
‫‪31‬‬ ‫ ‬
‫الرسالة‬
‫‪32‬‬ ‫ ‬‫النظرية‬
‫‪38‬‬ ‫العالج ‬
‫‪42‬‬ ‫ ‬
‫المعالج وجمهوره‬
‫‪44‬‬ ‫قراءات مختارة ‬
‫‪44‬‬ ‫ ‬
‫اختصارات‬
‫‪47‬‬ ‫ ‬
‫عن الغضب‬
‫‪97‬‬ ‫ ‬
‫الكتاب الثاني‪ :‬إلى نوفاتوس عن الغضب‬
‫‪121‬‬ ‫ ‬
‫الكتاب الثالث‬
‫‪213‬‬ ‫دراسة للمترجم‪« :‬انفعال الغضب بين النظرية والعالج عند سينيكا» ‬
‫‪217‬‬ ‫مقدمة ‬
‫‪218‬‬ ‫ ‬ ‫اً‬
‫أول‪ :‬الجانب النظري لمفهوم الغضب‬
‫‪5‬‬
‫‪218‬‬ ‫ ‬
‫أ‪ -‬تعريف الغضب‬
‫‪222‬‬ ‫ ‬
‫ب‪ -‬طبيعة الغضب‬
‫‪226‬‬ ‫ ‬‫ج‪ -‬اآلثار المدمرة للغضب‬
‫‪228‬‬ ‫د‪ -‬آلية الغضب ‬
‫‪231‬‬ ‫ ‬
‫هـ‪ -‬ضرورة الغضب‬
‫‪236‬‬ ‫ ‬
‫و‪ -‬الغضب والعقل‬
‫‪243‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬الجوانب العالجية ‬
‫‪245‬‬ ‫التربية ‬
‫‪249‬‬ ‫ ‬
‫ضبط انفعال الغضب‬
‫‪259‬‬ ‫ ‬‫الخاتمة‬
‫‪261‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع ‬

‫‪6‬‬
‫سينيكا وعالمه‬
‫الحظ سينيكا في رسالته (‪ )Letter 13.14‬أن ما صنع عظمة سقراط‬
‫بسم الشوكران‪ ،‬حيث أكد موته صمود مبادئه الفلسفية‪ ،‬واعتقاده‬
‫هو موته ُ‬
‫بأن الموت ليس مخي ًفا‪ ،‬وقد القى سينيكا مصير سقراط حين حكم عليه‬
‫نيرون باالنتحار عام ‪65‬م‪ ،‬ونعتقد أن ما ذهب إليه تاكيتوس ‪Tacitus‬‬

‫في حوليته (‪ )15.63‬صوابٌ‪ ،‬حيث إن الرواقية الرومانية وازنت بين‬


‫موته وموت سقراط وهو يتحدث عن الفلسفة بسكينة بين أصدقائه كما‬
‫ينصب وصف تاكيتوس هنا على وعظ سينيكا‬
‫َّ‬ ‫يتقطر الدم من عروقه‪ .‬ولم‬
‫فحسب‪ ،‬بل كذلك على منهج حياته‪.‬‬

‫وقد مُنيت حياة سينيكا بخيبة أمل من الناحية السياسية نتيجة تأثرها‬
‫بالنفي والعودة وتسوية عالقته باإلمبراطور نيرون تلميذه‪ ،‬والذي قام بقتل‬
‫أخيرا‪ ،‬وتخبرنا كتاباته باليسير عن وظيفته السياسية وعالقته‬
‫ً‬ ‫معلمه سينيكا‬
‫بنيرون باستثناء ما يمكن أن نستشفه من مقاله عن العفو ‪.On Clemency‬‬
‫وتخبرنا المصادر المتأخرة مثل تاكيتوس وسويتونيوس وكاسيوس‬
‫‪Dio Tacitus, Suetonius, and Cassius‬‬ ‫ديو(‪150‬ق‪.‬م‪235-‬م)‬
‫أن سينيكا ُولد لعائلة عريقة في الفروسية بمدينة قرطبة ‪ Corduba‬في‬
‫‪7‬‬
‫هسبانيا(•)‬
‫بين عامي ‪ 4-1‬قبل الميالد‪ ،‬وهو االبن الثاني من ثالثة أبناء‬
‫لهيلفيا ولوكيوس أنايوس سينيكا‪ ،‬واألخ األصغر هو أنايوس ميال وهو‬
‫والد الشاعر لوكان‪ .‬وقد قضى األب فترة كبيرة من حياته في روما‪ ،‬وظهر‬
‫ً‬
‫تلميذا‬ ‫صغيرا‪ ،‬وهناك تلقى تعليمه في البالغة‪ ،‬وأصبح‬
‫ً‬ ‫صبيا‬
‫حينها سينيكا ًّ‬
‫للفيلسوف سكيتوس‪ ،‬وتأخر دخوله في الحياة السياسية‪ ،‬وحين امتنع‬
‫ترشحه للمنصب في عهد تيبريوس اعتلت صحته وأصابه الربو وربما‬
‫السل‪ ،‬وكانت عالقته بالسياسة قصيرة‪ ،‬ونجا من عداء كاليجوال بفضل‬
‫موهبته في الخطابة كما تخبرنا المصادر‪ ،‬ونفاه كالوديوس إلى كورسيكا‬
‫بعد وفاة كاليجوال بفترة وجيزة عام ‪ 41‬م بتهمة الزنى في جوليا ليفيال‬
‫كاذب بالتأكيد‪ .‬وقد قضى‬
‫ٌ‬ ‫الشقيقة الصغرى لكاليجوال‪ ،‬وهذا االدعاء‬
‫سينيكا وقته في المنفى في دراسة الفلسفة‪ ،‬وكتب «عزاء إلى هيلفيا»‬
‫والدته‪ ،‬و«عزاء إلى بوليبيوس» السكرتير الخاص لكالوديوس‪ ،‬ويكشف‬
‫في هذا الكتاب عن رغبته في العودة إلى روما‪.‬‬

‫وحين عاد سينيكا إلى روما بضمانات عدة‪ ،‬كان كالوديوس قد تزوج‬
‫فتاة جرمانية هي أجريبينا الصغرى‪ ،‬والتي حثته على استقدام سينيكا لتعليم‬
‫ابن آخر أصغر‬
‫ابنها نيرون ذي االثني عشر عا ًما‪ ،‬وقد كان لكالوديوس ٌ‬
‫منه هو بريتانيكوس‪ ،‬ومن الواضح أن أجريبينا المراوغة طمحت أن ترى‬
‫ابنها من لحمها ودمها على العرش‪ .‬وبعد أن توفي كالوديوس بخمس‬
‫سنوات ناورت أجريبينا حتى تمكن ابنها من تولي عرش اإلمبراطور‪،‬‬
‫وبعد فترة وجيزة دست السم لبريتانيكوس عام ‪55‬م‪ .‬وقد عمل سينيكا‬
‫مستشارًا لنيرون مع قائد برايتوري هو سكتوس أفرانيوس بوروس ‪Sextus‬‬
‫‪ Afranius Burrus‬من عام ‪ 54‬وحتى تضاءل نفوذه في نهاية العقد‪ .‬ونحن‬
‫نعلم أنه كتب مقالاً عن العفو لنيرون؛ ليلقيه على مجلس الشيوخ عقب‬
‫‪8‬‬
‫انضمامه إليه بفترة وجيزة‪ ،‬وقد احتوى مقاله عن العفو على بعض الشكوك‬
‫من خطة نيرون للحفاظ على اإلمبراطور الشاب من العدو المسعور‪،‬‬
‫مشيرا بها إلى نيرون السيناتور الروماني‬
‫ً‬ ‫واستخدم سينيكا كلمة ملك ‪rex‬‬
‫من باب المماثلة واالندهاش‪ ،‬ويبدو أنه امتدح نيرون‪ ،‬وأشار إلى سلطته‬
‫التي ال حدود لها وإلى قيمة العفو التي قد تحفظه من تقلبات السلطة‪،‬‬
‫وأيدت اإلدارة القضائية والمدنية اإلمبراطورية سينيكا وبوروس‪.‬‬

‫وشعر كثير من المؤرخين القدماء والمحدثين أن الفترة األولى من‬


‫حكم نيرون التي أدارها سينيكا وبوروس فترة راقية‪ ،‬وهي فترة سادها‬
‫وأطلق عليها خمسية نيرون ‪،quinquennium Neronis‬‬‫االنسجام والعدل ُ‬

‫ثم بدأ االنحطاط بقتل نيرون ألجريبينا عام ‪59‬م‪ ،‬وكتب بعدها خطا ًبا‬
‫لإلمبراطور يبرئ نفسه‪ ،‬وربما كان هذا مثالاً لفيلسوف عظيم وجد نفسه‬
‫ً‬
‫متورطا بسبب منصبه ككبير مستشاري نيرون‪ ،‬وحتى يزيل الغموض‬
‫حول َمن جعلوا معارضتهم لنيرون واضحة مثل ثراسي بياتوس ‪Thrasea‬‬
‫‪ Paetus‬وهيلفيديوس بريسكوس ‪ .Helvidius Priscus‬و ُيحتمل أن‬
‫خيرا‬
‫مشاركته في األحداث السياسية قادته العتقاده أن بإمكانه أن يفعل ً‬
‫بوقوفه بجانب نيرون الذي تخلى عن نصح سينيكا‪.‬‬

‫وقد تضاءل تأثير سينيكا على نيرون بعد موت بوروس عام ‪62‬م‪،‬‬
‫وحاول التنحي عن منصبه مرتين عام ‪62‬م و‪64‬م‪ ،‬ورفض نيرون‬
‫المحاولتين‪ ،‬وغيب سينيكا نفسه عن األحداث بعد عام ‪64‬م‪ ،‬وفي عام‬
‫‪65‬م جاءت مؤامرة بيزونية ‪ Pisonian‬لقتل نيرون ليتولى محله الزعيم‬
‫كالبورنيوس بيزو ‪ ،C. Calpurnius Piso‬ورغم أن لوكان ابن أخ سينيكا‬
‫ً‬
‫متورطا في المحاولة‪ ،‬فقد َّبرأ سينيكا نفسه‪ ،‬ولكن نيرون انتهز الفرصة‬ ‫كان‬
‫ليأمر معلمه القديم بقتل نفسه‪ ،‬فقطع سينيكا شرايينه‪ .‬ويخبرنا تاكيتوس‬
‫‪9‬‬
‫أن نحافة سينيكا وتقدمه في العمر قد أعاقا تدفق الدم منه‪ ،‬وحين فشل‬
‫االنتحار في قتله‪ ،‬أجلسوه في حمام ساخن حتى يتدفق الدم منه بسرعة‪،‬‬
‫وحاولت زوجته االنتحار بعده‪ ،‬ولكنهم أنقذوها بأمر نيرون‪.‬‬
‫رواجا عند المسيحيين ُ‬
‫األ َول‪ ،‬وأثرت كتاباته األخالقية‬ ‫ً‬ ‫ولقي سينيكا‬
‫على القديس بولس‪ ،‬ونال حقه من النقد‪ ،‬ونشب عليه هجوم للتناقض‬
‫الظاهر بين تعاليمه الرواقية في عدم االهتمام بالمظاهر الخارجية ورأيه في‬
‫تكديس الثروة‪ ،‬وربما لم ينل لهذا السبب نفس احترام الرواقي موسونيوس‬
‫روفوس الذي لُقِّب بـ«سقراط الروماني»‪ .‬والشخص الوحيد الذي هاجم‬
‫سينيكا في حياته هو سيلليوس‪ ،‬بسبب تراكم ما يقرب من ‪ 300‬مليون‬
‫سسترس منذ صعود نيرون للسلطة نتيجة الرسوم الباهظة على إيطاليا‬
‫والواليات األخرى‪ ،‬و ُنفي سيلليوس إلى جزيرة بليار الختالسه وتلصصه‪.‬‬
‫ويبدو أن سينيكا كان متقش ًفا رغم ثروته‪ ،‬وفي مقاله عن الحياة السعيدة‬
‫‪ De vita beata‬اتخذ موقف الفيلسوف الغني صاحب الثروة التي ُتربح‬
‫و ُتخسر وموقفه منها منفصل تما ًما‪ .‬ويحتمل سينيكا في تقديرنا تناقضات‬
‫عدة فرضتها حياته السياسية‪.‬‬

‫مقدمة موجزة عن الرواقية‪:‬‬


‫تأثيرا في العالم‪ ،‬بدأت بأعمال وتعاليم‬
‫والرواقية من أكثر الفلسفات ً‬
‫ثالثة روَّاد أساسيين للمدرسة الرواقية اليونانية‪ ،‬وهم‪ :‬زينون الكتيومي‬
‫(‪263 -335‬ق‪.‬م)‪ ،‬وكليانتس (‪232-331‬ق‪.‬م)‪ ،‬وخريسبوس‬
‫(‪207-280‬ق‪.‬م)‪ .‬وأصبحت حركة فلسفية رائدة في العالم اليوناني‬
‫الروماني القديم‪ ،‬وشكلت تطور الفكر في العصر المسيحي‪ .‬وقد تال‬
‫الرواقيةَ اليونانية رواقيةُ بانيتوس (‪109-185‬ق‪ .‬م)‪ ،‬وبوزدنيوس‬
‫‪10‬‬
‫جسدا بعض مالمح المذهب الرواقي‪ .‬وواصل‬
‫(‪51-135‬ق‪.‬م)‪ ،‬اللذين َّ‬
‫المفكرون الرومانيون المسيرة‪ ،‬وأصبحت الرواقية معتقدً ا شبه رسمي‬
‫للعالم الروماني في األدب والسياسة‪ .‬وإن لم يتفق شيشرون مع الرواقية‬
‫في المسائل الميتافيزيقية والجمالية‪ ،‬إلاَّ أن مواقفه األخالقية والسياسة‬
‫خضعت لفكرهم‪ ،‬وحتى لو لم يتفق مع الرواقية‪ ،‬فقد كان يبذل جهده‬
‫ليقر باالتفاق معها‪ .‬كما شكل سينيكا وأبكتيتوس رواقية النصف األول‬
‫من القرن الثاني‪ ،‬وقد كتب موسونيوس روفوس واإلمبراطور ماركوس‬
‫أوريليوس كتابات رواقية تمثل آخر كتابات اليونان‪.‬‬

‫إن إسهامات الرواقية الرومانية كانت هائلة عند خريسبوس‪ ،‬فقد‬


‫ابتدع منطق القضايا وفلسفة اللغة‪ ،‬ناهيك عن اإلنجازات غير المسبوقة‬
‫في علم النفس األخالقي‪ ،‬وكذلك التمييز بين عالقة الميتافيزيقا والجمال‬
‫بالفلسفة األخالقية والسياسية‪ .‬ومن المؤسف أن كل أعمال الرواقية‬
‫اليونانية قد ُفقدت‪ ،‬وعلينا أن نتناول فكرهم من خالل فقرات تركها لنا‬
‫ديوجين اليرتوس في كتابه «حياة الفالسفة»‪ ،‬وشيشرون‪ ،‬وسكتوس‬
‫أمبريكوس في كتاباته الشكية‪ ،‬والتي كان الرواقيون هدفها المحوري‪.‬‬
‫وأما أعمال المفكرين الرومان؛ فقد ُعدلت لتناسب الواقع الروماني‪ ،‬وقد‬
‫ساهمت في نظرتهم اإلبداعية‪ ،‬وهذا يعني أن معرفتنا بالمنطق والفيزياء‬
‫في الرواقية أقل بكثير من معرفتنا باألخالق عندهم‪ ،‬حيث كان جل اهتمام‬
‫الرومان بالجانب العملي‪.‬‬

‫وتتشابه غاية الفلسفة الرواقية مع المدارس الفلسفية األخرى في‬


‫العصر الهيللينستي‪ ،‬حيث حررت المزيد من أشكال العوز الدنيوي والفشل‬
‫األخالقي‪ ،‬لذا كانت الرواقية كلية الوجود في مجتمعاتها على خالف‬
‫المدارس األخرى المنافسة لها‪ ،‬ومن ثم شددت على دراسة منظومة ثالثية‬
‫‪11‬‬
‫من المنطق والطبيعة واألخالق لفهم العالم وترابطاته‪ ،‬لدرجة أن شيشرون‬
‫الروماني اعتقد أنه باإلمكان التمسك بالحقائق األخالقية الرواقية دون‬
‫اعتقاد يقيني في عقالنية العالم‪ .‬وهذا الموقف مبتدع من شيشرون‪ ،‬على‬
‫حد تعبير إيمانويل كانط‪.‬‬

‫عقليا‪ ،‬وكل ما‬


‫ًّ‬ ‫وتنصب الطبيعة الرواقية على أن العالم ُك ٌّل َّ‬
‫منظ ٌم‬
‫يحدث فيه يحدث على خير وجه‪ ،‬وإن كان موقف اليبنتز من التجسد‬
‫قد ظهر في كانديد لفولتير وهو يرفض الدين التقليدي التجسيدي‪ ،‬فإن‬
‫الرواقية وهبت اسم زيوس لمبدأ عقالني ُيحيي العالم ككل‪ ،‬واعتبروه‬
‫دالل ًة على حسن النظام العام للكون حتى في األحداث البسيطة أو المؤلمة‬
‫مثل الزالزل والصواعق‪ ،‬وهذا النظام أخالقي مبني على جالل الباطني‬
‫وقيمة القدرات األخالقية للكل‪ ،‬وآمنت الرواقية أن هذا النظام حتمي؛ ألن‬
‫كل شيء يحدث وف ًقا للضرورة‪ ،‬ولكونهم توافقيين ً‬
‫أيضا آمنوا بأن حرية‬
‫إرادة اإلنسان متوافقة مع صحة الحتمية‪ ،‬وقد أدخلهم هذا في نقاشات‬
‫ملتهبة مع األرسطيين الال توافقيين‪ ،‬وهذا ما جعل إسهامهم في مسألة‬
‫مفتوحا للمناظرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫حرية اإلرادة‬

‫ونبعت األخالق الرواقية من فكرة القدرة العقلية الال محدودة في‬


‫كل إنسان‪ ،‬وفهمت الرواقية الرومانية هذه القدرة على أنها محور عملي‬
‫وأخالقي‪ ،‬خال ًفا ألفالطون الذي لم يفكر في أن َمن لديهم موهبة طبيعية‬
‫ً‬
‫تشككا‬ ‫ممن ليس عندهم‪ ،‬ويصبحون أكثر‬ ‫في تعلم الرياضيات أفضل َّ‬
‫ٌ‬
‫عملية‪ .‬ورأى الرواقيون أن كل البشر‬ ‫ٌ‬
‫قيمة‬ ‫حتى لو درسوا منط ًقا له‬
‫متساوون من حيث القدرة التي يحتكمون بها على قدرة االختيار وتوجيه‬
‫حياتهم التي قد تصل عند البعض إلى غاية لها قيمة‪ ،‬لذا يقولون إن ما يميز‬
‫اإلنسان عن الحيوان قدرة االختيار والرفض‪ ،‬وقد كرسوا جان ًبا لمعالجة‬
‫‪12‬‬
‫سلوك الحيوان خال ًفا لمعظم المدارس القديمة األخرى‪ ،‬ومن َثم رأوا أن‬
‫المعاملة الحسنة والالئقة هي غاية األخالق الوحيدة‪ ،‬فاألطفال ‪-‬على حد‬
‫قولهم‪ُ -‬تقبل على العالم مثل حيوانات صغيرة بتوجه طبيعي نحو الحفاظ‬
‫على الذات‪ ،‬ولكن دون فهم للقيمة الحقة‪ ،‬ومع ذلك يحدث تغير ملحوظ‬
‫نظرا لطبيعتهم الفطرية ويصبح بإمكانهم تقدير أهمية القدرة‬
‫ينشأ عندهم ً‬
‫وجه‬ ‫على االختيار والمنهج األخالقي الذي َّ‬
‫شكل العالم برمته‪ ،‬وقد َّ‬
‫هذا االعتراف الناس إلى احترام الذات واآلخرين بطريقة جديدة‪ .‬وكان‬
‫الرواقيون جادين في مسألة المساواة؛ فقد حثوا على تعليم العبد والمرأة‪،‬‬
‫وقد كان أبكتيتوس ذاته عبدً ا‪.‬‬

‫وقد ربطت الرواقية نظرتها األخالقية بالعواقب السياسية الفعلية‪،‬‬


‫وهي تؤكد على المساواة في الحقوق السياسية وإتاحة الفرص االقتصادية‬
‫المتكافئة‪ ،‬ورغم أن األصولية الرواقية أبقت على األهمية القصوى‬
‫للسياسة‪ ،‬إال أن القيمة األخالقية هي الجوهرية فحسب‪ ،‬فالسعي نحو‬
‫المال والشرف والسلطة والصحة البدنية وحتى حب األصدقاء واألطفال‬
‫والزوجة يمكن أن يكون معقولاً إن لم ُي ِع ْق ُه شيء‪ ،‬وهو ليس قيمة جوهرية‬
‫حقة‪ ،‬وقد أطلقوا عليه «تفضيل المحايدات»‪ ،‬وال يتناسب مع القيمة‬
‫األخالقية‪ .‬لذا حين ال يصل المرء إلى ما يتمناه‪ ،‬فمن الخطأ أن يأسى‪.‬‬

‫وهذا هو السياق الذي قدم فيه الرواقيون لمذهب األباثيا ‪ apatheia‬أي‬


‫التحرر من االنفعاالت‪ ،‬وهم يدافعون عن العواطف واالنفعاالت األسمى‬
‫حيث تنطوي على تقدير حسن للخير الظاهر‪ ،‬وهم يرون أن الرواقي الحق‬
‫ال تحمل جنباته هذه االضطرابات الشخصية‪ ،‬وقد أدركوا أن أحداث‬
‫الصدفة تكمن في سيطرتنا‪ ،‬حيث وجدت الرواقية أنه ال ضرورة للحزن‬
‫والغضب والخوف أو حتى الفرح؛ ألن هذه المشاعر تجشؤات عقل‬
‫‪13‬‬
‫يترقب في قلق ورعب أشياء محايدة‪ ،‬ويمكننا أن نعيش حياة الفرح الحقة‬
‫إذا قدرنا كل شيء قدره‪ ،‬والتقدير الحق للشيء يكمن في سيطرتنا المطلقة‬
‫على زمننا‪.‬‬

‫ولم يدرك الرواقيون أن من الصعب التخلي عن الضالالت الثقافية‬


‫التي تأسست على االنفعاالت المرفوضة‪ ،‬وهكذا كانت الحياة الرواقية‬
‫عملية عالجية مستمرة أبدعتها التدريبات العقلية لفطام العقل من مصادراته‬
‫الفجة‪ .‬وتصف أعمالهم عملية العالج‪ ،‬والتي يمكن للقارئ أن يحقق من‬
‫خاللها الفضيلة الرواقية‪ ،‬وغال ًبا ما يشركون القارئ في هذه العملية‪ ،‬فقد‬
‫وصف أبكتيتوس وماركوس أوريليوس عملية التأمل المتكررة‪ ،‬كما‬
‫ويعرض سينيكا‬ ‫وصف سينيكا في مقاله “عن الغضب” محاسبة ذاته‬
‫في خطاباته أيضًا دور المعلم الحكيم الذي ُيمكن أن يقوم بها في مثل‬
‫فيم إذا كان هو ذاته خال ًيا من المصادرات‬
‫هذه العملية‪ ،‬ولم يفكر سينيكا َ‬
‫واقعا دنيو ًّيا‪،‬‬
‫الخاطئة‪ .‬إن الرجل الحكيم بهذا المعنى مثال بعيد‪ ،‬وليس ً‬
‫خاص ًة عند الرواقيين الرومان‪ .‬والعون األكبر في العملية العالجية هو‬
‫دراسة التشوهات المرعبة التي تعانيها هذه المجتمعات برغبتها في الخير‬
‫الظاهر‪ ،‬ولو عاين المرء الوجه القبيح للسلطة والشرف أو حتى الحب بما‬
‫فيه الكفاية‪ ،‬فربما يتوقف المرء عن التقدم نحو الفضيلة الحقة‪ ،‬وهكذا‬
‫كان سينيكا في مقاله “عن الغضب” مثالاً لنوع شائع في الرواقية‪.‬‬

‫ولم يطرح الرواقيون أي تغيير فعلي في توزيع الخيرات الدنيوية‬


‫اعتبارا متكافئًا لتصنيف البشر بسبب اعتقادهم‪ ،‬وهم‬
‫ً‬ ‫كما يفترض المرء‬
‫يعتقدون أن االعتبار المتكافئ ال يستلزم معالجة كل شخص‪ ،‬ولذا حث‬
‫سينيكا السادة على عدم قهر العبيد وال استخدامهم كأدوات جنسية؛ فإن‬
‫عادة العبودية الصمت‪ ،‬وال يوجد ما هو أسوأ من الصمت‪ ،‬ورأى سينيكا‬
‫‪14‬‬
‫جوهرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن الحرية الحقة هي الحرية الباطنية‪ ،‬وأما الشكل الخارجي فليس‬
‫وقد يتشابه سينيكا مع موسونيوس روفوس‪ ،‬حيث دعا إلى معاملة المرأة‬
‫معاملة حسنة‪ ،‬ناهيك عن حصولها على التعليم الرواقي وتقييد المرأة في‬
‫النظام القانوني بدور منزلي حيث يتولى الرجل السلطة المصيرية‪ ،‬ولم‬
‫يتحدث سينيكا عما سيتحقق من فضيلة عن رواقية المرأة في حالة مكوثها‬
‫جزء‬
‫ٌ‬ ‫في المنزل‪ .‬ويعتقد بعض الرواقيين الرومانيين أن الحرية السياسية‬
‫من الكرامة‪ ،‬ولذلك غاب الدعم للمؤسسات الجمهورية‪ ،‬إال أن االهتمام‬
‫ً‬
‫غامضا‪ ،‬ومن المؤكد‬ ‫بالظروف الخارجية الذي تتفق عليه الرواقية ال يزال‬
‫وقعا‬
‫أن عمق الحزن عند شيشرون على فقدان الحرية السياسية كان أشد ً‬
‫من حزنه على موت ابنته‪.‬‬

‫وقد ثار جدل هائل حول ما إذا كانت األباثيا الرواقية قد فصلت الناس‬
‫عن السياسة الرديئة أم أنهم أعانوها‪ ،‬ومن المؤكد أن الرواقيين ‪-‬كما هو‬
‫معلوم‪ -‬قد نصحوا باعتزال السياسة‪ ،‬واعتقدوا أن الثورة أسوأ من انعدام‬
‫القانون‪ .‬ويروي بلوتارخ أن بروتوس األفالطوني سأل المتآمرين على‬
‫اغتيال يوليوس قيصر عن إذا كانوا يقبلون المبدأ الرواقي أو يؤمنون بأن‬
‫انعدام القانون أسوأ من الحرب األهلية؟ إال أن غير الرواقيين انحازوا‬
‫لمجموعة القتلة‪ .‬وانضم في عهد نيرون كثير من الرواقيين البارزين ‪-‬بما‬
‫فيهم لوكان ابن أخ سينيكا‪ -‬إلى الحركات السياسية الجمهورية التي تهدف‬
‫سياسيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫إلى اإلطاحة بنيرون‪ ،‬وفقدوا حياتهم نظير هذا‪ ،‬وانتحروا‬

‫واعتقد الرواقيون ‪-‬من منظور أخالقي‪ -‬أن الحدود القومية ال عالقة‬


‫لها بالشرف والثروة والجنس والميالد‪ ،‬ورأوا أنهم مواطنون كونيون‪ ،‬وقد‬
‫ظهر اصطالح “مواطن العالم” عند ديوجين الكلبي‪ ،‬وتمسك به الرواقيون‪،‬‬
‫جذرا للمواطنة الكونية الحديثة‪ ،‬ولكن ما ُيطلق عليه مواطنة كونية‬
‫ً‬ ‫وصار‬
‫‪15‬‬
‫غير واضح عمل ًّيا‪ .‬واعتقد شيشرون في كتابه “الواجبات” أن فضائلنا‬
‫اإلنسانية المشتركة مقيدة ببعض الحدود الصارمة لدواعي الحرب ونوع‬
‫السلوك المباح فيها‪ ،‬وهكذا صك شيشرون أساس القانون الحديث في‬
‫الحرب‪ ،‬وأنكر أن تلتزم إنسانيتنا بأي واجب في توزيع الخيرات المادية‬
‫لما وراء حدودنا‪ .‬وقد أثر كتاب «الواجبات» لشيشرون في األجيال التالية‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬وقد بالغ شيشرون في إلقاء اللوم على الرواقيين؛ ألننا‬
‫نعمل بعيدً ا عن معتقداتنا في القانون الدولي خاصة في مجال الحرب‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهما‬
‫والسالم‪ ،‬وال نفهم بيننا واجباتنا المادية ً‬
‫وقد امتد تأثير الرواقية ليطول التراث الفكري الغربي برمته‪ ،‬ويدين لها‬
‫بد ٍ‬
‫ين ثقيل‪ ،‬ويكفي مثال واحد لمفكر مسيحي استغرق‬ ‫الفكر المسيحي َ‬
‫في الرواقية‪ ،‬وهو كليمنت السكندري‪ .‬وحتى أوغسطين الذي طعن فيما‬
‫تطرحه الرواقية حيث وجد أنه من الطبيعي أن ينطلق من مواقفها‪ .‬ومن‬
‫كثيرا من الفالسفة في طليعة العصر الحديث تحولوا نحو‬ ‫ً‬ ‫الملفت أن‬
‫الرواقية‪ ،‬ولم يتجهوا نحو أفالطون وأرسطو‪ ،‬وقد ُبنيت األفكار األخالقية‬
‫الديكارتية على القوالب الرواقية‪ ،‬واستغرق سبينوزا في الرواقية في كل‬
‫واردة عنده‪ ،‬وتأسست الغائية عند ليبنتز على الرواقية‪ ،‬ووضع هوجو‬
‫جروتيوس أفكاره عن القانون واألخالقية الدولية على قوالب رواقية‪،‬‬
‫ولجأ آدم سميث إلى الفكر الرواقي فحسب‪ ،‬ولم يتجه للمدارس الفكرية‬
‫القديمة األخرى‪ ،‬وبُنيت أفكار روسو عن التربية في جوهرها على نماذج‬
‫رواقية‪ ،‬ووجد كانط إلها ًما في الفكر الرواقي عن إجالل اإلنسان والمجتمع‬
‫العالمي السلمي‪.‬‬

‫جلي‪ ،‬فالشعراء والتربويون الرومان‬


‫وتأثير الرواقية في تاريخ األدب ٌّ‬
‫كانوا على بينة من األفكار الرواقية‪ ،‬وأشاروا إليها في غالبية أعمالهم‪ ،‬كما‬
‫‪16‬‬
‫هو واضح عند فيرجيل ولوكان‪ .‬ويكشف التراث األدبي األوربي المتأخر‬
‫عن نفوذ الرواقيين في األدب الروماني‪ ،‬ناهيك عن تأثر عصرهم ذاته‬
‫بأعمال شيشرون وسينيكا وماركوس أوريليوس‪.‬‬

‫رواقية سينيكا‪:‬‬
‫والء ُه للرواقيين في كتاباته‬
‫َ‬ ‫يصف سينيكا نفسه بالرواقي‪ ،‬ويعلن‬
‫بوصفهم «أهلنا»‪ ،‬ويستقل بذاته في عالقته ببعض الرواقيين‪ ،‬في حين أنه‬
‫بناء على تجربته وقراءته‬
‫يلتزم بأسس المذهب الرواقي‪ ،‬ويعيد صياغته ً‬
‫المتبحرة للفالسفة اآلخرين‪ ،‬واتبع في هذا منهج التراث الفلسفي الرواقي‬
‫الذي يجسده بانيتوس وبوزدونيوس‪ ،‬اللذان قدما بعض العناصر األفالطونية‬
‫واألرسطية لتتكيف مع رواقية المجتمع الروماني‪ .‬ويختلف سينيكا عن‬
‫سابقيه من الرواقيين؛ ألنه رحب بالفلسفة اإلبيقورية باختالفاتها‪.‬‬

‫وركز سينيكا في تطبيق المبادئ األخالقية الرواقية على حياته وحياة‬


‫اآلخرين بالمثل‪ ،‬والتساؤل الذي هيمن على كتاباته الفلسفية‪ :‬كيف يعيش‬
‫المرء حياة خ ِّيرة؟ وكان سينيكا يرى أن السعي للفضيلة والسعادة مسعى‬
‫بطولي يضعه اإلنسان الناجح فوق بطش االنتهازية وفي مستوى الرب‪،‬‬
‫حول سينيكا الحكيم إلى شخصية ملهمة‪ ،‬بإمكانه‬
‫ولتحقيق هذه الغاية َّ‬
‫تحفيز اآلخرين ليتبعوا مثاله بلطف اإلنسانية وبهجة الهدوء‪ ،‬ومفتاح‬
‫فلسفته هو كيف يوفق المحنة اإلنسانية بالعناية اإللهية‪ ،‬وكيف يحرر ذاته‬
‫من انفعاالت الغضب والحزن‪ ،‬وكيف يواجه الموت‪ ،‬وكيف يحرر ذاته‬
‫من المشاركة السياسية‪ ،‬وكيف يعيش الفقر ويستخدم الثروة‪ ،‬وكيف يفيد‬
‫اآلخرين‪ ،‬وقد نظر إلى هذه المساعي في سياق أسمى وهو منظور األلوهية‬
‫العاقلة والفاضلة ليحقق نفس الفضيلة في محاوالت البشر‪ .‬وقد ناقش‬
‫‪17‬‬
‫سينيكا في مجال السياسة العفو عند الحاكم األسمى‪ ،‬وقد أولى اهتما ًما‬
‫خاصا بالصداقة وموقف العبيد والعالقات اإلنسانية‪ ،‬وهدف إلى استبدال‬
‫ًّ‬
‫البنية االجتماعية باعتمادها على الثروة ببنية أخالقية مقاربة وف ًقا لغاية‬
‫الحكيم‪.‬‬

‫لقد تخلل كتابات سينيكا قلق ومخاوف شخصية‪ ،‬ورغم أن القارئ‬


‫المعاصر يقرأ عن حياة سينيكا األرستقراطية في عهد كالوديوس ونيرون‪،‬‬
‫وعن ضعف وقوة شخصيته‪ ،‬إال أنه يتجاوز في الوقت نفسه اهتمامات‬
‫سينيكا وعصره‪ .‬وقد يتردد بين جمهور المعاصرين أن دعوته للبشر‬
‫ليتوحدوا؛ هي مطلب لعبيده واهتمامه باالنفعال اإلنساني وإصراره على‬
‫التقوقع في ذاته لتحقيق السعادة‪ ،‬وأن شخصية سينيكا أوقعت عديدً ا من‬
‫القراء في إشكالية‪ ،‬وقد صوره بعض من معاصريه أنه منافق وال يمارس ما‬
‫يعظ به‪ ،‬وأن أعمال سينيكا ‪-‬خاصة تعازيه لبوليببوس وألمه هيلفيا ومقاله‬
‫عن الحياة السعيدة‪ -‬كانت لخدمة مصالح شخصية‪ ،‬ورأى سينيكا في‬
‫خطابه ‪ 84‬أنه بدَّ ل تعاليمه التي جمعها كالرحيق في ٍّ‬
‫كل يعكس التركيب‬
‫المعقد‪.‬‬

‫لقد قسم الرواقيون المنطق إلى الجدل وهو حجة قصيرة‪ ،‬والخطاب‬
‫وهو عرض مستمر‪ ،‬وقد تجنبت كتابات سينيكا الجدل والمنطق الصوري‬
‫عمو ًما‪ ،‬ومع ذلك يعرض بين حين وآخر رقائق من المنطق الرواقي‬
‫حسن ما عليه‬
‫عقيم وال ُي ِّ‬
‫ٌ‬ ‫بسخرية؛ ألن ما تحمله الدقة المنطقية تز ُّيدٌ‬
‫المرء‪ ،‬وينبغي تجنب كل أنواع المراوغات سواء أكانت تنطوي على خيط‬
‫رفيع من الجدل وتقيم فرو ًقا لفظية خفية للغاية‪ ،‬أم التي تتضمن تفسيرات‬
‫فلسفية عويصة‪ .‬وحين يعمل سينيكا هكذا‪ ،‬فإنه يجعل القارئ متيقنًا من‬
‫معرفة أن بإمكانه هزيمة منافسه إن أراد‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫وعلمنا ضئيل عن وجهة نظر الرواقيين في الخطاب‪ ،‬ويتضح هذا عند‬
‫سينيكا حيث استخدم طائفة من الطرق البالغية الرومانية إلقناع القراء‬
‫برسالته الفلسفية‪ ،‬واكتظت كتاباته بأمثلة حية واستعارات جمة وأقوال‬
‫دالة لها وقع مؤثر‪ ،‬فهو يعرف كيف يغير لهجته من الحديث العرضي إلى‬
‫شعبيا‪ ،‬يلقيه على لسان‬
‫ًّ‬ ‫الموعظة الرصينة واالستنكار الساخر‪ .‬وكان نصه‬
‫شخصيات متنوعة‪ ،‬واشتملت عناوين موضوعاته الجمهور والمعارضين‬
‫االفتراضيين واألصدقاء والرموز التاريخية‪ ،‬وجال في الطريق كصديق‬
‫وحول ِشعره ً‬
‫نثرا‪ ،‬حتى‬ ‫ِّ‬ ‫حميم وأحيا ًنا كعدو رجيم‪ ،‬واتبع سينيكا كليانتس‬
‫يحث القارئ على تحسين ذاته‪.‬‬

‫وبالنظر إلى الغايات األخالقية عند سينيكا ربما يكون من الغرابة أن‬
‫يكرس عملاً مطولاً للتساؤالت الطبيعة في الفيزياء‪ ،‬ويصف العمل برمته‬
‫مرارا على أن العقل قد يرتقي إذا تجاوز‬
‫ً‬ ‫غايات أخالقية‪ .‬وأصر سينيكا‬
‫االهتمامات اإلنسانية الضيقة وعاين العالم بأسره‪ ،‬وأن تأمل العالم الطبيعي‬
‫تتمة للفعل األخالقي برؤية السياق الكامل للفعل اإلنساني‪ ،‬فنحن نرى‬
‫الرب في مجده الكامل يهب الحياة لإلنسان؛ ألنه يدبر العالم برمته‪ .‬ونثر‬
‫سينيكا رسائله األخالقية بعيدً ا عن محاوراته الطبيعية المحضة‪ ،‬وأكد على‬
‫ضرورة أن يواجه اإلنسان األحداث الطبيعية كالموت والكوارث الطبيعية‬
‫بامتنان للرب‪ ،‬وهو يحذر من إساءة استخدام اإلنسان للمصادر الطبيعية‪،‬‬
‫واالنحطاط الذي يصاحب التقدم‪ .‬ويصوب سينيكا في جل نقاشه عن‬
‫الطبيعة المذهب الرواقي‪ ،‬سواء أكان باإلضافة أم بالتعديل‪ ،‬وهو يفند‬
‫تاريخ الجدل حول الطبيعة بداية من فلسفة ما قبل سقراط حتى عصره بغية‬
‫تحسين المذهب الرواقي‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫وكتب سينيكا في الرسالة (‪ )Letters 45.4‬أن الفالسفة السابقين قد‬
‫اكتشفوا األشياء لذاتها‪ ،‬وتركوا لنا بعضها لندرسها؛ ألنهم لم يدركوا‬
‫ُكنهها‪ .‬وعرض سينيكا في نقاشاته عن الكون تعاليمه األخالقية ليوضح‬
‫رؤيته عن العدالة والتجديد‪ ،‬وكان إسهامه وجهة نظر جديدة‪ ،‬واستخدم‬
‫أساسا للتجديد‪ ،‬ورسم صورة للتحديات التي تواجه‬
‫ً‬ ‫االختالفات الرواقية‬
‫اإلنسان‪ ،‬وإلى السعادة التي ينتظرها َمن يمارسون الفلسفة الحقة‪ .‬واتفق‬
‫سينيكا مع األصولية الرواقية‪ ،‬حيث تمسك بالتفرقة بين المنفعة والخير‪،‬‬
‫والحاجة إلى استئصال االنفعاالت‪ ،‬وتفضيل عقالنية المرء الحكيم‪،‬‬
‫وتماثل الرب والقدر‪ ،‬وربط ما أضافه لألخالق بحس ِشعري مرهف حول‬
‫هذه االختالفات إلى منطلقات للفعل‪.‬‬

‫ونظر النقاد إلى الحكيم الرواقي على أنه أسمى من إمكانات البشر‪،‬‬
‫وأنه متحجر العواطف‪ .‬واعترف سينيكا أن الحكيم أمر نادر الحدوث‬
‫بل هو كالعنقاء‪ ،‬وقد يظهر كل خمسمائة عام (‪ ،)Letters 42.1‬وليس‬
‫الحكيم كما يرى سينيكا عائ ًقا للتقدم‪ ،‬بل هو الملهم به‪ ،‬ومنح سينيكا‬
‫الحرية للحكيم من واقع الحياة‪ ،‬مستشهدً ا بكاتو األصغر ‪the younger‬‬
‫حكيما على الحقيقة‪ ،‬ويقول‬
‫ً‬ ‫‪ Cato‬عدو يوليوس قيصر‪ ،‬ولم يكن كاتو‬
‫سينيكا في مقاله “عن الثبات”‪ :‬لست على يقين إن كان كاتو تجاوزني أو‬
‫ال‪ .‬وهو ال يطمس بهذا االختالفات الرواقية‪ ،‬بل يسلط الضوء على القوة‬
‫الباطنة للحكيم بمثال كاتو وأمثلة أخرى من الماضي الروماني‪ .‬ودمج‬
‫سينيكا الحكيم الرواقي بالصورة التراثية للبطل الروماني‪ ،‬وهكذا ح َّفز‬
‫قراءه الرومانيين لتأدية واجبهم بمحاكاتهم للحكيم‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويحدد سينيكا مراحل ثالث للتقدم األخالقي دون مستوى الحكيم‪،‬‬
‫ويعاينها وف ًقا الفتقادنا لالنفعاالت العقلية (‪ .)Letters 75‬األولى هي حالة‬
‫‪20‬‬
‫تقترب من وجود الحكيم‪ ،‬وهو الشخص الذي لم يتيقن بعد أن الوجود‬
‫بإمكانه مجابهة االنفعاالت العقلية و ُت َّ‬
‫سمى العواطف أباثيا‪ .‬والثانية وهي‬
‫المرحلة األدنى من المرحلة السابقة‪ ،‬وهو الشخص الذي ينزلق إلى‬
‫مستوى أدنى في التقدم يتجنب ً‬
‫بعضا من االنفعاالت العقلية‪ .‬واألخيرة‬
‫وهي أدنى المراحل‪ ،‬وهم أناس ال يحصون وال يحققون أي تقدم‪ ،‬ولم يقل‬
‫سينيكا في حقهم شيئًا سوى أنه تجنبهم ألنهم ملوثون‪ ،‬وهم مختلفون عن‬
‫الذين يناضلون‪ ،‬ويذوقون المر في البداية ليصبحوا في حالة أفضل؛ إال‬
‫أنها فترة وجيزة وستنقضي‪ ،‬ويقول سينيكا عنهم‪“ :‬حين يحرمون األنين‬
‫واآلهات‪ ،‬س ُيختار منهم ألطف النبرات” (‪ ،)Letters 23.4‬وال يزال سينيكا‬
‫يصر على أن هذه الكلمات الحقة وغايتها الوصول للحق بقدر الممكن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫عرضة للصدمات‪ ،‬وتبدو ردود األفعال آنية مثل االنفعاالت‬ ‫والحكيم‬
‫العقلية‪ ،‬ولكن هذه االستجابات االضطرارية قد تنجح مباشرة برسوخ‬
‫الحكم‪ .‬والحكيم ‪-‬عند سينيكا‪ -‬ودود مع اآلخرين ومغمور بالبهجة‪،‬‬
‫وال عالقة له بالمتعة الزائلة التي يتعاطها اآلخرون من المظاهر‪ .‬ويصور‬
‫سينيكا التطور األخالقي على أنه نضال شاق أو حملة عسكرية أو مداهمة‬
‫شرسا من ضحيته‪،‬‬
‫ً‬ ‫متصاعدة لمواقع العدو‪ ،‬حيث يتكهن العدو هجو ًما‬
‫وربما يستسلم منافسه‪ ،‬وسيظفر إذا قاوم حتى نهاية المعركة‪ ،‬وقد تأتي‬
‫الكوارث على المناضل من أشخاص آخرين‪ ،‬أو من الظروف المحيطة‬
‫به‪ ،‬ومنها الموت والنفي واالضطهاد والمرض‪ ،‬وقد حفلت حياة سينيكا‬
‫بأمثلة شتى منها‪ ،‬وذهب سينيكا إلى أن الشدائد وسائل للتقدم األخالقي‪،‬‬
‫وأن الظروف تعين َمن يناضلون للوصول إلى التقدم األخالقي‪.‬‬

‫يتغي التقدم األخالقي ال يجابه الظواهر الخارجية فحسب‪ ،‬بل‬


‫و َمن َّ‬
‫ونفسا‬
‫ً‬ ‫ينظر في ذاته‪ .‬ويخبرنا سينيكا من وحي أفالطون أن بداخلنا ر ًّبا‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫تسعى إلى تحرير ذاتها من براثن الجسد‪ .‬ويدعو سينيكا القارئ إلى أن يرتد‬
‫إلى ذاته الباطنة ليتأمل حالة بعينها‪ ،‬ومن ثم يتجه نحو تأمل اإلله‪ ،‬ويجري‬
‫أيضا‪ .‬ومن األفضل ألاَّ يطول عمل‬
‫هذا االنسحاب على الحياة الفاعلة ً‬
‫المرء في االشتغال بالسياسة‪ .‬وهكذا ربط سينيكا االنسحاب األخالقي‬
‫بمحاولة انسحابه من السياسة في األيام األخيرة من عمره‪ ،‬وهو يصر على‬
‫االستمرار في عون اآلخرين بتعاليمه الفلسفية كأي رواقي آخر‪.‬‬

‫تراجيديا سينيكا‪:‬‬
‫كتب سينيكا ثمانية أعمال تراجيدية‪ ،‬وهي‪ :‬أجاممنون‪ ،‬وثيستيس‪،‬‬
‫وأوديبوس‪ ،‬وميديا‪ ،‬وفايدرا‪ ،‬وفوينيساي أي النساء الفينيقيات‪ ،‬وترواديس‬
‫‪ Troades‬أي النساء الطرواديات‪ ،‬وهيركوليس فورينس ‪Hercules‬‬

‫‪ furens‬أي جنون هرقل‪ .‬وال تشتمل على أوكتافيا الكبرى‪ ،‬وهيروكليس‬


‫يتبق من فوينيساي سوى شذرات‪ ،‬وقد ُنظر لهذه الدراما‬
‫َّ‬ ‫أوتيوس‪ ،‬ولم‬
‫بأوجه شتى عبر القرون‪ ،‬وال يزيد َمن ينقدها على أنها مجرد نصوص معيبة‬
‫للدراما اليونانية القديمة لمسائل قد عالجها سينيكا‪ ،‬ولم يكن دوره فيها‬
‫سوى أنه استخرجها من مخبأ الفلسفة الرواقية الرومانية‪ ،‬وسلط عليها‬
‫الضوء‪ ،‬وأسرف في التمثيل البالغي عليها‪ ،‬أو أعاد بناء المسرحيات‬
‫المفقودة لسوفوكليس ومَن تبعه من شعراء أتيكا‪ ،‬وفرضت علينا السمات‬
‫التي ميزت الدراما صوابها وال تستحق االهتمام النقدي اآلن‪ .‬والحقيقة أنَّ‬
‫دراما سينيكا نصوص ممتدة للتراجيديا الرومانية عند ماركوس باكيوفيوس‬
‫ولوكيوس أكسيوس التي افتقدتها األجيال‪ .‬وقد ترجمت نصوص سينيكا‬
‫الدرامية إلى اللغة اإلنجليزية عام ‪1581‬م كتراجيديات تيني ‪،Tenne‬‬
‫وأثرت على التراجيديين في العصر اإلليزابيثي‪ ،‬ربما قد تحول سينيكا إلى‬
‫‪22‬‬
‫كتابة الدراما قبل فترة حكم كاليجوال ‪ 41-37‬ق‪ .‬م‪ ،‬رغم أنه ال يمكن‬
‫تحديد متى بدأ بالضبط‪ ،‬وقد حفظ أجاممنون ‪ Agamemnon‬أول إشارة‬
‫للمسرحيات على حائط في بومبي‪ ،‬ونستنتج منها أنها ُكتبت قبل ثورة‬
‫بركان فيزوف عام ‪ 71‬ق‪ .‬م‪ .‬ويبدو أن الباحثين متفقون على أن ثيستس‬
‫وفونيسيا من األعمال المتأخرة‪ ،‬ونحن نعجز عن تحديد تاريخ الدراما‬
‫عند سينيكا وعالقته بمقاالته وخطاباته‪ ،‬رغم أن هناك انطباعات في نثره‬
‫ِ‬
‫وشعره قد أرشدت بعض القراء في القرن الخامس العتبار سينيكا في‬
‫أعمالهم‪ ،‬ومنهم الكاهن والخطيب سيدونيوس أبولليناريس ‪Sidonius‬‬

‫‪ ،Apollinaris‬ومن بعده أيراسموس وديدرو‪.‬‬

‫إن التشكيك في كتابات سينيكا أمر طبيعي‪ ،‬نتج عن فشل الرواقية‬


‫رد هذا الفشل إلى ضعف أتباعها‬
‫كطريقة للحياة في األعمال الدرامية‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫في التحكم في الرغبة واالنفعال‪ ،‬أو صعوبة ممارسة الرواقية ذاتها‪ ،‬أو أن‬
‫موضوعا للعناية الربانية‪ .‬وأن دراما سينيكا مفتوحة للنقاش‬
‫ً‬ ‫العالم ليس‬
‫وتفترض قراءتها إتاحة الفرصة لألسطورة التي تدين موت كاسندرا أو‬
‫بوليكسينا على يد كليتيمنسترا ‪ Clytemnestra‬أو أوليسوس‪ ،‬واستفاد‬
‫سينيكا من هذه الحقيقة التراجيدية ليطرح مفهوم القدر الذي ال يرحم‬
‫دراميا في الجمهورية‬
‫ًّ‬ ‫وعدم جدوى ُمالحظاته‪ .‬واعتُبر ثيستس عملاً‬
‫المتأخرة؛ لذا فهي العمل الوحيد الكامل لدينا‪ ،‬حيث نجده فيما ُيسمى‬
‫المنفى‪ ،‬والذي يمتدح حياة العوز ألبنائه‪ ،‬ويذكرهم أن الشخص الوحيد‬
‫ٍ‬
‫أوان فخارية‪ ،‬ولكن‬ ‫السعيد الذي يعيش بال خوف‪ ،‬هو َمن يشرب في‬
‫حين ُدعي إلى العودة إلى قصر أرجوس لتآمر أخيه أتريوس الذي تسبب‬
‫في نفيه‪ ،‬استجاب إلغرائه بالعودة بعد شيء من تردد‪ ،‬وقال البنه‪“ :‬إني‬
‫‪23‬‬
‫أتبعك”‪ ،‬ولكن لم يستسلم في اتباعه للحياة المترفة على عكس رفاهية‬
‫الخير الرواقي‪.‬‬

‫إن ما تبقى بشكل جيد ليس إلاَّ ركام أسطورة‪ ،‬حيث يجلس ثيستس‬
‫ٍ‬
‫وبعض من الخمر المعتق‪،‬‬ ‫ملكيا‪ ،‬ويستمتع بشراب ُيط ِّيب القلب‬
‫ًّ‬ ‫مرتد ًيا ز ًّيا‬
‫وتجشأ من شبعه وهب ف ِز ًعا حين أبلغه أتريوس أن عشاءه ُصنع من أوصال‬
‫أبنائه‪ ،‬ولكن هل هنا تفسير أخالقي أو رسالة فلسفية؟! وإذا تابعنا وجهة نظر‬
‫رواقي آخر هو إبكتيتوس الذي وصف التراجيديا كما تحدث وهو القائل‪:‬‬
‫“حين تحدث الصدفة‪ُ ،‬ي َغشى على الحمقى” ‪،Discourses 2.26.31‬‬
‫ونخلص إلى أن قصة ثيستس توضح بالضبط استسالم الحمقى لرغبة‬
‫قوض به عوامل عدة‪ ،‬وهي‬ ‫واضحا ُي ِّ‬
‫ً‬ ‫درسا‬
‫السلطة‪ ،‬وتبدو معالجة سينيكا ً‬
‫أولاً نشوة النصر التي سيطرت على آتريوس في نهاية الدراما التي هي أصداء‬
‫ال يمكن إنكارها من الوعظ الرواقي‪ ،‬وثان ًيا هشاشة المدنية والقيم الدينية في‬
‫المشهد الجحيمي الذي ُيضحي فيه أتريوس باألطفال‪ ،‬وهذا المشهد صورة‬
‫زائفة للتضحية ذاتها‪ ،‬ويظهر الملقنون لالبتذال الرواقي في مسرحيات عدة‬
‫مثل فايدرا وكليتيمنسترا وميديا‪ ،‬وهم يلقنون العبارة على عكس تساوقها مع‬
‫الفعل‪ ،‬ولعب كريون ‪ Creon‬الدور نفسه في مسرحية أجاممنون‪.‬‬

‫ولدى أنصار سينيكا شكوك أكبر حول قيمة النجاح الدنيوي في دراما‬
‫السلطة؟ وقال إنه غير‬
‫ثيستس‪ ،‬حين يسأل أوديب هل متعة اإلنسان في ُّ‬
‫واثق بأنه يشعر أن اإلجابة ال‪ ،‬ويقدم أوديب من بداية المسرحية متناقضات‬
‫ب ِّينة ألسالفه اليونانيين الذين أكدوا على اكتشاف ميالد الهوية هنا‪ ،‬حيث‬
‫يغمر أوديب اإلحساس بالدنس‪ ،‬وفزع الملك حتى من الدراما المفتوحة؛‬
‫ألنه لن يستطيع الهروب من نبوءة قتل أبيه ظ ًّنا منه أنه مسؤول عن اجتياح‬
‫جزعا‪ ،‬واختلفت حالته‬
‫الطاعون لمدينة طيبة‪ ،‬حتى إنه تمنى الموت السريع ً‬
‫‪24‬‬
‫االنفعالية عن شخصيته المحورية في مسرحية سوفكليس‪ .‬إن نص سينيكا‬
‫هو تقرير مطول لكريون في استحضار شبح آيوس في حديقة مظلمة‪ ،‬وهو‬
‫أمر غاب في عمل سوفكليس‪ ،‬وقد ُأسقط إحساس الشخصية التي تتفاعل‬
‫على خشبة المسرح‪ ،‬ليجعل الشعور في دراما سينيكا محر ًما‪ ،‬ويصبح‬
‫دافعا له‪.‬‬
‫حديث الشخصيات ر ًّدا على العنف‪ ،‬أكثر من كونه ً‬

‫إن تدنيس السماء من منظور اإلنسان يتعارض مع الطبيعة الرواقية‪،‬‬


‫وَوُجِدَ له صدى في مسرح سينيكا‪ ،‬حيث وضع مذهب الرواقية نصب عينيه‬
‫العالقة بين الكون وأجزائه‪ .‬وتواف ًقا مع هذا الرأي‪ ،‬فإن النوما أو الروح‬
‫الحيوية ُيقابل كل نتائج المادة بانسجام كوني لألجزاء مع الكل‪ .‬وكما‬
‫يقول إبكتيتوس في ‪“ :Discourses 1.4.1‬كل األشياء مترابطة ببعضها‪،‬‬
‫وتتأثر أشياء األرض بما هو سماوي”‪ ،‬ولكن ما نراه في الدراما مشهد‬
‫مريب لهذا االنسجام‪ ،‬وفكرة ضعف المرء أو التهوين من شأنه بإمكانها‬
‫أن تعطل اللوجوس العقالني المنسجم الذي يعكس وجهة نظر المذهب‬
‫عن العالم الذي قد نصل إلى إدراكه بالفهم والعقل‪ ،‬وهكذا نرى العالم‬
‫يرتجف وقانون السماء يضطرب في عبارات مسرحية ميديا‪ ،‬والشمس‬
‫تحجب وجهها خجلاً من جريمة أتريوسفي مسرحية ثيستس‪ ،‬وتختفي‬
‫أصوات الجوقة بعد افتضاح نوايا فيدرا الخفية‪ ،‬وبشارة هوريفك التي‬
‫تنذر بما ّ‬
‫يحل في طروادة في مسرحية فيدرا‪ .‬وتختلف مسرحيات سينيكا‬
‫عن التراجيديا اليونانية‪ ،‬حيث ال دور فيها للمؤسسات المدنية أو حتى‬
‫تتدخل في هذه العالقة‪ ،‬ومعالجة مفهوم األرباب غير المغلوطة فيها‪،‬‬
‫ويدعو جيسون القراء لمطالعة مسرحية ميديا التي ترى أنه ال يوجد رب‬
‫في السماوات‪ ،‬والعربة التي كانت تجنح هي دليل على العون الرباني‪،‬‬
‫فاألرباب معضلة ال يمكن معالجتها هنا‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫إن الشخصيات الرئيسة في ميديا وثيستس مثيرة للقلق ال ألنها تنتصر‬
‫دائما‪ ،‬ولكن ألن طريقة نصرها تتوافق مع غاية الطموح الرواقي‪ ،‬حيث‬
‫ً‬
‫تتبنى وصاياهم موق ًفا بعينه تجاه العالم‪ ،‬وهو التخلي عن الروابط العائلية‬
‫واالجتماعية ورفضهم للنظام األخالقي للعالم من حولهم‪ ،‬ومحاولتهم‬
‫العيش في أنويتهم باعتبارها أفضل صورة للحياة‪ .‬وطغاة سينيكا مثل‬
‫خاصا ومستقلاًّ حول ذواتهم ال يمكن اختراقه‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫عالما‬
‫حكمائه‪ ،‬فهم يبنون ً‬
‫وهم ال يستنكرون ذواتهم‪ .‬وهناك انقسام في الحوار مع النفس بين‬
‫الضرورة األولى وهي رغبة النفس‪ ،‬والضرورة الثانية وهي الحكم عليها‪،‬‬
‫اعتبارا الئ ًقا كمبدأ حاكم لهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهم يختارون‬

‫وهذا يؤدي بدوره إلى طابع بعد مسرحي ‪ metatheatrical‬في عديد‬


‫من المسرحيات‪ ،‬ففي مسرحية ميديا على سبيل المثال تظهر ميديا وهي‬
‫تنظر إلى فصول سابقة في قصتها لتكتشف ما هو مناسب لشخصيتها‪،‬‬
‫وأوديب عندما يغلق عينيه يالحظ أن “هذا الوجه يليق به هو” أو كما‬
‫يقول أتريوس‪“ :‬هذه جريمة‪ ،‬هذا الوجه يناسب ثيستس ويناسب أتريوس‬
‫أيضا” ‪ ،Thyestes 271‬ويبدو أن طابع ما بعد المسرحية يعلو على اهتمام‬ ‫ً‬
‫النخب الرومانية التقليدية‪ ،‬حيث إنها تعرض أفعالاً مثالية قد ُيجمع عليها‬
‫الجمهور وهي تتبنى مثالية أخالقية بعينها‪.‬‬

‫وقد ناقش الباحثون باستفاضة مسألة أداء مسرحيات سينيكا على‬


‫قديما‪ ،‬ويرى الباحث األلماني فريدرك ليو في القرن التاسع‬
‫ً‬ ‫المسرح‬
‫عشر أن هذه التراجيديات ُكتبت لإلنشاد فحسب‪ ،‬فمن غير المعتاد أو من‬
‫المحال تجسيد التضحية الحيوانية والقتل على المسرح‪ ،‬ويبقى السؤال‬
‫بال جواب‪ ،‬ولكن سواء أكان الجمهور العادي في المسرح أم في مقصورة‬
‫اإلنشاد‪ ،‬فإنهم يشاركوننا معرفة كاملة بكيفية تحول القصة‪ ،‬وتشابه ذواتهم‬
‫‪26‬‬
‫مع الشخصية الرئيسة في الواقع‪ ،‬وإن سعادتنا في مشاهدة دراما سينيكا قد‬
‫توسع مداركنا حين نالحظ سعادة هذه الشخصيات التي تئن من األلم‪،‬‬
‫ويقول سينيكا في مسرحية طروادة في سطر شهير للرسول الذي يأتي‬
‫بأخبار عن قاتل أستياناكس ويقص مشهد موت أستياناكس ويجسده‬
‫للمسرح‪“ :‬الجزء األكبر من الحشد المكتظ يمقت الجريمة ويشاهدها”‪،‬‬
‫وهذا التوتر بين هاجس السادية والفزع الذي تعرضه دراما سينيكا يمكننا‬
‫من التعرف على عدم رضى المشاهدين من مسرحيات سينيكا البائسة‪.‬‬

‫دراما سينيكا بعد المرحلة الكالسيكية‪:‬‬


‫تُوِّجت دراما سينيكا مرتين‪ ،‬إحداهما في الفترة اإلليزابثية‪ ،‬واألخرى‬
‫قديما حتى‬
‫ً‬ ‫في يومنا هذا‪ ،‬ولم يشر سينيكا إلى تراجيدياته‪ ،‬وكانت معروفة‬
‫عند بؤثيوس ‪ 524-480‬م الذي وضع عزاءه للفلسفة على غرار قصائد‬
‫سينيكا الغنائية‪ ،‬وقد غابت دراما سينيكا عن األنظار‪ ،‬إلى أن نشر باحث‬
‫دومنيكي ‪-‬هو نيقوال تريفيت‪ -‬طبعة شعبية لها وعلق عليها عام ‪1300‬م‪،‬‬
‫وعقب عمل نيقوال بقرنين ظهرت ترجمات عامية في اللغة اإليطالية‬
‫والفرنسية واإلسبانية‪ ،‬فقد قلدها ألبرتينو موساتو‪1329 -1261‬م في‬
‫إيطاليا‪ ،‬وكتب على غرارها مأساته إكيرينيس ‪ Ecerinis‬لتحذير صديقه‬
‫باديونس من خطر طاغية فيرونا‪ ،‬وترجم جاسبر هيوود ‪Jasper Heywood‬‬

‫الكاهن اليسوعي والشاعر عام ‪1598 -1535‬م ثالث مسرحيات‬


‫لسينيكا‪ ،‬وتال هذه الترجمات عام ‪1581‬م ترجمة توماس نيوتن لدراما‬
‫تين ‪ Tenne‬إلى اللغة اإلنجليزية‪ .‬وال ُتعتبر هذه الدراما مجرد ظل شاحب‬
‫لسابقتها اليونانية‪ ،‬وقد تمسك باتريك وسليوتاتي وسكليجر بأن دراما‬
‫سينيكا ليست أقل شأ ًنا من الدراما اليونانية‪ ،‬وقد وضع سكليجر سينيكا‬
‫‪27‬‬
‫في بحث له عن ِّ‬
‫الشعر على قدم المساواة مع الدراميين اليونان‪ ،‬بل إنه قد‬
‫يفوق يوربيديس في األناقة واأللمعية‪.‬‬

‫نموذجا للترجمة‬
‫ً‬ ‫وأخذ َّ‬
‫الكتاب المسرحيون في عصر إليزابيث سينيكا‬
‫والمحاكاة‪ ،‬وزعم ت‪ .‬س‪ .‬إليوت أنه “ما من مؤلف أ َّثر بعمق على العقل‬
‫اإلليزابيثي أو صورة التراجيديا في عصر إليزابيث بقدر ما فعل سينيكا”‪،‬‬
‫وهناك إجماع على أن إليوت كان مح ًّقا فيما قال‪ ،‬ولعل من العجب أن‬
‫ُيحكم على سينيكا في العصر الذي كان ينظر إلى التراجيديا على أنها‬
‫تمثيل صائب لألنفة والتكبر والطموح والفخر والظلم والغضب والحسد‬
‫والكراهية والخصومة والنهب والخيانة والغدر وجميع أنواع الشرور‪.‬‬

‫وقد قرأ كيد ومارلو ومارستون وشكسبير سينيكا في المدرسة‪،‬‬


‫وتبين أعمالهم الدرامية تأثير سينيكا فيهم بشكل أو بآخر‪ ،‬فالمتجولون‬
‫في إلسينور في رواية هملت لشكسبير يعبرون عن رأيهم قائلين‪“ :‬ليس‬
‫سينيكا ثقيلاً وال بلوتوس خفيفًا”‪ ،‬ويبين تيتوس أندرونيكوس في‬
‫شكسبير التأثير األكبر لسينيكا بتوقه لالنتقام واالغتصاب وضرب األعناق‬
‫والسحل والجنون‪ ،‬وفي ريتشارد الثالث وماكبث لشكسبير أمثلة للمتهور‬
‫والمكتئب والطموح بين أبطال الرواية المتعطشين للسلطة‪ ،‬وكما نرى‬
‫مثل هذا التأثير في دراما توماس كيد التراجيدي اإلسباني حيث تتحدث‬
‫عن هاجس االنتقام عند األشباح من وراء القبور‪.‬‬

‫ويرتبط محتوى األعمال الدرامية عند سينيكا بالدرس األخالقي‬


‫دائما‪ ،‬ورأى تريفيت في تقديمه لمسرحية ثيستس أنها تعلم الصحيح‬
‫ً‬
‫من األخالق‪ ،‬كما أنها عرض بسيط إلمتاع الجمهور‪ ،‬وقد دافع اليسوعي‬
‫مارتن أنطونيو ديلريو ‪1608 -1551‬م‪ ،‬وكذلك موساتو من قبله عن‬
‫‪28‬‬
‫توجيها‬
‫ً‬ ‫استخدام الدراما الرومانية في التعليم المسيحي حيث إنها تفترض‬
‫يتزيا بالحكمة‪ ،‬وتراجعت دراما سينيكا بعد منتصف القرن السابع لسوء‬
‫السمعة‪ ،‬وانتهز الشاعر جون درايدن فرصة تقديمه لمسرحية أوديب‬
‫لينتقد سينيكا ونصوص كورنيي قائلاً ‪« :‬إن سينيكا يلهث خلف التعبيرات‬
‫الطنانة والجمل الرمزية والمفاهيم الفلسفية التي تصلح للدرس أكثر من‬
‫المسرح»‪ ،‬واستخدم التراجيدي الفرنسي جان راسين ‪1699 -1639‬م‬
‫نموذجا في مسرحيته فيدرا‪ ،‬وا َّدعى في الوقت نفسه أن والءه‬
‫ً‬ ‫سينيكا‬
‫األساسي ليوربيديس‪ .‬وليس هذا مستغر ًبا؛ ألن الرومانسيين ال يجدون‬
‫وقتًا ليحبوا سينيكا‪ ،‬وقد طفح االهتمام في اآلونة األخيرة بجوانب‬
‫األداء واألدب في دراما سينيكا بعد ظهور الطبعات الجديدة والدراسات‬
‫األكاديمية وبعض من العروض المسرحية لها‪ ،‬وتجدر اإلشارة هنا إلى‬
‫طبعة سارة كين المعدلة لمسرحية فايدرا التي ظهرت في نيويورك في مايو‬
‫‪1996‬م‪ ،‬وكتاب مايكل إليوت «دراما أوديب بعد الهولوكست» بجامعة‬
‫حيفا في إسرائيل في ‪2005‬م‪ ،‬وإخراج جوان أكاالتيس لمسرحية ثيستس‬
‫على مسرح محكمة شيكاغو ‪2007‬م‪.‬‬

‫وهناك مالحظة على هذه الترجمة‪ ،‬وهي أنها صيغت بشكل يوافق‬
‫االصطالح اإلنجليزي نظيره الالتيني بدقة متناهية ووضوح‪ ،‬وتوازي‬
‫الشعر‪ ،‬والقصد من هذه الترجمة هو وضع بنية‬‫أسلوب النثر مع ِّ‬
‫لعمل تفسيري‪ ،‬أكثر من كونها نقلاً لتفسيرات شخصية‪ ،‬وهي تتجنب‬
‫االصطالحات التي تنطوي على مضامين أخالقية مسيحية ويهودية‪ ،‬وإذ‬
‫توضيحا ألسماء األعالم‬
‫ً‬ ‫اقتضت الحاجة إلى تفسي ٍر وضعنا في الهامش‬
‫في األساطير والجغرافيا‪.‬‬

‫‪29‬‬
30
‫الرسالة‬
‫طلب آنيوس نوفاتوس ‪ Annaeus Novatus‬أخو سينيكا في منتصف القرن‬
‫األول الميالدي تقري ًبا ‘أن يصف له ملط ًفا للغضب’ (‪ ،)1.1.1‬وهذا على أي‬
‫حال ما يذكره سينيكا في الجملة األولى من الكتاب األول للغضب(‪ ،)1‬والكتابة‬
‫– أو الزعم من الكتابة‪ -‬استجابة لهذا الطلب وهو أسلوب قديم لرسائل التهذيب‪.‬‬
‫والمفهوم أن ‘أنت’ الذي يعالجه سينيكا على مدار الرسالة يمثل مجموعة واسعة من‬
‫الناس غير نوفاتوس نفسه‪ .‬والنمط المقنع هو الشكل الذي يعطيه سينيكا في رده‪،‬‬
‫وهو توليفة من النظرية والعالج والذي يفترضه األخير أنه هو السبب األول‪ .‬ويتبع‬
‫سينيكا التراث الرواقي خاصة الفيلسوف العظيم خريسبوس (تقري ًبا ‪207 -280‬‬
‫المدون في أربعة كتب ُقدمت بنفس الطريقة‪ ،‬حيث‬
‫َّ‬ ‫ق‪.‬م) في كتابه عن االنفعاالت‬
‫يبدأ بفهم االنفعاالت قبل أن يعطي نصيحة بكيفية مداواتها‪ .‬وقد سبق شيشرون‬
‫في مناظرات توسكوالن ‪ Tusculan Disputations‬سينيكا في معالجة موضوع‬
‫الغضب بمائة عام –وهي المناقشة الالتينية الكالسيكية الوحيدة عن االنفعاالت‪،‬‬
‫وهي أكثر امتدا ًدا من معالجة سينيكا‪ -‬حيث فسر وخفف الحزن على وجه أخص‬
‫في الكتاب الثالث‪ ،‬واالنفعاالت بشكل عام في الكتاب الرابع(‪.)2‬‬
‫‪31‬‬
‫‘عالجا’‪ ،‬وال يبدو هذا غري ًبا‬
‫ً‬ ‫إن فكرة استجاباتنا الفاعلة للحياة قد تتطلب‬
‫في ثقافة الوعي بالعالج وال فريدً ا عند الرواقية في العصور القديمة‪ :‬فعلى سبيل‬
‫المثال وضع فيلوديموس ‪ Philodemus‬األبيقوري في القرن األول الميالدي‬
‫عالجيا في كتابه عن الغضب‪ ،‬وكتب بلوتارخ ‪-‬وهو من أتباع أفالطون‪-‬‬
‫ًّ‬ ‫قسمًا‬
‫ولكن الرواقيين تناولوا الموضوع‬
‫َّ‬ ‫في التحكم في الغضب بعد جيلين من سينيكا‪،‬‬
‫لمطالب ملحة‪ ،‬وهم فحسب ‪-‬من بين المذاهب الفلسفية القديمة‪ -‬الذين اعتقدوا‬
‫شر في حد ذاتها‪ ،‬ألسباب سوف ننظر فيها أدناه‪،‬‬
‫جميعا ٌّ‬
‫ً‬ ‫أن االنفعاالت كما نعرفها‬
‫فالعالج المؤكد الوحيد لالنفعاالت هو استئصالها‪ ،‬واتبعوا هذا االعتقاد‪ ،‬وركزوا‬
‫على الغضب ألنه من المؤثرات المخيفة‪ .‬ويقسم سينيكا كتبه الثالثة إلى نصف‬
‫تقري ًبا‪ :‬ففي الكتاب األول والنصف األول من الكتاب الثاني يعرف الغضب في‬
‫االصطالحات الرواقية الرشيدة‪ ،‬ويدافع عن مفهوم الغضب ضد االعتراضات‬
‫الموجهة إليه‪ ،‬ويحلل تعاقب اإلدراكات الحسية واألحكام التي تشكل االنفعال‪،‬‬
‫ومن ثم يتحول إلى عالج الغضب في بقية الكتاب الثاني‪ ،‬ويأخذ المنحى ذاته في‬
‫الكتاب الثالث(‪ ،)3‬وتناول النظرية أولاً ثم العالج في القسمين التاليين‪ ،‬وفي النهاية‬
‫يمكننا أن نتأمل تصور سينيكا لجمهوره وطريقة حديثه لمداواتهم‪.‬‬

‫النظرية‪:‬‬
‫تعامل الرواقية االنفعاالت على أنها مركزية لألخالق بدرب أو درجة ال تجد‬
‫لها مثيلاً في األنساق الفلسفية القديمة األخرى‪ :‬ولن نمضي بعيدً ا لقول أن فهم‬
‫األفكار الرواقية عن االنفعاالت يتطلب فهم األفكار الرواقية عن اإلنسان‪ ،‬ولحسن‬
‫الطالع لسنا في حاجة لمحاولة فهم الغايات المطروحة؛ ألن كتاب سينيكا عن‬
‫الغضب ذاته قد نحا بعيدً ا عن االعتبار الرواقي لالنفعاالت(‪ ،)4‬وألن سينيكا قلل‬
‫التركيز عن النظرية ألجل العالج المبني عليها‪ ،‬وأنه يرجع للسابق بقدر ما هو‬
‫‪32‬‬
‫ضرورة لالحق(‪ )5‬ويمكننا حذوه‪ ،‬ويرسم في البداية بعض المبادئ العامة بطرح‬
‫معتدل قبل أن يركز على المحاور الرئيسة التي يتعامل معها‪.‬‬

‫ونبدأ باعتبار البشر المعياريين الذين يمثلون المثال الرواقي‪ ،‬وهؤالء َمن‬
‫يدركون العيش بأفضل حياة لإلنسان‪ :‬حيث الحكيم‪ .‬وهؤالء الناس إن وجدوا‬
‫(وقد وجدوا وهم استثنائيون) فإنهم سوف يعيشون على غرار الطبيعة –لقولهم‬
‫المعتني ينظم العالم‪ -‬و ُتجهزهم للعيش‪ :‬ومن ثم فإن أفضل حياة في‬
‫إن الرب ُ‬
‫المذهب الرواقي هي ‘الحياة وف ًقا للطبيعة’‪ ،‬وهناك عنصران للتجهيزات الطبيعية‬
‫وهما هامان في ذاتهما وفي تأثيرهما على االنفعال‪ ،‬والتجهيز األول هو دافع‬
‫ً‬
‫تجاوزا ‘غريزة البقاء’ ويسميه الرواقيون النزوع ‪:oikeiosis‬‬ ‫فطري ونطلق عليه‬
‫حيث نعتد بشكل طبيعي من الطفولة المبكرة بأنفسنا على أنها موضوعات تخص‬
‫شواغلنا‪ ،‬وهذا الشاغل يدفعنا للسعي إلى ما يعزز عافيتنا ووجودنا الحسن(‪،)6‬‬
‫والتجهيز الثاني وهو أهم هبات الطبيعة حيث قدرة العقل في البشر الناضجين‪،‬‬
‫وهي فريدة عندهم دون الحيوانات ويشاركون بها األرباب‪ ،‬وأفضل حياة بسيطة‬
‫عنصري بنيتنا الطبيعية إلى حد كبير‪ ،‬وذلك باستعمال عقولنا‬
‫َ‬ ‫تتضمن الجمع بين‬
‫للسعي إلى هو خير لذواتنا‪.‬‬

‫ولكن األمر ليس بهذه البساطة التي ُتظهرها هذه الصيغة؛ ألن –ضربات‬
‫كثيرا منا لديه صعوبة للتعرف على ما هو حسن لنا‪،‬‬
‫الفرشاة هنا يجب أن تتسع‪ً -‬‬
‫بل ما هو خير لنا كمخلوقات حية (وسائل راحة المخلوق)‪ ،‬بل ما هو خير لنا‬
‫ونحن بشر بقدرات بعينها نمتلكها‪ ،‬وإن الشيء الخير الوحيد والجدير باالختيار‬
‫لذاته بسبب هذه القدرات هو الفضيلة‪ ،‬وما هي إال ممارسة متسقة وواضحة للعقل‬
‫(وعلى النقيض والشيء الوحيد الحق الشر في ذاته وهو رذيلة وما هو إال فشل‬
‫للعقل)‪ .‬وإن اتفقت العقول دو ًما على هذا الخير‪ ،‬تصوب كل أحكامنا وتصح‬
‫كل معتقداتنا وتثبت وتتآزر‪ :‬ولن نمتلك مجرد معتقدات بل معرفة‪ ،‬والعقل‬
‫‪33‬‬
‫الواعي لهذا الصنف أحكامه قويمة واختياراته صائبة ويتصرف ‘وف ًقا للطبيعة’‪،‬‬
‫وهذا التصرف بمثابة الخير الغائي وهو الفضيلة فحسب‪ :‬فسمات مثل االعتدال أو‬
‫الوالء والشجاعة ُتسمى فضائل وما هي إال قدرات للعقل الواعي ليقوم باختيارات‬
‫صائبة في ظروف بعينها‪ .‬وبما أن هذه أفعال عقولنا فهي دو ًما تحت سيطرتنا‪ ،‬كما‬
‫يقول الرواقية هي دو ًما في ‘حوزتنا’ – هي األشياء الوحيدة التي نسيطر عليها‪.‬‬
‫ومن ثم فإن الشيء الوحيد الخير في ذاته ح ًّقا ودو ًما هو الشيء الذي نسيطر‬
‫عليه ح ًّقا ودو ًما‪ ،‬وبالمثل هو ح ًّقا للشيء الوحيد الذي هو ح ًّقا ٌّ‬
‫شر في ذاته‪ .‬وكل‬
‫األمور الخارجة عن حركات عقولنا –الصحة والمرض والثروة والفقر والحب‬
‫والفقد‪ -‬هي أمور محايدة‪ :‬ليست لها تأثير على حياة البشر الفاضلة‪ ،‬ومن المؤكد‬
‫أنه بمقدورنا أن نفضل الصحة على المرض وأن نقوم على نحو عاقل للحصول‬
‫على ما نفضله‪ ،‬وعلينا أن ال نخطئ فيما نفضله وهو خير في ذاته أو نسعى إلى ما‬
‫نفضله كما لو كان غاية في ذاته‪.‬‬

‫والخير الفريد يتفرد ً‬


‫أيضا بسيطرتنا في األخبار الخيرة في األساس‪ ،‬وهذا‬
‫جميعا كما أشرت هو‬
‫ً‬ ‫في اعتبار المذهب الرواقي هو التفاؤل‪ ،‬ولكن بالنسبة لنا‬
‫صعوبة‪ :‬ألن تطورنا العقلي ليس مكتملاً ‪ ،‬وأن هذا التطور يميل إلى االنحطاط‬
‫أو سوء التوجيه بتربيتنا والمؤثرات الثقافية الواسعة‪ ،‬ومن المؤكد أننا سوف‬
‫نخطئ التعرف على الموضوعات الخارجية كخيرات أو شرور أصيلة‪ ،‬ولذا‬
‫سوف نقوم باالختيار ‪-‬على األقل على نحو منتظم‪ ،‬وفي بعض الحاالت بشكل‬
‫دائم‪ -‬وال نتفهم ما هو خير ح ًّقا‪ ،‬وهذا اعتبار المذهب الرواقي للتشاؤم في‬
‫األساس‪.‬‬

‫ولطرح هذه المسألة باصطالحات محددة تستحضر لنا موضع االنفعاالت‬


‫يمكن أن نفكر في القياس التالي‪:‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ - A‬عندما يحضر ما هو خير لي‪ ،‬فمن المناسب لعقلي أن يستوعب (ونسميه‬
‫في االصطالح الرواقي ‘الغبطة’ أو ‘البهجة’)‪.‬‬

‫‪ - B‬وهذا النوع من ‪ n‬خير لي‪.‬‬

‫‪ - C‬وهذا النوع من ‪ n‬حاضر اآلن‪.‬‬

‫والنتيجة – من المناسب اآلن لعقلي أن يستوعب(‪.)7‬‬

‫وهذه النتيجة من وجهة نظر الرواقية كاذبة عندما يكون أي شيء آخر غير‬
‫حاضرا؛ ألن المقدمة ‪ B‬صادقة فقط عندما يكون المحمول ‘هو خير لي’‬
‫ً‬ ‫الفضيلة‬
‫ستكون الفضيلة هي موضوعه‪ ،‬ومع ذلك من المرجح أن أخذ هذه المقدمة لتكون‬
‫صالحة ألعي عد ًدا من األشياء –المال‪ ،‬الجنس‪ ،‬القوة‪ ،‬الهيبة‪ ،‬وما يشبه ذلك‪-‬‬
‫شائع بل خيرات كاذبة‪ ،‬وبالتالي نحن نوافق على نتائج كاذبة(‪ )8‬وعقولنا‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫تستوعب بشكل ال عقالني ومفرطة في حضور الخيرات الكاذبة‪ ،‬وهذه هي تجربتنا‬
‫السعادة النابضة بالحياة‪ ،‬و ُتبنى هذه التجربة في االصطالحات الرواقية على خطأ‪:‬‬
‫وال شيء سوى فعل العقل المتحور في اتجاه الال عقل(‪ ،)9‬وما ينطبق على البهجة‬
‫يصح على كل االنفعاالت الشائعة التي نجربها في استجابة الحضور أو إمكان‬
‫الخيرات الكاذبة أو الشرور الكاذبة‪ :‬وهذا برمته نتيجة لموافقة االنطباعات‬
‫التي ينبغي أن نحجبها عن موافقتنا(‪ ،)10‬واألبعد من ذلك أن نمنح الموافقة أو‬
‫نحجبها بحوزتنا ككائنات عاقلة‪ ،‬وليست انفعاالتنا مجرد تشوهات للعقل بل هي‬
‫أخالقيا عن انفعاالتنا الشائعة وأي‬
‫ًّ‬ ‫تشوهات طوعية‪ .‬وباختصار نحن مسؤولون‬
‫أفعال نقوم بها عندما نكون في قبضتها‪ ،‬وتشهد انفعاالتنا الشائعة على مدى فشلنا‬
‫في قياس هذه المسؤولية(‪ ،)11‬ولهذا السبب تسعى الرواقية إلى أن تخلصنا من كل‬
‫االنفعاالت التي تشكل حيواتنا اليومية‪ :‬حيث الشكل المشوه واالنفعاالت ذاتها‬
‫التي ليست إال أحكا ًما خاطئة واحدة تلو األخرى‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫ويقودنا هذا إلى الغضب الذي يصفه سينيكا بأنه رغبة قوية لالنتقام عندما‬
‫ً‬
‫«خطأ»(‪ ،)12‬والجملة الكاملة لكيفية عمل االنفعال‬ ‫تحكم بأنك ُضررت ً‬
‫ظلما‬
‫في (‪« :)2.4.1‬هناك حركة طوعية أولية – ُتعد االنفعال بما عليه وهي إشارة‬
‫التهديد‪ ،‬والحركة الثانية يرافقها تعبير إلرادة ال ُتحل بعناد ألثر "سوف أنتقم ألنني‬
‫تعرضت لألذى»‪ ،‬أو «ينبغي أن ُيعاقب هذا الرجل ألنه اقترف جريمة»‪ ،‬والحركة‬
‫الثالثة تخرج عن السيطرة بالفعل حيث لن يرغب في انتقام إال إذا كان مناس ًبا‪،‬‬
‫ويسلك هذا الطريق ويطيح بالعقل"‪.‬‬

‫إن الحركات التي يتحدث عنها سينيكا هي حركات للعقل‪ ،‬وجدير أن تالحظ‬
‫أن كل حركة منهم تخضع لسيطرتنا‪ ،‬وكما بين سينيكا في (‪ )3.5–2.2.1‬أن‬
‫الحركة األولية‪‘ -‬لطمة’ أو ‘هزة ‪ – ’ictus‬هي إحاطة أولى بأن شيئًا ما قد يحدث‬
‫لتغير حالتنا النفسية والجسمية‪ ،‬ونحن نجربه بشكل ال إرادي – سينيكا يقارنه‬
‫على سبيل المثال برجفة عند رش الماء البارد أو المغلي‪ -‬وهو في الحقيقة ال‬
‫إرادي وجزء ال يتجزأ من بنيتنا الطبيعية‪ ،‬وهو مجرب حتى مع من له عقل كامل أو‬
‫حكيم(‪ )13‬والحركة الثانية علة واضحة الحقة للطمة األولية غير الطوعية تدركها‬
‫على أنها ‘خطأ’ (واألحرى قول إنها دفقة لماء بارد) وتخيل أنها فعل مناسب لهذه‬
‫العلة (الشروع في االنتقام بدلاً من انتزاع المنشفة)‪ :‬وفي هذه المرحلة ُتمنح الموافقة‬
‫أو ُتحجب‪ ،‬فإذا منحنا الموافقة ُنجرب المرحلة الثالثة –الغضب المناسب‪ -‬وهي‬
‫‘اإلطاحة بالعقل’‪ :‬وفي هذه المرحلة توجه عقولنا نحو الرذيلة‪ ،‬وال تقع حركتها‬
‫تحت سيطرتنا كما كانت في الهزة األولى‪ .‬والحقيقة أن سينيكا في نقطة بعينها‬
‫يرجع إلى التراث الرواقي ويقارن الحركة بإلقاء النفس من الجرف(‪.)14‬‬

‫ومن الواضح إ َذنْ أنه من الضروري أن نحصل على الحق في الحركة الطوعية‬
‫قادرا على‬
‫الثانية عندما «يعتقد امرؤ أنه تعرض للضرر‪ ،‬ويريد أن ينتقم» وال يزال ً‬
‫مطيعا للسبب" (‪ .)2.3.4‬وبالمثل يعني‬
‫ً‬ ‫حجب الموافقة؛ ألن "عقله ال يزال‬
‫‪36‬‬
‫الحصول على الحق في الحركة التفكير الذي ينطوي‪« :‬ينبغي أن أنتقم ألنني‬
‫تضررت» وإذا فككنا هذا الفكر وعبرنا عنه بقياس‪ ،‬فإنه يظهر على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ُ‬

‫‪ - A‬أبحث عن ما هو خير مناسب لي‪.‬‬

‫‪ - B‬رغم أن االنتقام خطأ‪ ،‬فهو خير لي‪.‬‬

‫تضررت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ - C‬قد‬

‫والنتيجة‪ :‬من المناسب أن أسعى اآلن لالنتقام‪.‬‬

‫إن الفكر الموصوف بالنتيجة هنا ُيطابق االنطباع الذي يمنح الغضب قوته‬
‫الدافعة‪ :‬فإذا وافقت هذا االنطباع – إذا ألزمت نفسي بصدقه‪ -‬فسوف أسعى لالنتقام‬
‫بال مقاومة كما يقول سينيكا(‪ ،)15‬وإن حجب الموافقة يعتمد على االعتراف بخطأ‬
‫واحد أو أكثر من المقدمات التي تستند عليها النتيجة – القضايا ‪  A‬و‪ B‬و ‪– C‬‬
‫ومن الواضح أنها قضايا متنوعة‪ ،‬فالقضية ‪ُ C‬تطابق ً‬
‫نوعا آخر من االنطباع وهو‬
‫ظلما») ينهض من حدث‬
‫تصور تقييمي (ليس إال «قد ضررت» ولكن «تأذيت ً‬
‫جديد‪ ،‬والقضية ‪ A‬و‪ B‬على النقيض ليست انطباعات جديدة بل اعتقادات‬
‫ثابتة‪ ،‬والتصورات مكتسبة على الدوام قبل الحدث ذات الصلة‪ ،‬ومن الواضح‬
‫أنواعا مختلفة لالعتقاد‪ ،‬فالقضية ‪ A‬اعتقاد صادق تنشأ عن "التناسب"‬
‫ً‬ ‫أن هناك‬
‫الذاتي ‪ ”the self-“appropriation‬وتالحظ كجزء من بنيتنا البشرية‪ :‬ربما‬
‫طبيعيا»‪ ،‬والقضية ‪ B‬على النقيض ألنها نتاج ثقافي وهي‬
‫ًّ‬ ‫حتى ُنطلق عليها «اعتقا ًدا‬
‫في االصطالح الرواقي فعل خطأ من جهتين؛ ألنها تتغافل فضيلة "العيش وف ًقا‬
‫للطبيعة" وهكذا يمكن تسميتها بأنها «خير لي»‪ ،‬وألنها تحول المسمى بدلاً من أن‬
‫تفعل المردود غير العاقل الذي يخطئ في طبيعة العقاب العادل(‪ ،)16‬وبالتالي فإن‬
‫حجب الموافقة ينبغي أن يترك القضية ‪ A‬دون شك بل يعتمد على أن االعتراف‬
‫باالعتقاد الثقافي ‪ B‬خاطئ أو االعتراف بأن االنطباع الجديد ‪ C‬ال أساس له أو غير‬
‫‪37‬‬
‫جدير بالثقة أو ربما بكليهما‪ ،‬وبالتالي عندما يحاول أن يعالجنا من الضعف تجاه‬
‫الغضب ينبغي أن يستمر عالجه بمهاجمة العناصر نفسها‪ ،‬وسوف تنجح في تدمير‬
‫االعتقاد الخاطئ على نحو أمثل‪ ،‬والتساؤالت التي سوف ننتقل إليها توضح كيفية‬
‫عالجه لهذه األمور‪.‬‬

‫العالج‪:‬‬
‫يشير سينيكا في منتصف الكتاب الثاني أنه انتهى من مناقشة الجانب النظري‬
‫– قائلاً «التساؤالت التي تثير الغضب» – وسوف يبدأ في عالجنا‪« :‬دعونا ننتقل‬
‫لمدواته" (‪ ،)2.18.1‬فهو يحدد في البداية «هدفين رئيسين‪ :‬أال نقع في الغضب‪،‬‬
‫وأال نرتكب الخطأ أثناء الغضب»‪ ،‬و ُتغطي هذه األهداف مباشرة على أنها «مقاومة‬
‫للغضب» و«كبح للغضب» (‪ ،)2.18.1‬والهدف الثاني يصيب في الحال‬
‫مالحظة هاجسة بقدر ما يوحي وصفها –على نحو دقيق كما نراها‪ -‬وهذا الهدف‬
‫عالجا بالفعل بمعنى يناقض الحالة المريضة كما السيطرة على الضرر‪،‬‬
‫ً‬ ‫ليس‬
‫وبميزان الكتاب يقدم سينيكا نصيحة بشأن تجنب الغضب (وسوف ننظر في‬
‫طبيعة النصيحة أدناه)‪ ،‬وإن كنت راض ًيا عن تحقيق الهدف األول سوف ننتقل إلى‬
‫الكتاب الثالث متوقعين منه معالجة الهدف المتبقي –كبح الغضب‪ -‬وقد أكدت‬
‫الجملة األولى هذا التوقع «سوف نحاول يا نوفاتوس أن نقوم بما تريده‪ :‬نستأصل‬
‫الغضب من عقولنا أو على األقل كبحه وإبطاء مداهمته» (‪.)3.1.1‬‬

‫ولكن ليست األمور بهذه البساطة‪ ،‬وقبل أن نتحول إلى الحجة المناسبة يذكرنا‬
‫ننظر(‪)17‬‬ ‫سينيكا مرة أخرى وبطريقة مختلفة كيف يكون الغضب مخي ًفا‪ ،‬وعندما‬
‫(‪)18(:)3.5.2‬‬ ‫في موضوع المناقشة نجد أن الغرض من الكتاب اختلف اآلن‬
‫“حيث إن الغاية األولى ليست الغضب‪ ،‬والثانية التوقف عن الغضب‪ ،‬والثالثة‬
‫معالجة غضب آخر‪ ،‬وسوف أخبرك أولاً عن تجنب الخضوع للغضب‪ ،‬وكيف‬
‫‪38‬‬
‫وأخيرا كيف نكبح جماح المرء الغاضب‪ ،‬ونرده إلى رشده”‪.‬‬
‫ً‬ ‫نحرر أنفسنا منه‪،‬‬

‫وهكذا يتناول الجزء األول تجنب الغضب (‪ )9.5–3.5.3‬ويتناول الهدف‬


‫الذي تمت معالجته بالفعل في ‪ ،36–2.18‬وفي الجزء الثاني المطول (‪–3.10‬‬
‫‪ )38‬يبدأ سينيكا في معالجة حاجة "كبح" الغضب – بالتعرف على بدايته وتحولها‬
‫(‪ )13.5–12.5 ،2–3.10.1‬وهو يقدم نصيحة عملية للقيام بها (‪–3.13.3‬‬
‫‪ )5‬وأمثلة تاريخية إلثبات إمكانية القيام بها (‪ .)15.2–3.14.1‬ولكن التمييز‬
‫بين تحول الغضب وبدايته والبقاء عليه بعيدً ا عن بدايته ربما يكون ضعي ًفا لإلبقاء‬
‫عليه‪ :‬وأكثر منها في ‪ 15–3.10‬وكل شيء بعدئذ ليس مجرد عرض‪ ،‬فهو يستأنف‬
‫النصيحة التي منحها لمنع الغضب(‪ ،)19‬ويتحول في نهاية الكتاب إلى معالجة‬
‫غضب شخص آخر (‪ ،)40–3.39‬ثم يستدعي عقولنا عن طريق العالج‪ ،‬وما‬
‫سميناه بالضبط اآلن يعين باالنعزال الممكن عندما تكون الذات ليست المصاب‪.‬‬

‫وال شك أن هذا االختالل بين الوقاية والعالج هو ما ينبغي أن نتوقعه‪ :‬حيث‬


‫إن االستسالم للغضب يشبه في الحقيقة رمي نفسك من الجرف (‪ ،)1.7.4‬وما‬
‫من عالج وراء األمل الضعيف النتزاع بعض ما هو بارز جزا ًفا مثلما تمضي على‬
‫حافة الهوة‪.‬‬

‫وإذا كان المنع هو الهدف الهام في عالج سينيكا‪ ،‬فعلينا أن ننظر في الخيوط‬
‫الرئيسة للنصيحة التي يمنحها‪ ،‬وعلى وجه التحديد في الطريقة التي تجيب بها‬
‫النصيحة على العناصر الناقدة لقياس مسار الغضب‪:‬‬

‫‪ - A‬أسعى إلى ما هو خير مناسب لي‪.‬‬

‫تضررت‪ ،‬وهذا خير لي‪.‬‬


‫ُ‬ ‫‪ - B‬أنتقم ألنني‬

‫تضررت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ - C‬لقد‬
‫‪39‬‬
‫والنتيجة من المناسب أن أسعى لالنتقام‪.‬‬

‫وبتصنيف األجزاء التي لها صلة بالنصيحة إلى مقوالت واسعة عدة‪ ،‬نجد ما‬
‫يلي(‪:)20‬‬

‫‪ -‬تجنب الناس لألنشطة واألحوال التي تثير الغضب ‪،9.5–3.6.3‬‬


‫‪.37.1 ،11.1–10.4‬‬

‫‪ -‬الحكم على أفعال اآلخرين ونواياهم بقسط وانضباط مع إحساس مالئم‬


‫للتناسب‬

‫‪،5–26.3 ،26.1 ،4–3.12.1 ،31.5–2.29 ،27.4–2.22.2‬‬


‫‪.34.2–32.2 ،30.2–28.4‬‬

‫‪ -‬إجراء التماسات لآلخرين والنظر في أسس ألعذارهم ‪،4–3.24.3‬‬


‫‪.3–27.2 ،3–25.2‬‬

‫‪ -‬قم بتقييم نفسك وأفعالك بدقة‪ ،‬وقياس َمن أنت وما تفعله(‪،2.28 )21‬‬
‫‪.37.5 ،36.4 ،35 ،31.3–30.3 ،25.1 ،2–24.1 ،3.12.1‬‬

‫‪ -‬النظر إلى األمور بصبر أو دعابة هادئة ‪،13.6 ،4–11.2 ،6.2–3.5.8‬‬


‫‪.38 ،4–37.2 ،23.8–22.1‬‬
‫‪ -‬الغضب أخرق بعواقب مادية أو تشويه سمعة‪ ،‬لذا يجب النظر في تكلفته(‪)22‬‬

‫‪.32.1 ،28.3–27.4 ،27.1 ،25.4 ،7–3.5.3 ،36.6–2.33.1‬‬

‫‪ -‬إدراك أن المخطئ يعاني بارتكاب الخطأ ‪.3.26.2 ،2.30.2‬‬

‫‪ -‬إدراك أن اإلضرار باآلخر يناقض الطبيعة اإلنسانية ‪.32.3–2.31.6‬‬

‫وقارن هذه المقوالت بعناصر القياس التي تستهدف العالج – االعتقاد الثقافي‬
‫‪40‬‬
‫الخاطئ (للرواقية) وهو أن االنتقام خير واالنطباع الجديد بأن المرء قد يعاني الخطأ‪-‬‬
‫ينتج عنه نتائج واضحة والفتة للنظر‪ .‬وبصرف النظر عن المقولة األولى للنصيحة‬
‫التي تقارن طر ًقا مختلفة لتجنب األحداث حيث يجب على القياس أن يشمل الكل‪،‬‬
‫ومعظم النصائح تهاجم االنطباع األول وليس االعتقاد الثقافي المتأصل‪ ،‬والحكم‬
‫على المهين الظاهر بعدل والبحث عن أسباب لعذره والحصول على معنى معتدل‬
‫لقفره أو لومه‪ ،‬والحفاظ على منظور روح العظيمة إلنسان ُنظر إلى استخفافه الظاهر‬
‫على أنه تفاهة أو مناسب لمزحة‪ :‬وهذه تهدف بكل وضوح إلى إبطال أو تأويل أو‬
‫تعليق فكرة «قد تضررتُ»‪ ،‬وهذه استراتيجيات سينيكا التي يعول عليها في نهاية‬
‫نموذجا لقرائه في ممارسة تمحيص الذات الليلي الذي‬
‫ً‬ ‫الكتاب الثالث‪ ،‬حين يقدم‬
‫يقوم به (‪ ،)23( )38–3.36‬والقليل للغاية يسعى لتفكيك االعتقاد الجوهري وهو‬
‫أن االنتقام خير – وهذا أكثر ما يلفت االنتباه‪ -‬ومعظم هجمات االعتقاد القليلة على‬
‫أسس تعقلية تضغط على كلفة الغضب‪ :‬فاالنتقام مهلكة للوقت ومجهدة للعمل‬
‫ونادرا‬
‫ً‬ ‫(‪ ،)3.27.1‬وتحطيم فم امرئ قد يصدم يدك بسن مكسور (‪،)3.28.3‬‬
‫ما يقدم الحجة األخالقية كعالج لمواجهة القيمة الثقافية المبنية على االنتقام‪ :‬فهناك‬
‫فكرة قدمها سقراط وأفالطون وهي أنه من السيئ للمرء أن يرتكب خطأ أكثر من أن‬
‫يعاني منه – فقرة متأخرة في الكتاب الثاني‪ -‬حيث يتعارض المذهب الرواقي في‬
‫االنتقام مع الطبيعة البشرية(‪.)24‬‬

‫وإنساني مثل غايته‪ ،‬ولكنه يبعد عن نقطة البداية‬


‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫معقول‬ ‫وعالج سينيكا برمته‬
‫المعرفية الثابتة –الرأي القائل بأن أي انفعال مثل العقل قد يعدل بحكم «حوزتنا»‪-‬‬
‫وبالكاد يظهر فيها المذهب الرواقي‪ ،‬والجزء األكبر فيه يبحث عن أساليب منطقية‬
‫لتعديل الطريقة التي نتجاوب بها مع االنطباعات‪ ،‬في حين أنها تقاتل ما يمكن‬
‫حقيقيا‪ :‬حيث االعتقاد المتأصل بعمق بأن‬
‫ًّ‬ ‫وشرا‬
‫أن تعتبره الرواقية قضية جوهرية ًّ‬
‫االنتقام خير‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫وكي تقول إن هذا ليس خطأ سينيكا‪ ،‬األحرى إذا وضعنا في االعتبار أنه ليس‬
‫بارعا‪ ،‬فإننا يمكن أن نستنتج أنه كان لديه حس‬
‫خطابيا ً‬
‫ًّ‬ ‫مجرد فيلسوف بل كان‬
‫خطابي ماهر للجمهور الذي يحاول أن يصل إليه‪ ،‬وقد أخبره هذا الحس أنه حتى‬
‫يصل لمثل هذا الجمهور فمن غير الحكمة أن يراهن على سلطة الفلسفة‪.‬‬

‫المعالج وجمهوره‪:‬‬
‫شكل هذا الجمهور وقفة ساخرة يطلق عليها ‘غرفة قاسية ‪،’tough room‬‬
‫و‘أنت’ الذي يتجسسه سينيكا عندما ينظر إلى كتف أخيه ليخاطب العالم األرحب‬
‫اجتماعيا والمدلل للغاية‪ ،‬ويقود الحية لشرف عظيم‬
‫ًّ‬ ‫وهو الرجل الثري المتواصل‬
‫وراحة في عالم البؤس اليائس‪ :‬حيث يتوقع تبريد مشروبه بالثلوج المقطوعة‬
‫من جبال بعيدة (‪ ،)2.26.4‬ويتوقع أن تكون أثاثات بيته ومتاعه كما ينبغي‬
‫(‪ ،)3.35.5‬ويتوقع أن يدفع له اآلخرون كل ثمين الحترام يعتقد أنه يستحقه‬
‫(‪ ،)2.24.1‬ويتوقع فطنة عبيده في تلبية ما يريده (‪ ،)2.25.1‬ويتوقع مجموعة‬
‫من أشياء أخرى تخدم متعته وإرادته – يريد كل شيء اآلن وفي كل وقت‪ .‬ومن‬
‫المؤكد أن عد ًدا معقولاً من التفاصيل التي ينشرها سينيكا في لوحته تتضمن جمهوره‬
‫ً‬
‫وبعضا مما يقوله ُيخصهم‬ ‫المألوف من العرف شبه الهجائي في الوعظ الروماني‪،‬‬
‫لهذا السبب‪ .‬وال تكتمل الصورة على الدوام عند سينيكا حول تربية األطفال (‪،2‬‬
‫‪ )ff., esp. 2.21 2 ،18‬والتي يقدمها بصورة قوية وغير ساخرة ‪-‬ألنهم يشددون‬
‫على ما ال ينبغي القيام به كمسألة مبدأ‪ -‬ويمكن أن ُيؤخذ إلظهار ما يقوم به غال ًبا‬
‫كحقيقة‪ ،‬وأبناء النخبة يأخذون ثروة آبائهم في سن مبكرة وتفترش أمامهم‪ ،‬وخيبة‬
‫آمالهم الطفيفة تهدأ بفارغ صبر‪ ،‬وسلطتهم االستثنائية على اآلخرين ربما تعرض‬
‫لعبيدهم للضرب من أجل نزوة‪ .‬ويجب أن تنتج هذه البيئة أمراء عظماء ال حصر‬
‫لهم‪ُ ،‬يجمع كل منهم على االعتقاد بأن العالم يدور حوله هو وما يريد‪ ،‬وال تستعمل‬
‫‪42‬‬
‫كلمة ‘ال’ في حضوره(‪ ،)25‬وال عجب أن هؤالء في حاجة لمن يعينهم في معايرة‬
‫أحكامهم على صغائر األمور‪.‬‬

‫وسينيكا بطبيعة الحال لدية القدرة على االقتراب من الوظيفة بطريقة تحليلية‬
‫صارمة متوقعة من فيلسوف‪ ،‬ويعرض في الكتاب الثاني هذا النمط‪ ،‬ويناقش‬
‫بحرص التسلسل المعرفي المتضمن في الغضب في بداية الكتاب (‪)4–2.1‬‬
‫ويقسم المناقشة في النصف الثاني من الكتاب(‪ ،)26‬ولكن األسلوب الذي يجده‬
‫فكثيرا ما يفضل أن يتناول كلمة‬
‫ً‬ ‫نافعا‪،‬‬
‫روحيا (‪ )cf. esp. 2.1.1–2‬أو ً‬
‫ًّ‬ ‫متجانسا‬
‫ً‬ ‫ليس‬
‫‘أنت’ ليهز كتفك‪.‬‬

‫إن اإليماءات القوية هي السمة المميزة لنمط سينيكا‪ :‬حيث الصور المفصلة‬
‫للغاية للغيظ مفتوحة في الكتاب األول والثالث‪ ،‬والنغمة التي تميل للسخرية‬
‫والتهييج (‪ )e.g., 3.26.1f., 32.1, 35‬وردوده على االعتراضات والتوكيدات‬
‫(‪ ،)e.g., 1.3.1–2, 1.6.1, 1.8.4‬ودوره المتفلسف بوضع الكلمات في أفواه‬
‫الممثلين التاريخيين (‪ )e.g., 1.18.6, 3.40.4‬والتكرار الغالب للنقاط والحجج‬
‫التي قد قدمت من قبل بالفعل(‪ ،)27‬وكتالوج األخطاء وأثرها هدف إلثارة اإلعجاب‬
‫التاريخية(‪)28‬‬ ‫بوزنها الهائل (‪ ،).e.g., 1.2.1, 2.9.3, 3.2.3f‬وتكثيف األمثلة‬
‫واالستعداد للتضحية بالوقائع ألجل عبارة مصقولة وقوية واستعمال لغة الحس‬
‫المشترك لتتعارض اصطالحاته مع المذهب الرواقي(‪ ،)29‬وانتُقد سينيكا أحيا ًنا‬
‫بسبب هذا أو ُأسيء فهمه‪ ،‬ولكن من المؤكد أنه ينظر إلى طريقته لتدريس تعاليمه‬
‫حتى تصل إلى جمهوره وتتحدث إليه بلغته(‪.)30‬‬

‫ولو تناولنا سينيكا بمغزى قوله‪ ،‬كان عليه أن ينظر إلى حاجة الوصول إلى‬
‫جمهور على أنها ضرورة أخالقية ال تقل عن االلتزام بإنقاذ غريق بطول ذراعيه‪،‬‬
‫فشر الغضب أخالقي ودنيوي ظاهر‪ ،‬وسينيكا على يقين بأسبابه وعالجه‪ ،‬وكان‬
‫‪43‬‬
ً
‫ ال تقل قوة عن التي‬-‫مرتبطا بمن يعانون بروابط –مثل مسألة المذهب الرواقي‬
‫ فكلنا مرتبطون ببعضنا كما ترتبط أطرافنا بأجسامنا كما‬،)31(‫تربطه بنوفاتوس‬
‫خيرا‬
ً ‫ وهذا الدافع الفطري يحركنا منذ الميالد لما ينبغي أن يكون‬،‫يعتقد الرواقيون‬
‫ وفي محاولة‬.‫ وعندما نصل إلى فهم أفضل ننتقل للبحث عن خير اآلخرين‬،‫لنا‬
‫ مهما اتسع أو‬،‫ وقام بما ينبغي على الرواقية فعله‬،‫وصف لتلطيف الغضب ألخيه‬
.)32(’‫ضاق فهم اصطالح ‘أخ‬

:‫قراءات مختارة‬
Martha Nussbaum. 1994. The Therapy of Desire: Theory and
Practice in Hellenistic Ethics. Princeton, NJ: Princeton
University Press, 316–401.

Tad Brennan. 2005. The Stoic Life: Emotions, Duties, and Fate.
Oxford: Oxford University Press. Margaret Graver. 2007.
Stoicism and Emotion. Chicago: University of Chicago
Press.

:‫اختصارات‬
FGrH Die Fragmente der griechischen Historiker, ed. F. Jacoby.

Leiden: E. J. Brill, 1957–

FLP The Fragmentary Latin Poets, ed. E. Courtney. Oxford:

Oxford University Press, 2003.

LS Long, A. A., and D. N. Sedley, The Hellenistic Philosophers,

vol. 1:Translations of the Principal Sources, with Philosophical

44
Commentary. Cambridge: Cambridge University Press, 1987.

OLD Oxford Latin Dictionary, ed. P. G. W. Glare. Oxford: Oxford

University Press, 1982.

SVF Stoicorum veterum fragmenta, ed. J. von Arnim. 3 vols.

Leipzig: B. G. Teubner, 1903–24.

TGrF Tragicorum Graecorum Fragmenta, ed. B. Snell, R.

Kannicht, S. Radt. 5 vols. Göttingen: Vandenhoeck & Ruprecht,

1971–2004.

45
46
‫عن الغ�ضب‬

‫‪47‬‬
48
‫عالجا ملط ًفا للغضب‪،‬‬
‫ً‬ ‫علي يا نوفاتوس حتى أصف لك‬
‫إنك تضغط َّ‬ ‫‪ 1 - 1‬‬
‫وأستدل من هذا أنك تخشى هذا االنفعال ح ًّقا‪ ،‬فهو بغيض وقريب من‬
‫الجنون(‪ ،)33‬وكل االنفعاالت األخرى الخامدة والساكنة عنه يحتويها‬
‫المرء كلية بهجوم متصاعد (‪ ،)34‬يبدأ برغبة وحشية بإلحاق ألم في قتال‬
‫أو سفك دم في عقاب‪ ،‬فال يهتم بذاته شريطة أن يضر اآلخر‪ ،‬فهو يلقي‬
‫ً‬
‫متعطشا لالنتقام الذي ُسيردي‬ ‫بنفسه نحو األسلحة التي ُتقذف نحوه‬
‫ِ‬
‫المنتقم ً‬
‫أيضا(‪.)35‬‬

‫وقال بعض الحكماء‪ :‬إن الغضب جنون مقتضب(‪ ،)36‬تعوزه السيطرة‬ ‫‪ 2 - 1‬‬
‫على النفس‪ ،‬ويتجاهل اللياقة‪ ،‬ويتغافل عن الروابط الشخصية والنية في‬
‫تحقيق غاياتها بفظاظة‪ ،‬ووقوف عن التروي العقالني‪ ،‬وهياج بال سبب‬
‫حق‪ ،‬وعدم إبطان لتبصر ما هو عدل وحق‪ ،‬مثل المبنى المتهاوي الذي‬
‫يسحق ما يسقط عليه وهو ينهار إلى أنقاض‪.‬‬

‫وبمقدورك أن تقول إن الناس الذين يستولي عليهم الغضب ليسوا‬ ‫‪ 3 - 1‬‬


‫ً‬
‫أعراضا بعينها بتعبير‬ ‫أسوياء بالنظر إلى تصرفاتهم‪ ،‬كما ُيظهر المجانين‬
‫فظ أو متجاوز بجبين محبوك ومالمح حادة وخطوة سريعة ٍ‬
‫وأيد مضطربة‬
‫وبشرة متحولة وتنهد قوي متكرر‪ ،‬لذا فالغاضبون ُيظهرون األعراض‬
‫ذاتها‪ :‬حيث‬

‫تتلظى أعينهم وتستعر‪ ،‬وتتورد وجوههم بشدة باندفاع الدم من أعماق‬ ‫‪ 4 - 1‬‬
‫وشفاههم تترجرج‪ ،‬وأسنانهم تجز‪ ،‬وشعرهم ينتصب‬ ‫القلب(‪)37‬‬

‫لمنتهاه‪ ،‬وأنفاسهم قسرية غير منتظمة‪ ،‬ومفاصلهم تتفلع كما لو كانت‬


‫تتلوى(‪ ،)38‬يتذمرون ويجأرون‪ ،‬وكالمهم ألكن مبتور‪ ،‬يضربون أكفهم‬
‫من فينة ألخرى‪ ،‬ويختمون األرض بأرجلهم‪ ،‬وتهيج أجسامهم كلها‬
‫“بفعل اشتياط الغضب”(‪ ،)39‬ومالمحهم مرعبة ومنفرة للمبغوضين‬
‫‪49‬‬
‫تشوها من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اشمئزازا أو‬ ‫والمتضخمين‪ -‬وصعب أن تقول إن الرذيلة أكثر‬
‫هذا‪.‬‬

‫سرا‬
‫وكل االنفعاالت األخرى التي بمقدورك أن تخفيها أو تحتضنها ًّ‬ ‫‪ 5 - 1‬‬
‫مرئيا على محياك‪،‬‬
‫على خالف الغضب الذي يدفع ذاته لإلمام ويصبح ًّ‬
‫ويتجلى غليانه بوضوح كلما نما‪ ،‬ويقينًا أنك على دراية بالطرائق التي‬
‫تتصرف بها الحيوانات في كيفية التخلي عما يثير الذعر إن تعرضت‬
‫لألذى‪ ،‬فتفقد وعيها المعتاد بأجسامها تما ًما وحالة هدوئها وتبالغ في‬
‫ضراوتها الطبيعية‪.‬‬

‫فترغو الخنازير في فمها وتجز أنيابها لتحدها‪ ،‬وترشق الثيران قرونها‬ ‫‪ 6 - 1‬‬
‫في الهواء الفسيح وتبعثر الرمل بحوافرها الدامغة‪ ،‬وتزأر األسود‪،‬‬
‫و ُت َل ّمع الثعابين رقابها حين تستفز‪ ،‬وتسعر الكالب بالحملقة‪ .‬فال حيوان‬
‫بطبيعته مرعب وال خطر‪ ،‬بل تزداد ضراوته عندما ينتابه الغضب(‪.)40‬‬

‫وال أعي بالطبع بقية االنفعاالت ومن الصعب إخفاؤها‪ ،‬ووجود‬ ‫‪ 7 - 1‬‬
‫الشهوة والخوف والتهور متعين‪ ،‬وبالمقدور التعرف عليها مسب ًقا‪ ،‬وأي‬
‫توترا في تعبير المرء‪ ،‬فما الفارق إ َذنْ ؟‬
‫اضطراب قوي غير معتاد يسبب ً‬
‫إن االنفعاالت األخرى مرئية‪ ،‬ولكن الغضب ُيصنع من ذاته بوضوح‪.‬‬

‫وبالنظر اآلن إلى آثاره المدمرة‪ :‬حيث إنه أكثر كلفة من الوباء لجنس‬ ‫‪ 1 - 2‬‬
‫البشر(‪ )41‬فسفك الدماء والتسمم ودعاوى القضايا وردها(‪ )42‬وتدمير‬
‫أفواجا للبيع في المزاد(‪،)43‬‬
‫ً‬ ‫أمما برمتها‪ ،‬ويقود المواطنين‬
‫المدن قد ُيبيد ً‬
‫ويضع الديار على المشاعل ثم الحريق بال رادع من أسوار المدينة‪،‬‬
‫وتتحول المساحات الفسيحة من األرض المشرقة بمداهمة اللهب‪.‬‬

‫وتأ َّمل المدن ذائعة الشهرة التي يصعب بناء أحجار أساسها اآلن‪ :‬إن‬ ‫‪ 2 - 2‬‬
‫‪50‬‬
‫الغضب قد يسقطها(‪ .)44‬وتأ َّمل األراضي القفر والفيافي التي بال سكان‬
‫ألميال عدة‪ :‬إن الغضب ُيجردها‪ .‬وتأ َّمل قادة عدة معروفين للتاريخ‬
‫بأنهم ٌ‬
‫مثال للمصير القاتم‪ :‬حيث سعى الغضب ألحدهم في سريره‬
‫وطرح اآلخر ميتًا على مائدة عشائه(‪ ،)45‬ومزق وصلاً من أوصال آخر‬
‫على مرأى المحكمة المحتشد وهو في حضن القانون(‪ )46‬وتسبب في‬
‫سفك الرجل لدم ابنه‪ ،‬وشق أطراف آخر على الصليب‪.‬‬

‫‪ 3 - 2‬وال أزال أتحدث عن العواقب التي قد تصيب األشخاص‪ ،‬وأتنحى اآلن‬


‫جان ًبا عن رجل بعينه غار عليه الغضب المتقد‪ ،‬بل أتأمل الجموع التي‬
‫جزها بأسرها والقوم الذين ذبحهم عندما طاح به جيش وحكم على‬
‫الشعب برمته أن يموت في مذبحة ال أخالقية(‪.)47‬‬

‫‪ a 3-2‬إن الغضب يحول كل شيء من حسنه وصالحه للنقيض‪ ،‬ويسبب ألي‬


‫عدوا‪،‬‬
‫امرئ سطوته للقيام بالواجب‪ :‬حيث يجعل من األب الغاضب ًّ‬
‫ومن االبن الغاضب قاتلاً ألبيه‪ ،‬ومن األم زوجة أب(‪ ،)48‬ومن المواطن‬
‫ً‬
‫وملكا طاغية‪.)Martin of Braga, On Anger 2( .‬‬ ‫عدوا غري ًبا‬
‫األصيل ًّ‬

‫‪ b 3-2‬إن الغضب هو الرغبة في االنتقام لخطأ‪ ،‬أو كما يقول بوزيدنيوس هو‬
‫ضررا‪ .‬ويصفه البعض‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫امرئ تحسب أنه أحدث لك‬ ‫الرغبة في عقاب‬
‫على النحو اآلتي‪ :‬إثارة العقل إللحاق أذى بامرئ قد أضر الذات أو أراد‬
‫فعل هذا (‪.)49()Lactantius, On the Anger of God 17.13‬‬

‫‪..... 4 - 2‬كما أنهم يفشلون في تبيان ما يهمنا أو يزدرون سلطتنا(‪ ،)50‬وإال لماذا‬
‫يغضب الحشد من المجالدين‪ ،‬وكذلك من الظلم االعتقاد بأنها جريمة‬
‫وأنهم ليسوا سعداء بالموت؟ إن الحشد يحكم بأنه مهدد باالحتقار‪،‬‬
‫ويتغير‪ -‬في نظراته وإيماءاته وانفعاله‪ -‬من المتفرج إلى الخصم‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫شبيها بالغضب(‪،)51‬‬
‫ً‬ ‫‪ 5 - 2‬وأ ًّيا كان هذا النوع من األشياء‪ ،‬فإنه ليس غض ًبا بل‬
‫مثل األطفال الذين يودون ضرب األرض إذا سقطوا‪ ،‬وغال ًبا ال تعرف‬
‫لماذا هم غاضبون‪ :‬حيث إنهم هكذا دون سبب ودون تعرض لغبن –‬
‫لكن ليسوا بغير انطباع بعينه بأنهم تعرضوا لغبن(‪ )52‬وليسوا بغير بعض‬
‫الرغبات للرد‪ .‬وينبني على هذا أنهم يضايقون أنفسهم بضربات مفتعلة‪،‬‬
‫ويتم إرضاؤهم عندما يتوسل الناس عفوهم بالتظاهر بالدموع‪ ،‬وليست‬
‫حقيقيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫شكواهم حقيقية وتنمحي باالنتقام الذي ال يمثل انتقا ًما‬

‫وهنا اعتراض‪« :‬نحن ال نغضب غال ًبا من الناس الذين يضروننا‪ ،‬بل من‬ ‫‪ 1-3‬‬
‫الذين يعتزمون ضررنا‪ :‬ويتبين من هذا أن الغضب ليس نتاج خطأ»‪.‬‬
‫صحيح أننا نغضب من الذين يقصدون ضررنا بل يضرونا بهذا القصد‪:‬‬
‫فإن المرء الذي ينوي ارتكاب خطأ يرتكبه بالفعل(‪.)53‬‬

‫وهناك اعتراض آخر‪« :‬من الواضح أن الغضب ليس رغبة في الدفع؛ ألن‬ ‫‪ 2-3‬‬
‫دفعا ال يأملون‬
‫أضعف الناس غال ًبا يغضبون من أقواهم‪ :‬وهم ال يرغبون ً‬
‫تحقيقه»‪ .‬إنني قلت ‪-‬في المقام األول‪ -‬إنه رغبة في الدفع بالضبط وليس قدرة‬
‫على عمل ذلك‪ ،‬وإن الناس يرغبون حتى في األشياء التي ليس بمقدورهم‬
‫تحقيقها‪ .‬وفي المقام الثاني ليس من صاغر ليس بمقدوره تخيل األمل حتى‬
‫في دفع ما هو أسمى‪ :‬كلنا قادرون تما ًما(‪ )54‬عندما يتعلق األمر بالضرر‪.‬‬

‫وتعريف أرسطو ليس مختل ًفا عن تعريفنا(‪)55‬؛ حيث يقول إن الغضب‬ ‫‪ 3-3‬‬
‫رغبة قوية في رد األلم بألم (وال يمكننا تفسير االختالف بين تعريفه‬
‫وتعريفنا باقتضاب)(‪ ،)56‬وعلى خالف كال التعريفين فإن ما يعترض‬
‫عليه أن الحيوانات البرية تغضب لكن دون استفزاز من موجود مخطئ‪،‬‬
‫وليس ألجل دفع أو إحداث ألم آخر‪ ،‬وحتى لو كان هذا جوهر سلوكهم‬
‫فإنه ليس مقصودهم‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫ويجب أن يقال إن الحيوانات البرية –وكل المخلوقات تأمن اإلنسان‪-‬‬ ‫‪ 4-3‬‬
‫عدو للعقل‪ ،‬ويأتي للوجود فحسب حيث‬
‫دون غضب‪ :‬حيث إن الغضب ٌّ‬
‫السعار والضراوة‬ ‫(‪)57‬‬
‫يسكن العقل ‪ ،‬والحيوانات البرية لها دوافع – ُّ‬
‫والعدوانية‪ -‬ولكن ال يزيد ترفها أكثر من إسرافها حتى لو قل تحكمها‬
‫عن البشر حين ُتقبل على ملذات بعينها‪.‬‬

‫بمن يقول(‪ :)58‬يتغافل الخنزير عن زرع الغضب‪،‬‬


‫وليس من سبب لتؤمن َ‬ ‫‪ 5-3‬‬
‫وتثق الغزالة في االنطالق‪ ،‬وينقض الدب على القطعان القوية‪ .‬و ُيقصد‬
‫بزرع الغضب “ ُيحرك” و“ ُينخس”‪ ،‬فال تزيد معرفتهم عن كيفية “زرع‬
‫الغضب” عن معرفتهم بكيفية “التغافل”‪.‬‬

‫وتفتقر الحيوانات البكماء لالنفعاالت اإلنسانية‪ ،‬لذا لها دوافع بعينها‬ ‫‪ 6-3‬‬
‫تشبه االنفعاالت‪ .‬فكيف يكون حالها إن عرفت الحب والكراهية؟ إنهم‬
‫سيعرفون الصداقة والعداوة والخالف والوئام‪ .‬ورغم وجود مسحة من‬
‫هذه األشياء في الحيوانات‪ ،‬إال أن ملكيتها أصيلة لقلوب البشر – ألجل‬
‫الصحة والمرض على حد سواء‪.‬‬

‫لقد ُخص اإلنسان فحسب بالحكمة العملية والتبصر والتمحيص‬ ‫‪ 7-3‬‬


‫والتروي‪ :‬حيث لم ُتحظر الحيوانات من الفضائل اإلنسانية فحسب‪،‬‬
‫بل من رذائلها ً‬
‫أيضا‪ ،‬وتختلف بنيتها برمتها من الداخل والخارج‬
‫عن اإلنسان‪ :‬حيث إن مبدأها الحاكم(‪ )59‬يختلف تصميمه‪ .‬وهي لها‬
‫صوت –ولكن الواحد منها يعجز عن البيان ويختل في القدرة على‬
‫حرا‬
‫تشكيل الكلمات‪ -‬ولها لسان –لكن الواحد منها مقيد بشدة وليس ًّ‬
‫في أداء حركات متنوعة‪ -‬لذا فإن مبدأها الحاكم ٌّ‬
‫فظ وغير منقوص‪.‬‬
‫لذا فإنها تفهم مرأى األشياء التي تثير سلوكها المندفع ولكن بصورة‬
‫مضطربة وغامضة‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫وهجمات الحيوانات وإنذاراتها متنوعة‪ ،‬ولكن ليست خو ًفا وال قل ًقا وال‬ ‫‪ 8-3‬‬
‫حزنًا وال غضبًا‪ ،‬وهي مجرد حاالت بعينها مشابهة لهذه االنفعاالت‪.‬‬
‫ولهذا السبب يزولون عاجلاً ويتحولون إلى أضدادهم‪ :‬فالحيوانات‬
‫التي كانت للتو في غضب وهلع‪ ،‬فهي ترعى اآلن في هدوء‪ ،‬ويأتي النوم‬
‫ٍ‬
‫مفض‪.‬‬ ‫الهادئ مباشرة على جزع‬

‫فما الغضب الذي ُفسر بما فيه الكفاية وكيف يختلف عن ‘الغيظ’‬ ‫‪ 1-4‬‬
‫الواضح(‪ :)60‬إنه يختلف بنفس الطريقة التي يتباين بها ‘السكران’ عن‬
‫ً‬
‫مغتاظا‪،‬‬ ‫‘الخواف’‪ ،‬وربما ال يكون الغاضب‬
‫ّ‬ ‫‘السكير’ و‘الخائف’ عن‬
‫والمغتاظ ليس غاض ًبا أحيا ًنا‪.‬‬

‫وكل المقوالت األخرى التي تميز أنواع الغضب المتباينة باصطالحات‬ ‫‪ 2-4‬‬
‫متمايزة في اليونانية تفتقر إلى مسمياتها في الالتينية‪ ،‬وسوف أمر‬
‫– وح ًّقا إننا نستعمل اصطالحات على أنها صور مختلفة‬ ‫عليها(‪)61‬‬

‫ٍ‬
‫وقاس ‪ ،acerbus‬وكذلك اصطالح عصبي‬ ‫للغضب مثل الذع ‪amarus‬‬
‫‪ stomachosus‬ومسعور ‪ rabiosus‬ومتشدق ‪ clamosus‬ومتعسر‬
‫‪ difficilis‬وواخز ‪ ،asper‬ويمكن أن تضع من بينها حاد الطبع ‪،morosus‬‬
‫وهو نوع من حساسية الغيظ‪.‬‬

‫والحقيقة هناك صور بعينها للغضب بعضها ينحدر إلى صراخ مقتضب‪،‬‬ ‫‪ 3-4‬‬
‫وبعضها ارتعاش مألوف وعويص‪ ،‬وبعضها جسدي موحش وليس‬
‫لفظيا تما ًما‪ ،‬وبعضها ينداح في عباب لتعسف عنيف ومجدف‪ ،‬وبعضها‬
‫ًّ‬
‫صور ال تتعدى الشكوى واالستياء‪ ،‬وبعضها دفين مؤثر ومتشعب باطن‪.‬‬
‫هناك ألف نوع آخر لصور الشر متعددة الشكل‪.‬‬

‫لقد رأينا ماهية الغضب إلى حد بعيد‪ ،‬سواء أكان ُيصيب الحيوان‬ ‫‪ 1 - 5‬‬
‫ويتجنب اإلنسان‪ ،‬وكيف يختلف عن الغيظ‪ ،‬وكم له من أنماط هناك‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫نافعا‪،‬‬
‫وننظر اآلن إلى ما إذا كان الغضب يتفق مع الطبيعة وإذا كان ً‬
‫وبالتالي ُنبقي عليه بدرجة بعينها(‪.)62‬‬

‫‪ 2-5‬وإن كان يتفق مع الطبيعة فهذا يدعونا إلى أن نتأمل اإلنسان عن قرب(‪،)63‬‬
‫وأي الحاالت يكون فيها معتدلاً حين ال تشوه حالته العقلية؟ وما الشيء‬
‫األشد قسوة من الغضب من ناحية أخرى؟ وما األشد كراهة من الغضب‬
‫حبا له من الغضب؟ لقد ُولد اإلنسان ليعطي‬
‫لإلنسان؟ وما األعظم ًّ‬
‫ويتلقى العون – والغضب ليدمره‪ .‬ويرغب أحدهما في االجتماع وآخر‬
‫في االنعزال‪ ،‬ويطلب أحدهما النفع وآخر الضرر‪ ،‬ويبتغي أحدهما عون‬
‫الغرباء‪ ،‬وآخر يعتدي حتى على القريب والعزيز‪ .‬وإن البشر مهيأون‬
‫للتضحية حتى بذواتهم ألجل اآلخرين‪ ،‬والغضب ُمستعد للدفع بهم في‬
‫الهالك شريطة أن يجر اآلخر إلى الهاوية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫امرئ بطبيعة األشياء أكثر ممن يوصف‬ ‫وهل ُيظهر الجهل األكبر ألي‬ ‫‪ 3-5‬‬
‫بهذه البهيمية والرذيلة البغيضة ألفضل الطبائع وأعظم الخلق تهذي ًبا؟‬
‫قلت(‪ )64‬هو تعطش للرد‪ ،‬وحضور هذه الرغبة في صدر‬
‫إن الغضب كما ُ‬
‫اإلنسان المطمئن تما ًما يتوافق بأي حال مع الطبيعة‪ ،‬فحياة البشر مبنية‬
‫على التبادل المتناغم للمنافع‪ ،‬ورباط محكم بميثاق العون المتبادل ال‬
‫بالخوف بل بالنزوع المتبادل‪.‬‬

‫ويتبدى اعتراض‪« :‬هل التعنيف مطلوب أحيا ًنا أم ال؟»‪ .‬بالطبع مطلوب!‬ ‫‪ 1-6‬‬
‫ولكن المطلوب هو التعنيف المتعقل دون غضب؛ ألن الغاية ليست‬
‫فعل الضرر بل شفاء تحت رداء اإليذاء‪ ،‬كما لو كنا نسخن قضبا ًنا‬
‫معدنية ملتوية الستعدالها‪ ،‬وندق المطارق لتقويم اعوجاجها‪ ،‬ولذا‬
‫فإننا نستعدل خصائل الناس بألم الجسد وتكدير العقل حينما تعوجهما‬
‫الرذيلة(‪.)65‬‬
‫‪55‬‬
‫ولتتيقن أن الطبيب حين يواجه اضطرابات خفيفة‪ ،‬فإنه يحاول في البداية‬ ‫‪ 2-6‬‬
‫أن يدخل تعديلاً على النظام اليومي‪ :‬حيث يفرض بعض الترتيبات على‬
‫الطعام والشراب والعمل‪ ،‬ويحاول بهذه الطريقة أن يبني صحة المرء‬
‫محكما‪ .‬ويسمح لالعتدال بعد ذلك‬
‫ً‬ ‫على مهل ليجعل أسلوب حياته‬
‫بأن يقوم ببعض األشياء القويمة‪ ،‬وإن لم يفد الترتيب واالعتدال بشيء‬
‫فإنه يستأصل بعض عناصر النظام اليومي‪ ،‬وإن لم يستجب المريض‬
‫يحرمه الطبيب الطعام ليحرره من أثقال جسده بالصيام‪ ،‬وإن لم تحقق‬
‫هذه الجرعات اللطيفة شيئًا‪ ،‬فإنه يلجأ إلى الجراحة والبتر‪ -‬إن كانت‬
‫أطرافه المتعلقة بالجسد قد تضررت بانتشار المرض‪ .‬فأيما كان العالج‪،‬‬
‫فإن له نتيجة صحية ُيظن أنها قاسية(‪.)66‬‬

‫ومن الحري أن يسعى المرء الذي يسن القوانين ويوجه المجتمع‬ ‫‪ 3-6‬‬
‫المدني أن يعالج خصائل الناس بالطريقة ذاتها أي بالكلمات طالما‬
‫استطاع‪ .‬وبالحري ألطف الكلمات ليحث المسار الصحيح للفعل‬
‫ويغرس في عقولهم الرغبة فيما هو جليل وعدل‪ ،‬حتى يكرهوا الرذيلة‬
‫ويقيموا الفضيلة(‪ .)67‬وعليه في المرحلة التالية أن يتبنى طريقة أشد حدة‬
‫وأخيرا يلجأ إلى العقوبات من نوع معتدل‬
‫ً‬ ‫للحديث بالوعيد والزجر‪،‬‬
‫إلى حد ما وغير قابل للمحو‪ :‬حيث ينبغي أن يفرض أقسى العقوبات‬
‫على أرذل الجرائم‪ ،‬على مبدأ ال ينبغي ألحد أن ُيزهق إال إذا كان قانون‬
‫الموت معرو ًفا حتى لمن ُينفذ فيه الموت(‪.)68‬‬
‫وهو يختلف في هذا التقدير عن األطباء‪ :‬حيث يوفرون هرو ًبا سهلاً‬ ‫‪ 4-6‬‬
‫للذين ليس بمقدورهم أن يمنحوا الحياة‪ ،‬ويجبر المدانين للرحيل عن‬
‫الحياة المزرية والمغلفة بالعار ليس ألنه يسعد بعقوبة أي إنسان‪ -‬فهذه‬
‫درسا‬
‫الوحشية الال إنسانية ليست من شيم الحكيم‪ -‬ولكن ربما يكون هذا ً‬
‫‪56‬‬
‫للجميع‪ ،‬كما تستفيد الدولة من موت الذين ال يرغبون في حياتهم نفعها‪.‬‬
‫ومن ثم ال تسعى طبيعة اإلنسان إلى الرد(‪ ،)69‬وبالتالي فإن الغضب ذاته‬
‫ال يتفق مع الطبيعة حيث ال يسعى إلى الرد‪.‬‬

‫وسوف أقدم حجة من أفالطون – وما الضرر أن تستعمل متاع اآلخرين‬ ‫‪ 5-6‬‬
‫حين يتداخل مع ما نتحدث فيه‪ -‬وهو يقول‪" :‬إن الرجل الصالح ال يحدث‬
‫ضررا"(‪ ،)70‬والرد ضرر‪ :‬لذا ال يناسب الرد الرجل الصالح‪ ،‬وللسبب‬
‫ً‬
‫نفسه ال يغضب ممن يناسبه الرد‪ .‬وإن كان الرجل الصالح ال يبتهج بالرد‪،‬‬
‫طبيعيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫فإنه لن يسعد بانفعال متعة في الرد‪ .‬وبالتالي ليس االنفعال‬

‫طبيعيا ألنه‬
‫ًّ‬ ‫نصيرا رغم أنه ليس‬
‫ً‬ ‫«أليس من الممكن أن نتخذ الغضب‬ ‫‪ 1-7‬‬
‫نافعا؟ إنه يثير معنوياتنا ويحثنا‪ ،‬فال تحقق الشجاعة في‬
‫غال ًبا ما يكون ً‬
‫الحرب دونه شيئًا‪ :‬حيث يتطلب الغضب أن يوضع اللهب أمام المواد‬
‫الملتهبة وال ِم ْن َخس أمام الجريء وترسلهما إلى طريق الضرر‪ ،‬ولهذا‬
‫السبب يعتقد بعض الناس أنه من األفضل أن يتحكموا في الغضب‬
‫وألاَّ يتخلصوا منه‪ ،‬ويختزلوه إلى وسيلة ناجعة بنزع الزائد منه‪ ،‬بينما‬
‫يحجزون العنصر الذي يمنع الفعل عن التحول الضعيف والطاقة الحية‬
‫للعقل من الذبول"(‪.)71‬‬

‫خارجا وعدم‬
‫ً‬ ‫ومن السهل في المقام األول أن ُنبقي على عوامل الضرر‬ ‫‪ 2-7‬‬
‫قبولها أكثر من توجيهها والتحكم فيها بمجرد قبولها؛ ألنهم حين‬
‫استقطاعا أو‬
‫ً‬ ‫يستغلونه فهم أكثر قدرة ممن يتحكم فيه‪ ،‬وال يتحملون‬
‫نقصا ًنا(‪.)72‬‬

‫وفي المقام الثاني‪ :‬فإن العقل ذاته الذي ُيعهد إليه بزمام الحكم(‪ )73‬ال‬ ‫‪ 3-7‬‬
‫عن االنفعاالت‪ ،‬ومجرد اختالطه بها يتلوث‬ ‫يحكم إال إذا ظل‬
‫خارجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ويعجز عن إبقائها محلاًّ للمراقبة رغم أنه يمكن أن يبقيها‬
‫‪57‬‬
‫فالفكر بمجرد زعزعته وإزاحته عن مكانه الصحيح يصير عبدً ا لشيء‬
‫يشقه على طوله‪.‬‬

‫وهناك أشياء بعينها تحت سيطرتنا في بداياتها‪ ،‬وتدفعنا على طول‬ ‫‪ 4-7‬‬
‫الخط بقوتنا في مراحلها الالحقة وال تترك لنا طري ًقا للعودة‪ .‬فالذين‬
‫يقفزون من جرف ينبت قرارهم وال يستطيعون المقاومة وال يبطئون‬
‫نزول أجسامهم عند السقوط‪ ،‬وليس أمامهم سوى الوصول إلى النقطة‬
‫التي كان بمقدورهم أن يرفضوها من البداية(‪ .)74‬وهكذا العقل حين‬
‫ُيقدم على الغضب والحب واالنفعاالت األخرى ال ُيسمح له بمراقبة‬
‫انقضاضه‪ :‬حيث عليه أن يحمل ثقله وطبيعته النازلة لألسفل ويدفعها‬
‫أسفل إلى األعماق‪.‬‬

‫وإن المسار األفضل هو رفض الوخزات األولى للغضب على الفور‪،‬‬ ‫‪ 1-8‬‬
‫ويقاتل ضد شراراته األولى‪ ،‬ويناضل حتى ال يخضع له(‪ )75‬وبمجرد‬
‫أن يحملنا على المسار من الصعب أن يرتد بنا لألمان‪ ،‬حيث لم َ‬
‫يبق ذرة‬
‫عقل بعد أن ُسمح لالنفعال ببعض الحقوق السيادية التي منحناها إياه‬
‫بمحض إرادتنا(‪ :)76‬وبعد ذلك لن تفعل ما يسمح به بل ما يريده‪.‬‬

‫إن العدو –أؤكد على هذا األمر‪ -‬يجب أن َيعلق في الخليج على الحدود‬ ‫‪ 2-8‬‬
‫األولى عندما يدخل ويشق طريقه نحو البوابات التي تمنع الذين يسيطرون‬
‫عليها‪ ،‬والحقيقة‪ :‬أن العقل ال يُعزل قائمًا على مشاهدة االنفعاالت على‬
‫أنها أشياء خارجية ومنفصلة‪ ،‬ويمنعهم من المضي قد ًما أبعد مما ينبغي‪،‬‬
‫واألحرى أن يتحول العقل ذاته إلى انفعال(‪ .)77‬ولهذا السبب ال يمكن‬
‫استعادة نشاطه الصحيح والقويم بمجرد خداعه وإضعافه‪.‬‬

‫والعقل واالنفعال كما قلت ليسا لهما أماكن متماميزة ومفارقة‪ ،‬بل‬ ‫‪ 3-8‬‬
‫يتحول العقل إلى حالة أفضل وأسوأ‪ ،‬وإال كيف يبعث ذاته بمجرد بزوغ‬
‫‪58‬‬
‫الغضب عندما تربكه الرذيلة وتستولي عليه؟ أو كيف يحرر ذاته من حالة‬
‫الوحل التي يهيمن فيها خليط العناصر الرئيسة؟‬

‫ويتبدى اعتراض‪« :‬ولكن بعض الناس يتحكمون في أنفسهم حين‬ ‫‪ 4-8‬‬


‫يغضبون»‪ ،‬هل في هذه الحالة ال يفعلون شيئًا يمليه الغضب أو ال‬
‫يفعلون شيئًا؟ فإن لم يفعلوا شيئًا يمليه الغضب فليس هناك حاجة‬
‫للغضب إلنجاز األمور‪ -‬أي استدعاء العقل للمساعدة‪ ،‬كما لو أن هذه‬
‫الحالة كان لديها قدرة أكبر من العقل‪.‬‬

‫وهذا يستدعي أن أطرح سؤالاً ‪ :‬هل العقل أقوى من االنفعال أم أضعف؟‬ ‫‪ 5-8‬‬
‫وإذا كان هو األقوى كيف يستطيع العقل أن يضع حدًّ ا لالنفعال حيث‬
‫إن القاعدة تقول إن الكيانات الضعيفة هي التي تمتثل فحسب‪ ،‬وإذا كان‬
‫هو األضعف‪ ،‬فإن العقل ٍ‬
‫كاف في ذات إلنجاز األمور دون غضب وال‬
‫يسعى لمساعدة طرف أضعف‪.‬‬

‫«ولكن بعض الناس حين يغضبون يتصرفون باتساق ويتحكمون في‬ ‫‪ 6-8‬‬
‫ذاتهم»‪ ،‬متى؟ حين يصل الغضب إلى نقطة التالشي فينسحب من تلقاء‬
‫ذاته وليس في حالة الغليان بالفعل حيث يكون هو األقوى‪.‬‬

‫«ولكن من المؤكد أحيا ًنا حتى في حالة الغضب ُيسرحون الذين‬ ‫‪ 7-8‬‬
‫يكرهونهم وال يؤذونهم وال يمسونهم ويمنعون أنفسهم عن فعل‬
‫الضرر» إنهم يفعلون هذا ولكن متى؟ عندما يصطدم االنفعال بآخر‬
‫أو ينتاب طريقهم رغبة أو خوف ً‬
‫أيضا(‪ ،)78‬ومن ثم ال يزال الغضب‬
‫آنذاك ليس في صالح العقل‪ ،‬بل تحت أثر االنفعاالت الغادرة والملعونة‬
‫والمؤتلفة(‪.)79‬‬

‫وليس من وراء الغضب طائل‪ ،‬وال يحث العقل ألفعال تشبه الحرب‪،‬‬ ‫‪ 1-9‬‬
‫‪59‬‬
‫وال ينبغي أن تعين الفضيلة الرذيلة‪ ،‬وهي كافية بذاتها‪ ،‬وحين تحتاج‬
‫الفضيلة إلى فعل ُمجحف ال ُتشعل الفضيلة الغضب‪ ،‬بل ترتفع وتتحرك‬
‫بقدر ما تستدعي الضرورة‪ ،‬ثم تهدأ كما تطير المقذوفات من المقاليع‬
‫التي يتحكم فيها القاذفون الذي ُيعايرون عزم دورانها‪.‬‬

‫ويقول أرسطو(‪“ :)80‬الغضب ضرورة‪ ،‬وال يمكن أن يؤدي أي نضال‬ ‫‪ 2-9‬‬


‫لنصر دونه؛ حيث يعبأ العقل ويشعل الروح‪ ،‬ويجب أن ُيوظف كجندي‬
‫مشاة وليس قائدً ا”‪ .‬وهذا خطأ‪ ،‬فإذا استمع إلى العقل واتبعه حيث يقوده‬
‫فلن يعد غض ًبا له جموحه كطابعه المعروف‪ ،‬ولكن إذا حارب ضد‬
‫العقل فلن يبقى حين يطلبه ويدفعه قد ًما بالرغبة الجموحة‪ ،‬إنه عديم‬
‫النفع كخادم للعقل وكجندي يتجاهل شارة التراجع‪.‬‬

‫ومن ثم إذا سمح لذاته أن يكون محدو ًدا‪ ،‬ينبغي أن يطلق عليه أسماء‬ ‫‪ 3-9‬‬
‫أخرى‪ :‬ويكف عن الغضب وهذا ما اعتبره غير ملجم وجامح‪ .‬وإن لم‬
‫يحتمل حدًّ ا من ناحية أخرى‪ ،‬فإنه مدمر وال يعد من بين اإلمدادات‪ ،‬فهو‬
‫ليس غض ًبا أو ال طائل منه(‪.)81‬‬

‫وإن ُعوقب أحد ما بعقوبة‪ ،‬فهذا ليس بسبب أنه حريص على العقاب‪ ،‬بل‬ ‫‪ 4-9‬‬
‫صواب‪ ،‬وال ينبغي حسبانه من بين الغاضبين‪ .‬فالجندي الماهر‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫ألن هذا ٌ‬
‫هو َمن يعرف كيف يتصرف وف ًقا للخطة‪ ،‬واالنفعاالت من جانبهم رديئة‬
‫مثل الجندي والقائد‪.‬‬

‫‪ 1-10‬وبناء على ذلك ال يضفي العقل أبدً ا دوافع طائشة وعنيفة إلى أسلحته‪:‬‬
‫حيث ليس للعقل ذاته سلطة‪ ،‬وال يمكن كبح الدوافع دون وضع دوافع‬
‫مضادة مشابهة لها مثل الخوف مقابل الغضب‪ ،‬والغضب مقابل الفتور‪،‬‬
‫والرغبة مقابل الخوف‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ 2-10‬وربما ليست الفضيلة بعيدة عن هذا الشر‪ ،‬ولهذا السبب تجد لها مأوى‬
‫في الرذيلة! والعقل في هذه الحالة – محمي بإخفاقاته‪ ،‬وعاجز عن‬
‫هادئ إال حين‬
‫ٌ‬ ‫الشجاعة إال حين الغضب‪ ،‬أو نشيط إال حين الرغبة‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫وارتباكا حوله بالضرورة ؛ حيث‬ ‫الخوف‪ -‬ال يجد سكينة واثقة‪ ،‬بل تقل ًبا‬
‫إن العقل الذي يُصبح عبدًا لبعض االنفعاالت كما لو كان موجو ًدا في‬
‫مملكة طاغية‪ ،‬أليس من المخجل أن تجعل الفضيلة في كنف الرذيلة؟‬

‫‪ 3-10‬أضف إلى ذلك‪ :‬يتوقف العقل عن القدرة على عمل أي شيء إذ انعدمت‬
‫صنوا لالنفعال ومكافئًا له‪ .‬فما الفرق‬
‫ً‬ ‫قدرته دون االنفعال حيث يبدأ‬
‫الذي يحدث إن كان االنفعال دون عقل؟ وهل العقل دون االنفعال‬
‫واهن؟ إن االثنين متكافئان‪ ،‬فال يوجد أحدهما دون اآلخر‪ ،‬و َمن الذي‬
‫ٌ‬
‫يستطيع أن يوازن بين العقل واالنفعال؟‬

‫‪ 4-10‬والتوكيد‪« :‬االنفعال مفيد إن كان معتدلاً فحسب» ال‪ :‬يكون ً‬


‫نافعا‬
‫فحسب بالطبيعة(‪ ،)82‬ولكنه إذا تجاهل أوامر العقل فإنه سوف يتحقق‬
‫باالعتداله هذا فحسب‪ :‬فنقصانه يقلل ضرره‪ ،‬فاالنفعال المعتدل هو‬
‫مجرد شر معتدل(‪.)83‬‬
‫الغضب»(‪)84‬‬
‫وال‬ ‫‪ 1-11‬وتوكيد آخر‪« :‬ولكن حين نواجه العدو نحتاج إلى‬
‫نحتاج إلى أقل من ذلك‪ :‬وهذا حين تخضع أفعالنا العدوانية للسيطرة‬
‫واالمتثال لألوامر وليست مطلقة للعنان‪ .‬وعلى سبيل المثال ماذا ُيفعل‬
‫في البرابرة األقوياء في الجسد ويعانون الكدح سوى الغضب وهو‬
‫أسوأ عدو لهم؟ والمجالدون ً‬
‫أيضا– تحميهم مهارتهم والغضب‬
‫يعرضهم للخطر‪.‬‬

‫‪ 2-11‬وما الحاجة للغضب حين يكتسب العقل النهاية نفسها؟ هل تفترض‬


‫أن الصياد يشعر بالغضب تجاه الوحوش البرية؟ ومن ثم يواجههم‬
‫‪61‬‬
‫ويقترب منهم ويركض خلفهم وهم يفرون‪ ،‬والعقل ُينجز كل هذا دون‬
‫غضب‪ .‬وعندما تدفق آالف من الكامبري ‪ Cimbri‬والتوتوني ‪Teutoni‬‬
‫فما الذي دمرهم – حتى إن شعوبهم عادت إلى‬ ‫األلب(‪)85‬‬ ‫على جبال‬
‫ديارها بمجرد سماع األخبار فحسب بترويج اإلشاعة – ولم يفلت حتى‬
‫الرسول‪ -‬فما الذي دمرهم غير أنهم بدلوا الفضيلة بالغضب(‪)86‬؟ وكما‬
‫أن الغضب معروف أحيا ًنا بأنه يمد بالقوة الدافعة وينخفض باألمور عن‬
‫مسارها فإنه غال ًبا ما يدمر النفس‪.‬‬

‫‪ 3-11‬فهل من شعب أشد حماسة من الجرمان؟ وأشد منهم ضراوة في‬


‫الهجوم؟ وأكثر منهم تو ًقا ألسلحة الحرب التي يعرفونها منذ والدتهم‬
‫التي تقويهم وتدعمهم وتنمي لديهم انفعالاً وحيدً ا فيديرون ظهورهم‬
‫لكل شيء آخر؟ وهل من شيء أشد صرامة عندما يتحملون ظرو ًفا‬
‫قاسية وهم يعيشون بأجسام عارية ليس لهم مأوى من مناخهم المتجمد‬
‫المتغير؟‬

‫‪ 4-11‬ومن ثم يجزون بالسيف األسبان والغاليون وأناس من آسيا وسوريا‬


‫(النساء عندما يتعلق األمر بالحرب) قبل أن يلوح في األفق أحد‬
‫فيالقنا(‪ )87‬حين يميلون للغضب‪ -‬وال شيء آخر‪ -‬ويجعلوهم فريسة‬
‫سهلة‪ .‬وتخيل إضافة العقل والنظام لهذه األجسام والعقول التي لم‬
‫تعرف الدالل والترف والثروة‪ :‬وسوف تقول على أقل تقدير لقد أحيينا‬
‫يقينًا مناهجنا الرومانية القديمة!‬

‫‪ 5-11‬كيف استطاع فابيوس ‪ Fabius‬استعادة قوى هيمنتنا المهترئة بمعرفة‬


‫هدوئه وسحب األشياء وتأخيرها تلك األشياء التي ال يعرف الغاضبون‬
‫كيف يعملونها(‪)88‬؟ كنا سنفقد هيمنتا لو جرؤ فابيوس على فعل كل ما‬
‫أثاره إليه الغضب‪ :‬حيث فكر في ثروتنا المشتركة – بعد أن احتكمت‬
‫‪62‬‬
‫قوتنا إلى أن أي خسارة تعني خسارة كاملة‪ -‬وطرح إحساسه بالظلم‬
‫والرغبة في االنتقام جان ًبا وركز على الفرص المناسبة فحسب‪ ،‬وقهر‬
‫غضبه قبل أن يقهر حنبعل‪.‬‬

‫‪ 6-11‬وماذا عن سكيبيو(‪)89‬؟ ألم يترك خلفه حنبعل والجيش القرطاجي وكل‬


‫األشياء التي قد تثير غضبه‪ ،‬ونقل الحرب إلى أفريقيا‪ ،‬وهدأ بطريقة‬
‫جعلت أعداءه يفكرون أنه انغمس في ذاته وتراخى(‪)90‬؟‬

‫‪ 7-11‬وماذا عن سكيبيو الثاني(‪)91‬؟ ألم ُي ْب ِق نومانتيا ‪ Numantia‬تحت الحصار‬


‫لفترة طويلة وهو ُمت ََح ٍّل برباطة الجأش ليحفز االمتعاض‪ -‬عنده والدولة‬
‫في آن‪ -‬وقد استغرقت نومانتيا وقتًا أطول من قرطاجة في هزيمتها؟ في‬
‫حين أحكم العدو أعمال حصاره الذي ساقهم كالقطيع ليخروا على‬
‫سيوفهم‪.‬‬

‫مناسبا حتى في المعارك والحروب‪ :‬إنه‬


‫‪ 8-11‬ويمكن أن ترى أن الغضب ليس ً‬
‫يمنح التهور‪ ،‬ورغبته في جلب الخطر لآلخرين تجعله يتغافل ذاته‪ ،‬وقد‬
‫تبدو الفضيلة األشد وثو ًقا هي التعقل حول مرور أطول فترة وممارسة‬
‫ٍ‬
‫ببطء نحو الهدف المنشود‪.‬‬ ‫ضبط النفس والتقدم‬

‫‪ 1-12‬ويتبدى اعتراض‪ :‬هل تخبرني عن الرجل الصالح الذي ال يغضب إذا‬


‫رأى أباه يقتل وأمه ُتغتصب؟ ال‪ ،‬لن يغضب بل هو يناصرهم ويدافع‬
‫عنهم‪ .‬ولماذا تخشى اإلحساس السليم بالتقوى الذي لم يدفعه بما فيه‬
‫الكفاية حتى دون غضب؟ أو يتبع تفكيرك نفسه‪« :‬هل تخبرني أنه حين‬
‫يرى الرجل الصالح أباه أو ابنه يتعرض للطعن ال يندب أو ُيغمى عليه؟»‪،‬‬
‫تلك األشياء التي نراها تحدث للنساء حين يضربها خطر‪.‬‬

‫‪ 2-12‬وسوف يفي الرجل الصالح بواجباته بهدوء دون عذر‪ ،‬ولن يفعل شيئًا ال‬
‫‪63‬‬
‫يستحقه اإلنسان حين يقوم بأشياء تستحق‪ .‬فإذا كان أبي ُيقتل‪ ،‬فسوف‬
‫أدافع عنه‪ ،‬وإذا كان قد ُقتل فسوف أتدبر األمر الستنتاج مالئم – ألنني‬
‫أعرف الصواب ال ألنني أشعر بالظلم‪.‬‬

‫‪« 3-12‬ويغضب الصالحون حين ُتظلم عائالتهم وأصدقاؤهم»‪ ،‬حين تدافع‬


‫عن قضيتك بهذه الطريقة يا ثيوفراسطوس(‪ )92‬فإنك تحاول التشكيك‬
‫في التعاليم الموثوقة‪ ،‬وتقدم الهراء للمتفرجين وتتجاهل القاضي‪:‬‬
‫وأصدقاء ُه‪ ،‬وأنك‬
‫َ‬ ‫حيث يغضب كل منهم عندما يصيب الحزن عائلته‬
‫تفترض أن َمن يصدقون هم الذين يفعلون ما ينبغي عليهم فعله‪ ،‬ويجزم‬
‫عمليا بالشعور الذي يدركه في نفسه‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫الجميع‬

‫‪ 4-12‬ولكنهم يفعلون الشيء نفسه إن لم يعد حمامهم الساخن بشكل مناسب‪،‬‬


‫وإن ُكسر الزجاج‪ ،‬وإن تلطخ حذاؤهم بالطين‪ .‬إن ما يحرك هذا النوع‬
‫إحساسا بالتقوى‪ ،‬إنه ضعف‪ -‬نوع يخص األطفال‬
‫ً‬ ‫من الغضب ليس‬
‫الذين يتساوى بكاؤهم سواء أفقدوا والديهم أم فقدوا ً‬
‫بعضا من البندق‪.‬‬

‫‪ 5-12‬إن الغضب الذي يقع على أصدقاء المرء وعائلته داللة على ضعف‬
‫العقل‪ ،‬وليس العقل المكرس للواجب‪ .‬وإن الشيء الحسن والقيم هو أن‬
‫تتقدم للدفاع عن الوالدين واألطفال واألصدقاء والمواطنين بإحساس‬
‫وترو‬
‫ٍّ‬ ‫فعليا إلى الطريق‪ ،‬ويقوم بهذا عن طيب خاطر‬ ‫ٍ‬
‫امرئ يقوده الواجب ًّ‬
‫وحكمة بال اندفاع وشراسة؛ ألن انفعال رغبة االنتقام ال يزيد في جديته‬
‫عن الغضب‪ ،‬ومن غير المناسب للعقل الحق أن يتبع طريق االنتقام‪:‬‬
‫حيث إن التهور والحمق يشبه أشكال الرغبة تقري ًبا‪ ،‬ويحدث بطريقة ما‬
‫وهو يهرول نحو غايته‪ .‬ولهذا لن يفعل العقل أي خير سواء في الحرب‬
‫شبيها بالحرب‪ ،‬ويتجاهل تحت وطأة‬
‫ً‬ ‫أو السالم‪ :‬إنه يصنع من السالم‬
‫السالح أن "إله الحرب منصف"(‪ ،)93‬ويسقط في براثن اآلخرين حين‬
‫‪64‬‬
‫يفشل في القبض على ذاته‪.‬‬

‫‪ 6-12‬وال ينبغي قبول أشكال السلوك الفاسدة لمجرد أنها كانت فعالة بمسلك‬
‫أنواعا بعينها من المرض‪ ،‬ولكن ال يعني‬
‫ً‬ ‫ما في وقت ما‪ .‬فالحمى تخفف‬
‫هذا أنه ليس من المفضل أن تتحرر منها تما ًما‪ :‬إنه نوع بغيض من العالج‬
‫يضع الصحة في دين المرض‪ .‬وبطريقة مماثلة حتى لو كان الغضب –‬
‫ً‬
‫سقوطا من جرف أو غرق سفينة‪ -‬مفيدً ا بشكل غير متوقع‬ ‫سما أو‬
‫يشبه ًّ‬
‫ال ينبغي الحكم عليه بالصحة؛ ألن عواقبه غال ًبا وبائية‪.‬‬

‫‪ 1-13‬وهناك أمر آخر جدير باالعتبار‪ :‬إن األشياء القيمة فضلى وتزيد رغبتنا‬
‫خيرا فلن يؤكد أحدٌ أنها أفضل إن لم يخرج‬
‫فيها‪ ،‬وإن كانت العدالة ً‬
‫خيرا فلن يرغب فيها أحد إن تقلصت في‬
‫منها شيئًا‪ ،‬وإن كانت الشجاعة ً‬
‫بعض الجوانب‪.‬‬

‫‪ 2-13‬ومن ثم هل يعظم الغضب عند َمن يرفض زيادة الخير؟ ومن السهل أن‬
‫شرا بالزيادة‪.‬‬ ‫يزيد الغضب‪ ،‬ومن السهل وجوده ً‬
‫أيضا‪ ،‬وال يصبح الخير ًّ‬
‫نافعا؛ ألنه يؤجج الناس للقتال»‪ ،‬ويمكن اعتبار‬
‫‪ 3-13‬توكيد‪ « :‬يكون الغضب ً‬
‫السكر من هذا القبيل‪ :‬إنه يجعل الناس عدوانيين ومتهورين‪ ،‬وكثير‬
‫منهم يكون في حالة أفضل وهو يمسك السيف مرعو ًبا‪ ،‬ويدعي ً‬
‫أيضا‬
‫بأسا‬
‫أن الهذيان والهياج ضروريان للقوة؛ ألن الجنون يجعل الناس أشد ً‬
‫غال ًبا!‬

‫شخصا ما‬
‫ً‬ ‫‪ 4-13‬أو أن تعتبر هذا‪ :‬حيث ال تخشى األثر المعاكس الذي يجعل‬
‫متهورا؟ وال يخشى الموت الذي ُيبطئ الهمة للمعركة؟ ولكن الغضب‬
‫ً‬
‫وأمورا أخرى من هذا النوع مثيرات رديئة وخائبة‪:‬‬
‫ً‬ ‫والسكر والخوف‬
‫وهي ال تمنح أدوات للفضيلة التي ال تحتاج إلى شيء يمكن أن عطيه‬
‫‪65‬‬
‫الفضيلة‪ ،‬إنها تعطي ومضة قليلة للعقل بطريقة سلبية وبائسة‪.‬‬

‫‪ 5-13‬وال أحد يصير أكثر شجاعة باإلقبال على الغضب‪ ،‬ما عدا َمن ال يكون‬
‫شجاعا دون أن يغضب‪ :‬حيث ال يعين الغضب الفضيلة بل ينوب عنها‪.‬‬
‫ً‬
‫وما حقيقة هذا الغضب‪ ،‬هل هو خير أن يجمع الناضجين– حيث إن‬
‫األطفال والمسنين والمرضى أكثر ميلاً للغضب(‪)94‬؟ فكل ضعيف‬
‫بطبيعته ٌ‬
‫ميال للشكوى‪.‬‬

‫‪ 1-14‬ويعترض ثيوفراسطس(‪“ :)95‬إن الرجل الصالح ليس بمقدوره العون‬


‫إال أن يغضب من الشرور”‪ ،‬واتفا ًقا مع هذا المسار الفكري يكون المرء‬
‫األفضل هو الميال للغضب‪ -‬أليس العكس هو األحرى‪ :‬حيث الهدوء‬
‫والخالء من االنفعاالت وعدم الكراهية ألحد؟‬

‫‪ 2-14‬وما السبب الذي يحمل الرجل الصالح لكره الطالحين‪ ،‬بما أن الخطأ‬
‫يدفعهم لهذه العيوب؟ وإن كراهية الضالين ليست سمة للحكيم وإال‬
‫سوف يكره نفسه‪ .‬دعه يفتخر بكم الجرائم التي ارتكبها ضد السلوك‬
‫الخير وبكم األمور التي دع بها للعفو(‪ :)96‬حيث يغضب حتى في نفسه‪،‬‬
‫حكما لصالحه في قضيته وينقض الحكم ذاته‬
‫ً‬ ‫فالقاضي العادل ال يصدر‬
‫في قضية غيره‪.‬‬

‫‪ 3-14‬وأظن أنه ال أحد سوف يعفي نفسه‪ ،‬والكل يزعم أنه بريء ال يفكر في‬
‫نفسه إال إذا كان سلوكه شاهدً ا فحسب‪ ،‬وكم من البشر ينظرون ح ًّقا‬
‫للطالحين بعقل معتدل أبوي وال يضطهدونهم بل يستدعونهم للخلف‪،‬‬
‫فعندما يهيم المرء في الحقول على عماء‪ ،‬فمن األفضل أن ترشده إلى‬
‫الطريق القويم أحرى من أن تعزله‪.‬‬

‫قوم الطالح بالنصح والقوة واللين والشدة‪ ،‬وعليه أن يفعل‬


‫‪ 1-15‬وينبغي أن ُي ّ‬
‫‪66‬‬
‫األفضل لمصلحته ولآلخرين على السواء دون تعنيف بل دون غضب‪،‬‬
‫فمن الذي يستشعر الغضب فيمن يعالجه؟ ولكن أفرض أنهم لم‬
‫َ‬
‫يستقيموا على الطريقة وال شيء فيهم لطيف أو يدعو لألمل‪ :‬فالذين‬
‫يمضون قد ًما في تشويه كل ما يلمسونه ينبغي أن ُيعزلوا عن رفقة البشر‪،‬‬
‫وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي ربما ُتحد من خبثهم‪ -‬وينبغي أن ُيفعل‬
‫هذا دون كراهية‪.‬‬

‫‪ 2-15‬ولماذا أكره المرء الذي أنتفع منه في اللحظة التي أفصله فيها عن ذاته؟‬
‫يقينًا ال أحد يكره أطرافه حين يبترها أليس كذلك(‪)97‬؟ هذا ليس غض ًبا‪،‬‬
‫بل صورة مثيرة للشفقة من الشفاء‪ .‬فنحن نفتك بالكالب المسعورة‬
‫ونقتل الثور الضاري غير األليف‪ ،‬ونذبح الماشية المريضة حتى ال تعدي‬
‫القطيع‪ ،‬ونتخلص من المواليد مشوهة الخلقة‪ ،‬ونغرق األطفال ً‬
‫أيضا إذا‬
‫ُولدوا بعاهة أو مشوهين‪ ،‬فهذا ليس غض ًبا بل سب ًبا لفصل التالف عن‬
‫السليم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫المرئ ُيخصص له العقاب أكثر من الغضب؛‬ ‫‪ 3 -15‬وال شيء أقل مالءمة‬
‫فالعقاب أكثر مالءمة للتقويم إن ُفرض كفعل لحكم ُمستحق(‪ )98‬ولهذا‬
‫قال سقراط للعبد‪« :‬سوف أتغلب عليك إن لم أكن غاض ًبا»(‪ ،)99‬فإنه‬
‫أرجأ توجيه اللوم للعبد إلى حين تستقر نفسه‪ ،‬ولكنه الم نفسه في تلك‬
‫فمن في العالم سوف يسيطر على انفعاله في حين ال يجرؤ‬
‫اللحظة‪َ .‬‬
‫سقراط على أن ُيسلم نفسه للغضب؟‬

‫‪ 1-16‬عندما يتعلق األمر بتقييد َمن يقترفون الجريمة والضالل‪ ،‬فال داعي لعامل‬
‫العقاب أن يكون غض ًبا‪ :‬وبما أن الغضب إخفاق للعقل ال ينبغي للطالح‬
‫أن يكون هو المرء الذي يعين األثم‪« .‬ال ينبغي أن أغضب من اللص‬
‫إ َذنْ ؟ وأال أغضب من المسجون؟» ال‪ ،‬وال أغضب من نفسي عندما‬
‫‪67‬‬
‫يهرب مني الشعور(‪.)100‬‬

‫‪ 2-16‬فكل نوع أتقدم به من العقاب هو طريق للعالج(‪ “ )101‬إنك ال تزال في‬


‫المراحل األولى من اقتراف الخطأ‪ ،‬وليست هفواتك فظة بل معتادة‪ :‬فقد‬
‫كان التأنيب في بدايته في السر ثم ُنشر على الناس محاولاً تقويمك‪ .‬لقد‬
‫مضيت بعيدً ا لتُشفى بالكلمات فحسب‪ :‬حيث ُيبقيك الخزي في شك‪.‬‬
‫وعليك أن تملك شيئًا أقوى يحترق داخلك تشعر به‪ :‬وسوف ُترسل‬
‫إلى المنفى في مناطق مجهولة‪ ،‬ويثبت في حالتك الخبث وتحتاج إلى‬
‫عالجات قاسية تجلب السجن وسهام العامة لتعاني‪.‬‬

‫‪ 3-16‬إن عقلك الذي ينسج شبكة متنامية للجريمة يتجاوز الشفاء‪ ،‬وال تحتاج‬
‫بالفعل إلى دوافع لتوقفك‪ ،‬بل الطالح ذاته دافع قوي بما فيه الكفاية‬
‫للقيام باإلثم‪ .‬لقد تشربت بعمق في الخبث و ُنقعت أحشاؤك به وال‬
‫يمكن فصله عن هذه األحشاء‪ ،‬وسعيت منذ أمد إلى الموت في هذا‬
‫البؤس‪ :‬وسوف نكسب شكرك بتخليصك من هذا الجنون الذي تضل به‬
‫مغمورا بكليتك في العذاب‬
‫ً‬ ‫اآلخرين وتغوي به نفسك‪ .‬اآلن وقد كنت‬
‫تدبيرا هو الخير‬
‫ً‬ ‫الذي تعانيه وعانيت به اآلخرون‪ ،‬سوف نضع لك‬
‫الوحيد لعالجك‪ :‬هو الموت"‪ ،‬فلماذا أغضب من اإلنسان الذي أصنع‬
‫له الخير األقصى؟ إن القتل نوع من الرحمة أحيا ًنا‪.‬‬

‫‪ 4-16‬إذا دخلت مشفى جيش أو منزل رجل غني يعمل في الطب(‪ ،)102‬فلن‬
‫ً‬
‫أمراضا متنوعة‪ .‬واآلن وقد ُجندت لعالج‬ ‫لمن يعانون‬‫أصف العالج نفسه َ‬
‫المجتمع أرى أن عقولاً عدة تضخ أنسا ًقا من الرذائل‪ ،‬وينبغي السعي إلى‬
‫المداوة وف ًقا لطبيعة مرض كل فرد على حدة‪ :‬فأسمح لهذا الرجل أن‬
‫ُيعالج بضبط بسيط للنفس‪ ،‬وهذا بقضاء بعض الوقت في نزهة‪ ،‬وآخر‬
‫باأللم وآخر بالحرمان‪ ،‬وهذا بالسيف‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫‪ 5-16‬وكذلك إن كان ال بد لي أن أقلب حلة القاضي وأستدعي الحشد ببوق‬
‫الحرب(‪ ،)103‬ينبغي أال أعتلي كرسي المحكمة في حالة غضب أو عداء‬
‫بل أكون محايدً ا كالقانون‪ ،‬وسوف ألقي هذه الكلمات الرسمية بهدوء‬
‫واتزان ال في صخب‪ ،‬وسآمر –بصرامة وليس غضب‪ -‬بتنفيذ اإلجراءات‬
‫التي نص عليها القانون‪ .‬وعندما آمر بقطع رأس المجرم‪ ،‬وخياطة‬
‫ألبسة الرجال الذين قتلوا آباءهم‪ ،‬وإرسال آخرين لعقوبة الجندية‪،‬‬
‫‪)104(Tarpeian‬‬ ‫ووضع الخائن أو عدو الشعب على صخرة تاربيان‬
‫سوف أتحرر من الغضب بنفس اإلبانة وحالة العقل عند قتل الثعابين‬
‫والمخلوقات السامة‪.‬‬

‫‪« 6 -16‬إن الغضب مطلوب إللحاق العقاب»‪ ،‬فهل تقصد أن القانون يضربك‬
‫غاض ًبا بما تجهله وما ال تراه و َمن تأمل أال يكون موجو ًدا؟ ال‪ ،‬وعلينا أن‬
‫نعول على العقل في القانون الذي ال يغضب بل يحل‪ ،‬فمن الصواب أن‬
‫يغضب الرجل الصالح من األفعال الخبيثة‪ ،‬ومن الصواب أن يسخط من‬
‫حظوظ الخبثاء‪ .‬والحقيقة أن ما يستحق السخط أكثر من هذه الحقيقة‬
‫أناسا بأعينهم يتأنقون ويتعسفون ضد الحظ عندما ال يواكبهم الحظ‬
‫أن ً‬
‫ليجدوا ما يبغونه؟ ولكن الرجل الصالح يتطلع إلى أفضليتهم دون‬
‫سخط‪ ،‬كما أنه ينظر إلى جرائمهم دون غضب‪ :‬فالقاضي الخ ِّير يدين‬
‫أشياء تستحق التأنيب وهو ال يكرههم‪.‬‬

‫‪« 7-16‬وهل تقصد أن الرجل الحكيم حين يواجه شيئًا من هذا القبيل ال ينزعج‬
‫وال يتحرك أزيد من المألوف؟"‪ ،‬أجزم أنه سوف يشعر برقة ولطف‬
‫بعينه(‪ ،)105‬وكما يقول زينون سوف يبقى في عقل الحكيم ندبة حتى لو‬
‫التأم الجرح‪ ،‬ولذلك يشعر ببعض تلويحات وظالل لالنفعاالت‪ ،‬ولكنه‬
‫سيتحرر من االنفعاالت ذاتها‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ 1-17‬يقول أرسطو‪ :‬إذا استعملت بعض االنفعاالت على نحو حسن‪ ،‬فإنها‬
‫تعين كأسلحة(‪ .)106‬وقد يصح هذا إذا تشابهت مع أسلحة الحرب‪،‬‬
‫يمكن أن تأخذ بها أو ُت ْرجئ بها الحكم على المرء الذي يتحكم فيها‪.‬‬
‫ولكن هذه األسلحة التي يعطيها أرسطو للفضيلة تقاتل كل شيء‬
‫بمفردها‪ ،‬وهي ال تنتظر اليد التي تتدبر أمرها‪ ،‬فهي ال تملك بل تفعل‬
‫االمتالك‪.‬‬

‫‪ 2-17‬ليس هناك حاجة ألسلحة أخرى‪ :‬حيث سلحتنا الطبيعة بما فيه الكفاية‬
‫بالعقل وهو قذيفة محققة وجاهزة وقادرة وليس حدّ اها بعاجزين عن‬
‫الرجوع لسيدها‪ .‬والعقل ٍ‬
‫كاف بذاته ولذاته ليس في التخطيط للمستقبل‬
‫بل تسيير األمور‪ ،‬والحقيقة أليس من الحماقة أن تسعى لتحصين العقل‬
‫ٍ‬
‫امرئ متذبذب وغير جدير بالثقة‬ ‫من غضب وثبات وثقة وعافية تأتي من‬
‫ومريض؟‬

‫‪ 3-17‬وما حقيقة هذا العقل العظيم ثباته حين يقبل على إنجاز األمور‪ -‬وهو‬
‫المجال الوحيد الذي يبدو فيه عون الغضب ضرورة؟ حين يقضي بما‬
‫ينبغي القيام به فإنه يثابر على ذلك‪ :‬ألنه لن يجد شيئًا أفضل من ذاته التي‬
‫أحدثت له التحول‪ ،‬وهو يقف ثابتًا بمجرد صنع قراره‪.‬‬

‫‪ 4-17‬وغال ًبا ما تتحول الشفقة إلى غضب لوجودها المتورم والفارغ‪ ،‬وتفتقر‬
‫رياحا برية تظهر فوق‬
‫ً‬ ‫إلى نواة صلبة‪ ،‬وهي تتمتع بمحيا شديد يشبه‬
‫األنهار والمستنقعات قوية‪ ،‬ولكنها قصيرة الزمن(‪.)107‬‬

‫مبكرا‪ ،‬وال يتأمل الغضب‬


‫ً‬ ‫‪ 5-17‬وبعد هجوم هائل في البداية تنحني وتنهك‬
‫شيئًا سوى القسوة والجزاءات الجديدة التي ُتكسر و ُتروض متى وجب‬
‫فرض العقاب‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪ 6-17‬ويتالشى االنفعال بسرعة ويتوازن العقل تما ًما حتى عندما يستمر‬
‫الغضب‪ ،‬وقد يتوقف العقل بعد إراقة دم اثنين أو ثالثة إن كان هناك‬
‫عدد يستحق القتل‪ ،‬فهو حاد في ضرباتها األولى‪ :‬وبالطريقة نفسها ينزلق‬
‫ٌ‬
‫غل الثعابين إلى حالة سبات خبيثة‪ ،‬ولكن أنيابها ال تؤذي حين تستنزف‬
‫ضرباتها األولى المتكررة‪.‬‬

‫‪ 7-17‬وبالتالي‪َ :‬من يرتكبون جرائم بالغة ال يعانون عقوبات بالغة‪ ،‬وغال ًبا من‬
‫يرتكبون جرائم أقل يعانون أكثر ألنه تعرض للصدمة األولى للغضب‪،‬‬
‫وهي في الحقيقة أمر مختل التوازن على الغالب‪ :‬واآلن يبحر أبعد مما‬
‫ينبغي‪ ،‬واآلن يقبل على الوقوف أقرب مما ينبغي‪ ،‬إنه متساهل‪ ،‬ويبني‬
‫أحكامه على رغباته‪ ،‬ال ُيصغي لشيء‪ ،‬وال يترك مجالاً للشفاعة‪ ،‬ويبقي‬
‫قبضته على ما احتكم إليه‪ ،‬ولن يسمح لقراره أن ُينتزع من سطوته حتى‬
‫مشوها‪.‬‬
‫ً‬ ‫لو كان قراره‬

‫‪ 1-18‬ويمنح العقل الطرفين وقتًا لالستماع‪ ،‬ومن ثم يسعى لتسويغ األمر‬


‫متسع لدرك الحقيقة‪ .‬والغضب في عجلة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫لصالحه‪ ،‬حيث يكون لديه‬
‫ظهورا منص ًفا‪.‬‬
‫ً‬ ‫حكما عادلاً ‪ ،‬والغضب يبتغي لقراره‬
‫ً‬ ‫والعقل يبتغي‬

‫‪ 2-18‬و ُيبقي العقل عينيه على المسألة موضع االعتبار‪ ،‬ويتحرك الغضب‬
‫بخياالت فارغة غير متصلة‪ ،‬وأسلوب تعبير غير مكترث‪ ،‬وصوت‬
‫جهور‪ ،‬وحديث طليق‪ ،‬وقد صقل نمط اللباس‪ ،‬ودفاع لجوج‪ ،‬ودعم‬
‫شعبى‪ -‬كل هذا يفرك الغضب لطريق خطأ‪ .‬وغال ًبا ما يدين المدعي‬
‫الستفزازه في نصحه حتى لو كانت الحقيقة مدفونة في وجهه‪ ،‬وإنه‬
‫يتخيل ويؤيد الخطأ‪ ،‬ال يبغي دحضه‪ :‬فعندما يبدأ سيئًا فإنه يعند ليزيد‬
‫تبجيله أكثر من األفكار األخرى‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫يمسه أحد بعديد رذيلة‪،‬‬
‫‪ 3-18‬وأذكر أن جنايوس بيزو ‪ Gnaeus Piso‬لم َّ‬
‫انجر إلى لذة تغليب المكابرة على االتساق(‪ ،)108‬وأمر بغضب‬
‫َّ‬ ‫ولكنه‬
‫بإعدام جندي عاد من اإلجازة دون رفيقه –وإن كان قد قتل الجندي‬
‫رفيقه لذا لم يتمكن من الحضور معه‪ -‬ورفض بيزو طلب الجندي‬
‫أن يمهله بعض الوقت للبحث عنه‪ ،‬وجر الجندي المدان إلى خلف‬
‫الجرف‪ ،‬وبينما السيف على رقبته ظهر فجأة الرفيق الذي بدا أنه ُقتل‪.‬‬

‫‪ 4-18‬وأمر القائد المسؤول عن التنفيذ بخفض سيف الحارس ووقف التنفيذ‬


‫المدان إلى بيزو ليحصل على البراءة‪ ،‬حيث أعان الحظ‬
‫وإعادة الجندي ُ‬
‫الجندي‪ ،‬وبعد أن تعانق الرفيقان‪ ،‬وعادا إلى المخيم في فرح‬
‫َّ‬ ‫الحسن‬
‫يرافقهما حشد كبير‪ ،‬غضب بيزو وأمر بإعدام الجنديين‪ ،‬ومات َمن لم‬
‫يرتكب جريمة القتل و َمن لم ُيقتل‪.‬‬

‫‪ 5-18‬وما الظلم الذي يزيد عن هذا؟ حيث حضر البريء وهلك االثنان‪،‬‬
‫وأضاف بيزو الثالث؛ ألنه أمر بإعدام قائد التنفيذ الذي أعاد الرجل‬
‫المدان‪ ،‬وأقروا بأنهم كانوا في الحال نفسه‪ :‬حيث ُحكم على ثالثة رجال‬
‫بسبب براءة رجل واحد‪.‬‬

‫حججا الشتياطه! حيث‬


‫ً‬ ‫‪ 6-18‬آه‪ ،‬كيف للغضب الحاذق حين ُيقبل أن يجد‬
‫قال بيزو‪« :‬أنا أمرت باإلعدام ألنك حكمت عليه وألنك تسببت في‬
‫الحكم عليه‪ ،‬وألنك لم ِ‬
‫تطع قائدك عندما أمرت بالقتل»‪ .‬إنه تصور‬
‫طريقة الرتكاب ثالث جرائم؛ ألنه لم يكتشف جريمة‪.‬‬

‫‪ 1-19‬والغضب – الذي أؤكد عليه‪ -‬هو ما يتسم بالشر‪ :‬حيث عدم القدرة‬
‫ً‬
‫مناقضا‬ ‫في السيطرة عليه‪ ،‬ويتنامى اشتياطه من الحقيقة ذاتها إذا ظهر‬
‫إلرادته‪ ،‬ويتعقب نوايا ضحاياه بالصراخ والضجيج واهتزاز الجسم كله‪،‬‬
‫وإضافة وابل من الشتائم والقسوة‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ 2-19‬وال يفعل العقل هذا‪ ،‬وإن دعت الحاجة إلى ذلك‪ ،‬فإنه يقضي على األسر‬
‫بأسرها –في صمت وهدوء‪ -‬ويدمر األسر التي هي بالء على األمة‬
‫ناهيك عن زوجاتهم وأطفالهم‪ ،‬إنه يسقط المباني و ُيبيد الجماعات التي‬
‫هي أعداء للحرية(‪ ،)109‬إنه يفعل كل هذا دون صرير ألسنانه أو يلوح‬
‫بقاض‪ ،‬فينبغي أن يكون محياه هاد ًئا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫برأسه أو أي سلوك آخر ال يليق‬
‫أمرا ها ًّما‪.‬‬
‫وتعظم هذه الطمأنينة عندما يصدر ً‬
‫ٍ‬
‫امرئ ما جدوى أن تعض على‬ ‫‪ 3-19‬ويسأل هيرونيموس‪« :‬وأنت تنوي قتل‬
‫شفتيك سل ًفا(‪)110‬؟ ماذا لو قد رأى القاضي يقفز من كرسي القضاء‬
‫وينتزع الصولجان (•) ‪ fasces‬من الحاجب ‪ )••( lector‬ويمزق مالبسه‬
‫ألن اآلخر تباطأ في تمزيق ثيابه؟(‪.)111‬‬

‫‪ 4-19‬ما جدوى قلب المنضدة وتكسير الكؤوس‪ ،‬وضرب الجسم في عامود‬


‫وشد الشعر وضرب الفخذ أو الصدر؟ وكيف تستغرب شيئًا(‪ )112‬تعتقد‬
‫غضب وتراه ينقلب على نفسه حين ال يستطيع أن ينفجر في آخر‬
‫ٌ‬ ‫أنه‬
‫بسرعة يريدها؟ ولهذا السبب وفي هذه الحالة يأخذ الناس بأيدي ذويهم‬
‫الذين يطلبون التوافق ألنفسهم‪.‬‬

‫‪َ 5-19‬من يتحرر من الغضب‪ ،‬ال يقوم بهذه األشياء عندما ُتفرض العقوبة التي‬
‫يستحقها كل شخص‪ ،‬وغال ًبا ما ُيطلق ٌ‬
‫امرؤ لسوء عمل اقترفه‪ :‬إذا كان‬
‫متجذرا‬
‫ً‬ ‫وجيها لألمل‪ ،‬وإذا رأى القاضي أن الشر ليس‬
‫ً‬ ‫المذنب سب ًبا‬
‫لندم ُ‬
‫فيه بل عرض‪ ،‬كقول على سطح العقل‪ ،‬فيمنح جملة ‘مع وقف التنفيذ’‬
‫التي لن تضر المتلقي وال المعطي‪.‬‬

‫حكم مخ َّف ٌف على جرائم خطيرة أكثر من الجرائم‬


‫ٌ‬ ‫‪ 6-19‬وأحيا ًنا قد ُيطبق‬
‫البسيطة‪ ،‬إذا ارتكبت األولى بجبر وليست متعمدة في حين اعتيد في‬
‫الثانية المكر والخداع‪ .‬فإنه سوف يفرض عقوبتين مختلفتين على‬
‫‪73‬‬
‫شخصين مذنبين من نفس الجريمة‪ ،‬حيث اقترفها أولهما بال مباالة‪ ،‬في‬
‫حين فعلها اآلخر بقصد األذى‪.‬‬

‫‪ 7-19‬إنه حين يفرض العقوبة ُيبقي هذا المبدأ في ذهنه دو ًما‪ :‬وقد يقضي‬
‫وسيبقي‬
‫بالعقوبة لتقويم األشرار في األولى ولتدميرهم في الثانية‪ُ ،‬‬
‫عينيه في كلتا الحالتين على المستقبل وليس الماضي (كما يقول‬
‫أفالطون(‪ )113‬ليست معاقبة الرجل الراشد لجرم اقترفه بل لئال يقترفه‪،‬‬
‫فما ُفعل أبعد من تذكر‪ ،‬وما بمقدوره منعه)‪ ،‬وأما الذي يريد أن يجعلهم‬
‫مثالاً للشر الجموح‪ ،‬سوف يقتلهم ليراهم الجميع‪ ،‬ليس ألنهم سوف‬
‫يموتون‪ ،‬بل ألن موتهم سوف يردع اآلخرين‪.‬‬

‫‪ 8-19‬وبمقدورك أن ترى كيف على المرء أن يزن هذه األمور ويحكم‬


‫عليها وهي في متناوله –قوة الحياة والموت‪ -‬بأقصى درجات الهدوء‬
‫والصمت‪ .‬فال يؤتمن السيف في يد رجل غاضب(‪.)114‬‬

‫‪ 1-20‬وليس لنا أن نفترض أن الغضب يضيف شيئًا لعظمة النفس(‪ ،)115‬فهذا‬


‫ً‬
‫انتفاخا‪ ،‬وهو يشبه تمدد األجسام بالورم بتجرع السوائل‬ ‫ليس عظمة‪ ،‬بل‬
‫فائضا ُم ً‬
‫هلكا‪.‬‬ ‫الرديئة‪ ،‬فليست األمراض مثالاً للنمو‪ ،‬بل ً‬

‫‪ 2-20‬وكل الذين تهذي عقولهم‪ ،‬تصور لهم أنهم يفكرون أفضل من البشر‬
‫وسموا‪ .‬ولكن ليس هناك أساس‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫شموخا‬ ‫الذين يعتقدون أنهم يشعون‬
‫قوي‪ ،‬واألحرى أن ما ُيبنى بال أساس فهو عرضة لالنهيار‪ ،‬وليس‬
‫للغضب أساس سليم‪ :‬حيث إنه لم ينشأ من شيء ثابت ومحتوم ليقيم‪،‬‬
‫ولكنه طنن فارغ(‪ ،)116‬وكما لو أن االستئصال من عظمة الروح والتهور‬
‫من الشجاعة والغطرسة من الثقة والتجهم من الصرامة والقسوة من‬
‫التزمت‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ 3-20‬وهناك فارق عظيم بين عقل شامخ وآخر متكبر‪ ،‬وال يتحرك الغضب‬
‫مشروعا‪ ،‬والهدوء على العكس‪ ،‬يبدو لي عالمة للعقل‬
‫ً‬ ‫جوهر ًّيا ويصير‬
‫البليد العقيم الذي ُيدرك ضعفه بوجود وجع مزمن مثل األجسام‬
‫المريضة الموجوعة التي تتأوه من ألطف اللمس‪ .‬لذا فالغضب في هذا‬
‫الحال رذيلة طفولية ومخنثة‪« ،‬ولكنه يصيب الرجال»‪ ،‬نعم؛ ألن للرجال‬
‫طبائع طفولية ومخنثة‪.‬‬

‫منتوجا‬
‫ً‬ ‫‪« 4-20‬هل تقصد قول أن الغاضبين ال ينتجون ً‬
‫بعضا من كالم يبدو‬
‫لروح نبيلة؟»‪ ،‬ال‪ ،‬بل األحرى من األرواح ال تعرف النبل الحق مثل‬
‫الكالم المقيت البغيض‪« ،‬دعهم يكرهون طالما أنهم يخافون»(‪،)117‬‬
‫يمكن أن تقول إن هذا قد ُكتب في عصر سولال‪ ،‬وال أعلم أيهما أسوأ‬
‫الكراهية أم الخوف‪“ ،‬دعهم يكرهون”‪،‬إنه يكبه على وجهه وهم يلعنون‬
‫ويكيدون ويسعون للعنه‪ :‬فماذا يضيف؟ هل اآللهة تهبه مثل عالج حسن‬
‫لمكروه اكتشفه‪“ .‬دعهم يكرهون” – ماذا‪« ،‬بقدر ما يطيعون» ال‪« ،‬بقدر‬
‫ما يرضون»(‪ )118‬ال‪ ،‬وماذا بعد؟ «بقدر ما يخافون»‪ ،‬ال أود أن أكون حتى‬
‫محبا لهذه المعاني‪.‬‬
‫ًّ‬
‫‪ 5-20‬هل تفترض أن هذا قيل بروح نبيلة؟ إنك مخطئ‪ ،‬هذا ليس نبلاً ‪ ،‬إنها‬
‫ٍ‬
‫سبب لنعتد بكلمات الغاضبين الذين يصرخون‬ ‫وحشية‪ ،‬وليس من‬
‫ويتوعدون بينما العقل في هلع مطلق‪.‬‬

‫‪ 6-20‬وما من سبب للحكم على حقيقة ما يقوله تيتوس ليفي الرجل البليغ‬
‫حينما كتب‪« :‬الرجل النبيل أفضل ممن له سجية حسنة»(‪ ،)119‬وال‬
‫يمكن فصل االثنين‪ ،‬سواء ما كان حسنًا أو ما لم يكن نبيلاً ‪ ،‬فنبل الروح‬
‫صلب ال يهتز بخلل أو عرض‪ ،‬ومتزن وثابت من قاعدته‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬كما فهمته‪-‬‬
‫وال يشتمل على سجايا رديئة‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫ومهلكون؛ ألنهم لم يمتلكوا النبل الذي‬
‫‪ 7-20‬وهم مرعوبون ومذعورون ُ‬
‫بثباته وقوته هو الخير‪.‬‬

‫انطباعا واث ًقا للنبل في كالمهم وسعيهم وكل‬


‫ً‬ ‫‪ 8-20‬ولتتيقن أنهم يصدرون‬
‫زينتهم‪ ،‬وسوف يصرحون بأنك قد تنسب نفسك إلى روح نبيلة‬
‫قيصر(‪)120‬‬
‫الذي تصاعد غضبه من السماوات؛ ألن‬ ‫مثل جايوس‬
‫الرعد تداخل بصخب مع إيمائه (الذي كان يقلد بحماس أكثر مما‬
‫يشاهد) (‪ )121‬والصواعق المنيرة التي صدمته خو ًفا في مرحه‪ .‬إنه تحدى‬
‫جوبتر في القتال وهو يصرخ ببيت هوميري مشهور(‪ )122‬يقول‪“ :‬إما أن‬
‫ترفعني أو أرفعك”‪.‬‬

‫‪ 9-20‬كم كان هذا جنو ًنا! أن يفترض أن جوبتر ال يضره أو أنه يمكن يضر‬
‫جوبتر‪ ،‬وأظن أن ليس لهذا الكالم أثر بسيط في إثارة أفكار المتآمرين‪:‬‬
‫حيث يبدو أنه الكلمة األخيرة في سلوك سالب لرجل ال يطيق جوبتر‪.‬‬

‫مفعما باحتقار‬
‫ً‬ ‫‪ 1-21‬ال شيء نبيل وال وجيه في الغضب‪ ،‬حتى عندما يبدو‬
‫روحا نبيلة‪ ،‬فدعه‬
‫األرباب والبشر‪ .‬وإن كان يعتقد أحدهم أنه يجلب ً‬
‫يفكر في أن الغني يفعل هذا ً‬
‫أيضا‪ :‬حيث يحمله الغنى على العاج‪ ،‬فيرتدي‬
‫اللون األرجواني المرصع بالذهب‪ ،‬ويحرك حشود األرض من حوله‪،‬‬
‫ويسد البحار‪ ،‬ويفجر الشالالت‪ ،‬ويعلق الغابات في المنتصف(‪.)123‬‬

‫‪ 2-21‬دعه يفكر في أن الجشع ً‬


‫أيضا عالمة للروح النبيلة‪ :‬إنه يطيل التفكير في‬
‫تكويم الذهب والفضة‪ ،‬ويغرس الممتلكات التي تترى بين المقاطعات‪،‬‬
‫ويضع األفراد المتعهدين للمناطق أكثر من المخصصين للقناصل(‪.)124‬‬

‫‪ 3-21‬دعه يفكر في أن الشهوة ً‬


‫أيضا عالمة للروح النبيلة‪ :‬حيث تسري عبر‬
‫المضائق في البحر‪ ،‬وتخصي قطيع األوالد‪ ،‬وتضع نفسها في سيف‬
‫‪76‬‬
‫الرجل‪ ،‬وتقبض الموت باحتقار‪ .‬دعه يفكر في أن الطموح ً‬
‫أيضا عالمة‬
‫للروح النبيلة‪ :‬حيث ال يرغب في المناصب السنوية بل يريدها(‪،)125‬‬
‫وإن أمكن فإنه يوزع قوائم الوالة باسم واحد وتوزع إهداءاتها الشرفية‬
‫في العالم كله‪.‬‬

‫‪ 4-21‬وكل هذه األشياء ال يهم مدى وصول بعدها واتساعها؛ فهي بائسة‬
‫والدغة وخسيسة‪ ،‬والفضيلة سامية وجليلة‪ ،‬وال شيء نبيل يبقى في‬
‫الوقت نفسه في سالم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪77‬‬
78
‫الكتاب الثاني‬
‫�إلى نوفاتو�س عن الغ�ضب‬

‫‪79‬‬
80
‫كان موضوع كتابي األول شديد الغرابة‪ :‬حيث يبسط السير إلى أسفل‬ ‫‪ 1 - 1‬‬
‫على منحدرات الرذائل الزلقة(‪ ،)126‬وعلينا أن نعالج اآلن مناطق أضيق‪:‬‬
‫عم إذا كان الغضب يبدأ بفعل حكم أم‬
‫حيث إن السؤال المطروح أمامنا َّ‬
‫عم إذا كان يقيم في حركة إرادية أم يأتي من حولنا دون‬
‫بمجرد دافع‪ -‬أي َّ‬
‫وعينا(‪.)127‬‬

‫ويجب أن تهبط مناقشتنا إلى هذه الجزئيات التي ربما ترتقي الح ًقا إلى‬ ‫‪ 2 - 1‬‬
‫موضوعات أسمى‪ ،‬فقد تثبت العظام واألوتار والمفاصل في أجسادنا‬
‫–تلك األشياء التي تمنح قدرتها كلها وحيويتها وهي بالكاد تجذب‬
‫النظر‪ -‬في المقام األول‪ ،‬ثم تأتي المقومات التي تمنح مالمحنا جاذبيتها‪،‬‬
‫ثم يأتي بعد ذلك تورد الصحة الذي يغمر الجسد بشكله الكامل‪ ،‬ويلفت‬
‫نظرة المتفرج أكثر من أي شيء آخر‪.‬‬

‫حرك عندما يكون لدينا انطباع‬


‫واآلن ليس من شك في أن الغضب ُي َّ‬ ‫‪ 3 - 1‬‬
‫عم إذا كان الغضب يتبع مباشرة المشهد‬
‫بأننا تعرضنا لظلم‪ ،‬والتساؤل َّ‬
‫الفعلي الذي يشن هجومه دون تشارك للعقل أم إذا كان ُيستثار بموافقة‬
‫العقل‪.‬‬

‫وإننا نظن أن الغضب ال يجتاز شيئًا من تلقاء ذاته بل يعمل بموافقة‬ ‫‪ 4 - 1‬‬
‫انطباعا بأن أحدهم ارتكب خطأ‪( ،‬ب) ثم‬
‫ً‬ ‫العقل(‪( :)128‬أ) حيث يأخذ‬
‫يرغب في االنتقام منه‪( ،‬ج) ثم يجمعهما في حكم بأن أحدهما ال ينبغي‬
‫أن ُيضر ويجب االنتقام من اآلخر‪ -‬وال يصدر هذا الدافع مستقلاًّ عن‬
‫إرادتنا‪.‬‬

‫وأنت تسأل‪« :‬ما الهدف من هذا النقاش؟»‪ .‬إن الغرض هو معرفة ما‬ ‫‪ 1 - 2‬‬
‫الغضب‪ ،‬ألنه إن كان يأتي للوجود ضد إرادتنا‪ ،‬فإنه لن يرضخ للعقل‬
‫أبدً ا –والحقيقة أن أي نزعات تحدث مستقلة عن إرادتنا ال يمكن التغلب‬
‫‪81‬‬
‫عليها أو تجنبها‪ ،‬كالرعشة حينما ُنرش بالماء البارد‪ ،‬أو االشمئزاز عند‬
‫لمس أشياء بعينها‪ ،‬أو الطريقة التي يقف بها شعرنا لمنتهاه في األخبار‬
‫السيئة‪ ،‬أو االحمرار عندما نسمع كلمات فاحشة‪ ،‬أو دوخة تنتابنا حين‬
‫أي من هذه االستجابات ليست في‬
‫ننظر لألسفل من الجرف‪ .‬وإن كان ٌّ‬
‫قوتنا‪ ،‬فأي شكل للعقل ليس بمقدوره أن يجادل ضد وقوعها(‪.)129‬‬

‫والغضب على النقيض يجنح بالتوجيه؛ ألنه خطأ من العقل يخضع‬ ‫‪ 2 - 2‬‬
‫بشرا‪ ،‬بل يقع‬
‫إلرادتنا‪ ،‬وهو ليس من بين األمور التي تحدث لنا لكوننا ً‬
‫على الحكيم الحق ً‬
‫أيضا‪ ،‬وهو من بين األمور التي تحتوي على صدمة‬
‫عقلية أوالنية تثيرنا عندما نعتقد أننا تعرضنا لظلم‪.‬‬

‫وقد ينسحب إلينا هذا اإلحساس حتى حين نشاهد العروض المسرحية‬ ‫‪ 3 - 2‬‬
‫ونقرأ التاريخ القديم‪ :‬وغالبًا ما نغضب من كالوديوس عندما يقود‬
‫فمن الذي ال‬
‫شيشرون إلى المنفى‪ ،‬أو من أنطوني عندما يأمر بموته‪َ .‬‬
‫ُيستثار حين يواجه جيوش ماريوس ‪ Marius‬أو تنكيل سولال؟ و َمن‬
‫الذي ال يكره ثيودوتوس ‪ Theodotus‬وأخيلالس ‪ Achillas‬والطفل‬
‫الذي جرأ على ارتكاب جريمة عظيمة؟(‪.)130‬‬

‫وتضعنا األغنية ولحن الزمن المزدوج وقرع أبواق الحرب والصورة‬ ‫‪ 4 - 2‬‬
‫المرعبة على الحافة فتثير عقولنا‪ ،‬والمشهد المروع للعقوبات رغم أنها‬
‫مستحقة‪.‬‬

‫وللسبب ذاته ُنجيب على ابتسامات اآلخرين بملكنا‪ ،‬ويتصاعد حزننا‬ ‫‪ 5 - 2‬‬
‫المتفجعين(‪ ،)131‬ونشعر بتنميل الدم حين نشاهد رجالاً في‬
‫في حشد ُ‬
‫صورا للغضب بقدر ما تسبب لنا‬
‫ً‬ ‫منازلة‪ .‬وليست هذه االستجابات‬
‫عبوسا مثلما نشاهد سفينة منكوبة وهذا حزن حق(‪ )132‬أو خشية تومض‬
‫ً‬
‫في عقول أناس يقرؤون عن حصار حنبعل لروما بعد معركة كاناي‬
‫‪82‬‬
‫‪ .)133(Cannae‬وكل هذه نزعات تستحث العقول رغم عنها‪ ،‬وهي‬
‫ليست انفعاالت بل نزغات أولى لالنفعال‪.‬‬

‫ويستحث بوق الحرب بالطريقة نفسها أذن الجندي المخضرم‪ ،‬حتى بعد‬ ‫‪ 6 - 2‬‬
‫أن يستأنف لباسه المدني في فترة السالم‪ ،‬وقعقعة األسلحة تستنهض دم‬
‫الفرسان على الخيول‪ ،‬ويقولون إن يد اإلسكندر كانت ترتجف نحو‬
‫سيفه بنغمة مزمار كسينوفانتوس ‪.)134(Xenophantus‬‬

‫وال ينطبق اصطالح االنفعال على هذه االستجابات التي هي مجرد فرصة‬ ‫‪ 1 - 3‬‬
‫لتحريك العقل‪ :‬حيث ال يسببها العقل بقدر ما يتألم منها إن كان بإمكاني‬
‫وضعها على هذا النحو‪ ،‬إ َذنْ ال يتضمن االنفعال في وجود مستثار في‬
‫استجابة النطباعات حاضرة فينا‪ ،‬بل في تسلم أنفسنا لهذه االنطباعات‬
‫ومتابعة النزعة األولى المناسبة للعقل‪.‬‬

‫مثل التحول للشحوب وذرف الدموع والهزات األولى لالستثارة‬ ‫‪ 2 - 3‬‬


‫الجنسية والتأوه العميق والومضة الخاطفة المفاجئة وأي شيء من هذا‬
‫القبيل‪ :‬وكل ما ُيعتقد أن له إشارة واضحة لالنفعال وعالمة الرتباط‬
‫العقل هو مجرد خطأ ويفشل في فهم أنها نزعات جسدية ال إرادية‪.‬‬

‫وهكذا حتى الرجل الشجاع يصعد إليه الشحوب غال ًبا بينما يتوشح‬ ‫‪ 3 - 3‬‬
‫مليا عندما ُتعطى إشارة‬
‫بأسلحته‪ ،‬وحتى ركبتا الجندي القويتان ترتجفان ًّ‬
‫بدأ المعركة‪ ،‬ويستشعر القائد العظيم بخفقان قلبه قبل الصدام بالجيوش‬
‫المعادية‪ ،‬وأعظم المتحدثين فصاحة يشعر بأن أطرافه تتجمد(‪ )135‬وهو‬
‫يستجمع نفسه للحديث‪.‬‬

‫مثيرا فحسب‪ ،‬بل يمضي قد ًما في الهجوم‪،‬‬


‫وال ينبغي أن يكون الغضب ً‬ ‫‪ 4 - 3‬‬
‫نوع من السعي(‪ ،)136‬وليس من سعي يحدث دون موافقة العقل‪،‬‬
‫إنه ٌ‬
‫‪83‬‬
‫وليس بمقدور المرء أن يعمل ليكسب انتقام وترضية عقل َمن ليسوا‬
‫شخصا كان يعتقد أنه تضرر ويريد االنتقام‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫على وعي‪ ،‬وأفترض أن‬
‫هدأ في التو عندما حثته بعض األسباب ضد هذا االنتقام‪ ،‬فإنني ال ُأسمي‬
‫هذا غض ًبا‪ ،‬بل ُأطلق عليه نزعة مزاج ال تزال مطيعة للعقل‪ ،‬فالشيء‬
‫الغاضب يقفز من العقل ويخطفه ويحمله على طوله‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإنَّ الصدمة العقلية األولى الناشئة عن انطباع الضرر‬ ‫‪ 5 - 3‬‬
‫ليست غض ًبا بل االنطباع نفسه‪ .‬والنزعة القصدية التي تلي ال تعتد‬
‫باالنطباع فحسب بل تؤكده‪ -‬هذا هو الغضب‪ ،‬أي إثارة العقل الذي‬
‫ينزع إراد ًّيا وعمدً ا نحو غاية االنتقام‪ .‬وما من شك في أن الخوف‬
‫ينطوي على الهروب‪ ،‬والغضب سعي‪ ،‬وتدبر إ َذنْ َ‬
‫فيم إذا كنت تعتقد أنه‬
‫بمقدورك أن تالحق أو تتعامل مع أي شيء بحذر دون موافقة العقل‪.‬‬

‫واآلن قد تجلى كيف يبدأ االنفعال أو ينمو أو يتخذ له سبيل(‪ :)137‬حيث‬ ‫‪ 1 - 4‬‬
‫النزعة اإلرادية األولية‪ ،‬أي االستعداد لالنفعال بما هي عليه مثل إشارة‬
‫التهديد‪ .‬ويرافق هذا النزعة الثانية وهي تعبير إرادة ليست عازمة على‬
‫مكابرة ينتهي إلى «ينبغي أن أنتقم إن ُضررت» أو «ينبغي أن ُيعاقب هذا‬
‫الرجل ألنه اقترف جريمة»‪ .‬والنزعة الثالثة خارجة عن نطاق السيطرة‬
‫حيث ال تريد االنتقام إن كان مناس ًبا‪ ،‬بل ما ُيحتمل أن يأتي بعد االنتقام‪،‬‬
‫وهي أن تطيح العقل‪.‬‬

‫وليس بمقدورنا أن نتجنب الصدمة العقلية األولى بمعونة العقل‪ ،‬كما‬ ‫‪ 2 - 4‬‬
‫ليس بإمكاننا أن نتحاشى النزعات األخرى (كالتي ذكرتها) التي تصيب‬
‫أجسامنا‪ ،‬وكما ليس بمقدورنا أن نحجب تثاؤبنا عن شخص آخر أو‬
‫نغلق أعيننا من لكزة مفاجئة من أصابع شخص آخر‪ ،‬وليس بمقدور‬
‫العقل أن يتغلب على هذه النزعات‪ ،‬ومع هذا ربما يمكن تقليل قدرتها‬
‫‪84‬‬
‫إذا اعتدنا عليها وداومنا على مشاهدتها‪ ،‬وأما النزعة الثانية التي ُتولد‬
‫بالتداول فقد ُتستأصل بالتداول(‪.)138‬‬

‫عم إذا كان الناس الذين يتصرفون مثل الحيوانات‬


‫واآلن علينا أن نتساءل َّ‬ ‫‪ 1 - 5‬‬
‫ويتلذذون بسفك دماء البشر وهم غاضبون عندما يقتلون الذين لم‬
‫أشخاصا‬
‫ً‬ ‫يضروهم وحتى الذين لم يصدقوا أنهم قد يضرونهم‪ -‬أعني‬
‫مثل أبوللودوروس ‪ Apollodorus‬أو فاالريس ‪.)139(Phalaris‬‬

‫يضر مقابل أذى قد تلقاه‪ ،‬إنه‬


‫َّ‬ ‫ال‪ ،‬هذا ليس غض ًبا بل بهيمية؛ ألنه لم‬ ‫‪ 2 - 5‬‬
‫استعداد حتى لتلقي أذى طالما بمقدوره فعل الضرر‪ ،‬إنه سعي للسحق‬
‫وليس انتقا ًما بل من أجل المتعة‪.‬‬

‫باختصار إن هذا الشر يأخذ بدايته من الغضب الذي ُيجلب بالممارسة‬ ‫‪ 3 - 5‬‬
‫الكاملة والمتكررة لفقد كل فكرة عن الرحمة وكل رابط إنساني لتتحول‬
‫في النهاية إلى وحشية‪ .‬إن هؤالء يبتسمون ببهجة ويأخذون قدر إمكانهم‬
‫من المتعة‪ ،‬وال يبدو عليهم أنهم غاضبون‪ ،‬حيث يجدون الراحة في‬
‫وحشيتهم‪.‬‬

‫مملوءا بدم البشر قال‪« :‬ما هذا‬


‫ً‬ ‫ويقولون إن حنبعل عندما رأى خند ًقا‬ ‫‪ 4 - 5‬‬
‫المشهد الجميل!»(‪ .)140‬فكيف سيكون تعجبه إن مأل الدم بعض األنهار‬
‫أو البحيرات؟! وهل من عجب أن ُتخدع بالمشهد‪ ،‬وترى أنك ولدت‬
‫لسفك الدماء وتتعاطف مع القتل من طفولتك؟ سوف يحضر لك الحظ‬
‫بعد عشرين عا ًما ويدعم وحشيتك‪ ،‬وسوف تظهر لك المشاهد لتمتع‬
‫عينيك حول بحيرة تراسومين ‪ Trasumene‬وكاناي ‪ Cannae‬ومدينتك‬
‫قرطاج(‪.)141‬‬

‫ومن زمن ليس ببعيد في حكم أوغسطس اإللهي‪ ،‬قطع فولسوس ‪Volesus‬‬ ‫‪ 5 - 5‬‬
‫‪85‬‬
‫والي ‪ proconsul‬آسيا رأس ثالثمائة رجل في يوم واحد‪ ،‬ثم تجول حول‬
‫الجثث بمظهر متغطرس كما لو كان قد حقق شيئًا جليلاً وعج ًبا‪ ،‬وهتف‬
‫باليونانية‪“ :‬هكذا يفعل الملوك”(‪ .)142‬فماذا كان يفعل هذا الرجل لو‬
‫شرا أعظم مضا ًّدا للتداوي‪.‬‬ ‫كان ً‬
‫ملكا؟ إن هذا ليس غض ًبا في عمل‪ ،‬بل ًّ‬
‫وهنا اعتراض‪« :‬كما ُتظهر الفضيلة السلوك المشرف لطي ًفا‪ ،‬فإنها‬ ‫‪ 1 - 6‬‬
‫ً‬
‫سلوكا مشينًا مع الغضب»‪ ،‬ماذا لو قال المرء بأن الفضيلة تجمع‬ ‫تكتسب‬
‫بين البؤس والعظمة؟ هذا ما ُيعنى بالضبط عندما يرغب المرء في أن‬
‫ُيستثار بالغضب أو يحط من قدر آخر‪ ،‬فالسرور يتجذر عن فعل حق‬
‫ٍ‬
‫امرئ آخر مقصود وهو‬ ‫وهو جليل وعظيم في حين ينتج الغضب لخطأ‬
‫عالمة لروح مقروصة‪.‬‬

‫إن الفضيلة ال تحاكي خطأ الرذائل وهي تسعى لكبحها‪ :‬حيث تتمسك‬ ‫‪ 2 - 6‬‬
‫بأن الغضب محل التأنيب ليس أفضل(‪– )143‬غال ًبا أسوأ‪ -‬من هذه‬
‫العيوب التي لها مرامها‪ ،‬إن السمت الطبيعي للفضيلة أن تكون مبهجة‬
‫وجزلة(‪ )144‬وال يزيد وجود الغضب في توافقه مع مكانة الفضيلة الرفيعة‬
‫عن أسى‪ ،‬ويتخذ الحنق الكآبة رفي ًقا‪ ،‬ويتحول ً‬
‫حتما إلى كآبة سواء بعد‬
‫شعوره بالندم أو بعد زجره‪.‬‬

‫أمرا مناس ًبا للحكيم‪ ،‬فإنه عيب‬


‫أو بطريقة أخرى إذا كان الغضب بعيبه ً‬ ‫‪ 3 - 6‬‬
‫أعظم‪ ،‬وغالبًا ما يعلل الغاضب أمره بأن الحكيم ال يواجه الغضب‪ ،‬بل‬
‫يشتاط بالميل‪ .‬وإن كنا نعتقد أنه ال يعظم غضب وال يغلب في نفس‬
‫الحكيم فلماذا ال نحرره كلية من هذا االنفعال؟‬

‫وليس بالمقدور وجود حد للغضب إن كان متناس ًبا مع سلوك كل‬ ‫‪ 4 - 6‬‬
‫ظالما وتشعر بنفس درجة الغضب بدرجات‬
‫ً‬ ‫شخص‪ :‬سواء أكنت‬
‫متفاوتة من العيب‪ ،‬أم كنت تشتاط غض ًبا وتشعر بوهج كآثام الغيظ‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫واآلن ما األشد جورًا من أن يحدد خبث رجل انفعال الحكيم؟ وهل‬ ‫‪ 1 - 7‬‬
‫ليس بمقدور سقراط العظيم أن يعود للبيت محملاً بنفس بيانه عندما‬
‫تركه(‪)145‬؟ وإن ُح َّق للحكيم أن يغضب من السلوك المشين‪ ،‬ويغتاظ‬
‫من السلوك اإلجرامي ويكتئب‪ ،‬فعليه أن يكون إنسا ًنا مضطر ًبا في‬
‫العالم‪ :‬حيث يقضي حياته برمتها في غضب وحزن‪.‬‬

‫وهل من لحظة ال يرى أشياء جديرة بالتأنيب؟ عندما يغادر منزله سوف‬ ‫‪ 2 - 7‬‬
‫يشق طريقه بين حشود المجرمين والمتكالبين والمتكبرين والفاحشين‬
‫مصدرا‬
‫ً‬ ‫والمفلحين لرذائلهم‪ ،‬ولن يجد مكا ًنا يحول إليه نظره ال يجد‬
‫للسخط‪ :‬ولن يجد قوة ليثير ذاته للغضب مثل استدعاء اإلثارة‪.‬‬

‫يذهبون مهرعين للمنتدى في مطلع الفجر – فما مقدار القضايا المخجلة‬ ‫‪ 3 - 7‬‬
‫التي يرفعونها‪ ،‬وكم مخزية هي دعواهم! فأحدهم يقدم دعوى إلصدار‬
‫حكم ضد األب وهو ال يستحق هذا(‪ )146‬وآخر هتف بأمه في المحكمة‪،‬‬
‫مذنب فيها‪ ،‬و ُيختار القاضي لتمرير‬
‫ٌ‬ ‫وآخر جاء ليعمل ً‬
‫بالغا على تهمة هو‬
‫الحكم على أفعال هو ذاته قد ارتكبها‪ ،‬وجانب المتفرجين مع األطراف‬
‫المذنبة؛ ألنهم قد ضلوا بصوت المدافع الحسن‪.‬‬
‫ًّ‬
‫مكتظا‬ ‫لماذا تمضي خالل الحاالت الفردية؟ عندما ترى المنتدى‬ ‫‪ 1 - 8‬‬
‫بالحشود ومكان االقتراع قد ُم ِل َئ بتدافع المتدفقين‪ ،‬والمدرج الروماني‬
‫حيث الجزء األكبر من الجماهير في العرض‪ ،‬تيقن أن هناك رذائل عدة‬
‫موجودة بقدر الناس‪.‬‬

‫هؤالء الذين تراهم بلباس مدني يتقاتلون دو ًما فيما بينهم(‪ ،)147‬وقد‬ ‫‪ 3 - 8‬‬
‫ربحا من ضرر‪،‬‬
‫يدمر أحدهم اآلخر لكسب ضئيل‪ :‬حيث ال يأمن أحد ً‬
‫ويكرهون المفلحين ويحتقرون الفقراء‪ ،‬ويستاؤون من الرجل العظيم‬
‫ويصيبون الهين‪ ،‬تغزوهم الغرائز فيشتهون الفوز بجائزة ماتعة من أي‬
‫‪87‬‬
‫انحراف‪ ،‬وال تفترق طريقة حياتهم عن مدرسة المجالدين‪ :‬حيث‬
‫يعيشون مع الناس ويتقاتلون معهم‪.‬‬

‫إنه تجمع لوحوش برية (‪ -)148‬إال أن الوحوش تحيا بسالم فيما بينها وال‬ ‫‪ 3 - 8‬‬
‫تعض ذواتها‪ ،‬في حين ينشغل هؤالء بتمزيق بعضهم ً‬
‫بعضا إلى أشالء‪.‬‬
‫إنهم يختلفون في هذا الصدد(‪ )149‬عن الحيوانات البكماء‪ :‬التي تتصرف‬
‫بلطف تجاه مروضيها‪ ،‬ويعض هؤالء في جنونهم اليد التي تطعمهم‪.‬‬

‫وال يكف الحكيم عن أن يكون غاض ًبا بمجرد أن يبزغ‪ ،‬وتحتشد الجرائم‬ ‫‪ 1 - 9‬‬
‫ٍ‬
‫مكان‪ ،‬وعظيم الجرائم ُيرتكب أكثر من العقوبة التي‬ ‫والرذائل في كل‬
‫تعالج‪ .‬إننا منخرطون في الصراع – صراع مرير‪ -‬بخبث‪ ،‬وتزيد الرغبة‬
‫في عمل اإلثم كل يوم‪ ،‬ويتضاءل اإلحساس بضبط النفس‪ ،‬وقد ُأهمل‬
‫األصوب واألرجح‪ ،‬وتفرض الشهوة ذاتها بالقوة حيث تشاء‪ ،‬ولم تستتر‬
‫الجرائم اآلن‪ :‬حيث تمضي أمام أعيننا‪ ،‬وفشا هذا الخبث واكتسب قوة‬
‫في صدور الكل‪ ،‬واختل الطهر وانعدم‪.‬‬

‫ويقينًا أن منتهكي القانون ليسوا أفرا ًدا معزولين أو مجرد قلة‪ ،‬أليس‬ ‫‪ 2 - 9‬‬
‫كذلك؟ ال‪ ،‬إنهم ظهروا في كل صوب كما لو أنهم ُمنحوا إشارة لتشويش‬
‫الصواب والخطأ‪ :‬حيث ال يأمن المضيف من الضيف وال الحمو من‬
‫َ‬
‫الختن‪ ،‬وتشح عاطفة األخوة‪ ،‬ويعزم الزوج على الفتك بزوجته وهي‬
‫كذلك‪ ،‬وتمتزج زوجة األب المرعبة بسموم مروعة‪ ،‬ويسعى االبن‬
‫بتسريع أجل أبيه(‪.)150‬‬

‫وكم هي ضئيلة هذه الجرائم! إن القائمة تغفل المعسكرات المتعارضة‬ ‫‪ 3 - 9‬‬


‫حيث حلف اآلباء واألبناء بالوالء ألطراف مختلفة‪ ،‬واشتعل الوطن‬
‫بيد المواطن‪ ،‬وفرق الفرسان المعادية تجوب األرض للعثور على‬
‫المواطنين المخالفين(‪ ،)151‬وتلوثت الينابيع المقدسة بالسموم‪ ،‬وتصنع‬
‫‪88‬‬
‫سالحا(‪ )152‬وتحفر الخنادق لتضع الوالدين في حصار‪ ،‬وتمأل‬
‫ً‬ ‫من الوباء‬
‫السجون‪ ،‬وتحول المدن بأسرها إلى رماد بالحريق العمد‪ ،‬وتستأسد‬
‫سرا للسلطة الملكية وتخريب الدولة‪ ،‬وأفعال إجرامية‬
‫بالطغيان‪ ،‬وتتآمر ًّ‬
‫يحققون بها اآلن المجد واالغتصاب وانتهاك الحرمات‪ ،‬ولم ُي َ‬
‫عف حتى‬
‫الفم من الشهوة(‪.)153‬‬

‫وأضف إلى هذا اآلن الحنث باليمين بين األمم وكسر المعاهدات‪،‬‬ ‫‪ 4 - 9‬‬
‫واقتالع القوي للغنيمة مهما ضعفت مقاومتها‪ ،‬والخداع والسرقة‬
‫والغش ونكث العهد– جرائم ال تكفيها ثالثة منتديات(‪ .)154‬إن كنت‬
‫تريد أال يغضب الحكيم كما تتصلب عدم جدارة الجرائم فعليه أال‬
‫يمسي غاض ًبا بل مجنو ًنا‪.‬‬

‫‪ 1 - 10‬ومن الحري أن تتفكر في هذا‪ ،‬وينبغي أال ُتغضبك أخطاء الناس‪،‬‬


‫وأخبرني هل يغضب المرء من أناس عاجزين عن أن يقدموا قد ًما على‬
‫أخرى في الظالم؟ أو من أناس صم ال يسمعون األوامر؟ أو من أطفال‬
‫ال ينتبهون لواجباتهم ويشاهدون ألعاب نظرائهم السخيفة؟ ماذا لو كان‬
‫عليك أن تصبح غاض ًبا من هؤالء الذين ينشأون مرضى أو عجزة أو‬
‫متعبين؟ إن من بين العلل التي تجتاحنا كبشر هي قتامة عقولنا‪ ،‬وحتمية‬
‫أغالطنا وولعنا باقترافها‪.‬‬

‫‪ 2 - 10‬ولتجنب الغضب من الناس عليك أن تتناسى الكل‪ :‬حيث تمنح جنس‬


‫إثما‪،‬‬
‫عفوا‪ ،‬وإذا غضبت من الشباب والشيوخ ألنهم اقترفوا ً‬
‫البشر ً‬
‫إثما‪ ،‬ويقينًا ال أحد يغضب‬
‫فاغضب من الرضع؛ ألنهم سوف يفعلون ً‬
‫من األطفال في عمر عاجزين فيه عن التمييز‪ ،‬أليس كذلك؟ فلإلنسان‬
‫عذر أكبر‪ ،‬ويزيد العذر في حال الطفل‪.‬‬

‫‪ 3 - 10‬هذه محددات وشروط ميالدنا‪ :‬فنحن مخلوقات نتعرض ألمراض‬


‫‪89‬‬
‫قطعا‪ ،‬ونسيء استعمال‬ ‫العقل أكثر من الجسد‪ ،‬وال نكل وال نمل ً‬
‫ً‬
‫أنماطا مختلفة للرذيلة‪ .‬وعندما يتبع أحدنا الذين‬ ‫الفطنة‪ ،‬ويقدم كل منا‬
‫سبقونا –في الطريق الخطأ‪ -‬فهل يمكن أال يتعذر ألنه ضل عن الطريق‬
‫الشائع؟‬

‫‪ 4 - 10‬وقد تنسل صرامة القائد ضد األفراد‪ ،‬ولكن العفو مطلوب عندما يتخلى‬
‫الجيش كله‪ .‬فما الذي يمحو غضب الحكيم؟حشد الظالمين الغفير‪،‬‬
‫فهو يدرك مدى الظلم ‪-‬وخطورته‪ -‬حتى يغضب من الرذيلة المتفشية‪.‬‬

‫‪ 5 - 10‬عندما غادر هيراقليطس منزله ورأى جموع الناس من حوله تعيش على‬
‫نحو رديء أو يموتون كذلك‪ ،‬بكى شفقة على جميع السعداء والمفلحين‬
‫الذين قابلهم – سلوك العقل الذي كان لطي ًفا ولكن ضعي ًفا(‪ .)155‬وكان‬
‫هو نفسه بين الذين يستحقون دموعه‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬يقولون‬
‫َّ‬
‫يتخل عن التبسم وسط العامة‪ ،‬ولذا كان يصعب‬ ‫إن ديمقريطوس لم‬
‫عليه أن يأخذ معامالت التجارة والكسب على محمل الجد(‪ ،)156‬فأين‬
‫محل الغضب هنا؟ فكل األشياء تستحق إما ضحكنا وإما دموعنا‪.‬‬

‫‪ 6 - 10‬ال يغضب الحكيم من اآلثمين‪ ،‬لماذا؟ ألنه يعلم أن الحكيم ال ُيولد بل‬
‫ُيصنع‪ ،‬ويعلم أنه يندر وجود الحكيم في كل فترة زمنية(‪ ،)157‬ألنه ُيدرك‬
‫المعاني التي تصف حياة البشر – وال يغضب رجل عاقل من الطبيعة‪،‬‬
‫ومن غير المجدي أن يتعجب من سبب عدم تدلي الثمار على َح َر َجة‬
‫الورد الجبلي أو لماذا ال تجود شجيرات الشوك والعليقة ببعض الثمار‬
‫النافعة‪ .‬ال أحد يغضب عندما تحمي الطبيعة الرذيلة(‪.)158‬‬

‫عدوا‬
‫‪ 7 - 10‬وهكذا الحكيم – هادئ وحتى لطيف في مواجهة الخطأ‪ ،‬وليس ًّ‬
‫لآلثمين بل هو الذي يصوبهم للنهج القويم‪ -‬يترك منزله كل يوم وهذا‬
‫أناسي عدة ينكبون على الشراب‪ ،‬ومنهم‬
‫َّ‬ ‫الفكر في عقله‪« :‬سوف أقابل‬
‫‪90‬‬
‫وكثيرا منهم تقودهم شياطين الطموح»(‪.)159‬‬
‫ً‬ ‫النهم والجامح والجشع‪،‬‬
‫سوف ينظر إلى هذه السلوكيات بلطف طبيب يداوي مرضاه‪.‬‬

‫‪ 8 - 10‬عندما يدخل كثير من الماء في سفينة رجل وتلتحم وصالتها و ُتثقب من‬
‫السفن والسفينة‪ ،‬أليس كذلك؟ واألحرى‬
‫كل جانب‪ ،‬فإنه لن يغضب من َّ‬
‫أن يهرع للعون – فيبقي الماء هنا ويكفه من هناك‪ ،‬ويسد الثقوب التي‬
‫يمكنه رؤيتها‪ ،‬ويستمر في مواجهة غير المرئي منها الذي يسحب الماء‬
‫غير المرئي في بطن السفينة – وال يتوقف لمجرد أن استبدل كثير الماء‬
‫محل الماء الذي صرفه‪ .‬والعون الممتد مطلوب لمواجهة الشرور‬
‫المتوالدة والثابتة‪ ،‬وال يهدف لتوقيفها فحسب بل يقف ضد نصرتها‪.‬‬

‫‪ 1 - 11‬وقيل‪“ :‬إن الغضب نافع ألنه يحفظك من االحتقار و ُيخيف األشرار”‪،‬‬


‫في المقام األول إن كان الغضب قو ًّيا متوعدً ا فإنه مكروه ألنه يثير‬
‫الخوف‪ ،‬بل واألشد خطورة هو الخوف أن ُتحتقر‪ .‬وإن كان واهنًا‬
‫من ناحية أخرى فإنه عرضة لالزدراء وال يفلت من السخرية‪ ،‬وإال فما‬
‫األسخف من غضب الخصومة وتبجح بال طائل؟‬

‫‪ 2 - 11‬وفي المقام الثاني ليس األمر في أشياء بعينها أكثر تهديدً ا كذلك‪ ،‬وال‬
‫أود أن يخبر الحكيم بأن المخيف الذي هو طرف من ذخيرة الحيوانات‬
‫البرية هو سالح للحكيم‪ ،‬فالحمى وألم المفصل والقرحة الكريهة كلها‬
‫مخاوف أليس كذلك؟ ولكن أليس من قطرة خير في هذه األشياء؟ بل‬
‫الخوف(‪)160‬‬ ‫ٌّ‬
‫محل ألسباب‬ ‫إن األشياء المحتقرة والمقززة والتي هي‬
‫جسيما على‬
‫ً‬ ‫على العكس تما ًما‪ ،‬وهكذا الغضب قبيح في حد ذاته وليس‬
‫اإلطالق‪ ،‬ولكنه ُيخوف الكثيرين كما يخاف األطفال من قناع قبيح‪.‬‬

‫‪ 3 - 11‬وماذا عن حقيقة أن الغضب يرتد على الغاضبين فال أحد يخشى من‬
‫ذاته دون خوف؟ وينبغي أال تفكر في هذا األمر على طريقة البيريوس‬
‫‪91‬‬
‫‪ Laberius‬عندما خطب على المنصة وسط الحرب األهلية ولفت انتباه‬
‫َ‬
‫يخش الكثرة‪،‬‬ ‫جميعا كما لو كان صوت المشاعر العامة يقول‪َ :‬من‬
‫ً‬ ‫الناس‬
‫كثيرا(‪.)161‬‬
‫عليه أن يخاف ً‬
‫‪ 4 - 11‬وقد قضت الطبيعة أن ما يخافه اآلخرون يجعل ما عظم ال يخلو من‬
‫الخوف ذاته‪ ،‬فإن قلوب ُ‬
‫األسد ترتعد بهسهسة األصوات! ويبدو الظل‬
‫ً‬
‫وحشا ضار ًيا‪ :‬فإن همست األصوات‬ ‫والصوت والرائحة غير المألوفة‬
‫ٍ‬
‫بعدئذ ألي حكيم أن ُيعقب بعد خوف‬ ‫ارتعدت الوحوش‪ ،‬وما من سبب‬
‫وال يفكر في غضب شيء عظيم ألنه مخيف‪ ،‬فحتى أحقر األشياء مخيفة‬
‫مثل السم واللدغات واللسعات‪.‬‬

‫‪ 5 - 11‬وال عجب أنه – الخيط المعلق على فواصل بالريش يحفظ قطعا ًنا كبيرة‬
‫من الوحوش البرية ويرشدها للفخاخ‪ُ -‬يطلق على األداة خو ًفا(‪ )162‬بعد‬
‫االنفعال ذاته‪ ،‬فاألشياء السخيفة ُتخوف الكائنات السخيفة‪ ،‬حيث إن‬
‫حركة العربة وعجالتها تجبر ُ‬
‫األسد على العودة إلى عرينها‪ ،‬بينما ُيخيف‬
‫صوت الخنزير األفيال(‪.)163‬‬

‫‪ 6 - 11‬ويخيف الغضب بنفس الطريقة التي ُيخيف بها الظل األطفال‪ ،‬أو الريشة‬
‫ٍ‬
‫ومتين‪ ،‬بل يؤثر‬ ‫ٍ‬
‫صلد‬ ‫الحمراء الوحوش البرية‪ :‬إنه ال يشتمل على شيء‬
‫على العقول الواهية‪.‬‬

‫‪ 1 - 12‬وقيل “ عليك أن تستأصل الشر من النظام الطبيعي إن أردت أن تستأصل‬


‫الغضب‪ ،‬وهذا محال”‪ ،‬ففي المقام األول يمكن للمرء أن يتحاشى البرد‬
‫في شهور الشتاء والقيظ في شهور الصيف‪ :‬إما حيث توفر المواقع‬
‫المفضلة الحماية من التطرفات الموسمية أو المتانة الجسدية التي‬
‫تتغلب على مشاعر الحرارة والبرودة‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫تحول هذا التعليق من حولك‪ :‬عليك أن‬
‫‪ 2 - 12‬وفي المقام الثاني بمجرد أن ِّ‬
‫تستأصل الفضيلة من العقل قبل أن ُترحب بالغضب؛ ألن الرذائل ال‬
‫تتعايش مع الفضيلة‪ ،‬وال يمكن ألحد أن يكون غاض ًبا َ‬
‫وخ ِّي ًرا في الوقت‬
‫وصحيحا في آن‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مريضا‬ ‫نفسه كما ال يمكن أن يكون‬

‫‪ 3 - 12‬ولكنك تقول‪« :‬ال يمكن استئصال الغضب من العقل تما ًما‪ ،‬حيث ال‬
‫تسمح طبيعة البشر بهذا»‪ ،‬ومع ذلك ليس من شيء يشق ويصعب على‬
‫فكر البشر‪ ،‬فديمومة الممارسة تجعله رفي ًقا لينًا‪ ،‬وليس من انفعاالت‬
‫وحشية ومفارقة ال يروضها هذا الدرب تما ًما‪.‬‬

‫‪ 4 - 12‬وأ ًّيا كانت الوصاية التي منحها العقل البشرى لذاته‪ ،‬فإنه معتصم‪ :‬فبعض‬
‫الناس قد نجحوا في عدم الضحك(‪ ،)164‬وبعضهم حرم على جسده‬
‫الخمر(‪ ،)165‬وآخرون الجنس‪ ،‬وال يزال آخرون مائعين‪ ،‬وبعضهم جفا‬
‫النوم وواصل في سهر ال يكل‪ ،‬وتعلم الناس كيف يركضون على حبال‬
‫دائبة مطاطة وهم ويحملون أثقالاً تنوء قوة البشر بحملها‪ ،‬ويغوصون‬
‫أعما ًقا غامضة‪ ،‬ويمخرون البحار ال يلتقطون أنفاسهم‪ ،‬وهناك آالف‬
‫األمثلة األخرى لمثابرة التغلب على كل حائل‪ ،‬تبين أن ال شيء يصعب‬
‫عندما ُيلزم العقل ذاته بتحمله‪.‬‬

‫‪ 5 - 12‬إن الذين قد ذكرتهم اآلن لم ُيكافؤوا ماد ًّيا على هذه المثابرة التليدة أو لم‬
‫يجازون على حماسهم – فأي مجد يكتسبه َمن يدربون أنفسهم للمشي‬
‫على حبل البهلوان وهم يحملون أثقالاً على أكتافهم‪ ،‬و َمن ُيجافون‬
‫أعينهم عن النوم أو َمن يمخرون قاع البحر؟ – ومن ثم يتواصل كدحهم‬
‫للنهاية لمهمة بال مكافأة ُتذكر‪.‬‬

‫‪ 6 - 12‬وهل ال نستدعي قدرتنا على التحمل عندما تنتظرنا جائزة عظيمة وسكينة‬
‫خالصة لعقل مبتهج؟ ويا له من أمر جلل أن تهرب من عظيم الشر –‬
‫‪93‬‬
‫الغضب‪ -‬بهياجه ووحشيته وقسوته وجنونه وانفعاالت أخرى ترافقه!‬

‫‪ 1 - 13‬وليس من سبب لنبحث ألنفسنا عن حجة أو عذر يخرجنا من االنغماس‬


‫بقولنا إن األشياء إما نافعة وإما ال يمكن تحاشيها‪ :‬فلماذا تفتقد الرذيلة‬
‫إلى محا ٍم؟ وال يحق لك أن تقول ال يمكن استئصال الغضب وال يمكن‬
‫مداواته‪ ،‬وإذا أردنا أن نتخلص من قصورنا فإن الطبيعة ذاتها تمد يدها‬
‫إن رغبنا أن نحسن أنفسنا؛ ألننا قد ُولدنا لنكون على صواب‪ ،‬ودرب‬
‫ووعرا(‪ ،)166‬بل الوصول إليه‬
‫ً‬ ‫الفضائل ليس ‪ -‬كما يعتقد البعض‪ -‬صل ًبا‬
‫بمستوى أدنى‪.‬‬
‫‪ 2 - 13‬لم ِ‬
‫آت ألعطيك نصيحة تافهة‪ ،‬والطريق إلى حياة إنسانية فضلى‬
‫بسيط(‪ :)167‬ومجرد أن تبدأ مع كنف حسن ومع األرباب تعيره يد العون‪،‬‬
‫ويصعب للغاية أن تقوم باألشياء التي تقوم بها‪ ،‬فما األعظم سكينة من‬
‫سالم العقل؟ وما األعظم مشقة من الغضب؟ وما األعظم تخفي ًفا من‬
‫الرحمة؟ وما األعظم ُكلفة من القسوة؟ والعفة لديها متسع من الحرية‬
‫لذاتها أما الشهوة في حالة انشغال‪ ،‬وبإيجاز من السهل أن تستحوذ على‬
‫الفضائل كلها‪ ،‬ولكن غرس الرذائل يكلف ثمنًا ً‬
‫باهظا(‪.)168‬‬

‫متاح حتى عند الذين يقولون ينبغي‬


‫‪ 3 - 13‬ينبغي أن نتحرر من الغضب‪ -‬وهذا ٌ‬
‫خيرا‪ ،‬وقد يسهل القضاء على‬
‫تقليله‪ .‬دعه ُينبذ بالكلية فإنه ال يجني ً‬
‫الجرائم دونه تما ًما‪ ،‬وسوف ُيعاقب األشرار وننتقل إلى ما هو أرقى‬
‫مكانة‪ .‬وسوف يفي الحكيم بالتزاماته دون أن يتكل على عون خبيث‬
‫ودون خلط شيء عليه أن يراقبه ويحده‪.‬‬

‫‪ 1 - 14‬ولذلك ال ينبغي أن نمنح الغضب مدخلاً ‪ ،‬ولكن ينبغي أن نتظاهر به إن‬


‫كانت عقول مستمعينا بليدة وبحاجة إلى أن ُت َح َّث‪ ،‬مثلما نوخز الخيول‬
‫في عدو الحواجز لتقفز الحاجز‪ .‬وعلينا أن نقذف بالخوف أحيا ًنا الذين‬
‫‪94‬‬
‫ال يشغل فيهم العقل حيزً ا (‪ ،)169‬فالحزن أو الخوف ح ًّقا أكثر ً‬
‫نفعا من‬
‫الغضب‪.‬‬

‫‪« 2 - 14‬ومن ثم أليس المواقف هي التي تثير الغضب؟»‪ ،‬ولكن هذا ما يجب‬
‫معارضته بالضبط‪ ،‬وليس صع ًبا أن تصل لعنان عقلك‪ ،‬فحتى الرياضيون‬
‫الذين ينخرطون في رياضات ترتبط بالجزء الهين منهم(‪ )170‬يتحملون‬
‫ضربات مؤلمة ليستنزفوا قوة الخصم الذي يضربهم‪ ،‬ويضربون عندما‬
‫تحين الفرصة دون غضب‪.‬‬

‫‪ 3 - 14‬ويقولون إن بيروس ‪ Pyrrhus‬أعظم مدرب للمنافسات في الجيمانيزيوم‬


‫كان يوجه المتدربين بأال يغضبوا؛ ألن الغضب يزعزع المهارة ويوجه‬
‫عينه لفعل الضرر فحسب(‪ .)171‬وغال ًبا ما يحث العقل على الحلم‪ ،‬بينما‬
‫يدفع الغضب لالنتقام‪ .‬وبينما نتقبل البلية بصدمتها األولى‪ُ ،‬يسقط علينا‬
‫تعاسة أكبر‪.‬‬

‫‪ 4 - 14‬وقد ُألقي بعض الناس في المنفى عندما لم يقدروا برباطة جأش على‬
‫تحمل كلمة إهانة بعينها‪ ،‬و ُن ِّكل بهم بمكروهات مزرية ألنهم لم‬
‫يتحملوا إهانة تافهة في صمت‪ :‬حيث انتهك نطاق حريتهم من كل‬
‫جانب‪ ،‬ووضعوا نير العبودية على رقابهم(‪.)172‬‬

‫‪ 1 - 15‬وقيل‪« :‬إنه يمكنك أن تقول إن الغضب فيه شيء نبيل حيال هذا عندما‬
‫ترى أن األمم الحرة مثل الجرمان والسايس ‪ Scyths‬أكثر عرضة‬
‫للغضب»(‪ ،)173‬نعم‪ ،‬يحدث هذا ألن الشخصيات الصلبة والشجاعة‬
‫بالطبيعية عرضة للغضب أمام لين التدريب‪ .‬وشمائل بعينها هي ِخ ْل ِق ّية‬
‫في طبائع فضلى فحسب مثل أشجار راسخة وفيرة تحملها األرض‪،‬‬
‫ورغم أنها لم ُتغرس‪ ،‬فالغابة تنمو في تربة خصبة‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫‪ 2 - 15‬وهكذا الشخصيات القوية بالطبيعة حانقة‪ :‬حيث ال تحتوي طبيعتها‬
‫المتقدة الحارة على شيء مرهف وهزيل‪ ،‬بل قوة حياتهم ليست مشوهة‬
‫كما هو الحال في كل الشمائل التي تنشأ فحسب من خير الطبيعة‬
‫ذاتها دون توجيه للمهارة‪ :‬وإذا لم يروض عاجلاً فإن العناصر المناسبة‬
‫للشجاعة يألفها التهور والطيش‪.‬‬

‫‪« 3 - 15‬لكن أليس من رذائل معتدلة –مثل الشفقة والحب والكبح‬


‫المعتدل(‪ -)174‬مرتبطة بعقول لطيفة؟»‪ .‬نعم‪ ،‬وسوف أبرهن لك أن‬
‫الموهبة الطبيعية الخيرة غال ًبا لها شمائل رديئة‪ ،‬وحقيقة أنها أعراض‬
‫لطبيعة فضلى ال يعني أنها ليست رذائل‪.‬‬
‫‪ 4 - 15‬ومع هذا فإن كل هذه األمم تجعلها ضراوتها حرة مثل ُ‬
‫األسد والثعالب‪،‬‬
‫وهم عاجزون عن أن يكونوا قادة ألنهم عبيد؛ ألن قوتهم ليست طبيعة‬
‫بشرية بل طبيعة شرسة وصعبة المراس‪ :‬حيث ال أحد بمقدوره أن يحكم‬
‫ما ال يمكن حكمه (‪.)175‬‬

‫‪ 5 - 15‬وهذا هو السبب في أن معظم هذه األمم تتمتع بمناخ اإلمبراطوريات‬


‫المعتدل‪ :‬أولئك الذين ينظرون إلى قشعريرة الشمال بأنها ‘طبيعة غير‬
‫قابلة للضبط’ كما يقول الشاعر(‪)176‬‬
‫“مثل مناخهم بالضبط”‪.‬‬

‫‪ 1 - 16‬وقيل “ إن الحيوانات لديها غضب أكثر من أعظم النبالء”‪ ،‬من الخطأ‬


‫أن تستعمل مثالاً للبشر لتلك الحيوانات التي لها دافع محل العقل‪ :‬بينما‬
‫البشر لهم عقل محل الدافع‪ ،‬وحتى نفس الدافع ال ينفع الحيوانات‬
‫كلها‪ :‬فالغيظ ينفع ُ‬
‫األسد‪ ،‬وهلع الخوف يفيد الظبي‪ ،‬واالنقضاض يعين‬
‫الصقر‪ ،‬والطيران يفيد الحمامة‪.‬‬

‫‪ 2 - 16‬وليس صوا ًبا أن أفضل الحيوانات هي التي عرضة للغضب‪ :‬وماذا‬


‫‪96‬‬
‫عن هذا؟ إنني أرى أن الحيوانات المفترسة أشد غض ًبا‪ ،‬وأثني على‬
‫هوادة الثيران وامتثال الخيول للقيود‪ .‬ولماذا تحيل اإلنسان لمثل هذه‬
‫األمثلة العقيمة في حين لديك عالم ورب واإلنسان بمفرده من بين كل‬
‫الحيوانات َمن يفهمهما‪ ،‬وهو فحسب َمن قد يحاكيهما(‪.)177‬‬
‫‪ 3 - 16‬وقيل ً‬
‫أيضا‪« :‬إن المغتاظين هم أكثر صراحة من الجميع» نعم‪ ،‬مقارنة مع‬
‫المخادعين والمحتالين‪ :‬إنهم ُيظهرون صراحة ويتصرفون دون تمويه‪،‬‬
‫ومع ذلك أقول إنهم ليسوا ‘صرحاء’ بل ‘غافلين’‪ :‬وهذا االسم نمنحه‬
‫للحماقة والمفرطين والمبذرين وجميع الرذائل التي تفتقر إلى الكياسة‪.‬‬

‫‪ 1 - 17‬وما يزيد عن هذا‪« :‬أن الخطيب عندما يغضب يكون في حالة‬


‫فضلى»(‪ .)178‬ال‪ ،‬ألنه عندما يتصرف بغضب‪ :‬فإنه ُيمثل ليحرك‬
‫جمهوره‪ ،‬ولذا فهم ليسوا غاضبين عند خطابتهم بل يفتعلون الغضب‪،‬‬
‫وكذلك علينا أن نحرك عقول الناس وف ًقا إلرادتنا أمام لجنة القضاة‬
‫ً‬
‫عرضا للغضب أو الخوف أو الشفقة لنغرس‬ ‫والجمعية العامة‪ ،‬فنصنع‬
‫هذه المشاعر في اآلخرين‪ ،‬وغالبًا ما تحقق االنفعاالت المتصنعة ما ال‬
‫تقدر االنفعاالت الحقة عليه‪.‬‬
‫‪ 2 - 17‬وقيل ً‬
‫أيضا‪« :‬إن العقل الذي يعجز عن الغضب يفتقر إلى الطاقة»‪ ،‬هذا‬
‫شيء أقوى من الغضب‪ ،‬وال يجب على المرء أن‬
‫ٌ‬ ‫ح ًّقا إن لم يكن به‬
‫يكون قاطع طريق وال فريسة له وال ينكب للشفقة وال القسوة‪ :‬فهناك‬
‫عقولٌ لينة وأخرى صلبة‪ ،‬وعلى الحكيم أن يكون متواز ًنا‪ ،‬و ُيظهر القوة‬
‫ال الغضب للفعل الشجاع غير المألوف‪.‬‬

‫‪ 1 - 18‬وبما أننا قد تناولنا األسئلة التي يثيرها موضوع الغضب‪ ،‬فدعنا ننتقل إلى‬
‫عالجاته‪ ،‬وأراها في غايتين أساسيتين‪ :‬وهي أال نقع في الغضب‪ ،‬وأال‬
‫نخطأ عند الغضب(‪ ،)179‬كما نتعهد أجسادنا ببعض الوصفات متطلعين‬
‫‪97‬‬
‫إلى الحفاظ على الصحة وبعضها الستعادتها‪ ،‬ولذا علينا أن ُنبقي على‬
‫الغضب من طريق ونكبحه من طريق آخر(‪ ،)180‬وبهذا يمكننا تحاشي‬
‫الغضب‪ ،‬وسوف ُأقدم بعض الوصفات التي تتعلق بطرائق حياتنا ككل‪:‬‬
‫ووزعتها بين فترة تربية األطفال والفترة التي تليها‪.‬‬

‫‪ 2 - 18‬حيث تتطلب تربية الطفل اهتما ًما أكبر وسوف تحقق عائدً ا أعظم؛ ألنه‬
‫من السهل أن تغرس نظا ًما أفضل في العقول وهي ال تزال لينة‪ ،‬ومن‬
‫الصعب أن نستأصل الرذائل التي نمت معنا‪.‬‬

‫‪ 1 - 19‬والعقد المتقد بطبيعته أكثر عرضة للغضب‪ ،‬وهناك أربعة عناصر – النار‬
‫والماء والهواء والتراب‪ -‬بخصائصها المتطابقة – الحرارة والبرودة‬
‫والجفاف والرطوبة(‪ .)181‬ووف ًقا لهذا ينتج من مزج العناصر اختالف‬
‫األماكن والمخلوقات والهيئات والعادات‪ ،‬وتميل الطبائع الفطرية‬
‫للمخلوقات أكثر في اتجاه بعينه متناس ًبا مع القسوة األكبر التي يوفرها‬
‫إمداد عنصر بعينه‪ .‬وهكذا يمكن أن نطلق على بعض المناطق أنها‬
‫‘رطبة’ و‘جافة’ و‘حارة’ و‘باردة’‪.‬‬

‫‪ 2 - 19‬والتمايزات نفسها صالحة للحيوانات والبشر‪ :‬و ُتحدث فر ًقا في مقدار‬


‫الرطوبة والحرارة داخل كل فرد‪ ،‬والعنصر الذي يسود فيه سوف ُيحدد‬
‫سلوكياته المميزة‪ ،‬وطبيعة العقول المتقدة تجعل الناس عرضة للغضب؛‬
‫ألن النار نشطة وعنيفة‪ ،‬والخليط الذي تسود فيه البرودة يجعلها متبلدة؛‬
‫ألن البرودة خاملة وقارصة‪.‬‬

‫وتبعا لهذا بعض من شيعتنا قالوا إن الغضب هياج في الصدر عن طريق‬


‫ً‬ ‫‪ 3 - 19‬‬
‫غليان في الدم حول القلب(‪ .)182‬وقد تعينت هذه المنطقة للغضب؛‬
‫ألنها أدفأ مكان في الجسم‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫تدريجيا؛ ألنهم ال يملكون‬
‫ًّ‬ ‫‪ 4 - 19‬وينمو غضب َمن تسيطر عليهم الرطوبة‬
‫فعليا للدفء الذي يمكن أن ُيكتسب بالحركة‪ ،‬ولهذا السبب‬
‫ًّ‬ ‫مدًّ ا‬
‫غضب األطفال والمرأة أشد حدة من التفجع‪ ،‬وتافه في بدايته إلى حد‬
‫ما‪ ،‬ومراحل الحياة الجافة التي فيها غضب عنيفة وقوية ولكن ال يزيد‪:‬‬
‫حيث ال ينمو ألن البرودة تتبع الحرارة التي ترتبط باالنطفاء‪ ،‬فالعجائز‬
‫متذمرون ومعقدون مثل المرضى والمتماثلين للشفاء والذين استنزفت‬
‫حرارتهم باإلعياء أو الفصد‪.‬‬

‫‪ 5 - 19‬والذين ينهكون من العطش والجوع في الموقف نفسه‪ ،‬والذين تفتقر‬


‫أجسادهم إلى الدم الكافي وهم ضعفاء من سوء التغذية‪ ،‬ويأجج الخمر‬
‫نوبات الغضب ألنه ُيزيد الحرارة وقد يصل بعض السكارى للغليان أو‬
‫قد ُيصاب فيه بعض الناس وف ًقا لطبيعة المرء‪ ،‬ولهذ السبب بالتحديد‬
‫تكون الشقراوات وذوو البشرة المتوردة أكثر عرضة للغضب‪ .‬ومن‬
‫الطبيعي أن يكتسوا باللون الذي يكتسبه اآلخرون عندما يغضبون(‪)183‬؛‬
‫ألن دمهم ُيستثار ويتحرك بسهولة‪.‬‬

‫‪ 1 - 20‬وكما أن طبيعة بعض الناس تميل للغضب‪ ،‬فإن عوامل أخرى كثيرة تظهر‬
‫يمكن أن يكون لها التأثير نفسه‪ ،‬وقد ينقاد البعض لهذا الحال بسبب‬
‫المرض واإلصابة الجسدية‪ ،‬وآخرون بالكدح أو تمديد فترات عدم النوم‬
‫واضطراب الليالي ومشاعر التوق والحب(‪ ،)184‬وأي شيء يضر الجسد‬
‫والعقل ُيمرض القدرة على التفكير‪ ،‬ويجعله ُيقبل على الشكوى‪.‬‬

‫‪ 2 - 20‬ولكن كل هذه العوامل هي علل أولى‪ :‬والنفوذ األكبر ُينسب للعادة‬


‫حين تكون مضرة‪ -‬التي ُتغذي الرذائل‪ ،‬ومن الصعب أن تتحول الطبيعة‬
‫متاحا لنا‪ ،‬ومن‬
‫بمجرد مزج هؤالء القادمين في العالم‪ ،‬وتغييرها ليس ً‬
‫األنفع أن نعرف أنه ينبغي حفظ الطبائع المتقدة من الخمر‪ ،‬التي يرى‬
‫‪99‬‬
‫أفالطون وجوب تحريمها على األطفال‪ ،‬مستندً ا في تحريمها على‬
‫أساس أن النار ال ُتستثار بالنار(‪ :)185‬وال ينبغي حتى ملء بطونهم‬
‫بالطعام‪ :‬فتتورم أجسادهم وتتضخم عقولهم بجانب أجسادهم‪.‬‬

‫‪ 3 - 20‬فالعمل المضني يمنحهم مرا ًنا‪ ،‬ولكن دون أن يستنفدهم‪ :‬والغاية هي‬
‫تقليل حماسهم وليس استهالكه‪ ،‬وترك حماسهم المفرط ينفجر غليانه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫معتدل من المتعة يريح عقولهم و ُيبقيهم في‬ ‫واأللعاب ً‬
‫أيضا نافعة‪ ،‬فقدر‬
‫اتزان‪.‬‬

‫‪ 4 - 20‬وهذه الطبائع الرطبة والجافة والباردة ليست عرضة للغضب(‪.)186‬‬


‫وعليك أن تحترس من الرذائل المفعمة الحيوية؛ ألنها مفزعة وشاكسة‬
‫ويائسة ومريبة‪ :‬وهذه الطباع يجب أن تهدأ وتدلل و ُتوقظ لسعادة‪ .‬وبما‬
‫أن بعض العالجات يجب أن تستعمل مضادة للغضب وبعضها اآلخر‬
‫ضد الكآبة‪ -‬وليست العالجات مختلفة فحسب‪ ،‬بل متعارضة تما ًما‪-‬‬
‫وسوف نحاول أن نواجه الشعور المهيمن‪.‬‬

‫‪ 1 - 21‬وأشدد على الفائدة العظيمة المستمدة من تربية األطفال بطريقة صحيحة‬


‫منذ بدايتهم‪ ،‬ومع ذلك من الصعب أن نرشدهم ونحن نحاول تغذيتهم‬
‫بالغضب أو تقويض قدراتهم الطبيعية‪.‬‬

‫‪ 2 - 21‬إن األمر يتطلب مراقبة دقيقة؛ ألن الشيء الذي تحاول تشجيعة والمرء‬
‫الذي تحاول قمعه كالهما ُيغذى بأشياء متشابهة‪ ،‬واألشياء المشابهة‬
‫تخدع بسهولة حتى المراقب اليقظ‪.‬‬

‫‪ 3 - 21‬فالحرية تنمي الروح والمذلة ُتعجزها‪ ،‬والروح تبتهج حين تثنيها فتبني‬
‫احتمالاً حسنًا ُيرضيها‪ -‬ولكن العجرفة والغضب لهما المصدر نفسه‪،‬‬
‫وبالتالي علينا أن نرشد باعتدال مستخدمين القيود والوخز‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫بائسا‪ ،‬ال شيء يستحق أن تكون له عبدً ا‪،‬‬
‫‪ 4 - 21‬ودع روح الطفل ال تعاني شيئًا ً‬
‫وانظر إنه ال يحتاج إلى السؤال والتملق – وانظر أال يشق طريقه بمثل‬
‫هذه األفعال‪ .‬وينبغي أن ُيمنح ما يريده لمصلحته ولسلوكه األولى‬
‫وللسلوك الحسن الواعد للمستقبل‪.‬‬

‫‪ 5 - 21‬وعندما يتنافس مع أقرانه ال ندعه يجهد وال يغضب‪ ،‬وينبغي أن نبذل‬


‫جهدً ا لنضمن أنه يتنافس بانتظام مع أصدقائه‪ ،‬حتى يعتاد الرغبة في‬
‫الفوز وليس إيذاء اآلخر‪ ،‬وعندما يعلو على القمة ويفعل ما يستحق‬
‫الثناء ندعه يبتهج وال يختال‪ :‬فاللعب ينجح بالغبطة والتي بدورها ترفع‬
‫الرأس و ُتعلي الرأي‪.‬‬

‫بعضا من االسترخاء ولن نسمح لهم أن يغطوا في كسل‬ ‫‪ 6 - 21‬وسوف نمنحهم ً‬


‫وخمول‪ ،‬ونحفظ لهم وسائل الترفيه‪ ،‬وال شيء يجعل الناس أكثر ميلاً‬
‫للغضب من أن يتربوا في اللين والكدر‪ ،‬ولهذا السبب إذا كان الطفل‬
‫وحيدً ا كان مدللاً و ومنح حرية أكبر(‪ ،)187‬وفسد عقله‪ .‬وإن المرء‬
‫الذي لم ُي َق ْل له ‘ال’ مطل ًقا ومسحت أمه المتلهفة دموعه وتصفح له في‬
‫قوله(‪ ،)188‬فإن هذا المرء لن يقاوم إهانة‪.‬‬

‫‪ 7 - 21‬ويقينًا أنك تدرك أنه كلما عظمت ضربة الحظ الحسن زاد الغضب‬
‫المصاحب لها‪ ،‬وهذا جلي في حال األثرياء والنبالء والوالة‪ :‬فكل‬
‫جناحا عندما يهفه النسيم من‬
‫ً‬ ‫شيء تافه وفارغ في بنيته الذهنية يتخذ‬
‫خلفه‪ ،‬والرخاء ُيغذى الغضب عندما يحيط حشد إمعة برجل متغطرس‪،‬‬
‫ويهمسون في إذنه “ح ًّقا‪ ،‬هل سيحدث معك؟ ال تمنح بسمو قدرك‬
‫الفياض‪ ،‬وال تحط من قدرك”‪ ،‬وأشياء أخرى قاومتها العقول السليمة‬
‫بثبوت قدم بالكاد‪.‬‬

‫‪ 8 - 21‬ويجب إبعاد الطفل عن اإلطراء‪ :‬دعه يسمع الحقيقة‪ .‬ودعه يشعر‬


‫‪101‬‬
‫بالخوف(‪ ،)189‬ويكون محتر ًما فيقف أمام شيوخه‪ ،‬ودعه ال يحصل‬
‫على ما يريد بالغضب‪ ،‬فما يرفضه الطفل لبكائه ينبغي أن ُيعطى له عندما‬
‫يهدأ‪ ،‬وينبغي أن تكون ثروة أبيه أمامه ليراها وال يستعملها‪ ،‬ودعه يؤنب‬
‫نفسه لنقائصه‪.‬‬

‫وحضورا يعينهم‪ ،‬في أي شيء ناشئ ولين‬


‫ً‬ ‫‪ 9 - 21‬امنح األطفال معلمين هادئين‬
‫يكرس ذاته لألشياء القريبة ليده وينمو ليشبهها‪ :‬فشخصية الممرضة‬
‫والمرافقة تنعكس في شخصيتهم عندما يبلغون‪.‬‬

‫‪ 10 - 21‬عندما تربى الطفل في بيت أفالطون(‪ )190‬وعاد إلى والديه‪ ،‬ورأى أباه‬
‫لدي شك أنه‬
‫أر هذا الصراخ في بيت أفالطون»‪ ،‬وليس َّ‬
‫يصرخ‪ ،‬قال‪« :‬لم َ‬
‫كان يقلد والده أكثر من أفالطون‪.‬‬
‫ً‬
‫بسيطا‪ ،‬وملبسه غير متكلف‪،‬‬ ‫‪ 11 - 21‬وفوق هذا كله‪ ،‬انظر إلى طعامه أن يكون‬
‫ونمط حياته مثل أقرانه‪ ،‬والطفل الذي تجعله ندًّ ا لكثيرين من البداية لن‬
‫يغضب حين تقارنه بشخص ما‪.‬‬

‫‪ 1 - 22‬وهذه التعليقات تتعلق بأطفالنا‪ ،‬أما بالنسبة لنا وأحداث ميالدنا وتربيتنا‪،‬‬
‫فلم يكن من فرصة للخطأ وتحسينه‪ :‬وهذا ما سنضعه في االعتبار فيما‬
‫هو ٍ‬
‫آت‪.‬‬

‫‪ 2 - 22‬وبناء عليه علينا أن نكافح العلل األولى لالنفعاالت‪ ،‬وعلة الغضب‬


‫جديرا بالثقة‪.‬‬
‫ً‬ ‫هي االعتقاد بأن أحدً ا قد أخطأ(‪ )191‬وال ينبغي أن يكون‬
‫وال ينبغي للمرء أال يقبل مباشرة حتى ما هو واضح وجلي؛ ألن بعض‬
‫األشياء تبدو كاذبة وتشبه الحقيقة‪ ،‬وعلى المرء دو ًما أن يأخذ وقته‬
‫الكافي‪ :‬فمرور الزمن ُيجلي الحقيقة(‪.)192‬‬

‫‪ 3 - 22‬وال ُتقرض أذنيك للمتهمين بسهولة‪ ،‬إنه عيب في الطبيعة البشرية‬


‫‪102‬‬
‫معروف لنا جيدً ا ومن سبيل عدم الثقة‪ ،‬وهو أن ُيسرنا تصديق ما ال نريد‬
‫سماعه‪ ،‬ويتنامى غضبنا قبل أن نحكم‪.‬‬

‫‪ 4 - 22‬وماذا عن حقيقة أننا ال تحركنا االتهامات فحسب بل الشكوك‪ ،‬وأننا‬


‫نغضب من األبرياء؛ ألننا وضعنا التفسير األسوأ على شخص آخر ينظر‬
‫ويضحك؟ على المرء أن يلتمس حال غياب الطرف اآلخر المضاد‬
‫لمصلحتنا و ُيبقي الغضب معل ًقا‪ ،‬فال يزال بالمقدور فرض العقوبة‬
‫المؤجلة‪ ،‬ولكن العقوبة المفروضة ال يمكن التراجع عنها‪.‬‬
‫وهناك قصة مشهورة عن الطاغية الذي ُقبض عليه قبل أن ينجز مهمته(‪)193‬‬
‫ُ‬ ‫‪ 1 - 23‬‬
‫وعذبه هيبياس ‪ Hippias‬ليعترف على رفقائه الذين أطلق عليهم أصدقاء‬
‫وعرف أنهم كانوا ملتزمين بسعادة الطاغية‪.‬‬
‫الطاغية الذين يقفون حوله‪ُ ،‬‬
‫وبعد أن أمر الطاغية بقتلهم واحدً ا تلو اآلخر باسمه‪ ،‬سأل َمن الذي بقي‪،‬‬
‫قال الرجل‪‘ :‬أنت‪ ،‬فلم َي ْب َق أحد آخر ينظر إليك بولع’‪ ،‬فقد أوعز الغضب‬
‫للطاغية أن يعير الطاغية القاتل يدً ا‪ ،‬وقتل وصيه على العرش بسيفه‪.‬‬
‫‪ 2 - 23‬وكم كان اإلسكندر(‪)194‬‬
‫متحمسا للغاية! بعد أن قرأ رسالة أمه تحذره‬
‫ً‬
‫من أن يحترس من سم الطبيب فيليبوس‪ ،‬وأخذ الشراب الذي قدمه له‪،‬‬
‫وسكبه وهو يرتعد‪ :‬وكان عليه أن يثق في صديقه أكثر من نفسه‪ ،‬كان‬
‫وجديرا به أن يقيم براءته‪.‬‬
‫ً‬ ‫جديرا بصديقه أن يكون بريئًا‪،‬‬
‫ً‬
‫‪ 3 - 23‬إنني أثني على بلوغ أكثر من هذا في اإلسكندر؛ ألن الكل يقع فريسة‬
‫للغضب(‪ ،)195‬وقد يزيد ضبط النفس فيما هو غير مألوف عند الملوك‬
‫عندما يزيد ثناؤه‪.‬‬

‫‪ 4 - 23‬وقد فعل يوليوس قيصر هذا ً‬


‫أيضا في تعامله مع انتصاره في الحرب األهلية‬
‫بطريقة رحيمة‪ ،‬حين أوقف رسائل مرسلة إلى جنايوس بومبي من أناس‬
‫‪103‬‬
‫يبدو أنهم محايدون أو على الطرف النقيض فأحرقها(‪ ،)196‬وقد اعتاد أن‬
‫يكون معتدلاً في غضبه(‪ ،)197‬إنه فضل مع ذلك عجزه عن الغضب‪ ،‬واعتبر‬
‫أعظم أنواع الرضى هو العفو‪ ،‬ال أن يعرف ما اقترفه كل إنسان‪.‬‬

‫‪ 1 - 24‬وموطن الخسران في سرعة التصديق‪ ،‬وال ينبغي أن تقرضها أذنك في‬


‫الغالب‪ ،‬فقد تخدع في بعض األمور الفضلى أكثر مما ترتاب‪ ،‬وعليك‬
‫أن تستأصل الشكوك والتخمينات بالكلية وهي أعظم منغصات الغصب‪:‬‬
‫مثل «هذا الرجل لم يحيني بحرارة‪ ،‬وهذا الرجل يولي وجهه عن قبالتي‪،‬‬
‫وهذا الرجل يقطع حواري معه بسرعة‪ ،‬وهذا الرجل لم يدعني للعشاء‪،‬‬
‫وهذا الرجل ال يبدي لي نظرة ود»(‪.)198‬‬
‫ُ‬
‫الشكوك دليلاً يدعمها‪ ،‬والطرافة وحكم اللطف مطلوبان‪،‬‬ ‫‪ 2 - 24‬وسوف تجد‬
‫متلبسا بالجريمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ودعنا ال نأمل ما يحدق في وجوهنا وما ُيقبض عليه‬
‫ودعونا نوبخ سرعة تصديقنا حينما يتضح أن شكوكنا فارغة؛ ألن هذا‬
‫النوع من التوبيخ سوف يجعلنا نبطئ االعتقاد بمسألة العادة‪.‬‬

‫‪ 1 - 25‬وقد يتبع هذا أن المسائل التافهة والهينة لن تغضبنا‪ ،‬مثل أمور العبد‬
‫البطيء‪ ،‬والماء حار للشراب‪ ،‬والفراش غير ممهد‪ ،‬والمائدة غير منظمة‪:‬‬
‫فالغضب من مثل هذه األشياء جنون‪ ،‬فالمرء الذي ترعده هفة النسيم‬
‫ضعيف ومريض‪ ،‬واألعين التي تؤذيها لمعة الثوب األبيض ليست‬
‫سليمة‪ ،‬والمرء الذي يشعر باأللم من رؤية كد رجل آخر أوهنته الرفاهية‪.‬‬

‫‪ 2 - 25‬ويقولون إن مينديريدس ‪ Mindyrides‬من مدينة إسبراطتيس ‪Sybarites‬‬


‫اشتكى بأنه ينزعج عندما يرى ً‬
‫امرأ يحفر ويرفع معوله لألعلى ومنعه هذا‬
‫أن يعمل وهو يراه‪ .‬واشتكى الرجل نفسه أنه يشعر باألسى وهو يستلقي‬
‫على بتالت الورد التي قد تلوت(‪.)199‬‬
‫‪104‬‬
‫‪ 3 - 25‬وعندما ُتفسد المتع العقل والجسم في آن‪ ،‬ال شيء يمكن احتماله‪ ،‬ليس‬
‫ٍ‬
‫امرئ أو‬ ‫لصعوبة األمور بل ألن المرء الذي يواجهها لين‪ ،‬فلماذا سعال‬
‫سهوا أو إقدام كلب نحوك أو‬
‫عطسه ينقل لك النوبة‪ ،‬وكذلك نش ذبابة ً‬
‫انزالق مفتاح من يد عبد مهمل؟‬

‫‪ 4 - 25‬وهل يتحمل المرء الذي تأذى سمعه من جر مقعد مفاسد الحياة العامة‬
‫برباطة جأش أو اللعنات التي تنهمر عليه في الجمعية أو مجلس الشيوخ؟‬
‫وهل المرء الذي يغضب من العبد الذي أساء في عمل ذوبان الثلج(‪)200‬‬

‫يتحمل الجوع والعطش في رحلة صيف؟ ولهذا السبب أقول‪ :‬ال شيء‬
‫يغذي الغضب أكثر من الرفاهية الخارجة عن السيطرة ويعجز الحرمان‬
‫منها‪ :‬حيث يجب أن ُيعامل العقل بقسوة‪ ،‬حيث إنه ال يشعر إال باللطمة‬
‫القوية فحسب‪.‬‬

‫‪ 1 - 26‬إننا نغضب من الذين ال يوقعوننا في خطأ والذين يوقعوننا كذلك(‪.)201‬‬

‫‪ 2 - 26‬فى المقولة السابقة موضوعات بعينها ساكنة‪ :‬غال ًبا نرفض كتا ًبا؛ ألن‬
‫كتابته صغيرة وممزعة إلى أجزاء؛ ألن نسخته سيئة‪ .‬أو نمزق المالبس‬
‫غباء‪ ،‬أن نغضب من أشياء ال تستحق‬
‫ألنها مثيرة لالستياء‪ ،‬كم كان هذا ً‬
‫غضبنا(‪!)202‬‬

‫‪« 3 - 26‬وبالطبع الناس الذين يصنعونهم هم الذين يسيئون لنا»‪ ،‬في المقام‬
‫األول غال ًبا ما نغضب قبل أن نعي هذا التمييز‪ ،‬وفي المقام الثاني ربما‬
‫أعذارا معقولة‪ :‬حيث إن المرء ليس بمقدوره‬
‫ً‬ ‫يقدم الحرفيون ذواتهم‬
‫أن يفعل أفضل مما فعل‪ ،‬ولم يكن غايته إهانتك؛ ألنه لم يتعلم بشكل‬
‫أفضل‪ ،‬والمرء اآلخر لم يفعل ما فعله بغية اإلساءة إليك‪ ،‬وهل من‬
‫جنون أعظم من أن تنفس كدرك ضد األشياء عندما يكون الناس هدفك‬
‫الفعلي؟‬
‫‪105‬‬
‫‪ 4 - 26‬وما يزيد عن ذلك أن تغضب من أشياء تفتقر إلى الروح‪ ،‬وهو أن تغضب‬
‫من البهائم البكماء‪ ،‬وهي ال توقعنا في خطأ ألنها مسلوبة اإلرادة‪ :‬حيث‬
‫ال يوجد خطأ ما لم يصدر من قصد(‪ ،)203‬فالسيف والحجر يأذياننا‪،‬‬
‫ولكن ال يجعالننا نخطئ‪.‬‬
‫‪ 5 - 26‬ومن ثم يقع بعض الناس في الشكوى عندما تطيع الخيول نفسها خيالاً‬
‫وترفض آخر‪ -‬كما لو كانت بعض األشياء تسترضي بعض الناس عن‬
‫عمد‪ ،‬وال مكان لعادة المدرب ومهارته‪.‬‬

‫‪ 6 - 26‬وأكثر من ذلك من الغباء أن تغضب من هذه المخلوقات‪ ،‬وهو أن‬


‫تغضب من األطفال والذين ال يتجاوز تفكيرهم عقل األطفال(‪.)204‬‬
‫وفي األعين ٍ‬
‫قاض عادل‪ ،‬فأي خطأ من هذا النوع من هؤالء الناس يمكن‬
‫دفعه بعذر عدم التفكير ال البراءة؟!‬

‫‪ 1 - 27‬وهناك أشياء بعينها ال تضرنا‪ ،‬ولها قوة النفع والفائدة مثل األرباب‬
‫الخالدة الذين ال يرغبون وال يكونون عائ ًقا؛ ألن طبيعتهم لطيفة وهادئة‪،‬‬
‫وهم يمحون الخطايا من فعل الخطأ ذاته‪.‬‬

‫‪ 2 - 27‬ووف ًقا لهذا فإن المجانين والذين يجهلون الحقيقة هم َمن يحملون‬
‫األرباب وحشية البحر واألمطار العاصفة والشتاء القارص الجامح‪،‬‬
‫ولكن الحقيقة أن هذه الظواهر ال تضرنا ‪-‬بل تسدي لنا الخير‪ -‬بل‬
‫غايتها نحن‪ .‬فليس في حسابنا أن العالم يتمتع بدورة الشتاء والصيف‪:‬‬
‫كثيرا‬ ‫وهذه األشياء تتبع قوانينها التي تنفذ الغاية اإللهية(‪)205‬‬
‫‪ .‬إننا نعتد ً‬
‫بأنفسنا إذا تخيلنا أننا جديرون بهذه الهزات العظيمة‪ .‬وال تحدث هذه‬
‫األشياء بغية تخطيئنا‪ -‬بل العكس هو الصحيح‪ -‬بل إن هذه األشياء‬
‫تحدث لخيرنا‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫‪ 3 - 27‬لقد قلت إن بعض األشياء ليس بمقدورها ضررنا وبعضها ال يرغب‬
‫ضررنا‪ ،‬وتستحسن المقولة األخيرة الوالة والقضاة والمعلمون‬
‫والوالدان‪ ،‬الذين نقبل لومهم على أنه عالج مثل الجراحة والصيام‬
‫وأشياء أخرى تسبب لن األلم من أجل خيرنا‪.‬‬

‫‪ 4 - 27‬ولنفرض أننا ُعوقبنا‪ :‬فينبغي أال نفكر فيما نعانيه بل فيما فعلناه‪ ،‬وعلينا‬
‫أن ُنعمل النظر في طريقة حياتنا‪ ،‬وإن أردنا أن نقول ألنفسنا الحقيقة‪،‬‬
‫سوف نحكم بأن ما نزل علينا أقل ما نستحق‪.‬‬

‫‪ 1 - 28‬وإن أردنا أن نكون قضاة عدل في كل األمور‪ ،‬دعنا نقنع أنفسنا بأن ال‬
‫أحد منا بال خطيئة(‪ ،)206‬وأصل النقمة األعظم أن تقول ‘أنا دون خطيئة’‬
‫أو ‘لم ْ‬
‫أفعل شيئًا’‪ ،‬ال‪ ،‬باألحرى أنت ال تعترف بشيء‪ .‬إننا نمتعض حين‬
‫نوبخ بكلمة لوم أو نكبح بقيود ونفعل في اللحظة نفسها الخطأ بإضافة‬
‫الكبر والتحدي ألفعالنا الرديئة‪.‬‬

‫‪ 2 - 28‬و َمن ذا الذي يدعي بأنه بريء أمام كل القوانين؟ حتى لو كان كذلك‪،‬‬
‫فما البراءة المقننة التي تعد ‘حسنة قانو ًنا’‪ ،‬فكم تمتد قاعدة األفعال‬
‫المالئمة باتساعها أكثر من حكم القانون(‪ !)207‬وكم يتطلب اإلخالص‬
‫والشعور اإلنسانى والكرم والعدالة وحسن النية تلك األشياء التي ال‬
‫تحددها مناضد القانون(‪!)208‬‬

‫‪ 3 - 28‬ولكن ال يمكننا حتى أن نمثل أنفسنا لترضى بهذا التعريف الضيق للغاية‬
‫للبراءة‪ :‬فبعض األشياء قد قمنا بها وأخرى قد خططنا لها‪ ،‬وبعضها‬
‫تمنيناه وأخرى ال نزال ندعمه‪ ،‬ونحن بريئون في بعض الحاالت؛ ألننا‬
‫لم نحصل على طريقنا‪.‬‬

‫‪ 4 - 28‬ومع وضع هذا التفكير في االعتبار‪ ،‬عامل المجرمين بإنصاف وانتبه لمن‬
‫‪107‬‬
‫(فمن الذي ينجو إذا غضبنا‬
‫يوبخوننا‪ ،‬وال تغضب على األقل من الخير َ‬
‫حتى من الخير)‪ ،‬ويقينًا ال تغضب من األرباب؛ فهم ال يخطئون‪ ،‬وهذا‬
‫قانون فنائنا الذي نعانيه حين يأتي الشقاء لطريقنا‪« .‬ولكن األمراض‬
‫واآلالم تحدق بنا»‪ ،‬دون أدنى شك سنموت يوم ما؛ ألن مكان المأوى‬
‫البائس هو مآلنا‪.‬‬

‫‪ 5 - 28‬وافترض أنك قلت هذا لشخص ما قد أساء إليك‪ ،‬وانظر إن كنت فعلته‬
‫أنت أولاً ‪ ،‬وانظر كم انتقادك‪ ،‬واشدد على هذه النقطة‪ :‬دعنا نفكر أن‬
‫البعض ال يخطؤننا‪ ،‬بل يرجعون ألحدهم‪ ،‬فالبعض يفعل لمصلحتنا‪،‬‬
‫وآخرون بإكراه وآخرون بجهل‪ .‬ودعونا نفكر ً‬
‫أيضا حتى في الذين‬
‫يتصرفون بطيب خاصر ونعرف أنهم لم يقترفوا الخطأ ذاته بهدف‬
‫تخطيئنا‪ :‬سواء انزلق المرء في بهجة لطيفة أم فعل ما فعله بغرض‬
‫إغاظتنا‪ ،‬بل بسبب أنه لم يتمكن من تحقيق غايته دون إخراجنا من‬
‫الطريق(‪ ،)209‬وغال ًبا تمنح المداهنة اإلهانة في محاولة جذبك‪.‬‬

‫‪ 6 - 28‬و َمن منا يتذكر عدد المرات التي ُشك فيه على نحو خاطئ‪ ،‬وكم من‬
‫أفعاله المالئمة التي القت سوء حظ على أنها أخطاء‪ ،‬وكم عدد الناس‬
‫الذين بعد أن اعتاد كرههم قد استطاع أن يتجنب غضبهم‪ ،‬ولو قال لنفسه‬
‫على األقل كلما ُأهين‪ « :‬أنا نفسي قد فعلت هذا الخطأ ً‬
‫أيضا»‪.‬‬

‫‪ 7 - 28‬ولكن أين تجد هذا القاضي العدل؟ فالرجل نفسه الذي يشتهي زوجة‬
‫رجل آخر ويفكر أنها ذاتها سبب ٍ‬
‫كاف لحبها ال ترغب زوجته النظر إليه‪.‬‬
‫والرجل الذي يحمل مطالبه المتعسفة على حسن سجية رجل آخر كفر‬
‫بنفسه‪ ،‬والرجل الذي يالحق الكذبة هو نفسه حانث لليمين‪ ،‬والرجل‬
‫متهما‪ ،‬والرجل الذي‬
‫الذي يأتي بتهم باطلة ينزعج بشدة لكونه هو نفسه ً‬
‫ال يرغب أن ُيغار على عفة عبيده الفقراء ماجن مع نفسه‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫‪ 8 - 28‬إننا نرى رذائل اآلخرين أمامنا بالتمام ونحمل رذائلنا على ظهورنا(‪،)210‬‬
‫وقد يحدث أن يستنكر األب المآدب الموضوعة البنه وهو أسوأ من ابنه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫شيء لرجل‬ ‫والرجل الذي ال ينكر شيئًا لشهوته للرفاهية ال يصفح عن‬
‫آخر‪ ،‬والطاغية يغضب من القاتل‪ ،‬والرجل غير التقي يعاقب السارقين‪.‬‬
‫وهناك قسم واسع لإلنسانية ال يغضب من خطايا فعلت بل من الخاطئين‪،‬‬
‫وسوف نضبط النفس إذا نظرنا إلى أنفسنا وتسألنا‪« :‬يقينًا لم يحدث‪،‬‬
‫إنني لم أفعل شيئًا مثل هذا‪ ،‬أليس كذلك؟ ويقينًا أنني قد أضل بالطريقة‬
‫نفسها‪ ،‬أليس كذلك؟ وهل من مصلحتي أن أستنكر هذا السلوك؟»‪.‬‬

‫‪ 1 - 29‬إن أعظم شفاء للغضب هو التأخير(‪ ،)211‬فاطلبه في البداية ال لتنسى‬


‫بل لتتأن‪ :‬فهجماته األولى هي التي تحدث الضرر‪ ،‬ولو انتظرته سوف‬
‫يتراجع‪ ،‬وال تحاول اقتالعه دفعة واحدة‪ :‬وسوف تتغلب عليه كلي ًة وأنت‬
‫تسحبه رويدً ا رويدً ا‪.‬‬

‫‪ 2 - 29‬وبعض األشياء تبلغنا بإهانتنا‪ ،‬وبعضها اآلخر نسمعه بأنفسنا ونراه‪،‬‬


‫وال ينبغي أن نصدق بعجلٍ القصص التي تقال لنا‪ :‬فكثير من الناس ال‬
‫يخبر الحقيقة؛ ألنهم يريدون الخداع‪ ،‬وكثير منهم قد يخادع‪ ،‬فأحدهم‬
‫يروي حكاية تجريم ليتزلف نفسه‪ ،‬ويخبر بالزور عن اإلثم‪ ،‬وهكذا قد‬
‫مؤلم‪ ،‬وهناك صنف خبيث يود تقطيع أوصال‬
‫ٌ‬ ‫يرى أن اقتراف هذا األثم‬
‫يتوق إلى التسلية وهو يشاهد من‬ ‫صنف(‪)212‬‬ ‫الصداقة‪ ،‬وهناك ً‬
‫أيضا‬
‫مسافة آمنة صراع َمن ينافسون بعضهم بعض‪.‬‬

‫‪ 3 - 29‬وإن كنت ستقضي في قضية تنطوي على قدر من التفاهة(‪ ،)213‬ال‬


‫تعتقد أن األمر قد يثبت دون شاهد‪ ،‬ولن ُيدلي الشاهد بشيء دون حلف‬
‫اليمين‪ ،‬وسوف تمنح كل جانب فرصة للنقاش‪ ،‬وتسمح بالوقت‪ ،‬وال‬
‫تعقد جلسة واحدة لالستماع؛ ألن الحقيقة برمتها تسطع كلما تعاملت‬
‫‪109‬‬
‫بها مرات عدة‪ ،‬فهل تدين المصفوع؟ وهل تغضب قبل أن تسمع من‬
‫جانبه وقبل أن تستجوبه وقبل أن تتيح له فرصة لتعرف تهمته أو االتهام؟‬
‫هل سمعت بالفعل ما قاله كال الجانبين؟‬

‫‪ 4 - 29‬والرجل الحق الذي ُيقدم لك القصة التي قد يتخلى عنها إذا أكره على‬
‫توكيدها‪ ،‬وهو يقول‪« :‬ليس من سبب لتدعوني كشاهد‪ ،‬ولو فعلت‬
‫سوف أنكرها‪ ،‬ولو أصررت لن أقول لك شيئًا بعد ذلك»‪ ،‬وفي الوقت‬
‫ٍ‬
‫امرئ يرغب في‬ ‫نفسه ُيثير مشكلة وينسحب الغبار الناتج عنها‪ ،‬أي‬
‫الحديث إليك في السر فحسب مثل َمن يصمت‪ :‬وهل من ظلم أعظم‬
‫من أن ُتصدق حكاية ُتسرد ًّ‬
‫سرا وتغضب ألن الكل يراها؟‬

‫‪ 1 - 30‬بعض األشياء نشاهدها ألنفسنا‪ :‬وفي هذه الحاالت نستفسر عن كثب‬


‫في قصد ونية َمن ينقلها‪ :‬فإن كان طفلاً ‪ :‬تحقق من عمره‪ ،‬فإنه ال يعرف‬
‫ما إذا كان يفعل خطأ‪ .‬فإن كان أ ًبا‪ :‬إن كان معينًا في الماضي فقد يحق‬
‫له حتى الخطأ أو ربما هذا ح ًّقا استحقاقه الذي ُيهيننا(‪ .)214‬وإن كانت‬
‫امرأة‪ :‬فهي تقترف خطأ‪ .‬إنه يتصرف بموجب أوامر‪ :‬ما الذي ُيغضب‬
‫الرجل عندم يكون اإلكراه هو السبب؟ هو أنه ُيؤذى‪ :‬فمعاناة ما فعلته‬
‫سل ًفا ال يعتد به على أنه خطأ‪ .‬وإن كان قاض ًيا‪ :‬ينبغي أن تثق في رأيه أكثر‬
‫ملكا‪ :‬إذا عاقبك لذنب استسلم للعدالة‪ ،‬وإن‬ ‫من ثقتك بنفسك‪ .‬وإن كان ً‬
‫عاقبك وكنت بريئًا استسلم للقدر‪.‬‬

‫‪ 2 - 30‬وإن كان حيو ًنا َ‬


‫أبكم أو من قبيل هذا ال يجدر بك أن تغضب‪ :‬إنه مرض‬
‫أو كارثة‪ :‬وسوف يمر عليك خفي ًفا إذا تحملت‪ .‬وإن كان ر ًّبا‪ :‬فتضييع‬
‫وقتك في الغضب منه ال يقل عن صالتك من أجل أن يغضب من شخص‬
‫آخر‪ .‬إن الشخص الذي يرتكب الخطأ ٌ‬
‫امرؤ صالح‪ :‬ال أصدق هذا‪ .‬إنه‬
‫طالح‪ :‬ال تتفاجأ‪ .‬إنه يدفع آلخر العقوبة التي يدين بها لك‪ ،‬وهو يعاقب‬
‫‪110‬‬
‫نفسه بالفعل بارتكابه الخطأ(‪.)215‬‬

‫‪ 1 - 31‬وكما قلت هناك(‪ )216‬حاالن يثران الغضب‪ :‬أولهما إن كان لدينا انطباع‬
‫بأننا ظلمنا‪ -‬وقد ناقشت هذا بما فيه الكفاية‪ ،-‬ثانيهما إذا فعلنا خطأ‬
‫ظلما – وهذا ما يجب معالجته اآلن(‪.)217‬‬
‫ً‬
‫ظلما على أساس أنهم ال ينبغي أن‬
‫‪ 2 - 31‬الناس يحكمون على بعض األشياء ً‬
‫يعانوها‪ ،‬وبعضها على أساس أنهم قد ال يتوقعونها(‪ ،)218‬وألننا نعتقد‬
‫بأنها أشياء غير مالئمة فهي غير متوقعة حيث إنها أشياء تحدث مناقضة‬
‫لما نأمله ونتوقعه سب ًبا لقلق أعظم‪ :‬ولهذا السبب أكثر األشياء تفاهة في‬
‫ترتيباتنا المنزلية تمنح اإلهانة‪ ،‬وإال لماذا ُنسمي إهمال أصدقائنا ‘خطأ’؟!‬

‫‪ 3 - 31‬وقيل‪« :‬لماذا نفعل أخطاء أعدائنا التي تزعجنا؟»؛ ألننا ال نتوقع هذه‬
‫األخطاء أو أخطاء بمثل هذا الحجم‪ ،‬هذا أثر لعزة النفس المفرط‪ :‬إننا‬
‫نقضي بما يروق لنا حتى بأعدائنا! كل منا يبطنه عقل سلطان يرغب في‬
‫كسب حرية كاملة للفعل وال يرغب أن ُتستعمل ضده‪.‬‬

‫وتبعا لذلك سواء أكان الجهل أم التكبر‪ ،‬فكالهما يجعلنا نميل للغضب‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ 4 - 31‬‬
‫وكيف ُيستغرب أن تصدر األفعال الرديئة من أناس سيئين؟ وكيف‬
‫ستكون الرواية إن كانت من عدو يضر وصديق ُيهين وابن ينزلق وعبد‬
‫ُيخطئ؟ لقد اعتاد فابيوس ‪ Fabius‬أن يقول ‘لم أحسب حسا ًبا’ وكان‬
‫ٌ‬
‫مخجل للبشر(‪ ،)219‬فاحسب‬ ‫عذرا مخجلاً للقائد‪ ،‬وأعتقد أنه ٌ‬
‫عذر‬ ‫هذا ً‬
‫شيء ٌّ‬
‫فظ حتى في الصفة الحسنة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وكن مراق ًبا لكل شيء‪ :‬فقد يثبت‬

‫‪ 5 - 31‬وطبيعة البشر تثمر عقولاً غادرة وناكرة وشبقة وعاقة(‪ :)220‬فحين ُتصيغ‬
‫فكر في صفة البشر عمو ًما‪ ،‬وإن شعرت‬
‫حكما عن صفة امرئ بعينه‪ْ ،‬‬
‫ً‬
‫بفرحة عظيمة فسوف يدركك خوف أعظم‪ ،‬وحيثما تفكر أن الكل على‬
‫‪111‬‬
‫ما يرام فمصادر ضرر المستقبل راسخة مثل اضطجاع القانون‪ .‬فتحسب‬
‫أن هناك شيئًا ما دو ًما سوف يشينك‪ :‬فليس من موجه دفة ينشر أشرعته‬
‫كلها ويرخيها وال ُيبقي في يده البكرة ليلمها فيها‪.‬‬

‫‪ 6 - 31‬تأمل ما قلته عاليه(‪ ،)221‬فإن سلطة الضرر منفرة وكريهة ومستغربة على‬
‫ٌ‬
‫لطيف‪ ،‬وانظر إلى طريقة األفيال وهي‬ ‫البشر‪ ،‬فعطف البهائم المتوحشة‬
‫تقدم رقابها للمقرن‪ ،‬والثيران تستدير ظهورها لتفلت من قفز الصبيان‬
‫والنساء(‪ ،)222‬والثعابين تسعى بيننا وتهرب منا حتى ال تضرنا‪ ،‬والدببة‬
‫واألسد كحيوانات منزلية تقدم خطمها الوديع لتداعبها‪ ،‬فالحيوانات‬ ‫ُ‬

‫البرية متوددة لسيدها‪ :‬ومن المخجل أن تقارن صفة البشر بالبهائم‪.‬‬

‫‪ 7 - 31‬إن الضرر الذي ال ُيوصف هو أن تضر الوطن‪ ،‬ومن الضرر الذي ال‬
‫يوصف ً‬
‫أيضا أن تضر بمواطن آخر ألنه جزء من الوطن– فاألجزاء‬
‫جديرا بتعبدنا‪ .‬ومن الضرر الذي ال يوصف هو أن‬
‫ً‬ ‫مقدسة إذا كان الكل‬
‫تضر باإلنسان وهو رفيق مواطنتك في المدينة الكونية ‪)223(cosmopolis‬‬

‫فماذا لو رغبت األيدي في أن تضر القدمين والعينين واليدين؟ وبما أن‬


‫أطرافنا كلها في تناغم ألن من مصلحة الكل أن ُتصان أجزاء المرء‪،‬‬
‫اجتماعيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫وكذلك يحفظ البشر كل منهم؛ ألنهم ولدوا ليشكلوا اتحا ًدا‬
‫وال يسلم المجتمع إال بحماية ود أجزائه(‪.)224‬‬

‫‪ 8 - 31‬وإن لم ِ‬
‫نقض على األفاعي والهوام وأي مخلوقات أخرى تضر بالعض‬
‫أو الضرب‪ ،‬الستطعنا ترويضها للمستقبل‪ ،‬أو لرأيناها ال تعرضنا‬
‫واآلخرين للخطر‪ ،‬ومن األولى أال نضر إنسا ًنا ألنه أخطأ بل نحفظه‬
‫من عمل الخطأ‪ ،‬وال نطبق العقاب أبدً ا على فكر الماضي بل بعين‬
‫الحيطة(‪)226‬‬
‫وليس من الغضب‪،‬‬ ‫المستقبل(‪ ،)225‬فأفعال العقاب من‬
‫ٍ‬
‫امرئ لطبيعة مشوهة وخبيثة‪ ،‬فلن نعفي أحدً ا‪.‬‬ ‫فلو أننا عاقبنا كل‬
‫‪112‬‬
‫‪« 1 - 32‬ولكن الغضب ينطوي على بعض المتعة‪ :‬فمن الحسن أن ترد األلم‬
‫لأللم»‪ ،‬ليس على األقل‪ :‬رغم أن اإلحسان يساورهم فإن رد الشيء‬
‫النبيل لشخص حسن يتحول مع آخر‪ ،‬وليس من النبالة في شيء أن ترد‬
‫ً‬
‫متجاوزا‬ ‫الخطأ بخطأ مثله‪ ،‬وفي مقام اإلحسان من المخجل أن تكون‬
‫ٌ‬
‫مخجل في هذا الحال‪ ،‬و‘االنتقام’ غير جدير بالبشر‪ ،‬وهو‬ ‫ولكن التجاوز‬
‫مقبول في أخذ الحق‪ ،‬وال يختلف َمن ينتقم عن المخطئ‪ :‬فالمنتقم أكثر‬
‫استعدا ًدا لالعتذار عن فعل الخطأ‪.‬‬

‫‪ 2 - 32‬لقد فشل رجل في التعرف على ماركوس كاتو في الحمامات‪ ،‬وضربه‬


‫غير ٍ‬
‫مبال (و َمن يخطئ معرفة هذا الرجل؟)‪ ،‬وعندما اعتذر الرجل في‬
‫وقت الحق‪ ،‬قال كاتو له‪« :‬لم أتذكر أنني ُضربت»(‪ ،)227‬إنه كان يعتقد‬
‫أنه من األفضل أال يلتفت إلى االنتقام‪.‬‬

‫‪ 3 - 32‬إنك تسأل «هل ال يعاني هذا الرجل ألم هذه الوقاحة؟» ال‪ ،‬بل األحرى‬
‫أنه تلقى قدرًا كبيرًا من الخير‪ :‬ألنه أصبح قريبًا من كاتو‪ ،‬إنها داللة‬
‫المهين غير‬
‫الروح العظيمة أن تنظر إلى اآلثام باحتقار‪ :‬حيث يبدو ُ‬
‫جدير باالنتقام منه فهو أعظم أنواع االنتقام مهانة‪ ،‬فكثير من الناس حين‬
‫ينتقمون يتغاضون عن األخطاء التافهة فتمضي بعمق تحت جلودهم‪:‬‬
‫فالرجل العظيم والوجيه هو َمن يشبه الوحش العظيم‪ ،‬يستمع دون أن‬
‫يهتم بنباح ِ‬
‫الج َراء الصغيرة(‪.)228‬‬

‫‪ 1 - 33‬وقيل ً‬
‫أيضا‪« :‬سوف يقل تعرضنا لإلهانة إذا حملنا االنتقام حين‬
‫نخطئ»(‪ ،)229‬وإذا سعينا لنوع من المداوة ينبغي أن نبحث عنه دون‬
‫ممتع‪ .‬ولكن من األجدر أن‬
‫ٌ‬ ‫نافع ال‬
‫غضب‪ ،‬مع االعتقاد بأن االنتقام ٌ‬
‫تتظاهر بعدم االنتباه لالنتقام‪ ،‬وحين يخطئنا َمن هم أقوى منا‪ ،‬علينا أن‬
‫نتحمل بصبر وابتسام‪ :‬فقد يفعلونها مرة أخرى إذا اعتقدوا أنهم نجحوا‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫وهذه أسوأ سمة للعقول التي تربت على الكبر مع مواكبة الحظ الحسن‪:‬‬
‫وهم يكرهون ً‬
‫أيضا َمن يضرونهم‪.‬‬

‫‪ 2 - 33‬والرجل الذي كبر يدفع المحكمة للملوك مسؤول عن القول المعروف‪:‬‬


‫حينما ُسئل عن أندر األشياء التي تحدث في المحكمة‪ ،‬فقال‪« :‬قبول‬
‫‘شكرا لك’»(‪ ،)230‬وغال ًبا من غير المناسب أن تنتقم لخطأ‬
‫ً‬ ‫الضرر وقول‬
‫ال حيلة حتى لالعتراف به‪.‬‬

‫‪ 3 - 33‬كان جايوس قيصر في كفالة ابن باستور ‪ ،Pastor‬وهو فارس روماني‬


‫مميز ألنه أهين من شاب متكلف الزينة بشعر رأس مسدول على نحو‬
‫استثنائي(‪ )231‬عندما سأله األب أن يتجنب حياة ابنه‪ ،‬فقد تصرف القيصر‬
‫كما لو كان يذكره بعقوبة الشاب الذي أمر بإعدامه على الفور‪ ،‬ولكن‬
‫وحشيا تما ًما (‪ )232‬فقد دعاه للعشاء‬
‫ًّ‬ ‫خشية أن يكون سلوكه تجاه األب‬
‫في اليوم نفسه‪.‬‬

‫‪ 4 - 33‬جاء باستور ‪ Pastor‬دون أثر للوم على وجهه‪ ،‬ووضع قيصر ثمانية‬
‫حارسا عليه(‪ )233‬وشرب‬
‫ً‬ ‫أونصات من الخمر أمامه نخ ًبا لصحته‪ ،‬وعين‬
‫الرجل التعيس النخب بأسنانه المفلوقة كما لو كان يتجرع دم ابنه‪،‬‬
‫معطرا وإكليلاً ‪ ،‬وأمر الحارس أن يراقب باستور‬
‫ً‬ ‫وأعطاه قيصر زيتًا‬
‫ويرى هل سيأخذهم‪ ،‬وفعل‪ ،‬وفي اليوم نفسه دفن ابنه – أو باألحرى لم‬
‫تسنح له الفرصة لدفن ابنه‪ ،-‬وكان الرجل العجوز مستلق ًيا على واحدة‬
‫من مئات المآدب‪ ،‬والمشروبات المجففة التي بالكاد أن تكون موقرة في‬
‫أعياد ميالد أطفاله‪ -‬ولم يذرف دمعة‪ ،‬ولم يسمح لحزنه بأن يظهر بأي‬
‫شكل‪ :‬لقد تناول عشاءه كما لو كان قد حصل على طلبه بعودة حياة ابنه‪.‬‬
‫ابن آخر‪.‬‬
‫إنك تسأل لماذا؟كان لديه ٌ‬
‫‪ 5 - 33‬وماذا عن بريام ‪ Priam‬العظيم(‪)234‬؟ ألم ُي ْخ ِ‬
‫ف غضبه‪ ،‬تشبث بركبتي‬
‫‪114‬‬
‫وقبل اليد الملطخة بدم ابنه المتخثر‪ ،‬وشارك في العشاء؟ نعم‪،‬‬
‫الملك‪َّ ،‬‬
‫ولكن دون زيت معطر وال إكليل‪ ،‬وأقنعه العدو القاسي أن يتناول الطعام‬
‫ببعض كلمات عزاء‪ ،‬ولم يحثه على أن يشرب كؤوس الخمر المجفف‬
‫مع الحارس الذي ُعين على مراقبته‪.‬‬

‫‪ 6 - 33‬أما بالنسبة لألب الروماني فإنني قد أحتقره إن كان يخشى على‬


‫نفسه(‪ ،)235‬وفي هذه الحالة إن اإلخالص لألسرة ُيبقي الغضب حيز‬
‫التحقق(‪ ،)236‬كان يستحق اإلذن في أن يغادر المأدبة ويلملم عظام ابنه‪،‬‬
‫ولكن القيصر الشاب كان لطي ًفا ورفي ًقا (أحيا ًنا) لم يمنح حتى هذا‪ ،‬كان‬
‫يضايق الرجل العجوز من شرب نخب تلو اآلخر‪ ،‬وينصحه بأن يهتم‬
‫بهدوئه‪ ،‬وتظاهر الرجل العجوز من جانبه أنه سعيد كما لو كان مسح من‬
‫ذاكرته ما قد حدث اليوم‪ :‬فإن لم يجده الجزار رفي ًقا سعيدً ا في العشاء‬
‫معه فقد يقضي على ابنه اآلخر‪.‬‬

‫‪ 1 - 34‬وعلينا أن نبقي الغضب على مسافة سواء على الطرف النظير الذي ينبغي‬
‫تحديه أو األسمى أو األدنى‪ ،‬وإن كان على الطرف النظير فقد يتحول‬
‫الصراع بهذه الطريقة أو تلك‪ ،‬وإن كان مع الطرف األسمى فإنه سخيف‬
‫وإن كان مع األدنى فإنه شائن‪ .‬وإن داللة الشخص الضعيف والمحبط‬
‫للغاية أن يحاول العودة للمرء الذي عضه‪ :‬فالفئران والنمل تتحول إلى‬
‫لدغك إذا وضعت إصبعك عليها – فاألشياء الضعيفة تلجأ إلى الضرر‬
‫بمجرد لمسها‪.‬‬

‫‪ 2 - 34‬وقد ُيلطف مزاجنا إذا ما فكرنا في الخير الذي قدمه لنا من نغضبه ذات‬
‫مرة‪ :‬فهجره سوف يعتقه من اإلهانة‪ .‬وفكر ً‬
‫أيضا في كيف أن سمعة‬
‫عفو كثي ٍر من الناس‬
‫الرأفة سوف ترفع تقدير اآلخرين لنا‪ ،‬وكيف أن َ‬
‫يصنع أصدقاء نافعين(‪.)237‬‬
‫‪115‬‬
‫‪ 3 - 34‬دعونا ال نغضب من أطفال أعدائنا الشخصيين والعموميين‪ :‬ومن‬
‫بين هذه الحاالت قسوة سولال الذي حرم أطفال المنفيين من الحياة‬
‫العامة(‪ ،)238‬وليس أكثر ً‬
‫ظلما من أن يرث الشخص عداء أبيه‪.‬‬

‫‪ 4 - 34‬وعندما نجد صعوبة في المغفرة‪ ،‬فعلينا أن نفكر فيما إذا كان من مصلحتنا‬
‫ٍ‬
‫امرئ رفض العفو وبدوره طلبه!‬ ‫أن يخرج الجميع من شفاعتنا‪ ،‬فكم من‬
‫وكم انبطح على قدم رجل دفعه بعيدً ا عن طريقه! فما هو أجل من تعاطي‬
‫إخالصا من الحلفاء الذين كانوا‬
‫ً‬ ‫الغضب من أجل الصداقة؟ ومن أعظم‬
‫أعداء ألداء للشعب الروماني؟ وما الذي سوف يهيمن علينا اليوم إن لم‬
‫ً‬
‫تختلط الحكمة النافعة مع الغزاة وغزواتهم(‪)239‬؟‬

‫شخصا ما غضب منك‪ ،‬فال تتحداه حتى يجاريك في لطفك‪،‬‬


‫ً‬ ‫‪ 5 - 34‬وافرض أن‬
‫فينحسر النزاع في التو عندما يتركه أحد الطرفين وراءه‪ :‬فليس من نزاع‬
‫دون زوج من المتقاتلين‪ ،‬فالغضب والنزاع محل مخاصمة‪ ،‬واألفضل‬
‫َمن ينسحب أولاً ‪ ،‬و َمن يظفر هو الخاسر‪ .‬وافرض أن أحدً ا ضربك‪،‬‬
‫تراجع‪ ،‬وسوف يمنحك تراجعك الفرصة والعذر حتى ال تتلقى لطمات‬
‫متكررة‪ ،‬ويمكنك من تخليص نفسك عندما تريد‪.‬‬

‫عدوا بقوة ويده مجروحة وعاجز أن‬


‫ًّ‬ ‫‪ 1 - 35‬يقينًا ال أحد يرغب أن يجاري‬
‫ينسحب من تلقي اللطمة‪ ،‬أليس كذلك؟ وهذا النوع يزود الغضب‬
‫بالسالح‪ :‬ألنه ال ينسحب إال بصعوبة‪ ،‬ونحن نبحث عن أسلحة جاهزة‬
‫للعمل مثل سيف حجمه مالئم وسهل حمله‪ :‬وهل نتجنب انقضاضات‬
‫العقل القوية والثقيلة والجازمة؟‬

‫‪ 2 - 35‬والسرعة مقبولة إن أمكن أن تتوقف عند حدودها المطلوبة وال تنحو‬


‫بعيدً ا عن غايتها المحددة وأن تكون مرشدة وأن ترجع عن مسايرة‬
‫ركضها(‪ ،)240‬وإنا نعلم أن عضالتنا قد تعتل عندما نتحرك ضد إرادتنا‪:‬‬
‫‪116‬‬
‫مسن أو مريض يركض حين يريد المشي‪ ،‬وعلينا أن نعتقد أن‬ ‫ٍ‬
‫امرئ ٍّ‬ ‫مثل‬
‫الحركات السليمة والصحية للعقل هي التي تنطلق من أحكامنا وليست‬
‫ما تولد بالتمني‪.‬‬

‫‪ 3 - 35‬وال شيء ينفعك أكثر من معرفة قبح الغضب وموبقاته‪ ،‬وما من مالمح‬
‫إزعاجا منه‪ ،‬فهو يحول أعدل الوجوه للقبح‪ ،‬ويكسو‬
‫ً‬ ‫انفعال أشد‬
‫المتوحش منها بالهدوء التام‪ ،‬ويفقد فيه الناس كل إحساس باالحتشام‪،‬‬
‫فإن كانوا منمقين اللباس فسوف يخلعونه ويفقدون كل اهتمام بمظهرهم‪،‬‬
‫طبيعيا أو بفن فإنه ينتصب بجنون مثل‬
‫ًّ‬ ‫وإن كان شعرهم جاذ ًبا تمشيطه‬
‫عقولهم‪ ،‬وتنتفخ عروقهم‪ ،‬وتتشنج صدورهم بالتنفس السريع‪ ،‬وتتحرك‬
‫أعناقهم بالهياج المسعور ألصواتهم‪ ،‬وترتجف مفاصلهم‪ ،‬ويقبضون‬
‫أمواجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫على أيديهم‪ ،‬ويتالطم جسدهم كله كما لو كان‬

‫قبيحا وتشبه كذلك؟ فكم هو‬


‫ولم تتصور العقل عندما يتجاوز مظهره ً‬
‫َ‬ ‫‪ 4 - 35‬‬
‫مرعب مشهده في الصدر وهو يتنفس بالكاد في تركيز هجومه‪ ،‬فيقينًا‬
‫ٌ‬
‫ينفجر إن لم يكن انفجر ح ًّقا!‬

‫‪ 5 - 35‬مثل مشهد األعداء أو الوحوش البرية التي تقطر د ًما أو تمضي ُقدُ ًما‬
‫للقتل‪ ،‬ومثل وحوش العالم السفلي التي تخيلها الشعراء الذي تطوقه‬
‫الثعابين وتتنفس النار‪ .‬ومثل اآللهة المرعبة التي تأتي من الجحيم‬
‫أشالء(‪-)241‬‬
‫ً‬ ‫لتشعل الحرب وتنشر الخالف بين األمم وتمزق السالم‬
‫وهذه صورة الغضب في عين العقل‪ :‬حيث األعين المتقدة التي تصخب‬
‫بصياحها وخوارها وتأوهها وصفيرها وأي صوت بغضه شديد‪ ،‬ويلوح‬
‫بأسلحته بكلتا يديه (وهو ليس في حاجة ليحمي نفسه)‪ ،‬بشراسة ودموية‬
‫ويكدم نفسه ويتحرك في جنون‪ ،‬ويتغمر في الظالم‪ ،‬ويهجم ويرقد‬
‫ٍ‬
‫امرئ وكل شيء‪ -‬وهو‬ ‫مثيرا بتمخضاته كراهية كل‬
‫مستعدًّ ا لقتال‪ً ،‬‬
‫‪117‬‬
‫أولهم‪ -‬وهو يسعى ليربك األرض والبحر والسماء إن كان بمقدوره أن‬
‫يضر بأي وسيلة الكاره والمكره في آن‪.‬‬

‫‪ 6 - 35‬أو إن كنت تفضل‪ ،‬فلنأخذ األمر كما وصفه شعراؤنا الملحميون(‪،)242‬‬


‫تلوح آلهة الحرب بسوط دا ٍم بيدها اليمنى‪ .‬أو تصنع من الشقة طريقها‬
‫للبهجة بعباءتها الممزقة‪ .‬أو مهما كانت الصورة المروعة لهذا االنفعال‬
‫المرعب يمكن تصورها‪.‬‬

‫‪ 1 - 36‬وكما قال سكتوس(‪ :)243‬إن بعض الناس قد استفادوا من النظر في‬


‫المرآة‪ ،‬وفوجئوا من رؤية هذا التحول الكبير في ذواتهم‪ :‬حيث أتت بهم‬
‫كما لو كانوا مشهدً ا من جريمة‪ ،‬ولم يتعرفوا على أنفسهم – وقليل َمن‬
‫تظهر لهم حقيقتهم المشوهة في الصورة المنعكسة في المرآة!‬

‫‪ 2 - 36‬وإن كان بمقدور العقل أن يجسد صورة مادية مرئية واضحة(‪،)244‬‬


‫فإن مظهره السوداوي والمتوحش والمتعرج والمتورم والمهتاج سيثير‬
‫مشاهد الناظرين‪ ،‬ناهيك لو شق طريقه خالل العظم واللحم وعوائق‬
‫أخرى(‪ )245‬عدة فسوف يعظم تشوهه‪ :‬فماذا لو كان باإلمكان تعريته؟‬

‫‪ 3 - 36‬ويقينًا‪ ،‬سوف تعتقد أن المرآة ال تمنع أحدً ا من الغضب‪ ،‬بالطبع‪َ :‬من‬


‫يقترب من المرآة ليغير من نفسه‪ ،‬فإنه سوف ُيغير بالفعل‪ ،‬وال يجد‬
‫الغاضبون صورة أشد جمالاً من تلك الصورة الوحشية والقاتمة – كما‬
‫يرغبون في الظهور بها‪.‬‬

‫‪ 4 - 36‬ويجب أن نأخذ بعين االعتبار كم الذين قد أضرهم الغضب‪ ،‬فبعض‬


‫الناس قد تنفجر أوعيتهم الدموية بإفراطهم في حميهم الملتهب‪ ،‬وينزفون‬
‫د ًما من الصراخ المدوي الذي ال تتحمله قواهم‪ ،‬وتغشى أبصارهم عندما‬
‫قسرا‪ ،‬وتنتعش أمراضهم حين يعتلون‪.‬‬
‫يذرفون ماء أعينهم ً‬
‫‪118‬‬
‫فكثيرا قد طال‬
‫ً‬ ‫‪ 5 - 36‬وما من مسار يؤدي إلى الجنون أكثر من الغضب‪،‬‬
‫غضبهم بالهياج‪ ،‬ولم يستطيعوا استعادة القدرة على التفكير حال فقدهم‬
‫لها‪ ،‬فقد قاد الهياج أياكس ‪ Ajax‬إلى الجنون‪ ،‬ولكن الغضب جعله‬
‫مجنو ًنا(‪ ،)246‬فالغاضبون يلعنون أطفالهم بالموت وأنفسهم بالفقر‬
‫وأسرهم بالخراب‪ ،‬وينكرون غضبهم كما ينكر المجانين خبلهم‪ ،‬وهم‬
‫أعداء ألقرب أصدقائهم فيجتنبهم أقرب الناس وأعزهم‪ .‬ودون التفكير‬
‫فحري أن ُيحرك في‬
‫ٌّ‬ ‫في القانون ما لم يكن بإمكانهم استعماله للضرر‬
‫اإلثارة الدنيا بعيدً ا عن إطار الحديث واالهتمام الواجب‪ ،‬وهم يفعلون ما‬
‫يفعلونه بعنف‪ ،‬وهم على استعداد أن يخوضوا معركة بسيف ويسقطون‬
‫عليه في آن‪.‬‬

‫‪ 6 - 36‬إنه يستولي عليهم شر أعظم يفوق الرذائل كلها(‪ )247‬وآخرون يدخلون‬


‫فيه رويدً ا رويدً ا‪ ،‬وتعمل هذه القوة فجأة وفي آن واحد‪ ،‬وباختصار‬
‫يجعل الغضب كل االنفعاالت األخرى موضوعات له ‪-‬إنه يتغلب‬
‫على اإلحساسات الدفينة‪ -‬ولهذا السبب يطعن الناس األجسام التي‬
‫أحبوها ويرتمون في أحضان َمن قتلوا‪ ،‬وقد يفوق الغضب الجشع الذي‬
‫شرا واضطرا ًبا‪ ،‬فقد يجبر على تبديد ثروته وإحراق مسكنه‬
‫أعتى منه ًّ‬
‫ويستقطب ممتلكاته‪ ،‬ألم يطمع الرجل بالطموح ويلقي القيمة الرمزية‬
‫العالية للمنصب جان ًبا ويرفض الشرف المعروض عليه؟ فكل انفعال‬
‫يهيمن عليه الغضب‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪119‬‬
120
‫الكتاب الثالث‬

‫‪121‬‬
122
‫اآلن يا نوفاتوس سوف نحاول أن نقوم بما تريده من األساس‪ :‬وهو‬ ‫‪ 1 - 1‬‬
‫استئصال الغضب من عقولنا‪ ،‬أو على األقل كبحه وإبطاء اجتياحه(‪،)248‬‬
‫وأحيا ًنا نعمل على نحو صريح ومباشر حين ال يزال الشر ً‬
‫غيضا كاف ًيا‬
‫ليسمح بذلك‪ ،‬وأحيا ًنا علينا أن نعمله خلسة حين تعلو مشقته ويزيد‬
‫عندما ينشأ له عائق‪ ،‬وما يقوى و َينضج ما ُيقرر سواء هزمناه مرة أخرى‬
‫أو أجبرناه على التراجع أو أذعنا له‪ ،‬في حين أن النفخة األولى للريح‬
‫قد تبدد ضراوتها خشية أن تنتزع أو تحمل نفس المداوات الفعلية التي‬
‫نحاولها(‪.)249‬‬

‫ويجب أن ُتقام خطتنا على صفة كل امرئ(‪)250‬؛ فبعضهم ُيكتسب‬ ‫‪ 2 - 1‬‬


‫بالتوسالت‪ ،‬وآخرون بتعسف وإنهاك مذل‪ ،‬وبعضنا يخشى حالة‬
‫الهدوء(‪ ،)251‬في حين ُيردع آخرون باللوم أو التسليم أو الخجل أو‬
‫أخيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫التباطؤ – عالج بطيء لشر متسارع‪ ،‬نستعمله مال ًذا‬

‫أما االنفعاالت األخرى فكلها تحتمل تأجيلها ومعالجتها ببطء‪،‬‬ ‫‪ 3 - 1‬‬


‫ولكن الغضب عنيف فبمجرد أن ينشأ ويتسارع ال يتقدم رويدً ا رويدً ا‬
‫بل يكتمل في بدايته‪ ،‬إنه ال يزعج عقولنا فحسب على شاكلة الرذائل‬
‫األخرى(‪ ،)252‬بل يقودها للضالل‪ ،‬ويدفعهم عندما يفتقرون لسيطرة‬
‫على الذات ويتوقون حتى إلى شر يشارك فيه الجميع‪ ،‬فهو ال يحنق من‬
‫أهداف قد ُحددت‪ ،‬بل من كل ما يحدث في طريقه‪.‬‬

‫وكل الرذائل األخرى تمنح عقولنا دفعة ويدحرجهم الغضب‬ ‫‪ 4 - 1‬‬


‫للعجلة(‪ ،)253‬حتى وإن كان من غير الممكن مقاومة انفعاالت المرء‪،‬‬
‫فعلى األقل قد تنقطع االنفعاالت ذاتها‪ :‬فقد يتسارع امرؤ ما مثل صاعقة‬
‫برق ونفخة ريح وأشياء أخرى ال ُتستدعى بل تتحرك باندفاع‪.‬‬
‫العقل(‪)254‬‬ ‫تتمرد الرذائل األخرى ضد العقل‪ ،‬وهذا التمرد ضد سالمة‬ ‫‪ 5 - 1‬‬
‫‪123‬‬
‫وأخرى تقترب بلطف وتزداد دون أن نالحظها‪ ،‬ولكن في حالة الغضب‬
‫ُترمى عقولنا مباشرة‪ ،‬وبالتالي ال يوجد انفعال يزيد ذهوله في قوته ويتوق‬
‫التباع مسار عنفه والغطرسة في الفالح والجنون عند اإلحباط‪ ،‬وال حتى‬
‫يضطر أن يقول «يكفي ما كفى» حين ُيدحر‪ :‬فحين ينجح الخصم في‬
‫الهروب‪ ،‬فإنه يتحول إلى عض نفسه‪ :‬وال يهم عظم المصدر الذي نشأ‬
‫منه‪ :‬إنه يبرز من بدايات تافهة إلى عواقب وخيمة‪.‬‬

‫وال يعفي الغضب أي مرحلة من مراحل الحياة (‪ )255‬وال فئة من الناس‪،‬‬ ‫‪ 1 - 2‬‬
‫فبعض األمم بفضل نعمة الفقر لم تعرف الترف‪ ،‬وبعضهم لكونهم ُر َّحلاً‬
‫لم يعرفوا الكسل‪ ،‬وبعضهم بغير تمدنهم وحياتهم الريفية لم يعرفوا‬
‫الخداع والغش والشرور األخرى التي تولدها المدنية ‪ .forum‬فكل‬
‫األمم هيجها الغضب‪ :‬فإنه فشا بين اليونانيين كما البرابرة‪ ،‬ومهلك لمن‬
‫يخشون القانون كما الذين يصنعون الحق‪.‬‬

‫وإن كانت الرذائل األخرى كلها تستولي على األفراد‪ ،‬فإن هذا االنفعال‬ ‫‪ 2 - 2‬‬
‫شعب برمته لحب امرأة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ينعقد عليه السكان برمتهم أحيا ًنا‪ ،‬فلن يحترق‬
‫ولن يضع مجتمع بأكمله كل آماله على مال أو كسب‪ .‬والمطمح يستولي‬
‫ً‬
‫مشتركا بين شعب‬ ‫على أفراد فحسب‪ ،‬وفقدان التحكم في الذات ليس‬
‫ولكن شع ًبا بأكمله قد يضربه الغضب أحيا ًنا(‪.)256‬‬
‫َّ‬ ‫بكامله –‬

‫وقد يتقاسم النساء والرجال والشيوخ والشباب واألولون واآلخرون‬ ‫‪ 3 - 2‬‬


‫فكرة بعينها‪ ،‬وقد تجتمع الجماهير كلها بكلمة أو كلمتين تتجاوز‬
‫المهيج ذاته وينفضون مباشرة لتستولي عليهم المشاعل وإعالن الحرب‬
‫على جيرانهم أو شنها بين أنفسهم‪.‬‬

‫وقد يدمر البيوت(‪ُ )257‬بأسرها كلها‪ ،‬والرجل الذي نال احترا ًما بسبب‬ ‫‪ 4 - 2‬‬
‫بالغته الراجحة صار ضحية للغضب الذي أثاره خطابه‪ ،‬والفيالق التي‬
‫‪124‬‬
‫الشرفاء(‪،)258‬‬ ‫حولت رماحها على قائدها‪ ،‬والعوام الذين انشقوا عن‬
‫وسياسة مجلس الشيوخ التي لم تنتظر فرض ضريبة أو تسمية قائد بل‬
‫ٌ‬
‫رجال مختارون ليقودوا غضبها ويالحقوا الرجال البارزين‬ ‫كان لديها‬
‫ويعدموهم في جميع أنحاء مساكن المدينة‪.‬‬

‫عندما عانت السفارات العنف خال ًفا للمبادئ المتعارف عليها‬ ‫‪ 5 - 2‬‬
‫عالميا(‪ ،)259‬وقد تحمس المجتمع بجنون ال يوصف‪ ،‬ولم يتوانَ في‬
‫ًّ‬
‫السماح للمشاعر العامة المتوهجة بأن تجيش بل تشن األساطيل هجو ًما‬
‫مباشرا‪ ،‬والجنود المتطوعون يشرعون على عجل وينهضون دون عنايتها‬
‫ً‬
‫واستبعاد الجمهور الذي يستحق‪ ،‬وغضبهم هو قائدهم‪ ،‬ويستولي الناس‬
‫على كل ما يمكنهم الحصول عليه بدلاً من األسلحة المناسبة – ومن ثم‬
‫يتكبدون مصيبة كبيرة وهي الثمن للمخاطرة والتهور والغضب‪.‬‬
‫بعشوائية(‪)260‬‬ ‫لقد كانت هذه حصيلة للبرابرة الذين اندفعوا للحرب‬ ‫‪ 6 - 2‬‬
‫حين تمايلت عقولهم بسهولة‪ ،‬وقد ُضربوا بانطباع الضرر‪ ،‬فيبدؤون على‬
‫الفور في الحركة‪ ،‬يجرهم إحساسهم بالظلم‪ ،‬ويسقطون على جحافلنا‬
‫مثل المباني المنهارة دون نظام ودون خوف ودون حذر‪ ،‬ساعين لوضع‬
‫أنفسهم في طريق الضرر‪ ،‬ويمرحون بالضرب في الضغط على السيف‬
‫الذي طعنهم‪ ،‬ويضعون ثقلهم في الرمح الذي اخترقهم‪ ،‬فيخرج من‬
‫الجانب اآلخر من جرحهم(‪.)261‬‬

‫وممرضة‪ :‬ولذا‬
‫وأنت تقول‪« :‬ليس من شك بأن سطوة الغضب عظيمة ُ‬ ‫‪ 1 - 3‬‬
‫شفاء»‪ ،‬ولكن كما قلت في الكتب السابقة‪ :‬إن أرسطو‬
‫ً‬ ‫انظر كيف يكون‬
‫مدافعا عن الغضب ومنعنا من استئصاله‪ ،‬حيث يرى الغضب‬
‫ً‬ ‫وقف‬
‫حافزً ا للفضيلة واستبعاده يخلف العقل بال حمية ويبلده فيستلقي وهو‬
‫يباشر أعمالاً عظيمة(‪.)262‬‬
‫‪125‬‬
‫وبالتالي فمن الضرورة أن تثبت طبيعته الوحشية والمنفرة‪ ،‬وترى كيف‬ ‫‪ 2 - 3‬‬
‫يحنق اإلنسان بوحشية على آخر‪ ،‬وكيف ُيغير الغضب بعنف وهو يتعامل‬
‫مع الخراب بتكلفة تدميره ذاته‪ ،‬ويسعى إلغراق الذين ال يغرقون إال إذا‬
‫غرق معهم‪.‬‬

‫وهل يعترف أي امرئ بأنه ال يتحرك من ذاته‪ ،‬بل يتحرك كما لو كان في‬ ‫‪ 3 - 3‬‬
‫قبضة إعصار‪ ،‬وهو عبدٌ لشر مسعور‪ ،‬ال يفوض لمهمة االنتقام بل هو‬
‫ذابح ألعز الناس له والذين‬
‫المنتقم ذاته‪ ،‬فظ في الفكر والعمل في آن‪ٌ ،‬‬
‫سوف يحزن لفقدانهم(‪)263‬؟‬

‫وهل يصنع أحد هذا االنفعال بفضيلة مساعدة أو رفيقة حين يرتاب في‬ ‫‪ 4 - 3‬‬
‫وقادر‬
‫ٌ‬ ‫تأنيه وتحتاج الفضيلة أن ُتنجز شيئًا ما؟ إن قوته وميضة وحاتمة‪،‬‬
‫على أن يضر نفسه‪ ،‬ونوع القوة هي نفس التي تثيرها بداية المرض في‬
‫رجل مريض‪.‬‬

‫وليس من سبب لتفترض أنني أهدر الوقت سدى لقذف الغضب كما‬ ‫‪ 5 - 3‬‬
‫لو كان الناس بعقلين نحوه‪ ،‬فهناك فيلسوف –مميز‪ -‬يحدد مهامه‬
‫ويستجمعها لمعركة و ُيصرف شؤونه ألي شيء يتطلب حيوية في تنفيذه‬
‫مصدرا مفيدً ا للنشاط‪.‬‬
‫ً‬ ‫كما لو كان‬

‫مربح في وقت ما أو مكان ما‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫ال ُيغر أحدٌ في االعتقاد بأن الغضب‬ ‫‪ 6 - 3‬‬
‫فجموح الغضب وسعاره يجب أن يكون بينًا‪ ،‬وعلينا أن نعتلي أدواته‬
‫الخاصة(‪ :)264‬فال ِم ْنصب والمصبعة والمصلبة والنيران حول األجسام‬
‫الب ً‬
‫أيضا‪ ‬تستعمل لسحب الجثث وأنواع مختلفة‬ ‫نصف المدفونة ُ‬
‫والك ّ‬
‫من الروابط‪ ،‬وصنوف متباينة من العقوبات‪ ،‬وتمزيق األطراف ووشم‬
‫الجبهة وأقفاص الوحوش الكاسرة‪ ،‬فدع الغضب يحتل مكانه المناسب‬
‫بين هذه األدوات‪ ،‬فإن صرخاته شيء بغيض يرعدك‪ ،‬وهو أشنع من كل‬
‫‪126‬‬
‫األدوات في سعاره‪.‬‬

‫ومع أن جوانبه األخرى محل شك‪ ،‬إال أنه يقينًا أقبح من أي انفعال كما‬ ‫‪ 1 - 4‬‬
‫ذكرنا في الكتب السابقة(‪ ،)265‬فإنه فظ وشرس ويشحب عندما ينسحب‬
‫الدم بالهروب‪ ،‬وتتورد نظرته د ًما حين تعود الحرارة والروح للوجه‬
‫وتنتفخ األوردة وتتحملق األعين وتستعر وتثبت وتهتاج‪.‬‬

‫ناهيك عن صوت األسنان التي يصدم بعضها ً‬


‫بعضا كما لو كانت تحاول‬ ‫‪ 2 - 4‬‬
‫تقليد الخنازير وهي تجرش أسلحتها لغاية‪ ،‬وأضف تفلع المفاصل من‬
‫ً‬
‫وتلفظا‬ ‫مترنحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتأو ًها اله ًثا‬
‫ودق الصدر من فينة ألخرى‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫أيد مصلوبة‪ّ ،‬‬
‫بكلمات غير مفهومة بصراخ مفاجئ‪ ،‬ورجفة شفاه هائمة‪ ،‬ونفث بعض‬
‫الكراهية وضجيج الصوت‪.‬‬

‫والبهائم عند هيروكليس – سواء أكان يدفعها الجوع أم نفذ في‬ ‫‪ 3 - 4‬‬
‫أحشائها رمح تحاول أن تعض الصياد حتى ُيحتضر‪ -‬والبهائم تبدو‬
‫وقت لتسمع‬ ‫َ‬
‫وتعال‪ ،‬إذا كان ثم ٌ‬ ‫أقل من اإلنسان في االشتياط بالغضب‪،‬‬
‫األصوات المتوعدة‪ ،‬واسمع أي صنوف الكلمات التي ُتعذب العقل!‬

‫وهل يرغب أحدٌ في أن يستجمع نفسه للخلف من حافة الغضب ويدرك‬ ‫‪ 4 - 4‬‬
‫أن الشر ُفعل فيه أولاً ؟ إ َذنْ ال تريدني أن أحذر الذين صبوا غضبهم‬
‫في العمل من نفوذ السلطة العليا‪ -‬التفكير في االنتقام الفوري لتوكيد‬
‫قوتهم‪ ،‬ويعدونها من بين المنافع العظيمة للحظ الحسن‪ -‬وهل المرء‬
‫الذي يأسره غضبه ليس قو ًّيا وبالحري ال ُيطلق عليه حتى حر؟‬

‫وحرصا‪ -‬أن شرور‬


‫ً‬ ‫حذرا‬
‫وهل ال تريدني أن أحذر الناس – وكلهم أشد ً‬ ‫‪ 5 - 4‬‬
‫العقل األخرى ترتبط بكل الناس األسوأ‪ ،‬ولكن التصرف الغاضب يسرق‬
‫حتى المثقفين والمحترمين من جوانب أخرى؟ والحق أن بعض الناس‬
‫‪127‬‬
‫وصل به االعتقاد إلى الميل بأن الغضب عالمة على الصدق‪ ،‬وعادة من‬
‫يسرا وحرية(‪.)266‬‬
‫يعتقدون هذا بغية أن يكونوا أكثر ً‬
‫وأنت تسأل «ما وجهة نظرك؟»‪ ،‬حيث ال ينبغي ألحد أن يعتقد أنه في‬ ‫‪ 1 - 5‬‬
‫مأمن من الغضب حيث إنه يثير العنف المتوحش حتى عند من طبيعتهم‬
‫لطيفه وهادئة‪ .‬وكما أنه ال يجدي البدن المعافى والحفاظ على الصحة‬
‫في مقاومة الطاعون (ألنه يداهم الضعيف والقوي دون تمييز)‪ ،‬والغضب‬
‫بقدر الخطر ذاته للشخصيات القلقة والثابتة والهادئة – وهو أمر مخجل‬
‫ومدمر لألخير؛ ألنه يصنع فيهم تحولاً ‪.‬‬

‫وحيث إن الغاية األولى ال ُتغضب‪ ،‬فإن الثانية تتوقف حين غضب‪،‬‬ ‫‪ 2 - 5‬‬
‫أيضا‪ ،‬وسوف أتحدث أولاً عن كيف نتحاشى‬
‫والثالثة عالج لغضب آخر ً‬
‫وأخيرا كيف نقاوم الغاضبين‬
‫ً‬ ‫الغضب‪ ،‬ومن ثم كيف نحرر أنفسنا منه‪،‬‬
‫ونهدئهم ونعيدهم إلى رشدهم(‪.)267‬‬

‫وسوف ننجح في تحاشي الغضب إذا وضعنا أمامنا رذائل الغضب‬ ‫‪ 3 - 5‬‬
‫وقدرناها على نحو سليم‪ ،‬وعلينا أن نوجهه أمامنا وندينه‪ ،‬ونبحث‬
‫عن شروره ونستبينها‪ ،‬ونضعه جن ًبا إلى جنب مع أسوأ الرذائل‪ ،‬وهكذا‬
‫واضحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يصبح األمر‬

‫ٍ‬
‫المرئ فاضل يستعمله؟ فالغضب إفراط‬ ‫فما الذي ُيكسبه الجشع ويكومه‬ ‫‪ 4 - 5‬‬
‫غاضب فشردهم أو قتلهم!‬
‫ٌ‬ ‫بال كلفة عند القلة‪ ،‬وكم من العبيد لهم سيدٌ‬
‫وكم خسر بغضبه أكثر مما أثاره فيه! فالغضب يجلب الحزن لألب‪،‬‬
‫والطالق للزوج‪ ،‬والكراهية للقاضي‪ ،‬والهزيمة لمرشح المنصب‪.‬‬

‫إنه أسوأ من الرفاهية التي ُتنعم بالمتعة‪ :‬والغضب ُينعم بألم آخر‪ ،‬إنه‬ ‫‪ 5 - 5‬‬
‫يفوق الحقد والحسد اللذين يتسعان لآلخرين ويخطفان الفرحة بضربة‬
‫‪128‬‬
‫الحظ السيئ‪ :‬فالغضب يجعل اآلخرين تعساء ليس بمقدورهم أن‬
‫ينتظروا الحظ ليضر َمن يكرهونهم‪ -‬يريدون أن يضروهم بأنفسهم‪.‬‬

‫وال شيء أشد بشاعة من الشجار‪ :‬فالغضب ُيسبب الشجار‪ ،‬وال شيء‬ ‫‪ 6 - 5‬‬
‫أشد ً‬
‫فتكا من الحرب‪ :‬فالغضب يفجر الرجال األقوياء في الحرب‪-‬‬
‫حتى الغضب اليومي هو شكل من أشكال الحرب يفتقر لقوة السالح‪.‬‬
‫وأكثر من هذا –نطرح عواقب الغضب والخسارة والخيانة والقلق‬
‫الال نهائي عندما يؤدي إلى صراع آخر‪ -‬إنه يعاقب بفعل العقاب‪ .‬إنه‬
‫ُيرهب الطبيعة البشرية التي تحثنا نحو الحب وتدعونا إلى اإلحسان‬
‫لآلخرين(‪ .)268‬إن الغضب يحثنا نحو الكراهية ويدعونا للضرر‪.‬‬

‫روحا‬
‫ً‬ ‫ناهيك عن حقيقة أن نقمته تأتي من مغاالة الذات فيتخيل ذاته‬ ‫‪ 7 - 5‬‬
‫سامية وهو في الحقيقة تافه وضئيل؛ ألن َمن يحكم أن ذاته مهانة أدنى‬
‫ٍ‬
‫وقاض عدل فيما يستحق ال‬ ‫من الذي ُيهينه‪ ،‬ولكن َمن هو روح سامية‬
‫ينتقم إلصابته ألنه ال يشعر بها(‪.)269‬‬
‫والقذائف ُتلقى من سطح ٍ‬
‫عال‪ ،‬وحين ُترمى األجسام الصلبة تسبب األلم‬ ‫‪ 8 - 5‬‬
‫روحا عظيمة لتشعر بها‬
‫ً‬ ‫لمن تضربهم‪ ،‬وال يمكن لإلصابة أن تصيب‬
‫َ‬
‫ألنها أهش من الشيء الذي تداهمه‪ ،‬وكم جميل أن يصد كل اإلصابات‬
‫واإلهانات كما لو كان حاجزً ا ألي قذيفة! واالنتقام اعتراف باأللم‪ :‬فالروح‬
‫السامية ال تنحني لخطأ‪ ،‬و َمن يضرك؛ إما أقوى منك وإما أضعف‪ ،‬وإن كان‬
‫أضعف منك فامنحه فرصة‪ ،‬وإن كان أقوى منك فامنح نفسك فرصة(‪.)270‬‬

‫وليس من دليل بعينه على العظمة أكثر من أن تبقى غير مستفز بأي شيء‬ ‫‪ 1 - 6‬‬
‫تنظيما وأقرب للنجوم‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫يحدث‪ ،‬فالطرف األعلى من الكون أعظم‬
‫ُيضغط ليشكل سحابة وال يدفع ليحدث عاصفة وال دوي يوشك أن‬
‫إعصارا‪ :‬إنه ال يعاني اضطرا ًبا في حين أن المناطق الدنيا تفجرها‬
‫ً‬ ‫ينتج‬
‫‪129‬‬
‫الصواعق‪ ،‬وهكذا العقل النبيل مسالم‪ ،‬يرسو بثبات في مرساه الهادئ‪،‬‬
‫ويتجاوز كل مركبات الغضب‪ ،‬مهيمن ومهيب ومنظم‪ ،‬ولن تجد أ ًّيا من‬
‫هذه الصفات عند إنسان غاضب‪.‬‬

‫فمن الذي يستسلم للغم والغضب دون أن ُيطلق أولاً الكبح البسيط؟‬
‫َ‬ ‫‪ 2 - 6‬‬
‫و َمن الذي يهاجم آخر بعنف دون أن يتخلى عن الصفات المعتبرة التي‬
‫لديه؟ و َمن الذي ُيحافظ على واجباته بانتظام بمجرد أن ُيستثار؟ و َمن‬
‫الذي يحكم لسانه؟ و َمن الذي يكبح أي طرف من جسده؟ و َمن الذي‬
‫يحكم نفسه بمجرد أن يترك الحكم؟‬

‫سوف نربح من تعاليم ديموقريطوس الناجعة التي تبين أن طريق السكينة‬ ‫‪ 3 - 6‬‬
‫يكمن في مشاركة أنشطة قليلة وال شيء يتجاوز قوتنا سواء في الشؤون‬
‫العامة أو الخاصة(‪ ،)271‬وعندما ينشط المرء في هذا الطريق ويتعامل مع‬
‫شيء ما قد ال يسبب‬
‫ٌ‬ ‫موضوعات عدة فلن يمر اليوم هنيئًا‪ ،‬فامرؤ ما أو‬
‫إساءة تدفع العقل للغضب‪.‬‬

‫فحتما‬
‫ً‬ ‫كما هو الحال عندما نهرول نحو فضاءات المدينة المزدحمة‪،‬‬ ‫‪ 4 - 6‬‬
‫سوف نصطدم بأناس عدة نتعثر هنا أو ُنلطم هناك أو ُنلطخ في بعض‬
‫األماكن األخرى‪ ،‬وهكذا في مواجهة الحياة المبعثرة وغير الموجهة‬
‫نواجه عقبات عدة وأسبا ًبا شتى للشكوى‪ ،‬فهذا خدع أملنا حيث‬
‫يعيق تحقيقه وآخر قد يضع له نهاية‪ :‬ولن تتقدم مشروعاتنا بيسر وف ًقا‬
‫لتخطيطنا‪.‬‬

‫ولن يجد أحدٌ الحظ حلي ًفا لما يروم إليه دو ًما في مساعيه الكثيرة‪،‬‬ ‫‪ 5 - 6‬‬
‫ويترتب على ذلك أن َمن يراجع خططه ليس لديه صبر على الناس أو‬
‫األشياء‪ ،‬بل يغضب من األسباب التافهة‪ ،‬فيغضب تارة من امرئ‪ ،‬وتارة‬
‫من معاملة‪ ،‬وتارة من مكان‪ ،‬وتارة من حظ‪ ،‬وتارة من نفسه‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫وحتى يسكن العقل علينا أال نضطرب أو نتشظى بأنشطة كثيرة أو كبيرة‬ ‫‪ 6 - 6‬‬
‫كما قلت‪ ،‬ونسعى إلى تحقيق ما في إمكاننا‪ ،‬فمن السهل أن نتحمل‬
‫أعباء خفيفة وننقلها بالطريقة نفسها دون ذلل‪ ،‬ولكننا نواجه صعوبة في‬
‫ً‬
‫تحمل األعباء التي ُيلقيها علينا اآلخرون‪ ،‬والغلبة في أن نهز أكتافهم في‬
‫الفرصة األولى حتى لو كنا نقف تحت ُصرتهم‪ ،‬ولكننا نتردد ألننا غير‬
‫مكافئين في الوزن‪.‬‬

‫ويحدث الشيء نفسه في كل من الشؤون المدنية والمنزلية‪ ،‬فالتعامالت‬ ‫‪ 1 - 7‬‬


‫التي تخلو من العوائق والتي يسهل التعامل بها مع رغبات ممثلها‪ ،‬فهي‬
‫ضخمة وخارجة عن قدراته لينجزها وتقهره بمجرد تعهده لها وتقوده‬
‫بالطبع – عندما يبدو النجاح في متناول يده‪ -‬فتجعله ينهار تما ًما‪ ،‬فغال ًبا‬
‫ما يحدث أن َمن ال يستطيع تعهد األمور السهلة ويرغب فيها‪ُ ،‬تحبط‬
‫مقاصده‪.‬‬

‫وحينما تحاول القيام بشيء ما‪ ،‬تيقن من قياس نفسك وتعهدك وإعدادك‬ ‫‪ 2 - 7‬‬
‫للعمل في آن‪ :‬فندمك على أمر لم يكتمل سوف يؤرقك‪ ،‬وهنا يحدث‬
‫الفارق فيما إذا كانت طبيعة المرء متقدة أم باردة وخسيسة(‪ ،)272‬فالفشل‬
‫يثير الغضب في الرجل النبيل واال ْبتِئاس في الضعيف والمستلقي‪،‬‬
‫وينبغي لتعهداتنا أال تكون ضئيلة وال متهورة وال خبيثة وأن تستقر آمالنا‬
‫بقرب الهدف‪ ،‬وال نحاول شيئًا – بمجرد نجاحنا‪ -‬فسوف ُيدهشنا بأننا‬
‫فعلنا‪.‬‬

‫وألننا ال نعرف كيف نتحمل الخطأ‪ ،‬فعلينا أال نعانيه‪ ،‬وينبغي أن يكون‬ ‫‪ 1 - 8‬‬
‫ً‬
‫وبسيطا للغاية ليمضي معه قد ًما‪ ،‬ونحن نلتقط العادات من‬ ‫إعالننا هاد ًئا‬
‫رفقائنا كما تنتقل بعض االضطرابات باالتصال الجسدي‪ ،‬وكذلك يمرر‬
‫العقل عيوبه ألقرب الناس‪ .‬وقد جعل السكير رفقة منضدته للخمر غير‬
‫‪131‬‬
‫المخلوط(‪ ،)273‬وجعل االختالط بالخلوة الجنسية الرجل الخشن مخن ًثا‬
‫مع أن طبيعته كانت َصوا ًنا‪ ،‬ونقل الرجل الجشع مرضه إلى جيرانه‪.‬‬

‫والطريقة نفسها مع الفضائل ولكن بشكل معكوس‪ ،‬فهي تجعل كل‬ ‫‪ 2 - 8‬‬
‫شيء معتدلاً في مداره‪ ،‬مثلما ينتفع اعتالل الصحة من منطقة رحبة‬
‫ومناخ صحي‪ ،‬وهكذا العقول الراغبة في القوة تنتفع من الحفاظ على‬
‫الرفقة مع الحشد األفضل‪.‬‬

‫وسوف تدرك مدى فعالية هذا إذا رأيت ألفة الحيوانات البرية من‬ ‫‪ 3 - 8‬‬
‫العيش معنا‪ ،‬وحتى البهيمة المتوحشة ال ُتبقي على صفتها العنيفة إن‬
‫كان بمقدورها أن تشارك البشر مأواهم لفترة طويلة(‪ ،)274‬حيث ُتلطف‬
‫القسوة برمتها و ُتنسى رويدً ا رويدً ا بوداعة الرفقة‪ .‬وهناك حقيقة مفادها‬
‫أناسا ُر َزناء ال يمسي أفضل بمثاالتهم فحسب‪،‬‬
‫أن َمن يعايش على الدوام ً‬
‫بل يفتقر إلى األسباب التي تجعله غاض ًبا وال ينغمس في رذيلته‪ ،‬وبالتالي‬
‫سوف يتحاشى جل َمن يعرف أن هواهم للغضب‪.‬‬

‫وأنت تسأل‪َ « :‬من هؤالء الناس؟»‪ ،‬كثير من الناس سوف يكون لهم‬ ‫‪ 4 - 8‬‬
‫هذا التأثير ألسباب عدة‪ ،‬فاإلنسان المتعجرف سوف ُيهينك بازدرائه‪،‬‬
‫مملوء باإلهانة‪ .‬واإلنسان الجامح بضرره ماكر بخبثه‪ .‬واإلنسان‬
‫ٌ‬ ‫ففمه‬
‫العدواني بإيثار القتال متبجح كاذب بغروره‪ .‬وإنك لن تعبأ بأن ُينظر‬
‫إليك نظرة شك من قبل الخائفين‪ ،‬تنزعج من قبل المتعنتين‪ ،‬وتعتبر‬
‫بأنف مقلوبة للمصقلين‪.‬‬

‫فاختر الذين يتمتعون بالوضوح والود وضبط النفس؛ ألنهم ال يثيرون‬ ‫‪ 5 - 8‬‬
‫نفعا هم الذين يتحلون بالهدوء‬
‫غضبك وال يستضيفونه‪ ،‬واألكثر ً‬
‫والعطف والخجل– رغم أنهم ليسوا نعم الرجال؛ ألن االمتثال المفرط‬
‫يثير َمن يميلون للغضب(‪ .)275‬واعتدت أن يكون لي صديق طيب‪ ،‬ولكن‬
‫‪132‬‬
‫لديه استعداد للغضب‪ :‬فلم يكن حلو الحديث معه مأمو ًنا أكثر من مره‪.‬‬
‫ً‬
‫مفرطا في‬ ‫ومن المعروف أن الخطيب كايليوس ‪ Caelius‬كان‬ ‫‪ 6 - 8‬‬
‫الغضب(‪ ،)276‬وتقول القصة إنه كان يتناول عشاءه في غرفته مع رفيق‬
‫صبور‪ -‬وجد نفسه في مسكن ألقرباء‪ -‬ووجد صعوبة في أن يتحاشى‬
‫الشجار مع راعيه‪ ،‬ورأى من األفضل أن يتابع كايليوس على الدوام‬
‫دورا ثانو ًّيا‪ ،‬ولم يتحمل كايليوس االستمرار‬
‫أ ًّيا كان ما يقول‪ ،‬ويلعب ً‬
‫في هذا االتفاق وصرخ‪« :‬ناقضني بأي شكل‪ ،‬فنحن اثنان»‪ ،‬وغضب‬
‫كايليوس ألن اآلخر لم يغضب‪ ،‬وغادره في التو‪ ،‬ووجد نفسه بال خصم‪.‬‬

‫ولو علمنا أننا سريعو الغضب‪ ،‬إ َذنْ ‪ ،‬ينبغي أن نختار رفقة من هذه الشاكلة‪،‬‬ ‫‪ 7 - 8‬‬
‫وهم نوع يتبع كل لمحة وكلمة‪ :‬لتتيقن أنهم سوف يسلبوننا ويضعوننا في‬
‫رداء رديء لعدم سماع شيء ضد رغباتنا‪ ،‬بل سوف يسدون لنا خدمة‬
‫حيث يعطون لغضبنا وهلة زمن صامتة بفضل رذيلتهم‪ ،‬وحتى الذين‬
‫يتصفون بالغلظة والعنف بطبيعتهم سوف يتعاملون مع شخص ُيحلي‬
‫الكالم عنهم‪ ،‬ولن يبقى أي مخلوق قاس ًيا ًّ‬
‫وفظا وأنت تالطفه‪.‬‬

‫وحينما يحتد النقاش أكثر من المطلوب علينا أن نحاول وضع حد له في‬ ‫‪ 8 - 8‬‬
‫مراحله األولى قبل أن يكتسب قوة‪ ،‬فالخالف يتغذى على نفسه ويحكم‬
‫القبضة على المستغرقين فيه بعمق‪ ،‬ومن األيسر أن تمتنع عن الصراع‬
‫بدلاً من أن نتخلص منه‪.‬‬

‫وينبغي للميالين للغضب أن يتخلوا عن مجاالت الدراسة غير المعتادة‪،‬‬ ‫‪ 1 - 9‬‬


‫أو على األقل ألاَّ يسعوا للوصول إلى غاية اإلنهاك‪ ،‬وال ينبغي أن ُتوظف‬
‫عقولهم على الموضوعات الصعبة‪ ،‬بل يتعهدون الفنون المبهجة‪ -‬أي‬
‫يتلطفون بقراءة ِّ‬
‫الشعر وخدع األساطير من التاريخ‪ :‬والغاية من ذلك‬
‫وضع حمية ذهنية أكثر لط ًفا وراحة‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫لقد اعتاد فيثاغورس أن يعزف على القيثارة ليستقر عقله حين‬ ‫‪ 2 - 9‬‬
‫يضجر(‪ ،)277‬و َمن الذي ال يعلم أن أبواق الحرب وطبولها ال تستهدف‬
‫ٍ‬
‫أغان الهية بعينها إلى االسترخاء الذهني؟ إن‬ ‫اإلثارة في حين ُتفضي‬
‫النظر إلى األشياء الخضراء يعين حين تتألأل رؤيتنا(‪ ،)278‬فبعض األلوان‬
‫تهدئ نظرتنا حين ال تستقر كما أن سطوع بعضها يبهرها‪ ،‬وبالطريقة‬
‫نفسها تعمل الدراسات التي تمنح المتعة على تهدئة قدرتنا على التفكير‬
‫حين تمرض‪.‬‬

‫وعلينا أن نتحاشى المنتدى والمحاكم والدعاوى وجميع المساعي التي‬ ‫‪ 3 - 9‬‬


‫تثير رذيلة الغضب‪ ،‬ونحترس من اإلنهاك البدني ألنه يستعمل ما هو‬
‫معتدل ورزين فينا ويثير األشياء الموحشة‪.‬‬

‫ويتناول الناس غير مأموني المزاج بعض األطعمة ليوازنوا الصفراء حين‬ ‫‪ 4 - 9‬‬
‫أمورا في لحظة أعظم(‪ ،)279‬ألنهم يضجرون بسبب الصفراء‬
‫ً‬ ‫يتعهدون‬
‫سواء بسبب سطوتها على حرارة الجسد في المناطق الوسطى وتعطيل‬
‫الدم وتوقف الدورة الدموية بسبب إرهاق األوردة أم بسبب ضعف‬
‫الجسد وعدم ثباته فيضغط وزنه على العقل (ولهذا السبب فإن المتعبين‬
‫بالمرض أو كبر السن أكثر ميلاً للغضب)(‪ ،)280‬وينبغي تجنب الجوع‬
‫والعطش لألسباب نفسها‪ :‬فإنها تثير عقولنا و ُتلهبها‪.‬‬

‫وهناك قول مأثور يقول إن رجلاً متع ًبا يبحث عن قتال –وهذا يصح على‬ ‫‪ 5 - 9‬‬
‫رجل جائع‪ ،‬ورجل عطشان وأي رجل يغضب من أي شيء(‪ ،)281‬كما‬
‫تتأذى القروح بلمسة خفيفة وحتى مجرد التفكير في اللمس‪ ،‬لذا فإن‬
‫العقل الذي يعاني ضع ًفا يتأذى من أبسط األسباب مثل تحية أو حرف أو‬
‫كلمة أو سؤال يثير بعض الناس لمشاجرة‪ ،‬وأ ًّيا كان مرضه يصرخ دو ًما‬
‫عندما ُيلمس‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫‪ 1 - 10‬ومن األفضل أن تكون طي ًبا عندما تستشعر الشر‪ ،‬وتربط كالمك بقيد‬
‫مشدود وتمنع النزعة العدوانية(‪.)282‬‬

‫‪ 2 - 10‬ومن اليسير أن ُتشخص انفعاالت المرء عند بزوغها‪ :‬فاألعراض تسبق‬


‫األمراض‪ ،‬مثلما بشائر العاصفة المطيرة تصل قبل العاصفة ذاتها‪ ،‬فهناك‬
‫بشائر تعلن قدوم الغضب والحب وكل لفحات العواصف التي تربك‬
‫عقولنا‪.‬‬
‫النوبة(‪)283‬‬
‫عندما تبرد‬ ‫‪ 3 - 10‬فالمصابون بالصرع المزمن يدركون قدوم‬
‫أطرافهم وتسبح رؤيتهم وترتعش عضالتهم وتتعثر ذاكرتهم وتدور‬
‫رؤوسهم‪ ،‬وبالتالي يحبطون البداية بمداواة معتادة‪ :‬فيستعملون رائحة أو‬
‫مذا ًقا ليبعدوا ما يجعل عقولهم غريبة عن ذواتها أو يستعملون كمادات‬
‫دافئة لمواجهة البرد القاسي في أطرافهم‪ ،‬وإن فشل الدواء يبعدون عن‬
‫الزحمة‪ ،‬ومن ثم يعانون نوبة الصرع في مكان ال يراهم فيه أحد(‪.)284‬‬

‫‪ 4 - 10‬إنه يعين لتدرك مرضك وتتحقق من قوته قبل أن ينتشر‪ ،‬وعلينا أن نتدبر‬
‫امرأ واألفعال المهينة تحرك ً‬
‫امرأ آخر‪،‬‬ ‫ما يميزنا‪ ،‬فالكالم المهين يحرك ً‬
‫وهذا مرهف لحاله النبيل‪ ،‬وهذا لمظهره الحسن‪ ،‬وأحدهما يريد أن‬
‫يفكر بثقافة استثنائية وآخر تعلم على نحو استثنائي‪ ،‬وهذا ال يستطيع‬
‫الكف عن العجرفة واآلخر جموح‪ ،‬وهذا الرفيق هناك ال يفكر في العبيد‬
‫الذين يجدر بهم غضبه‪ ،‬وهذا هنا وحش في بيته وحمل وديع خارجه‪،‬‬
‫وهذا يعتقد أنه أذنب عندما يسأل فضلاً ‪ ،‬وآخر يعتقد أنه ُيهان عندما ال‬
‫ُي ُ‬
‫سأل‪ ،‬وال يشعر كل الناس باللطمة في نفس الطرف لذواتهم‪ ،‬لذا من‬
‫المناسب أن تعرف نقطة ضعفك حتى تولي لها حماية خاصة‪.‬‬

‫‪ 1 - 11‬وأن تسمع وترى كل ما يجري ليست فكرة جيدة‪ ،‬ودعونا نتجاوز عن‬
‫فمن ال يسجلها معظمها ال يعانيها(‪ .)285‬أأنت‬
‫كثير من اإلصابات‪َ :‬‬
‫‪135‬‬
‫فضوليا؟ إن المرء الذي يسأل‬
‫ًّ‬ ‫ترغب أال تكون ميالاً للغضب؟ أال تكون‬
‫سرا يزعج‬
‫عن ما يحاك عنه ويكشف الكريه الذي ينم به عنه حتى لو كان ًّ‬
‫نفسه‪ ،‬فتفسير أشياء بعينها بطريقة ما يجعلها تماثل اإلصابات‪ ،‬والمسار‬
‫المناسب أن ترجئ بعض األشياء وتضحك من بعضها وتتغافل عن‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪ 2 - 11‬وينبغي التحوط من الغضب بطرق شتى‪ ،‬فمعظم األشياء ينبغي أن‬


‫تتحول إلى مزحة‪ ،‬وعندما ضرب سقراط على رأسه (كما تروي القصة)‬
‫لم يتحفظ في قول إنه ُيزعج الناس أال يعرفوا أن ارتداء الخوذة فكرة‬
‫جيدة حين يغادرون المنزل(‪.)286‬‬

‫‪ 3 - 11‬إن ما يصنع الفارق ليس كيفية حدوث اإلصابة ولكن كيف ُحملت‪،‬‬
‫وإني فشلت أن أرى سبب صعوبة ضبط النفس‪ ،‬حيث إنني أعلم أن حتى‬
‫الطغاة –المنتفخين بحسن الحظ والمفجورة طبيعتهم‪ -‬قد يتحققون من‬
‫وحشيتهم‪.‬‬

‫‪ 4 - 11‬ويقينًا قد ُسجل في كتب التاريخ عندما قدم ضيف العشاء المخمور‬


‫نقدً ا مطولاً لقسوة الطاغية األثيني بيسيستراتوس ‪ Pisistratus‬لم ينقص‬
‫هؤالء اإلرادة بأن يعيروا يدً ا لالنتقام – أولئك الرجال الملتفون حول‬
‫الطاغية‪ ،‬الذين على أهبة االستعداد إلشعال النار لغضب بيسيستراتوس‪،‬‬
‫وحمل النقد بهدوء‪ ،‬وقال للملتفين حوله الذين يحاولون إثارته‪ ،‬إن‬
‫حنقه ال يزيد على غضب رجل معصوب العينين اصطدم بشيء(‪.)287‬‬

‫‪ 1 - 12‬كثير من الناس يصنعون أسبابهم للشكوى من ُشبه باطلة ومبالغة ألشياء‬


‫تافهة‪ ،‬ويأتي لنا الغضب غال ًبا ولكننا ننحو عنه‪ ،‬ومن ثم ال ينبغي أن‬
‫نستدعيه‪ :‬وحتى لو قدم إلى طريقنا ينبغي أن نرفضه‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫‪ 2 - 12‬ولم يقل أحدٌ لنفسه‪« :‬هذا الشيء ُيغضبنى– سواء أفعلته بنفسي أم‬
‫بمقدوري فعله»‪ ،‬وال أحد يقيس مقصد العامل بل الفعل ذاته‪ ،‬ومن ثم‬
‫ً‬
‫عارضا؟ وهل‬ ‫طوعيا أم‬
‫ًّ‬ ‫علينا تدبر العامل عن كثب(‪ .)288‬وهل كان فعله‬
‫مخدوعا؟ وهل فعله مكره عليه أم من أجل ثواب؟ هل كان‬
‫ً‬ ‫مضطرا أم‬
‫ً‬
‫يحتفي بنفسه أم يقدم خدماته آلخر؟ وينبغي أن يوضع عمر المخطئ في‬
‫أيضا‪ ،‬مما يجعل المسألة إما لط ًفا وإما ً‬
‫نفعا‪.‬‬ ‫االعتبار‪ ،‬وحظه ً‬

‫‪ 3 - 12‬وعلينا أن نضع أنفسنا موضع الشخص الذي نغضب منه‪ :‬ونرى من هذا‬
‫المنظور أن تقييمنا غير العادل ألنفسنا يجعلنا غاضبين‪ ،‬وإننا ال نرغب‬
‫أن نعاني فعلاً ارتكبناه بإرادتنا‪.‬‬

‫‪ 4 - 12‬وال أحد يقول لنفسه‪« :‬انتظر لحظة»– إن أعظم دواء للغضب هو‬
‫اإلرجاء(‪ ،)289‬حتى إن حماسته األولية قد تتالشى‪ ،‬والظالم الذي‬
‫يغلب على العقل إما أن يمر أو تقل غلظته‪ ،‬وتخف بعض األشياء التي‬
‫ترسل التوتر لسويعات ال ليوم وتختفي األخرى تما ًما‪ ،‬وحتى إن لم‬
‫ُي ِ‬
‫فض اإلرجاء الذي سعيت إليه لتحقيق شيء‪ ،‬فإنه سوف يأخذ مظهر‬
‫المحاولة وليس الغضب‪ ،‬وإذا أردت أن تعرف صفة الشيء‪ ،‬فوض‬
‫العمل للزمن‪ :‬فالتمييز الدقيق ال ُيصنع في التغير المتواصل‪.‬‬

‫‪ 5 - 12‬عندما غضب أفالطون من عبده(‪ ،)290‬لم يتمهل‪ ،‬بل أمر العبد أن يخلع‬
‫سترته ويقدم ظهره للجلد الذي عزم أن يقيمه بيده‪ ،‬وبعد أن أدرك أنه‬
‫غاضب‪ ،‬وبينما كان يرفع يده‪ ،‬وقفت يده في الهواء وتوقف مثل شخص‬
‫ٌ‬
‫صديق المشهد سأله ما الذي تفعله‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫يستعد للضرب‪ ،‬وعندما رأى‬
‫«أنا أعاقب رجلاً غاض ًبا»‪.‬‬

‫‪ 6 - 12‬مثل شخص مصاب بالشلل بقي أفالطون على وضعه ‪ -‬وهذا أمر مغاير‬
‫لحكيم‪ -‬على حافة الوحشية‪ ،‬ونسي اآلن العبد ألنه وجد آخر يستحق‬
‫‪137‬‬
‫التوبيخ‪ ،‬ومنع نفسه من السلطة نفسها على أسرته‪ :‬حيث كانت عادته‬
‫االنزعاج من بعض األخطاء‪ ،‬فقال‪« :‬يا سبيسيببوس ‪ ،Speusippus‬أنت‬
‫تعاقب العبد السيئ بالجلد ألنني غضبان»(‪.)291‬‬

‫‪ 7 - 12‬وبهذا الفعل تحاشى أن يفعل الخطأ؛ ألن آخر قد ارتكبه‪ ،‬وقال‪« :‬أنا‬
‫غضبان‪ ،‬وسوف أفعل أكثر مما ينبغي‪ ،‬ويغمرني السرور‪ ،‬وال ينبغي‬
‫للعبد أن يكون في قبضة أحد ليس بمقدوره التحكم في نفسه»‪ ،‬وهل‬
‫يعهد امرؤ بالثأر من رجل غاضب حين أنقص أفالطون قدراته للقيادة؟‬
‫وهل يعهد المرء باالنتقام من رجل غاضب‪ ،‬وعندما تغضب ال تسمح‬
‫لنفسك بشيء‪ ،‬لماذا؟ ألنك عندئذ ترغب في السماح لنفسك بأي شيء‪.‬‬
‫ْ‬
‫ناضل مع نفسك‪ :‬إن كان لديك اإلرادة لتتغلب على الغضب إن لم يتغلب‬ ‫‪ 1 - 13‬‬
‫مخرجا‪،‬‬
‫ً‬ ‫عليك‪ ،‬ويمكنك البدء في التغلب عليه إن محوته ولم تمنحه‬
‫وعلينا التنكر لعالماته وحفظها‪ ،‬وبقدر اإلمكان نخفيها ونسترها‪.‬‬

‫عظيما (ألن الغضب يريد أن يقفز‪ ،‬ويضرم‬


‫ً‬ ‫عسرا‬
‫ً‬ ‫‪ 2 - 13‬وسوف يكلفنا هذا‬
‫األعين بالنار‪ ،‬ويحول تعبيرنا)‪ ،‬وبمجرد أن نسمح له بكشف ذاته‬
‫خارجنا فإننا نسيطر عليه‪ ،‬ينبغي أن نخفيه في أعماق ضلوعنا ونتحمله‬
‫وال نثقل به‪ ،‬ال على العكس تما ًما – ينبغي أن ُنعدل شواهده ونخفف‬
‫من تعبيرنا و ُنخفض صوتنا و ُنبطئ خطوتنا‪ ،‬ورويدً ا رويدً ا تتفوق حالتنا‬
‫الباطنية على مظهرنا الخارجي‪.‬‬

‫‪ 3 - 13‬وقد كانت الداللة على غضب سقراط حين انخفض صوته وتحدث‬
‫واضحا أنه يقاوم دوافعه(‪ ،)292‬وبالتالي كان أصدقاؤه يشدون‬
‫ً‬ ‫بتؤدة‪ ،‬وبدا‬
‫عليه ويؤنبونه‪ ،‬ولم ْ‬
‫يستأ من معايرته بكبت غضبه‪ :‬ولماذا لم يبتهج بأن‬
‫عرف كثيرون غضبه ولم يشعر به أحد؟ وكانوا سيشعروا به إن لم يأذن‬
‫ألصدقائه بتوبيخه – والدور نفسه قد افترضه مع أصدقائه(‪.)293‬‬
‫‪138‬‬
‫‪ 4 - 13‬وكم هو عظيم أن نتبنى هذه الممارسة! وعلينا أن نطلب من جميع‬
‫أصدقائنا أن يلومونا بإخالص بمجرد أن يقل تسامحنا لهذا اإلخالص‪،‬‬
‫وألاَّ يدعموا غضبنا‪ ،‬ونستدعي ضد هذا الشر الماتع القوي العونَ في‬
‫حين ال يزال لدينا اإلحساس وامتالك الذات لفعل ذلك‪.‬‬

‫‪ 5 - 13‬والذين ال يقدرون على حمل خمرهم ويخشون الطيش وعواقب‬


‫السكر‪ ،‬يمنحون أصدقاءهم مهمة توصيلهم من المأدبة إلى البيت‪،‬‬
‫ُّ‬
‫والذين جربوا فقدان السيطرة على النفس في المرض يمنعون اآلخرين‬
‫من أن يطيعوهم عندما يفقدون إرادتهم‪.‬‬

‫‪ 6 - 13‬ومن األفضل أن نبحث عن عوائق لتعترض طريق رذائلنا المعروفة‪ ،‬وأن‬


‫تربط عقولنا بجأش قبل كل شيء عندما تهذي على نحو مفاجئ أو بسأم‬
‫حق‪ ،‬فإما ألاَّ يشعر العقل بالغضب وإما أن يسحب الغضب إلى باطنه‬
‫وألاَّ يعترف بغضبه عندما تحدث له إصابة غير متوقعة في البداية‪.‬‬

‫‪ 7 - 13‬وسوف يتضح أن بمقدورنا أن نفعل هذا إذا قدمنا أمثلة قليلة من الحشود‬
‫الضخمة المتاحة‪ ،‬وباإلمكان أن نتعلم من هذا درسين‪ :‬وهما مقدار ما‬
‫يملكه الغضب الشرير في قبضته حين يستعمل قوة األقوياء على نحو‬
‫غير استثنائي‪ ،‬ومقدار ما يمكنه أن ُيبقي عليه في إمرته عندما ُيفحص‬
‫بالخوف األعظم(‪.)294‬‬

‫‪ 1 - 14‬كان الملك قمبيز ‪ Cambyses‬مسر ًفا في تعاطي الخمر(‪ ،)295‬ونصحه‬


‫أحد أقرب أصدقائه بريكاسبيس ‪ Praexaspes‬أن يشرب باعتدال‬
‫ٌ‬
‫مخجل في الملك حيث ُيزيغ عينيه وأذنيه‪ ،‬فرد الملك‪:‬‬ ‫قائلاً إن السكر‬
‫وعيني تقومان‬
‫َّ‬ ‫يدي‬
‫“ولتتيقن أنني ال أهذي‪ ،‬وسوف أبرهن أن كلتا َّ‬
‫بعملها عندما أشرب”‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫‪ 2 - 14‬وعندئذ أفرط في الشراب من كؤوس أكبر على غير المعتاد‪ ،‬وعندما‬
‫هذى وغط في حالة السكر دعا ابن الرجل الذي أنبه ليخرجه خارج‬
‫العتبة ويقف بيده اليسرى مرفوعة فوق رأسه‪ ،‬ومن ثم ثنى قوسه‬
‫فاخترق قلب الشاب الصغير (وكان الهدف الذي حدده) وفتح صدره‬
‫وثبت السهم الذي اخترق القلب‪ ،‬ثم نظر إلى األب وسأله هل كانت‬
‫يده ثابته بما فيه الكفاية‪ ،‬وأكد األب أن أبوللو لم يتحقق من تحديد‬
‫الضربة‪.‬‬

‫‪ 3 - 14‬وقد تهدر األرباب هذا الرجل – فهو ليس أفضل من العبد في عقله إن‬
‫لم يكن في موقفه(‪ !)296‬حيث قدم ً‬
‫مدحا للفعل ال تطاق حتى مشاهدته‪،‬‬
‫واعتبرها فرصة للمداهنة‪ ،‬فقد ُشق صدر ابنه إلى قسمين وال يزال قلبه‬
‫ينبض تحت الجرح‪ ،‬كان ينبغي له أن يدعو قمبيز ليتابع المجد ويدعوه‬
‫سهما ثان ًيا حتى يتسنى للملك أن يبرهن أن يده كانت أكثر ثبا ًتا‬
‫ً‬ ‫ليخرج‬
‫في قتل األب نفسه‪.‬‬

‫‪ 4 - 14‬يا لهذا الملك الدموي الذي حول كل شعبه لينحني أمامه! وإني ألعنه‬
‫فقد بدأ مأدبته إلى النهاية بجزاء مهلك‪ ،‬وما زلت أصف أن هذا المشهد‬
‫أفظع من السهم ذاته‪ ،‬وسوف نتدبر في وقت آخر في كيفية تصرف‬
‫األب والوقوف على جثة ولده الميت‪ ،‬والقاتل هو الشاهد والسبب‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة للمحور محل النقاش فمن الواضح أن الغضب يمكن قمعه‪.‬‬

‫‪ 5 - 14‬إنه لم يلعن الملك‪ ،‬ولم يتفوه حتى بكلمة رثاء لمصيبته‪ ،‬مع أنه رأى قلبه‬
‫يخترق بما ال يقل عن ابنه‪ ،‬وقد يقول امرؤ إنه ابتلع كلماته ح ًّقا‪ ،‬وقد قال‬
‫شيئًا بصفته رجلاً غاض ًبا ولم يفعل شيئًا بصفته أ ًبا‪.‬‬

‫‪ 6 - 14‬ويبدو (وأشدد على هذا) أنه تصرف بحكمة في مصيبته أكثر مما فعل‬
‫في هدوء الوعظ في الشراب لرجل يفضل شرب الخمر أكثر من الدم‪:‬‬
‫‪140‬‬
‫عندما انشغلت يداه بالكؤوس عم السالم‪ ،‬وهكذا انضم بريكاسبيس‬
‫لرفقة واضحين في مصيبتهم‪ ،‬وكم من كلفة ثمينة يدفعها أصدقاء‬
‫الملوك مقابل نصيحتهم لهم‪.‬‬

‫‪ 1 - 15‬وال أشك أن هارباجوس ‪ً Harpagus‬‬


‫أيضا منح مثل هذه النصائح لملكه‬
‫وهو ملك الفرس(‪ :)297‬ونال اإلهانة‪ ،‬فقد قدم العشاء ألطفاله في العشاء‬
‫وسأل إن كان يحب التوابل‪ ،‬وعندما رأى هارباجوس قد تغلب على‬
‫آالمه أمر في المرة التالية أن ُتحضر له رؤوس األطفال‪ ،‬وتساءل كيف‬
‫استقبلها‪ ،‬ولم يفقد الرجل المسكين الكلمات‪ ،‬ولم يغلق فمه قا ًئال‪:‬‬
‫«كل مأدبة في قصر الملك مبهجة»‪ ،‬فماذا كسب بهذه المداهنة(‪،)298‬‬
‫لم ينل إال عدم دعوته حتى على بقايا الطعام‪.‬‬

‫‪ 2 - 15‬وال أقول‪ :‬ال ينبغي لألب أن يدين عمل الملك‪ ،‬وال أقول‪ :‬ال يسعه منع‬
‫استنتاجا ذا صلة‪ :‬حتى‬
‫ً‬ ‫العقاب لهوله الموحش(‪ ،)299‬ولكنني أضع اآلن‬
‫الغضب الذي ينشأ عن خبث هائل يمكن أن ُيخفى و ُيجبر على الكالم‬
‫بطريقة مختلفة تما ًما‪.‬‬

‫‪ 3 - 15‬ولجم كرب المرء بهذه الطريقة أمر ضروري‪ ،‬وال يقل عند كثيرين‬
‫جلبتهم الحياة لطاولة الملك‪ ،‬وبهذه الطريقة يأكل المرء ويشرب‬
‫ويجيب في حضورهم‪ -‬والقاعدة هي «ابتسم في حين يموت أفراد‬
‫عائلتك»‪ .‬وسوف أتدبر مناسبة أخرى عن إذا كانت تستحق ثمنًا‬
‫ً‬
‫باهظا‪ :‬وهذا تساؤل مختلف‪ ،‬ولن أخفف بعزاء طريقة قيد العصابة‬
‫لحياة –قاتمة للغاية‪ -‬ولن أحثك أن تتحمل أوامر الجزارين‪ :‬بل أبرهن‬
‫مفتوحا(‪،)300‬‬
‫ً‬ ‫لك أن في كل شكل للعبودية يظل الطريق إلى الحرية‬
‫والمرء الذي لديه إذن إلنهاء بؤسه تعيس فحسب بسبب ضعف عقله‬
‫وخطئه‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫‪ 4 - 15‬والرجل الذي دخل مع الملك الذي أطلق السهام في صدور أصدقائه‬
‫والرجل الذي أطعم ملكه اآلباء بلحوم أطفالهم على حد سواء‪ ،‬وأقول‪:‬‬
‫عدوا غري ًبا ينتقم لك بتدمير وطنك‬
‫«لماذا تتأوه يا مجنون؟ لماذا تنتظر ًّ‬
‫أو ً‬
‫ملكا قو ًّيا يلقف لك عو ًنا من بعيد؟ فأينما تولي هناك نهاية آلالمك‪،‬‬
‫هل ترى هذا الجرف؟ فطريق الهبوط هو الطريق للحرية‪ ،‬وهل ترى هذا‬
‫البحر وهذا النهر وهذا البئر؟ الحرية تقيم هناك في أعماقه‪ ،‬وهل ترى‬
‫هذه الشجرة القصيرة الذابلة غير المثمرة؟ الحرية تتدلى منها‪ ،‬هل ترى‬
‫رقبتك وحلقك وقلبك؟ هم دروب الهروب من العبودية‪ .‬هل المخارج‬
‫التي أعرضها لك شاقة؟ هل تتطلب قوة عقل؟ هل تسأل عن الطريق‬
‫الذي يؤدي للحرية؟ أي وريد هذا الذي في جسدك!»‪.‬‬

‫‪ 1 - 16‬واآلن طالما لم نجد شيئًا ال ُيطاق يدفعنا في الحياة‪ ،‬فينبغي علينا أن‬
‫نستأصل الغضب‪ ،‬بغض النظر عما سيكون موقفنا في الحياة‪ ،‬إن الغضب‬
‫ٌ‬
‫شكل‬ ‫لمن يخدمون في المناصب الثانوية مهلك‪ ،‬وكل أعمال الضغائن‬
‫لتعذيب النفس‪ ،‬وتحمل األوامر كلما كانت ثقيلة ومتواصلة كذلك‪،‬‬
‫وبهذه الطريقة يشد الحيوان البري عقدة الفخ وهو يهزها‪ ،‬وبهذه الطريقة‬
‫تلطخ الطيور ريشها بالدابوق وهي تهز نفسها لتُلقى عليه(‪ ،)301‬وال نير‬
‫محكم ال يضر المطيع بأقل من المتمرد‪ ،‬إن التخفيف من اآلالم الجسيمة‬
‫هو تحملها والخضوع للقيود التي تفرضها‪.‬‬

‫‪ 2 - 16‬ومن األفيد ألصحاب المناصب الثانوية أن يتحكموا في انفعاالتهم‪ ،‬وال‬


‫نفعا للملوك‪ ،‬وعندما يسمح‬
‫يزال هذا االنفعال الجامح الوحشي أكثر ً‬
‫الحظ بما يستحثه الغضب يضيع الكل‪ ،‬وليس بمقدور أي قوة أن تقيم‬
‫طويلاً ممارسة بتكلفة مشاكل ألناس عدة(‪ :)302‬وإنه عرضة للمخاطرة‬
‫عندما يوحد الخوف الشائع الذين يندبون أنفسهم‪ ،‬وقد ذبح عديد منهم‬
‫‪142‬‬
‫معا‪ -‬وعندما يتشارك الناس‬
‫– بعضهم من قبل األفراد وبعضهم بفعلهم ً‬
‫كلهم الكرب يتوحد غضبهم‪.‬‬

‫شعار للملكية(‪ ،)303‬وخذ‬


‫ٌ‬ ‫‪ 3 - 16‬ومن ثم وظف كثيرون غضبهم على أنه‬
‫كبيرا من‬
‫ً‬ ‫وجزءا‬
‫ً‬ ‫داريوس ‪ Darius‬مثالاً ‪ ،‬وهو أول َمن حكم فارس‬
‫الشرق بعد انتزاع السيادة من المجوس‪ ،‬عندما أعلن الحرب على‬
‫‪ Scyths‬الذين يطوقون الشرق‪ ،‬وطلب منه أويبازوس ‪ Oeobazus‬وهو‬
‫عزاء ألبيه ويستعمل‬
‫ً‬ ‫طاعن في العمر‪ ،‬أن يترك واحدً ا من أبنائه الثالثة‬
‫خدمات االثنين اآلخرين‪ :‬ووعده بأكثر مما طلب‪ ،‬وقال داريوس إنه‬
‫سوف يرسل له الثالثة‪ -‬ثم قتلهم وألقاهم أمام أعين أبيهم‪ ،‬ألنه سيكون‬
‫جميعا في الحملة العسكرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫قاس ًيا إن أخذهم‬

‫‪ 4 - 16‬كم كان سيركيس ‪ Xerxes‬متمهل(‪ !)304‬عندما طلب بيثيوس األب‬


‫لخمسة أبناء أن يطلق سراح أحدهم من الخدمة‪ ،‬وسمح له سيركيس أن‬
‫يختار منهم من يريد‪ُ ،‬‬
‫وشق الذي اختاره إلى نصفين‪ ،‬ووضع كل نصف‬
‫على جانب من الطريق‪ ،‬وكان قربا ًنا لتطهير جيشه‪ ،‬وقد القى سيركيس‬
‫ودمر من كل جانب‪،‬‬
‫النتيجة التي يستحقها‪ :‬فقد ُهزم وتناثرت قواته‪ُ ،‬‬
‫وسار بين جثث شعبه‪.‬‬

‫‪ 1 - 17‬وكان ملوك البرابرة متوحشين في غضبهم مثلهم‪ ،‬وهم الذين لم ينالوا‬


‫قسطا من التعليم والثقافة األدبية‪ ،‬واآلن سوف أعطيك – من حضن‬ ‫ً‬
‫أرسطو‪ -‬الملك اإلسكندر(‪ ،)305‬الذي قتل كليتوس ‪ Clitus‬أقرب‬
‫أصدقائه من الطفولة بيده أثناء االحتفال‪ ،‬ألنه لم يتودد له بشكل ٍ‬
‫كاف‪،‬‬
‫واشمأزَّ أن ينتقل من الحرية كمقدوني إلى العبودية كفارسي‪.‬‬
‫‪ 2 - 17‬إنه ألقى ليسيماخوس ‪ Lysimachus‬إلى ُ‬
‫األسد وهو صديق مقرب‬
‫بالقدر نفسه‪ :‬وعندما حالف الحظ ليسمياخوس للهروب من ُ‬
‫األسد‪ ،‬لم‬
‫‪143‬‬
‫يستلطف التجربة وقضى في األمر بنفسه‪ ،‬أليس هو َمن قضى(‪)306‬؟‬

‫‪ 3 - 17‬وعندما قلم تيليفوروس الرودسي ‪ Telesphorus of Rhodes‬فقطع أذنيه‬


‫وأنفه‪ ،‬وأطال التحفظ عليه في قفص مثل نوع نادر جديد من الحيوان‪،‬‬
‫رغم البتر القبيح وتشويه وجهه الذي دمر معالم بشريته‪ ،‬وأضاف إلى‬
‫الجوع المهلك والبؤس قذارة الجسد الناتجة عن برازه‪.‬‬
‫ِ‬
‫يكتف بهذا‪ ،‬فقد أجبره القفص الضيق على استعمال يديه وركبتيه‬ ‫‪ 4 - 17‬ولم‬
‫كقدمين فتكلستا وتقرح ظهره وجنباه من الهرش‪ .‬وصار منظره مقر ًفا‬
‫بقدر ما هو مخيف‪ .‬وتقطعت به األسباب حتى الشفقة(‪ .)307‬ولم يعد‬
‫بشرا‪ ،‬واستوحش من سببها‪.‬‬
‫ذاك الرجل الذي عانى هذه األمور ً‬
‫‪ 1 - 18‬أتمنى أن تنحصر هذه الوحشية في نماذج أجنبية فحسب‪ ،‬وألاَّ تنتقل‬
‫بربرية الغضب العقابي إلى الشخصية الرومانية إلى جانب رذائل أخرى‬
‫مهجورة‪ .‬إن ماركوس ماريوس ‪ -Marcus Marius‬من الذين أقاموا‬
‫في مجاورة تلو األخرى وهو يقدم صورة المصلي بين النبيذ والبخور‪-‬‬
‫قد ُكسرت ساقاه و ُفقأت عينه و ُقطع لسانه ويداه بأمر لوكيوس سولال‬
‫جزءا كما لو كان‬
‫جزءا ً‬
‫‪ Lucius Sulla‬الذي عذبه شيئًا فشيئًا‪ ،‬وفصله ً‬
‫يقتله في كل مرة بجرحه(‪.)308‬‬

‫‪ 2 - 18‬و َمن الخادم المحمول على هذا األمر؟ من غير كاتيلين ‪Catiline‬‬
‫الذي وظف يديه في كل نوع من الجريمة؟ لقد ذبح ماريوس أمام قبر‬
‫شنيعا في‬
‫ً‬ ‫كوينتوس كاتيليوس ‪ ،Quintus Catulus‬لقد ارتكب خطأ‬
‫حق رماد الرجال الشرفاء‪ ،‬وبالطريقة نفسها سفك دم ماريوس على‬
‫رماد هؤالء قطرة قطرة‪ ،‬وهو الرجل الذي ضرب مثالاً سيئًا في سياساته‪،‬‬
‫ولكن ال يزال واحدً ا من الناس محبو ًبا بغير حق‪ ،‬لقد كان ماريوس‬
‫جديرا بمعاناة هذه األمور التي كان سولال يأمر بها كاتيلين بعملها‪،‬‬
‫ً‬
‫‪144‬‬
‫ولكن لم تستحق األمة أن ُيخترق جسده بسيف األعداء والمدافعين‬
‫على حد سواء‪.‬‬

‫‪ 3 - 18‬لماذا ننقب عن أمثلة في التاريخ القديم؟ فمنذ زمن ليس ببعيد ُجلد‬
‫‪)309(Gaius‬‬
‫وعذب سيكتوس بابينيوس‬
‫ُ‬ ‫جايوس قيصر ‪Caesar‬‬
‫‪( Sextus Papinius‬ابن القنصل السابق) وبيتيلينيوس باسوس‬
‫‪( Betilienus Bassus‬قسطوره الخاص – موظف روماني‪ -‬وابن نائبه)‬
‫وآخرون وكل من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان الرومان‪ ،‬وليس‬
‫أثناء إجراء التحقيق بل ألنه شعر بذلك‪.‬‬

‫‪ 4 - 18‬وأكثر من هذا لم يتحمل تأجيل اللذة إال قليلاً ‪ ،‬حيث لحت عليه قسوته‬
‫بقدر هائل وفي التو‪ ،‬وبينما يتجول نحو إقامة أمه(‪ )310‬على طول ممشى‬
‫رواق من ضفة النهر‪ ،‬وقطع الرأس بمصباح الذين ذكرته للتو‬‫ٌ‬ ‫يفصله‬
‫برفقة الرعاة وأعضاء مجلس الشيوخ اآلخرين(‪ ،)311‬لماذا كان بهذه‬
‫العجلة؟ هل ألن مهلة ليلة واحدة تهدد ببعض المخاطر العامة أو‬
‫الشخصية؟ باختصار ما كان يمكن أن ينتظر حتى الفجر حتى ال ُيقتل‬
‫رجال مجلس الشيوخ الروماني عن طريق رجل يرتدي زحافات(‪.)312‬‬

‫‪ 1 - 19‬ومعرفة مدى قسوته المتغطرسة له عالقة بالمسألة المطروحة‪ ،‬رغم أن‬


‫أحدهم قد يحكم بأنني أتحايل على موضوعي وأمضي على الظل‪،‬‬
‫ولكن سمته سوف ُتشخص الغضب حين تتطرف وحشيته(‪ ،)313‬حيث‬
‫جلد أعضاء مجلس الشيوخ‪ :‬وسلوكه القبلي مكنه من قول «هذا النوع‬
‫من األشياء يحدث»‪ ،‬لقد عذبهم مستعملاً كل الوسائل المروعة التي‬
‫يعرفها العالم – مثل المصبعة وكالب الكاحل وال ِم ْنصب(‪ )314‬والنار‪.‬‬

‫‪ 2 - 19‬وهنا سيقول امرؤ ما‪« :‬صفقة كبيرة! لذلك تقلب في استعمال الجلد‬
‫والنار على ثالثة من أعضاء مجلس الشيوخ كما لو كانوا معدومي‬
‫‪145‬‬
‫القيمة – شخص اعتاد التفكير في ذبح مجلس الشيوخ بأكمله‪ ،‬وتمنى‬
‫أن يكون للشعب الروماني رقبة واحدة(‪ ،)315‬حتى يمكنه التركيز على‬
‫أعماله الوحشية التي وزعت على مناسبات ومواقع عدة بضربة واحدة‬
‫في يوم واحد»‪ ،‬وهل من شيء أشد فظاعة من تنفيذ اإلعدام في غطاء‬
‫الليل(‪)316‬؟ فأعمال اللصوصية عادة ما تتخفى في الظالل‪ ،‬والعقوبات‬
‫تزيد فاعليتها في النور بتشويه السمعة‪.‬‬

‫‪ 3 - 19‬وهنا سيقول لي امرؤ‪« :‬إن السلوك الذي يدعك متشو ًقا هو نظام يومي‬
‫بهيمي‪ :‬يحيا من أجله‪ ،‬ويشاهد من أجله‪ ،‬ويحرق زيت الليل من أجله»‪،‬‬
‫وح ًّقا بما فيه الكفاية أن ال تجد أحدً ا غيره قد أمر بأن كل الذين حكم‬
‫بإعدامهم ملء أفواههم بقطعة إسفنج فلم يتمكنوا من النطق بصوت‪،‬‬
‫وهل من أحد على وشك الموت يأمن من التأوه؟ إنه خشي أن كربهم‬
‫صريحا غير معهود‪ ،‬وأن يسمع ما ال يود أن يسمعه‪،‬‬
‫ً‬ ‫األخير قد ُينتج كال ًما‬
‫كان يعلم فوق هذا أن هناك عد ًدا ال ُيحصى من األشياء التي ال يجرؤ‬
‫على إلقائها في وجهه إال لحظة الموت‪.‬‬

‫‪ 4 - 19‬وعندما يتعذر توفير اإلسفنج‪ ،‬يأمر بتمزيق المالبس البالية و ُتحشى بها‬
‫أفواههم‪ ،‬فأي نوع من الوحشية هذا؟ دع البائس يعقد نفسه األخير‪،‬‬
‫ويمنح النفس طري ًقا لمغادرة الجسد(‪ ،)317‬فال ُتصعدها بجرح غائر‪.‬‬

‫‪ 5 - 19‬والمفزع أن ُنضيف أنه قتل في الليلة نفسها آباء الرجال الذين قتلهم‬
‫‪-‬وكأنه يقول إن هذا الرجل الرؤوف حررهم من حزنهم‪ -‬بإرسال‬
‫قادة حول منازلهم‪ ،‬وليست غايتي وصف وحشية جايوس بل وحشية‬
‫أمما‬
‫الغضب‪ ،‬التي ال تنفث غيظها على رجل بعينه في كل مرة‪ ،‬بل تمطر ً‬
‫وأنهارا وكيانات محصنة من الشعور باأللم‪.‬‬
‫ً‬ ‫برمتها‪ ،‬وتضرب مد ًنا‬

‫وسمى‬
‫َّ‬ ‫‪ 1 - 20‬وكذلك قطع الملك الفارسي أنوف شعب بأكمله في سوريا‪،‬‬
‫‪146‬‬
‫المكان «األنف المبتور ‪ ،)318(”Dock-Nose‬هل تعتقد أنه اقتصد حين‬
‫لم يقطع رؤوسهم؟ ال‪ ،‬إنه استمتع فحسب بنوع جديد من العقاب‪.‬‬

‫‪ 2 - 20‬واألثيوبيون ‪ Ethiopians‬الذين أطلق عليهم “المعمرون ‪the Long-‬‬


‫‪( ”lived Ones‬يطول مسار حياتهم) قد عانوا ً‬
‫بعضا من هذا المصير‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬ألن قمبيز غالى في هياجه ألنهم لم يقبلوا العبودية باإليماء‬
‫لخضوع المن(‪ ،)319‬ولكنه أعطى السفراء الذين أرسلهم ردو ًدا صريحة‬
‫يصفها الملوك باإلهانة‪ ،‬ودون أن يرى المؤن ودون أن يستكشف الطريق‪،‬‬
‫زحف بمجموعة الرجال غير المنظمة كلها نحو الصحراء وهم ال يدرون‬
‫شيئًا عن الحرب‪ ،‬ح ًّقا كان يفتقر إلى المؤن الضرورية في البداية‪ ،‬ولم‬
‫تمده المنطقة القاحلة غير المأهولة التي لم يمسها أثر بشر(‪.)320‬‬
‫‪ 3 - 20‬وفي البداية َّ‬
‫سكنوا جوعهم بأوراق األشجار وبراعمها‪ ،‬ثم الجلود التي‬
‫طيبتها النار‪ ،‬وكل ما تستدعي الضرورة تحويله إلى طعام‪ ،‬وهاموا في‬
‫خضم الرمال بعد أن تخطوا طريق األشجار‪ ،‬وبدت األرض المهجورة‬
‫خالية حتى من الحيوانات‪ ،‬وانجرفوا طويلاً في الصحراء‪ :‬وتقاسم كل‬
‫عشرة رجال طعا ًما يؤجج جوعهم‪.‬‬

‫كبيرا من‬
‫جزءا ً‬
‫ً‬ ‫‪ 4 - 20‬وال يزال الغضب يقود الملك المتهور ‪-‬رغم أنه فقد‬
‫جيشه وأكل اآلخر‪ -‬حتى إنه خشي على نفسه أن يجمعوا عليه‪ ،‬ووقتئذ‬
‫أعطى شارة للتراجع‪ ،‬وفي حين حامت الطيور النفيسة من أجله وحملت‬
‫الجمال لوازم أعياده‪ ،‬مع أن جنوده كانوا يحددون بالقرعة َمن يموت‬
‫حيا في شناعة أعظم‪.‬‬
‫موتة شنيعة و َمن يبقى ًّ‬
‫‪ 1 - 21‬كان قمبيز غاض ًبا من أمة مجهولة وال تستحق‪ ،‬بل بمقدورها اإلدراك‬
‫على األقل‪ ،‬وكان قورش غاض ًبا من النهر‪ ،‬وعندما كان يسارع في‬
‫مهاجمة بابل في الحرب‪ ،‬وتحين الفرص لالستيالء عليها‪ ،‬وحاول أن‬
‫‪147‬‬
‫واسعا لنهر جينديس ‪ – Gyndes‬وشيئًا ال يكاد يكون آمنًا‬
‫ً‬ ‫يشق طر ًيقا‬
‫حتى عندما يغيض النهر بحرارة الصيف ويقل فيضانه‪.‬‬

‫‪ 2 - 21‬وجمح أحد الخيول البيضاء التي تجر عربة الملك‪ ،‬وتحرك بقوة‪،‬‬
‫وأقسم الملك أنه سوف ُينقص النهر الذي يحمل رفقاءه حتى النساء‬
‫سوف تتمكن من عبوره‪.‬‬

‫‪ 3 - 21‬وحول عند ذلك كل آليات الحرب لهذه النهاية‪ ،‬واستقام العمل‪ ،‬وقسم‬
‫المجرى الرئيس للنهر إلى مائة وثمانين قناة‪ ،‬ووزعه على ثالثمائة‬
‫وستين مجرى‪ ،‬وتركه يجف بتدفق المياه في اتجاهات مختلفة‪.‬‬

‫‪ 4 - 21‬وهكذا أهدر الوقت – والضياع األكبر في المهمات األعظم‪ -‬وحماس‬


‫الجنود‪ -‬وهو عمل ال طائل وراءه‪ -‬وتصيد الفرصة لمهاجمة خصومة‪،‬‬
‫بينما أعلن الحرب على األعداء مع تحويل النهر(‪.)321‬‬

‫اسما آخر؟‪ -‬قد حط بالرومان ً‬


‫أيضا‪،‬‬ ‫‪ 5 - 21‬هذا الهوس – وهل تطلقون عليه ً‬
‫ألن جايوس قيصر هدم أجمل القصور في هيركيالنيوم ‪Herculaneum‬؛‬
‫ألن أمه ُسجنت هناك – وكان حظها سيئًا بهذا الفعل‪ ،‬وعندما كان ال‬
‫قائما اعتدنا أن نبحر فيه في الماضي‪ ،‬ولكن الناس يسألون اآلن‬
‫يزال ً‬
‫لماذا ُدمر(‪)322‬؟‬

‫ولدي اآلن أمثلة على النقيض ينبغي تتبعها‪،‬‬


‫َّ‬ ‫‪ 1 - 22‬وهذه أمثلة ينبغي تجنبها‪،‬‬
‫بسلوكها الرزين المنضبط‪ ،‬وهي ألناس ليس لديهم أسباب للغضب وال‬
‫قدرة على االنتقام(‪.)323‬‬

‫‪ 2 - 22‬ومن هؤالء أنتيجونوس ‪ :)324(Antigonus‬حيث لم يكن هناك ما‬


‫هو أيسر من أن يأمر بإعدام الجنديين اللذين كانا يميالن إلى خيمته‪،‬‬
‫ويفعالن ما يفعله الناس بعيدً ا عن الخطر وبمتعة أعظم – ويعبران عن‬
‫‪148‬‬
‫رأيهما في ملكهم بصوت منخفض‪ -‬وسمع أنتيجونوس كل شيء‪،‬‬
‫حيث تفصل الستارة فحسب بين المتحدثين وجمهورهم‪ :‬حيث تنحى‬
‫بخفة بجانب من السترة وقال‪« :‬اذهبا بعيدً ا حتى ال يسمعكما الملك»‪.‬‬

‫‪ 3 - 22‬وإليكم قصة أخرى عن أنتيجونوس عندما سمع ذات ليلة ً‬


‫بعضا من‬
‫جنوده يصبون اللعنات على ملكهم ألنه قادهم إلى درب موحل لم‬
‫يمكنهم التخلص منه‪ ،‬فذهب إلى َمن يعانون وقتًا عصي ًبا وعاونهم ولم‬
‫يتعرفوا على معينهم‪ ،‬وقال‪« :‬اآلن‪ ،‬العن أنتيجونوس الذي أوقعك في‬
‫هذا البؤس‪ ،‬وبارك الرجل الذي أخرجك من هذا الوحل»‪.‬‬

‫‪ 4 - 22‬لقد تحمل أنتيجونوس إساءة األعداء والمواطنين على حد سواء‬


‫باعتدال متكافئ‪ :‬عندما كان اليونانيون محاصرين بسياجين‪ -‬وكانوا‬
‫يثقون بموقفهم واحتقارهم لعدوهم‪ -‬وقد تفكهوا بنكات عدة عن‬
‫قبح أنتيجونوس وسخروا من قامته القصيرة وأنفه المدكوك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لدي‬
‫«أنا سعيد‪ ،‬وأتمنى بعض النتائج الحسنة بشكل معقول إن كان َّ‬
‫سيلينيوس في معسكري»(‪.)325‬‬

‫‪ 5 - 22‬وعندما قلص الشكوى من المجاعة‪ ،‬أخذ أسراه ووزع المناسب منهم‬


‫للجندية بين رفقائه وباع الباقي منهم في مزاد للعبيد‪ ،‬قائلاً ‪ :‬لم أفعل هذا‬
‫إال لمصلحتهم وهو أن يكون لهم سيدٌ ؛ ألن لهم ألسنة خبيثة‪.‬‬

‫‪ 1 - 23‬وكان اإلسكندر حفيد أنتيجونوس(‪ ،)326‬الذي رمى الرمح على رفقاء‬


‫العشاء‪ ،‬والذي ألقى أحد أصدقائه الذين ذكرتهم من قبل لألسد‪ ،‬وجعل‬
‫اآلخر فريسته(‪ ،)327‬ونجا الذي ألقاه لألسد‪.‬‬

‫‪ 2 - 23‬لم يرث اإلسكندر هذه الرذيلة من جده وال حتى من والده‪ ،‬فإن كان‬
‫لفيليب أي فضيلة في الحلم في مواجهة اإلهانات‪ ،‬وهي أداة عظيمة‬
‫‪149‬‬
‫ونافعة لبقاء حكمه(‪ ،)328‬فقد جاء ديموخاريس ‪- Demochares‬‬
‫الملقب بـ‘المتكلم الحر’ لطريقته المفرطة للغاية في التحدث‪ -‬إلى‬
‫فيليب مبعو ًثا مع أثينيين آخرين‪ ،‬وبعد أن تسلم فيليب الرسالة‪ ،‬قال‬
‫بلطف‪« :‬ما الذي يمكن أن أفعله ألرضي األثينيين؟»‪ ،‬ورد ديموخاريس‪:‬‬
‫“اشنق نفسك”‪.‬‬

‫‪ 3 - 23‬وأثار هذا الرسول غير المتحضر سخط الجمع حوله‪ ،‬ولكن فيليب‬
‫أمرهم التزام الصمت‪ ،‬وأن يتركوا “ثيرسيتيس ‪ Thersites‬العظيم”‬
‫يمضي في أمان وألاَّ ُيضر(‪ ،)329‬وقال‪« :‬والبقية من مبعوثيك يخبرون‬
‫األثينيين أن َمن يقولون هذا النوع من األشياء أشد عجرفة من الذين‬
‫سمع عنهم وتركهم بال عقاب»‪.‬‬

‫‪ 4 - 23‬وكثير من أفعال أوغسطس اإللهي الجديرة بالذكر وأقواله توضح أن‬


‫الغضب ال سلطان عليه(‪ ،)330‬وسرد المؤرخ تيماجينيس ‪Timagenes‬‬
‫مالحظات بعينها عن أوغسطس اإللهي وزوجته وأسرته كلها‪ ،‬ولم يدع‬
‫كلماته البليغة تضيع سدى‪ .‬والحقيقة يتمتع دهاء المتهور برواج أوسع‬
‫ويحيا على شفاه الناس(‪.)331‬‬

‫‪ 5 - 23‬وحذره جايوس من استعمال لسانه بانضباط أكبر‪ ،‬ومن ثم منعه من بيته‬


‫عندما تحفظ على البيت‪ ،‬وبعد ذلك كبر تيماجينيس في العمر كما أشار‬
‫أسينيوس بولليو ‪ )332( Asinius Pollio‬وكان نخ ًبا للمدينة‪ ،‬والحقيقة‬
‫أن بيت قيصر ُأغلق عليه ومنعه من أي عتبة أخرى‪.‬‬

‫‪ 6 - 23‬وسرد التاريخ الذي ألفه بعد ذلك‪ ،‬ووضع الكتب التي تحتوي على‬
‫َ‬
‫يخش أحدً ا‬ ‫عداء مع قيصر ولم‬
‫ً‬ ‫إنجاز قيصر أوغسطس في النار‪ ،‬وأقام‬
‫من صداقته‪ ،‬ولم يهرب منه أحد كما لو كانت ضربته الصاعقة(‪،)333‬‬
‫وهناك َمن قدم له ملجأ بعد سقوطه المروع‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫‪ 7 - 23‬وتحمل قيصر هذا بصبر كما قلت‪ ،‬وحتى لم ينزعج بأن يهاجم ثناء‬
‫ِ‬
‫يشتك أبدً ا الرجل‬ ‫تيماجينيس الذي فاز به واألشياء التي حققها‪ ،‬ولم‬
‫الذي استضاف عدوه‪.‬‬

‫‪ 8 - 23‬وقال أسينيوس بولليو فحسب‪« :‬إنه وحش شرس في متناول يدك ‪C’est‬‬
‫‪ ،)334(»une bête farouche que tu as sous la main‬وبما أن بولليو‬
‫استعد لتقديم عذ ٍر‪ ،‬أوقفه أوغسطوس قال‪« :‬استمتع يا عزيزي بولليو‪،‬‬
‫استمتع!» وعندما قال بولليو‪« :‬إن كانت دعوتك يا قيصر سوف تمنعه‬
‫من بيته في الحال»‪ ،‬قال أوغسطس‪« :‬هل تعتقد أنني سوف أفعل هذا‬
‫معا»‪ .‬وألن بولليو قد غضب من تيماجينيس في نقطة‬
‫بعد عودتكما ً‬
‫بعينها‪ ،‬وسببه الوحيد إليقاف غضبه معه هي الواقعة التي بدأها قيصر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫امرئ لنفسه عندما ُيثار‪« :‬أنا لست أقوى من‬ ‫‪ 1 - 24‬ولذا ينبغي أن يقول كل‬
‫فيليب‪ ،‬ألست كذلك؟ ولكنه تعرض لإليذاء‪ ،‬وال أملك السلطة في‬
‫بيتي الذي هيمن منه على العالم أجمع‪ ،‬أليس كذلك؟ ولكنه كان راض ًيا‬
‫فحسب ألنه وضع مسافة بينه وبين الرجل الذي كان يهينه»‪.‬‬
‫‪ 2 - 24‬لماذا ُأعاقب بالسياط واألصفاد عبدً ا تحدث بصوت ٍ‬
‫عال ومتحدٍّ للغاية‪،‬‬
‫ولم يرد على همس حديثي(‪)335‬؟ و َمن أنا؟ فهل هي خطيئة أن يكدم‬
‫أذني؟ وكثير من الناس يتغافلون عن األعداء األجانب‪ ،‬فهل يتغافلون‬
‫عن هؤالء الكسالى أو المهملين أو الثرثارين؟‬

‫‪ 3 - 24‬ويعذر الطفل لحداثة عمره‪ ،‬والمرأة لجنسها‪ ،‬والغريب ألنه حر‪ ،‬وأفراد‬
‫بيتك لعالقتك العاطفية بهم‪ .‬والمرء الذي يقترف اإلهانة ألول مرة‪ :‬دعه‬
‫يتدبر متى وجد فضلك‪ ،‬والذي يتعمد اإلهانة في مناسبات متباينة‪ :‬دعه‬
‫يتحمل ما تحملناه‪ .‬وهذا صديق‪ :‬لم يقصد اإلهانة‪ ،‬وهذا عدو‪ :‬فما‬
‫ينبغي أن يفعل(‪)336‬؟‬
‫‪151‬‬
‫‪ 4 - 24‬وثق في الذي تفوق مهارته‪ ،‬وتغافل عن الذي ينحط غباؤه‪ ،‬ودعونا نكرر‬
‫ألنفسنا في دفاعنا عن أي إنسان‪« :‬حتى أحكم الرجال لهم كبوات(‪،)337‬‬
‫حذرا‪ ،‬وأال يجرب شيئًا‬
‫ً‬ ‫وال يتحرس أال ينسى في وقت بعينه أن يكون‬
‫ما أو آخر ال يرفع من كرامته في بعض األفعال القاطعة‪ ،‬وأال يخشى أن‬
‫يتعرض إلهانة وهو ال يكبو في فعل مهين حتى لو حاول تجنبه»‪.‬‬

‫‪ 1 - 25‬وإن حقيقة حظوظ العظماء غير مستقرة قد ُيعززها البساطة في محنهم‪،‬‬


‫فالرجل الذي شهد موكب الجنازة وانقاد بحزن حتى من القصر وقد‬
‫نعى ابنه باتزان أعظم في ركنه الصغير(‪ ،)338‬وكذلك كل َمن يعكس أنه‬
‫ال توجد قوة كبيرة للهروب من الخطأ يتحمله باتزان أعظم عندما يضره‬
‫أحد أو يهينه‪.‬‬

‫فمن الذي ليس لديه‬


‫حذرا الخطأ‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫‪ 2 - 25‬ولكن حتى لو ارتكب أكثر الناس‬
‫أسباب وجيهة للضالل؟ وينبغي أن نتذكر كم كنا مهملين للغاية في‬
‫ٌ‬
‫صغارا وغير مقيدين في حديثنا‪ ،‬ومسرفين عندما‬
‫ً‬ ‫واجباتنا عندما كنا‬
‫يتعلق األمر بالخمر‪ .‬فإذا غضب أحد ما ينبغي أن نعطيه مجالاً لتمييز‬
‫ما فعله‪ :‬وسوف يوبخ نفسه‪ .‬ودعه يكون الطرف المذنب‪ ،‬فال داعي أن‬
‫نجاري أفعاله‪.‬‬

‫‪ 3 - 25‬وهناك شيء بعينه ال يرقى إليه شك‪ :‬هو أن َمن يترفع عن الذين يسعون‬
‫إلى إثارته يصرف نفسه عن الحشد ويقف مستطولاً ‪ ،‬إنها سمة للعظمة‬
‫أال تشعر باللطمة حين ُتضرب‪ ،‬وتلك هي الطريقة التي ينظر بها الوحش‬
‫العظيم إلى نباح الكالب بال اهتمام‪ ،‬أو الطريقة التي تقفز بها موجة‬
‫المحيط أمام الصخرة الكبيرة بال تأثر(‪.)339‬‬

‫‪ 4 - 25‬وهذا الرجل الذي وصفته اآلن يقف مستطولاً أكبر من غيظ يحمل ً‬
‫خيرا‬
‫ٍ‬
‫المرئ آخر‪« :‬افعل‬ ‫مغتنما‪ ،‬وبالمقدور أن يقول للحظ ذاته ال‬
‫ً‬ ‫كما لو كان‬
‫‪152‬‬
‫ما بوسعك‪ ،‬فأنت ضئيل ألنك تنكسف من هدوئي‪ ،‬والعقل الذي وكلته‬
‫تجاه حياتي يمنع هذا‪ ،‬فالغضب يمضي قد ًما إلى الضرر أكثر من الخطأ‬
‫– وكيف ال يمكن هذا؟ فالخطأ له حد بعينه‪ ،‬أما الغضب فال أعرف أين‬
‫سوف يحملني»‪.‬‬

‫‪ 1 - 26‬وأنت تعترض‪« :‬ليس بمقدوري تجنب وضع الخطأ على أنه أمر‬
‫فمن الذي يتحمل الغضب وال يتحمل‬
‫مرهق»‪ ،‬أنت ال تقول الحق‪َ ،‬‬
‫الخطأ؟ وليس هذا فحسب‪ ،‬فالطريقة التي تحمل بها تتحمل الغضب‬
‫معا‪ ،‬ولماذا تتحمل وهن رجل مريض ومنتقم مهووس ولعب‬
‫والخطأ ً‬
‫طفل فظ؟ ألنه من الواضح أنهم ال يدركون ما يفعلون‪ ،‬وهل يختلف‬
‫هذا عما يفعله أي امرئ أخطأ دون قصد؟ إن عدم وجود القصد يثير‬
‫نفس الدفاع في كل الحاالت(‪.)340‬‬

‫‪ 2 - 26‬إنك تمضي في قول‪« :‬حسنًا‪ ،‬وهل ينجو من العقاب؟»‪ ،‬ال‪ ،‬حتى لو لم‬
‫يرتد عليه عقاب‪ ،‬فإن العقاب األعظم فعله للخطأ الذي ارتكبه(‪،)341‬‬
‫وال أحد يعاني أكثر من المحكوم عليه بالندم‪.‬‬

‫‪ 3 - 26‬وعالوة على ذلك‪ ،‬يجب أن نأخذ بعين االعتبار الشروط الرئيسة لحالنا‬
‫اإلنساني حتى يمكننا أن نقضي بعدل فيما ُيصيبنا‪ :‬فالمرء الذي يوبخ‬
‫الناس بسبب رذيلة يتشاركها جميعنا غير عادل‪ ،‬فاللون اإلثيوبي ليس‬
‫ُمميزً ا للصفة بين أنواعه‪ ،‬وال اللون األحمر في كعكة الشعر غير الئق‬
‫لرجل من بين الجرمانيين‪ :‬فإنك ال تقضي بسمة ملحوظة أو مميزة في‬
‫فرد يشيع امتالكها في أمته‪ ،‬والسمات التي ذكرتها ممارسة شائعة في‬
‫منطقة بعينها‪ ،‬وهي جانب للعالم ندافع عنه‪ :‬ولنتأمل اآلن كم هو من‬
‫خارجا بين البشر جميعهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫العدل أن نعفو عن تلك السمات التي تتفشى‬

‫‪ 4 - 26‬وجميعنا متهور وطائش‪ ،‬وكلنا خائنون وجشعون ومتذمرون‪ ،‬وكلنا –‬


‫‪153‬‬
‫لماذا ُنخفي بلطف تعبير الجرح الغائر الذي نتقاسمه؟ خبيثون(‪،)342‬‬
‫وكل منا سوف يجد في صدره الخطأ الذي يلوم به اآلخر‪ ،‬فلماذا نضع‬
‫مالحظة على شحوب هذا أو مالمح هزيلة لذاك؟ إنه وباء‪ ،‬فينبغي أن‬
‫شيء واحدٌ‬
‫ٌ‬ ‫نلطف ببعضنا بعض‪ :‬فكلنا أشرار نحيا بين الشر‪ ،‬وهناك‬
‫يمكن أن يمنحنا السالم‪ :‬هو التوافق فيما بيننا على بتر التثاقل‪.‬‬

‫‪« 5 - 26‬وهذا الرجل ضرني‪ ،‬ولم أفعل فيه شيئًا بعد»‪ ،‬ربما قد أضررت أحدً ا‬
‫بل ربما سوف تضره‪ ،‬فال تأخذ في االعتبار هذه الساعة أو هذا اليوم‬
‫وتحقق من حال فكرك كلية‪ ،‬حتى لو لم تفعل مثقال ذرة شر‪ ،‬فلديك‬
‫القدرة على فعلها‪.‬‬

‫‪ 1 - 27‬كم كان يحسن أن يشفي اإلصابة بدلاً من أن ينتقم لها! فاالنتقام يهدر‬
‫كبيرا‪ ،‬ويعرض ذاته إلصابات عدة بينما يشعر بالحزن على واحدة‪،‬‬
‫وقتًا ً‬
‫وكلنا يسرف في الغضب أكثر من الضرر‪ .‬كم كان يحسن أن تأخذ‬
‫المسار المعاكس وألاَّ تجمع الخطأ لآلخر! فالمرء الذي يرفس ظهر‬
‫بغل أو ظهر كلب ال يبدو عاقلاً ‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫‪ 2 - 27‬إنك تعترض‪« :‬لكن هذه المخلوقات تقترف الخطأ دون عمد»‪ ،‬في المقام‬
‫األول‪ ،‬كم يظلم المرء الذي يجد إنسا ًنا عائ ًقا لعفوه! والمقام الثاني‪ ،‬إذا‬
‫كان افتقارهم التعمد يعفي الحيوانات األخرى من غضبك فإن َمن يفتقر‬
‫العمد ينبغي أن يكون في القارب نفسه بقدر ما يهمك‪ ،‬فما الفرق الذي‬
‫يحدثه هذا إن كان له بعض السمات األخرى خالف الحيوانات العاجزة‬
‫عن الكالم(‪ ،)343‬وإن كان له سمة تعفي هذه الحيوانات بكل أخطائها‪:‬‬
‫حيث عتمة الفكر‪.‬‬
‫ً‬
‫خطأ‪ :‬حسنًا‪ ،‬هل كان هذا األول؟ أم األخير؟ وما من سبب‬ ‫‪ 3 - 27‬إنه اقترف‬
‫لالعتقاد به إن كان يقول‪« :‬لن أعود لفعل هذا»‪ ،‬ولن يفعل الخطأ‬
‫‪154‬‬
‫فحسب بل ُيخطئ اآلخر ً‬
‫أيضا‪ ،‬وسوف يقضي حياته برمتها في مراغة‬
‫الخطأ‪ ،‬ويجب معاملة المخلوقات غير اللطيفة بلطف‪.‬‬

‫أثرا عما يقال عندما‬


‫‪ 4 - 27‬وما يقال بشكل شائع عندما يحزن أحد ما‪ ،‬ال يقل ً‬
‫يغضب(‪ :)344‬وهل ستتوقف عند نقطة معينة أم ال؟ وإذا توقفت عند‬
‫نقطة بعينها فكم يحسن أن تتخلى عن غضبك بدلاً من أن تكون متخل ًيا‬
‫منزعجا على الدوام؟ هل ترى ما الحياة المضطربة التي‬
‫ً‬ ‫به! أو تبقى‬
‫تحكم فيها نفسك؟ وأي نوع من الحياة الذي يلهب المرء لألبد؟‬

‫‪ 5 - 27‬واآلن أضف حقيقة أنك تجرح نفسك وتتعلل بسبب تلو اآلخر لتبرر‬
‫األلم‪ .‬سوف يرحل غضبك من تلقاء ذاته وتوهن قوته بمرور الوقت‪،‬‬
‫وكم يحسن بك أن تتغلب عليه بدلاً من أن يتغلب على ذاته‪.‬‬

‫‪ 1 - 28‬إنك تغضب من هذا ثم من ذاك‪ ،‬ومن عبيدك ثم من األحرار‪ ،‬ومن آبائك‬


‫ثم من أطفالك‪ ،‬ومن معارفك ثم الغرباء‪ ،‬وهناك أسباب لل َب ْس َطة‪ ‬على‬
‫كل جانب‪ ،‬ما لم يتشفع عقلك ليلتمس الرحمة‪ ،‬وسوف يستولي عليك‬
‫الغيظ على حساب امرئ بعينه في هذا الجانب‪ ،‬وعلى امرئ آخر من‬
‫جانب آخر‪ ،‬وسوف يستمر جنونك مع بزوغ مصادر جديدة للهياج‬
‫باستمرار‪ ،‬تعال‪ ،‬أيها الرجل التعيس‪ ،‬هل سوف تشعر بالسعادة أبدً ا؟‬
‫آه‪ ،‬كيف ُتضيع وقتًا ثمينًا في أعمال رديئة!‬

‫‪ 2 - 28‬كم كان يحسن اآلن تكوين الصداقات وتلطيف األعداء‪ ،‬وأن تخدم‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬وتحول طاقتك لالهتمامات المنزلية بدلاً من تتطلع‬
‫إلى تعمد إيذاء امرئ ما بضرره في وضعه أو فيما يملك أو في شخصه‪،‬‬
‫عندما ال يكون بمقدورك النجاح دون صراع مرير حتى لو كنت تتصارع‬
‫مع أقل الرجال!‬
‫‪155‬‬
‫‪ 3 - 28‬وافترض أنه قد ُيسلم لك في العبودية وعرضة ليعاني ما ترغب فيه‪:‬‬
‫وغال ًبا َمن يجلد يقوم بإخالل الكتف باستدعاء القوة المفرطة أو يجرح‬
‫العضلة بسنة مكسورة‪ ،‬والنزوع للغضب ُيعجز كثيرين ويعيق كذلك‬
‫كثيرين حتى عندما يصادف هد ًفا غير قابل للتعديل‪ ،‬وأضف اآلن حقيقة‬
‫أن ال شيء بطبيعته ضعيف حتى يفنى دون مجازفة بمن يسحقه‪ ،‬واأللم‬
‫يساوي الضعيف باألقوى‪.‬‬

‫كثيرا من األشياء التي ُتغضبنا تسيء إلينا أحرى من‬


‫‪ 4 - 28‬وتدبر حقيقة أن ً‬
‫شاسع فيما إذا كان أحدهم يحبط نيتي‬
‫ٌ‬ ‫أنها تضرنا‪ ،‬وقد يحدث ٌ‬
‫فرق‬
‫أم يخذلني‪ ،‬وينتزع شيئًا مني أم ال يمنحني إياه‪ .‬وإننا نعتبر هذه األشياء‬
‫متساوية سواء أخذ المرء مني شيئًا ما أم رفضه‪ ،‬وسواء أكان يقضي‬
‫على أملي القصير أم يؤجل تحقيقه‪ ،‬وسواء أكان يتصرف ضدي أم في‬
‫نزوعا نحو اآلخر أم كراهية لي‪.‬‬
‫ً‬ ‫صالحه‪ ،‬وسواء أكان‬

‫أسباب لمعارضتنا وهي ليست منصفة‬


‫ٌ‬ ‫‪ 5 - 28‬والحق أن ً‬
‫بعضا من الناس لديهم‬
‫فحسب بل جديرة باالحترام‪ ،‬فأحدهم يبحث عن والده‪ ،‬وآخر عن‬
‫أخيه‪ ،‬وآخر عن وطنه‪ ،‬وآخر عن صديقه‪ ،‬ومن ثم ال نغفل هؤالء ألننا‬
‫انتقدناهم ال استخففنا بهم – أو باألحرى ما يقبع وراء االعتقاد‪ ،‬فنحن‬
‫نقيم الفعل أحيا ًنا بل ندين الفاعل‪.‬‬

‫‪ 6 - 28‬وكما يرى هيروكليس ‪ Hercules‬أن الرجل العظيم العادل يتطلع إلى‬


‫األشجع بين العدو‪ ،‬وهو العازم في الدفاع عن حريتهم ورفاهة وطنه‪،‬‬
‫ويأمل لو كان هؤالء الرجال مواطنيه ورفاقه في الجيوش‪.‬‬

‫‪ 1 - 29‬من المخجل أن تكره اإلنسان الذي تحمده‪ ،‬وكم هو مشين أن تكره أحدً ا‬
‫لسمة ُتكسبه شفقة(‪ )345‬إن استبقى بعض آثار للحرية عندما يحجم في‬
‫العبودية لكونه سجينًا ولم ينجح في أداء مهام أساسية مطلوبة‪ ،‬وإذا لم‬
‫‪156‬‬
‫يركض بسرعة حصان وعربة سيده؛ ألنه خمل بعد حياة مرفهة‪ ،‬وإذا غلبه‬
‫النوم ألنه ُأنهك في قضاء أيام إلنهاء عمل‪ ،‬وإذا رفض عمل الفالحة أو‬
‫لم يجابه العمل الشاق في المتجر عندما ُنقل إلى المدينة‪ ،‬هنا تكون‬
‫عبوديته مثل عطلة!‬

‫‪ 2 - 29‬وينبغي أن نميز بين عدم القدرة وعدم الرغبة‪ ،‬وسوف ندع كثيرين‬
‫يخرجون من الخطاف بمجرد أن نبدأ استعمال أحكامنا قبل أن نغضب‪،‬‬
‫ومع ذلك نتابع دافعنا األول(‪ ،)346‬ومن ثم قد ُنستثار دون سبب جوهري‪،‬‬
‫ظلما‪ ،‬هو‬
‫ونحن نثابر خشية أن نظهر أننا بدأنا دون سبب – وما األعظم ً‬
‫أن غضبنا غير المبرر يجعلنا أشد عنا ًدا(‪ .)347‬ونحن نقبض عليه ونجعله‬
‫أعظم‪ ،‬كما لو كان الغضب الشديد برها ًنا على أن المرء غاضب ح ًّقا‪.‬‬

‫‪ 1 - 30‬كم كان يحسن أن نلقي نظرة متأنية في هذه المراحل األولى ونرى كم‬
‫هي تافهة وأنها بال ضرر! وسوف تجد الشيء نفسه يحدث للبشر كما‬
‫يحدث للبهائم العاجزة عن الكالم‪ :‬فنحن نستاء مما هو تافه وفارغ‪ ،‬كما‬
‫ُيثار الثور من اللون األحمر‪ ،‬وتندفع الحية لتضرب الظل‪ ،‬وتثير قطعة‬
‫واألسد‪ :‬وكل ما هو متوحش وشرس بطبيعته مضطرب‬ ‫القماش الدببة ُ‬
‫بأشياء ال قيمة لها‪.‬‬

‫‪ 2 - 30‬ويحدث الشيء نفسه لكل الطبائع المضطربة والغبية‪ ،‬فإنه يضربهم‬


‫الشك فيما يدور حولهم –ويمتد هذا لما يصفونه ‘إصابات’ وهو‬
‫تفضيالت متواضعة‪ ،‬والتي تقدم وقو ًدا معرو ًفا للغضب‪ ،‬وهي أشد‬
‫حدة‪ .‬وإننا نغضب من أقرب الناس لنا ألنهم يمنحوننا أقل مما تخيلنا‬
‫أن يمنحوا‪ ،‬وأقل من الذي حصل عليه اآلخرون منهم‪ ،‬ومع هذا هناك‬
‫عالج في المتناول لهذه األسباب‪.‬‬

‫‪ 3 - 30‬افترض أنه عامل آخر بسخاء‪ :‬فعلينا أن نستمتع بما نملك دون عمل‬
‫‪157‬‬
‫مقارنات‪ ،‬فالمعذبون بسعادة اآلخرين لن يسعدوا أبدً ا‪ .‬وافترض أنني‬
‫حصلت على أقل مما آمل‪ ،‬حسنًا‪ ،‬ربما آمل أكثر مما ينبغي‪ ،‬وعلينا‬
‫تدميرا‬
‫ً‬ ‫أن نتخوف من الغضب الذي ينشأ من هذا الجانب؛ ألنه األكثر‬
‫وأكثر ميلاً للهجوم على كل األشياء التي نقيمها بأنها مقدسة‪.‬‬

‫ألنه لم ُي ْر ِ‬
‫ض‬ ‫عنه(‪)348‬‬ ‫‪ 4 - 30‬انفض أشد األصدقاء عداوة ليوليوس المؤله‬
‫آمالهم النهمة‪ ،‬بالطبع هو أراد – ألن ال أحد يستعمل أكثر من سخاء‬
‫النصر‪ ،‬والذي لم يأمن منه شيئًا لنفسه سوى ما يهبه للعطاء‪ -‬ولكن كيف‬
‫ُيرضي هذه الرغبات المتصلبة حيث نهم كل منهم مما في يد اآلخرين‬
‫بعد أن ملك ما في وسعه‪.‬‬

‫‪ 5 - 30‬وكذلك رأى رفاقه الجنود يلتفون حول كرسيه بسيوفهم المرسومة‪:‬‬


‫فتيليوس كيمبر ‪ Tillius Cimber‬الذي كان من قبل من المدافعين‬
‫المقربين لفصيله واآلخرين الذين لم ينحازوا إلى بومبي ‪Pompey‬‬
‫إال بعد رحيله(‪ )349‬وقد حولت هذه الدوافع أسلحة الملوك ضدهم‪،‬‬
‫والء ليخططوا لموت هؤالء لمصلحتهم وهم‬
‫ً‬ ‫ودفعت أكثر الناس‬
‫الذين كانوا من قبل قد توعدوهم الموت‪.‬‬

‫‪َ 1 - 31‬من يتطلع إلى ما يمتلكه آخر ال يسعد بما يملكه‪ ،‬ونحن نغضب حتى‬
‫مع ما لنا؛ ألننا نضع ما لآلخرين أمامنا‪ ،‬ونتغافل عن مقدار اإلنسانية‬
‫التي تقبع وراءنا‪ ،‬وما يطارد الحسد البغيض إال الرجل الذي يحسد على‬
‫القليل‪ ،‬وال يزال الناس غير متعقلين رغم كل ما يتلقونه‪ ،‬وهم يحسبون‬
‫أنه كان من الممكن أن يتلقوا المزيد‪.‬‬

‫‪« 2 - 31‬إنه منحني لقب البرايتور ‪ ،praetorship‬ولكنني أطمح في لقب‬


‫القنصل ‪ .consulship‬إنه منحني اثني عشر وسا ًما ‪ ،fasces‬ولكنه لم‬
‫ينصبني قنصلاً ‪ .‬لقد تمنى أن يعتمد اسمي هذا العام‪ ،‬ولكن ما زلت‬
‫‪158‬‬
‫عضوا في جماعة كهنوتية‪ ،‬ولماذا‬
‫ً‬ ‫ال أملك كهنو ًتا‪ ،‬واخترت أن أكون‬
‫منصب واحد فحسب؟ إنه توج مكانتي االجتماعية‪ ،‬ولكنه لم يزد شيئًا‬
‫في ملكيتي‪ ،‬لقد منحني ما اضطر أن يمنحه‪ ،‬ولكنه لم يمدد بشيء من‬
‫عنده(‪.)350‬‬

‫‘شكرا’ لما تتلقاه‪ ،‬وانتظر البقية‪ ،‬واسعدْ بأنك ال‬


‫ً‬ ‫‪ 3 - 31‬واألحرى أن تقول‬
‫تملك بعد كل ما في اإلمكان‪ ،‬فإن أحد متع الحياة أن تملك شيئًا ُترك‬
‫ألمل‪ ،‬وافرض أنك فقت اآلخرين‪ ،‬اسعدْ بأنك األول في قلب صديقك‪،‬‬
‫ْ‬
‫وافرض أن اآلخرين فاقوك‪ ،‬فتأمل كثيرين وراءك واألحرى أن يسبقوك‪،‬‬
‫تريد أن تعرف خطأك األعظم؟ أنك ال ُتبقي على اعتبارات حقيقية‪:‬‬
‫حيث ُتعلي من قيمة ما منحته وتحط من قيمة ما تلقيته‪.‬‬

‫‪ 1 - 32‬وينبغي أن تردعنا اعتبارات مختلفة في حاالت مختلفة‪ :‬حيث ينبغي‬


‫أن نتجنب الغضب من بعض الناس بدافع الخوف أو االحترام أو‬
‫عظيما لنا أن نطرح بعض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إنجازا‬ ‫االستهتار(‪ ،)351‬وال شك سوف يبقى‬
‫العبيد الصغار البائسين في إصالحية! فلماذا نحن في عجلة في الضرب‬
‫بالهراوة لنكسر سا َقي امرئ مباشرة؟ فلن نفقد قدرتنا على فعل هذا إذا‬
‫ُأجلنا‪.‬‬

‫‪ 2 - 32‬ودع الزمن ُيقبل ونحن نمنح األوامر‪ ،‬ونقيم اآلن الغضب عندما نتحدث‪،‬‬
‫وعندما يمر الغضب سوف نقول‪ :‬ما القيمة التي ينبغي تقديرها للشكوى؟‬
‫ولهذا نحن نخطئ؛ حيث نلجأ للسيف وعقوبة اإلعدام‪ ،‬فنستعمل القيود‬
‫والسجن والتجويع ألمر يمكن أن قد ينتهي بتوبيخ أخف‪.‬‬

‫‪ 3 - 32‬وإنك تعترض‪« :‬كيف نضع في اعتبارنا أن األشياء التي يبدو أنها تضرنا‬
‫تافهة وبائسة وطفولية؟»‪ ،‬من جانبي أحدثكم على ما يعلي روحكم(‪)352‬‬
‫ُ‬
‫وانظر كم هي منحطة وحقيرة تلك األشياء التي تدفعنا إلى الدعاوى أو‬
‫‪159‬‬
‫تمضي بنا لمثل هذا الطريق‪ ،‬إنها الهية ومهترئة – تلك التي ال تظفر‬
‫ورائعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫باحترام أحد يتخيل شيئًا نبيلاً‬

‫‪ 1 - 33‬وما من نهاية للصراخ حول المال‪ :‬إنه ُيزيي المحاكم‪ ،‬ويضع اآلباء‬
‫واألبناء على محك القتال‪ ،‬وعلل لمزج السموم‪ ،‬ووضع السيوف في‬
‫أيدي القتلة والفيالق على حد سواء‪ .‬والمال منقوع بدمائنا‪ ،‬فبسببه‬
‫تتالشى الليالي بين الزوج والزوجة في الشجار‪ ،‬ويموج الرعاع على‬
‫أحكام القضاة وغضب الملوك‪ ،‬ويهيمنون ويدمرون المدن التي بنيت‬
‫بكد القرون‪ ،‬ويفتشون في رمادها عن بلبوعة فضة أو ذهب‪.‬‬

‫‪ 2 - 33‬إننا نحب أن نحملق في أكياس النقود التي نكدسها في مكان منعزل‪،‬‬


‫ولهذا السبب تثار أعينهم في شجار‪ ،‬ولهذا السبب تتعالى غرف‬
‫المحكمة بالصراخ‪ ،‬ولهذا السبب يستدعي القضاة من بعيد الطامعين‬
‫ليحدد أيهم األصوب‪.‬‬

‫‪ 3 - 33‬وماذا عن عجوز صائر نحو الموت دون وريث‪ ،‬أفرغ أمعاءه حتى ال‬
‫يحل كيس النقود‪ -‬أوه ال‪ ،‬فكيف يتعامل مع حفنة برونز أو كيف يعطي‬
‫دينارا نفقة(‪)353‬؟ وماذا عن المرابي المعتلة يداه بالتهاب المفصل‬
‫ً‬ ‫العبد‬
‫ضجيجا على ما ال يذكر من‬
‫ً‬ ‫وأصابع قدمه غير الكفء للعد‪ ،‬فهل يثير‬
‫فائدة – عشر واحد في المائة في الشهر‪ ،‬وطالب المدين أن يتعهده عنده‬
‫حتى يمكنه المطالبة به وهو يهاجمه مرضه؟‬

‫‪ 4 - 33‬ينبغي أن تقدم لي المال كله من كل المناجم التي ُتحفر اآلن‪ ،‬واكشف‬


‫كل الكنوز المخفية التي تخبو في القبو (دع الجشع يعيد ما اكتشفه‬
‫عبوسا على‬
‫ً‬ ‫خبيث إلى باطن األرض!)‪ ،‬فال أعتبر الكومة برمتها تستحق‬
‫جبين رجل صالح‪ ،‬فما هو مضحك يجلب األشياء التي تبكينا(‪!)354‬‬
‫‪160‬‬
‫ْ‬
‫وأدخل في أفكارك كل المثيرات األخرى‪ :‬الطعام والشراب‬ ‫‪ 1 - 34‬وتعال اآلن‪،‬‬
‫والمحسنات المكتسبة لذاتها والكلمات المهينة واإليماءات والحركات‬
‫التي تنقل قليلاً من التقدير وتطويع الحيوانات العنيدة والعبيد الكسالى‬
‫والتراكيب الماكرة والشكوك في حديث اآلخر التي تسبب قدرة اإلنسان‬
‫على الكالم الذي يعد من بين دروب الطبيعة التي تخطئنا‪ .‬ثق بي‪ ،‬إن‬
‫األشياء التي تسبب لنا فقد مزاجنا بدرب غير مبتذل هي ذاتها مبتذلة مثل‬
‫أنواع األشياء التي تنقل األطفال إلى الشجار والضجيج‪.‬‬

‫أي منها ذا‬


‫‪ 2 - 34‬والمعامالت التي نقوم بها وتبدو صارمة ليست هامة‪ ،‬وليس ٌّ‬
‫ٌ‬
‫شكل للجنون –‬ ‫شأن‪ ،‬ولهذا السبب (وأركز على هذه النقطة) الغضب‬
‫ألنه يقيم قيمة كبيرة ألشياء تافهة‪ .‬فهذا الرجل أراد أن يحرمني الميراث‪،‬‬
‫كثيرا بأمل أن يسميني في إرادته‪،‬‬
‫وهذا استنكرني عند رجل توددت إليه ً‬
‫وهذا اشتهاني بعد ُس ّر ّيتي‪ :‬الشيء الذي ينبغي أن يكون ً‬
‫رابطا للعاطفة –‬
‫مجتمع الغرائز(‪ - )355‬هو سبب الضغينة والكراهية‪.‬‬

‫‪ 3 - 34‬إن المسار الضيق يثير الشجار بين المارة‪ ،‬ولكن الطريق الواسع المفتوح‬
‫على مصراعيه ال يسبب حتى تصادم األمم‪ :‬ولكونهم تافهين ليس‬
‫بمقدورهم أن يمنحوا ً‬
‫امرأ بعينه دون أن يأخذوا من آخر‪ ،‬واألشياء التي‬
‫تسعى نحوها لتحريض الناس يمشون خلفها للقتال والشجار‪.‬‬

‫‪ 1 - 35‬إنك تستاء من العبد والحر وزوجتك ورفيقك الذين يردون عليك‪ ،‬ثم‬
‫تولي وتشتكي من أن حرية التعبير التي دمرتها في البيت قد مزقت بها‬
‫األمة‪ ،‬أو على العكس‪ ،‬إذا العبد الذي تستجوبه قد صمت فإنك تسميه‬
‫متحد ًيا‪.‬‬
‫‪ 2 - 35‬فدعه يتكلم ويصمت– ويضحك ً‬
‫أيضا! وأنت تسأل‪« :‬في حضرة‬
‫سيده؟»‪ ،‬ال‪ ،‬في حضور رب البيت(‪ ،)356‬لماذا تصرخ؟ ولماذا ُنحدث‬
‫‪161‬‬
‫ضجيجا؟ ولماذا نذهب للسوط في منتصف العشاء ألن العبيد قد‬
‫ً‬
‫تحدثوا‪ ،‬ألنك ال تملك في المرء والمكان نفسه الحجم المحتشد في‬
‫الجمعية والصمت محله المكان القفر؟‬

‫‪ 3 - 35‬إنك ال تملك آذا ًنا فحسب لتعتبر في األصوات المتناغمة والناعمة‬


‫والجميلة والمنتظمة‪ ،‬فيجب أن تسمع الضحك والبكاء‪ ،‬والكالم اللين‬
‫ودعاوى القانون‪ ،‬واألخبار الحسنة والسيئة‪ ،‬وأصوات الناس ودمدمة‬
‫الحيوانات ونباحها‪ ،‬فلماذا تصيح في العبد‪ ،‬ذلك الرجل التعيس‪ ،‬أو في‬
‫قعقعة نحاس أو في سحق باب؟ هدأ من روعك فال يزال عليك سماع‬
‫صوت الرعد‪.‬‬

‫‪ 4 - 35‬وخذ اآلن ما قلته على أذنيك وطبقه على عينيك والتي ُتقمع بالقدر‬
‫نفسه بمشاعر االشمئزاز إذا لم ُتدرب على نحو حسن‪ ،‬وهي ُتهان بالبقع‬
‫والوسخ والفضة التي تلمع بالكاد‪ ،‬وبركة الماء التي ال تشف قاعها‪.‬‬

‫‪ 5 - 35‬وال شك أن هذه األعين ال تتحمل رؤية الرخام إال إذا كان متعدد األلوان‬
‫والمعا‪ ،‬أو ترى منضدة إال إذا كانت تجزيعاتها حادة وكثيفة‪ ،‬والتي ال‬
‫ً‬
‫ترغب سطح المنزل لتمشى عليه(‪ )357‬ما لم تكن أكثر قيمة من الذهب –‬
‫فهذه األعين تنظر باتزان تام حين تكون في الخارج في األزقة الموحلة‪،‬‬
‫وفي فحش الناس الذين تقابلهم‪ ،‬وفي الكتل السكنية التي تتآكل وتتشقق‬
‫وتتلوى‪ .‬فلماذا إ َذنْ ال يسبب الشيء إهانة في الحالة العامة ويزعج في‬
‫البيت؟ ال يوجد سبب آخر سوى الحكم العادل والرزين في الخارج‬
‫ولكنه متحجر وصعب المراس في البيت‪.‬‬

‫‪ 1 - 36‬ويجب أن تكون كل حواسنا حادة‪ :‬وبمجرد أن يكف العقل عن إفسادها‬


‫واستدعائها كل يوم يجب أن يكون فيها القدرة على التحمل الطبيعي‪،‬‬
‫وهذه ممارسة سكتوس(‪ :)358‬عندما ُقضي اليوم وتقاعد لبقية الليل‪،‬‬
‫‪162‬‬
‫فسأل عقله‪« :‬أي من أمراضك قد شفي اليوم؟ ما الرذيلة التي تقاومها؟‬
‫في أي جانب أنت األفضل»‪.‬‬

‫‪ 2 - 36‬سوف يتوقف غضبك ويصبح أكثر قابلية للتحكم إذا عرف أنه يجب‬
‫أن يأتي للقاضي كل يوم‪ ،‬وهل من شيء أدق من عادة التدقيق هذه كل‬
‫يوم؟ أي نوع من النوم يلي هذا الفحص الذاتي – وأي سالم وأي عمق‬
‫وأي حرية عندما ُيثني على العقل أو تنبيهه عندما يقوم الحارس السري‬
‫والمدرك بالتحقيق في شخصية المرء!‬

‫يوميا وأستدعي حالي أمام نفسي‪،‬‬


‫‪ 3 - 36‬إنني أمارس هذا السلطان القضائي ًّ‬
‫وعندما يزول النور وتنام زوجتي في صمت(‪ً ،)359‬‬
‫علما بأن هذه العادة‬
‫تخصني‪ ،‬أفحص يومي كاملاً ‪ ،‬وأعود إلى ما انتهيت منه‪ ،‬وأقول هل‬
‫َ‬
‫أخش عاقبة‬ ‫ولم‬
‫أخفيت شيئًا عن نفسي‪ ،‬هل من شيء لم أمر عليه‪ْ ،‬‬
‫أخطائي‪ ،‬وعندما يكون بمقدورى الحديث أقول(‪« :)360‬انظر ال تفعل‬
‫ذلك مرة أخرى‪ ،‬ولكني اآلن أغفر لك»‪.‬‬

‫‪ 4 - 36‬إنك تتحدث في هذا النقاش بقوة‪ :‬ومن اآلن ال تتورط مع أناس ال‬
‫يعرفون ما يتحدثون عنه‪ ،‬الذين لم يتعلموا ال ترغب في تعليمهم‪،‬‬
‫لقد لمت الرفيق الذي فاقك في الصراحة‪ ،‬ونتيجة لذلك لم تصوب له‬
‫فأهنته‪ ،‬وفي المستقبل ال تتأمل فيما تقوله صوا ًبا بل فيما إذا كان من‬
‫تتحدث إليه يمكنه تجرع الحقيقة‪ ،‬واإلنسان الصالح يبتهج بتوجيه اللوم‬
‫إليه ولكن السيئ يقضي وقتًا عصي ًبا في طرح التصويب‪.‬‬

‫‪ 1 - 37‬وفي هذه المأدبة أناس بعينهم مالحظاتهم وقذف كلماتهم يكدمك‬


‫تحت جلدك‪ ،‬وتذكر أن تتحاشى التجمعات غير المهذبة –ألن الناس‬
‫فيها ليس لديهم إحساس بالخجل حتى عند عفتهم‪ ،‬فأفكارهم عن ما‬
‫هو مسموح ال تزال إباحية بعد تجرعهم الخمر‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫‪ 2 - 37‬لقد رأيت صديقك غاض ًبا مع بعض المحامين أو حراس األغنياء؛ ألنه‬
‫دفعه جان ًبا أثناء دخوله‪ ،‬وغضبت أنت مع ما حدث له(‪ ،)361‬فهل ال‬
‫تغضب من كلب مقيد؟ والكلب بعد نباحه يصبح لطي ًفا عندما ترمي له‬
‫كسرة خبز‪.‬‬
‫ْ‬
‫واضحك! فهذا الرفيق يفكر أنه امرؤ اآلن‪ ،‬ألنه يراقب عتبة‬ ‫اتكئ للوراء‬
‫ْ‬ ‫‪ 3 - 37‬‬
‫تحتشد بالساعين للدعاوى القانونية‪ ،‬والرجل الذي يتكئ اآلن وسط‬
‫المرفهين الذين يفضلون الثروة ويعتقد أن الباب الذي يصعب دخوله‬
‫عالمة الرفيق الغني والقوي‪ ،‬وهو ال يعرف أن أصعب األبواب هو باب‬
‫السجن‪ ،‬وتوقع أن عليك تحمل أشياء عدة‪ :‬فال أحد يندهش من أنه يبرد‬
‫في الشتاء‪ ،‬أليس كذلك؟ أو يشعر بدوار البحر على البحر أو ُيبطح في‬
‫الشارع؟ والعقل الذي يواجه األشياء بشجاعة يستعد لمقابلتها‪.‬‬

‫اجلس في مكان أقل تميزً ا(‪ ،)362‬أتغضب من رفيقك الضيف والرجل‬


‫ْ‬ ‫‪ 4 - 37‬‬
‫الذي دعاك والرجل الذي منحك األفضلية‪ ،‬إنه مجنون‪ ،‬فما الفرق بأن‬
‫جزءا من األريكة التي تزرع فيها وزنك؟ وهل تجعلك الوسادة‬
‫ً‬ ‫تكون‬
‫أكثر شر ًفا أو أكثر خجلاً ؟‬

‫‪ 5 - 37‬لقد نظرت إلى امرئ نظرة وقحة؛ ألنه تحدث عن موهبتك بسوء‪ ،‬فهل‬
‫تقبل هذا كمبدأ للسلوك؟ وعندئذ لن تأخذ متعة يا إننيوس ‪Ennius‬‬
‫وسوف يكرهك‪ ،‬وسوف ُيعلن هورتينسيوس حالة من الخالف بينكما‪،‬‬
‫عدوا لك(‪ ،)363‬وتهدف‬
‫وشيشرون الذي كنت تسخر من شعره سيكون ًّ‬
‫لمواجهة الناخبين باتزان مثل المرشح(‪)364‬؟‬
‫ْ‬
‫«افترض أن أحدً ا أهانك‪ :‬فلن تكن أسوأ من اإلهانة التي عاناها ديوجين‬ ‫‪ 1 - 38‬‬
‫الرواقي‪ ،‬أليس كذلك(‪)365‬؟ حيث كان يحاضر عن الغضب فبصق‬
‫شاب على وجهه‪ ،‬فنظر بلطف وحكمة قائلاً ‪‘ :‬لست غاض ًبا‪ ،‬مع أني‬
‫‪164‬‬
‫أفكر أن أكون كذلك’‪.‬‬
‫فاضل(‪)366‬‬
‫عندما ناقش قضية لينتولوس‬ ‫‪ 2 - 38‬كان مواطننا كاتو ‪Cato‬‬
‫‪ Lentulus‬سيئ السمعة – رجل دولة متوحش ومثير للشقاق في عصر‬
‫آبائنا‪ -‬فاستجمع ما استطاع من لزوجة في فمه وبصق على وجهه‪ ،‬ومسح‬
‫كاتو وجهه وقال‪‘ :‬سوف أشهد الجميع أن الذين قالوا ليس لديك موهبة‬
‫مخطئون تما ًما’(‪.)367‬‬

‫‪ 1 - 39‬لقد نجحنا حتى اآلن يا نوفاتوس في تجريف العقل بطريقة جيدة‪ :‬فإما‬
‫أنه ال يشعر بالغضب‪ ،‬أو أنه أقوى من الغضب‪ .‬وننظر اآلن في كيف‬
‫نلطف غضب اآلخرين؛ ألننا ال نريد أن نكون نحن سليمي العقل‬
‫فحسب‪ ،‬بل نجعل اآلخرين كذلك‪.‬‬

‫‪ 2 - 39‬لن نجرؤ على استعمال الكالم الملطف في بزوغ الغضب فإنه أصم وال‬
‫يعقل‪ ،‬وسوف نمنحه فسحة‪ ،‬ونعمل المداوة في فترات التخفف‪ ،‬وال‬
‫نختبر حالة تورم العينين إذا حركناها فسوف نفاقم القوة التي تسبب‬
‫ثباتها وتحديقها‪ ،‬وينطبق األمر نفسه على أخطاء أخرى عندما تكون في‬
‫مظهر حاد‪ :‬يكون العالج في المراحل األولى للمرض‪.‬‬

‫‪ 3 - 39‬وإنك تعترض بأن مداواتك تقدم أمور حسنة إذا سكنت الغضب عندما‬
‫يتوقف بالفعل من تلقاء ذاته‪ ،‬وفي المقام األول إنها توقفه بسرعة‪ ،‬وفي‬
‫المقام الثاني تحميه من االنتكاس‪ ،‬ورغم أن المداوة ال تجرؤ على تهدئة‬
‫الهجوم األول إال أنها سوف تخدعه وتنحرف به‪ ،‬وتلقي بكل وسائل‬
‫االنتقام بعيدً ا عن الطريق‪ ،‬وسوف يتظاهر الغضب بما هو كما لو كان‬
‫مقاسما للعون في الشكوى؛ ألنه يملك سلطة في منح النصيحة‪ ،‬إنه‬
‫ً‬
‫يغزل أسبا ًبا للتأني وعلة للغضب؛ ليؤجل االنتقام الحالي بينما يبحث‬
‫عن شكل أشد في الضرورة(‪.)368‬‬
‫‪165‬‬
‫‪ 4 - 39‬وسوف نستعمل كل خدعة لنمنح الغيظ فترة راحة‪ ،‬وإن كان الغضب‬
‫قو ًّيا على مقاومته فإما أن نخجله وإما أن نخيفه(‪ ،)369‬وإن كان الغضب‬
‫ضعي ًفا ً‬
‫نوعا ما فسوف نقدم موضوعات جديدة أو مبهجة للحديث معه‪،‬‬
‫وكذلك نصرفه باستغالل الحماسة في التعلم‪ ،‬وهنا قصة‪ :‬عندما اضطر‬
‫الطبيب إلى عالج ابنة الملك ولم يستطع إجراء الجراحة‪ ،‬غطى المشرط‬
‫بقطعة إسفنج وأخذ ُيحمي ثديها المتورم برفق‪ ،‬مع أن الفتاة ناضلت من‬
‫أجل أال تجري العملية بشكل صريح‪ ،‬إال أنها تحملت األلم؛ ألنها لم‬
‫تتوقعه‪ ،‬فبعض األشياء قد تلتئم بالخداع‪.‬‬

‫‪ 1 - 40‬وسوف تقول ألحدهم‪« :‬احترس‪ ،‬ال تدع أعداءك يبتهجون بغضبك»‪،‬‬


‫وسوف تقول آلخر‪ « :‬احترس‪ ،‬ال تدع حماستك ‪-‬التي شهد لك الناس‬
‫بها‪ -‬تمضي إلى ال شيء‪ ،‬وإني أقاسمك استياءك كما يقول هيروكليس‪،‬‬
‫وال أرى حدًّ ا للغم بل علينا أن ننتظر الفرصة السانحة‪ ،‬وسوف يدفع‬
‫بهذه الفكرة في اعتبارك‪ :‬وعندما يمكنك ذلك‪ ،‬سوف تدفعه مرة أخرى‬
‫مع االهتمام بالتأني»‪.‬‬
‫عليهم(‪،)370‬‬ ‫‪ 2 - 40‬ولكن توبيخ الغاضبين ومستهدفي الغضب يغيظهم الرد‬
‫تسنح لك الفرصة أن تحصل على‬
‫ْ‬ ‫نهجا مر ًنا ً‬
‫رابحا – إذا لم‬ ‫فاستعمل ً‬
‫صفة الوثوق التي تمكنك من التغلب على الطرف اآلخر‪ ،‬كما فعل‬
‫أوغسطوس اإللهي مع فيديوس بولليو ‪ )371(Vedius Pollio‬في العشاء‪،‬‬
‫كأسا زجاجي ًة‪ ،‬وأمر فيديوس بالقبض عليه‪ ،‬وعزم‬
‫حيث هشم أحد عبيده ً‬
‫على قتله بطريقة غير تقليدية‪ :‬وأمر بإلقائه إلى ثعابين السمك التي كان‬
‫يقنيها في البركة‪ ،‬ويفترض البعض أن طباع فيديوس المتطرفة قد أكدت‬
‫طبعا بل وحشية(‪.)372‬‬
‫الدافع‪ ،‬ولكن هذا ليس ً‬
‫‪ 3 - 40‬وانفلت العبد من قبضة آسره ولجأ إلى أقدام قيصر بغية أن يسعى لطريقة‬
‫‪166‬‬
‫وح ْيد قيصر قسوة فيديوس غير‬
‫طعما‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫أخرى للموت حتى ال يصير‬
‫المسبوقة‪ ،‬وأمر بإطالق سراح العبد‪ -‬وأمر كذلك بتهشيم كل الكؤوس‬
‫الزجاجية التي أمامه ومأل بها البركة‪.‬‬

‫‪ 4 - 40‬وهذه هي الطريقة الصواب التي وبخ بها القيصر صديقه‪ ،‬وهي‬


‫االستعمال الحسن لنفوذه‪ ،‬حيث قال‪« :‬أأنت أمرت باختطاف الناس‬
‫من المأدبة وتمزيق أوصالهم بطريقة غير مسبوقة؟ وهل تسحل إنسا ًنا‬
‫وتمزقه إر ًبا ألن كأسك قد تهشم؟ وهل تبتهج نفسك بأن تأمر بإعدام‬
‫ٍ‬
‫إنسان في حضور قيصر؟»‪.‬‬

‫ٍ‬
‫المرئ سنحت له قوته للتصرف مع الغضب وعالجه‬ ‫‪ 5 - 40‬هذه هي طريقة‬
‫تقري ًبا من منطلق سموه‪ -‬ولكن نوع الغضب الذي نصفه‪ :‬وحشي‬
‫وشرس ومتعطش للدماء‪ ،‬وغير قابل للمداوة إن لم يعطه شيئًا يفزعه‬
‫ح ًّقا؟‬

‫‪ 1 - 41‬وينبغي أن ُنريح عقولنا – ونكتسب هذه الراحة بالتدريب على التعاليم‬


‫القويمة باستمرار بالتصرف في شؤوننا على نحو قويم‪ ،‬و ُنركز أفكارنا‬
‫إصبعا‬
‫ً‬ ‫على الرغبة على الغاية النبيلة‪ ،‬وأن ُنرضي ضمائرنا‪ ،‬وألاَّ نحرك‬
‫لسمعة‪ ،‬ودع حتى سوء السمعة يشهد لنا طالما أنه تجذر عن فعل الخير‪.‬‬

‫‪« 2 - 41‬ولكن الركض العام للناس يعجب ذوي الروح العالية‪ ،‬و ُيحترم التهور‬
‫حين ُيعتبر الهدوء مثل الرخويات»‪ ،‬وللوهلة األولى ربما بل اتجاه‬
‫حياتهم أقرب إلى سالم العقل وليس تباطئه‪ ،‬والركض العام نفسه للناس‬
‫يبجلونه ويقدسونه‪.‬‬

‫‪ 3 - 41‬وإن االنفعال العدواني والمشحون ال فائدة منه‪ ،‬بل على النقيض تما ًما‬
‫يحمل كل شر– النار والسيف‪ .‬وبمجرد أن يمرغ الغضب شعور الخجل‬
‫‪167‬‬
‫تحت قدميه‪ ،‬فإن يديه تخران بالذبح و ُتقطع أطراف األطفال‪ ،‬وال يترك‬
‫شيئًا خال ًيا من الجرم ويتغافل عن المجد ويصير غير قابلٍ للتطويع‬
‫بمجرد أن تدب فيه الكراهية(‪.)373‬‬

‫‪ 1 - 42‬وعلينا أن نحرر أنفسنا من هذا الشر و ُنطهر أفكارنا‪ ،‬ونمزق الجذور‬


‫واآلثار مهما كانت طفيفة‪ ،‬فإنه سيعاود النمو إن تعلق بالعجلة‪ ،‬وعلينا‬
‫ولم السيطرة على أمر‬
‫أال نسيطر على الغضب فحسب بل ندمره تما ًما‪َ -‬‬
‫شر في األساس؟ وسوف ننجح شريطة أن نبذل جهدً ا ح ًّقا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫امرئ أن يقول لنفسه‬ ‫‪ 2 - 42‬إن أفضل ما يالئمنا هو تأمل فنائنا‪ ،‬وعلى كل‬
‫ولآلخر‪ :‬ما الخير في خصامنا‪ ،‬وهل ولدنا لنعيش لألبد؟ وهل نضيع‬
‫حياتنا المقتضبة التي وهبنا إياها ؟ وماذا لو أنفقنا األيام على متعة نبيلة‬
‫وكرسنا لها أحرى من عذاب يكرب اآلخرين؟ وهذه االهتمامات الحقة‬
‫فضاء ُنضيعه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وقت‬
‫لك ال تحتمل الخسارة‪ ،‬وليس لدينا ٌ‬

‫لم نندفع نحو القتال؟ ولماذا نخلق الصراعات ألنفسنا؟ ولماذا نتغافل‬
‫‪َ 3 - 42‬‬
‫عن ضعفنا ونتذكر الخالفات الواسعة؟ ولماذا ننهض لسحق آخر في‬
‫حين من األيسر أن نسحق أنفسنا؟ وسوف تحرمنا الحمى في زمن ما‬
‫أو بعض أمراض أخرى من أن نؤجج هذه العداوة التي نقبض عليها‪،‬‬
‫وسوف ُيقبل الموت لحظة ما بين المقاتلين األشاوس ويمحيهم لألبد‪.‬‬

‫‪ 4 - 42‬ولماذا ندخل في عجيج ونلقي ذواتنا في اضطراب وننقسم ضدها؟ إن‬


‫قدرنا يقف فوق رؤوسنا‪ ،‬ويتخلل حساب األيام وهي تنصرم‪ ،‬و ُيقبل‬
‫حثي ًثا حثي ًثا‪ ،‬واللحظة التي عينتها لموت آخر ربما ُتعين لك‪.‬‬

‫‪ 1 - 43‬ولماذا ال تستثمر حياتك القصيرة وتعيشها في سالم من أجل نفسك‬


‫والناس؟ ولماذا ال تجعل اآلخرين يحبونك في معاشك ويشتاقون إليك‬
‫‪168‬‬
‫حين تمضي؟ ولماذا تريد جر الرفيق الذي تعامل معك بشفافية؟ ولماذا‬
‫تستعمل قوتك لتتخلص من الشخص الذي ينبح عليك؟‪ -‬أأنت متيقن‬
‫مثير لحنق ومضايقة أقرانه(‪)374‬؟ ولماذا‬
‫بأنه رفيق منحط ووقح بل ٌ‬
‫تغضب من عبدك وسيدك وملكك وأهلك؟ تحملهم قليلاً ‪ -‬وسوف‬
‫يأتي الموت ويجعل الكل سواء(‪.)375‬‬

‫معا‬
‫ثورا ود ًّبا مقيدين ً‬
‫‪ 2 - 43‬وفي ساحة العروض الصباحية غال ًبا ما ترى ً‬
‫ويضطران للقتال‪ :‬وعندما يتملك أحدهما اآلخر‪ُ ،‬يسلم كالهما للجالد‬
‫ً‬
‫مرتبطا بنا(‪،)377‬‬ ‫المنتظر(‪ ،)376‬ونحن نفعل الشيء نفسه عندما نثير ً‬
‫امرأ‬
‫لذا سنؤول لنفس النهاية‪ -‬في الحقيقة ليست من مسافة كبيرة – للمنتصر‬
‫والمهزوم‪ .‬وعلينا أن نقضي الزمن القليل لحظاته في سالم وسكينة‪ :‬وال‬
‫أدع أحدً ا ينظر لجسدي بكراهية عندما يرقده الموت‪.‬‬

‫‪ 3 - 43‬وغال ًبا إنذار النار التي اشتعلت عند الجيران ما يحسم مشاجرة‪،‬‬
‫وظهور الوحش البري على المشهد ما يبعد اللصوص عن عابر‬
‫وقت نقضيه في شرور أصغر ونحن نراقب‬
‫ٌ‬ ‫الطريق‪ ،‬وليس لدينا‬
‫رعب أعظم‪ ،‬فما الذي نجنيه من الصراع والغدر؟ فهذا الذي تغضب‬
‫منه –أتتمنى له شيئًا أسوأ من الموت أليس كذلك؟ إنه سوف يموت‬
‫دون أن يحرك فيك شعرة‪ ،‬إنك ُتضيع جهدك إن أردت أن تتسبب فيما‬
‫ٍ‬
‫ماض على أي حال‪.‬‬ ‫هو‬

‫‪ 4 - 43‬أنت تعترض‪« :‬لم أن ِو ح ًّقا قتله‪ ،‬بل أن أجعله يعاني المنفى والعار‬
‫عدوا أحرى‬
‫والفقدان فحسب»‪ ،‬إنني أتفهم تما ًما َمن يريد أن يجرح ًّ‬
‫قرحا‪ :‬وهذا ليس كبائر عقل شرير بل صغائر‪ ،‬ولكن سواء‬
‫من أن يمنحه ً‬
‫أكنت تفكر في عقاب أسوأ أو شيء معتدل‪ ،‬فالزمن أقل من أن ُينجز فيه‬
‫هذا‪ ،‬وإما أن تعذبه بعقوبته أو تأخذ منه المتعة الخبيثة!‬
‫‪169‬‬
‫‪ 5 - 43‬وفي أي لحظة سوف نلفظ نفسنا األخير‪ ،‬ربما ونحن نتنفس بين رفقائنا‪،‬‬
‫بشرا‪ ،‬دعونا ال نسبب خو ًفا ألحد وال‬
‫دعونا نتعلق بالصفات التي تجعلنا ً‬
‫نعرضه لخطر‪ ،‬دعونا نتعالى عن الضرر والفقدان‪ ،‬ونتعالى عن اإلساءة‬
‫واالحتقار‪ ،‬دعونا نتحمل العوائق الصغيرة بشهامة‪ ،‬فالمأثور يقول(‪:)378‬‬
‫«الموت في مرفقنا أقرب مما نلتفت إليه ويدور حولنا»‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪170‬‬
‫الهوامش‬
‫• ‪ -‬االسم الذي أطلقة الرومان على كل شبه الجزيرة األيبرية‪.‬‬
‫‪ُ -‬ألف كتاب عن الغضب بعد عام ‪ 41‬م عند اغتيال اإلمبراطور جايوس (كاليجوال)‬ ‫‪ 1‬‬
‫(‪ )cf. 1.20.9‬وقبل عام ‪ 52–51‬عندما كان نوفاتوس برو قنصل أخيا ولم يكن معرو ًفا‬
‫باسم نوفاتوس‪ ،‬واكتسب اسم لوكيوس أنيوس جاليو أننينيوس ‪Lucius Iunius Gallio‬‬
‫‪ Annaeanus‬بالتبني‪ ،‬ولم يعطِ سينيكا أي عالمة على أنه يكتب من المنفى الذي عانى منه‬
‫عام ‪ ،49–41‬ويبدو في ‪ 37–3.36‬أنه يعكس حياة رجل يعيش في روما‪ ،‬ونفترض في‬
‫هذه الحالة أن سينيكا كتب هذا الكتاب في ‪ 41‬بين موت جايوس ورحيله للمنفى‪ ،‬أو بعد‬
‫فترة قليلة من عودته ‪49‬م راجع ‪ .Griffin 1976:398‬وإنني أتفق مع الشراح المعاصرين‬
‫وجمع بعد مرحلة كتابته مع‬
‫مجتمعا في وقت واحد‪ ،‬راجع هامش ‪ُ ،18‬‬
‫ً‬ ‫أن الكتاب كتب‬
‫تسعة أعمال أخرى قصيرة‪ ،‬وكانت المجموعة بعنوان مضلل وهو «محاورات»‪ ،‬ووجد‬
‫بين الكتب من ‪.5- 3‬‬
‫‪ -‬عن خريسبوس انظر ‪ ،Tieleman 2003‬وعن شيشرون انظر ‪ ،Graver 2002a‬وأصل‬ ‫‪ 2‬‬
‫االصطالح‪ :‬وهو ما ُيطلق عليه اليونان ‘باثيا ‪ ’pathē‬والمعروف في اللغة اإلنجليزية‬
‫بـ‘االنفعال ‪ ،’ passions‬وأطلق عليه الرومان ‪ ،adfectûs‬والمعروف في اللغة اإلنجليزية‬
‫باألثر ‪ ،affects‬وهي ال تستقيم مع كلمة ‘المشاعر ‪ ’emotions‬في اللغة اإلنجليزية عندما‬
‫يتعلق األمر باستعمال الرواقية‪ ،‬واصطالح ‘مشاعر’ مجازفة ملتبسة ألنه يتضمن كلاًّ من‬
‫المدان باثيا كأخطاء مثل (الغضب والحزن والخوف) واالنفعاالت الخيرة‬
‫االنفعال ُ‬
‫‪ eupatheiai‬التي يمر بها الحكيم مثل (الفرح)‪ .‬ومن أجل الوضوح سوف أستعمل‬
‫اصطالح ‘انفعال ‪ ’passion‬عند اإلشارة إلى التجارب المؤثرة التي يهتم بها سينيكا –‬
‫أخالقيا لغير الحكمة‪ -‬حتى حيث يبدو المصطلح غري ًبا عندما يختبر‬
‫ًّ‬ ‫التجارب المعيبة‬

‫‪171‬‬
‫مقابل االصطالح اإلنجليزي الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬في بعض مواطن تحول الكتاب‪ ،‬عانى الكتاب األول فقد جزء من بدايته‪ :‬وانظر‬ ‫‪ 3‬‬
‫‪ 1.2.3‬حول تنظيم المناقشة النظرية‪ ،‬وانظر مالحظات الكتاب األول والثاني حول‬
‫تنظيم المناقشة العالجية وانظر المالحظات على ‪،31.1 ،26.1 ،22.1 ،2.18.1‬‬
‫‪.10.1 ،5.2 ،3.1.1 ،31.6‬‬
‫ ‪4‬‬ ‫‪- Graver 2007. For more on the Stoics and the passions, beyond the works‬‬
‫‪cited in n. 2 above, see also Inwood 1985:127–81, Frede 1986, Nussbaum‬‬
‫‪1994:316–401 (cf. also the “neo-Stoic” treatment of the passions in‬‬
‫‪Nussbaum 2001), Striker 1996:221–80, Brennan 1998, Irwin 1998, Cooper‬‬
‫‪1999:449–84, Sorabji 2000, Long 2002:244–54, Brennan 2003, Knuuttila‬‬
‫‪2004:47–80, Brennan 2005:82–113, Gill 2006:207–90. Many of these studies‬‬
‫‪necessarily touch on Seneca, but for studies devoted specifically to his moral‬‬
‫‪psychology, see esp. Fillion-Lahille 1984, Rist 1989, Nussbaum 1994:402–83‬‬
‫‪and 2001: 354–400, and Inwood 2005, esp. 23–64; Cooper and Procopé‬‬
‫‪1995 provide another, excellent translation of On Anger. On ancient views‬‬
‫‪of anger more generally, see Harris 2001 and Braund and Most 2003.‬‬
‫‪ -‬لالطالع على الموضوعات التي ُحذفت أو النظر إليها انظر ‪( 1-20‬موافقة الضعيف‬ ‫‪ 5‬‬
‫مقابل القوي )‪( 2-6 ،‬االنفعاالت الخيرة للحكيم)‪.‬‬
‫‪ -‬مذهب ‘المناسبة’ وراء محاسبة اهتمامنا‪ ،‬وهو يعمل حجر زاوية في الفكر االجتماعي‬ ‫‪ 6‬‬
‫الرواقي بتوضيح كيف ُنقبل على اآلخرين كموضوعات موازية الهتمامات أنفسنا‪ :‬انظر‬
‫‪ ،2.31.7‬وعن الرحمة ‪ ،1.13.4 nn‬وراجع ‪.section 4 below‬‬
‫‪ -‬حول ‘القياس البائس ‪ ’pathetic syllogism‬انظر ‪Graver 2002a:90–93 and esp.‬‬ ‫‪ 7‬‬
‫‪.Graver 2007:35–60‬‬
‫فكرا‬
‫‪ -‬نحن نتفق على أن اصطالح ‘انطباعات ‪ ’impressions‬في الفكر الرواقي ليس ً‬ ‫‪ 8‬‬
‫في شكل قضوي في نسق النتائج بل كل االنطباعات تتعلق باالنفعاالت (وأي شكل آخر‬
‫للفعل الطوعي) ويجب أن تكون قابلة للتعبير عنها في قضايا‪ ،‬ويجب أن يطابق االصطالح‬
‫الرواقي اللكتون– المعبر عنه ‪.lekta‬‬
‫‪ -‬ألن الرواقيين نظروا إلى العقل على أنه كيان فردي متكامل يضم قدرات عدة (على‬ ‫‪ 9‬‬
‫سبيل المثال الحواس والقدرة على الكالم)‪ ،‬ولم يتعامل مع االنفعاالت على أنها جزء‬
‫منفصل عن الذهن‪ ،‬ومختلف عنه وفي صراع مع العقل‪ ،‬والعقل مجرد فعل طبيعي للذهن‬

‫‪172‬‬
‫واالنفعال مجرد أفعاله في صورة ‘معتلة ‪.’diseased‬‬
‫‪ -‬بما أنه ‘مبهج ‪‘ delight‬فهو توسع ال عقالني للذهن في حضور الخير‬ ‫‪ 10‬‬
‫الخاطئ‪ ،‬وبما أنه ‘كارثة ‪ ’distress‬فهو تفاعل ال عقالني للذهن في حضور‬
‫الشر الخاطئ‪ ،‬وبما أنه ‘رغبة ‪ ’desire‬فهو توسع ال عقالني من منظور الخير‬
‫الخاطئ‪ ،‬وبما أنه ‘خوف ‪ ’fear‬فهو تفاعل ال عقالني من منظور الشر الخاطئ‪.‬‬
‫‪Cicero Tusculan Disputations 4.14ff., Diogenes Laertius 7.111ff.,‬‬ ‫انظر‬
‫‪Stobaeus 2.7.10, [Andronicus] On the Passions 2ff.Anger, as we are about to see,‬‬
‫‪.is a species of “desire‬‬
‫‪ -‬من الضرورة أن نؤكد أن الرواقية تنظر إلى االنفعاالت على أنها شر ليس بسبب‬ ‫‪ 11‬‬
‫الطريقة التي تجعلنا نشعر بها أو حتى بسبب ما تجعلنا نفعل به‪ ،‬بل بسبب األحكام‬
‫الخاطئة التي يعتمدون عليها‪ ،‬فالرواقية ليسوا أعداء للمشاعر بما هي عليه‪ ،‬فكل عقل‬
‫ظاهري لتجاربنا االنفعالية‬
‫ٌّ‬ ‫يفترض ‘انفعاالت خيرة’ (يحدث أحدها ليوجد)‪ ،‬وهو تماثل‬
‫المشتركة‪ ،‬انظر ‪.Graver 2007:51–58‬‬
‫‪ -‬لتعريف سينيكا انظر ‪.b n 1.3‬‬ ‫‪ 12‬‬
‫‪ -‬كما تقف في عربة مترو مزدحمة تثبت أوضاع اليد ذاتها على مؤخرة العصعص‬ ‫‪ 13‬‬
‫فتنعكس على انقباض عضالتك وتوسيع عينيك وارتشاف أنفاسك– حركات تتوافق مع‬
‫‘الهزة’ العقلية األولية‪ ،‬تختبر لحظة قبل أن يحدد الفكر السبب مثل بعض أنواع اإلساءة‪.‬‬
‫‪ -‬انظر ‪ .1.7.4 n‬لهذا الوصف وغيره يتضح أن االنفعال الذي يتداوله سينيكا يتماشى‬ ‫‪ 14‬‬
‫تراثيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫أفضل في اإلنجليزية مع كلمة “‪ rage‬أكثر من ‪ ،"anger‬ولكن األخيرة متداولة‬
‫وأنا أستعمله على الدوام‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن أن يطلق على هذا انطباع ‘اندفاعي ‪ ’impulsory‬أو ‘نمائي ‪’hermetic‬؛ ألنه‬ ‫‪ 15‬‬
‫يقدم االستجابة المؤثرة مع دافعها ‪ ،impulse‬وهو في الالتينية ‪ ،impetus‬وفي اليونانية‬
‫‪ ،hormē‬رغم أنها ال تدفع لفعل بعينه (على سبيل المثال االستيالء على سكين بدلاً من‬
‫بندقية)‪ ،‬وللنظر في القضية األخيرة انظر ‪.Vogt 2006‬‬
‫قصاصا ومجرد عقاب انظر ‪،1.12‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬حول االختالف يميز سينيكا بين الغضب لكونه‬ ‫‪ 16‬‬
‫‪.16–14‬‬
‫‪ 5.1–3.1.3 .17 -‬هذا القسم يتكرر في ‪.2–1.1‬‬ ‫‪ 17‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ -‬قد دفع هذا التحول البعض في التفكير بأن الكتاب الثالث قد ُكتب في فترة متأخرة عن‬ ‫‪ 18‬‬
‫واضح عن‬
‫ٌ‬ ‫سبب‬
‫كثيرا (وليس هناك ٌ‬
‫الكتاب األول والثاني‪ ،‬ولكن هذا االفتراض ال يتضح ً‬
‫لماذا استأنف سينيكا الكتاب الثاني بعد توقف) وهو ما لم يكن ضرور ًّيا على اإلطالق‪،‬‬
‫لم يشغل سينيكا نفسه بالتخلي عن وقاحة الغضب‪ ،‬ويمكننا أن نعتبر الكتب الثالثة كلاًّ‬
‫واحدً ا رغم أن بعض أجزائها غير منظم‪.‬‬
‫‪ -‬االستطراد يتضمن ملح ًقا موجزً ا عن االنتحار (‪ )4–3.15.3‬ومتماش ًيا بوعي للذات‬ ‫‪ 19‬‬
‫بشكل مطول في (‪ ،)cf. 3.19.1‬ومناقشة الغضب المضني عندما يجربه الضعيف والقوي‬
‫(‪ )21.5–3.16.1‬والحكايات في ‪ 7–3.12.4‬تتعامل مباشرة مع غاية تقييد الغضب‬
‫الذي بدأ بالفعل‪.‬‬
‫‪ -‬وكما تشير المراجع هنا‪ ،‬يقدم سينيكا في الكتاب الثالث عدة نصائح ليست نسقية بل‬ ‫‪ 20‬‬
‫بطريقة طيران النحل بين الزهور (وكذلك المثل في الرسائل األخالقية ‪ 4-84‬رغم أن‬
‫النصيحة المعطاة هناك – تقطر كل األفكار المنفصلة في كل متماسك‪ -‬وليست متبعة في‬
‫الكتاب الثالث)‪.‬‬
‫‪ -‬مالحظات سينيكا حول تربية الطفل مثيرة لالهتمام (‪ ،)21.9–2.18.2‬وتمنع‬ ‫‪ 21‬‬
‫الطفل من تنمية التصرف الغاضب‪ ،‬والذي يقع فيه معظمهم‪ ،‬وتشدد على ضرورة تثبيط‬
‫اإلرادة وغرس التقييم المعقول في الطفل الذي يقيم به عالقته باآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬هذه الحجة السالبة لها ما لإلسهام الموجب‪ :‬فالحلم يجعلك أكثر إثارة لإلعجاب‬ ‫‪ 22‬‬
‫(‪.)3.25.4‬‬
‫‪ -‬الحظ أنه حتى مع االنطباع الجديد ال يتعامل سينيكا في عالجه مع ما تتخذه الرواقية‬ ‫‪ 23‬‬
‫كقضية فعلية‪ ،‬والحقيقة قد يتصور االنطباع على نحو خاطئ‪ :‬فإننا نرى شيئًا يحدث‬
‫وانطباعنا له يتضمن تصورات مثل ‘طفرة’ أو ‘إساءة بسيطة’‪ ،‬في حين ينبغي أن نرى‬
‫فقط “أن كذا وكذا بصق على وجهي” وليس أكثر‪ .‬وإنني مدين لمارجريت جرافير؛ ألنها‬
‫لفتت انتباهي لهذه النقطة وصوبت لي َ‬
‫وأ ْث َرتْنِي في نقاط أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬هذا الغضب ال يدخل في مبدأ “وف ًقا للطبيعة” الذي دخل في المناقشة النظرية في‬ ‫‪ 24‬‬
‫‪ ،1.5‬ومناقشة العقاب في ‪ 16-14 ،1.12‬تؤكد أن العقوبة عالج ورادع وليست‬
‫تقليصا‪ ،‬وتهاجم فكرة االنتقام خير‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬راجع ‪ “ 2.31.3‬باطن كل منا عقل ملك‪ ،‬يود أن يكسب حرية كاملة للفعل وال يود‬ ‫‪ 25‬‬

‫‪174‬‬
‫أن ُيستعمل ضده”‪.‬‬
‫‪.esp. 2.18.1, 26.1, 31.1 -‬‬ ‫‪ 26‬‬
‫تنظيما من الناحية‬
‫ً‬ ‫‪ -‬هذه سمة تخص الكتاب الثالث‪ ،‬وهي البالغة المفرطة‪ ،‬وهو أقل‬ ‫‪ 27‬‬
‫تكرارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫النسقية وأكثر‬
‫‪ -‬يتكرر هذا في الكتاب الثالث‪ ،‬وانظر ‪،6–12.5 ،11.4 ،11.2 ،9.2 ،3.8.6‬‬ ‫‪ 28‬‬
‫‪.4–40.2 ،38 ،30.4 ،23.8–16.3 ،15.2–14.1 ،13.3‬‬
‫‪ - 29‬تضحية الوقائع على سبيل المثال ‪ .nn 2.5.4 ،1.11.5‬ولغة غير تقليدية ‪،1.1.6‬‬
‫‪ .nn 1.7.2‬ومناقشة دقيقة عند ‪.Inwood 2005:41ff‬‬
‫من اليونانية ‪Inwood‬‬ ‫‪ -‬ويعني التحدث إليهم بلغتهم اختيار الفلسفة باللغة الالتينية بدلاً‬ ‫‪ 30‬‬
‫‪.2005:13ff‬‬
‫ ‪31‬‬ ‫‪- See esp. 2.31.7nn.‬‬

‫‪Oxford‬‬ ‫‪ -‬النسخة اإلنجليزية التي تلتها تعتمد على طبعة ُأكسفورد الكالسيكية‬ ‫‪ 32‬‬
‫‪Classical Texts edition by L. D. Reynolds‬‬

‫‪ -‬بعد التوكيد على الطبيعة المروعة للغضب وعواقبه‪ ،‬يصف سينيكا الغضب في‬ ‫‪ 33‬‬
‫الفقرات (‪ ،)3،2،1‬ويعالج بعض األمور التي تتعلق به في الفقرات (‪ ،)3.4- b 3.2‬ثم‬
‫محرجا للرواقية‪ ،‬عن إذا كان الغضب يوجد ‘وف ًقا للطبيعة’ (‪،) 6.5‬‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫يضع على كاهله ً‬
‫نافعا (‪ ،)13.7‬وتواجه كلتا الحالتين اعتراضات‬
‫وهو تساؤل يتعلق بإذا ما كان الغضب ً‬
‫متوقعة‪ .‬ومن ثم يمتد الكتاب في نهايته إلى مناقشة عالقة الغضب بالعدالة (§§‪)19–14‬‬
‫وعظم الروح (§§‪ )21–20‬وتستدعي هذا المناقشات السابقة والمختصرة بعالقة‬
‫الغضب بالشجاعة (§‪ )4–7.1‬والتفاني األسري (‪.)5–12.1§ :pietas‬‬
‫‪ - 34‬يستعمل سينيكا كلمة دافع ‪ impetus‬أكثر من عشرين مرة في رسالة الغضب؛ ليدلل على‬
‫السعي الحثيث أو حركة العقل التي تدفع السعي‪ ،‬أما بالنسبة لجميع الحيوانات باستثناء‬
‫المراهقين (ألن المراهقين حين يحكمون أو يعتقدون ال يأخذ بهم ‪ ،)2.16.1‬والحركة‬
‫الذهنية هي مجرد ‘اندفاع’ بالمعنى العام لالصطالح‪ ،‬واستجابة لبعض االنطباعات التي‬
‫ال تنطوي على التزام بحقيقة االنطباع ‪ ،2.1.1‬الدافع المقابل ‘للحكم’‪.‬‬
‫‪ -‬إن إرادة الغضب سمة مدمرة للنفس وهي من بين الموضوعات الشائعة‪ :‬انظر التشبيه‬ ‫‪ 35‬‬
‫في نهاية الجملة التالية وكذلك §§‪ .5.6 ،3.2 ،3.2.6 ،2.35.5 ،،5.2‬وهذه‬

‫‪175‬‬
‫النقطة مهمة من الناحية الفلسفية‪ :‬ألن إرادة الغاضب في ضرر نفسه تناقض دافعنا الفطري‬
‫للحفاظ على النفس (‪ ،)2.31.7 n.‬ويؤكد الرأي القائل بأن الغضب ال يتساير مع مبدأ‬
‫“وف ًقا للطبيعة” (§‪.)11.8 .5.2ff‬‬
‫‪ -‬يتحدث هنا عن ‘الجنون’ بمعناه المعتاد‪ ،‬ومعادلة هذا الجنون بالغضب أمر شائع‬ ‫‪ 36‬‬
‫(‪)e.g., Moral Epistles 114.3 with Otto 1890:177‬؛ ألن الرواقيين يرون أن ما دون‬
‫الحكماء فهم ‘مجانين’ (مرضى)‪ ،‬واألحكام الخاطئة ‘للمجانين’ (كلنا تقري ًبا) تجعلهم‬
‫يعانون من االنفعاالت الشائعة‪.‬‬
‫ ‪37‬‬ ‫‪- Cf. 2.19.3, 5 and Aristotle On the Soul 403a30f.‬‬
‫‪ 3.4.2 .Cf -‬تتشابه الفقرة حين يكون المقصود تصدع المفاصل‪.‬‬ ‫‪ 38‬‬
‫جزءا من شعر ملحمي؛ ألن االقتباس ليس‬
‫‪ -‬إذا كان النص سليمًا‪ ،‬فيبدو أن سينيكا اقتبس ً‬ ‫‪ 39‬‬
‫به عالمة مميزة كالتى استعملها سينيكا في ‪ cf. §12.5 (proverb), 2.9.2‬وهو (خالصة‬
‫شعرية)‪.‬‬
‫‪ -‬وسرعان ما ينكر سينيكا الغضب على الحيوانات‪ ،‬وال يمنعه الموقف الرواقي األصيل‬ ‫‪ 40‬‬
‫(‪ )§3.4ff.‬من أن ينسبه إليهم‪ ،‬حيث إن موضعه الخطابي في التوكيد على فظاعة الغضب‬
‫بعبارات منطقية مألوفة لجمهوره‪.‬‬
‫‪ -‬ربما كان هناك أمثلة محددة في ذهن سينيكا لما يأتي‪ ،‬ولكن عندما يعرض في عمل‬ ‫‪ 41‬‬
‫قائمة من هذا النوع فإنه يهتم بشكل رئيس بتجميع أمثلة غال ًبا تكون واضحة ‪esp. 2.9.3,‬‬
‫‪.3.2.3f‬‬
‫حرفيا “رداء الحداد للمتخاصمين بالتناوب”‪ ،‬ويتصنع الروماني في المحاكمة الحداد‬
‫ًّ‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ 42‬‬
‫ليلمح لمصيبته ويستثير الشفقة‪ ،‬وهنا يفكر سينيكا في األعداء الذين يديرون نزاعهم‬
‫بتقديم بعضهم للمحاكمة‪.‬‬
‫يبدو أن سينيكا يشير إلى الدعائم األولى التي أسسها سولال ‪ 81‬ق‪.‬م وتكررت في ظل‬ ‫‪ 43‬‬
‫حكم حكومة الثالثة ‪ 43‬ق‪.‬م‪ :‬وفي هذه الحالة لن يكونو األشخاص ذواتهم ( قادة القوم‬
‫‪ )leading men’s heads‬الذين بيعوا في المزاد بل ممتلكاتهم التي صودرت عندما فقدوا‬
‫حقوقهم المدنية (وهو معنى آخر لرأس المال)‪.‬‬
‫‪ -‬يعني سينيكا مد ًنا مثل أرجوس ‪ Argos‬وميسنيا ‪ Mycenae‬وتروى ‪ Troy‬وهي مدينة‬ ‫‪ 44‬‬
‫الملك بريام في األسطورة الهوميرية التي حاصرها اليونانيون خالل حرب طروادة‪ ،‬وكان‬

‫‪176‬‬
‫دمرت المدينة ُ‬
‫وأبيدت في منتصف القرن الثالث‬ ‫ُينظر إليها على أنها مدينة أسطورية‪ ،‬وقد ُ‬
‫عشر قبل الميالد‪ ،‬وهي فترة تزامنت مع الحضارة الميسنية‪.‬‬
‫‪‘ -‬مقدس ديني ‪’Sacrilegious‬؛ ألن البرتوكول الملزم للضيف والمضيف كان عقوبة‬ ‫‪ 45‬‬
‫دينية‪ ،‬راجع ‪.Alexander’s murder of Clitus, adduced at 3.17.1‬‬
‫‪ -‬ربما يتذكر سينيكا البرايتور سيمبرونيوس أسيلليو ‪ Sempronius Asellio‬الذي ُأعدم‬ ‫‪ 46‬‬
‫دون محاكمة في ‪ 89‬ق‪.‬م أثناء تضحيته في المنتدى‪.‬‬
‫‪ -‬وكان هناك فجوة كبيرة في مخطوطات السابقين في هذه النقطة‪ ،‬وامتدادات الكتاب‬ ‫‪ 47‬‬
‫التي تبلغ اآلن (حوالى ‪ 9300 ،7600 ،5600‬كلمة على التوالي) تفترض حتى إذا كان‬
‫الكتاب األول في األصل أقصر من الكتاب الثاني‪ ،‬فبالقدر نفسه الكتاب الثاني أقصر من‬
‫ولكن اثنين من الك َّتاب‬
‫َّ‬ ‫الكتاب الثالث‪ ،‬والمقدار المفقود من الكتاب مئات الكلمات‪.‬‬
‫الالحقين اقتبسوا أو أعادوا صياغة المادة المفقودة‪ ،‬وأعطوا فكرة عن محتوياتها‪ :‬وهما‬
‫‪the Anger of‬‬ ‫خالصة القديس مارتن الراجي في شروحه على كتابه الغضب الرباني‬
‫‪ God (ca. 315 CE‬الذي واصل في توضيح مظاهر االنفعاالت‪ .‬والثاني الكتانتيوس‬
‫‪ Lactantius‬الذي اقتبس أربعة تعريفات ذكرها سينيكا‪.‬‬
‫‪ -‬كانت زوجة األب الرومانية قاسية بشكل نمطي مثل زوجة األب الشريرة في سندريلال‪.‬‬ ‫‪ 48‬‬
‫‪ - 49‬واصل نص الكتانتيوس يشير إلى تعريف أرسطو الوارد في §‪ 3.3‬أدناه‪ ،‬وبالتالي‬
‫‘ضررت‬ ‫الموقع النسبي الضامن لتعريفات سينيكا الثالثة في النص األصلي‪ ،‬وبما أنني ُ‬
‫ظلما ‪ .’inique laesum‬ويتداخل التعريفان األول‬ ‫‪ ’ iniuria‬يعني بالتحديد ُ‬
‫‘ضررت ً‬
‫والثاني جوهر ًّيا‪ :‬وربما يعرض سينيكا التعريف األول –مألوف دون أصل فلسفي‬
‫بعينه‪ -‬كعبارة عامة للمفهوم‪ ،‬ومن ثم يختزل الثاني من ‪Posidonius of Apamea’s‬‬
‫)‪ ،On Anger (frag. 150 Edelstein-Kidd‬وكتعريف رواقي دقيق يوضح أن الحكم‬
‫‪Cicero Tusculan Disputations 4.21,‬‬ ‫يستلزم ‘أنك تعتقد ‪ ’you reckon‬راجع‬
‫‪ ،SVF 3.395–97‬والتعريف الثالث يؤكد القصد (أو الرغبة في القيام بكذا) ومن‬
‫رواقيا ‪(Procopé 1998:176f., citing Philodemus On‬‬
‫ًّ‬ ‫المحتمل أن يكون تعري ًفا‬
‫)‪ Anger XL.32ff., XLI.40ff.‬ويتفق مع ما يؤكده سينيكا عن القصد (‪،3.1§ see‬‬
‫‪ .)26.1 ،3.12.2 ،30.1 ،2.26.4‬وتوضح المالحظات التالية لسينيكا أنه يجعل‬
‫الغضب على أنه رغبة قوية في العقاب (‪،)cupiditas poenae, §2.5; cf. §§3.2, 5.3‬‬
‫ظلما‪.‬‬
‫ر ًّدا على أنه تضرر ً‬

‫‪177‬‬
‫‪ -‬عندما يستأنف النص المرسل يعالج سينيكا االعتراضات المفروضة التي تركز على‬ ‫‪ 50‬‬
‫الفهم الصحيح لكلمة ‘الخطأ ‪ ’iniuria‬وهي موضوع الغضب‪.‬‬
‫‪ -‬ليس غض ًبا بل يشبه الغضب” يطلق عليه هكذا؛ ألنه ال يستجيب لخطأ‪ ،‬ولكن ما‬ ‫‪ 51‬‬
‫‪Cyrus’s anger at the river‬‬ ‫يشبه الخطأ‪ ،‬راجع عضب كاريوس في نهر جينديس‬
‫‪.4–3.21.1 ،Gyndes‬‬
‫فنيا وهو األنواع ويساويه بكلمة فانتازيا ‪ phantasia‬اليونانية‪،‬‬
‫مصطلحا ًّ‬
‫ً‬ ‫‪ - 52‬يستعمل سينيكا‬
‫ليدل هنا على انطباع تقويمي ( ليس عدلاً “ أنني ُضربت” ولكن “بل ُضربت خطأ”)‪،‬‬
‫فالبالغ يوافق بعقالنية (ولو كان خطأ*) على هذا االنطباع‪ ،‬ولكن األطفال عاجزون عن‬
‫الموافقة بعقالنية‪ ،‬وكذلك الحيوانات (§‪ ).3.4n‬ال تجرب انفعاالت حقة‪.‬‬
‫‪ - 53‬رد سينيكا هنا ضعيف‪ ،‬ويعتمد إلى حد ما على االنحدار اللفظي الموجود في االختالف‬
‫بين مجرد ‘ضرر ‪ ’ laedere‬و‘خطأ ‪’iniuria‬؛ ألن المذهب الرواقي يرى أن الشر الحق‬
‫يكمن في إجراء خيارات أخالقية خاطئة سواء أكانت نتيجة االختيار تقوم بعمل فعال‬
‫شرا يمكن أن ُيقال عنه ُ‘مضر”‪ ،‬ويمكن أن يقال عنه ‘مرتكب للخطأ‬
‫أم ال‪ ،‬ومن يقصد ًّ‬
‫بالفعل’ وهو أقل في الوضوح‪ ،‬ومن الغموض أن قصده الشرير ‘يضر’ شخص آخر‪.‬‬
‫‪ -‬القدرة هي في عقولنا حيث يكمن الشر الحق‪ ،‬انظر المالحظة السابقة‪.‬‬ ‫‪ 54‬‬
‫‪ -‬وكما هو الحال في مثل هذه السياقات كلمة ‘لنا ‪ ’nostra‬تعني ‘ما ُينسب للرواقيين’‬ ‫‪ 55‬‬
‫مثل ‘نحن ‪ ’nos‬تعني ‘نحن الرواقيين’‪ ،‬والتعريف المنسوب إلى أرسطو هنا مثال في‬
‫كتاب النفس ألرسطو ‪ ،On the Soul 403a30f‬كما أن هذا التعريف يؤدي إلى تعريفات‬
‫أخرى للغضب عند أرسطو في كتب ‪Rhetoric 2.2.1 1378a31–33, Nicomachean‬‬
‫‪.Ethics 5.8 1135b28–29‬‬
‫‪ -‬وتفترض االختالفات المهمة أن أرسطو تحدث عن ‘ألم ‪ ’pain‬دون الرجوع إلى قصد‬ ‫‪ 56‬‬
‫الفعل أو رغبة الضحية‪.‬‬
‫‪ -‬ألن االنفعاالت عند الرواقية تعتمد على موافقة االنطباعات التي يمكن التعبير عنها‬ ‫‪ 57‬‬
‫كقضايا‪ ،‬وألن الحيوانات (مثل الرضع) تفتقر اللغة‪ ،‬ال يمكنها تجربة نوع االنطباع الذي‬
‫يشرع فيه الغضب ‪.Cicero Tusculan Disputations 4.31‬‬
‫ ‪58‬‬ ‫‪- Ovid Metamorphoses 7.545–46.‬‬
‫‪ -‬االصطالح الفني الرواقي (مبدؤها الحاكم ‪ regium illud et principale‬يساوي‬ ‫‪ 59‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ ،)hēgemonikon‬ويشير إلى القدرة الرائدة للنفس(والقدرات األخرى هي الحواس‬
‫الخمسة‪ ،‬وقدرة التكاثر‪ ،‬وقدرة الكالم في البشر)‪ :‬وتقع في الصدر‪ ،‬وتنتج االنطباعات‬
‫(‪Aëtius 4.21.1–4 = LS 53H, cf.‬‬ ‫والموافقات واإلدراكات الحسة والدوافع‬
‫‪ ،)2.36.2n.‬وهو بما عليه أقرب إلى ‘العقل’ في معنانا‪.‬‬
‫‪ - 60‬هذا هو االختالف بين االنفعال ‘الحادث’ (عارض لغضب مجرب بالفعل) و‘التصرف’‬
‫انفعالي‪ ،‬وهو سمة شخصية راسخة تتضمن الميل لتجربة تمنح االنفعال‪ ،‬راجع ‪Cicero‬‬
‫‪.Tusculan Disputations 4.27–28‬‬
‫‪ - 61‬صنف الرواقيون االنفعاالت بأربعة أنماط‪ :‬البهجة أو الشدة (فيما هو حاضر) والرغبة أو‬
‫الخوف (فيما يخص المستقبل)‪ ،‬انظر مقدمة الغضب ”‪introduction, n. 10. “Anger‬‬
‫واألنواع المرتبطة بأنواع الرغبة‪.‬‬
‫‪ -‬تجيب الرواقية على السؤال األول بـ ‪ 6–5‬وتحدد إجابة السؤال الثاني بـ ‪.13–7‬‬ ‫‪ 62‬‬
‫‪ -‬يشير سينيكا إلى الموجود اإلنساني ‪ homo‬هنا ولألسفل‪ ،‬وبالمعنى الرواقي المعياري‬ ‫‪ 63‬‬
‫“الموجود اإلنساني على ما ُيسمى”‪ ،‬وهكذا فإن قول إن البشر على استعداد للتضحية‬
‫تجريبيا‬
‫ًّ‬ ‫بذواتهم من أجل اآلخرين قول حق؛ ألن الرواقيين ال يتحققون من الواقع‬
‫(وربما يكونون كذلك) بل يصفون السلوك بما يوافق طبيعتنا كبشر‪ .‬وأهم عنصر في‬
‫األنثروبولوجيا الرواقية هو االعتقاد بأن البشر “ قد ولدوا ليمنحوا العون ويتلقوه”‪ ،‬وتأتي‬
‫(‪2.31.7; cf. 3.5.6, On Clemency‬‬ ‫هذه السمة من كوننا “ولدنا بميل لالجتماع”‬
‫‪ .)1.3.2, 2.5.3, 6.3‬وهذه ‘القدرة االجتماعية الطبيعية’ لنا (‪cf. esp. Cicero On Ends‬‬
‫‪ )3.62ff., On Appropriate Actions 1.11–12, 158, 2.73‬تدعم حجة أن الغضب‬
‫‘مضاد للطبيعة’ واألخالقية اللمبنية ما تستثيره العالجات في الكتاب الثاني والثالث‪،‬‬
‫والحجة المتعلقة بأن القسوة تناقض طبيعتنا البشرية ‪.On Clemency 1.25‬‬
‫‪ -‬وهذا في الجزء المفقود من النص الذي قدم فيه سينيكا تعريفه §‪.2.3n‬‬ ‫‪ 64‬‬
‫‪ -‬انظر ‪ On Clemency 2.7.4‬صورة الفالح الصالح الذي يتعهد نباتاته الملتوية لتنمو‬ ‫‪ 65‬‬
‫باستقامة‪.‬‬
‫‪ُ -‬يسمح بالقتل الرحيم حيث تستحيل النتيجة الصحية )‪،(§4 just below); cf. §15.2‬‬ ‫‪ 66‬‬
‫وقبول قتل الوليد لتشوهه‪.‬‬
‫‪ -‬انظر النصيحة التي ُمنحت لألمير في ‪.Clemency 1.17‬‬ ‫‪ 67‬‬

‫‪179‬‬
‫للنظر إلى التطور المماثل ‪ .On Clemency 1.14.1‬ثم ‪ .§§16.2–3, 19.5–7‬‬ ‫‪ 68‬‬
‫‪ -‬راجع §‪ 9.4‬حيث إن الكلمة الرئيسة هي السعي ‪ adpetens‬فنحن نسعى ‘بشكل‬ ‫‪ 69‬‬
‫طبيعي’ «فحسب لما هو خير دون قيد (‪ ،)cf. 2.28.2n.‬والرذيلة هي الشيء الوحيد الذي‬
‫قد نتجنبه» وف ًقا للطبيعة‪ ،‬والتي هي فحسب هي الشر دون قيد‪ ،‬وكل ما عداها اختيار من‬
‫شرا والعكس‪.‬‬
‫خيرا وال ًّ‬
‫بين الممكنات والتي ال تكون ً‬
‫‪Plato Republic 1 335B10ff. On the‬‬ ‫‪ -‬هذه الحجة في جمهورية أفالطون‬ ‫‪ 70‬‬
‫‪.meaning of “our own,” cf. §3.3n‬‬
‫‪ -‬يلمح سينيكا إلى أرسطو حيث تكمن الفضيلة في التصرف الثابت لتجربة ال تنقص‬ ‫‪ 71‬‬
‫معا؛ ألن االعتدال ‪ praotēs‬عند أرسطو‬
‫وال تزيد في منح أي انفعال‪ ،‬ولكن تعني االثنين ً‬
‫(‪Nicomachean‬‬ ‫هو الوسيلة المناسبة للغضب‪ ،‬بين الشفافية وأشكال عدة للغموض‬
‫‪ .)Ethics 4.5 1125b27ff.‬ومن الواضح أنه يشوه مذهب أرسطو ويفترض ما يعتقده بأن‬
‫الغضب ‘المعتدل’ ينبغي أن ُيغرس كوسيلة للحفاظ على ‘طاقة العقل المفعمة بالحيوية’‬
‫مثل اللهب الذي يبقي القارورة في الغليان‪ .‬وسواء أكان التشويه قد صنعه سينيكا أم‬
‫قد يمتد األمر أدناه انظر ‪§9.2n, and cf. §12.3n.‬‬ ‫مصدره شراح أرسطو في تبسيط آرائه‬
‫‪on Theophrastus. Aristotle’s intellectual descendants, the Peripatetics,‬‬
‫‪are criticized in similar terms in Cicero Tusculan Disputations 3.71–75,‬‬
‫‪.4.38–47, and in Philodemus On Anger XXXI.24ff‬‬
‫‪ -‬يتحدث سينيكا هنا والحقًا عن االنفعاالت ككيانات منفصلة بشكل ما أو بآخر عن‬ ‫‪ 72‬‬
‫الذهن أو العقل‪ ،‬ويمكن مداهمتها أو تلويثها – وهذا التصور ليس له عالقة بالمبادئ‬
‫الرواقية‪ ،‬بل يتعلق بالحس المشترك لالنفعاالت على أنها أشياء تأتي لنا ‪cf. next note,‬‬
‫‪ .2.36.6, 3.1.3‬وانظر ً‬
‫أيضا للمزيد عن وجهة النظر الرشيدة في المقدمة ‪“ 2.8‬الذهن‬
‫ليس منفصل”‪.‬‬
‫‪ -‬انظر إلى صورة النفس عند أفالطون حيث يشبهها بعربة تتحكم فيها خيول مجنحة‬ ‫‪ 73‬‬
‫(‪.)Phaedrus 246A6ff., cf. Republic 4 436A8ff.‬‬
‫‪Cicero‬‬ ‫‪ -‬المقارنة تؤكد على الكابح ‘المفرط’ لالنفعاالت الذي يوجد ً‬
‫أيضا في‬ ‫‪ 74‬‬
‫‪ Tusculan Disputations 4.41‬والذي قد يرتد إلى خريسبوس ‪ ،3.1.4‬حيث‬
‫يقال ‘السقوط المتهور’ ليتعلق بالغضب‪ ،‬وللحصول على مماثلة أخرى مستمدة من‬
‫خريسبوس انظر ‪.2.35.2n‬‬

‫‪180‬‬
‫‪-‬انظر المناقشات المستفيضة لسينيكا عن ‘الوخزات األولية’ في ‪.4–2.2‬‬ ‫‪ 75‬‬
‫‪ -‬ينطوي على اإلشارة إلى ‘إرادتنا’ لب العقيدة الرواقية؛ ألن االنفعاالت تأتي من موافقتنا‬ ‫‪ 76‬‬
‫ألنواع معينة من االنطباعات‪ ،‬وألنها في حدود قدرتنا في منح أو سحب الموافقة‪ ،‬وكل‬
‫االنفعاالت الحقة طوعية‪.‬‬
‫‪ -‬رأي علم النفس الرواقي أن االنفعاالت ليست منفصلة عن قدرة تفكير العقل‪ ،‬بل تغير‬ ‫‪ 77‬‬
‫في قدرة التفكير ذاتها (‪ .)Plutarch Moralia 441C = LS 61B9‬وفي المالحظة التالية‬
‫لسينيكا يمكن القول بأن االنفعاالت وحدها تنطوي على ‘التحول ‪transformation‬؛‬
‫ألن ‘العقل’ هو حالة ذهن طبيعية‪.‬‬
‫‪ -‬راجع قصص باستر ‪ ،)4–2.33.3( Pastor‬وبريكاسبيس ‪،)3.14( Praexaspes‬‬ ‫‪ 78‬‬
‫وهارباجوس ‪)3.15.1( Harpagus‬وكلها تنطوي على غضب قمعه الخوف‪.‬‬
‫‪ -‬انظر إلى سينيكا وهو يصف الفضيلة ‪( 2.33.6‬تفاني العائلة أو اإلخالص)وبقاء‬ ‫‪ 79‬‬
‫الغضب في التحقق‪.‬‬
‫‪ -‬ال يتبنى أرسطو شيئًا من هذا القبيل في أعماله الممتدة‪ ،‬بل يصنف شيئًا مثل هذا على أنه‬ ‫‪ 80‬‬
‫شجاعة زائفة (‪ ،)Nicomachean Ethics 3.8 1126b23ff.‬وهذه المالحظات مبنية على‬
‫تشوية مذهب أرسطو الموجودة بالفعل في §‪ 7.1‬ويستمر في هذا السياق في §‪،17.1‬‬
‫‪.3.3.1‬‬
‫‪ -‬يشتمل كال البديلين على وجهة نظر عن االنفعاالت ب”سقوط الجسم” §‪،7.4‬‬ ‫‪ 81‬‬
‫‪.3.1.4‬‬
‫نافعا بالطبيعة‪ ،‬فإنه نافع دون تحفظ أو تحديد §‪.2–13.1‬‬
‫‪ -‬إذا كان ً‬ ‫‪ 82‬‬
‫‪-‬يقصد سينيكا بعبارة “شر معتدل” اجتماع لفظتين متناقضتين‪ ،‬وهو ما يعادل قول‬ ‫‪ 83‬‬
‫“مستحيل” (‪)cf. Moral Epistles 116.1‬؛ ألن الخير والشر عند الرواقية على حد سواء‬
‫دون درجات أو تبعيض‪ ،‬انظر الهامش األسفل‪.‬‬
‫‪Tusculan‬‬ ‫‪ -‬هذا موقف شيشرون ينسبه للمشائيين في المناظرات التوسكوالنية‬ ‫‪ 84‬‬
‫‪.Disputations 4.43; cf. §7.1n‬‬
‫‪ -‬الكامبري‪ :‬قبائل جرمانية هددت بالسيطرة على شمال إيطاليا في أواخر القرن الثاني‬ ‫‪ 85‬‬
‫قبل الميالد‪ ،‬وهزم ماريوس التيتونىيين عام ‪ ،102‬وهزم ماريوس وكيونتس كاتيليوس‬
‫ً‬
‫أيضا الكامبري في فيرساليا عام ‪.101‬‬

‫‪181‬‬
‫‪ -‬إن الحديث عن الفضيلة هنا أحرى من الحديث عن بعض الصفات النوعية‪ ،‬وهو يوافق‬ ‫‪ 86‬‬
‫الموقف الرواقي بأن الفضيلة مطلقة ووحدة متكاملة (‪ :)cf. On Clemency 1.5.3‬حيث‬
‫حكيما‪ ،‬والشجاعة والحكمة‬
‫ً‬ ‫شجاعا دون أن يكون معتدلاً أو‬
‫ً‬ ‫ال يمكن للمرء أن يكون‬
‫طرائق متمايزة للفضيلة تعبر بها عن ذاتها‪ ،‬وال ُتجمع الشخصية الفاضلة من عناصر‬
‫منفصلة‪.‬‬
‫‪ -‬قدمت الشعوب غير الرومانية المشاة والفرسان الذين اشتبكوا في المقدمة مع فيالق‬ ‫‪ 87‬‬
‫العدو‪ ،‬والقدح االعتراضي ركز فحسب على “رجال آسيا وسوريا” الذين يعتبرهم‬
‫الرومان صورة نمطية «للين ‪.»molles‬‬
‫‪ -‬اهتزت اإلمبراطورية الرومانية بانتصار حنبعل في كاناي ‪ Cannae‬عام ‪ 216‬ق‪.‬م‪،‬‬ ‫‪ 88‬‬
‫‪Quintus Fabius‬‬ ‫وأكسبت الخطط الموصوفة هنا كوينتوس فابيوس ماكسيموس‬
‫‪ Maximus‬لقب “المؤخر ‪ ،”Cunctator‬وذهب شرف هزيمة حنبعل إلى سكيبيو‬
‫األفريقي وليس فابيوس (انظر الهامش التالي)‪.‬‬
‫‪ -‬استقر حنبعل في ‪ 204‬ق‪.‬م في إيطاليا‪ ،‬وعبر كورنيلوس سكيبيو األفريقي بجيشه إلى‬ ‫‪ 89‬‬
‫أفريقيا‪ ،‬ورجع حنبعل وهزمه سكيبيو في زاما ‪ Zama‬في ‪ 202‬في نهاية الحرب البونية‬
‫الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬أعداؤه بما فيهم فابيوس انظر ‪.Livy 28.40ff., 29.16ff‬‬ ‫‪ 90‬‬
‫‪Publius Cornelius Scipio‬‬ ‫‪ - 91‬بوبليوس كورنيليوس سكيبيو أيميليانوس األفريقي‬
‫‪ Aemilianus Africanus‬حفيد بالتبني لألفريقي األول الذي دمر قرطاجة في نهاية‬
‫الحرب البونية الثالثة ‪ 146‬ق‪.‬م واستولى على نومانتيا ‪ Numantia‬في إسبانيا بعد حصار‬
‫دام ثمانية أشهر (‪.)133‬‬
‫‪ -‬ثيوفراسطس من إريسوس )‪Theophrastus of Eresus (ca. 371–ca. 287‬ترأس‬ ‫‪ 92‬‬
‫األكاديمية بعد أرسطو‪ ،‬والذي اتسعت اهتماماته‪ ،‬ولم نعثر على اآلراء المنسوبة إليه هنا‬
‫في أعماله الممتدة والتي لم تجد اهتما ًما كأعمال أرسطو (‪.).9.2nn ,7.1§§ .cf‬‬
‫‪ -‬عبارة معروفة ترجع إلى إلياذة هوميروس ‪.18.309‬‬ ‫‪ 93‬‬
‫‪ -‬القيود المعرفية للرضع تجعلهم عاجزين عن الغضب‪ ،‬وهو السبب ذاته الذي يمنع‬ ‫‪ 94‬‬
‫الحيوانات من الغضب انظر §‪ .2.10.2 ،2.5§ .3.4n.; cf‬وعن الغضب من‬
‫المسنين والمرضى انظر ‪3.9.4 ،2.19.4‬‬

‫‪182‬‬
‫ ‪95‬‬ ‫‪- Cf. §12.3n.‬‬

‫‪ - -‬الحث على الوعي الذاتي من هذا النوع قضية كبرى في الجزء العالجي من الرسالة‬ ‫‪ 96‬‬
‫انظر ‪.2.28.1ff., 3.12.1, 25.2‬‬
‫‪ -‬راجع ‪ 2.31.7n‬لمعرفة نمذجة عالقة أطرافنا وعالقاتنا باآلخرين كمواطنين تابعين‬ ‫‪ 97‬‬
‫للمدينة الكونية ‪.cosmopolis‬‬
‫‪ -‬هناك ترجمة غير منطقية لرينولدس ‪ Reynolds‬لم نعتدَّ بها‪.‬‬ ‫‪ 98‬‬
‫‪ -‬القصة ذاتها تلتصق بأفالطون (‪ )Riginos 1976:155‬وأرخيتاس التارنتي الفيثاغوري‬ ‫‪ 99‬‬
‫‪the Pythagorean Archytas of Tarentum (e.g., Cicero Republic 1.59,‬‬
‫)‪ ،Tusculan Disputations 4.78, Plutarch Moralia 10D, 551B‬كما ُرويت‬
‫قصص عن أفالطون في ‪ ،6–3.12.5‬حول موضوع التحقق من غضب المرء ‪3.10.1‬‬
‫‪.n‬‬
‫‪ - 100‬مثل النزيف الطبي‪ ،‬انظر § ‪.6.2‬‬
‫‪ - 101‬لمعرفة التالي راجع §‪ 3–6.2‬حيث يقارن سينيكا معالجة القاضي “ للجسد السياسي”‬
‫بالطبيب‪.‬‬
‫‪ - 102‬الشكل الدقيق للكلمات في الالتينية غير دقيق‪ ،‬ولكن المعنى واضح‪.‬‬
‫حكما باإلعدام على ملبس الحداد (‪،)9.12.7 Valerius Maximus‬‬
‫ً‬ ‫‪ - 103‬أعلن القاضي‬
‫وسينيكا هنا يؤدي نفس عبارة الحكم باإلعدام التي أصدرها القاضي “الحلة المعكوسة‬
‫‪،)58.12 reversed garment” (perversa vestis, cf. Petronius Satyrica‬‬
‫ويجب أن يلبس رداء القاضي ‪ magistrate’s toga praetexta‬بالطريقة نفسها (من‬
‫الداخل للخارج)‪ ،‬و ُتخفى الحدود البنفسجية المضيئة بطول الحافة العلوية‪ ،‬ويستدعي‬
‫البوق الناس ليشهدوا ‪.2.32 Tacitus Annals‬‬
‫‪ - 104‬ضرب العنق يسبقه الجلد بالسوط‪ ،‬وهذا هو الشكل المعتاد إلعدام كل من المدنيين‬
‫والعسكريين‪ ،‬وقاتل أبيه ُيسلخ و ُيخيط جلده في سترة فضفاضة مع ديك أو ثعبان أو قرد‬
‫أو كلب و ُيلقى في البحر (‪Cicero On Behalf of Sextus Roscius 30, Digest 48. 9.‬‬
‫‪.)9. pr.; cf. On Clemency 1.15.7, 23.1‬و ُيلقى الخائن من أعلى صخرة تاربيان على‬
‫الكابتول واسمها األسطوري ‪ Vestal virgin Tarpeia‬الذي خان البالط لصالح السابنيز‬
‫‪ the Sabines‬خالل حربهم مع رومولوس ‪.Romulus‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ - 105‬هذه الرقة واللطف يجب أن يختلفا عن الصدمة العقلية‪ ،‬والتي يقال إن الحكيم يجربها‬
‫جزءا ال ينفصل‬
‫في مناقشة “ما يسبق االنفعال” في ‪ .4–2.2‬و ُيجرب الحكيم هذا؛ ألنه ً‬
‫عن طبيعة البشر‪ ،‬واستعارة “الندبة” و”الجرح” (تُنسب إلى زينون هنا)‪ ،‬وتفترض أن‬
‫االستثارة اللطيفة ليست فطرية في بنية اإلنسان بل هي لملمة “جروح”‪ -‬حادث عارض‬
‫َ‬
‫أحمق‪ ،‬ألن “الحكيم ال ُيولد بل ُيصنع”‬ ‫النفعال‪ -‬يعانيه عقل الحكيم حين ال يزال‬
‫(‪.)2.10.6, with On Clemency 1.6.4‬‬
‫‪106 - See §§7.1, 9.2nn.‬‬
‫‪107 - Cf. Natural Questions 5.8.‬‬
‫‪ - 108‬جنايوس كالبورنيوس بيزو ‪( Gnaeus Calpurnius Piso‬قنصل في ‪7‬ق‪.‬م) حكم‬
‫سوريا في ‪ 17‬م‪ ،‬حين أدى صدامه جيرمانيكوس ابن تيبريوس بالتبني إلى موته‪ ،‬وهذه‬
‫)‪proconsul (§3‬‬ ‫الحكاية ُتروى في مرحلة مبكرة من حياته المهنية عندما كان قائدً ا‬
‫متجها إلى أفريقيا‪ ،‬وتتفق صفات العند والعنف التي لقب بها مع الصورة التي‬
‫ً‬ ‫يقود ً‬
‫جيشا‬
‫رسمها تاكيتوس ‪.Annals 2.43.2‬‬
‫َ‬
‫منزلي الرجلين المعدومين كان هد ًفا للطغيان‬ ‫‪ - 109‬وف ًقا لألسطورة التاريخية الرومانية فإنَّ‬
‫‪Spurius Cassius‬‬ ‫في الجمهورية المبكرة‪ ،‬وهذا الشخصان هما سبيريوس كاسيوس‬
‫)‪ (485 BCE‬و سبيريوس ميليوس )‪ُ ،Spurius Maelius (439 BCE‬‬
‫ود ِّمر منزالهما‬
‫بعد موتهما (‪.)Livy 2.41.11, 4.16.1‬‬
‫‪ - 110‬هيرونيموس الرودسي ‪ )Hieronymus of Rhodes (ca. 290–230 BCE‬فيلسوف‬
‫مشائيا‪ ،‬ومن ثم وجد مدرسته‪ ،‬تشتمل كتاباته على بحث عن عدم‬
‫ًّ‬ ‫نشط في أثينا‪ ،‬بدأ‬
‫تغضب ‪ ،On Not Being Angry‬ومطلبه يناقض شناعة محاولة القاتل وسخافته مقارنة‬
‫بإخماد االنفعاالت المصاحبة‪.‬‬
‫• ‪ -‬وهو مجموعة من القضبان أو صولجان ذات شفرة فأس إسقاطية‪ ،‬يحملها أحد‬ ‫ ‬
‫الممثلين لسلطة القاضي‪ ،‬و ُيستخدم رمزً ا للسلة في إيطاليا الفاشية‪.‬‬
‫• ‪ -‬وهو حاجب يحضر القنصل أو قاضي التحقيق‪ ،‬وينادي‪ ،‬وينفذ األحكام على المخالفين‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ - 111‬بيزو يخطف الصولجان – واحدة من حزم القضبان الخشبية التي يحملها المسؤولون‬
‫الرسميون في حضور اإلمبراطور‪ -‬ألن القضيب المركزي خارج روما كان يميل بفأس‪،‬‬
‫وهو يرمز لقوة الحياة والموت‪ ،‬وفي تفصيل سينيكا النابض بالحيوية يريد بيزو أن يؤدي‬
‫الوظيفة نفسها‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫‪ - 112‬تعكس ترجمة جريتس ‪ Gertz‬كلمة ‘كيف فعل ‪ ’quam amentem‬ومخطوطة‬
‫رينولدذ تعكس كلما ‘ما ‪.’quantam‬‬
‫‪113 - Plato Laws 11.934A6-B2.‬‬

‫‪ - 114‬راجع ‪“ Cf. Publilius Syrus E.11‬على المرء أن ينتزع السالح من اإلنسان الغاضب‬
‫وألاَّ يمنحنه إياه”‪.‬‬
‫‪ - 115‬رغم أن عظم النفس ‪ magnitudo animi = Greek megalopsychia‬ليس صفة‬
‫مميزة عند الرواقية‪ ،‬إال أنه أحد األوجه المهمة للفضيلة الرواقية‪ ،‬حيث تمكن مالكوها من‬
‫معرفة ما هو حق بالفعل‪ ،‬وتنظر إلى األشياء األخرى على أنها محايدة‪ ،‬وتصنع أحكا ًما حقة‬
‫لتكون متسقة مع خياراتهم‪ .‬وجعلها شيشرون التالي لبانايتيوس ‪ Panaetius‬الفيلسوف‬
‫الرواقي واحدة من ‘الفضائل الجوهرية ‪ ’cardinal virtues‬األربعة (‪On Appropriate‬‬
‫‪ ،)92–1.61 Actions‬وهي تحل محل الشجاعة‪ ،‬وركز سينيكا في رسالته صمود‬
‫الحكيم على هذه الصفة والتي كان يفرضها بشكل متكرر‪ .‬انظر ‪،3.5.7 ،2.32.2‬‬
‫‪.20.3 ،5–1.5.3 and cf. On Clemency ،32.3‬‬
‫‪ - 116‬يركز سينيكا على قضية مهمة في نظرية االنفعاالت عند الرواقية‪ :‬وهو نوع الرضى‬
‫الذي يصنعها‪ ،‬فالغضب والحزن وما شابه ذلك نتيجة الرضى ‘الضعيف’ النطباعات ذات‬
‫الصلة‪ ،‬وهو ضعيف ألنهم يتشبثون باعتقادات مزيفة وغير متسقة‪ ،‬ويتناقض مع الرضى‬
‫‘القوي’ للحكيم الذي ُيبنى على التماسك الكلي والصدق والمعتقدات الثابتة التي تشكل‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫‪ -‬السطر مقتبس من أتريوس لوكيوس أكسيوس ‪Atreus of Lucius Accius (b. ca.‬‬ ‫‪ 117‬‬
‫(‪On Clemency 1.12.4,‬‬ ‫‪ ،)170‬ويقتبسه سينيكا في مكان آخر عن استبداد الطاغية‬
‫‪ )2.2.2‬وزعم أنه اقتبسه (‪”.)Suetonius Caligula 30.1, cf. §8n.‬زمن سولال” في‬
‫الجملة التالية هو اختصار لثمانينيات قبل الميالد‪ ،‬وهو عقد من الحرب األهلية انتهت‬
‫فيه دكتاتورية سولال الدموية (‪ )81; cf. esp. On Clemency 1.12.1–2‬ولكن سرعان ما‬
‫كتب عنه أتريوس في حوالى ثالثينيات القرن الثاني (‪)implied by Gellius 13.2.2–6‬‬
‫وكان أكسيوس ميتًا في ثمانينيات القرن األول‪.‬‬
‫(‪Suetonius Tiberius‬‬ ‫‪ - 118‬هذه الصيغة من القول استخدمها اإلمبراطور تيبيريوس‬
‫‪.)59.2‬‬

‫‪185‬‬
‫‪ - 119‬الرجل المعني هنا غير معروف ‪.Livy frag. 66 Weissenborn-Müller‬‬
‫‪ - 120‬ابن جيرمانيكوس (‪ )1.18.3 n.‬وحفيد تيبيريوس بالتبني‪ ،‬والذي نجح عام ‪ 37‬أن‬
‫يحكم جايوس يوليوس قيصر قبل أن يُغتال في االنقالب الذي يُلمح إليه سينيكا‪ ،‬وهو‬
‫معروف أكثر من غيره باللقب الذي منحه جنود والده إياه وهو كاليجوال (الحذاء الصغير‬
‫‪ ،)Little Boots‬ووضعه سينيكا في جميع كتاباته كمثال عن الشر المفرط‪ ،‬ويخدم هنا‬
‫مشابها ‪.2.33.3ff., 3.18.3ff., 21.5‬‬
‫ً‬ ‫هد ًفا‬
‫‪ - 121‬عمل قصص إيمائية من التراجيديا اليونانية مصحوبة بالموسيقى والكورس‪ ،‬وهي‬
‫فاجرة الصمت ‪ ،mime‬وهو فن يتطلب مهارة وتدري ًبا فائ ًقا‪،‬لمزيد من اهتمامات كاليجوال‬
‫‪.cf. Suetonius Caligula 54–55.1‬‬
‫‪ - 122‬تحدى أجاكس ألوديسيوس في مباراة مجالدة ‪ ،Homer Iliad 23.724‬وتهكم‬
‫كاليجوال ليس هو المغزى‪ ،‬رغم أنه ُذكر في ‪.Suetonius Caligula 22.4‬‬
‫‪See 3.35.5 with, for‬‬ ‫موضوعا مفضلاً لألخالقيين الرومان‬
‫ً‬ ‫‪ - 123‬كان هوس األغنياء‬
‫‪example, Moral Epistles 89.21, 114.9, 122.8 (forests planted on roofs; cf.‬‬
‫‪.“hang forests in mid-air”), Edwards 1993:137ff‬‬
‫‪ - 124‬يشير سينيكا إلى المقاطعات ‘السيناتورية ‪ ’senatorial‬التي يحكمها القادة‪ ،‬مقابل‬
‫المقاطعات اإلمبراطورية التي يحكمها وكالء عن اإلمبراطور‪ ،‬ومعظم المقاطعات‬
‫السيناتورية كانت في أفريقيا وآسيا‪.‬‬
‫(‪the‬‬ ‫‪ - 125‬أسماء القناصل دخلت العمل في ‪ 1‬يناير في سنة بعينها كقناصل عاديين‬
‫‪ ،)“ordinary” consuls: cf. 3.31.2 n.‬وسجلت في التقويم القنصلي ‪،fasti‬‬
‫واستعملت بعد ذلك لتصف هذا العام كما نستعمل األرقام في تقويمنا‪.‬‬
‫‪ - 126‬يقع الكتاب الثاني في نصفين متمايزين‪ ،‬و ُيفتتح الجزء األول ببحث فلسفي له أهمية علمية‬
‫‪ ،4.2–1.1‬حيث التسلسل المعرفي الذي يشتمل على أي عارض للغضب‪ ،‬ويمضي‬
‫سينيكا §§‪ 17–5‬في اإلجابة على التساؤالت التي يثيرها النقاش النظري حول هذه النقطة‬
‫مع تكرار المسائل التي ُنوقشت في الكتاب األول عن (هل الغضب بهيمى؟§§‪:10–6‬‬
‫هل يشعر الحكيم بأن الغضب شر؟ §‪ :11‬هل الغضب رد فعل لالزدراء؟ §§‪:14–12‬‬
‫هل يمكن استئصال الغضب بالكلية؟ §‪ :17‬هل الغضب نافع؟)‪ ،‬وينتهي بـ ‪ 18‬الجانب‬
‫النظري ويبدأ الجانب العالجي‪ ،‬انظر ‪.§§18–36, §§18.1, 26.1, 31.1nn‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ - 127‬تعنى كلمة وف ًقا لما يراه في الالتينية ‪ sua sponte‬وتساوي كلمة رأيه ‪ iudicio‬التي‬
‫تعني «حكم»‪.‬‬
‫‪ - 128‬كلمة ‘نحن’ تعني الرواقيين ‪.cf. 1.3.3 n‬‬
‫‪ - 129‬يقدم سينيكا مذه ًبا في ‘االستعداد لالنفعال ‪)2.4.1(‘ preparations for passion‬‬
‫أو ما يعرف بـ‪ :‬ما يسبق االنفعال ‪ ،pre-passions‬وهو لفظ ‪ propatheiai‬الذي استعمل‬
‫ألول مرة في المسيحية عند الفيلسوف أوريجين في القرن الثالث الميالدي‪ ،‬وهي مؤثرات‬
‫نفسية ال إرادية‪ ،‬وتماثل كلمة منعكس ‪ reflex‬وهي جزء ال يتجزأ من طبيعتنا البشرية‪،‬‬
‫وحتى الحكيم يختبرها بما هي‪ ،‬ويفسر سينيكا دورها في االنفعاالت في §‪،2–4.1‬‬
‫وقد يرد المفهوم إلى خريسبوس (‪)Graver 1999, 2002b, 2007:85–108‬وهو أول‬
‫من صاغه (‪ ،)cf. also Moral Epistles 11.1, 57.3–6, 71.29‬وقد لمح إليه شيشرون‬
‫في المناظرات التوسكالنية ‪.Cicero Tusculan Disputations 3.82–83‬وكذلك كتب‬
‫(‪Questions on Genesis and Exodus‬‬ ‫عنه فيلون السكندري باختصار قبل سينيكا‬
‫‪ )3.56‬وقد تناوله إبكتيتوس بالتفصيل )‪،Epictetus (frag. 9 = Gellius 19. 1‬‬
‫وكتب عنه في وقت الحق لسينيكا مستقلاًّ عنه‪ ،‬والردود التي تنتسب لهذه المقولة أو‬
‫ما شابهها ُذكرت ساب ًقا وقد تضمن في )‪ ،§3.4 (cf.. also §4.2‬ويبدو فيها خلط ألنها‬
‫سلوكا يشتمل بوضوح إدراكات حسية مع محتوى افتراضي (مثل رد فعل على‬ ‫ً‬ ‫تتضمن‬
‫أخبار سيئة) وهي ال تظهر بوضوح (مثل الرجفة عند رش الماء) ولكنها موحدة بمالمح‬
‫ظواهرتية ‪ُ phenomenological‬‬
‫(مجربة بشكل ال إرادي) ومعرفية (مجربة دون قبول‬
‫لحقيقة االنطباع‪ ،‬وكذلك في االصطالح الرواقي ال إرادية)‪.‬‬
‫‪ُ - 130‬ن ِفيَ شيشرون في ‪ 58‬ق‪.‬م نتيجة القوانين التي مررها بوبليوس كالوديوس‪ ،‬وتوفي‬
‫في ‪ 43‬ق‪.‬م‪ُ ،‬‬
‫وأدرج في قوائم المحظورين التي وافق عليها الحكومة الثالثية ألوكتافيان‬
‫‪ Octavian‬وليبيدوس ‪ Lepidus‬وأنطوني ‪ ،Antony‬وبدأت الصدامات بين ماريوس‬
‫وسولال وأتباعهم في ‪ ،88‬وبلغت ديكتاتورية سولال ذروتها وخطرها في ‪ 81‬وهيمنت‬
‫على السياسة في الثمانينيات (‪ .)cf. §34.3n. with 1.20.4, 3.18.1–2nn.‬واقتنع‬
‫الطفل بطليموس الثالث عشر (‪ )63 .b‬شقيق كليوباترا من خالل معلمه ثيودوتوس‬
‫‪ Theodotus‬والقائد أ خيللياس ‪ Achillas‬ليأمر بقتل بومبي الذي هرب إلى اإلسكندرية‬
‫بعد هزيمته في فارسالوس ‪ Pharsalus‬عام ‪ 48‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪131 - Cf. Horace Art of Poetry 101f.‬‬

‫‪187‬‬
‫‪ - 132‬المعركة البحرية ‘ناموخيا ‪ ’naumachia‬شارك فيها مجرمون مدانون مسلحون‬
‫وأسرى حرب‪ ،‬وكان مشهدًا لم يدمْ قرنًا في روما حين كتب سينيكا هذا البحث‪.‬‬
‫‪ - 133‬هزم حنبعل جيشين رومانيين في كاناي عام ‪ ،216‬ومع أنه صنع خدعة في اتجاه روما‬
‫عام ‪ 211‬ق‪.‬م (‪ )11–26.7 Livy‬فلم يحاصر المدينة‪.‬‬
‫حرفيا ‘نغمة كسينوفانتوس’ التي كان يعزفها‪ ،‬وتتكون من قصب ثنائي استعمل في‬
‫ًّ‬ ‫‪- 134‬‬
‫المواضع العسكرية‪ ،‬وربما لم يكن العازف كسينوفانتوس الذي بلغ أوج سمعته في‬
‫‪ 282/283‬ق‪.‬م (‪ )Plutarch Demetrius 53.2‬بعد وفاة اإلسكندر بأربعين عا ًما‪،‬‬
‫ويحكي ديو خريستوستوم (‪ )Dio Chrysostom (On Kingship 1.1–2‬قصة مشابهة‬
‫عن اإلسكندر وتيمثيوس ‪ Timeotheus‬والمعروف عنه أنه لعب ً‬
‫دورا في زواج اإلسكندر‬
‫(‪.)Athenaeus 12.54 538f‬‬
‫‪ - 135‬حرف ًّيا “أصبحت أطرافه متجمدة” ‪ ،summa riguerunt‬ولكن سينيكا يستعمل‬
‫‪perpetuum‬‬ ‫الصالبة ليدلل على البرد القارص‪ ،‬وهكذا كلمة ‘البرد القارص المستمر‬
‫‪ ’caeli rigorem‬للداللة على المناخ الجرماني (‪.)1.11.3 and often elsewhere‬‬
‫‪ - 136‬لمعرفة المعنى المناسب لكلمة دافع ‪ impetus‬انظر ‪.1.1.1n‬‬
‫‪ - 137‬ربما تكون صياغة سينيكا هنا مضللة طالما أن تسلسل “ االنفعاالت تبدأ ثم تنمو ثم‬
‫تتخذ لها سبيل”‪ ،‬يفترض الحركة الثانية من الحركات العقلية الثالثة التي تصف االنفعال‪،‬‬
‫ولمعرفة معنى سينيكا انظر القسم الثاني في المقدمة‪ ،‬ولمعرفة التسلسل المعرفي المعبر‬
‫ٍ‬
‫بمعان مختلفة بسيطة انظر ‪.113.8 Moral Epistles‬‬ ‫عنه‬
‫‪ - 138‬وهكذا ‪ 3.4‬أعاله‪“ :‬المرء الذي يعتقد أنه تعرض للضرر‪ ...‬يهدأ تتحرك بعض‬
‫األسباب ضده”‪.‬‬
‫‪ - 139‬المثاالن اقترنا بالقسوة ‪ :On Favors 7.19.5f‬أولهما أبوللودوروس طاغية كاساندريا‬
‫‪ Cassandreia‬بمقدونيا (‪ُ )ruled 279–276 BCE‬ربط مؤيدوه به بتوريطهم في‬
‫الوحشية‪ ،‬والثاني فاالريس األكراجاسي ‪ Phalaris of Acragas‬وهو أول طاغية صقلي‬
‫(‪ ،)ruled ca. 570–549‬وأصبح مثالاً للعجل البرونزي الذي حرق فيه أعداءه (‪e.g.,‬‬
‫‪ .)Moral Epistles 66.8, Cicero Tusculan Disputations 2.17–18, 5.75‬وحول‬
‫نوع الوحشية الذي نناقشه هنا راجع ‪.On Clemency 2.4.1–3‬‬
‫‪ - 140‬الرواية ال ُتصدق‪ ،‬ولكن ما ُعرف عن حنبعل أنه ٌ‬
‫مثال للقسوة والخيانة والجشع‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ - 141‬يخاطب الشخص الثاني هنا نماذج “لإلعراض”‪ ،‬وعالمة تحرك المتكلم بمشاعر‬
‫قوية ليتحول عن الموضوع الرئيس لخطابه ويخاطب الفرد الغائب‪ ،‬ولكن سينيكا أخطأ‬
‫في تحديد الهزيمة األخيرة لحنبعل بالقرب من قرطاجة؛ ألنه لم يحارب أكثر من زاما‬
‫شعورا قو ًّيا‪ ،‬مع‬
‫ً‬ ‫)‪ ،Zama (202 BCE; cf. 1.11.6n.‬وهو تسجيل لبالغة أقل من كونه‬
‫أن حنبعل هزم الجيوش الرومانية في مواقع خطيرة مثل بحيرة تراسان ‪ Trasumene‬في‬
‫توساني ‪ 217‬وكاناي في أبيوال ‪ Apulia‬عام ‪.)cf. §2.5, 1.11.5nn.( 216‬‬
‫‪ -‬لوكيوس فاليريوس ميسالال فوليسوس ‪Lucius Valerius Messalla Volesus (cos.‬‬ ‫‪ 142‬‬
‫)‪ 5 CE‬والى آسيا في ‪ 12/11‬حاول أوغسطس أمام مجلس الشيوخ أن ينكل به (‪Tacitus‬‬
‫‪ ،)3.68.1 Annals‬وعن ‘أفعال ملكية’ ُتصنع في الغضب راجع ‪.cf. 3.16.2ff‬‬
‫‪ - 143‬وبالتالي هدف الحكاية التركيز على أفالطون في ‪.3.12.5‬‬
‫‪ -‬يشير سينيكا إلى االنفعاالت الحسنة ‪ eupatheiai‬للحكيم وهي الفرح (;‪gaudium‬‬ ‫‪ 144‬‬
‫‪ )cf. Moral Epistles 59‬الذي يتطابق مع االنفعال العام للبهجة‪ ،‬وهو نتيجة القبول‬
‫الصائب لالنطباع بأن الخير األصيل (الفضيلة) حاضر لذاته‪.‬‬
‫‪ - 145‬رغم أن سينيكا يعامل أفالطون على أنه المفسر األول لسقراط‪ ،‬إال أنه فيلسوف غريب‬
‫عن المذهب الرواقي (‪ ،)cf. 1.6.5‬واتخذ الرواقيون “سقراط العظيم” ليكون سلفهم‬
‫المباشر وتعاملوا معه نموذج للرجل الحكيم ‪ .esp. Long 2002: 68ff‬فعبارته الهادئة‬
‫“حماسيا متقدً ا” ‪(1.20.1 n.), see Moral Epistles 104.28, Cicero‬‬
‫ًّ‬ ‫تصف رجلاً‬
‫‪Tusculan Disputations 3.31 (the same phrasing used by S. here), On‬‬
‫‪.Appropriate Actions 1.90, Giannantoni 1990 vol. 1C65, and cf. 3.11.2‬‬
‫‪ - 146‬ومن المفترض أن تحتوي األحكام حرمان االبن من الميراث‪ ،‬وهي قضية شائعة في‬
‫الخطابات التي يتذكرها والد سينيكا (‪e.g., Controversies 1.1, 1.4, 1.6, 1.8); cf.‬‬
‫‪.On Clemency 1.14.1. 147‬‬
‫حرفيا “من يلبسون التوجا” رمز السالم)‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫‪« 147‬أولئك الذين بلباس مدني» وهو التوجا (‬
‫‪ 148‬هذا النوع من التفكير عند سينيكا يستدعي جملة بلوتوس ‪“ Plautus‬اإلنسان ذئب‬
‫لإلنسان” (‪ )Asinaria 495‬التي استولى عليها هوبز – وهذا السلوك “البهيمي”‬
‫‪On‬‬ ‫الذي يتمسك به سينيكا ال يتفق مع الطبيعة البشرية؛ ألن الحيوانات تدخر أنواعها‬
‫‪.Clemency 1.26.4‬‬

‫‪189‬‬
‫‪149 - - On Clemency 1.8.6, 2.2.3nn.‬‬

‫‪ 48–1.144 Ovid Metamorphoses - 150‬يشير السطر األخير إلى استعمال االبنِ‬


‫التنجيم لتحديد متى يرث ملك أبيه‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ - 151‬هؤالء الذين ُوضعت أسماؤهم في قوائم المحرومين من الحقوق والممتلكات المدنية‬
‫‪.cf. §2.3, 1.2.1, 20.4 nn‬‬
‫‪ -‬عن تسمم اآلبار والينابيع واستعمال “الحرب البيولوجية” في العصور القديمة ‪Mayor‬‬ ‫‪ 152‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ - 153‬الجنس الفموي مدان في األخالق الرومانية (‪ ،)e.g., Richlin 1992:26–29‬ونفر منه‬
‫سينيكا وصد عنه ‪.esp. Natural Questions 1.16‬‬
‫‪ - 154‬كانت المنتديات في زمن سينيكا هي “المنتدى الروماني” (المركز السياسي األصلي‬
‫للمدينة)‪ ،‬و“منتدى جوليان” (الذى أقامه يوليوس قيصر)‪ ،‬و«منتدى أوغسطوس»‪.‬‬
‫‪ - 155‬عن ضعف الشفقة انظر ‪.On Clemency 2.5–6‬‬
‫‪ - 156‬ديمقريطوس األبديري فيلسوف الذرة (‪ُ )b. ca. 460 BCE‬ل ِّق َب بالفيلسوف الضاحك‬
‫أو المبتسم ألنه كتب عن البهجة (‪ )cf. 3.6.3 n.‬ومقارنته بهيرقليطوس األفسوسي (‪b.‬‬
‫?‪ )ca. 540 BCE‬تبدو من صنيع سوتيون )‪ Sotion (Stobaeus 3.20.53‬وهو أستاذ‬
‫‪On the Wise Man’s‬‬ ‫سينيكا‪ ،‬والذي استعمله بالمثل في صمود الرجل الحكيم‬
‫شائعا‪ ،‬وقابلية المقارنة مشكوك فيها؛ ألن التراث‬
‫ً‬ ‫‪ ،Consistency 15.2‬وأصبح الح ًقا‬
‫ً‬
‫وباغضا للناس (‪Pliny Natural History‬‬ ‫متغطرسا ومتقل ًبا‬
‫ً‬ ‫يبين أن هيرقليطوس كان‬
‫بشرا ينبغي‬
‫‪ )7.79–80, Diogenes Laertius 9.1–17‬في حين قال ديمقريطوس «لكوننا ً‬
‫أن نبكي وألاَّ نضحك في مصائب البشر» (‪.)frag. 68B107a Diels-Kranz‬‬
‫جميعا أن نكون حكماء من ناحية المبدأ‪ ،‬وهكذا ُجسد المثال‬
‫ً‬ ‫‪ 157‬ترى الرواقية أنه بإمكاننا‬
‫بشرا حققوا هذه الحالة في مسائل مختلفة (‪ ،).8.1n§ .cf‬وعدد‬
‫اإلنساني‪ ،‬وحددوا ً‬
‫الحكماء الرواقيين أقل من القديسيين المسيحيين‪.‬‬
‫‪ - 158‬ال تشير وجهة نظر سينيكا إلى أن الرذيلة “توافق الطبيعة”‪ ،‬والبشر بطبيعتهم عرضة‬
‫للخطأ ولديهم قدرة على التعديل‪ :‬على العكس من ‪13.1‬وقارن ‪.31.5‬‬
‫(‪Cicero Tusculan Disputations‬‬ ‫‪ - 159‬صورة من الوقاية “بروز الشرور للمجيء”‬
‫‪ ،)3.29‬الموصى بها كوسيلة لتقليل أثر األشياء غير المتوقعة (‪cf. §31.2, Consolation‬‬

‫‪190‬‬
‫عندهم أو تفردوا به (‪see‬‬ ‫‪ :)to Polybius 11‬وهو عالج رواقي معروف‪ ،‬ولم يكن أصيلاً‬
‫‪.)Graver 2002a: 96–97‬‬
‫‪ - 160‬الفقرة الالتينية بها تشوه‪ ،‬ولكن معناها كذلك‪.‬‬
‫‪Decimus‬‬ ‫‪ - 161‬دعا يوليوس قيصر عام ‪ 46‬ق‪.‬م الديكتاتور ديسيموس البيريوس(‬
‫‪)Laberius b. ca. 106 BCE‬وهو فارس روماني وكاتب ساخر ليقوم بأعمال خاصة‬
‫تحط من مكانته كفارس (‪Macrobius Saturnalia 2.7.1–5; cf. Suetonius Julius‬‬
‫‪ )Caesar 39.2‬ويذكر شيشرون الموضع ذاته ‪–2.24 On Appropriate Actions‬‬
‫‪.25‬‬
‫‪162 - Mynors 1990:236, and cf. On Clemency 1.12.5.‬‬

‫‪163 - Lions: Pliny Natural History 8.52. Elephants and pigs: Plutarch‬‬
‫‪Moralia 537C, Aelian On Animals 1.38.‬‬

‫‪ - 164‬وف ًقا لديوجين الالئرسي ‪ Diogenes Laertius 8.20‬تجنب فيثاغورس الضحك‪،‬‬


‫‪Lucius Licinius Crassus (b. 140‬‬ ‫ويقول بليني إن لوكيوس ليكينوس كراسيوس‬
‫ً‬
‫ضاحكا (‪ ،)Natural History 7.79‬في‬ ‫)‪ BCE‬لم يشاهد شيشرون الخطيب والمرشد‬
‫(‪Cicero‬‬ ‫حين أن مقارنة كراسيوس تقول إن معاصره لوكيليوس منحه ضحكة واحدة‬
‫‪.)On Ends 5.92, Tusculan Disputations 3.31‬‬
‫‪ - 165‬يذكر بليني في التاريخ الطبيعي ‪ Natural History 7.78‬رجلاً أمره األطباء بعدم‬
‫شرب سائل من الطفولة حتى الشيخوخة‪.‬‬
‫‪ - 166‬كال الطريقين –صعب في الوصول إلى الهدف المنشود‪ -‬وهما شائعان منذ األيام‬
‫واألعمال لهزيود ‪ Hesiod Works and Days 287–92‬وتطورا بوضوح في “اختيار‬
‫هيروكليس» (‪ ،)Xenophon Memorabilia 2.1.21ff.‬ولمعرفة الطريق “الحاد” انظر‬
‫‪.Otto 1890:36, Nisbet and Rudd 2004:289‬‬
‫حرفيا حياة الحظ‬
‫ًّ‬ ‫‪ - 167‬الجملة التي يستعملها سينيكا ‘الحياة السعيدة ‪ ’beata vita‬تعني‬
‫‪ ،fortunate life‬راجع مقالة بالعنوان نفسه‪ ،‬وهذا هو المستوى المعياري لليوديما‬
‫اليونانية ‪ the Greek eudaimonia‬الذي استقى منه أرسطو واألبيقورية والرواقية‬
‫هدفهم‪ ،‬واختلفوا في الدفاع عنه ووصف وسائل تحقيقه‪ :‬ويمكن تفسيره بالسعادة أو‬
‫االزدهار أو كما هو هنا “أفضل حياة لإلنسان”‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ - 168‬راجع تأمل سينيكا على حماقة البشر ‪.On the Brevity of Life 2‬‬
‫‪ - 169‬يقبل سينيكا بلطف الحاجة إلى تخويف اآلخرين – مما يجعلهم يجربون االنفعال‬
‫على أنه معيب للرواقي مثل الغضب الذي يستنكرونه‪ -‬ويتفق مع اإلجهاد الذي يمارسه‬
‫الباحث في العالج العملي (راجع الخوف المستعمل في تربية األطفال ‪ 21.8‬أو مكافحة‬
‫(‪cf.‬‬ ‫الغضب ‪ )3.39.4‬والعدوانية حتى في النغمة التهديدية التي يتبناها المعلم الرواقي‬
‫‪.)Long 2002: 52ff. onEpictetus‬‬
‫‪ - 170‬وهذه هي أجسادهم‪ ،‬ومن الواضح أن سينيكا يفكر في المالكمين‪.‬‬
‫‪ - 171‬بيروس ‪ Pyrrhus‬ليس معروفًا‪ ،‬ويشير سينيكا إلى نقطة مماثلة عن المجالدين في‬
‫‪.1.11.1‬‬
‫دفاعا عن الشرف‪ ،‬وفي األخالق‬
‫‪“ - 172‬نطاق الحرية الكاملة” يتضمن القدرة على االنتقام ً‬
‫الرومانية التراثية الشخص الوحيد الذي يتوقع تحمل اإلهانات هو العبد الذي ليس له‬
‫حقوق مدنية‪ ،‬وسينيكا يساوي العبد الذي ليس له حقوق مدنية مع المنفي الذي فقد‬
‫حقوقه المدنية‪.‬‬
‫‪ - 173‬عن قوة غضب البرابرة ونتائجه العكسية‪ .‬انظر ‪.4–1.11.1‬‬
‫‪ - 174‬الرذائل ‪vitia‬؛ ألنها كلها انفعاالت‪ ،‬ولكنها ليست مدمرة كالغضب‪.‬‬
‫‪Moral Epistles‬‬ ‫‪ - 175‬سينيكا مغرم بهذه الحكمة الساخرة ‪ epigram‬وهي متناثرة في‬
‫‪.40.4, 94.51‬‬
‫‪ FLP Anonymus frag. 24 - 176‬الشاعر غير معروف‪ ،‬ولكن من المحتمل أنه بعد أوفيد‪،‬‬
‫(والجملة األولى تشير إلى ‪)Metamorphoses 15.85‬‬
‫‪ - 177‬لمعرفة التأمل المناسب ألعمال الرب راجع ‪،On Leisure 4.2, On Favors 4.4–8‬‬
‫انظر ‪Cicero‬‬ ‫ولرؤية وجهة نظر الرواقية بأن البشر موجودون “للتأمل ومحاكاة العالم”‬
‫‪.On the Gods’ Nature 2.37‬‬
‫‪ - 178‬يرى شيشرون في أعماله الخطابية أن عدم عرض االنفعاالت المناسبة يدمر العلة‬
‫الدافعة (‪ ،)esp. Brutus 278–79‬وهو يميل إلى أن عرضها بشكل مقنع يتطلب تجربتها‬
‫(‪ ،)esp. On the Orator 2.188–96, cf. Orator 132‬وفي عمله الرواقي المتأخر يتفق‬
‫مع سينيكا (‪.)Tusculan Disputations 4.55‬‬
‫‪ - 179‬تتناول بقية الكتاب الثاني الجانب األول المحدد في “تقسيم” الموضوع‪ ،‬والثاني من‬

‫‪192‬‬
‫بين الموضوعات التي يتناولها الكتاب الثالث‪ ،‬رغم أن مناقشة الوقاية في الكتاب الثاني‬
‫ال تفرق بوضوح بين األشكال العرضية واألساسية للغضب (‪ ،)cf. 1.4.1n.‬والمالحظات‬
‫في ‪ 21–19‬حول تربية األطفال تهدف بوضوح إلى منع التصرف الغاضب من التطور‪،‬‬
‫مرارا “ على أن‬
‫بينما المالحظات في ‪ 34–22‬تهدف إلى تجنب نوبات الغضب بالتأكيد ً‬
‫أعظم عالج للغضب هو التأخير” ‪.29.1‬‬
‫‪“ - 180‬مقاومة الغضب” تجيب على الهدف السابق “ عدم الوقوع في الغضب”‪ ،‬و”تقييد‬
‫الغضب” تماثل “ال تخطئ وأنت غاضب”’ حيث إن سينيكا (إن كان متواف ًقا مع الذات)‬
‫يجب أن يقصد العبارة السابقة ليعني “ تقييد سلوكنا في الغضب” بعد أقر بالفعل أن‬
‫حقيقيا فال يمكن أن ُيقييد (‪)cf. esp. §4.1, 1.7.4‬‬
‫ًّ‬ ‫الرأي هو الغضب ذاته إذا كان غض ًبا‬
‫وهو الجزء األول للتماثل الطبي (حفاظ الصحة) وهو مجرد نسخة إيجابية ل”ال تقع في‬
‫الغضب”‪ .‬والجزء الثاني “استعادة الصحة” وهو ال يجاري العناصر األخرى هنا أو في‬
‫ميزان العمل‪ ،‬الذي يكاد ال يقول شيئًا عن “العالج” ولكن يقترب من الغاضب على أنه‬
‫مشكلة في ضبط الضرر‪.‬‬
‫‪ - 181‬إن االعتقاد بأن كل شيء في العالم المحسوس مزيج للكيفيات األربعة (الحار والبارد‬
‫والجاف والرطب) وله أربعة جذور أو عناصر (األرض والهواء والنار والماء) يرجع إلى‬
‫أمبادوقليس األكراجسي )‪ ،Empedocles of Acragas (b. ca. 492‬وقبله أرسطو وصار‬
‫رأ ًيا سائدً ا في العصور القديمة ‪.Cf. 3.9.4n‬‬
‫‪ - 182‬هذا يشبه التعريف ‘العلمي’ الذي قدمه أرسطو للغضب في ‪،On the Soul 403a31f‬‬
‫ونحن ال نعلم أن الرواقيين عقدوا على هذا الرأي مع أنه متوافق على سبيل المثال مع‬
‫تحديد “المبدأ الحاكم” للعقل في الصدر (‪ ،)1.3.7n.‬ومع وصف خريسبوس للغضب‬
‫على أنه “ارتفاع في بخار من القلب‪ُ ،‬يجبر على الخروج وينفخ على الوجه واليدين”‬
‫(‪ SVF 2.886‬والشكر لمارجريت جرافير لتوجيهي لهذه الفقرة)‪.‬‬
‫‪.Cf. 1.2.4 - 183‬‬
‫‪ - 184‬يذكر أرسطو المقوالت بشيء مماثل لهذا األثر ‪.Rhetoric 2.2 1379a16ff‬‬
‫‪ ،Plato Laws 2.666A2–6 - 185‬ولكن سينيكا في ‪ 19.4‬يرى أن طبائع األطفال (والنساء)‬
‫رطبة (ترتبط بالعنصر السلبي وهو الماء)‪.‬‬
‫‪ - 186‬هذا يناقض العبارة في ‪ ،19.4‬ولكن الحديث عن الغضب هنا ربما يعني سينيكا به‬

‫‪193‬‬
‫“الغيظ ‪ ”wrathfulness‬التصرف القوي للغضب (‪ ،)1.4.1n.‬ويتبادل الكتاب الرومان‬
‫في االستعمال العفوي كلمات الغضب ‪ ira‬والغيظ ‪ iracundia‬بمعنى واحد‪.‬‬
‫‪ - 187‬األطفال الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ و ُتو ِّفي والدهما ُيوصى عليهم القبيلة‪ ،‬و ُيطلق‬
‫عليهم عادة إرادة األب‪.‬‬
‫‪ - 188‬المربي ‪ paedagogos‬هو عبد يخدم جسد الطفل ويرافقه إلى المدرسة (وسينيكا يفكر‬
‫خالل هذه المالحظات فقط في أطفال أسر النخبة)‪ ،‬وتركيز سينيكا هنا على أثر الترف في‬
‫‪.4–25.1‬‬
‫‪ - 189‬لمعرفة الخوف “النافع” انظر ‪.cf. §14.1n‬‬
‫‪ - 190‬شهدنا الحكاية في مكان آخر‪.‬‬
‫‪ - 191‬انظر تعريف الغضب عند سينيكا ‪ ،1.2.3n‬وكل من التعريف ومالحظات سينيكا ُتؤخذ‬
‫هنا لمعتقدين رئيسين وهما‪ :‬إن العرض للظلم شر‪ ،‬وإن االنتقام لظلم شيء محمود‬
‫(انظر مقدمة القسم الثاني والثالث)‪ ،‬ومناقشة “التعرض للظلم” تبدأ هنا من خالل §‪.25‬‬
‫رواقيا بل انظر‬
‫ًّ‬ ‫والسطر الذي يقول فيه – إن الغضب ينشأ من سوء تقدير الخطأ‪ -‬ليس رأ ًيا‬
‫‪.Aristotle Rhetoric 2.3 1380a9ff‬‬
‫متكررا §‪.7–3.12.4 ،29.1‬‬
‫ً‬ ‫موضوعا‬
‫ً‬ ‫‪ - 192‬تصبح فائدة التأخير‬
‫‪ - 193‬هيبياس طاغية أثينا (‪ )ruled 527–510 BCE‬وقد استجلبناه من قصة أخيه‬
‫هيبارخوس ‪ Hipparchus‬وهارموديوس ‪ tyrannicides Harmodius‬وأريستوجيتون‬
‫)‪ ،Aristogiton (Herodotus 5.55f., Thucydides 1.20, 6.54f.‬وعادة لما تعين هذه‬
‫القصة لهارموديوس المقيم في صقلية‪ ،‬وأحيانًا لبارمنيدس تلميذ زينون اإليلي كبطل كما‬
‫هو معروف عند ‪.Valerius Maximus 3.3(ext.).2, Diogenes Laertius 9.26‬‬
‫‪ -‬حُكيت هذه القصة في كورتيوس روفوس ‪Curtius Rufus 3.6.4ff. (cf. Plutarch‬‬ ‫‪ 194‬‬
‫‪)Alexander 19.3–5‬حيث إن بارمينيو اإلسكندر الثاني من أعلن التحذير‪.‬‬
‫‪.2–3.17.1 - 195‬‬
‫‪ Pliny Natural History 7.94 - 196‬وأضف أن قيصر فعل الشيء نفسه عندما استولى على‬
‫برقيات سكيبيو ناسيكا ‪ Scipio Nasica‬في ثابسوس ‪ ،Thapsus‬وتمدح رحمة سينيكا‬
‫هنا سمت متعارف عليه بين أصدقاء قيصر وأعدائه على حد سواء (‪for a survey, see‬‬
‫‪،)Konstan 2005‬ولكن القيصر غاب في كتاب الرحمة لسينيكا‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪ - 197‬سينيكا بخالف ذلك يعتقد أن “الغضب المعتدل” مستحيل‪ ،‬على سبيل المثال‬
‫‪.1.10.4‬‬
‫‪On the Wise Man’s Consistency‬‬ ‫‪ - 198‬لقائمة مماثلة للخالفات االجتماعية انظر‬
‫‪.10.2‬‬
‫‪ - 199‬مينديريدس ‪( Mindyrides‬أو سمينديريدس ‪ )Smindyrides‬السيبيري من جنوب‬
‫إيطاليا (‪ ،)early sixth century BCE‬وكان مثالاً للرفاهية في أواخر القرن الخامس‬
‫(‪ ،)Herodotus 6.127.2‬وهيردوت الكاتب الالتيني الوحيد الذي ذكره‪.‬‬
‫‪On‬‬ ‫‪ - 200‬مصدر الترف الروماني الوحيد لالنتعاش والهدف األفضل لألخالقيات‪:‬‬
‫‪Providence 3.13, Moral Epistles 78.23, Natural Questions 4b.13.7–8,‬‬
‫‪ .Pliny Natural History 19.55, 32.64‬وعده بلوتارخ من بين الترف الذي ينتج‬
‫تصرف الغضب (‪.)Moralia 461B‬‬
‫‪ - 201‬الجملة “تقسيم “ صوري لموضوع المعالجة في §§‪“ 30–26‬أولئك الذين حتى‬
‫ال يخطؤننا” بما فيها موضوعات الجماد أو موجودات تفتقر إلى القصد (§‪)6–26.2‬‬
‫وموجودات تفتقر إلى القصد الرديء (§‪ .)27‬وفي معالجة “ أولئك الذين ال ُيخطؤننا”‬
‫يتحول سينيكا من المخطئون الظاهرين إلى ذواتنا كضحايا ظاهرين §‪ ،28‬فهل نحن نثق‬
‫في ثوابتنا األخالقية؟ §‪ ،29‬وهل نوقن بالحقائق؟ §‪ ،30‬وهل نضع شخصية المخطئ‬
‫الظاهر في الحسبان؟‬
‫‪ -‬تستدعي الجملة خريسبوس حول غضبنا الال عقالني في الموضوعات البليدة ‪SVF‬‬ ‫‪ 202‬‬
‫‪ ،.3.478‬والشكر لمارجريت جرافير على هذه اإلشارة‪.‬‬
‫‪ - 203‬حول هذا التأكيد انظر ‪.§30.1, 3.12.2, 3.26.1, and cf. 1.3.1‬‬
‫‪ - 204‬سينيكا يعني النساء اللواتي لهن طبيعة رطبة مثل األطفال (‪.)2.19.4‬‬
‫‪ - 205‬يلبي النظام الطبيعي حاجات اإلنسان (‪ ،)On Favors 6.23.3‬ولكن لم يؤسس لهذا‬
‫الغرض‪.‬‬
‫‪ - 206‬حول هذا الفكر راجع ‪.cf. 1.14.2‬‬
‫‪ - 207‬في المذهب الرواقي “األفعال الحقة” هي في اليونانية ‪ katorthômata‬ويمكن‬
‫السعي لها (‪،)cf. 1.6.4n.‬والحكماء فحسب هم القادرون على البحث عنها‪ ،‬والبقية‬
‫منا يهدف إلى اختيار “األفعال المناسبة” وهي في اليونانية ‪ kathēkonta‬وتساوي في‬

‫‪195‬‬
‫الالتينية ‪ ،officia‬والمقولة التي تخص هذه القاعدة‪ ،‬حول مفهوم االختيار انظر ‪Graver‬‬
‫‪.2002a:167–68‬‬
‫حرفيا “األقراص العامة”‪ :‬حيث إن كل القوانين الرومانية مدرجة على أقراص برونزية‬
‫ًّ‬ ‫‪- 208‬‬
‫لعرضها على العام على الدوام‪.‬‬
‫‪ - 209‬مثال ضعيف‪ ،‬فالخطأ لم ُيقترف لمصلحته‪ ،‬بل كوسائل لبعض الغايات األخرى‪ ،‬لذا‬
‫فهو ال يزال خطأ وقد اقتُرف عمدًا‪ ،‬راجع مثال خريسبوس لسباق الجري ‪ footrace‬في‬
‫كتاب ‪.Cicero On Appropriate Actions 3.42‬‬
‫حرفيا “ ما نخلفه وراءنا” من قول مأثور ‪”:cf. Catullus 22.20–21‬فكل منا يحدد‬
‫ًّ‬ ‫‪- 210‬‬
‫نوعا له من الفشل‪ ،‬ولكن ال نرى الحقيبة التي نحملها على ظهورنا” ‪.Otto 1890:209‬‬
‫ً‬
‫‪211 - Cf. §22.2, 3.12.4–7.‬‬

‫‪ - 212‬تعكس الترجمة حذف هاسي ‪ Haase‬للمخطوطات غير الممكنة المشكوك فيها‪.‬‬


‫‪ - 213‬شيء ما كان يفعله نوفاتوس من آن آلخر كحاكم للمقاطعة‪.‬‬
‫‪ - 214‬وهذا يعني حقيقة أننا في دينه ‪ – his debt‬وهو بالنسبة للرومان موقف دونية‪ -‬يستميلنا‬
‫لالستياء منه‪ ،‬ويتطلب علم النفس االجتماعي الروماني للدين أن نتحول للفعل بمهارة‬
‫(‪ )esp. On Favors 2.2ff.‬أال نسيء للمتلقي بإبراز حاجته‪.‬‬
‫‪ - 215‬المبدأ السقراطي القائل من السوء أن تفعل أكثر من معاناة الضرر‪ -‬الحجة األخالقية‬
‫األساسية ألفالطون في جورجياس والجمهورية‪ -‬هو محور األخالقيات الرواقية ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ - 216‬من المفترض أن سينيكا عرض في التعريف في الجزء المفقود من النص في بداية‬
‫الكتاب األول معيار “اإلنصاف” الذي يكون في أي حالة‪ ،‬وهو حاضر في تعريف‬
‫بوزودنيوس الذي اقتبسه سينيكا في ‪ ،1.2.3n‬وهذا االفتراض هو أن الغضب استجابة‬
‫لضرر يكمن خلف نقاشه بأكمله‪.‬‬
‫‪ - 217‬االنتقال من الحاالت التي يظهر فيها الضرر إلى حاالت يتحول فيها السؤال عن‬
‫اإلنصاف ومسألة الواقع‪ ،‬ويميز سينيكا بين األشياء التي ُيحكم بأنها غير عادلة ألنها “غير‬
‫مستحقة” واألشياء التي ُيحكم بأنها غير عادلة ألنها “غير متوقعة”‪ ،‬وهو يذكرنا بأن ما‬
‫هو غير متوقع يمكن أن يتعارض مع غير مستحق ح ًّقا (§‪ .)5–31.1‬ويجول سينيكا في‬
‫الكتاب بحجج مناسبة تستأنف الحجج التي صنعت في الكتاب األول (‪.)§31.6n.‬‬
‫‪Aristotle Rhetoric 2.2 1379a24–26. On‬‬ ‫‪ - 218‬حول األثر غير المتوقع للغضب‬

‫‪196‬‬
‫;‪passions more generally, see esp. Cicero Tusculan Disputations 3.52ff.‬‬
‫‪cf. Plutarch Moralia 449E, 463D. Diminishing this effect was one of the‬‬
‫‪.aims of the “rehearsal of evils to come”; see §10.7n‬‬
‫‪Consolation to Marcia‬‬ ‫‪ - 219‬فابيوس هو المتأخر ‪ 1.11.5n‬وللجزء األخالقي راجع‬
‫‪.9.5, On Tranquility 11.9‬‬
‫‪ - 220‬لم يقصد سينيكا أن وجود الخائن “وف ًقا للطبيعة”ولكن طبيعتنا اإلنسانية الخيرة‬
‫معيار ًّيا تتحول إلى غايات شريرة (“مشوهة” ‪C5241.indb 117 4/12/10 2:00:22 PM‬‬
‫‪ )§8 below‬من قبل أفراد البشر (‪ )cf. §7.2ff.‬ويضع في ‪ 3.26.4‬عبارة قوية “ بما أننا‬
‫أشرار نحيا بين الشر”‪.‬‬
‫‪ - 221‬بعد معالجة سينيكا لسؤال ما يتعلق “وف ًقا للطبيعة” (§‪)8–31.6‬يتحول سينيكا إلى‬
‫سؤال يشبه هذا تما ًما ليستدعي اهتمام القارئ §‪ :32‬وهو ما الذي ينعكس عليك كروح‬
‫متقدة وشخص مثير لإلعجاب؟ §‪ :35.2–33‬وما السلوك المالئم سواء في التعامل في‬
‫معاملة ما هو سا ٍم أو في عالقاتك االجتماعية عمو ًما؟ §‪ :36.6–35،3‬أو ما السلوك‬
‫الذي يصبح صح ًيحا؟‬
‫‪ - 222‬هذا عرض بهلواني ‪.cf. Martial 5.31‬‬
‫‪ - 223‬حرف ًّيا “المدينة األعظم”‪ -‬مشيرًا إلى االختالف الذي أشار إليه زينون بين مجتمعاتنا‬
‫المدنية األرضية والمجتمع الكلي الذي يتشارك فيه األرباب والبشر كمخلوقات عقالنية‪،‬‬
‫وبهذا نكون كلنا مرتبطين بعضنا بعض (‪ ،)cf. 3.43.2‬وينبغي لمجتمعاتنا التي على قلب‬
‫واحد أن تكون “وف ًقا للطبيعة”‪ ،‬وال تعمل ألجلنا فحسب ولعائالتنا أو مواطنينا بل لكل‬
‫جنس البشر (انظر المالحظة التالية)‪ ،‬والحقيقة يمكن فهم نظام العالم العقالني كمجتمع‬
‫واحد على نجو حسن (‪ ،)Cicero On Ends 3.64‬ومن هنا نادى سقراط بأنه “مقيم‬
‫ومواطن للعالم كله” (‪Cicero Tusculan Disputations 5.108; cf. On Tranquility‬‬
‫‪4.4, Epictetus Discourses 2.10.3 = LS 59Q3, and S.’s On Leisure 4.1 = LS‬‬
‫‪.)67K‬‬
‫‪ - 224‬لمعرفة “إمكان االجتماع الطبيعي” راجع ‪ ،cf. 1.5.2n‬ولمعرفة تمثيل األطراف‬
‫للجسد ما لمواطنين للمدينة ‪( cf. 1.15.2 and esp. Livy 2.32.9–11‬مثال مينينيوس‬
‫أجريبا)‪ ،‬وقام مبدأ النزوع ‪ oikeiôsis‬أو ‪ appropriation‬بعمل التماثل لألخالق الرواقية‬
‫والفكر االجتماعي؛ ألننا منذ نعومة أظفارنا ونحن ننزع نحو حيواتنا وأجسادنا‪ -‬وهذا‬

‫‪197‬‬
‫(‪cf. Moral Epistles‬‬ ‫يجعلهم موضوعات مثيرة لالهتمام وتضمن لهم وجو ًدا حسنًا‬
‫‪ -)14.1‬وكما ينضج في عقلنا نرى أن اآلخرين يحق لهم نفس الحالة كموضوعات‬
‫لالهتمام تستحق التزامنا (‪.)cf. esp. Stobaeus 4.671.7–673.11 = LS 57G‬‬
‫‪ - 225‬راجع ‪ 1.19.7‬حيث يشير سينيكا إلى فكر أفالطون‪.‬‬
‫‪ - 226‬بمقابلة االنفعال الرديء والعادي؛ فإن “الخوف” و «الحذر» هو “انفعال حسن”‬
‫(‪ – )eupatheia; cf. §6.2.n.‬تقلص العقل عند احتمال الشر الحق (الرذيلة)‪ -‬و ُيختبر‬
‫بشكل مناسب من الرجل الحكيم‪.‬‬
‫‪ - 227‬ماركوس بورسيوس كاتو )‪ 227. Marcus Porcius Cato (b. 95 BCE‬السيناتور‬
‫المحافظ ورجل الدولة‪ ،‬وكان أكثر الرواقيين شهرة في أواخر الجمهورية‪ ،‬وح ًّقا كان رمزً ا‬
‫للسلطة األخالقية العظيمة عندما فضل االنتحار بدلاً من أن يقبل رحمة القيصر بعد معركة‬
‫ثابسوس )‪ ،Thapsus (46 BCE‬وزادت مكانته لنموذج للحماسة المتقدة في األجيال‬
‫الالحقة‪ ،‬ويستشهد به سينيكا هنا كنموذج يتجاوز الزمن‪ ،‬وتظهر الحكاية مرة أخرى‬
‫‪ ،3.38.2‬ويروي سينيكا هذه القصة في ‪.On the Wise Man’s Consistency 14.3‬‬
‫‪ - 228‬الصورة تتكرر في ‪.3.25.3‬‬
‫‪ - 229‬سينيكا يجيب عن هذه الحجة في §‪.11.1‬‬
‫‪ - 230‬لتطبيق هذا المبدأ انظر قصة هارباجوس ‪ .Harpagus 3.15.1‬وقيل إن سينيكا كان‬
‫“شكرا” (‪.)Tacitus Annals 14.56.2‬‬
‫ً‬ ‫يختم كل مقابالته بنيرون بقول‬
‫‪ - 231‬لمعرفة اإلمبراطور جايوس (كاليجوال) انظر ‪ ،1.20.8n‬ولمعرفة رد فعله العنيف على‬
‫مالبس اآلخرين وشعرهم انظر ‪،Suetonius Caligula 35.1–2; and see ibid. 50.1‬‬
‫وحساسيته لفقد شعره‪.‬‬
‫‪ - 232‬هذه سخرية‪ ،‬والدعوة مرتبطة فحسب بالبشاعة‪.‬‬
‫ً‬
‫مخلوطا بالماء على‬ ‫‪ - 233‬لم يكن النخب في وقت مناسب وغير معتاد فحسب‪ ،‬بل لم يكن‬
‫النقيض من العرف الروماني‪ ،‬حيث يقول سينيكا الح ًقا إن المشروبات كانت “محترمة‬
‫بالكاد” في أفضل الحاالت‪ ،‬وكان الولع بالخمر غير المخلوط رذيلة انظر ‪.3.8.1‬‬
‫‪ - 234‬دعا بريام الطروادي ‪ Priam of Troy‬أخيللوس‪ ،‬وسعى لفداء جسد ابنه هكتور في‬
‫نهاية اإللياذة (‪.)24.477ff.‬‬
‫‪ - 235‬وهكذا يعلق سينيكا على حالة مماثلة ‪ Praexaspes‬في ‪.3.14.3‬‬

‫‪198‬‬
‫‪ - 236‬يرى سينيكا أنه يمكن التحقق من الغضب فحسب من خالل آخر وبانفعال موا ٍز في‬
‫“االنفعاالت الشريرة والحليف الخائن” (‪ ،)1.10.1 .1.8.7, cf‬ولكن اإلخالص‬
‫لألسرة ‪ pietas‬فضيلة‪.‬‬
‫رئيسا في ‪On Clemency; cf.‬‬
‫دورا ً‬
‫‪ -‬تلعب الحجة القائلة إن الرحمة مناسبة للرحيم ً‬ ‫‪ 237‬‬
‫‪.also 3.16.2‬‬
‫‪ - 238‬كانت العدوات الشخصية الموروثة شائعة في طبقة سينيكا‪ ،‬وحرم سولال األحفاد‬
‫الذكور أن يلتحقوا بالمنصب العام حتى ‪ ،49 BCE‬وهو جيل بالكامل بعد التحريم‪.‬‬
‫‪Tacitus‬‬ ‫‪ - 239‬قارن كالم كالوديوس بشأن قبول مواطنين من الغال في مجلس الشيوخ‬
‫‪.Annals 11.24‬‬
‫‪ - 240‬يُلمح سينيكا إلى تمثيل خريسبوس بين الرجل الغاضب والعداء الذي لديه صعوبة‬
‫أكبر من الشخص الماشي في التوقف وتغيير االتجاه انظر ’‪Galen On Hippocrates‬‬
‫‪.and Plato’s Doctrines 4.2.10.16 = LS 65J7‬‬
‫‪ - 241‬هذا هو غضب ألكاتو ‪ Allecto‬في إنيادة فيرجيل ‪ Vergil Aeneid 7.323ff‬والذي‬
‫اقترح تفاصيل ذكرت آن ًفا ‪.cf. esp. Aeneid 7.349ff., 447–49, 456f‬‬
‫‪ - 242‬من المؤكد أن الشطر الثاني من ‪ 8.702 Vergil Aeneid‬واألول يستدعي‬
‫شبها بالحرب األهلية للوكان ‪Lucan Civil War 7.568‬‬
‫‪ 8.703‬بل أقرب ً‬ ‫‪Aeneid‬‬
‫رغم أن هذه القصيدة لم تكن مكتوبة عندما ألف سينيكا هذه الرسالة‪ ،‬ويبقى أصل الشطرة‬
‫مثيرا للجدل‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ - 243‬كينتوس سيكتوس ‪ Quintus Sextius‬فيلسوف روماني ظهر في العصر األوغسطي‪،‬‬
‫أخالقيا أصيلاً يمزج بين الفيثاغورية والرواقية‪ ،‬وكان من أتباعه بابيريوس‬
‫ًّ‬ ‫وضع نظا ًما‬
‫فابينوس ‪ Papirius Fabianus‬وسوتيون ‪ ،(Sotion (cf. §10.5n‬وكالهما َّ‬
‫علم سينيكا‬
‫في شبابه‪.‬‬
‫‪ - 244‬العقل في ذاته عند الرواقية مادي (انظر المالحظة التالية) ولذلك هو غير مرئي‪ ،‬سينيكا‬
‫يتحدث عن معاني الحس المشترك‪.‬‬
‫‪ “ - 245‬يشق العقل طريقه عبر أنسجة الجسم؛ ألن الرواقيين اعتقدوا أن العقل مركب من‬
‫مادة لطيفة غازية (البنيوما اليونانية) ويرتكز في الصدر (‪ )cf. 1.3.7n.‬ويمتد خالل الجسد‬
‫بطريق ال يختلف عن الجهاز العصبي الذي نعرفه‪ ،‬ويمكن مقارنته بجذوع الشجرة‬

‫‪199‬‬
‫وفروعها (‪ )Calcidius 220 = LS 53G7‬أو األخطبوط ومجساته (= ‪Aëtius 4.21.2‬‬
‫‪.)LS 53H2‬‬
‫‪ - 246‬عندما ُمنحت أسلحة أخيلليس الميت ألوديسيوس بدلاً منه‪ ،‬قاد الغضب المحارب‬
‫العظيم أياكس إلى الجنون واالنتحار‪ :‬يجسد سوفوكليس قصة أياكس في مراحلها‬
‫األخيرة‪.‬‬
‫رواقيا‪ ،‬ومن يتعلق بهذا – ألن‬
‫ًّ‬ ‫‪ - 247‬يتحدث سينيكا بمعاني الحس المشترك أكثر من كونه‬
‫الرذيلة (الشر) مثل الفضيلة (الخير) واحدة ومطلقة (‪ -)1.11.2n.‬فال يمكن ألي “شر”‬
‫أن يكون أسوأ من “كل الرذائل”‪.‬‬
‫‪ - 248‬يعلن سينيكا ‪ 2.18.1‬عن غايتين‪“ :‬أننا لن نقع في الغضب‪ ،‬ولن نخطئ ونحن‬
‫غاضبون”‪ ،‬وقد عالج في الكتاب الثاني الهدف األول‪ ،‬ونتوقع أن يعالج هذا الكتاب‬
‫الهدف الثاني – واإلشارة هنا “ كبح جماح‪ ....‬هجماته” تفترض أنه سيقوم بذلك‪،‬‬
‫ولكن عندما نصل إلى البيان الشكلي لخطة الكتاب نكتشف أن سينيكا يتخيل غرضه‬
‫‪2.18ff.‬‬ ‫على نحو فضفاض وبطريقة تستلزم إعادة صياغة بعض المواد المتضمنة في‬
‫)‪ ،(§5.2n.‬أولاً رغم أن سينيكا يرغب في إثارة إعجابنا بقوة الغضب المروعة وطبيعته‬
‫المثيرة‪ ،4–1§§ :‬وف ًقا لذلك يستدعي ‪ 1.1.1ff‬فيحول الحرارة الخطابيية ببعض التكرار‬
‫والتناقض الذاتي‪ ،‬ويحدث تحول آخر بذكر أرسطو (§‪.)3.1‬‬
‫‪ - 249‬راجع الغضب “يخطف العقل ويحمله على طول الخط”‪.‬‬
‫سريعا إلى وظيفة عالج الغضب في اآلخرين الذي يتعامل معه في آخر‬
‫ً‬ ‫‪ - 250‬يُلمح سينيكا‬
‫الكتاب (§§‪.)40–39‬‬
‫‪251 - Cf. 2.14.1n.‬‬

‫‪ - 252‬إن طريقة سينيكا في الحديث عن العقل كموضوع مفارق فيما تحدثه الرذائل والمحايدة‬
‫بين الرذائل خطابية وليست فلسفية ‪.cf. 1.7.2 and 2.36.6nn‬‬
‫‪ - 253‬تناقض ‪ 1.7.4‬حيث يصف “ السقوط السريع” كل االنفعاالت‪.‬‬
‫‪254 - Cf. 1.1.2n.‬‬

‫‪ - 255‬األطفال الصغار ال يعرفون الغضب (‪ 1.3.4n‬ولكن سينيكا في ‪ 1.13.5‬ينسب‬


‫الغضب لحديثي الوالدة)‪.‬‬
‫‪ - 256‬التناقض بين فقدان السيطرة على النفس ‪ impotentia‬والغضب أمر غريب‪ ،‬حيث إن‬

‫‪200‬‬
‫فقدان السيطرة على النفس سمة محورية في لوحة الغضب في بحث سينيكا‪.‬‬
‫‪ - 257‬لمعرفة نوع القائمة التي يبدأ بها سينيكا راجع ‪.1.2.1f.‬‬
‫‪Livy Epitome 75, Valerius Maximus‬‬ ‫‪ - 258‬انقالب الجنود على قادتهم انظر‬
‫‪ .9.7(mil.).2–3‬والفقرة الثانية تشير إلى “انعزال البسطاء” (‪)494, 450, 287 BCE‬‬
‫باغتصاب جحافل المواطنين الرومان االمتيازات السياسية من األرستقراطية الحاكمة‪.‬‬
‫‪ - 259‬يتحدث سينيكا عن قانون األمم ‪ ius gentium‬وهي المبادئ التي تعارفت عليها‬
‫الشعوب‪ ،‬والذي قبل األمان للسفارات ‪ ،Cicero On the Manilian Law 11‬وتحرك‬
‫الحشد الروماني بناء على هذه األسس واستشهد بسابقيه و”قانون التمثيل الدبلوماسي‬
‫‪”ius legationis‬‬
‫‪260 - Cf. 1.11.2f.‬‬

‫‪ - 261‬ربما يعني سينيكا بالالتينية “ماتوا بسبب جروحهم” (على سبيل المثال إصابة النفس‬
‫بجرح كما يبدو ‪ ،)OLD s.v. exeo 7‬ولكن الجروح الموصوفة ليست ذاتية‪ ،‬وتبدو‬
‫(‪cf., more tamely,‬‬ ‫الصورة البيانية السيريالية متوافقة ومناسبة لتذوق سينيكا للعدوانية‬
‫‪.)2.35.1‬‬
‫‪ - 262‬لمعرفة تشويه مذهب أرسطو ‪.cf. 1.7.1, see 1.9.2nn‬‬
‫‪ - 263‬وهو ‪.Hercules Furens‬‬
‫‪ -‬لتمييز السمة السادية للغضب يقوم سينيكا بإعداد أدواته‪ :‬وهو أحد اثنين (‪eculeus,‬‬ ‫‪ 264‬‬
‫(‪Cicero‬‬ ‫‪ )fidicula‬وهما أشكال للمخلعة (‪ )19.1§ .cf‬والثالث شكل لإلعدام‬
‫‪Letters to Friends 10.32.3, Gellius 3.14.19, Appian Numidian War frag.‬‬
‫‪ ،)3‬والرابع استُعمل لجر الجثث المعدومة قبل رميها في نهر التبر‪ ،‬وقد روى جوفينال‬
‫‪ Juvenal 10.66‬أن نوفاتوس مزح بأن اإلمبراطور كالوديوس قد ُرفع للسماء بخطاف‬
‫‪Cassius Dio. 61.35.4‬‬

‫‪265 - Cf. 1.2.3–4, 2.35.4–6.‬‬

‫‪266 - Cf. 1.16.3.‬‬

‫‪ - 267‬هذا “تقسيم” شكلي للمعالجة‪ :‬حيث يعالج سينكا الهدف األول §‪( 9‬راجع‬
‫‪ )2.18.2ff‬والهدف الثاني في §§‪ ،38–10‬رغم أن التمييز الواضح من الصعب ذكره‪،‬‬
‫والهدف الثالث عالجه في §§‪ ،40–39‬ويجمع المنهج بين الردع‪-‬مؤكدً ا على طبيعة‬

‫‪201‬‬
‫ذاكرا هدوء “الروح العظيمة”‬
‫الغضب وتكلفته (§‪ -)7–5.3‬مع تعزيز تهذيب النفس – ً‬
‫(§§‪ -)6.2–5.8‬خاصة بتحديد مطالب مصادر العقل والبدن (§§‪،7.2–6.3‬‬
‫‪ )5–9.1‬وباختيار الرفقة بحرص (§‪.)8–8.1‬‬
‫‪ - 268‬عن المذهب الرواقي في القدرة االجتماعية الطبيعية للبشر انظر ‪.1.5.2. n‬‬
‫‪ - 269‬راجع حكاية كتو ‪ :2.32.2‬ومثل هذه “الحماسة العظيمة” هي شرط مسبق‬
‫للحصانة المرغوبة في الجملة التالية‪ ،‬وهذا يمكن من “سكينة العقل” (وهو عنوان‬
‫رسالة لسينيكا) أو البهجة أو الكلمة )‪،euthymiē §6.3n (Plutarch Moralia 464Eff‬‬
‫وهذا يستتبع القدرة على تصحيح االنطباعات التي تواجهنا‪esp. 2.2.1, 2.4.1nn. and .‬‬
‫‪.introduction, section 2‬‬
‫‪270 - Cf. §32.1, 2.34.1.‬‬

‫‪On Cheerfulness (frag. 68B3‬‬ ‫‪ - 271‬اقتبسها سينيكا من بحث ديمقريطوس‬


‫‪.DielsKranz), cf. §5.7n‬‬
‫‪272 - Cf. 2.19.1–3.‬‬

‫‪273 - Cf. 2.33.4n.‬‬

‫‪ - 274‬راجع ترويض األسود والدببة ‪.2.31.6‬‬


‫‪275 - Cf. 2.21.7–8.‬‬

‫‪ - 276‬ماركوس كايليوس روفوس ‪ Marcus Caelius Rufus‬خطيب ومحا ٍم لشيشرون‬


‫(‪ )Cicero On Behalf of Caelius, Letters to Friends 8, 2.8–16‬قادت وفاته‬
‫لسوء تصور التمرد عام ‪ 48‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪ - 277‬قضى فيثاغورس الساموسي )‪ Pythagoras of Samos (b. ca. 550 BCE‬معظم‬
‫حياته في كرتون في جنوب إيطاليا‪ ،‬وكان وراء ابتكار النظرية المنسوبة إليه «مذهب انتقال‬
‫النفوس بالتناسخ» و«اكتشاف المبادئ المتناغمة الحاكمة ألوتار القيثارة»؛ ألن فيثاغورس‬
‫‪cf. Cicero Tusculan Disputations 4.3,‬‬ ‫استعمل تناغم القيثارة الكتساب السكينة‬
‫‪.Plutarch Moralia 384A‬‬
‫‪278 - Cf. Vitruvius 5.9.5, Pliny Natural History 37.63.‬‬

‫‪ - 279‬حيث كان ُيعتقد أن العالم يتكون من أربعة جذور – األرض والهواء والنار والماء‬
‫(‪ -).2.19.1n‬وكان ُيعتقد البشر أن لديهم أربعة أمزجة متطابقة‪ :‬المرارة السوداء‬

‫‪202‬‬
‫والدم والمرارة الصفراء والبلغم‪ ،‬وارتبطت صورتا الصفراء كليهما بالصفات المنتجة‬
‫للغضب‪ ،‬والنار واألرض متقابلة مع الحرارة والجفاف (‪.)cf. 2.19.2, 4 and next note‬‬
‫‪ - 280‬حيث كان ُيعتقد أن العقل منتشر خالل الجسم (‪ )2.36.2n.‬فإن ضغط وزن الجسم على‬
‫حرفيا‪ ،‬وإن غضب المرضى وكبار السن يحدث بسبب ‘جفاف’‬
‫ًّ‬ ‫العقل يجب أن ُيؤخذ‬
‫طبيعتهم ‪.see 2.19.4, cf. 1.13.5‬‬
‫‪281 - Cf. Pliny Natural History 22.111.‬‬

‫‪ - 282‬من الواضح أن سينيكا ينتقل إلى الهدف الثاني الذي قرره §‪“ 5.2‬التوقف عن الغضب”‬
‫ولكن رغم أن §§‪ 15–10‬يحتوى على نصيحة حول كيفية خنق الغضب عندما يبزغ‪،‬‬
‫وكثيرا مما في هذا القسم وما هو‬
‫ً‬ ‫ويضرب أمثلة تاريخية لتوضيح كيفية حدوث هذا‪،‬‬
‫أساسي في §§‪ 38–16‬يستأنف موضوع منع الغضب‪ :‬انظر المقدمة القسم الثالث‪.‬‬
‫‪-‬حرفيا “اضطراب الجمعيين ‪ُ – ”the comitial disorder‬يطلق إذا عانى المواطن‬
‫ًّ‬ ‫‪ 283‬‬
‫حجزً ا في تصويت الجمعية ‪ comitia‬فتُحل الجمعية‪.‬‬
‫‪284 - Cf. Hippocrates Sacred Disease 15.‬‬

‫‪ - 285‬نسيان اإلصابة مرتبط بطريقة أخرى ب”الحماسة العظيمة”(§‪)2.32.2 ،5.7‬‬


‫ويرتبط هنا بسمة مغروسة ببساطة في أعمال الفرد الخاصة‪.‬‬
‫‪ -‬تنسب الحكاية بطريقة أخرى إلى ديوجين الكلبي (في نهاية القرن الرابع) ‪Diogenes‬‬ ‫‪ 286‬‬
‫‪ ،Laertius 6.41, 5‬ولمعرفة تحريم سقراط‪ .‬انظر ‪.cf. Plutarch Moralia 10C‬‬
‫‪a. 560 bce until his death in 527‬‬ ‫‪ - 287‬بيسيستراتوس ‪ Pisistratus‬كان طاغية‬
‫‪BCE‬وراجع القصة‪Valerius Maximus 5.1 (ext.). 2; for the analogy with the‬‬
‫‪.sightless off ender, cf. 2.10.1‬‬
‫‪ - 288‬النقطة توضع بقوة في ‪ “ 2.26.4‬إنها ليست ً‬
‫خطأ طالما لم تصدر‪ ،‬عن قصد” راجع‬
‫ً‬
‫أيضا §‪.2.30.1 ،26.1‬‬
‫‪ - 289‬راجع ‪ 2.29.1 ،2.22.2‬وفي §‪ 1.2‬على النقيض يستعمل التأخير لتخفيف‬
‫أخيرا”‪.‬‬
‫ً‬ ‫“عالجا بطيئًا لشر متسارع‪ ،‬والذي يجب أن نستعمله مال ًذا‬
‫ً‬ ‫سمى‬
‫غضب اآلخر و ُي َّ‬
‫‪ - 290‬بهذه القصة والقصة التالية قارن القصة التي تقال عن سقراط في ‪ ،1.15.3‬ولمعرفة‬
‫القصة األولى انظر ‪.Riginos 1976:155f‬‬
‫‪ - 291‬سبيوسيبوس ‪ Speusippus‬ابن أخ أفالطون وخلفه في رئاسة األكاديمية‪ ،‬لمعرفة‬

‫‪203‬‬
‫القصة انظر ;‪Valerius Maximus 4.1 (ext.). 2, Plutarch Moralia 10D, 1108A‬‬
‫وراجع ‪.Riginos 1976:155‬‬
‫‪292 - Plutarch Moralia 455Af.‬‬

‫هذا في دور “النعرة ذبابة الماشية ‪ ”gadfly‬الذي يدعيه سقراط لنفسه (‪Plato Apology‬‬ ‫‪ 293‬‬
‫‪.)30E‬‬
‫‪ 294‬عن بقاء انفعال بعضنا في التحقق في “حلف الخائن” انظر ‪.1.8.7‬‬
‫‪Herodotus‬‬ ‫‪ - 295‬القصة للملك الفارسي قمبيز (حكم ‪ ،)530–522 BCE‬ومستمدة من‬
‫‪.3.34f‬‬
‫‪ - 296‬راجع إخفاء باستور ‪ Pastor‬مدفوعًا بالرغبة في إنقاذ ابنه الباقي مع تعليق سينيكا بأنه‬
‫يحتقر األب الروماني الذي يخشى على حياته في مثل هذه الظروف‪.‬‬
‫‪ - 297‬سينيكا ُيحرف بلطف قصة هيرودوت (‪ )19–1.108‬للملك الميدي أستياجيس‬
‫‪ Astyages‬في معاقبة هارباجوس ‪ Harpagus‬لفشله في قتل الرضيع سايروس ‪Cyrus‬‬
‫كما أمر‪.‬‬
‫‪ - 298‬مالحظة سينيكا هنا تستدعي “المداهنة”‪ُ ،‬وضعت فحسب ألثر نوعي لمبدأ القاضي‬
‫شكرا”‪.‬‬
‫ً‬ ‫الذي أقره بالموافقة في ‪ 2.33.2‬ليبقى على قيد الحياة “بقبول اإلصابات وقول‬
‫‪ - 299‬راجع ‪ 2–1.12.1‬على االتجاه الصحيح الذي ينبغي أن تتبناه عند مشاهدة مقتل‬
‫أبيك‪.‬‬
‫‪ - 300‬هذا من خالل االنتحار انظر ‪ Moral Epistles 77‬على سبيل المثال ‪.58.32ff., 70.4ff‬‬
‫رغم أن المذهب الرواقي يفرض “رحيلاً معقولاً عن الحياة” (‪ ،)SVF 3.757ff.‬ويثني‬
‫عليه سينيكا في ظروف محددة بعينها مع تردد وحذر غير عاديين‪ ،‬ولم ُيعرف أي رواقي‬
‫سابق قد أيد االنتحار لألسباب المتضمنة هنا التي ُتدفع بها المحكمة من خالل الطاغية‪،‬‬
‫ويؤكد سينيكا على “الحرية” على وجه الخصوص‪ ،‬ويبدو أنه مدين للفكر الروماني‬
‫التراثي أكثر من المذهب الرواقي (‪ ،)Rist 1989:2004f.‬وسينيكا نفسه انتحر بعد تورطه‬
‫في مؤامرة ضد نيرون‪ ،‬وقد تمثل هذا في ‪.Tacitus Annals 15.62–64‬‬
‫‪ - 301‬دبق الطير ‪ Bird lime‬هو عبارة عن مزيج لزج من عصارة الشجر والجير المطفأ ينتشر‬
‫على الفروع‪ ،‬يلتصق فيه ريش الطيور فيعيق طيرانها‪.‬‬
‫َ‬
‫يخش الكثرة‪ ،‬يحتج إلى خوف‬ ‫‪ 302‬وهكذا سطر ألبيريوس مقتبس في ‪ “ 2.11.3‬من‬

‫‪204‬‬
‫‪On‬‬ ‫الكثرة”‪ ،‬ونفعية الحاكم تقيد الرحمة وهذا موضوع مركزي في رسالة عن الرحمة‬
‫‪.Clemency; cf. also 2.34.2‬‬
‫‪ - 303‬راجع “الفعل الملكي” المدعي من قبل فوليسوس ‪ Volesus‬في ‪ ،.2.5.5‬والقصة‬
‫التالية لداريوس ‪ Darius‬الملك األخميني الثالث لبالد فارس (‪)ruled 521–486 BCE‬‬
‫وهذا مقتبس من ‪.Herodotus 4.84‬‬
‫‪ - 304‬أكسيرسيس بن داريوس (‪ )ruled 486–465 BCE‬وقاد قواته ضد اليونان في الحرب‬
‫الفارسية ‪ .79–480‬وهذا القصة مقتبسة من ‪ ،Herodotus 7.38f‬والنسخة المضغوطة‬
‫لسينيكا ال توضح أن أكسيرسيس جعل ً‬
‫جيشا يسير إلى نصفين‪.‬‬
‫(‪1.7.1,‬‬ ‫‪ - 305‬يشير سينيكا إلى تعليم أرسطو لإلسكندر؛ لربط آراء األول عن الغضب‬
‫‪ )9.2nn.‬مع سلوك اآلخر‪ ،‬قتل اإلسكندر كليتوس ‪ Clitus‬الذي أنقذ حياته في معركة‬
‫الس ْكر وفي حالة خيانة كليتوس‬
‫جرانيكوس ‪ (Granicus (334 BCE‬وهو في غضب ُّ‬
‫المتصورة –‪Moral Epistles 83.19 with, for example, Curtius Rufus 8.1.30‬‬
‫‪.51‬‬
‫‪Lysimachus‬‬ ‫‪ - 306‬سينيكا يشير إلى معاملة اإلسكندر لحارسه الشخصي ليسيماخوس‬
‫أيضا في ‪ ،On Clemency 1.25.1‬ويوجد متغيرات في مصادر أخرى ُ‬
‫(وأنكرت‬ ‫ً‬
‫القصة ألنها كاذبة ‪ ،)Curtius Rufus 8.1.14–17‬وحكم ليسيماخوس تراقيا بعد وفاة‬
‫اإلسكندر ألربعة عقود‪ ،‬واستدعيت معاملته لتليفوروس ‪ Telesphorus‬إلهانته زوجته‬
‫في ‪.Plutarch Moralia 606B and Athenaeus 14 616C‬‬
‫‪ -‬تفترض العبارة أن موضوع الشفقة غير جدير بالمعاناة فحسب (‪cf. On Clemency‬‬ ‫‪ 307‬‬
‫(‪cf. Aristotle Rhetoric 2.8‬‬ ‫‪ )2.5.4‬بل يمكن إدراكه مثل أنفسنا في معاناتها‬
‫(‪ibid.‬‬ ‫‪ ،)1385b13–16, 1386a1–3, 25–29‬وتتجه الرهبة المطلقة إلى طرد الشفقة‬
‫‪.)1386a22–24‬‬
‫‪ - 308‬ابن أخ ماريوس العظيم (‪ )1.11.2n.‬وحاكم في ‪ 85‬ق‪.‬م‪ ،‬وجعلته محاولته للسيطرة‬
‫مشهورا (وصنع له تمثالاً )‪ ،‬و ُقتل ماركوس ماريوس جراتيدينوس‬
‫ً‬ ‫على النقود المغشوشة‬
‫‪ Marcus Marius Gratidianus‬بتحريمات سولال (‪ – )81‬ووف ًقا لسينيكا من قبل‬
‫صهره لوكيوس سيرجيوس كاتيلينا ‪ Lucius Sergius Catilina‬ممثل سولال وقائد‬
‫التمرد (‪ )63‬الذي يُلمح إليه سينيكا‪ ،‬وكان مقتل ماريوس في المقبرة بمثابة تضحية له‬
‫بظالل كوينتوس لوتاتيوس كاتولوس ‪ Quintus Lutatius Catulus‬بطل فيرسيلال‬

‫‪205‬‬
‫)‪ Vercellae (1.11.2n.‬الذي قتل نفسه عندما حاكمه ماريوس بتهمة الخيانة العظمى في‬
‫‪ ،87‬ويربط سينيكا القصتين التي قطع فيها كاتيلين رأس ماريوس أو قطع طرف يلو اآلخر‬
‫من قبل ابن كاتيليوس‪.‬‬
‫‪ -‬هذا كاليجوال ‪ ،1.20.8n‬ولم ُيبلغ عن هذه الشناعة‪ ،‬لمعرفة وحشيته انظر ‪Suetonius‬‬ ‫‪ 309‬‬
‫‪.Caligula 27ff‬‬
‫‪ - 310‬أم كاليجوال هي أجريبيانا الكبرى‪ ،‬وهي ابنة ماركوس أجريبا وجوليا ابنة أوغسطوس‪،‬‬
‫وممتلكاتها على ضفة نهر التبر من المحتمل أنها تنحصر بين النهر وساحة سان بيترو‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫‪ - 311‬وهكذا األداء المعتاد يجعل المراقبات وأعضاء مجلس الشيوخ شهو ًدا‪ ،‬ولكن‬
‫‪(“quosdam ex illis cum matronis atque aliis‬‬ ‫اللغة الالتينية تتسم بالغموض‬
‫)”‪ senatoribus ad lucernam decollaret‬وربما قد أخذت بشكل طبيعي لتعني أنهم‬
‫كانوا ضحايا (“مع زوجاتهم والسيناتورات اآلخرين”)‪.‬‬
‫ً‬
‫بسيطا يتكون من نعل ومصبع‪ ،‬واالختيار المركب يقلل‬ ‫حرفيا “أرتدي نعل” صندلاً‬
‫ًّ‬ ‫‪- 312‬‬
‫الذوق المراد أدناه §‪ 19.2n‬واختالف سينيكا ‪.9.2.25‬‬
‫‪ - 313‬ال يعد هذا الغضب “االستثنائي غضبًا بل قسوة سادية‪ ،‬ويعني سينيكا أنه يضع كاليجوال‬
‫في نفس التصنيف مع فاالريس ‪ ،Phalaris‬ومثل هذا التمايز بين الغضب والوحشية ظهر‬
‫في ‪.2.5‬‬
‫‪ - 314‬قد ذكرت المخلعة والمصبعة من قبل §‪“ 3.6‬مشابك الكاحل” وهي أدوات تعذيب‬
‫اعتيد بها تعذيب المرء بقلبه عقب على رأس‪.‬‬
‫‪ - 315‬لمعرفة الرغبة انظر ‪.Suetonius Caligula 30.2, Cassius Dio 59.13.6‬‬
‫‪ - 316‬من المفترض أن ُينفذ حكم اإلعدام في األماكن العامة في احتفال رسمي يتضمن‬
‫استدعاء الناس بالبوق (‪ )1.16.5n.‬ليعطي الحدث ً‬
‫أثرا أكبر للردع‪.‬‬
‫‪ - 317‬االعتقاد بأن الروح تفارق الجسد مع النفس األخير واسع االنتشار‪ ،‬وفي روما على‬
‫سبيل المثال ‪Moral Epistles 78.4, Natural Questions 3 pr. 16, Cicero against‬‬
‫‪.Verres 2.6.118, Vergil Aeneid 4.684f‬‬
‫‪ - 318‬كان قمبيز الملك الفارسي مغر ًما بهذا النوع من القسوة (‪،)cf. just below and §14‬‬
‫“‪Dock-Nose‬‬ ‫سمى «األنف المبتور‬
‫ولكن القصة ‪ -‬محاولة لتفسير مكان غريب ُي َّ‬

‫‪206‬‬
‫‪ Rhinokolura‬المشتقة في اليونانية من ‪rhino- / nose + kolourein / dock,‬‬ ‫وتساوي‬
‫‪ – prune‬ال ُتخبر عنه (”‪Strabo attributes the act to “one of the Ethiopians,‬‬
‫‪.)16.2.31‬‬
‫ٍ‬
‫“بأياد مرفوعة األكف ‪ ”supinis minibus‬داللة للتضرع والشكر‪.‬‬ ‫حرفيا‬
‫ًّ‬ ‫‪- 319‬‬
‫‪320 - Herodotus 3.20–25.‬‬

‫‪Cyrus‬‬ ‫‪ - 321‬راجع ‪ Herodotus 1.189‬رغم أن سينيكا قد ضمن العكس‪ ،‬تابع قورش‬


‫لالستيالء على بابل‪ ،‬ويوازي غضب قورش في النهر بأطفال يشعرون بال عقالنية‬
‫بالغضب حين يقعون على األرض (‪.)1.2.5‬‬
‫‪ُ - 322‬نفيت أجريبيانا (‪ ).18.4n§ .cf‬في ‪ 29‬م إلى بانديريا ‪ ،Pandateria‬وهي جزيرة‬
‫معزولة قبالة ساحل كامبان‪ ،‬حيث توفيت عام ‪ ،33‬وربما كانت ألول تحتجز في‬
‫هيركوالنيوم ‪ Herculaneum‬على خليج نابولي‪.‬‬
‫‪ - 323‬سينيكا يأخذ النصيحة الممنوحة في §‪ 11.2‬عن فائدة معالجة اإلصابة الظاهرة بلطف‪،‬‬
‫ويعرض نماذج من سلوك األشخاص البارزين‪.‬‬
‫‪ - 324‬أنتيجونوس األول مونوفثالموس ‪( Antigonus I Monophthalmus‬أحادي العين‬
‫‪ )One-Eyed‬وهو حاكم فريجيا في عهد اإلسكندر‪ ،‬شارك في الحرب والمؤامرات‬
‫للسيطرة على آسيا من بعد وفاة اإلسكندر حتى عام ‪ 301‬ق‪.‬م‪ ،‬ويحكي بلوتارخ الحكاية‬
‫األولى (‪ ،)Moralia 182C–D, 457E‬والنسخة الثالثة (‪ )458F‬عن اعتدال أنتيجونوس‬
‫في شيخوخته انظر ‪.Plutarch Moralia 182A-B‬‬
‫‪ - 325‬شخصية تشبه اإلله اإلغريقي‪ ،‬حيث جزء منه إنسان وجزء حيوان‪ ،‬وهي ملحوظة عن‬
‫قبحه (لذلك ُيشار إليه هنا)‪،‬والشهوات الجسمية القوية (وفي بعض النسخ) الحكمة‪.‬‬
‫‪ - 326‬أمينتاس الثالث المقدوني ‪ Amyntas III‬كان جد اإلسكندر‪ ،‬وربما كان سينيكا‬
‫ً‬
‫متشككا من حقيقة أن أنتيجونوس كان له ابن يحمل نفس اسم فيليب والد اإلسكندر‪.‬‬
‫‪327 - Lysimachus and Clitus: cf. §17.1–2nn.‬‬

‫‪ - 328‬فيليب الثاني )‪ ،Philip II (382–36 BCE‬وكانت مقدونيا قوة عظمى قبل أن يجعلها ابنه‬
‫قوة تاريخية عالمية‪ ،‬و ُتحكى عدد من القصص عن نوع المنع المطروح (‪e.g., Plutarch‬‬
‫‪ ،)Moralia 143F, 177D-E, 178A‬ولكن هذه القصة من غير المرجح أن تكون حقيقية‬
‫عن ديمخاريس ‪ Demochares‬ابن أخ الخطيب ديموسثينيس ‪ Demosthenes‬الذي لم‬

‫‪207‬‬
‫يبلغ عمره خمسة وعشرين عا ًما عند موت فيليب‪ ،‬والدور الممنوح له هنا يتناسب بشكل‬
‫أفضل وزمن بروزه السياسي بعد ‪ 307‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪ - 329‬في ‪ .Homer Iliad 2.212ff‬القبح والحقارة والنهم هي مفاسد أجاممنون في الجمعية‬
‫وتلقي الهزيمة من أوديسيوس في العودة‬
‫‪ - 330‬لمعرفة أوغسطوس كمثال للحرمان راجع ‪.On Clemency 1.9f‬‬
‫‪ - 331‬لنشأة تيماجينيس ‪ Timagenes‬من عبد إلى ٍ‬
‫طاه إلى حامل قمامة إلى صديق لإلمبراطور‬
‫راجع ‪.cf. Seneca Controversies 10.5.22‬‬
‫‪ - 332‬دعم أسينيوس بوليو )‪ Asinius Pollio (76 BCE– 4 CE‬رجل األدب والخطيب‬
‫والقائد ورجل الدولة يوليوس قيصر ومارك أنطوني في األربعينيات‪ ،‬ثم تقاعد عن الحياة‬
‫ً‬
‫تاريخا‬ ‫العامة بعد أن صار قنصلاً في ‪ 40‬واالحتفال باالنتصار في ‪ ،.39‬وكتب في التقاعد‬
‫مؤثرا لفترة ‪ 42-60‬ق‪.‬م والحكاية نموذج الستقالله عن أوغسطوس‪ ،‬ورده (“إن كانت‬
‫ً‬
‫دعواك أيها القيصر‪ – )”...‬قاسية في الشكل وغامضة النية – يعطي مزية لشخصيته‪.‬‬
‫‪ - 333‬المرء الذي يضربه البرق ُيكرس لألرباب‪ ،‬وهو خارج نطاق اتصال اإلنسان العادي‪،‬‬
‫كرسا ‪.Cf. On Clemency 1.7.1‬‬
‫وقد ُدفن على الفور حيث ضرب‪ ،‬وأصبح ُم ً‬
‫‪ - 334‬وضع أوغسطوس مالحظته باليونانية‪ ،‬كما أن المتحدث للغة اإلنجليزية اليوم قد ينزلق‬
‫إلى الفرنسية‪.‬‬
‫‪ - 335‬لالطالع على آراء سينيكا حول المعاملة اإلنسانية للعبيد ‪.esp. Moral Epistles 47‬‬
‫‪ - 336‬لمعرفة الفكر راجع ‪.cf. 2.31.4‬‬
‫‪ - 337‬يستخدم سينيكا كلمة “حكيم” بمعنى فضفاض‪“ ،‬والحكيم” مثال معياري عند‬
‫الرواقية‪ ،‬وهو “الذى يفعل كل ما هو حسن” (‪)Stobaeus 2.66.14–67.4 = LS 61G‬‬
‫وهو ال يندم وليس في حاجة لالعتذار‪.‬‬
‫‪ - 338‬عن تحمل المشاكل ‪.Consolation to Marcia 12.6ff‬‬
‫‪ 339‬بدت صورة الوحش الكبير والكالب الصغيرة وكأنها ذات تأثير في ‪ ،2.32.3‬ولحقت‬
‫هنا بصخرة المحيط التي تستدعي نماذج من ِّ‬
‫الشعر الملحمي ‪.cf. Aeneid 10.707ff‬‬
‫(تشبيه الخنازير والكالب) ‪ ( 7.586ff‬موجة قارعة للصخرة‪)Homer Iliad 15.618ff. ،‬‬
‫‪ - 340‬ألهمية القصد ‪.cf. §12.2, 2.26.4, 30.1‬‬
‫‪341 - Cf. 2.30.2n.‬‬

‫‪ - 342‬لمعرفة الشر الفعلي للبشر مقابل الخير المثالي لطبيعتهم المشتركة ‪.cf. 2.31.5n‬‬

‫‪208‬‬
‫‪ - 343‬حول الصلة بين قدرة الكالم وقدرة التداول‪ .‬انظر ‪.cf. 1.3.6, 2.26.4‬‬
‫‪344 - Cf. Plutarch Moralia 112B–C, 114F.‬‬

‫‪ - 345‬يفترض مثال سينيكا استبعاد الشخص البالغ الحر‪ -‬وليس نادر الحدوث في القدم‪،‬‬
‫وذلك بفضل الحرب والقرصنة والخطف وإلخ‪ -‬الذي فشل أن يكون عبدً ا خ ِّي ًرا في‬
‫مرحلته الجديدة‪.‬‬
‫‪ - 346‬عن الموافقة الحاسمة لهذا “الدافع األول” انظر ‪.1.8.1, 2.2.1nn‬‬
‫‪ - 347‬راجع حكاية جنايوس بيزو في ‪.1.18.3ff‬‬
‫‪ - 348‬يوليوس قيصر الذي ُمنح مكانة إلهية بعد موته‪ ،‬كان أول روماني ُيكرم منذ رومولوس‬
‫‪Romulus.‬‬

‫‪Suetonius Julius Caesar 82, Plutarch Caesar‬‬ ‫‪ - 349‬لالطالع على المشهد انظر‬
‫‪ .66.3–7‬وتتألف المؤامرة من رجال خدموا مع قيصر ضد بومبي –بما فيهم تيليوس‬
‫كيمبر ‪ Tillius Cimber‬الذي كان تقديمه للقيصر إشارة للهجوم‪ -‬وكذلك الرجال الذين‬
‫أعفاهم قيصر من الخدمة مع بومبي وأبرزهم ماركوس بروتوس ‪.Marcus Brutus‬‬
‫‪ - 350‬كلمة “هو “ تعني اإلمبراطور‪ -‬وهو الشخص الوحيد الذي لديه قضاة وكهنة في‬
‫هبته‪ ،‬والقنصل (له اثنا عشر صولجان ‪ )cf. 1.19.3n.‬وهو أعظم شر ًفا من البرايتور (له‬
‫ست صولجانات) ولكونه قنصلاً عاد ًّيا دخل المكتب في األول من يناير (‪)cf. 1.21.3n.‬‬
‫وأعظم شر ًفا من كونه قنصلاً “مكمل” والذي ُعين في غضون العام؛ ألنه بحلول زمن‬
‫سينيكا كان من الشائع أن يشغل القنصل منصبه لجزء من السنة فقط‪ ،‬وتعددت فرص‬
‫التكريم والتمايز فيما بين القناصل‪.‬‬
‫‪351 - Cf. 2.34.1.‬‬

‫‪ - 352‬حول هذه الصفة ‪.1.20.1n., cf. §5.7, 2.32.2‬‬


‫‪ - 353‬كانت العملة البرونزية الرومانية قد صُكت بالنحاس في زمن سينيكا‪ ،‬والستون منها‬
‫مقدارا واحدً ا من القمح غير المطحون‪ ،‬وكانت‬
‫ً‬ ‫بمقدار دينار من الفضة‪ ،‬والدينار يشتري‬
‫تقدر ثروة سينيكا في ذروته ‪ 75000000‬دينار (‪.)Tacitus Annals 13.42‬‬
‫‪ - 354‬راجع ‪ 2.10.5‬حول تبسم ديمقريطوس و§‪ “ :37.3‬قف والتفت للخلف‬
‫واضحك!”‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للرجلين “أن تريد وأال تريد نفس الشيء” وهو تعريف للصداقة (‪cf. Moral‬‬ ‫‪ 355‬‬

‫‪209‬‬
‫‪ )Epistles 109.16, Sallust Catiline’s War 20.4‬وبالنسبة ألحدهما “ أن يريد على‬
‫الدوام وأال يريد الشيء نفسه” هو تعريف للحكمة (‪.)Moral Epistles 20.5‬‬
‫‪ -‬كان رب األسرة الروماني هو السيد ‪ dominus‬لعبيده واألب للعائلة ‪pater familias‬‬ ‫‪ 356‬‬
‫وتشمل األقارب والعبيد‪.‬‬
‫‪.Moral Epistles 86.7 - 357‬‬
‫‪ - 358‬حول سكتوس انظر ‪،2.36.1n‬ألن تأمل الذات وفقًا لمبدأ سقراط “ الحياة غير المتأملة‬
‫ال تستحق العيش” ‪(Plato Apology 38A5–6); cf. Moral Epistles 16.2, 28.10,‬‬
‫‪.65.15, 118.2, On Tranquility 6.2, On Life’s Brevity 2.5‬‬
‫‪ -‬من المعروف أن سينيكا تزوج قبل منفاه في ‪41‬م (وقد ورد هذا في ‪Consolation to‬‬ ‫‪ 359‬‬
‫‪ ،)Helvia 5‬وفي المرة األخيرة كان من بومبيا بولينا ‪ Pompeia Paulina‬في الستينيات‪،‬‬
‫وال نعرف إن كان قد تزوج أكثر من مرة‪ ،‬وال نعرف َمن الزوجة المقصودة هنا‪.‬‬
‫‪ - 360‬حيث إن سينيكا يخاطب قارئه المتخيل “أنت”‪ ،‬فمن غير الواضح أين تنتهي المعالجة‬
‫الذاتية وتستأنف المالحظات لنوفاتوس‪ ،‬وأنا أعتبر أن المعالجة الذاتية تمتد حتى §‪.38‬‬

‫‪ - 361‬القوة المرتبطة بموقف الحارس شائعة في أي منزل كبير‪ ،‬وتثير قل ًقا ً‬


‫كبيرا ألنه عادة ما‬
‫يكون عبدً ا “‪chattel” (mancipium) here; cf. On the Wise Man’s Consistency‬‬
‫‪.14.1–2‬‬
‫‪cf.‬‬ ‫‪ُ - 362‬ترتب المقاعد في حفلة العشاء الروماني بترتيب هرمي وف ًقا لبرتوكول تفصيلي‬
‫‪.esp. Pliny Epistles 2.6‬‬
‫‪ - 363‬ذكر الشاعر كوينتوس إنيوس( ‪ )Quintus Ennius 239–169 BCE‬لتراجيدياته‬
‫وألنه أول ملحمي يكتب في الالتينية باستعمال شكل الشطرة الهوميرية‪ ،‬ولكنه لم يكن‬
‫مصقولاً من الناحية األسلوبية في زمن سينيكا (‪cf. Moral Epistles frag. 8 = Gellius‬‬
‫‪ ،)12.2.11‬وشعر شيشرون خاصة المكتوب على وظيفته (‪ )FLP frag. 5–14‬وقد انتُقد‬
‫لمنهجه وخياله‪ ،‬وكان كونتيوس هورتينسوس( ‪)Quintus Hortensius 114–50 BCE‬‬
‫أشهر الخطباء في روما حتى جاء شيشرون محله‪ ،‬وسينيكا يلمح ألسلوبه الراقي‪.‬‬
‫‪ - 364‬وهذا يعني‪ :‬إن لم تتحمل النقد في مسألة خاصة‪ ،‬فماذا تفعل في تعثرك في السياسة؟‬
‫لمعرفة النقلة الجدلية راجع ‪.2.25.4‬‬
‫‪ - 365‬ديوجين البابلي (‪ )ca. 240–152 BCE‬وهو فيلسوف رواقي خلف كتابات مؤثرة في‬

‫‪210‬‬
‫اللغة واألخالق‪ ،‬وزار روما عام ‪ 155‬ق‪.‬م‪ ،‬وهذه الحكاية قيلت عنه هنا فحسب‪.‬‬
‫‪ 366‬لمعرفة انخفاض الروح المتقدة لكاتو راجع ‪ ،2.32.2n‬ويستشهد سينيكا بمثال آخر حيث‬
‫ُبصق عليه ‪.Moral Epistles 14.13 and On the Wise Man’s Consistency 2.1ff‬‬
‫وكان هناك أكثر من لينتيلو ‪ Lentuli‬في أواخر الجمهورية‪ :‬والمرشح الوحيد المعروف‬
‫الذي يمكن أن يطلق عليه “الوحش والمفرق” – بوبليوس كورنيليوس لينتيليوس سورا‬
‫‪ُ Publius Cornelius Lentulus Sura‬أعدم الشتراكه في مؤامرة كاتيلين على اعتباره‬
‫مبكرا على حياة آبائنا (ربما قد ولد والد سينيكا في‬
‫ً‬ ‫برايتور في ‪ 63‬ق‪.‬م – وقد يكون‬
‫أواخر الخمسينيات ق‪.‬م)‪.‬‬
‫‪ - 367‬هناك اختالف في ترجمة معنى كلمات المخطوط‪.‬‬
‫‪ - 368‬تتجلى هذه المقاربة في الجزء الثاني للنصيحة التي وردت أدناه §‪.40.1‬‬
‫‪ - 369‬الستعمال الخوف راجع ‪.2.14.1n‬‬
‫‪ - 370‬قارن السطر الصعب الذي يعده سينيكا الذي ينهل منه الحزن ‪.Marcia 1.7f‬‬
‫‪ - 371‬بيبليوس فيديوس بولليو (‪ )Publius Vedius Pollio d. 15 BCE‬ابن متحرر‪ ،‬صعد‬
‫‪On Clemency‬‬ ‫إلى رتبة فارس‪ ،‬كان من المشايعين والمؤيدين ألوغسطوس انظر‬
‫‪.1.18.2, Pliny Natural History 9.77‬‬
‫‪Phalaris‬‬ ‫‪ - 372‬الرذيلة خلف الغضب تتضح من خالل كاليجوال (§‪ )19.1‬وفاالريس‬
‫(‪.)2.5.1‬‬
‫‪ - 373‬وهكذا معيار التعريف الرواقي لكراهية الغضب أصبح ثابتًا ‪.SVF 3.395–98‬‬
‫‪ - 374‬راجع ابتسامة الوحش الكبير بنباح الكالب §‪.25.3‬‬
‫‪“ - 375‬الموت يجعل كل أنواع الرماد متساوية” ‪.Cf. Moral Epistles 91.16‬‬
‫‪ - 376‬لمعرفة اشمئزاز سينيكا من األلعاب انظر ‪.Moral Epistles 7‬‬
‫جميعا مواطنون عالميون ‪2.31.7n., and‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬كما هو الحال لجميع البشر اآلخرين‪ ،‬ألننا‬ ‫‪ 377‬‬
‫‪.cf. 1.5.2n‬‬
‫‪Lucretius 3.959–60 and esp. Anonymus Copa 38: “Death tweaks‬‬ ‫‪ - 378‬راجع‬
‫‪.your ear and says, ‘Live—I’m coming‬‬

‫‪211‬‬
212
‫انفعال الغضب بين النظرية والعالج‬
‫عند سينيكا‬

‫‪213‬‬
214
‫�إلى ابنتي‬
‫روان‬

‫‪215‬‬
216
‫مقدمة‬
‫لم يكن سينيكا أول َمن يكتب عن انفعال الغضب في الفكر اليوناني؛ فقد‬
‫سبقه الفيلسوف العظيم خريسبوس (تقري ًبا ‪ 280 -207‬ق‪.‬م) في كتابه عن‬
‫المدون في أربعة كتب‪ ،‬وقد قدم هذا العمل بنفس منهجية سينيكا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫االنفعاالت‬
‫حيث يبدأ بفهم االنفعاالت قبل أن يعطي نصيحة بكيفية مداواتها‪ .‬وقد سبق‬
‫شيشرون في مناظرات توسكوالن ‪ Tusculan Disputations‬سينيكا في معالجة‬
‫موضوع الغضب بمائة عام –وهي المناقشة الالتينية الكالسيكية الوحيدة عن‬
‫االنفعاالت‪ ،‬وهي أكثر امتدا ًدا من معالجة سينيكا‪ -‬حيث فسر وخفف الحزن على‬
‫وجه أخص في الكتاب الثالث‪ ،‬واالنفعاالت بشكل عام في الكتاب الرابع‪ .‬ووضع‬
‫عالجيا في‬
‫ًّ‬ ‫فيلوديموس ‪ Philodemus‬اإلبيقوري في القرن األول الميالدي ً‬
‫قسما‬
‫كتابه عن الغضب‪ ،‬وكتب بلوتارخ وهو من أتباع أفالطون في التحكم في الغضب‬
‫ولكن الرواقيين تناولوا الموضوع لمطالب ملحة‪ ،‬وهم‬
‫َّ‬ ‫بعد جيلين من سينيكا‪،‬‬
‫فحسب من بين المذاهب الفلسفية القديمة الذين اعتقدوا أن االنفعاالت ‪-‬كما‬
‫شرا في حد ذاتها‪ ،‬ألسباب سوف ننظر فيها أدناه‪ ،‬فالعالج المؤكد‬
‫جميعا‪ًّ -‬‬
‫ً‬ ‫نعرفها‬
‫الوحيد لالنفعاالت هو استئصالها‪ ،‬واتبعوا هذا االعتقاد‪ ،‬وركزوا على الغضب‬
‫ألنه من المؤثرات المخيفة‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫وتكشف هذه الدراسة عن جوانب عدة منها علم النفس الرواقي‪ ،‬وهو علم‬
‫جدير بالدراسة في عالمنا المعاصر؛ ألنه يكشف عند دروب جديدة لعيش الحياة‪،‬‬
‫موضوع‬
‫ٌ‬ ‫ناهيك عن دراسة مفهوم االنفعاالت الذي يعتقد كثير من الدارسين أنها‬
‫بعيدٌ عن الفلسفة‪ ،‬إال أنها تجسد صلب مفهوم اإلنسان‪ ،‬حيث تشاكلت دراسته‬
‫بين فلسفة العقل المعاصرة وعلم النفس‪ ،‬وكالهما يتعرض للجانب التطبيقي في‬
‫العالج‪ ،‬وربما يبدو االختالف في منهجية المداواة‪ ،‬فاألول ُيخضعها للتجريب‬
‫والثاني يضعها تحت مجهر العقل‪.‬‬

‫وترتكز إشكالية دراستنا حول تساؤالت عدة‪ :‬ما المقصود بانفعال الغضب؟‬
‫وأخيرا كيف‬
‫ً‬ ‫وهل الغضب ضرورة؟ وما اآللية التي يعمل بها انفعال الغضب؟‬
‫يمكننا مداوة الغضب؟ وحتى نجيب عن هذه األسئلة اتبعنا المنهج التاريخي‬
‫التحليلي المقارن‪.‬‬

‫وقد قسمت الدراسة إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة‪ ،‬أما المقدمة فقد وضحنا‬
‫فيها أهمية الدراسة وإشكاليتها والمنهج المتبع فيها‪ ،‬وأما المبحث األول نبين فيه‬
‫الجانب النظري النفعال الغضب الذي نحدد فيه تعريف الغضب وضرورته وآليته‪،‬‬
‫وأما المبحث الثاني نطرح فيه الجانب العالجي النفعال الغضب والذي ينصب‬
‫على جانبين هما التربية وضبط انفعال الغضب‪ ،‬أما الخاتمة فقد جمعنا فيها أهم‬
‫النتائج التي توصلت إليها الدراسة‪.‬‬

‫اً‬
‫أول‪ :‬الجانب النظري لمفهوم الغضب‪:‬‬

‫أ‪ -‬تعريف الغضب‪:‬‬


‫يعرف سينيكا الغضب بأنه «الرغبة في االنتقام لخطأ»(((‪ ،‬وقد تجلى هذا‬
‫‪(1) Seneca:on Anger, translated by Robert A. Kaster and Martha C. Nussbaum., The‬‬
‫‪University of Chicago Press,U.S.A,2010 b2.1.3,p15.‬‬

‫‪218‬‬
‫عمليا في روايته ميديا حيث دمرت ميديا(*) كل شيء بما في ذلك نفسها‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫التعريف‬
‫وهي ضحية حبها وغضبها‪ ،‬فكانت ميديا رمزً ا يكشف الجوانب المكروهة في‬
‫اإلنسان والتي تدمر كل أوجه المشاعر الطيبة‪ ،‬وقد تجسدت هذه الجوانب في‬
‫انفعاالت الغضب واالنتقام التي جعلتها ترتكب جرائم ال حد لها من أجل حبها‬
‫لياسون‪ ،‬فتقتل أخاها ضحية حبها وتهرب من وطنها‪ ،‬وعندما خان ياسون عهده‬
‫معها واقترن بغيرها‪ ،‬تنتقم منه أشد انتقام‪ ،‬فترتكب جرائم أفظع‪ ،‬وتقتل كريوسا‬
‫وكريون‪ ،‬وتقتل أبناءها بوحشية‪ ،‬وهو بذلك يصور لنا جنون الغضب وجنون‬
‫شهوة االنتقام‪ ،‬عن طريق تصويره جوانب الضعف البشرية عندما تسيطر الرغبة‬
‫على العقل‪ ،‬وتسخر كل قدرات اإلنسان لتحقيق مآربها(((‪.‬‬

‫وال يبعد تعريف سينيكا عن التعريف الرواقي للغضب‪ ،‬فالرواقية ُت ِّ‬


‫عرف‬
‫الغضب بأنه «رغبة االنتقام لظلم»‪ ،‬وهذا تعريف شائع عند الرواقيين((( أو كما‬
‫يقول بوذدونيوس‪« :‬رغبة لمعاقبة َمن تعتقد أنه عرضك للضرر دون وجه حق»‪،‬‬
‫وهذا التعريف يعكس موق ًفا عا ًّما من أسالفه‪ ،‬حيث عرفه اإلبيقوريون على أنه‬
‫«تحريض العقل على ضرر لمن أحدث الضرر أو رغب في فعله»‪ .‬ولم يختلف‬
‫التعريف الرواقي عن تعريف أرسطو الذي يعرف الغضب بأنه «الرغبة في دفع‬
‫األلم»(((‪.‬‬

‫(*) ميديا ‪-‬في رواية سينيكا‪ -‬هي ابنة الملك أييتس التي أحبت ياسون عندما وقع بصرها عليه‪ ،‬صممت‬
‫على مساعدته بما لديها من فنون السحر‪ ،‬وبعد حصوله على الفروة الذهبية‪ ،‬فرت ميديا هاربة معه‬
‫وتركت وطنها وأهلها‪ ،‬وقامت بأعمال مرعبة نتيجة الغضب واالنتقام‪.‬‬
‫((( د‪ .‬أحمد خليل إبراهيم‪ :‬ظاهرة الغضب واالنتقام في مسرحية ميديــا لسينيكا”‪ ،‬بحث منشور في مـجلة‬
‫مـركز الدراسات البردية والنقوش‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬العدد الواحد والثالثون‪ ،2014 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪(3) Cicero: On the Emotions “Tusculan Disputations 3 and4”,Translated and with‬‬
‫‪commentary by Margaret Graver,The university of Chicago press, Chicago and‬‬
‫‪London,2002.3.11, 19; 4.44‬‬
‫((( أرسطو‪ :‬كتاب النفس‪ ،‬ترجمة د‪ .‬أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬ومراجعة جورج قنواتي‪ ،‬المركز القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة‪ ،2015 ،‬ك‪403 ،1‬ظ‪ ،5،‬ص‪.7‬‬

‫‪219‬‬
‫وهذه التعريفات الثالثة في وجهة نظري متناظرة من ناحية المفهوم‪ ،‬لذلك هو‬
‫يعرضها ويؤكد أن ليس بينها اختالف‪ ،‬حيث تؤكد أن الغضب هو رغبة فحسب في‬
‫رد الضرر الكائن الذي حدث المرئ بعينه أو عقاب المرئ تتصور أنه قد أحدث‬
‫ضررا‪ ،‬أو رد األلم بألم مثله‪.‬‬
‫ً‬ ‫لك‬

‫إال أن هناك اعتراضين على تعريف الغضب يعرضهما سينيكا‪ ،‬أما االعتراض‬
‫األول‪ :‬وهو أن الغضب ال ُيبنى على َمن يضروننا فحسب‪ ،‬بل على َمن لديهم العزم‬
‫نتاجا لخطأ‪ ،‬إال أن سينيكا‬ ‫على ضررنا ً‬
‫أيضا‪ ،‬ويتضح من هذا أن الغضب ليس ً‬
‫يرد على هذا االعتراض بقوله‪« :‬صحيح أننا نغضب من الذين يقصدون ضررنا‬
‫بل يضرونا بهذا القصد‪ :‬فإن المرء الذي ينوي ارتكاب خطأ يرتكبه بالفعل»(((‪،‬‬
‫ويعني سينيكا أن القصد في الضرر ينتج عنه ضرر مادي بالفعل‪ ،‬وحتى إن لم‬
‫يخرج إلى حيز الفعل‪ ،‬فهو غضب مكبوت وهو أحد أنواع الضرر التي يقرها علم‬
‫النفس المعاصر‪.‬‬

‫واالعتراض الثاني‪ :‬وهو أن الغضب ليس رغبة في الدفع؛ ألن أضعف الناس‬
‫دفعا ال يأملون تحقيقه‪ ،‬ويرد سينيكا‬
‫غال ًبا يغضبون من أقواهم‪ ،‬وهم ال يرغبون ً‬
‫على هذا االعتراض بقوله‪« :‬إنني قلت في المقام األول إنه رغبة في الدفع بالضبط‪،‬‬
‫وليس قدرة على عمل ذلك‪ ،‬وإن الناس يرغبون حتى في األشياء التي ليس‬
‫بمقدورهم تحقيقها‪ .‬وفي المقام الثاني ليس من صاغر ليس بمقدوره تخيل األمل‬
‫حتى في دفع ما هو أسمى‪ :‬كلنا قادرون تما ًما عندما يتعلق األمر بالضرر»(((‪.‬‬

‫«وتبعا‬
‫ً‬ ‫وقد عرج سينيكا إلى تعريف آخر للغضب عند الرواقيون وهو يقول‪:‬‬
‫لهذا‪ ،‬بعض من شيعتنا قالوا إن الغضب هياج في الصدر عن طريق غليان في الدم‬
‫حول القلب‪ ،‬وقد تعينت هذه المنطقة للغضب ألنها أدفأ مكان في الجسم‪ .‬والتفسير‬
‫‪(5) Seneca: on anger,op.cit.b1,3.1,p16.‬‬
‫‪(6) Ibid: b1,3.2,p16.‬‬

‫‪220‬‬
‫تدريجيا؛‬
‫ًّ‬ ‫لهذا في تركيب العناصر»(((‪ .‬وينمو غضب َمن تسيطر عليهم الرطوبة‬
‫فعليا للدفء الذي يمكن أن ُيكتسب بالحركة‪ ،‬ولهذا السبب‬
‫ألنهم ال يملكون مدًّ ا ًّ‬
‫غضب األطفال والمرأة أشد حدة من التفجع‪ ،‬وتافه في بدايته إلى حد ما‪ ،‬ومراحل‬
‫الحياة الجافة التي فيها غضب عنيفة وقوية ولكن ال يزيد‪ :‬حيث ال ينمو؛ ألن البرودة‬
‫تتبع الحرارة التي ترتبط باالنطفاء‪ ،‬فالعجائز متذمرون ومعقدون مثل المرضى‬
‫والمتماثلين للشفاء والذين استنزفت حرارتهم باإلعياء أو الفصد»(((‪.‬‬

‫وقد استند هنا إلى رأي خريسبوس عندما وصف الغضب بأنه ارتفاع في بخار‬
‫حول القلب ُيجبر على الخروج وينفخ على الوجه واليدين‪.‬‬

‫ويميز سينيكا بين الغضب والغيظ بمثال واقعي حيث يختلف الغضب عن‬
‫‘الغيظ’ الواضح‪ :‬إنه يختلف بنفس الطريقة التي يتباين بها ‘السكران’ عن ‘السكير’‬
‫ً‬
‫مغتاظا والمغتاظ ليس غاض ًبا‬ ‫و‘الخائف’ عن ‘الخواف’‪ ،‬وربما ال يكون الغاضب‬
‫أحيا ًنا(((‪ .‬هذا هو االختالف بين االنفعال ‘الحادث’ (عارض لغضب مجرب‬
‫بالفعل) و‘التصرف’ انفعالي‪ ،‬وهو سمة شخصية راسخة تتضمن الميل لتجربة‬
‫تمنح االنفعال(‪.((1‬‬

‫ناهيك عن أن كل المقوالت األخرى التي تميز أنواع الغضب المتباينة‬


‫باصطالحات متمايزة في اليونانية تفتقر إلى مسمياتها في الالتينية‪ ،‬وسوف أمر‬
‫عليها –وح ًّقا أننا نستعمل اصطالحات على أنها صور مختلفة للغضب مثل الذع‬
‫ٍ‬
‫وقاس ‪ ،acerbus‬وكذلك اصطالح عصبي ‪ stomachosus‬ومسعور‬ ‫‪amarus‬‬

‫‪ rabiosus‬ومتشدق ‪ clamosus‬ومتعسر ‪ difficilis‬وواخز ‪ ،asper‬ويمكن أن‬


‫‪(7) Ibib, b2,19-3, p79.‬‬
‫‪(8) Ibid: b2, 19-4, p 79.‬‬
‫‪(9) Ibid: b1,4.1,p16.‬‬
‫‪(10) Cicero: Tusculan Disputations, op.cit, 4.27–28‬‬

‫‪221‬‬
‫تضع من بينها حاد الطبع ‪ morosus‬وهو نوع من حساسية الغيظ‪.‬‬

‫والحقيقة كما يقول سينيكا‪« :‬هناك صور بعينها للغضب‪ ،‬بعضها ينحدر إلى‬
‫صراخ مقتضب‪ ،‬وبعضها ارتعاش مألوف وعويص وبعضها جسدي موحش وليس‬
‫لفظيا تما ًما‪ ،‬وبعضها ينداح في عباب لتعسف عنيف ومجدف‪ ،‬وبعضها صور ال‬
‫ًّ‬
‫تتعدى الشكوى واالستياء‪ ،‬وبعضها دفين مؤثر ومتشعب باطن‪ .‬هناك ألف نوع‬
‫آخر لصور الشر متعددة الشكل»(‪.((1‬‬

‫وهنا يتضح انفعال الغضب الذي يقصده سينيكا‪ ،‬وموقفه من التعريف عند‬
‫الرواقية والذين سبقوه‪ ،‬ناهيك عن اختالف الغضب عن المفاهيم األخرى التي‬
‫قد تقترب منه‪.‬‬

‫ب‪ -‬طبيعة الغضب‪:‬‬


‫وصف سينيكا طبيعة الغضب أو المشهد الذي يبدو على محيا الغاضب‬
‫تفصيليا‪« :‬فبمقدورك أن تقول إن الناس الذين يستولي عليهم الغضب‬ ‫ًّ‬ ‫وص ًفا‬
‫ً‬
‫أعراضا بعينها بتعبير‬ ‫ليسوا أسوياء بالنظر إلى تصرفاتهم‪ ،‬كما ُيظهر المجانين‬
‫وأيد مضطربة وبشرة‬‫فظ أو متجاوز بجبين محبوك ومالمح حادة وخطوة سريعة ٍ‬
‫متحولة وتنهد قوي متكرر‪ ،‬لذا فالغاضبون ُيظهرون األعراض ذاتها‪ :‬حيث‬
‫تتلظى أعينهم وتستعر‪ ،‬وتتورد وجوههم بشدة باندفاع الدم من أعماق القلب‬
‫وشفاههم تترجرج‪ ،‬وأسنانهم تجز‪ ،‬وشعرهم ينتصب لمنتهاه‪ ،‬وأنفاسهم قسرية‬
‫غير منتظمة‪ ،‬ومفاصلهم تتفلع كما لو كانت تتلوى‪ ،‬يتذمرون ويجأرون‪ ،‬وكالمهم‬
‫ألكن مبتور‪ ،‬يضربون أكفهم من فينة ألخرى‪ ،‬ويختمون األرض بأرجلهم‪ ،‬وتهيج‬
‫أجسامهم كلها «بفعل اشتياط الغضب»‪ ،‬ومالمحهم مرعبة ومنفرة للمبغوضين‬
‫تشوها من هذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اشمئزازا أو‬ ‫والمتضخمين‪ -‬وصعب أن تقول إن الرذيلة أكثر‬
‫‪(11) Seneca: on anger, op.cit,b1,4.3,p17.‬‬

‫‪222‬‬
‫سرا على خالف‬
‫وكل االنفعاالت األخرى التي بمقدورك أن تخفيها أو تحتضنها ًّ‬
‫مرئيا على محياك‪ ،‬ويتجلى غليانه بوضوح‬
‫الغضب الذي يدفع ذاته لإلمام ويصبح ًّ‬
‫كلما نما‪ ،‬ويقينًا أنك على دراية بالطرائق التي تتصرف بها الحيوانات في كيفية‬
‫التخلي عما يثير الذعر إن تعرضت لألذى‪ ،‬فتفقد وعيها المعتاد بأجسامها تما ًما‬
‫وحالة هدوئها وتبالغ في ضراوتها الطبيعية»(‪.((1‬‬

‫«ناهيك عن صوت األسنان التي تصطك كما لو كانت تحاول تقليد الخنازير‬
‫وهي تجرش أسلحتها لغاية‪ ،‬وأضف تفلع المفاصل من ٍ‬
‫أيد مصلوبة‪ ،‬ودق الصدر‬
‫ً‬
‫وتلفظا بكلمات غير مفهومة بصراخ‬ ‫مترنحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتأوها اله ًثا‬
‫ً‬ ‫من فينة ألخرى‪،‬‬
‫مفاجئ‪ ،‬ورجفة شفاه هائمة‪ ،‬ونفث بعض الكراهية وضجيج الصوت»(‪.((1‬‬

‫وال شيء ينفعك أكثر من معرفة قبح الغضب وموبقاته‪ ،‬وما من مالمح انفعال‬
‫إزعاجا منه‪ ،‬فهو يحول أعدل الوجوه للقبح‪ ،‬ويكسو المتوحش منها بالهدوء‬
‫ً‬ ‫أشد‬
‫التام‪ ،‬ويفقد فيه الناس كل إحساس باالحتشام‪ ،‬فإن كانوا منمقين اللباس فسوف‬
‫طبيعيا أو‬
‫ًّ‬ ‫يخلعونه ويفقدون كل اهتمام بمظهرهم‪ ،‬وإن كان شعرهم جاذ ًبا تمشيطه‬
‫بفن فإنه ينتصب بجنون مثل عقولهم‪ ،‬وتنتفخ عروقهم‪ ،‬وتتشنج صدورهم بالتنفس‬
‫السريع‪ ،‬وتتحرك أعناقهم بالهياج المسعور ألصواتهم‪ ،‬وترتجف مفاصلهم‪،‬‬
‫أمواجا(‪.((1‬‬
‫ً‬ ‫ويقبضوا على أيديهم‪ ،‬ويتالطم جسدهم كله كما لو كان‬
‫ِ‬
‫يكتف سينيكا بوصف طبيعة الغضب عند البشر‪ ،‬بل وصف طبيعة الغضب‬ ‫ولم‬
‫عند الحيوانات‪ ،‬حيث «ترغو الخنازير في فمها وتجز على أنيابها لتحدها‪ ،‬وترشق‬
‫الثيران قرونها في الهواء الفسيح‪ ،‬وتبعثر الرمل بحوافرها الدامغة‪ ،‬وتزأر ُ‬
‫األسود‪،‬‬
‫و ُت َل ّمع الثعابين رقابها حين ُتستفز‪ ،‬و َتسعر الكالب بالحملقة‪ .‬فال حيوان بطبيعته‬
‫‪(12) Ibid: b1,1-3.4.5,p15.‬‬
‫‪(13) Ibid: b3,4.2,p65.‬‬
‫‪(14) Ibid: b2,35.3,p60.‬‬

‫‪223‬‬
‫خطر‪ ،‬بل تزداد ضراوته عندما ينتابه الغضب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مرعب وال‬
‫ٌ‬
‫«وإذا كانت االنفعاالت األخرى مرئية ومن الصعب إخفاؤها ومن اليسير‬
‫التعرف عليها بشكل مسبق‪ ،‬فإن الغضب يختلف عليها حيث إنه يتولد من ذاته في‬
‫اآلن ذاته ومن الصعب توقعه‪.‬‬

‫–السعار والضراوة والعدوانية‪ -‬ولكن ال يزيد‬


‫ُّ‬ ‫«والحيوانات البرية لها دوافع‬
‫ترفها أكثر من إسرافها حتى لو قل تحكمها عن البشر حين ُتقبل على ملذات‬
‫بعينها؛ ألن االنفعاالت عند الرواقية تعتمد على موافقة االنطباعات التي يمكن‬
‫التعبير عنها كقضايا‪ ،‬وألن الحيوانات (مثل الرضع) تفتقر إلى اللغة‪ ،‬ال يمكنها‬
‫تجربة نوع االنطباع الذي يشرع فيه الغضب»(‪.((1‬‬

‫«وتفتقر الحيوانات البكماء لالنفعاالت اإلنسانية‪ ،‬لذا لها دوافع بعينها تشبه‬
‫االنفعاالت‪ .‬فكيف يكون حالها إن عرفت الحب والكراهية؟ إنهم سيعرفون‬
‫الصداقة والعداوة والخالف والوئام‪ .‬ورغم وجود مسحة من هذه األشياء في‬
‫الحيوانات‪ ،‬إال أن ملكيتها أصيلة لقلوب البشر– ألجل الصحة والمرض على‬
‫حد سواء»(‪ .((1‬مثل مشهد األعداء أو الوحوش البرية التي تتقطر د ًما أو تمضي‬
‫ُقدُ ًما للقتل‪ ،‬ومثل وحوش العالم السفلي التي تخيلها الشعراء الذي تطوقه الثعابين‬
‫وتتنفس النار‪ .‬ومثل اآللهة المرعبة التي تأتي من الجحيم لتشعل الحرب وتنشر‬
‫أشالء‪ -‬وهذه صورة الغضب في عين العقل‪:‬‬
‫ً‬ ‫الخالف بين األمم وتمزق السالم‬
‫حيث األعين المتقدة التي تصخب بصياحها وخوارها وتأوهها وصفيرها وأي‬
‫ويلوح بأسلحته بكلتا يديه (وهو ليس في حاجة ليحمي‬
‫ِّ‬ ‫صوت بغضه شديد‪،‬‬
‫نفسه)‪ ،‬بشراسة ودموية ويكدم نفسه ويتحرك في جنون‪ ،‬ويتغمر في الظالم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫امرئ وكل شيء‪ -‬وهو‬ ‫مثيرا بتمخضاته كراهية كل‬
‫ويهجم ويرقد مستعدًّ ا لقتال‪ً ،‬‬
‫‪(15) Cicero: Tusculan Disputations, op.cit, 4.31.‬‬
‫‪(16) Seneca: on anger,op.cit, b1,3.6,p17.‬‬

‫‪224‬‬
‫أولهم‪ -‬وهو يسعى ليربك األرض والبحر والسماء إن كان بمقدوره أن يضر بأي‬
‫وسيلة الكاره والمكره في آن‪.‬‬

‫وكما قال سكتوس إن بعض الناس قد استفادوا من النظر في المرآة‪ ،‬وفوجئوا‬


‫من رؤية هذا التحول الكبير في ذواتهم‪ :‬حيث أتت بهم كما لو كانوا مشهدً ا من‬
‫جريمة‪ ،‬ولم يتعرفوا على أنفسهم– وقليل َمن تظهر لهم حقيقتهم المشوهة في‬
‫الصورة المنعكسة في المرآة!‬

‫وإن كان بمقدور العقل أن يجسد صورة مادية مرئية واضحة‪ ،‬فإن مظهره‬
‫السوداوي والمتوحش والمتعرج والمتورم والمهتاج سيثير مشاهد الناظرين‪،‬‬
‫ناهيك لو شق طريقه خالل العظم واللحم وعوائق أخرى عدة‪ ،‬فسوف يعظم‬
‫تشوهه‪ :‬فماذا لو كان باإلمكان تعريته؟‪ .‬ويقينًا‪ ،‬سوف تعتقد أن المرآة ال تمنع‬
‫أحدً ا من الغضب‪ ،‬بالطبع‪َ :‬من يقترب من المرآة ليغير من نفسه‪ ،‬فإنه سوف ُيغير‬
‫بالفعل‪ ،‬وال يجد الغاضبون صورة أشد جمالاً من تلك الصورة الوحشية والقاتمة‬
‫التي يرغبون في الظهور بها‪.‬‬

‫ويجب أن نأخذ بعين االعتبار كم الذين قد أضرهم الغضب‪ ،‬فبعض الناس قد‬
‫حميتهم الملتهبة‪ ،‬وينزفون د ًما من الصراخ‬
‫تنفجر أوعيتهم الدموية بإفراطهم في ّ‬
‫قسرا‪،‬‬
‫المدوي الذي ال تتحمله قواهم‪ ،‬وتغشى أبصارهم عندما يذرفون ماء أعينهم ً‬
‫وتنشط أمراضهم حين يعتلون‪.‬‬

‫فكثيرا قد طال غضبهم‬


‫ً‬ ‫وما من مسا ٍر يؤدي إلى الجنون أكثر من الغضب‪،‬‬
‫بالهياج‪ ،‬ولم يستطيعوا استعادة القدرة على التفكير حال فقدهم لها‪ ،‬فقد قاد‬
‫الهياج آياكس ‪ Ajax‬إلى الجنون‪ ،‬ولكن الغضب جعله مجنو ًنا‪ ،‬فالغاضبون يلعنون‬
‫أطفالهم بالموت وأنفسهم بالفقر وأسرهم بالخراب‪ ،‬وينكرون غضبهم كما ينكر‬
‫المجانين خبلهم‪ ،‬وهم أعداء ألقرب أصدقائهم‪ ،‬فيجتنبهم أقرب الناس وأعزهم‪.‬‬
‫‪225‬‬
‫ودون التفكير في القانون ما لم يكن بإمكانهم استعماله للضرر‪ ،‬فحري أن ُيحرك في‬
‫اإلثارة الدنيا بعيدً ا عن إطار الحديث واالهتمام الواجب‪ ،‬وهم يفعلون ما يفعلونه‬
‫بعنف‪ ،‬وهم على استعداد أن يخوضوا معركة بسيف ويسقطون عليه في آن‪.‬‬

‫«إنه يستولي عليهم شر أعظم يفوق الرذائل كلها وآخرون يدخلون فيه رويدً ا‬
‫رويدً ا‪ ،‬وتعمل هذه القوة فجأة وفي آن واحد‪ ،‬وباختصار يجعل الغضب كل‬
‫االنفعاالت األخرى موضوعات له‪ -‬إنه يتغلب على اإلحساسات الدفينة‪ -‬ولهذا‬
‫السبب يطعن الناس األجسام التي أحبوها ويرتمون في أحضان َمن قتلوا‪ ،‬وقد‬
‫شرا واضطرا ًبا‪ ،‬فقد يجبر على تبديد‬
‫يفوق الغضب الجشع الذي هو أعتى منه ًّ‬
‫ثروته وإحراق مسكنه ويستقطب ممتلكاته‪ ،‬ألم يطمع الرجل بالطموح ويلقي‬
‫القيمة الرمزية العالية للمنصب جان ًبا‪ ،‬ويرفض الشرف المعروض عليه؟ فكل‬
‫انفعال يهيمن عليه الغضب»(‪.((1‬‬

‫ج‪ -‬اآلثار المدمرة للغضب‪:‬‬


‫آثارا مدمرة تفوق الكوارث؛ ألنه يؤدي إلى تدمير‬
‫يبين سينيكا أن للغضب ً‬
‫المدن‪ ،‬وربما ما يسوقه سينيكا هنا عن آثار الغضب هو نتاج ما كان يعيشه عصره‪،‬‬
‫وهو يتخيل أمثلة في ذهنه يصرح بها تارة ويخفي بعضها تارة أخرى‪ ،‬ومن هذه‬
‫األمثلة أنه يجسد الدعائم التي بنى عليها سولال حكمه والتي تفشت فيما بعد‬
‫في حكومة الثالث‪ ،‬فالغضب عنده «أكثر كلفة من الوباء لجنس البشر‪ ،‬فسفك‬
‫أمما برمتها‪ ،‬ويقود‬
‫الدماء والتسمم ودعاوى القضايا وردها وتدمير المدن قد ُيبيد ً‬
‫أفواجا للبيع في المزاد‪ ،‬ويضع الديار على المشاعل ثم الحريق بال رادع‬
‫ً‬ ‫المواطنين‬
‫من أسوار المدينة‪ ،‬وتتحول المساحات الفسيحة من األرض المشرقة بمداهمة‬
‫اللهب‪ .‬وتأمل المدن ذائعة الشهرة التي يصعب بناء أحجار أساسها اآلن‪ :‬إن‬
‫‪(17) Ibid: b2,36.1:6,p61-62.‬‬

‫‪226‬‬
‫الغضب قد يسقطها‪ .‬وتأمل األراضي القفر والفيافي التي بال سكان ألميال عدة‪:‬‬
‫إن الغضب ُيجردها‪ .‬وتأمل قادة عدة معروفين للتاريخ بأنهم ٌ‬
‫مثال للمصير القاتم‪:‬‬
‫حيث سعى الغضب ألحدهم في سريره وطرح اآلخر ميتًا على مائدة عشائه‪ ،‬ومزق‬
‫وصل من أوصال آخر على مرأى المحكمة المحتشد وهو في حضن القانون‪،‬‬
‫وتسبب في سفك الرجل لدم ابنه‪ ،‬وشق أطراف آخر على الصليب‪ .‬وال أزال‬
‫أتحدث عن العواقب التي قد تصيب األشخاص‪ ،‬وأتنحى اآلن جان ًبا عن رجل‬
‫بعينه غار عليه الغضب المتقد‪ ،‬بل أتأمل الجموع التي جزها بأسرها والقوم الذين‬
‫ذبحهم‪ ،‬عندما طاح به جيش وحكم على الشعب برمته أن يموت في مذبحة ال‬
‫أخالقية»(‪.((1‬‬

‫إن الغضب يحول كل شيء من حسنه وصالحه للنقيض‪ ،‬ويسبب ألي‬


‫عدوا‪ ،‬ومن االبن‬ ‫ٍ‬
‫امرئ سطوته للقيام بالواجب‪ :‬حيث يجعل من األب الغاضب ًّ‬
‫عدوا غري ًبا‬
‫ًّ‬ ‫الغاضب قاتلاً ألبيه‪ ،‬ومن األم زوجة أب‪ ،‬ومن المواطن األصيل‬
‫ً‬
‫وملكا طاغية‪.‬‬

‫وإن كان يتفق مع الطبيعة فهذا يدعونا إلى أن نتأمل اإلنسان عن قرب‪ ،‬وأي‬
‫الحاالت يكون فيها معتدلاً حين ال تشوه حالته العقلية؟ وما الشيء األشد قسوة‬
‫من الغضب من ناحية أخرى؟ وما األشد كراهة من الغضب لإلنسان ؟ وما األعظم‬
‫حبا له من الغضب؟ لقد ُولد اإلنسان ليعطي ويتلقى العون– والغضب ليدمره‪.‬‬
‫ًّ‬
‫ويرغب أحدهما في االجتماع وآخر في االنعزال‪ ،‬ويطلب أحدهما النفع وآخر‬
‫الضرر‪ ،‬ويبتغي أحدهما عون الغرباء وآخر يعتدي حتى على القريب والعزيز‪ .‬وإن‬
‫البشر مهيأون للتضحية حتى بذواتهم ألجل اآلخرين‪ ،‬والغضب ُمستعد للدفع بهم‬
‫في الهالك شريطة أن يجر اآلخر إلى الهاوية‪.‬‬
‫‪(18) Ibid: b1, 2.1.2.3,p15.‬‬

‫‪227‬‬
‫د‪ -‬آلية الغضب ‪:‬‬
‫يتحدث سينيكا عن االنفعاالت على أنها كيانات منفصلة بشكل ما أو بآخر‬
‫عن الذهن أو العقل ويمكن مداهمتها أو تلويثها‪ ،‬وهذا األمر ال يتعلق باالنفعاالت‬
‫عند الرواقية‪ ،‬بل بموضوع الحس المشترك لالنفعاالت التي نستقبلها‪ ،‬فمن السهل‬
‫خارجا‪ ،‬وعدم قبولها أكثر من توجيهها‬
‫ً‬ ‫في المقام األول أن ُنبقي على عوامل الضرر‬
‫والتحكم فيها بمجرد قبولها؛ألنهم حين يستغلونه فهم أكثر قدرة ممن يتحكم فيه‪،‬‬
‫وال يتحملون استقطاع أو نقصان‪ .‬وفي المقام الثاني فإن العقل ذاته الذي ُيعهد إليه‬
‫عن االنفعاالت‪ ،‬ومجرد اختالطه بها‬ ‫زمام الحكم‪ ،‬ال يحكم إال إذا ظل‬
‫خارجا‪ .‬فالفكر‬
‫ً‬ ‫يتلوث ويعجز عن إبقائها محلاًّ للمراقبة‪ ،‬رغم أنه يمكن أن يبقيها‬
‫بمجرد زعزعته وإزاحته عن مكانه الصحيح يصير عبدً ا لشيء يشقه على طوله‪.‬‬

‫إن الحركات التي يتحدث عنها سينيكا في آلية الغضب هي حركات للعقل‪،‬‬
‫وجدير أن تالحظ أن كل حركة منهم تخضع لسيطرتنا‪ ،‬وكما َّبين سينيكا في‬
‫(‪ )3.5–2.2.1‬أن الحركة األولية‪‘ -‬لطمة’ أو ‘هزة ‪ –’ictus‬هي إحاطة أولى بأن‬
‫شيئًا ما قد يحدث لتغير حالتنا النفسية والجسمية‪ ،‬ونحن نجربه بشكل ال إرادي‬
‫–سينيكا يقارنه على سبيل المثال برجفة عند رش الماء البارد أو المغلي‪ -‬وهو في‬
‫الحقيقة ال إرادي وجزء ال يتجزأ من بنيتنا الطبيعية‪ ،‬وهو مجرب حتى مع من له‬
‫عقل كامل أو حكيم‪ ،‬والحركة الثانية علة واضحة الحقة للطمة األولية غير الطوعية‬
‫تدركها على أنها ‘خطأ’ (واألحرى قول إنها دفقة لماء بارد) وتخيل أنها فعل‬
‫مناسب لهذه العلة (الشروع في االنتقام بدلاً من انتزاع المنشفة)‪ :‬وفي هذه المرحلة‬
‫ُتمنح الموافقة أو ُتحجب‪ ،‬فإذا منحنا الموافقة ُنجرب المرحلة الثالثة –الغضب‬
‫المناسب‪ -‬وهي ‘اإلطاحة بالعقل’‪ :‬وفي هذه المرحلة ُتوجه عقولنا نحو الرذيلة‪،‬‬
‫وال تقع حركتها تحت سيطرتنا كما كانت في الهزة األولى‪ .‬والحقيقة أن سينيكا في‬
‫‪228‬‬
‫نقطة بعينها يرجع إلى التراث الرواقي ويقارن الحركة بإلقاء النفس من الجرف (‪.((1‬‬

‫“وهناك أشياء بعينها تحت سيطرتنا في بداياتها‪ ،‬وتدفعنا على طول الخط‬
‫بقوتنا في مراحلها الالحقة وال تترك لنا طري ًقا للعودة‪ .‬فالذين يقفزون من جرف‬
‫ينبت قرارهم وال يستطيعون المقاومة وال يبطئون نزول أجسامهم عند السقوط‪،‬‬
‫وليس أمامهم سوى الوصول إلى النقطة التي كان بمقدورهم أن يرفضوها من‬
‫البداية‪ ،‬وهكذا العقل حين ُيقدم على الغضب والحب واالنفعاالت األخرى ال‬
‫ُيسمح له بمراقبة انقضاضه‪ ،‬حيث عليه أن يحمل ثقله وطبيعته النازلة لألسفل‬
‫ويدفعها أسفل إلى األعماق»(‪.((2‬‬

‫وإن المسار األفضل هو رفض الوخزات األولى للغضب على الفور‪ ،‬وأن‬
‫يقاتل ضد شراراته األولى‪ ،‬وأن يناضل حتى ال يخضع له‪ ،‬فبمجرد أن يحملنا‬
‫على المسار من الصعب أن يرتد بنا لألمان‪ ،‬حيث لم َ‬
‫يبق ذرة عقل بعد أن ُسمح‬
‫لالنفعال ببعض الحقوق السيادية التي منحناها إياه بمحض إرادتنا‪ ،‬وبعد ذلك لن‬
‫تفعل ما يسمح به بل ما يريده(‪.((2‬‬

‫ويرى علم النفس الرواقي أن االنفعال ليس مفصولاً عن قدرة التفكير‪ ،‬بل‬
‫هو تغير في قدرة التفكير ذاتها‪ ،‬وتنطوي االنفعاالت وحدها على التحول؛ ألن‬
‫العقل حالة ذهن طبيعية‪« ،‬والعقل واالنفعال ليسا لهما أماكن متمايزة ومفارقة‪ ،‬بل‬
‫يتحول العقل إلى حالة أفضل وأسوأ‪ ،‬وإال كيف يبعث ذاته بمجرد بزوغ الغضب‬
‫عندما تربكه الرذيلة وتستولي عليه؟ أو كيف يحرر ذاته من حالة الوحل التي يهيمن‬
‫فيها خليط العناصر الرئيسة؟»(‪.((2‬‬
‫‪(19) introduction of Seneca: on Anger,p4‬‬
‫‪(20) Seneca: on Anger, op.cit, b1,7.4.p‬‬
‫‪(21) Ibid: b1,8.1,p21.‬‬
‫‪(22) Ibid: b1,8.3,p21.‬‬

‫‪229‬‬
‫ويتبدى اعتراض «ولكن بعض الناس يتحكمون في أنفسهم حين يغضبون»‪،‬‬
‫هل في هذه الحالة ال يفعلون شيئًا يمليه الغضب أو ال يفعلون شيئًا؟ فإن لم يفعلوا‬
‫شيئًا يمليه الغضب‪ ،‬فليس هناك حاجة للغضب إلنجاز األمور‪ -‬أي استدعاء العقل‬
‫للمساعدة‪ ،‬كما لو أن هذه الحالة كان لديها قدرة أكبر من العقل‪.‬‬

‫مثيرا فحسب‪ ،‬بل يمضي قد ًما في الهجوم‪ ،‬إنه‬


‫وال ينبغي أن يكون الغضب ً‬
‫نوعا من السعي‪ ،‬وليس من سعي يحدث دون موافقة العقل‪ ،‬وليس بمقدور المرء‬
‫ً‬
‫شخصا‬
‫ً‬ ‫أن يعمل ليكسب انتقام وترضية عقل من ليسوا على وعي‪ ،‬وافترض أن‬
‫كان يعتقد أنه تضرر ويريد االنتقام‪ ،‬ثم هدأ في التو عندما حثته بعض األسباب‬
‫ضد هذا االنتقام‪ ،‬فإنني ال ُأسمي هذا غض ًبا‪ ،‬بل ُأطلق عليه نزعة مزاج ال تزال‬
‫مطيعة للعقل‪ ،‬فالشيء الغاضب يقفز من العقل ويخطفه ويحمله على طوله»(‪.((2‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإنَّ الصدمة العقلية األولى الناشئة عن انطباع الضرر ليست‬
‫غض ًبا‪ ،‬بل االنطباع نفسه‪ .‬والنزعة القصدية التي تلي ال تعتد باالنطباع فحسب بل‬
‫تؤكده ‪ -‬هذا هو الغضب‪ ،‬أي إثارة العقل الذي ينزع إراد ًّيا وعمدً ا نحو غاية االنتقام‪.‬‬
‫وما من شك أن الخوف ينطوي على الهروب والغضب سعي‪ ،‬وتدبر إذن ما إذا كنت‬
‫تعتقد أنه بمقدورك أن تالحق أو تتعامل مع أي شيء بحذر دون موافقة العقل(‪.((2‬‬

‫واآلن قد تجلى كيف يبدأ االنفعال أو ينمو أو يتخذ له سبيلاً ‪ :‬حيث النزعة‬
‫اإلرادية األولية أي االستعداد لالنفعال بما هي عليه مثل إشارة التهديد‪ .‬ويرافق‬
‫هذا النزعة الثانية وهي تعبير إرادة ليست عازمة على مكابرة ينتهي إلى «ينبغي أن‬
‫أنتقم إن ُضررت» أو «ينبغي أن ُيعاقب هذا الرجل ألنه اقترف جريمة»‪ .‬والنزعة‬
‫الثالثة خارجة عن نطاق السيطرة حيث ال تريد االنتقام إن كان مناس ًبا بل ما يحتمل‬
‫‪(23) Ibid: b2,3.4,p36.‬‬
‫‪(24) Ibid: b2,3.5,p36.‬‬

‫‪230‬‬
‫أن يأتي بعد االنتقام وهي أن تطيح العقل(‪.((2‬‬

‫وليس بمقدورنا أن نتجنب الصدمة العقلية األولى بمعونة العقل‪ ،‬كما ليس‬
‫بإمكاننا أن نتحاشى النزعات األخرى (كالتي ذكرتها) التي تصيب أجسامنا‪ ،‬وكما‬
‫ليس بمقدورنا أن نحجب تثاؤبنا عن شخص أخر أو نغلق أعيننا من لكزة مفاجئة‬
‫من أصابع شخص أخر‪ ،‬وليس بمقدور العقل أن يتغلب على هذه النزعات‪ ،‬ومع‬
‫هذا ربما يمكن تقليل قدرتها إذا اعتدنا عليها وداومنا على مشاهدتها‪ ،‬وأما النزعة‬
‫الثانية التي ُتولد من التداول فقد ُتستأصل بالتداول(‪.((2‬‬

‫هـ‪ -‬ضرورة الغضب‪:‬‬


‫هنا يواجهنا سينيكا بسؤال مفاده «هل التعنيف مطلوب أحيا ًنا أم ال؟»‪ ،‬ويجيب‬
‫«بالطبع مطلوب! ولكن المطلوب هو التعنيف المتعقل دون غضب؛ ألن الغاية‬
‫ليس فعل الضرر بل شفاء تحت رداء اإليذاء‪ ،‬كما لو كنا نسخن قضبا ًنا معدنية‬
‫ملتوية الستعدالها‪ ،‬وندق المطارق لتقويم اعوجاجها‪ ،‬ولذا فإننا نستعدل خصائل‬
‫الناس بألم الجسد وتكدير العقل حينما تعوجهما الرذيلة»(‪.((2‬‬

‫ويضرب مثالاً بالطبيب «حين يواجه اضطرابات خفيفة‪ ،‬فإنه يحاول في‬
‫البداية أن يدخل تعديلاً على النظام اليومي‪ :‬حيث يفرض بعض الترتيبات على‬
‫الطعام والشراب والعمل‪ ،‬ويحاول بهذه الطريقة أن يبني صحة المرء على مهل‬
‫محكما‪ .‬ويسمح لالعتدال بعد ذلك بأن يقوم ببعض األشياء‬
‫ً‬ ‫ليجعل أسلوب حياته‬
‫القويمة‪ ،‬وإن لم يفد الترتيب واالعتدال بشيء‪ ،‬فإنه يستأصل بعض عناصر النظام‬
‫اليومي‪ ،‬وإن لم يستجب المريض يحرمه الطبيب الطعام ليحرره من أثقال جسده‬
‫بالصيام‪ ،‬وإن لم تحقق هذه الجرعات اللطيفة شيئًا فإنه يلجأ إلى الجراحة والبتر‪-‬‬
‫‪(25) Ibid: b2,4.1,p36.‬‬
‫‪(26) Ibid: b2,4.2,p37.‬‬
‫‪(27) Ibid: b1,6.1,p19.‬‬

‫‪231‬‬
‫إن كانت أطرافه المتعلقة بالجسد قد تضررت بانتشار المرض‪ .‬فأيما كان العالج‬
‫فإن له نتيجة صحية ُيظن أنها قاسية» ((‪.)((2‬‬

‫ويقول أرسطو‪« :‬أحيا ًنا ً‬


‫أيضا قد يحسب شجاعة الغضب الذي يشتبه بها‪،‬‬
‫فيعد رجالاً شجعا ًنا أناس ينعشهم الغضب وحده‪ ،‬كما يأخذ الحيوانات المفترسة‬
‫إذ تنقض على َمن يجرحها‪ .‬فإذا انخدع اإلنسان في هذا الموضوع؛ فذلك ألن‬
‫أهل الشجاعة في الواقع هم ً‬
‫أيضا سراع الغضب‪ .‬وال شيء كالحفيظة يحمل على‬
‫اقتحام األخطار‪ ،‬ومن ذلك ما قال هوميروس «إن الغضب الذي شعر به قد ضاعف‬
‫قواه»‪ ،‬أو قوله «يوقظ في صدره قوته وغضبه»‪ ،‬أو قوله «وقد نفخ الغضب الحاد‬
‫منخريه‪ ...‬وكان دمه المضطرب يغلي في قلبه»‪ ،‬وكلها عبارات يظهر أنها تصف ما‬
‫للغضب من يقظة وسورة‪ .‬والناس الشجعان ح ًّقا ال يفعلون إال بإحساس الشرف‪،‬‬
‫وما الغضب إال ليساعدهم ويشد أعضادهم‪ ،‬أما الدواب فهي على الضد ال شجاعة‬
‫لها إال بتحريض األلم‪ ،‬فيلزم أن ُتضرب أو أن ُت َّ‬
‫خوف‪ ،‬فهي ال تقصد اإلنسان البتة‬
‫متى ُتركت بسالم في غاباتها أو مستنقعاتها»(‪.((2‬‬

‫«ومع ذلك فإن الشجاعة التي يظهر أنها أكثر مالءمة للطبع هي تلك التي‬
‫يولدها فينا الغضب‪ ،‬بل قد تصير الشجاعة الحقة متى أمكن الغضب أن يضم إليه‬
‫دائما إحساس‬
‫التدبر واالختيار الحر لغرض معقول‪ ،‬ومع ذلك فإن الغضب هو ً‬
‫مؤلم‪ ،‬على ضد االنتقام فإنه لذة‪ .‬حينئذ يمكن أن يترك المرء نفسه إلى النزال بهذه‬
‫الشهوات‪ ،‬ولكن هذا ال يفيد أنه عنده شجاعة؛ ألن هذا حينئذ ليس هو الشرف‬
‫وليس هو العقل الهادئ‪ ،‬بل هذا ليس إال الشهوة»‪.‬‬
‫‪(28) Ibid: b1,6.2,p19.‬‬
‫(‪ ((2‬أرسطو‪ :‬علم األخالق إلى نيقوماخوس‪ ،‬ترجمه من اليونانية إلى الفرنسية بارتملي سانتهيلر‪ ،‬ونقله‬
‫إلى العربية أحمد لطفي السيد‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪1924 ،‬م‪ ،‬ك‪،3‬ب‪،9‬ف‪11 -11‬ص‬
‫‪.309‬‬

‫‪232‬‬
‫ويتساءل سينيكا وهو يلمح إلى أرسطو حيث تكمن الفضيلة في التصرف‬
‫معا؛‬
‫الثابت لتجربة ال تنقص وال تزيد في منح أي انفعال ولكن تعني االثنين ً‬
‫ألن االعتدال ‪ praotēs‬عند أرسطو هو الوسيلة المناسبة للغضب‪ ،‬بين الشفافية‬
‫وأشكال عدة للغموض‪ ،‬ومن الواضح أنه يشوه مذهب أرسطو ويفترض ما يعتقده‬
‫بأن الغضب ‘المعتدل’ ينبغي أن ُيغرس كوسيلة للحفاظ على ‘طاقة العقل المفعمة‬
‫وهو يرى «أليس من‬ ‫الغليان(‪((3‬‬ ‫بالحيوية’ مثل اللهب الذي يبقي القارورة في‬
‫نافعا؟‬
‫طبيعيا ألنه غال ًبا ما يكون ً‬
‫ًّ‬ ‫نصيرا رغم أنه ليس‬
‫ً‬ ‫الممكن أن نتخذ الغضب‬
‫إنه يثير معنوياتنا ويحثنا‪ ،‬فال تحقق الشجاعة في الحرب دونه شيئًا‪ :‬حيث يتطلب‬
‫الغضب أن يوضع اللهب أمام المواد الملتهبة وال ِم ْن َخس أمام الجريء وترسلهما‬
‫إلى طريق الضرر‪ ،‬ولهذا السبب يعتقد بعض الناس أنه من األفضل أن يتحكموا‬
‫في الغضب وألاَّ يتخلصوا منه‪ ،‬وأن يختزلوه إلى وسيلة ناجعة بنزع الزائد منه بينما‬
‫يحجزوا العنصر الذي يمنع الفعل عن التحول الضعيف والطاقة الحية للعقل من‬
‫الذبول»‪.‬‬

‫ويرى سينيكا أن أرسطو يقول‪« :‬الغضب ضرورة‪ ،‬وال يمكن أن يؤدي أي‬
‫نضال لنصر دونه‪ ،‬حيث يعبئ العقل ويشعل الروح‪ ،‬ويجب أن ُيوظف كجندي‬
‫مشاة وليس قائدً ا»‪ .‬وهذا خطأ‪ ،‬فإذا استمع إلى العقل واتبعه حيث يقوده فلن‬
‫يعد غض ًبا له جموحه كطابعه المعروف‪ ،‬ولكن إذا حارب ضد العقل‪ ،‬فلن‬
‫يبقى حين يطلبه ويدفعه قد ًما بالرغبة الجموحة‪ ،‬إنه عديم النفع كخادم للعقل‬
‫وكجندي يتجاهل شارة التراجع»‪ .‬ال يتبنى أرسطو شيئًا من هذا القبيل في أعماله‬
‫الممتدة‪ ،‬بل يصنف شيئًا مثل هذا على أنه شجاعة زائفة في كتاب األخالق إلى‬
‫نيقوماخوس(‪.((3‬‬

‫(‪ ((3‬نفس المرجع‪1125 ،5-4 ،‬ب ‪ ،27‬ص ‪.405‬‬


‫(‪ ((3‬نفس المرجع ‪1126 ،8-3‬ب‪ 23،‬ص‪.403‬‬

‫‪233‬‬
‫نافعا ألنه يؤجج‬
‫ويعترض آخرون كما يقول سينيكا على أن «يكون الغضب ً‬
‫الس ْكر من هذا القبيل‪ :‬إنه يجعل الناس عدوانيين‬
‫الناس للقتال»‪ ،‬ويمكن اعتبار ُّ‬
‫ومتهورين‪ ،‬وكثير منهم يكون في حالة أفضل وهو يمسك السيف مرعو ًبا‪ ،‬ويدَّ عي‬
‫بأسا‬ ‫ً‬
‫أيضا أن الهذيان والهياج ضروريان للقوة؛ ألن الجنون يجعل الناس أشد ً‬
‫غال ًبا!‬

‫وقيل «إن الغضب نافع ألنه يحفظك من االحتقار و ُيخيف األشرار»‪ ،‬في‬
‫المقام األول إن كان الغضب قو ًّيا متوعدً ا فإنه مكروه ألنه يثير الخوف‪ ،‬وبل واألشد‬
‫خطورة هو الخوف أن ُتحتقر‪ ،‬وإن كان واهنًا من ناحية أخرى فإنه عرضة لالزدراء‬
‫وال يفلت من السخرية‪ ،‬وإال فما األسخف من غضب الخصومة وتبجح بال طائل؟‬

‫وفي المقام الثاني ليس األمر في أشياء بعينها أكثر تهديدً ا كذلك‪ ،‬وال أود أن‬
‫يخبر الحكيم بأن المخيف الذي هو طرف من ذخيرة الحيوانات البرية هو سالح‬
‫للحكيم‪ ،‬فالحمى وألم المفصل والقرحة الكريهة كلها مخاوف أليس كذلك؟‬
‫ولكن أليس من قطرة خير في هذه األشياء؟ بل إن األشياء المحتقرة والمقززة‬
‫والتي هي ٌّ‬
‫محل ألسباب الخوف على العكس تما ًما‪ ،‬وهكذا الغضب قبيح في حد‬
‫جسيما على اإلطالق‪ ،‬ولكنه ُيخوف الكثيرين كما يخاف األطفال من‬
‫ً‬ ‫ذاته وليس‬
‫قناع قبيح» (‪.((3‬‬

‫مربحا في وقت ما أو مكان ما؛‬


‫ً‬ ‫ال ُيغر أحدٌ في االعتقاد بأن الغضب‬
‫فجموح الغضب وسعاره يجب أن يكون بينًا‪ ،‬وعلينا أن نعتلي أدواته الخاصة‪:‬‬
‫فال ِم ْنصب والمصبعة والمصلبة والنيران حول األجسام نصف المدفونة ُ‬
‫والكلاّ ب‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ‬تستعمل لسحب الجثث وأنواع مختلفة من الروابط‪ ،‬وصنوف متباينة من‬
‫العقوبات‪ ،‬وتمزيق األطراف ووشم الجبهة وأقفاص الوحوش الكاسرة‪ ،‬فدع‬
‫‪(32) on anger:op,cit, b2,11.1-2,p 42.‬‬

‫‪234‬‬
‫الغضب يحتل مكانه المناسب بين هذه األدوات‪ ،‬فإن صرخاته شيء بغيض‬
‫يرعدك‪ ،‬وهو أشنع من كل األدوات في سعاره(‪.((3‬‬

‫وتوكيد آخر «ولكن حين نواجه العدو نحتاج إلى الغضب»(‪ ،((3‬وال نحتاج‬
‫إلى أقل من ذلك‪ ،‬وهذا حين تخضع أفعالنا العدوانية للسيطرة واالمتثال لألوامر‬
‫وليست مطلقة للعنان‪ .‬وعلى سبيل المثال ماذا ُيفعل في البرابرة األقوياء في الجسد‬
‫ويعانون الكدح سوى الغضب وهو أسوأ عدو لهم؟ والمجالدون ً‬
‫أيضا – تحميهم‬
‫مهارتهم والغضب يعرضهم للخطر‪.‬‬

‫وما الحاجة للغضب حين يكتسب العقل النهاية نفسها؟ هل تفترض أن الصياد‬
‫يشعر بالغضب تجاه الوحوش البرية؟ ومن ثم يواجههم ويقترب منهم ويركض‬
‫خلفهم وهم يفرون‪ ،‬والعقل ُينجز كل هذا دون غضب‪ .‬وعندما تدفق آالف من‬
‫الكامبري ‪ Cimbri‬والتوتوني ‪ Teutoni‬على جبال األلب‪ ،‬فما الذي دمرهم – حتى‬
‫إن شعوبهم عادت إلى ديارها بمجرد سماع األخبار فحسب بترويج اإلشاعة –ولم‬
‫يفلت حتى الرسول‪ -‬فما الذي دمرهم غير أنهم بدلوا الفضيلة بالغضب(‪((3‬؟ وكما‬
‫أن الغضب معروف أحيا ًنا بأنه يمد بالقوة الدافعة وينخفض باألمور عن مسارها‪،‬‬
‫فإنه غال ًبا ما يدمر النفس‪.‬‬

‫«إن الغضب مطلوب إللحاق العقاب»‪ .‬فهل تقصد أن القانون يضربك غاض ًبا‬
‫بما تجهله وما ال تراه وما تأمل ألاَّ يكون موجو ًدا؟ ال‪ ،‬وعلينا أن نعول على العقل‬
‫‪(33) Ibid: b3,6.3,p67-68.‬‬
‫‪Tusculan Disputations‬‬ ‫(‪ ((3‬هذا موقف شيشرون ينسبه للمشائيين في المناظرات التوسكوالنية‬
‫‪.4.43; cf. §7.1n‬‬
‫(‪ ((3‬إن الحديث عن الفضيلة هنا أحرى من الحديث عن بعض الصفات النوعية وهو يوافق الموقف‬
‫الرواقي بأن الفضيلة مطلقة ووحدة متكاملة (‪ :)cf. On Clemency 1.5.3‬حيث ال يمكن للمرء‬
‫حكيما‪ ،‬والشجاعة والحكمة طرائق متمايزة للفضيلة‬
‫ً‬ ‫أن يكون شجاعً ا دون أن يكون معتدلاً أو‬
‫تعبر بها عن ذاتها‪ ،‬وال تُجمع الشخصية الفاضلة من عناصر منفصلة‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫في القانون الذي ال يغضب بل يحل‪ ،‬فمن الصواب أن يغضب الرجل الصالح‬
‫من األفعال الخبيثة‪ ،‬ومن الصواب أن يسخط من حظوظ الخبثاء‪ .‬والحقيقة أن ما‬
‫أناسا بعينهم يتأنقون ويتعسفون لطف‬
‫يستحق السخط أكثر من هذه الحقيقة أن ً‬
‫الحظ عندما ال يواكبهم الحظ ليجدوا ما يبغونه؟ ولكن الرجل الصالح يتطلع إلى‬
‫أفضليتهم دون سخط‪ ،‬كما أنه ينظر إلى جرائمهم دون غضب‪ :‬فالقاضي الخ ِّير‬
‫يدين أشياء تستحق التأنيب وهو ال يكرههم‪.‬‬

‫و‪ -‬الغضب والعقل‪:‬‬


‫واآلن ليس من شك في أن الغضب يتحرك عندما يكون لدينا انطباع بأننا‬
‫عم إذا‬
‫الفعلي الذي يشن هجومه دون تشارك للعقل أم إذا تعرضنا لظلم‪ ،‬والتساؤل َّ‬
‫كان الغضب الذي يتبع مباشرة المشهد كان ُيستثار بموافقة العقل(‪.((3‬‬

‫معبرا عن الرأي الرواقي‪« :‬إننا نظن أن الغضب ال يجتاز شيئًا‬


‫ويقول سينيكا ً‬
‫انطباعا بأن أحدهم ارتكب‬
‫ً‬ ‫من تلقاء ذاته بل يعمل بموافقة العقل‪( :‬أ) حيث يأخذ‬
‫خطأ‪( ،‬ب) ثم يرغب في االنتقام منه‪( ،‬ج) ثم يجمع كليهما في حكم بأن أحدهما‬
‫ال ينبغي أن ُيضر ويجب االنتقام من اآلخر‪ -‬وال يصدر هذا الدافع مستقلاًّ عن‬
‫إرادتنا»(‪.((3‬‬

‫ويتخيل سينيكا في حواره بأن هناك َمن يسأله عن الغاية من الحديث عن‬
‫الغضب والعقل‪ ،‬وهو يرى «أن الغرض هو معرفة ما هو الغضب‪ ،‬ألنه إن كان يأتي‬
‫للوجود ضد إرادتنا فإنه لن يرضخ للعقل أبدً ا– والحقيقة أن أي نزعات تحدث‬
‫مستقلة عن إرادتنا ال يمكن التغلب عليها أو تجنبها‪ ،‬كالرعشة حينما ُنرش بالماء‬
‫البارد أو االشمئزاز عند لمس أشياء بعينها أو الطريقة التي يقف بها شعرنا لمنتهاه‬
‫‪(36) on anger: b2,1.3,p34.‬‬
‫‪(37) Ibid: b2,1.4,p34.‬‬

‫‪236‬‬
‫في األخبار السيئة‪ ،‬أو االحمرار عندما نسمع كلمات فاحشة‪ ،‬أو دوخة تنتابنا حين‬
‫أي من هذه االستجابات ليست في قوتنا‪ ،‬فأي‬
‫ننظر لألسفل من الجرف‪ ،‬وإن كان ٌّ‬
‫شكل للعقل ليس بمقدوره أن يجادل ضد وقوعها»(‪.((3‬‬

‫وهنا يقدم سينيكا مذه ًبا في ‘االستعداد لالنفعال ‪’preparations for passion‬‬
‫أو ما يعرف بـ«ما يسبق االنفعال ‪ »pre-passions‬وهو لفظ ‪ propatheiai‬الذي‬
‫استُعمل ألول مرة في المسيحية عند الفيلسوف أوريجين في القرن الثالث‬
‫الميالدي‪ ،‬وهي مؤثرات نفسية ال إرادية‪ ،‬وتماثل كلمة منعكس ‪ reflex‬وهي جزء‬
‫ال يتجزأ من طبيعتنا البشرية‪ ،‬وحتى الحكيم يختبرها بما هي‪ ،‬ويفسر سينيكا دورها‬
‫في االنفعاالت في كتاب الغضب ‪ ،2–4.1‬وقد يرد المفهوم إلى خريسبوس وهو‬
‫أول من صاغه‪ ،‬وقد لمح إليه شيشرون في المناظرات التوسكالنية‪ ،‬وكذلك كتب‬
‫عنه فيلون السكندري باختصار قبل سينيكا‪ ،‬وقد تناوله إبكتيتوس بالتفصيل‪.‬‬

‫إال أن الغضب على النقيض يجنح بالتوجيه؛ ألنه خطأ من العقل يخضع‬
‫إلرادتنا‪ ،‬وهو ليس من بين األمور التي تحدث لنا لكوننا بشرًا‪ ،‬بل يقع على الحكيم‬
‫الحق ً‬
‫أيضا‪ ،‬وهو من بين األمور التي تحتوي على صدمة عقلية أوالنية تثيرنا عندما‬
‫نعتقد أننا تعرضنا لظلم‪.‬‬

‫والعقل واالنفعال ‪-‬كما قلت‪ -‬ليسا لهما أماكن متمايزة ومفارقة‪ ،‬بل يتحول‬
‫العقل إلى حالة أفضل وأسوأ‪ ،‬وإال كيف يبعث ذاته بمجرد بزوغ الغضب عندما‬
‫تربكه الرذيلة وتستولي عليه؟ أو كيف يحرر ذاته من حالة الوحل التي يهيمن فيها‬
‫خليط العناصر الرئيسة؟(‪.((3‬‬

‫وهذا يستدعي أن أطرح سؤالاً ‪ :‬هل العقل أقوى من االنفعال أم أضعف؟ وإذا‬
‫‪(38) Ibid: b2,1.5,p34.‬‬
‫‪(39) Ibid: b1,8.3, p21.‬‬

‫‪237‬‬
‫كان هو األقوى‪ ،‬كيف يستطيع العقل أن يضع حدًّ ا لالنفعال حيث إن القاعدة تقول‬
‫إن الكيانات الضعيفة هي التي تمتثل فحسب؟ وإذا كان هو األضعف‪ ،‬فإن العقل‬
‫ٍ‬
‫كاف في ذاته إلنجاز األمور دون غضب وال يسعى لمساعدة طرف أضعف(‪.((4‬‬

‫وربما يعترض ٌ‬
‫امرؤ على أن «بعض الناس حين يغضبون يتصرفون باتساق‬
‫ويتحكمون في ذاتهم»‪ ،‬ويرد سينيكا بأن هذا يحدث حين يصل الغضب إلى نقطة‬
‫التالشي فينسحب من تلقاء ذاته‪ ،‬وليس في حالة الغليان بالفعل حيث يكون هو‬
‫األقوى(‪.((4‬‬

‫ويؤلف المعترض حجة أخرى بأنه من المؤكد أحيا ًنا حتى في حالة الغضب‬
‫أنهم ُيسرحون الذين يكرهونهم وال يؤذونهم وال يمسونهم ويمنعون أنفسهم عن‬
‫فعل الضرر‪ ،‬ويرد سينيكا على هذا التأليف بأنهم يفعلوا هذا ولكن متى؟ عندما‬
‫يصطدم االنفعال بآخر أو ينتاب طريقهم رغبة أو خوف ً‬
‫أيضا‪ ،‬ومن ثم ال يزال‬
‫الغضب آنذاك ليس في صالح العقل‪ ،‬بل تحت أثر االنفعاالت الغادرة والملعونة‬
‫والمؤتلفة (‪.((4‬‬

‫وإن طبيعة العقل «ال تحث ألفعال تشبه الحرب‪ ،‬وال ينبغي أن تعين الفضيلة‬
‫الرذيلة‪ ،‬وهي كافية بذاتها‪ ،‬وحين تحتاج الفضيلة إلى فعل ُمجحف ال ُتشعل‬
‫الفضيلة الغضب‪ ،‬بل ترتفع وتتحرك بقدر ما تستدعي الضرورة‪ ،‬ثم تهدأ كما تطير‬
‫المقذوفات من المقاليع التي يتحكم فيها القاذفون الذي ُيعايرون عزم دورانها»(‪.((4‬‬

‫وبناء على ذلك ال يضفي العقل أبدً ا دوافع طائشة وعنيفة إلى أسلحته؛ حيث‬
‫ليس للعقل ذاته سلطة‪ ،‬وال يمكن كبح الدوافع دون وضع دوافع مضادة مشابهة لها‬
‫‪(40) Ibid: b1,8.5,p21.‬‬
‫‪(41) Ibid: b1,8.6,p21.‬‬
‫‪(42) Ibid: b1,8.7,p21.‬‬
‫‪(43) Ibid: b1,9.1,p22.‬‬

‫‪238‬‬
‫مثل الخوف مقابل الغضب‪ ،‬والغضب مقابل الفتور‪ ،‬والرغبة مقابل الخوف(‪.((4‬‬

‫وربما ليست الفضيلة بعيدة عن هذا الشر‪ ،‬ولهذا السبب تجد لها مأوى في‬
‫الرذيلة‪ .‬والعقل في هذه الحالة– محمي بإخفاقاته وعاجز عن الشجاعة إال حين‬
‫الغضب‪ ،‬أو نشيط إال حين الرغبة أو هادئ إال حين الخوف‪ -‬ال يجد سكينة‬
‫ً‬
‫وارتباكا حوله بالضرورة؛ حيث إن العقل الذي ُيصبح عبدً ا لبعض‬ ‫واثقة‪ ،‬بل تقل ًبا‬
‫االنفعاالت كما لو كان موجو ًدا في مملكة طاغية‪ ،‬أليس من المخجل أن تجعل‬
‫الفضيلة في كنف الرذيلة؟(‪.((4‬‬

‫ْ‬
‫أضف إلى ذلك‪ :‬يتوقف العقل عن القدرة على عمل أي شيء إذ انعدمت قدرته‬
‫صنوا لالنفعال ومكافئًا له‪ .‬فما الفرق الذي يحدث إن كان‬
‫دون االنفعال حيث يبدأ ً‬
‫واهن؟ إن االثنين متكافئان‪ ،‬فال‬
‫ٌ‬ ‫االنفعال دون عقل؟ وهل العقل دون االنفعال‬
‫يوجد أحدهما دون اآلخر‪ ،‬و َمن الذي يستطيع أن يوازن بين العقل واالنفعال(‪((4‬؟‬

‫ولكن هل االنفعال مفيد إن كان معتدلاً فحسب؟ يرى سينيكا أن االنفعال ال‬
‫نافعا إال بالطبيعة‪ ،‬ولكنه إذا تجاهل أوامر العقل فإنه سوف يتحقق باالعتدال‬
‫يكون ً‬
‫معتدل(‪((4‬‬ ‫هذا فحسب‪ :‬فنقصانه يقلل ضرره‪ ،‬فاالنفعال المعتدل هو مجرد شر‬
‫ويقصد سينيكا بكلمة شر معتدل اجتماع لفظتين متناقضتين‪ ،‬وهو ما يعادل لفظة‬
‫مستحيل؛ ألن الخير والشر عند الرواقية سواء دون درجات أو تبعيض‪.‬‬

‫وقد رأى أرسطو «أن الغضب الذي يحرق القلب يستمع للعقل إلى حد ما‪،‬‬
‫إنما هو فقط يسيء االستماع له كهؤالء الخدم الذين هم في غيرتهم يجرون قبل‬
‫أن يسمعوا ما يقال لهم وبذلك يخطئون في األمر الذي ينفذونه‪ ،‬وكالكالب التي‬
‫‪(44) Ibid: b1,10.1,p22.‬‬
‫‪(45) Ibid: b1,10.2,p‬‬
‫‪(46) Ibid: b1,10.3,p‬‬
‫‪(47) Ibid: B1,10.4,p23.‬‬

‫‪239‬‬
‫قبل أن ترى ما إذا كان القادم صدي ًقا تنبح لمجرد أنها سمعت ًًّ‬
‫حسا‪ ،‬وهذا ما يفعل‬
‫القلب الذي باستسالمه لحدته وثوراته الطبيعي‪ ،‬وبمجرد أن سمع بعض شيء‬
‫من العقل دون أن يسمع كل األمر الذي يأمره به هو يندفع لالنتقام‪ ،‬لقد كشف‬
‫له الدليل أو التصور أن هناك إهانة فسرعان ما يستنتج بنوع من القياس أنه يلزم‬
‫مناهضة هذا العدو ويحتد ويهجم في الحال»(‪.((4‬‬

‫ويوجهنا سينيكا إلى تساؤل مفاده يتعلق بالغضب والحكيم‪ ،‬فيقول‪« :‬وهل‬
‫تقصد أن الرجل الحكيم حين يواجه شيئًا من هذا القبيل ال ينزعج وال يتحرك أزيد‬
‫من المألوف؟»‪ ،‬أجزم أنه سوف يشعر برقة ولطف بعينه‪ ،‬وكما يقول زينون سوف‬
‫يبقى في عقل الحكيم ندبة حتى لو التئم الجرح‪ ،‬ولذلك يشعر ببعض تلويحات‬
‫وظالل لالنفعاالت‪ ،‬ولكنه سوف يتحرر من االنفعاالت ذاتها(‪.((4‬‬

‫وهذه الرقة واللطف يجب أن يختلفا عن الصدمة العقلية‪ ،‬والتي يقال إن‬
‫الحكيم يجربها في مناقشة «ما يسبق االنفعال»‪ ،‬و ُيجرب الحكيم هذا ألنه جزء‬
‫ال ينفصل عن طبيعة البشر‪ ،‬واستعارة «الندبة» و«الجرح» (تُنسب إلى زينون‬
‫هنا)‪ ،‬وتفترض أن االستثارة اللطيفة ليست فطرية في بنية اإلنسان‪ ،‬بل هي لملمة‬
‫َ‬
‫أحمق‪ ،‬ألن‬ ‫«جروح»‪ -‬حادث عارض النفعال‪ -‬يعانيه عقل الحكيم حين ال يزال‬
‫«الحكيم ال ُيولد بل ُيصنع»‪.‬‬

‫ويقتبس سينيكا قول أرسطو عندما يرى أنه «إذا استعملت بعض االنفعاالت‬
‫على نحو حسن‪ ،‬فإنها تعين كأسلحة‪ ،‬وقد يصح هذا إذا تشابهت مع أسلحة‬
‫الحرب يمكن أن تأخذ بها أو ُترجئ بها الحكم على المرء الذي يتحكم فيها‪.‬‬

‫(‪ ((4‬أرسطو‪ :‬علم األخالق إلى نيقوماخوس‪ ،‬ترجمه من اليونانية إلى الفرنسية بارتملي سانتهيلر‪،‬‬
‫ونقله إلى العربية أحمد لطفي السيد‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪1924 ،‬م‪ ،‬ك‪،7‬ب‪،6‬ف‪،1-3‬‬
‫ص‪.181‬‬
‫‪(49) Seneca:on anger, op.cit,b1,16.7,p28.‬‬

‫‪240‬‬
‫ولكن هذه األسلحة التي يعطيها أرسطو للفضيلة تقاتل كل شيء بمفردها‪ ،‬وهي‬
‫ال تنتظر اليد التي تتدبر أمرها‪ ،‬فهي ال تملك بل تفعل االمتالك»(‪.((5‬‬

‫وقد جعل سينيكا رأيه هجو ًما على رأي أرسطو في الغضب‪ .‬فيرى أرسطو‬
‫أن الغضب مهماز الفضيلة‪ ،‬وأن َمن ال يعرف الغضب روحه بليدة‪ ،‬فقد أقر أن‬
‫الغضب ضروري‪ ،‬ففي المعركة الغضب ينبه العقل ويشعل الروح‪ ،‬فال يمكننا‬
‫الفوز من دونه‪ ،‬فهو يساعد كقائد‪ ،‬ولكنه مثل الجندي في المعركة‪ ،‬ويعترض‬
‫موضحا بأن ال شيء أكثر قوة في الروح من الغضب‪،‬‬
‫ً‬ ‫سينيكا على كالم أرسطو‬
‫فهو شر وال يمكن للشر أن يكون وسيلة لمساعدة الفضيلة‪ ،‬فالغضب ال يمكن‬
‫أن يستخدم كسالح في خدمة الخير‪ ،‬وأن نضع األسلحة األخرى جان ًبا‪ ،‬ففي‬
‫المعركة يقاتل أفضل الذي يحافظ على عقله ومقدرته على التحكم‪ ،‬فيرى سينيكا‬
‫أن أرسطو أخطأ في رأيه ألن الغضب ال يستمع إلى العقل عندما يشعل؛ إذ كيف‬
‫يقاوم ويخضع لألوامر‪ ،‬فالغضب ينقلنا بعيدً ا من خالل نزواته وانتقاماته‪ .‬يقول‬
‫سينيكا‪ :‬أكرر‪ ،‬إن الغضب ال يشمل أي شيء نافع‪ ،‬وال يثير العقل في األعمال‬
‫الحربية‪ ،‬ألن الفضيلة لديها الكفاية الذاتية‪ ،‬ال تحتاج للمساعدة من الرذيلة‪ .‬كما‬
‫أنها ال تحتاج إلى المسعى العنيف‪ ،‬فالعقل ال يحمس بالغضب‪ ،‬ولكنه يستجمع‬
‫متنبها أو يسترخي وف ًقا لتقديره للموقف‪ ،‬وهذا ما يحدث‬
‫ً‬ ‫معا ويستيقظ‬
‫قواه ً‬
‫عندما محرك الحرب يقذف القوة لسهامه‪ ،‬فالبارع هو الذي يتحكم في توتره مع‬
‫اندفاعه‪ ،‬فالرجل الخير سيواجه الخطر بهدوء من دون اضطراب‪ ،‬بدافع اإلحساس‬
‫بالواجب‪ ،‬وسيواجه بقوة ومثابرة‪ ،‬وهذا ما يثير االنفعاالت عنده(‪.((5‬‬

‫ليس هناك حاجة ألسلحة أخرى‪ :‬حيث سلحتنا الطبيعة بما فيه الكفاية بالعقل‬
‫وهو قذيفة محققة وجاهزة وقادرة وليس حدَّ اها بعاجزين عن الرجوع لسيدها‪.‬‬
‫‪(50) Ibid:B1,17.1,p29.‬‬
‫‪(51) Vernon Arnold: Roman stoicism» the Humanist press New York, 2010,P. 334.‬‬

‫‪241‬‬
‫والعقل ٍ‬
‫كاف بذاته ولذاته ليس في التخطيط للمستقبل بل تسيير األمور‪ ،‬والحقيقة‬
‫أليس من الحماقة أن تسعى لتحصين العقل من غضب وثبات ووثوق وعافية تأتي‬
‫ٍ‬
‫امرئ متذبذب وغير جدير بالثقة ومريض؟(‪.((5‬‬ ‫من‬

‫وأما عن عالقة الغضب بالشر والعقل‪ ،‬فإن الغضب الذي يؤكد عليه سينيكا‬
‫هو ما يتسم بالشر؛ حيث عدم القدرة في السيطرة عليه‪ ،‬ويتنامى اشتياطه من‬
‫ًّ‬
‫منقضا إلرادته‪ .‬ويتعقب نوايا ضحاياه بالصراخ والضجيج‬ ‫الحقيقة ذاتها إذا ظهر‬
‫واهتزاز الجسم كله وإضافة وابل من الشتائم والقسوة‪.‬‬

‫وال يفعل العقل هذا‪ ،‬وإن دعت الحاجة إلى ذلك فإنه يقضي على األسر بأسرها‬
‫–في صمت وهدوء‪ -‬ويدمر األسر التي هي بالء على األمة ناهيك عن زوجاتهم‬
‫وأطفالهم‪ ،‬إنه يسقط المباني و ُيبيد الجماعات التي هي أعداء للحرية‪ ،‬إنه يفعل‬
‫ٍ‬
‫بقاض‪ ،‬فينبغي‬ ‫كل هذا دون صرير ألسنانه أو يلوح برأسه أو أي سلوك آخر ال يليق‬
‫أن يكون محياه هاد ًئا‪ ،‬فتعظم هذه الطمأنينة عندما يصدر ً‬
‫أمرا ها ًّما(‪.((5‬‬

‫حوارا مع جمهوره المتخيل حول استحالة استئصال الغضب‬


‫ً‬ ‫وقد أدار سينيكا‬
‫من النظام البشري‪ ،‬حيث إن نزع الغضب يضمر في ذاته عند سينيكا استئصال الشر‬
‫«عليك أن تستأصل الشر من النظام الطبيعي إن أردت أن تستأصل الغضب‪ ،‬وهذا‬
‫محال»‪ ،‬ففي المقام األول يمكن للمرء أن يتحاشى البرد في شهور الشتاء والقيظ في‬
‫شهور الصيف‪ :‬إما حيث توفر المواقع المفضلة الحماية من التطرفات الموسمية أو‬
‫المتانة الجسدية التي تتغلب على مشاعر الحرارة والبرودة‪ .‬وفي المقام الثاني بمجرد‬
‫تحول هذا التعليق من حولك‪ :‬عليك أن تستأصل الفضيلة من العقل قبل أن ُترحب‬
‫أن ِّ‬
‫بالغضب؛ ألن الرذائل ال تتعايش مع الفضيلة‪ ،‬وال يمكن ألحد أن يكون غاض ًبا وخ ِّي ًرا‬
‫وصحيحا في آن‪ .‬ولكنك تقول‪« :‬ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مريضا‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬كما ال يمكن أن يكون‬
‫‪(52) Ibid: B1,17.2,p29‬‬
‫‪(53) Ibid:, B1,19.2,p31.‬‬

‫‪242‬‬
‫يمكن استئصال الغضب من العقل تما ًما حيث ال تسمح طبيعة البشر بهذا»‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ليس من شيء يشق ويصعب على فكر البشر‪ ،‬فديمومة الممارسة تجعله رفي ًقا‬
‫لينًا‪ ،‬وليس من انفعاالت وحشية ومفارقة ال يروضها هذا الدرب تما ًما‪.‬‬

‫وأ ًّيا كانت الوصية التي منحها العقل البشري لذاته فإنه معتصم‪ :‬فبعض الناس‬
‫قد نجحوا في عدم الضحك‪ ،‬وبعضهم حرم على جسده الخمر‪،‬وآخرون الجنس‪،‬‬
‫وال يزال آخرون مائعين‪ ،‬وبعضهم جفا النوم وواصل في سهر ال يكل‪ ،‬وتعلم الناس‬
‫كيف يركضون على حبال دائبة مطاطة وهم ويحملون أثقالاً تنوء بها قوة البشر‪،‬‬
‫ويغوصون أعما ًقا غامضة‪ ،‬ويمخرون البحار ال يلتقطون أنفاسهم‪ ،‬وهناك آالف‬
‫األمثلة األخرى لمثابرة التغلب على كل حائل‪ ،‬تبين أن ال شيء يصعب عندما ُيلزم‬
‫العقل ذاته بتحمله(‪.((5‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الجوانب العالجية‪:‬‬


‫نبعت األخالق الرواقية من فكرة القدرة العقلية الال محدودة في كل إنسان‪،‬‬
‫وفهمت الرواقية الرومانية هذه القدرة على أنها محور عملي وأخالقي(‪ ،((5‬كما‬
‫رأت الرواقية أن الفضيلة هي الخير األوحد‪ ،‬بينما األشياء األخرى من طعام وصحة‬
‫أمورا محايدة تقتصر أهميتها على كونها عوامل مساعدة‬
‫ً‬ ‫وما شابه ذلك‪ ،‬تعد‬
‫يستخدمها الكائن الحي للحفاظ على سالمة فطرته كل على حسب نوعه‪ ،‬وألن‬
‫البشر يتميزون بالعقل‪ ،‬فإن دوافعهم تتجه نحو صيانة العقل من خالل التصرف‬
‫برشد واستقامة‪ ،‬بهذا المعنى يكون العقل هو محل نزوع اإلنسان‪ ،‬وتصبح األشياء‬
‫الخيرة هي شغله الشاغل‪ ،‬وعليه فإذا كان العقل في حالة جيدة يكون اإلنسان في‬
‫‪(54) Ibid:B1,12.1.2.3,p24.‬‬
‫(‪ ((5‬سينيكا‪ :‬عن اإلحسان‪ ،‬ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية ميريام جريفين و براد إنوود‪ ،‬ترجمه‬
‫إلى العربية د‪ .‬حمادة أحمد علي‪ ،‬دار آفاق للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪2018 ،‬م‪( ،‬مقدمة عن‬
‫الرواقية)‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪243‬‬
‫حالة جيدة(‪ ((5‬لذا كانت الحياة الرواقية عملية عالجية مستمرة أبدعتها التدريبات‬
‫العقلية لفطام العقل من مصادراته الفجة‪ ،‬وتصف أعمالهم عملية العالج‪ ،‬والتي‬
‫يمكن للقارئ أن يحقق من خاللها الفضيلة الرواقية‪ ،‬وغال ًبا ما يشركون القارئ في‬
‫هذه العملية‪ ،‬فقد وصف أبكتيتوس وماركوس أوريليوس عملية التأمل المتكررة‪،‬‬
‫كما وصف سينيكا في مقاله عن الغضب محاسبة ذاته ليلاً ‪ ،‬وعرض ً‬
‫أيضا في‬
‫خطاباته لدور المعلم الحكيم الذي يمكن أن يقوم به في مثل هذه العملية‪ ،‬ولم‬
‫يفكر سينيكا فيما إذا كان هو ذاته خال ًيا من المصادرات الخاطئة(‪.((5‬‬

‫بل إنه ركز في تطبيق المبادئ األخالقية الرواقية على حياته وحياة اآلخرين‬
‫بالمثل‪ ،‬والتساؤل الذي هيمن على كتاباته الفلسفية هو كيف يعيش المرء حياة‬
‫بطوليا يضع اإلنسان الناجح‬
‫ًّ‬ ‫مسعى‬
‫خيرة‪ ،‬وأن السعي للفضيلة والسعادة إنما هو ً‬
‫فوق بطش االنتهازية وفي مستوى الرب‪ ،‬وتحقيق هذه الغاية حول سينيكا الحكيم‬
‫إلى شخصية ملهمة بإمكانه حفز اآلخرين ليتبعوا مثاله بلطف اإلنسانية وبهجة‬
‫الهدوء‪ ،‬ومفتاح فلسفته هو كيف يوفق المحنة اإلنسانية بالعناية اإللهية‪ ،‬وكيف‬
‫يحرر ذاته من انفعاالت الغضب والحزن‪ ،‬وكيف يواجه الموت‪ ،‬وكيف يحرر‬
‫ذاته من المشاركة السياسية‪ ،‬وكيف يعيش الفقر ويستخدم الثروة‪ ،‬وكيف يفيد‬
‫اآلخرين‪ ،‬وقد نظر إلى هذه المساعي في سياق أسمى وهو منظور األلوهية العاقلة‬
‫والفاضلة ليحقق نفس الفضيلة في محاوالت البشر(‪.((5‬‬

‫وقد حدد سينيكا مراحل ثالث للتقدم األخالقي دون مستوى الحكيم‪ ،‬ويعاينها‬
‫وف ًقا الفتقادنا لالنفعاالت العقلية (‪ .)Letters 75‬واألولى‪ :‬حالة تقترب من وجود‬
‫‪(56) Tad Brennan: The Stoic Life:Emotions,Duties,and‬‬ ‫‪Fate ,Clarendon,Oxford‬‬
‫‪University Press,2005‬‬ ‫‪, P.156‬‬
‫(‪ ((5‬سينيكا‪:‬عن اإلحسان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ :‬ص‪.11‬‬

‫‪244‬‬
‫الحكيم‪ ،‬وهو الشخص الذي لم يتيقن بعد أن الوجود بإمكانه مجابهة االنفعاالت‬
‫العقلية و ُت َّ‬
‫سمى العواطف أباثيا‪ ،‬والثانية‪ :‬المرحلة األدنى من المرحلة السابقة وهو‬
‫الشخص الذي ينزلق إلى مستوى أدنى في التقدم فيتجنب ً‬
‫بعضا من االنفعاالت‬
‫العقلية‪ .‬واألخيرة‪ :‬أدنى المراحل‪ ،‬وهم أناس ال ُيحصون وال يحققون أي تقدم‪،‬‬
‫ولم يقل سينيكا في حقهم شيئًا سوى أنه تجنبهم ألنهم ملوثون‪ ،‬وهم مختلفون‬
‫عن الذين يناضلون‪ ،‬ويذوقون المر في البداية ليصبحوا في حالة أفضل إال أنها فترة‬
‫وجيزة وستنقضي‪ ،‬ويقول سينيكا عنهم‪« :‬حين يحرمون األنين واآلهات‪ ،‬س ُيختار‬
‫منهم ألطف النبرات»(‪.((5()Letters 23.4‬‬

‫وبعد أن تناول سينيكا األسئلة التي تتعرض للغضب من الجانب النظري‬


‫تحول إلى عالجه‪ ،‬ويرى هذا العالج في غايتين أساسيتين‪ :‬وهي أال نقع في‬
‫الغضب‪ ،‬وأال نخطأ عند الغضب‪ ،‬كما نتعهد أجسادنا ببعض الوصفات متطلعين‬
‫إلى الحفاظ على الصحة وبعضها الستعادتها‪ ،‬ولذا علينا أن ُنبقي على الغضب‬
‫من طريق ونكبحه من طريق آخر‪ ،‬وبهذا يمكننا من تحاشي الغضب‪ ،‬وسوف ُأ ِّ‬
‫قدم‬
‫بعض الوصفات التي تتعلق بطرائق حياتنا ككل‪ :‬ووزعتها بين فترة تربية األطفال‬
‫والفترة التي تليها(‪.((6‬‬

‫التربية‪:‬‬
‫يقول سينيكا في الكتاب الثاني من الغضب‪« :‬تتطلب تربية الطفل اهتما ًما أكبر‬
‫وسوف تحقق عائدً ا أعظم؛ ألنه من السهل أن تغرس نظا ًما أفضل في العقول وهي ال‬
‫تزال لينة‪ ،‬ومن الصعب أن نستأصل الرذائل التي نمت معنا»(‪ .((6‬وليس هناك ما هو‬
‫إثما أن أهملوا أبناءهم في طفولتهم‪،‬‬
‫أعظم من منح اآلباء ألطفالهم‪ ،‬وكفى باآلباء ً‬

‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ :‬ص‪.14‬‬


‫‪(60) Seneca: on anger, op.cit, B2,18.1,p64.‬‬
‫‪(61) Ibid: B2,18.1,p64.‬‬

‫‪245‬‬
‫وأن أضاعوهم حيث لم يبذروا فيهم التفاني في اإلحسان‪ ،‬ويسير الشيء نفسه إلى‬
‫أعمال الخير األخرى‪ ،‬فإن لم يعينوهم على طول الخط سيفقدونهم‪ ،‬وليس كاف ًيا أن‬
‫تعطي اإلحسان‪ ،‬بل يجب أن تحافظ عليه‪ ،‬وإذا أراد َمن يلزمونك أن تكون ممتننًا بما‬
‫هو أكثر من أعمال الخير فهو أن تحبهم(‪ ،((6‬وينبغي أن تضيف إلى أعمال الخير‬
‫عندك كل شكل للطف‪ ،‬فقد يفقد الزارع ما يزرع إذا توقف عن رعايته‪ ،‬حيث تحتاج‬
‫النباتات إلى قد ٍر كبي ٍر من العناية لتنتج المحاصيل‪ ،‬ولن تجني ً‬
‫ثمرا إن لم تتعهد ما‬
‫زرعته من غرسه حتى حصاده‪ ،‬ويسير الشيء نفسه على أعمال الخير(‪.((6‬‬

‫ويشدد سينيكا «على الفائدة العظيمة المستمدة من تربية األطفال بطريقة‬


‫صحيحة منذ بدايتهم‪ ،‬ومع ذلك من الصعب أن نرشدهم ونحن نحاول تغذيتهم‬
‫بالغضب أو تقويض قدراتهم الطبيعية‪ .‬وإن األمر يتطلب مراقبة دقيقة؛ ألن الشيء‬
‫الذي تحاول تشجيعة والمرء الذي تحاول قمعه كليهما ُيغذى بأشياء متشابهة‪،‬‬
‫واألشياء المشابهة تخدع بسهولة حتى المراقب اليقظ‪ .‬فالحرية تنمي الروح‬
‫والمذلة ُتعجزها‪ ،‬والروح تبتهج حين تثنيها فتبني احتمال حسن ُيرضيها‪ -‬ولكن‬
‫العجرفة والغضب لها نفس المصدر‪ ،‬وبالتالي علينا أن نرشد باعتدال مستخدمين‬
‫القيود والوخز»(‪.((6‬‬

‫بائسا‪ ،‬ال شيء يستحق أن تكون له عبدً ا‪،‬‬


‫«ودع روح الطفل ال تعاني شيئًا ً‬
‫وانظر إنه ال يحتاج إلى السؤال والتملق – وانظر ألاَّ يشق طريقه بمثل هذه األفعال‪.‬‬
‫وينبغي أن ُيمنح ما يريده لمصلحته ولسلوكه األولي وللسلوك الحسن الواعد‬
‫للمستقبل‪ .‬وعندما يتنافس مع أقرانه ال ندعه يجهد وال يغضب‪ ،‬وينبغي أن نبذل‬
‫جهدً ا لنضمن أنه يتنافس بانتظام مع أصدقائه‪ ،‬حتى يعتاد الرغبة في الفوز وليس‬

‫(‪ ((6‬سينيكا‪ :‬عن اإلحسان‪ ،‬ك‪ ،5-11 ،2‬ص‪.59‬‬


‫(‪ ((6‬سينيكا‪ :‬عن اإلحسان ك‪ ،4-11 ،2‬ص‪.59‬‬
‫‪(64) Seneca:on anger, op.cit,B2,21.1.2.3,p48.‬‬

‫‪246‬‬
‫إيذاء اآلخر‪ ،‬وعندما يعلو على القمة ويفعل ما يستحق الثناء‪ ،‬ندعه يبتهج وال‬
‫يختال؛ فاللعب ينجح بالغبطة والتي بدورها ترفع الرأس و ُتعلي الرأي‪ .‬وسوف‬
‫نمنح ً‬
‫بعضا من االسترخاء‪ ،‬ولن نسمح لهم أن يغضوا في كسل وخمول‪ ،‬ونحفظ‬
‫لهم وسائل الترفيه‪ ،‬وال شيء يجعل الناس أكثر ميلاً للغضب من أن يتربوا في‬
‫اللين والكدر‪ ،‬ولهذا السبب إذا كان الطفل وحيدً ا كان مدللاً ومنح حرية أكبر‪،‬‬
‫وفسد عقله‪ .‬وأن المرء الذي لم ُي َق ْل له «ال» مطل ًقا ومسحت أمه المتلهفة دموعه‬
‫وتصفح له في قوله‪ ،‬فإن هذا المرء لن يقاوم إهانة»(‪.((6‬‬

‫«ويقينًا أنك تدرك أنه كلما عظمت ضربة الحظ الحسن زاد الغضب المصاحب‬
‫لها‪ ،‬وهذا جلي في حال األثرياء والنبالء والوالة؛ فكل شيء تافه وفارغ في بنيته‬
‫جناحا عندما يهفه النسيم من خلفه‪ ،‬والرخاء ُيغذي الغضب عندما‬
‫ً‬ ‫الذهنية يتخذ‬
‫يحيط حشد إمعة برجل متغطرس‪ ،‬ويهمسون في إذنه «ح ًّقا‪ ،‬هل سيتحدث معك؟‬
‫ال تمنح بسمو قدرك الفياض‪ ،‬وال تحط من قدرك»‪ ،‬وأشياء أخرى قاومتها العقول‬
‫السليمة بثبوت قدم بالكاد»(‪.((6‬‬

‫وأثناء تعليم األبناء كل ما سبق يجب على اآلباء ترسيخ أحد الثوابت في‬
‫عقولهم وهو وجود سياج محكم حول ما يقع تحت إرادتهم من أمور‪ ،‬وما هو‬
‫خارج عنها من قوانين الطبيعة وهو ما ُيدعى بالعناية الربانية والتي يرى سينيكا‬
‫أنه ال يوجد تعارض بين وجودها من جهة وإصابة الصالحين بالمحن من جهة‬
‫تر كيف يراعي اآلباء‬
‫أخرى‪ ،‬فهو يشبهها بتربية الوالدين لألبناء فيقول‪ :‬ألم َ‬
‫أطفالهم من جانب واألمهات من جانب آخر؟ فاآلباء يأمرون أطفالهم باالستيقاظ‬
‫مبكرا ليواصلوا درسهم‪ ،‬وال يسمحون لهم بالتراخي حتى في أيام العطالت حتى‬
‫ً‬
‫يتصببوا العرق وأحيا ًنا الدموع‪ ،‬في حين تدللهم األمهات وتتمنى أن تحجبهم عن‬
‫‪(65) Ibid:B2,21.4.5.6,p49.‬‬
‫‪(66) Ibid:B2,,21.7.8.9,p49.‬‬

‫‪247‬‬
‫الناس‪ ،‬فال يواجهون الشقاء‪ ،‬وال يدمعون‪ ،‬وال يكدحون((‪« ،)((6‬وموقف الرب‬
‫من الصالحين مثل موقف األب‪ ،‬إنه يمنحه الحب القاسي قائلاً ‪ :‬دعهم ينكبون في‬
‫األعمال واآلالم والضياع حتى يصبحوا أقوياء ح ًّقا‪ ،‬فالحيوانات السمينة خاملة‬
‫وجامدة‪ ،‬وال تخر قواها حين تكرسها للعمل فحسب بل تعبأ بحمل وزنها‪،‬‬
‫والحظ الحسن الذي ال يعرف عمق الجرح ال يمكن أن يطيق أبسط خدش‪ ،‬وإن‬
‫ً‬
‫سميكا‪ ،‬ولن‬ ‫استمر المرء في المعركة بسوء حظه‪ ،‬فإن جروحه ستمنحه جلدً ا‬
‫سوءا‪ ،‬وباألحرى إذا سقط فإنه سيقاتل حتى ولو على ركبتيه»(‪.((6‬‬
‫يجني ً‬

‫«ويجب إبعاد الطفل عن اإلطراء‪ :‬دعه يسمع الحقيقة‪ .‬ودعه يشعر بالخوف‪،‬‬
‫ويكون محتر ًما فيقف أمام شيوخه‪ ،‬ودعه ال يحصل على ما يريد بالغضب‪ ،‬فما‬
‫يرفضه الطفل لبكائه ينبغي أن ُيعطى له عندما يهدأ‪ ،‬وينبغي أن تكون ثرة أبيه أمامه‬
‫ليراها وال يستعملها‪ ،‬ودعه يأنب نفسه لنقائصه‪ .‬امنح االطفال معلمين هادئين‬
‫وحضورا يعينهم‪ ،‬في أي شيء ناشئ ولين يكرس ذاته لألشياء القريبة ليده وينمو‬
‫ً‬
‫ليشبهها؛ فشخصية الممرضة والمرافقة تنعكس في شخصيتهم عندما يبلغون‪.‬‬
‫عندما تربى الطفل في بيت أفالطون وعاد إلى والديه‪ ،‬ورأى أباه يصرخ‪ ،‬قال‪« :‬لم‬
‫لدي شك أنه كان يقلد والده أكثر من‬
‫أر هذا الصراخ في بيت أفالطون»‪ ،‬وليس َّ‬
‫َ‬
‫أفالطون»(‪.((6‬‬
‫ً‬
‫بسيطا‪ ،‬وملبسه غير متكلف‪ ،‬ونمط‬ ‫وفوق هذا كله‪ ،‬انظر إلى طعامه أن يكون‬

‫(‪ ((6‬سينيكا‪ :‬عن العناية الربانية‪ ،‬ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير‪ ،‬ضمن كتاب‬
‫“محاورات عن الشقاء والسعادة”‪ ،‬وترجمه إلى العربية د‪ .‬حمادة أحمد علي‪ ،‬دار آفاق للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة ‪2018‬م‪ ،)5-2( ،‬ص ‪. 333‬‬
‫(‪ ((6‬سينيكا‪ :‬عن الحياة السعيدة ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير‪ ،‬ضمن كتاب “محاورات‬
‫عن الشقاء والسعادة” ترجمه إلى العربية د‪ .‬حمادة أحمد علي‪ ،‬دار آفاق للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫القاهرة‪2018 ،‬م‪ ،)6-2( ،‬ص‪. 333‬‬
‫‪(69) On anger:op, cit, b2,21.10,p49.‬‬

‫‪248‬‬
‫حياته مثل أقرانه‪ ،‬والطفل الذي تجعله ندًّ ا لكثيرين من البداية‪ ،‬لن يغضب حين‬
‫تقارنه بشخص ما‪.‬‬

‫وعلينا بعد إيضاح دور الطبيعة في حياة اإلنسان وتعريف األبناء بضرورة‬
‫خضوعه لما تفرضه عليه من أمور خارجة عن إرادته‪ ،‬يأتي دور تعليمهم بواجب‬
‫اإلنسان تجاه نفسه في األمور التي تقع تحت إرادته‪ ،‬وهو ما حوته رسالة سينيكا‬
‫«عن صمود الحكيم»‪ ،‬حيث أبرزت قيمة الترفع عن صغائر األمور‪ ،‬فالحكيم ينأى‬
‫عن االتصال باألشياء الدنية حتى ال يحمل قوتها المؤذية على طول الطريق‪ ،‬وحتى‬
‫ضررا يرأفون بقوتهم ويحتفظون بها‪ ،‬وهجومهم‬
‫ً‬ ‫حين يسعى األقوياء ليلحقوا به‬
‫سوف يسقط كل شيء إال الحكمة كأشياء تطلق من قلوع وأقواس حتى لو طارت‬
‫بعيدً ا عما تراه العين ترتد ساقطة‪.‬‬

‫ضبط انفعال الغضب‪:‬‬


‫عبر سينيكا عن كيفية التحكم في االنفعاالت‪ ،‬فيوضح أنه توجد أشياء معينة‬
‫ّ‬
‫تكون بدايتها في سلطتنا‪ ،‬لكنها فيما بعد تحملنا بعيدً ا بقوتها وال تدع لنا طري ًقا‬
‫للعودة‪ .‬كما عندما يقوم شخص بالقفز من مكان مرتفع إلى أسفل‪ ،‬فإنه لن يكون‬
‫لديه سيطرة على ذاته ولكن يمكنه مقاومة السقوط أو اإلبطاء‪ .‬لذلك إذا حدث‬
‫وخضع العقل للغضب والحب وغيرهما من االنفعاالت‪ ،‬فلن يسمح له بمراقبة‬
‫اندفاعه‪ ،‬بل إن نفس الثقل والطبيعة المنحطة للرذائل ال بد أن تجرفه وتأخذه‬
‫إلى القاع‪ .‬إن العقل يسيطر فقط طالما بقي مستقلاًّ عن االنفعاالت‪ ،‬وإذا حدث‬
‫واختلط بهم‪ ،‬فال يمكنه أن يبقيهم تحت المراقبة‪ ،‬رغم أنه كان بإمكانه أن يبقيهم‬
‫في الخارج؛ إذ من األسهل أن نبقي العوامل المؤذية في الخارج وألاَّ نقبلها‪ ،‬من‬
‫أن نوجهها ونتحكم فيها إذا حدث وتم قبولها؛ ألنها عندئذ تكون قد امتلكت‬
‫إنقاصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الزمام وتكون قوتها أكبر ممن يسيطر عليها‪ ،‬ولن تحتمل تخفي ًفا او‬
‫‪249‬‬
‫ويؤكد سينيكا أنه ال يمكن االعتراض بأن بعض الناس يتحكمون في أنفسهم‬
‫عند الغضب‪ ،‬ويرد على هذا االعتراض متسائلاً ‪ :‬هل الغضب أقوى من العقل أم‬
‫أضعف؟ إذا كان أقوى فكيف يمكن للعقل أن يضع حدًّ ا له؟ وإذا كان أضعف‪،‬‬
‫إ َذنْ فالعقل في حد ذاته من دون غضب يكفي إلنجاز األشياء‪ ،‬ولن يبحث عن‬
‫مساعدة الطرف األضعف‪ .‬من ناحية أخرى فإن األشياء الجديرة بأن نمتلكها تكون‬
‫شرا عندما يصبح أكبر‪،‬‬
‫أفضل كلما كان ما نمتلكه منها أكثر‪ .‬ال يوجد خير يصير ًّ‬
‫خيرا فال يمكن القول إنه من األفضل أن ينتقص منها شيء‪ ،‬وإذا‬
‫إذا كانت العدالة ً‬
‫خيرا فال يمكن القول إنه من األفضل أن ينتقص منها شيء‪ ،‬وإذا‬
‫كانت العدالة ً‬
‫خيرا فلن يرغب أحد في أن يتم تقليلها بوجه ما‪ .‬ومن ثم الغضب‬
‫كانت الشجاعة ً‬
‫ً‬
‫أيضا –يجب أن يكون أفضل كلما كان أكبر؛ إذ َمن ذا الذي يرفض زيادة أي خير؟‬
‫ويؤكد الرواقيون أنه ال يمكن استئصال بعض االنفعاالت التي تعبر عن نفسها‬
‫في صورتها المفرطة بشكل خطير كالغضب‪ ،‬واستبقاء انفعاالت أخرى كالحب‬
‫والشفقة بحجة أنها غير مؤذية‪ ،‬هذا غير مقبول‪ .‬إن نفس التقسيمات التي تؤسس‬
‫مجموعة من االنفعاالت –تؤسس بتغيير الظروف أو الزمن– االنفعاالت األخرى‬
‫ال يمكن أن تحب من دون أن تكون عرضة للكره والغضب(‪.((7‬‬

‫يشير سينيكا في منتصف الكتاب الثاني من كتاب الغضب أنه انتهى من مناقشة‬
‫الجانب النظري – قائلاً «التساؤالت التي تثير الغضب» – وسوف يبدأ في عالجه‪:‬‬
‫«دعونا ننتقل لمداواته» (‪ ،)2.18.1‬فهو يحدد في البداية «هدفين رئيسين‪ :‬أال‬
‫نقع في الغضب‪ ،‬وأال نرتكب الخطأ أثناء الغضب»‪ ،‬و ُتغطي هذه األهداف مباشرة‬
‫على أنها «مقاومة للغضب» و«كبح للغضب» (‪ ،)2.18.1‬والهدف الثاني يصيب‬
‫في الحال مالحظة هاجسة بقدر ما يوحي وصفها –على نحو دقيق كما نراها‪-‬‬

‫(‪ ((7‬أميمة ضياء الدين سوكة‪ ،‬االنفعاالت عند الرواقية‪ ،‬مجلة ديوجين‪ ،،2014 ،‬ص ‪.402‬‬

‫‪250‬‬
‫عالجا بالفعل بمعنى يناقض الحالة المريضة كما السيطرة على‬
‫ً‬ ‫وهذا الهدف ليس‬
‫الضرر‪ ،‬وبميزان الكتاب يقدم سينيكا نصيحة بشأن تجنب الغضب‪ ،‬وإن كنت‬
‫راض ًيا عن تحقيق الهدف األول‪ ،‬سوف ننتقل إلى الكتاب الثالث متوقعين منه‬
‫معالجة الهدف المتبقي –كبح الغضب‪ -‬وقد أكدت الجملة األولى هذا التوقع‬
‫«سوف نحاول يا نوفاتوس أن نقوم بما تريده‪ :‬نستأصل الغضب من عقولنا أو على‬
‫األقل كبحه وإبطاء مداهمته» (‪.)3.1.1‬‬

‫ويمكن أن ُنجمل كيفية ضبط الغضب في النقاط اآلتية‪:‬‬

‫‪- 1‬تجنب المواطن واألحوال التي تثير الغضب «وعندما ينشط المرء في‬
‫هذا الطريق ويتعامل مع موضوعات عدة‪ ،‬فلن يمر اليوم هنيئًا‪ ،‬فامرؤ‬
‫ما أو شيء ما قد ال يسبب إساءة تدفع العقل للغضب»(‪« ،((7‬لذا فإن‬
‫العقل الذي يعاني ضع ًفا يتأذى من أبسط األسباب مثل تحية أو حرف‬
‫أو كلمة أو سؤال يثير بعض الناس لمشاجرة‪ ،‬وأ ًّيا كان مرضه يصرخ‬
‫دو ًما عندما ُيلمس»(‪« .((7‬وعلينا أن نتدبر ما يميزنا‪ ،‬فالكالم المهين‬
‫امرأ واألفعال المهينة تحرك ً‬
‫امرأ آخر‪ ،‬وهذا مرهف لحاله النبيل‪،‬‬ ‫يحرك ً‬

‫وهذا لمظهره الحسن‪ ،‬وأحدهما يريد أن يفكر بثقافة استثنائية‪ ،‬وآخر‬


‫تعلم على نحو استثنائي‪ ،‬وهذا ال يستطيع الكف عن العجرفة‪ ،‬واآلخر‬
‫جموح»(‪« .((7‬فتفسير أشياء بعينها بطريقة ما يجعلها تماثل اإلصابات‪،‬‬
‫والمسار المناسب أن ُترجئ بعض األشياء‪ ،‬وتضحك من بعضها‪،‬‬
‫وتتغافل عن األخرى»(‪« .((7‬وفي هذه المأدبة أناس بعينهم مالحظاتهم‬
‫وقذف كلماتهم يكدمك تحت جلدك‪ ،‬وتذكر أن تتحاشى التجمعات‬
‫‪(71) Seneca: on anger,op,cit, b3,6.3,p68.‬‬
‫‪(72) Ibid: b3,9.5,p71.‬‬
‫‪(73) Ibid: b3,10.4,p71.‬‬
‫‪(74) Ibid: b3, 11.1,p72.‬‬

‫‪251‬‬
‫غير المهذبة –ألن الناس فيها ليس لديهم إحساس بالخجل حتى عند‬
‫عما هو مسموح ال تزال إباحية بعد تجرعهم الخمر»‪.‬‬
‫عفتهم‪ ،‬فأفكارهم َّ‬

‫‪- 2‬الحكم على أفعال اآلخرين ونواياهم بقسط وانضباط مع إحساس مالئم‬
‫للتناسب‪« .‬وال ينبغي للمرء ألاَّ يقبل مباشرة حتى ما هو واضح وجلي‪،‬‬
‫ألن بعض األشياء تبدو كاذبة وتشبه الحقيقة‪ ،‬وعلى المرء دو ًما أن يأخذ‬
‫وقته الكافي‪ :‬فمرور الزمن ُيجلي الحقيقة»(‪« ،((7‬أال نفكر فيما نعانيه بل‬
‫فيما فعلناه‪ ،‬وعلينا أن ُنعمل النظر في طريقة حياتنا‪ ،‬وإن أردنا أن نقول‬
‫ألنفسنا الحقيقة سوف نحكم بأن ما نزل علينا أقل ما نستحق»(‪،((7‬‬
‫ناهيك عن أنه أفضل عالج لكبح الغضب والوقوف على الحقيقة هو‬
‫التأني في المداهمة األولى للغضب‪ ،‬وعلينا أن ندرك أن «بعض األشياء‬
‫تبلغنا بإهانتنا وبعضها اآلخر نسمعه بأنفسنا ونراه‪ ،‬وال ينبغي أن نصدق‬
‫بعجل القصص التي ُتقال لنا‪ :‬فكثير من الناس ال يخبر الحقيقة ألنهم‬
‫يريدون الخداع‪ ،‬وكثير منهم قد ُيخادع‪ ،‬فأحدهم يروي حكاية تجريم‬
‫ليتزلف نفسه‪ ،‬ويخبر بالزور عن األثم‪ ،‬وهكذا قد يرى أن اقتراف هذا‬
‫األثم مؤلم‪ ،‬وهناك صنف خبيث يود تقطيع أوصال الصداقة‪ ،‬وهناك ً‬
‫أيضا‬
‫صنف يتوق إلى التسلية وهو يشاهد من مسافة آمنة صراع من ينافسون‬
‫بعضهم»(‪ .((7‬لذا وضع سينيكا درجات لموثقية الخبر من الناس ووضع‬
‫في القاضي أعلى درجات الوثوق‪« .‬كثير من الناس يصنعون أسبابهم‬
‫للشكوى من ُشبه باطلة ومبالغة ألشياء تافهة‪ ،‬ويأتي لنا الغضب غال ًبا‬
‫ولكننا ننحو عنه‪ ،‬ومن ثم ال ينبغي أن نستدعيه‪ :‬وحتى لو قدم إلى طريقنا‬
‫‪(75) Ibid, b2,22.2,p50.‬‬
‫‪(76) Ibid: b2,27.4,p53.‬‬
‫‪(77) Ibid: b2,29.2,p54.‬‬

‫‪252‬‬
‫ينبغي أن نرفضه»(‪.((7‬‬

‫‪- 3‬التماس األعذار لآلخرين والنظر في أعذارهم «ويعذر الطفل لحداثة‬


‫عمره‪ ،‬والمرأة لجنسها‪ ،‬والغريب ألنه حر‪ ،‬وأفراد بيتك لعالقتك العاطفية‬
‫بهم‪ .‬والمرء الذي يقترف اإلهانة ألول مرة‪ :‬دعه يتدبر متى وجد فضلك‪،‬‬
‫والذي يتعمد اإلهانة في مناسبات متباينة‪ :‬دعه يتحمل ما تحملناه‪ .‬وهذا‬
‫صديق‪ :‬لم يقصد اإلهانة‪ ،‬وهذا عدو‪ :‬فما ينبغي أن يفعل؟ وثق في الذي‬
‫تفوق مهارته‪ ،‬وتغافل عن الذي ينحط غباؤه‪ ،‬ودعونا نكرر ألنفسنا في‬
‫دفاعنا عن أي إنسان‪ :‬حتى أحكم الرجال لهم كبوات‪ ،‬وال يتحرس أال‬
‫حذرا‪ ،‬وألاَّ يجرب شيء ما أو آخر ال يرفع‬
‫ً‬ ‫ينسى في وقت بعينه أن يكون‬
‫من كرامته في بعض األفعال القاطعة‪ ،‬وألاَّ يخشى أن يتعرض إلهانة وهو‬
‫ال يكبو في فعل مهين حتى لو حاول تجنبه»(‪« ،((7‬وينبغي أن نتذكر كم‬
‫صغارا وغير مقيدين في حديثنا‪،‬‬
‫ً‬ ‫كنا مهملين للغاية في واجباتنا عندما كنا‬
‫ومسرفين عندما يتعلق األمر بالخمر‪ .‬فإذا غضب أحد ما‪ ،‬ينبغي أن نعطيه‬
‫مجالاً لتمييز ما فعله‪ :‬وسوف يوبخ نفسه‪ .‬ودعه يكون الطرف المذنب‪،‬‬
‫فال داعي أن نجاري أفعاله»(‪.((8‬‬

‫وقس َمن أنت وما تفعله‪« .‬ومن ذا الذي‬


‫قم بتقييم نفسك وأفعالك بدقة‪ْ ،‬‬
‫‪ْ -4‬‬
‫َيدعي بأنه بريء أمام كل القوانين؟ حتى لو كان كذلك‪ ،‬فما البراءة المقننة‬
‫التي تعد ‘حسنة قانو ًنا’‪ ،‬فكم تمتد قاعدة األفعال المالئمة باتساعها أكثر‬
‫من حكم القانون! وكم يتطلب اإلخالص والشعور اإلنساني والكرم‬
‫والعدالة وحسن النية تلك األشياء التي ال تحددها مناضد القانون!»(‪.((8‬‬
‫‪(78) Ibid: b3,12.1,p72.‬‬
‫‪(79) Ibid:b3,24.3-4,p‬‬
‫‪(80) Ibid:b3,25.2,p84.‬‬
‫‪(81) Ibid:b2,28.2,p53.‬‬

‫‪253‬‬
‫«وال أحد يقيس مقصد الفاعل بل الفعل ذاته‪ ،‬ومن ثم علينا تدبر الفاعل‬
‫مخدوعا؟‬
‫ً‬ ‫مضطرا أم‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫عارضا؟ وهل‬ ‫طوعيا أم‬
‫ًّ‬ ‫عن كثب‪ .‬وهل كان فعله‬
‫مكرها عليه أم من أجل ثواب؟ هل كان يحتفي بنفسه أم يقدم‬
‫ً‬ ‫وهل فعله‬
‫خدماته آلخر؟ وينبغي أن يوضع عمر المخطئ في االعتبار‪ ،‬وحظه‬
‫أيضا‪ ،‬مما يجعل المسألة إما لط ًفا وإما ً‬
‫نفعا‪ .‬وعلينا أن نضع أنفسنا‬ ‫ً‬
‫موضع الشخص الذي نغضب منه‪ :‬ونرى من هذا المنظور أن تقييمنا غير‬
‫العادل ألنفسنا يجعلنا غاضبين‪ ،‬وإننا ال نرغب أن نعاني فعلاً ارتكبناه‬
‫بإرادتنا»(‪« .((8‬ولذا ينبغي أن يقول كل امرئ لنفسه عندما ُيثار‪« :‬أنا لست‬
‫أقوى من فيليب‪ ،‬ألست كذلك؟ ولكنه تعرض لإليذاء‪ ،‬وال أملك السلطة‬
‫في بيتي الذي هيمن منه على العالم أجمع‪ ،‬أليس كذلك؟ ولكنه كان‬
‫راض ًيا فحسب ألنه وضع مسافة بينه وبين الرجل الذي كان يهينه»(‪.((8‬‬
‫« َمن يتطلع إلى ما يمتلكه آخر ال يسعد بما يملكه‪ ،‬ونحن نغضب حتى مع‬
‫ما لنا ألننا نضع ما لآلخرين أمامنا‪ ،‬ونتغافل عن مقدار اإلنسانية التي تقبع‬
‫وراءنا‪ ،‬وما يطارد الحسد البغيض إال الرجل الذي يحسد على القليل‪،‬‬
‫وال يزال الناس غير متعقلين رغم كل ما يتلقونه‪ ،‬وهم يحسبون أنه كان‬
‫من الممكن أن يتلقوا المزيد»(‪.((8‬‬

‫‪- 5‬النظر إلى األمور بصبر أو دعابة هادئة «وينبغي التحوط من الغضب بطرق‬
‫شتى‪ ،‬فمعظم األشياء ينبغي أن يتحول إلى مزحة‪ ،‬وعندما ضرب سقراط‬
‫على رأسه (كما تروي القصة) لم يتحفظ في قول إنه ُيزعج الناس أال‬
‫يعرفوا أن ارتداء الخوذة فكرة جيدة حين يغادرون المنزل»(‪« ،((8‬وأن‬
‫‪(82) Ibid:b3,12.2-3,p72-3.‬‬
‫‪(83) Ibid:b3,24.1,p83.‬‬
‫‪(84) Ibid: b3,31.1,p88.‬‬
‫‪(85) Ibid: b3,11.2,p72.‬‬

‫‪254‬‬
‫تربط عقولنا بجأش قبل كل شيء عندما تهذي على نحو مفاجئ أو بسأم‬
‫حق‪ ،‬فإما ال يشعر العقل بالغضب وإما يسحب الغضب إلى باطنه وال‬
‫يعترف بغضبه عندما تحدث له إصابة غير متوقعة في البداية»(‪ .((8‬وقد‬
‫رُوِي من التاريخ قصة أنتيجونوس «عندما سمع ذات ليلة ً‬
‫بعضا من جنوده‬
‫يكيلون اللعنات على ملكهم؛ ألنه قادهم إلى درب موحل لم يتمكنوا من‬
‫التخلص منه‪ ،‬فذهب إلى َمن يعانون وقتًا عصي ًبا وعاونهم ولم يتعرفوا‬
‫على ُمعينهم‪ ،‬وقال‪« :‬اآلن‪ ،‬العن أنتيجونوس الذي أوقعك في هذا البؤس‪،‬‬
‫وبارك الرجل الذي أخرجك من هذا الوحل»‪ .‬لقد تحمل أنتيجونوس‬
‫إساءة األعداء والمواطنين على حد سواء باعتدال متكافئ‪ :‬عندما كان‬
‫اليونانيون محاصرين بسياجين‪ -‬وكانوا يثقون بموقفهم واحتقارهم‬
‫لعدوهم‪ -‬وقد تفكهوا بنكات عدة عن قبح أنتيجونوس وسخروا من‬
‫قامته القصيرة وأنفه المدكوك‪ ،‬فقال‪« :‬أنا سعيد‪ ،‬وأتمنى بعض النتائج‬
‫لدي سيلينيوس في معسكري»(‪.((8‬‬
‫َّ‬ ‫الحسنة بشكل معقول إن كان‬
‫«أتكئ للوراء وأضحك! فهذا الرفيق يفكر أنه امرئ اآلن؛ ألنه يراقب‬
‫عتبة تحتشد بالساعين للدعاوى القانونية‪ ،‬والرجل الذي يتكئ اآلن وسط‬
‫المرفهين الذين يفضلون الثروة ويعتقد أن الباب الذي يصعب دخوله‬
‫عالمة الرفيق الغني والقوي‪ ،‬وهو ال يعرف أن أصعب األبواب هو باب‬
‫السجن‪ ،‬وتوقع أنه عليك تحمل أشياء عدة‪ :‬فال أحد يندهش من أنه يبرد‬
‫في الشتاء‪ ،‬أليس كذلك؟ أو يشعر بدوار البحر على البحر أو ُيبطح في‬
‫الشارع؟ والعقل الذي يواجه األشياء بشجاعة يستعد لمقابلتها»(‪.((8‬‬

‫‪- 6‬الغضب أخرق بعواقب مادية أو تشويه سمعة‪ ،‬لذا يجب النظر في تكلفته‬
‫‪(86) Ibid: b3, 13.6,p74.‬‬
‫‪(87) Ibid: b3, 22.3-4,p81.‬‬
‫‪(88) Ibid: b3, 37.3,p92.‬‬

‫‪255‬‬
‫«سوف يقل تعرضنا لإلهانة إذا حملنا االنتقام حين نخطئ «وإذا سعينا‬
‫لنوع من المداوة ينبغي أن نبحث عنه دون غضب‪ ،‬مع االعتقاد بأن‬
‫ممتع‪ .‬ولكن من األجدر أن تتظاهر بعدم االنتباه لالنتقام‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫نافع ال‬
‫االنتقام ٌ‬
‫وحين يخطئنا من هم أقوى منا علينا أن نتحمل بصبر وابتسام‪ :‬فقد‬
‫يفعلونها مرة أخرى إذا اعتقدوا أنهم نجحوا‪ .‬وهذه أسوأ سمة للعقول‬
‫التي تربت على الكبر مع مواكبة الحظ الحسن‪ :‬وهم يكرهون ً‬
‫أيضا َمن‬
‫يضرونهم»(‪« ،((8‬كم كان يحسن أن يشفي اإلصابة بدلاً من أن ينتقم لها!‬
‫كبيرا‪ ،‬ويعرض ذاته إلصابات عدة بينما يشعر بالحزن‬
‫فاالنتقام يهدر وقتًا ً‬
‫على واحدة‪ ،‬وكلنا يسرف في الغضب أكثر من الضرر‪ .‬كم كان يحسن‬
‫أن تأخذ المسار المعاكس وال تجمع الخطأ لآلخر! فالمرء الذي يرفس‬
‫ظهر بغل أو ظهر كلب ال يبدو عاقلاً ‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬

‫أبكم أو من‬
‫َ‬ ‫‪- 7‬إدراك أن المخطئ يعاني بارتكاب الخطأ «وإن كان حيوا ًنا‬
‫قبيل هذا ال يجدر بك أن تغضب‪ ،‬إنه مرض أو كارثة‪ ،‬وسوف يمر عليك‬
‫خفي ًفا إذا تحملت‪ .‬وإن كان ر ًّبا‪ :‬فتضييع وقتك في الغضب منه ال يقل‬
‫عن صالتك من أجل أن يغضب من شخص آخر‪ .‬إن الشخص الذي‬
‫ٌ‬
‫امرؤ صالح‪ :‬ال أصدق هذا‪ .‬إنه طالح‪ :‬ال تفاجئ‪ .‬إنه‬ ‫يرتكب الخطأ‬
‫يدفع آلخر العقوبة التي يدين بها لك‪ ،‬وهو يعاقب نفسه بالفعل بارتكابه‬
‫الخطأ»(‪« ،((9‬حتى لو لم يرتد عليه عقاب‪ ،‬فإن العقاب األعظم فعله‬
‫للخطأ الذي ارتكبه‪ ،‬وال أحد يعاني أكثر من المحكوم عليه بالندم»(‪.((9‬‬

‫‪- 8‬إدراك أن اإلضرار باآلخر يناقض الطبيعة اإلنسانية‪« ،‬فإن سلطة الضرر‬
‫‪(89) Ibid: b2, 33.1,p89.‬‬
‫‪(90) Ibid:b2, 30.2,p87.‬‬
‫‪(91) Ibid:b3,26.2,p84.‬‬

‫‪256‬‬
‫منفرة وكريهة ومستغربة على البشر‪ ،‬فعطف البهائم المتوحشة لطيف‪،‬‬
‫وانظر إلى طريقة األفيال وهي تقدم رقابها للمقرن‪ ،‬والثيران تدير ظهورها‬
‫لتفلت من قفز الصبيان والنساء‪ ،‬والثعابين تسعى بيننا وتهرب منا حتى ال‬
‫تضرنا‪ ،‬والدببة ُ‬
‫واألسود كحيوانات منزلية تقدم خطمها الوديع لتداعبها‪،‬‬
‫فالحيوانات البرية متوددة لسيدها‪ :‬ومن المخجل أن تقارن صفة البشر‬
‫بالبهائم‪ .‬إن الضرر الذي ال ُيوصف هو أن تضر الوطن‪ ،‬ومن الضرر الذي‬
‫ال ُيوصف ً‬
‫أيضا أن تضر بمواطن آخر ألنه جزء من الوطن»(‪.((9‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪(92) Ibid:b2, 31.2-3,p88.‬‬

‫‪257‬‬
258
‫الخاتمة‬
‫يمكننا أن نستنتج بعض النتائج التي توصلت إليها الدراسة على النحو التالي‪:‬‬

‫أول‪ :‬لم يختلف تعريف سينيكا النفعال الغضب عن التعريف الرواقي‪ ،‬ولم‬
‫كثيرا عن تعريف أرسطو «الرغبة في دفع األلم»‪ ،‬وقد يعني هذا أن هناك‬
‫يختلف ً‬
‫اتفا ًقا محدو ًدا في التعريف ًّ‬
‫مبنيا على كلمتَي الرغبة والدفع‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬لم يتفرد سينيكا في تناول مفهوم انفعال الغضب؛ فقد سبقه أرسطو‬
‫في العصر الهيلليني في تناول المفهوم‪ ،‬وسبقه خريسبوس من رواد الفكر الرواقي‬
‫األول‪ ،‬واستفاض عنه شيشرون في كتابه المناظرات التوسكوالنية في عرض‬
‫المفهوم في عرضه لمفهوم الحزن والفرح في الكتاب الثالث والرابع‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬كشف الجانب النظري في تناول المفهوم أن الغضب يكون ضرور ًّيا‬
‫سلبيا في المعارك لمواجهة العدو وإلحاق العقاب بالمعتدي‬
‫ًّ‬ ‫وليس انفعالاً‬

‫وتجنب االحتقار أحيا ًنا‪ ،‬رغم إيمان الرواقية على العموم أن االنفعال ليس ً‬
‫خيرا‬
‫شرا‪.‬‬
‫وليس ًّ‬
‫راب ًعا‪ :‬إن الغضب عند سينيكا يعمل بآلية ُيطلق عليها الهزات االنفعالية‬
‫وهي حركات عقلية وهي ثالث هزات‪ ،‬فالحركة األولى وهي اللطمة أي إحاطة‬
‫‪259‬‬
‫أولى بأن شيئًا ما قد يحدث لتغير حالتنا النفسية والجسمية‪ ،‬ونحن نجربه بشكل‬
‫ال إرادي ويقارنها برجفة عند رش الماء البارد أو المغلي‪ .‬والحركة الثانية علة‬
‫واضحة الحقة للطمة األولية غير الطوعية تدركها على أنها ‘خطأ’ (واألحرى‬
‫قول إنها دفقة لماء بارد)‪ ،‬وتخيل أنها فعل مناسب لهذه العلة وفي هذه المرحلة‬
‫ُتمنح الموافقة أو ُتحجب‪ .‬فإذا منحنا الموافقة ُنجرب المرحلة الثالثة –الغضب‬
‫المناسب‪ -‬وهي ‘اإلطاحة بالعقل’‪ :‬وفي هذه المرحلة توجه عقولنا نحو الرذيلة‪،‬‬
‫وال تقع حركتها تحت سيطرتنا كما كانت في الهزة األولى‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬يمكن عالج الغضب من منظور سينيكا بالتربية وضبط الغضب‪،‬‬


‫ً‬
‫فأما التربية تتم بالمراقبة والحرية وعدم تغذية الطفل بالغضب منذ الصغر‪ ،‬وقد‬
‫رسخ لمفهوم التربية في كتابه عن الغضب واإلحسان والعناية والحياة السعيدة‬
‫ومجموعة الرسائل‪ ،‬وأما ضبط الغضب والتحكم فيه فقد حددناه في ثمانية شروط‬
‫أو إجراءات يمكن بها كبح الغضب أو التحكم فيه‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪260‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪Cicero:‬‬ ‫‪On‬‬ ‫‪the‬‬ ‫‪Emotions‬‬ ‫‪«Tusculan‬‬ ‫‪Disputations‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪and4»,Translated and with commentary by Margaret Graver,The‬‬

‫‪university of Chicago press, Chicago and London,2002.‬‬

‫‪Seneca:on Anger, translated by Robert A. Kaster and Martha C.‬‬

‫‪Nussbaum., The University of Chicago Press,U.S.A,2010.‬‬

‫سينيكا‪ :‬عن اإلحسان‪ ،‬ترجمه من الالتينية إلي اإلنجليزية ميريام جريفين‬


‫وبراد إنوود‪ ،‬ترجمه إلى العربية د‪ .‬حمادة أحمد علي‪ ،‬دار آفاق للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬القاهرة‪2018 ،‬م‪.‬‬

‫سينيكا‪ :‬عن العناية الربانية‪ ،‬ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير‪،‬‬
‫ضمن كتاب “محاورات عن الشقاء والسعادة”‪ ،‬وترجمه إلى العربية د‪ /‬حمادة‬
‫أحمد علي‪ ،‬دار آفاق للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة ‪2018‬م‬

‫سينيكا‪ :‬عن الحياة السعيدة‪ ،‬ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير‪،‬‬
‫ضمن كتاب “محاورات عن الشقاء والسعادة” ترجمه إلى العربية د‪ /‬حمادة‬
‫أحمد علي‪ ،‬دار آفاق للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫‪261‬‬
‫أرسطو‪ :‬كتاب النفس‪ ،‬ترجمة د‪ .‬أحمد فؤاد األهواني ومراجعة جورج‬
‫قنواتي‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة‪2015 ،‬م‪.‬‬

‫أرسطو‪ :‬علم األخالق إلى نيقوماخوس‪ ،‬ترجمه من اليونانية إلى الفرنسية‬


‫بارتملي سانتهيلر‪ ،‬ونقله إلى العربية أحمد لطفي السيد‪ ،‬دار الكتب المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪1924 ،‬م‪.‬‬

‫أحمد خليل إبراهيم‪ :‬ظاهرة الغضب واالنتقام في مسرحية ميديــا لسينيكا‪،‬‬


‫بحث منشور في مـجلة مـركز الدراسات البردية والنقوش‪ ،‬جامعة عين شمس‪،‬‬
‫العدد الواحد والثالثون‪.‬‬

‫أميمة ضياء الدين سوكة‪ ،‬االنفعاالت عند الرواقية‪ ،‬مجلة ديوجين‪2014 ،‬م‪.‬‬

‫‪Tad‬‬ ‫‪Brennan:‬‬ ‫‪The‬‬ ‫‪Stoic‬‬ ‫‪Life:Emotions,Duties,and‬‬ ‫‪Fate‬‬

‫‪,Clarendon,Oxford University Press,2005.‬‬

‫‪Vernon Arnold: Roman stoicism” the Humanist press New‬‬

‫‪York,2010.‬‬

‫‪262‬‬
263
264

You might also like