Professional Documents
Culture Documents
1
الم�ؤلف :لوكيو�س �أنايو�س �سينيكا
العنوان :عن الغ�ضب
ترجمة :د .حمادة �أحمد علي
الطبعة :الأولى 2020
ت�صميم الغالف :عمرو الكفراوي
م�ست�شار الن�شر� :سو�سن ب�شير
المدير العام :م�صطفى ال�شيخ
رقم اإليداع:
2019 / 15178
الرتقيم الدوليISBN :
978 - 977 - 765 - 227 - 8
جميع الحقوق محفوظة .ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أى جزء منه ،أو تخزينه فى نطاق
استعادة المعلومات ،أو نقله بأى شكل من األشكال دون إذن مسبق من الناشر.
All rights are reserved. No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval
system, or transmitted in any form, or by any means without prior permission in
writing from the publisher.
1 Kareem El Dawla st. - From Mahmoud Basiuny st. Talaat Harb
CAIRO – EGYPT - Tel: 00202 25778743 - 00202 25779803 Mobile: +202-01111602787
E-mail:afaqbooks@yahoo.com – www.afaqbooks.com
1شارع كريم الدولة -من شارع حممود بسيوين -ميدان طلعت حرب -القاهرة -مجهورية مرص العربية
ت - 00202 25779803 - 00202 25778743 :موبايل01111602787 :
2
لوكيو�س �أنايو�س �سينيكا
عـن الغضـب
مع درا�سة للمترجم بعنوان
«الغ�ضب بين النظرية والعالج عند �سينيكا»
ترجمة
د .حمادة أحمد علي
رئي�س ق�سم الفل�سفة
جامعة جنوب الوادي
3
بطاقة الفهرسة
إعداد الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية
إدارة الشؤون الفنية
4
المحتويات
7
سينيكا وعالمه
10 مقدمة موجزة عن الرواقية
17
رواقية سينيكا
22 تراجيديا سينيكا
27
دراما سينيكا بعد المرحلة الكالسيكية
31
الرسالة
32 النظرية
38 العالج
42
المعالج وجمهوره
44 قراءات مختارة
44
اختصارات
47
عن الغضب
97
الكتاب الثاني :إلى نوفاتوس عن الغضب
121
الكتاب الثالث
213 دراسة للمترجم« :انفعال الغضب بين النظرية والعالج عند سينيكا»
217 مقدمة
218 اً
أول :الجانب النظري لمفهوم الغضب
5
218
أ -تعريف الغضب
222
ب -طبيعة الغضب
226 ج -اآلثار المدمرة للغضب
228 د -آلية الغضب
231
هـ -ضرورة الغضب
236
و -الغضب والعقل
243 ثان ًيا :الجوانب العالجية
245 التربية
249
ضبط انفعال الغضب
259 الخاتمة
261 قائمة المصادر والمراجع
6
سينيكا وعالمه
الحظ سينيكا في رسالته ( )Letter 13.14أن ما صنع عظمة سقراط
بسم الشوكران ،حيث أكد موته صمود مبادئه الفلسفية ،واعتقاده
هو موته ُ
بأن الموت ليس مخي ًفا ،وقد القى سينيكا مصير سقراط حين حكم عليه
نيرون باالنتحار عام 65م ،ونعتقد أن ما ذهب إليه تاكيتوس Tacitus
وقد مُنيت حياة سينيكا بخيبة أمل من الناحية السياسية نتيجة تأثرها
بالنفي والعودة وتسوية عالقته باإلمبراطور نيرون تلميذه ،والذي قام بقتل
أخيرا ،وتخبرنا كتاباته باليسير عن وظيفته السياسية وعالقته
ً معلمه سينيكا
بنيرون باستثناء ما يمكن أن نستشفه من مقاله عن العفو .On Clemency
وتخبرنا المصادر المتأخرة مثل تاكيتوس وسويتونيوس وكاسيوس
Dio Tacitus, Suetonius, and Cassius ديو(150ق.م235-م)
أن سينيكا ُولد لعائلة عريقة في الفروسية بمدينة قرطبة Cordubaفي
7
هسبانيا(•)
بين عامي 4-1قبل الميالد ،وهو االبن الثاني من ثالثة أبناء
لهيلفيا ولوكيوس أنايوس سينيكا ،واألخ األصغر هو أنايوس ميال وهو
والد الشاعر لوكان .وقد قضى األب فترة كبيرة من حياته في روما ،وظهر
ً
تلميذا صغيرا ،وهناك تلقى تعليمه في البالغة ،وأصبح
ً صبيا
حينها سينيكا ًّ
للفيلسوف سكيتوس ،وتأخر دخوله في الحياة السياسية ،وحين امتنع
ترشحه للمنصب في عهد تيبريوس اعتلت صحته وأصابه الربو وربما
السل ،وكانت عالقته بالسياسة قصيرة ،ونجا من عداء كاليجوال بفضل
موهبته في الخطابة كما تخبرنا المصادر ،ونفاه كالوديوس إلى كورسيكا
بعد وفاة كاليجوال بفترة وجيزة عام 41م بتهمة الزنى في جوليا ليفيال
كاذب بالتأكيد .وقد قضى
ٌ الشقيقة الصغرى لكاليجوال ،وهذا االدعاء
سينيكا وقته في المنفى في دراسة الفلسفة ،وكتب «عزاء إلى هيلفيا»
والدته ،و«عزاء إلى بوليبيوس» السكرتير الخاص لكالوديوس ،ويكشف
في هذا الكتاب عن رغبته في العودة إلى روما.
وحين عاد سينيكا إلى روما بضمانات عدة ،كان كالوديوس قد تزوج
فتاة جرمانية هي أجريبينا الصغرى ،والتي حثته على استقدام سينيكا لتعليم
ابن آخر أصغر
ابنها نيرون ذي االثني عشر عا ًما ،وقد كان لكالوديوس ٌ
منه هو بريتانيكوس ،ومن الواضح أن أجريبينا المراوغة طمحت أن ترى
ابنها من لحمها ودمها على العرش .وبعد أن توفي كالوديوس بخمس
سنوات ناورت أجريبينا حتى تمكن ابنها من تولي عرش اإلمبراطور،
وبعد فترة وجيزة دست السم لبريتانيكوس عام 55م .وقد عمل سينيكا
مستشارًا لنيرون مع قائد برايتوري هو سكتوس أفرانيوس بوروس Sextus
Afranius Burrusمن عام 54وحتى تضاءل نفوذه في نهاية العقد .ونحن
نعلم أنه كتب مقالاً عن العفو لنيرون؛ ليلقيه على مجلس الشيوخ عقب
8
انضمامه إليه بفترة وجيزة ،وقد احتوى مقاله عن العفو على بعض الشكوك
من خطة نيرون للحفاظ على اإلمبراطور الشاب من العدو المسعور،
مشيرا بها إلى نيرون السيناتور الروماني
ً واستخدم سينيكا كلمة ملك rex
من باب المماثلة واالندهاش ،ويبدو أنه امتدح نيرون ،وأشار إلى سلطته
التي ال حدود لها وإلى قيمة العفو التي قد تحفظه من تقلبات السلطة،
وأيدت اإلدارة القضائية والمدنية اإلمبراطورية سينيكا وبوروس.
ثم بدأ االنحطاط بقتل نيرون ألجريبينا عام 59م ،وكتب بعدها خطا ًبا
لإلمبراطور يبرئ نفسه ،وربما كان هذا مثالاً لفيلسوف عظيم وجد نفسه
ً
متورطا بسبب منصبه ككبير مستشاري نيرون ،وحتى يزيل الغموض
حول َمن جعلوا معارضتهم لنيرون واضحة مثل ثراسي بياتوس Thrasea
Paetusوهيلفيديوس بريسكوس .Helvidius Priscusو ُيحتمل أن
خيرا
مشاركته في األحداث السياسية قادته العتقاده أن بإمكانه أن يفعل ً
بوقوفه بجانب نيرون الذي تخلى عن نصح سينيكا.
وقد تضاءل تأثير سينيكا على نيرون بعد موت بوروس عام 62م،
وحاول التنحي عن منصبه مرتين عام 62م و64م ،ورفض نيرون
المحاولتين ،وغيب سينيكا نفسه عن األحداث بعد عام 64م ،وفي عام
65م جاءت مؤامرة بيزونية Pisonianلقتل نيرون ليتولى محله الزعيم
كالبورنيوس بيزو ،C. Calpurnius Pisoورغم أن لوكان ابن أخ سينيكا
ً
متورطا في المحاولة ،فقد َّبرأ سينيكا نفسه ،ولكن نيرون انتهز الفرصة كان
ليأمر معلمه القديم بقتل نفسه ،فقطع سينيكا شرايينه .ويخبرنا تاكيتوس
9
أن نحافة سينيكا وتقدمه في العمر قد أعاقا تدفق الدم منه ،وحين فشل
االنتحار في قتله ،أجلسوه في حمام ساخن حتى يتدفق الدم منه بسرعة،
وحاولت زوجته االنتحار بعده ،ولكنهم أنقذوها بأمر نيرون.
رواجا عند المسيحيين ُ
األ َول ،وأثرت كتاباته األخالقية ً ولقي سينيكا
على القديس بولس ،ونال حقه من النقد ،ونشب عليه هجوم للتناقض
الظاهر بين تعاليمه الرواقية في عدم االهتمام بالمظاهر الخارجية ورأيه في
تكديس الثروة ،وربما لم ينل لهذا السبب نفس احترام الرواقي موسونيوس
روفوس الذي لُقِّب بـ«سقراط الروماني» .والشخص الوحيد الذي هاجم
سينيكا في حياته هو سيلليوس ،بسبب تراكم ما يقرب من 300مليون
سسترس منذ صعود نيرون للسلطة نتيجة الرسوم الباهظة على إيطاليا
والواليات األخرى ،و ُنفي سيلليوس إلى جزيرة بليار الختالسه وتلصصه.
ويبدو أن سينيكا كان متقش ًفا رغم ثروته ،وفي مقاله عن الحياة السعيدة
De vita beataاتخذ موقف الفيلسوف الغني صاحب الثروة التي ُتربح
و ُتخسر وموقفه منها منفصل تما ًما .ويحتمل سينيكا في تقديرنا تناقضات
عدة فرضتها حياته السياسية.
وقد ثار جدل هائل حول ما إذا كانت األباثيا الرواقية قد فصلت الناس
عن السياسة الرديئة أم أنهم أعانوها ،ومن المؤكد أن الرواقيين -كما هو
معلوم -قد نصحوا باعتزال السياسة ،واعتقدوا أن الثورة أسوأ من انعدام
القانون .ويروي بلوتارخ أن بروتوس األفالطوني سأل المتآمرين على
اغتيال يوليوس قيصر عن إذا كانوا يقبلون المبدأ الرواقي أو يؤمنون بأن
انعدام القانون أسوأ من الحرب األهلية؟ إال أن غير الرواقيين انحازوا
لمجموعة القتلة .وانضم في عهد نيرون كثير من الرواقيين البارزين -بما
فيهم لوكان ابن أخ سينيكا -إلى الحركات السياسية الجمهورية التي تهدف
سياسيا.
ًّ إلى اإلطاحة بنيرون ،وفقدوا حياتهم نظير هذا ،وانتحروا
رواقية سينيكا:
والء ُه للرواقيين في كتاباته
َ يصف سينيكا نفسه بالرواقي ،ويعلن
بوصفهم «أهلنا» ،ويستقل بذاته في عالقته ببعض الرواقيين ،في حين أنه
بناء على تجربته وقراءته
يلتزم بأسس المذهب الرواقي ،ويعيد صياغته ً
المتبحرة للفالسفة اآلخرين ،واتبع في هذا منهج التراث الفلسفي الرواقي
الذي يجسده بانيتوس وبوزدونيوس ،اللذان قدما بعض العناصر األفالطونية
واألرسطية لتتكيف مع رواقية المجتمع الروماني .ويختلف سينيكا عن
سابقيه من الرواقيين؛ ألنه رحب بالفلسفة اإلبيقورية باختالفاتها.
لقد قسم الرواقيون المنطق إلى الجدل وهو حجة قصيرة ،والخطاب
وهو عرض مستمر ،وقد تجنبت كتابات سينيكا الجدل والمنطق الصوري
عمو ًما ،ومع ذلك يعرض بين حين وآخر رقائق من المنطق الرواقي
حسن ما عليه
عقيم وال ُي ِّ
ٌ بسخرية؛ ألن ما تحمله الدقة المنطقية تز ُّيدٌ
المرء ،وينبغي تجنب كل أنواع المراوغات سواء أكانت تنطوي على خيط
رفيع من الجدل وتقيم فرو ًقا لفظية خفية للغاية ،أم التي تتضمن تفسيرات
فلسفية عويصة .وحين يعمل سينيكا هكذا ،فإنه يجعل القارئ متيقنًا من
معرفة أن بإمكانه هزيمة منافسه إن أراد.
18
وعلمنا ضئيل عن وجهة نظر الرواقيين في الخطاب ،ويتضح هذا عند
سينيكا حيث استخدم طائفة من الطرق البالغية الرومانية إلقناع القراء
برسالته الفلسفية ،واكتظت كتاباته بأمثلة حية واستعارات جمة وأقوال
دالة لها وقع مؤثر ،فهو يعرف كيف يغير لهجته من الحديث العرضي إلى
شعبيا ،يلقيه على لسان
ًّ الموعظة الرصينة واالستنكار الساخر .وكان نصه
شخصيات متنوعة ،واشتملت عناوين موضوعاته الجمهور والمعارضين
االفتراضيين واألصدقاء والرموز التاريخية ،وجال في الطريق كصديق
وحول ِشعره ً
نثرا ،حتى ِّ حميم وأحيا ًنا كعدو رجيم ،واتبع سينيكا كليانتس
يحث القارئ على تحسين ذاته.
وبالنظر إلى الغايات األخالقية عند سينيكا ربما يكون من الغرابة أن
يكرس عملاً مطولاً للتساؤالت الطبيعة في الفيزياء ،ويصف العمل برمته
مرارا على أن العقل قد يرتقي إذا تجاوز
ً غايات أخالقية .وأصر سينيكا
االهتمامات اإلنسانية الضيقة وعاين العالم بأسره ،وأن تأمل العالم الطبيعي
تتمة للفعل األخالقي برؤية السياق الكامل للفعل اإلنساني ،فنحن نرى
الرب في مجده الكامل يهب الحياة لإلنسان؛ ألنه يدبر العالم برمته .ونثر
سينيكا رسائله األخالقية بعيدً ا عن محاوراته الطبيعية المحضة ،وأكد على
ضرورة أن يواجه اإلنسان األحداث الطبيعية كالموت والكوارث الطبيعية
بامتنان للرب ،وهو يحذر من إساءة استخدام اإلنسان للمصادر الطبيعية،
واالنحطاط الذي يصاحب التقدم .ويصوب سينيكا في جل نقاشه عن
الطبيعة المذهب الرواقي ،سواء أكان باإلضافة أم بالتعديل ،وهو يفند
تاريخ الجدل حول الطبيعة بداية من فلسفة ما قبل سقراط حتى عصره بغية
تحسين المذهب الرواقي.
19
وكتب سينيكا في الرسالة ( )Letters 45.4أن الفالسفة السابقين قد
اكتشفوا األشياء لذاتها ،وتركوا لنا بعضها لندرسها؛ ألنهم لم يدركوا
ُكنهها .وعرض سينيكا في نقاشاته عن الكون تعاليمه األخالقية ليوضح
رؤيته عن العدالة والتجديد ،وكان إسهامه وجهة نظر جديدة ،واستخدم
أساسا للتجديد ،ورسم صورة للتحديات التي تواجه
ً االختالفات الرواقية
اإلنسان ،وإلى السعادة التي ينتظرها َمن يمارسون الفلسفة الحقة .واتفق
سينيكا مع األصولية الرواقية ،حيث تمسك بالتفرقة بين المنفعة والخير،
والحاجة إلى استئصال االنفعاالت ،وتفضيل عقالنية المرء الحكيم،
وتماثل الرب والقدر ،وربط ما أضافه لألخالق بحس ِشعري مرهف حول
هذه االختالفات إلى منطلقات للفعل.
ونظر النقاد إلى الحكيم الرواقي على أنه أسمى من إمكانات البشر،
وأنه متحجر العواطف .واعترف سينيكا أن الحكيم أمر نادر الحدوث
بل هو كالعنقاء ،وقد يظهر كل خمسمائة عام ( ،)Letters 42.1وليس
الحكيم كما يرى سينيكا عائ ًقا للتقدم ،بل هو الملهم به ،ومنح سينيكا
الحرية للحكيم من واقع الحياة ،مستشهدً ا بكاتو األصغر the younger
حكيما على الحقيقة ،ويقول
ً Catoعدو يوليوس قيصر ،ولم يكن كاتو
سينيكا في مقاله “عن الثبات” :لست على يقين إن كان كاتو تجاوزني أو
ال .وهو ال يطمس بهذا االختالفات الرواقية ،بل يسلط الضوء على القوة
الباطنة للحكيم بمثال كاتو وأمثلة أخرى من الماضي الروماني .ودمج
سينيكا الحكيم الرواقي بالصورة التراثية للبطل الروماني ،وهكذا ح َّفز
قراءه الرومانيين لتأدية واجبهم بمحاكاتهم للحكيم.
َّ
ويحدد سينيكا مراحل ثالث للتقدم األخالقي دون مستوى الحكيم،
ويعاينها وف ًقا الفتقادنا لالنفعاالت العقلية ( .)Letters 75األولى هي حالة
20
تقترب من وجود الحكيم ،وهو الشخص الذي لم يتيقن بعد أن الوجود
بإمكانه مجابهة االنفعاالت العقلية و ُت َّ
سمى العواطف أباثيا .والثانية وهي
المرحلة األدنى من المرحلة السابقة ،وهو الشخص الذي ينزلق إلى
مستوى أدنى في التقدم يتجنب ً
بعضا من االنفعاالت العقلية .واألخيرة
وهي أدنى المراحل ،وهم أناس ال يحصون وال يحققون أي تقدم ،ولم يقل
سينيكا في حقهم شيئًا سوى أنه تجنبهم ألنهم ملوثون ،وهم مختلفون عن
الذين يناضلون ،ويذوقون المر في البداية ليصبحوا في حالة أفضل؛ إال
أنها فترة وجيزة وستنقضي ،ويقول سينيكا عنهم“ :حين يحرمون األنين
واآلهات ،س ُيختار منهم ألطف النبرات” ( ،)Letters 23.4وال يزال سينيكا
يصر على أن هذه الكلمات الحقة وغايتها الوصول للحق بقدر الممكن.
ٌ
عرضة للصدمات ،وتبدو ردود األفعال آنية مثل االنفعاالت والحكيم
العقلية ،ولكن هذه االستجابات االضطرارية قد تنجح مباشرة برسوخ
الحكم .والحكيم -عند سينيكا -ودود مع اآلخرين ومغمور بالبهجة،
وال عالقة له بالمتعة الزائلة التي يتعاطها اآلخرون من المظاهر .ويصور
سينيكا التطور األخالقي على أنه نضال شاق أو حملة عسكرية أو مداهمة
شرسا من ضحيته،
ً متصاعدة لمواقع العدو ،حيث يتكهن العدو هجو ًما
وربما يستسلم منافسه ،وسيظفر إذا قاوم حتى نهاية المعركة ،وقد تأتي
الكوارث على المناضل من أشخاص آخرين ،أو من الظروف المحيطة
به ،ومنها الموت والنفي واالضطهاد والمرض ،وقد حفلت حياة سينيكا
بأمثلة شتى منها ،وذهب سينيكا إلى أن الشدائد وسائل للتقدم األخالقي،
وأن الظروف تعين َمن يناضلون للوصول إلى التقدم األخالقي.
تراجيديا سينيكا:
كتب سينيكا ثمانية أعمال تراجيدية ،وهي :أجاممنون ،وثيستيس،
وأوديبوس ،وميديا ،وفايدرا ،وفوينيساي أي النساء الفينيقيات ،وترواديس
Troadesأي النساء الطرواديات ،وهيركوليس فورينس Hercules
إن ما تبقى بشكل جيد ليس إلاَّ ركام أسطورة ،حيث يجلس ثيستس
ٍ
وبعض من الخمر المعتق، ملكيا ،ويستمتع بشراب ُيط ِّيب القلب
ًّ مرتد ًيا ز ًّيا
وتجشأ من شبعه وهب ف ِز ًعا حين أبلغه أتريوس أن عشاءه ُصنع من أوصال
أبنائه ،ولكن هل هنا تفسير أخالقي أو رسالة فلسفية؟! وإذا تابعنا وجهة نظر
رواقي آخر هو إبكتيتوس الذي وصف التراجيديا كما تحدث وهو القائل:
“حين تحدث الصدفةُ ،ي َغشى على الحمقى” ،Discourses 2.26.31
ونخلص إلى أن قصة ثيستس توضح بالضبط استسالم الحمقى لرغبة
قوض به عوامل عدة ،وهي واضحا ُي ِّ
ً درسا
السلطة ،وتبدو معالجة سينيكا ً
أولاً نشوة النصر التي سيطرت على آتريوس في نهاية الدراما التي هي أصداء
ال يمكن إنكارها من الوعظ الرواقي ،وثان ًيا هشاشة المدنية والقيم الدينية في
المشهد الجحيمي الذي ُيضحي فيه أتريوس باألطفال ،وهذا المشهد صورة
زائفة للتضحية ذاتها ،ويظهر الملقنون لالبتذال الرواقي في مسرحيات عدة
مثل فايدرا وكليتيمنسترا وميديا ،وهم يلقنون العبارة على عكس تساوقها مع
الفعل ،ولعب كريون Creonالدور نفسه في مسرحية أجاممنون.
ولدى أنصار سينيكا شكوك أكبر حول قيمة النجاح الدنيوي في دراما
السلطة؟ وقال إنه غير
ثيستس ،حين يسأل أوديب هل متعة اإلنسان في ُّ
واثق بأنه يشعر أن اإلجابة ال ،ويقدم أوديب من بداية المسرحية متناقضات
ب ِّينة ألسالفه اليونانيين الذين أكدوا على اكتشاف ميالد الهوية هنا ،حيث
يغمر أوديب اإلحساس بالدنس ،وفزع الملك حتى من الدراما المفتوحة؛
ألنه لن يستطيع الهروب من نبوءة قتل أبيه ظ ًّنا منه أنه مسؤول عن اجتياح
جزعا ،واختلفت حالته
الطاعون لمدينة طيبة ،حتى إنه تمنى الموت السريع ً
24
االنفعالية عن شخصيته المحورية في مسرحية سوفكليس .إن نص سينيكا
هو تقرير مطول لكريون في استحضار شبح آيوس في حديقة مظلمة ،وهو
أمر غاب في عمل سوفكليس ،وقد ُأسقط إحساس الشخصية التي تتفاعل
على خشبة المسرح ،ليجعل الشعور في دراما سينيكا محر ًما ،ويصبح
دافعا له.
حديث الشخصيات ر ًّدا على العنف ،أكثر من كونه ً
نموذجا للترجمة
ً وأخذ َّ
الكتاب المسرحيون في عصر إليزابيث سينيكا
والمحاكاة ،وزعم ت .س .إليوت أنه “ما من مؤلف أ َّثر بعمق على العقل
اإلليزابيثي أو صورة التراجيديا في عصر إليزابيث بقدر ما فعل سينيكا”،
وهناك إجماع على أن إليوت كان مح ًّقا فيما قال ،ولعل من العجب أن
ُيحكم على سينيكا في العصر الذي كان ينظر إلى التراجيديا على أنها
تمثيل صائب لألنفة والتكبر والطموح والفخر والظلم والغضب والحسد
والكراهية والخصومة والنهب والخيانة والغدر وجميع أنواع الشرور.
وهناك مالحظة على هذه الترجمة ،وهي أنها صيغت بشكل يوافق
االصطالح اإلنجليزي نظيره الالتيني بدقة متناهية ووضوح ،وتوازي
الشعر ،والقصد من هذه الترجمة هو وضع بنيةأسلوب النثر مع ِّ
لعمل تفسيري ،أكثر من كونها نقلاً لتفسيرات شخصية ،وهي تتجنب
االصطالحات التي تنطوي على مضامين أخالقية مسيحية ويهودية ،وإذ
توضيحا ألسماء األعالم
ً اقتضت الحاجة إلى تفسي ٍر وضعنا في الهامش
في األساطير والجغرافيا.
29
30
الرسالة
طلب آنيوس نوفاتوس Annaeus Novatusأخو سينيكا في منتصف القرن
األول الميالدي تقري ًبا ‘أن يصف له ملط ًفا للغضب’ ( ،)1.1.1وهذا على أي
حال ما يذكره سينيكا في الجملة األولى من الكتاب األول للغضب( ،)1والكتابة
– أو الزعم من الكتابة -استجابة لهذا الطلب وهو أسلوب قديم لرسائل التهذيب.
والمفهوم أن ‘أنت’ الذي يعالجه سينيكا على مدار الرسالة يمثل مجموعة واسعة من
الناس غير نوفاتوس نفسه .والنمط المقنع هو الشكل الذي يعطيه سينيكا في رده،
وهو توليفة من النظرية والعالج والذي يفترضه األخير أنه هو السبب األول .ويتبع
سينيكا التراث الرواقي خاصة الفيلسوف العظيم خريسبوس (تقري ًبا 207 -280
المدون في أربعة كتب ُقدمت بنفس الطريقة ،حيث
َّ ق.م) في كتابه عن االنفعاالت
يبدأ بفهم االنفعاالت قبل أن يعطي نصيحة بكيفية مداواتها .وقد سبق شيشرون
في مناظرات توسكوالن Tusculan Disputationsسينيكا في معالجة موضوع
الغضب بمائة عام –وهي المناقشة الالتينية الكالسيكية الوحيدة عن االنفعاالت،
وهي أكثر امتدا ًدا من معالجة سينيكا -حيث فسر وخفف الحزن على وجه أخص
في الكتاب الثالث ،واالنفعاالت بشكل عام في الكتاب الرابع(.)2
31
‘عالجا’ ،وال يبدو هذا غري ًبا
ً إن فكرة استجاباتنا الفاعلة للحياة قد تتطلب
في ثقافة الوعي بالعالج وال فريدً ا عند الرواقية في العصور القديمة :فعلى سبيل
المثال وضع فيلوديموس Philodemusاألبيقوري في القرن األول الميالدي
عالجيا في كتابه عن الغضب ،وكتب بلوتارخ -وهو من أتباع أفالطون-
ًّ قسمًا
ولكن الرواقيين تناولوا الموضوع
َّ في التحكم في الغضب بعد جيلين من سينيكا،
لمطالب ملحة ،وهم فحسب -من بين المذاهب الفلسفية القديمة -الذين اعتقدوا
شر في حد ذاتها ،ألسباب سوف ننظر فيها أدناه،
جميعا ٌّ
ً أن االنفعاالت كما نعرفها
فالعالج المؤكد الوحيد لالنفعاالت هو استئصالها ،واتبعوا هذا االعتقاد ،وركزوا
على الغضب ألنه من المؤثرات المخيفة .ويقسم سينيكا كتبه الثالثة إلى نصف
تقري ًبا :ففي الكتاب األول والنصف األول من الكتاب الثاني يعرف الغضب في
االصطالحات الرواقية الرشيدة ،ويدافع عن مفهوم الغضب ضد االعتراضات
الموجهة إليه ،ويحلل تعاقب اإلدراكات الحسية واألحكام التي تشكل االنفعال،
ومن ثم يتحول إلى عالج الغضب في بقية الكتاب الثاني ،ويأخذ المنحى ذاته في
الكتاب الثالث( ،)3وتناول النظرية أولاً ثم العالج في القسمين التاليين ،وفي النهاية
يمكننا أن نتأمل تصور سينيكا لجمهوره وطريقة حديثه لمداواتهم.
النظرية:
تعامل الرواقية االنفعاالت على أنها مركزية لألخالق بدرب أو درجة ال تجد
لها مثيلاً في األنساق الفلسفية القديمة األخرى :ولن نمضي بعيدً ا لقول أن فهم
األفكار الرواقية عن االنفعاالت يتطلب فهم األفكار الرواقية عن اإلنسان ،ولحسن
الطالع لسنا في حاجة لمحاولة فهم الغايات المطروحة؛ ألن كتاب سينيكا عن
الغضب ذاته قد نحا بعيدً ا عن االعتبار الرواقي لالنفعاالت( ،)4وألن سينيكا قلل
التركيز عن النظرية ألجل العالج المبني عليها ،وأنه يرجع للسابق بقدر ما هو
32
ضرورة لالحق( )5ويمكننا حذوه ،ويرسم في البداية بعض المبادئ العامة بطرح
معتدل قبل أن يركز على المحاور الرئيسة التي يتعامل معها.
ونبدأ باعتبار البشر المعياريين الذين يمثلون المثال الرواقي ،وهؤالء َمن
يدركون العيش بأفضل حياة لإلنسان :حيث الحكيم .وهؤالء الناس إن وجدوا
(وقد وجدوا وهم استثنائيون) فإنهم سوف يعيشون على غرار الطبيعة –لقولهم
المعتني ينظم العالم -و ُتجهزهم للعيش :ومن ثم فإن أفضل حياة في
إن الرب ُ
المذهب الرواقي هي ‘الحياة وف ًقا للطبيعة’ ،وهناك عنصران للتجهيزات الطبيعية
وهما هامان في ذاتهما وفي تأثيرهما على االنفعال ،والتجهيز األول هو دافع
ً
تجاوزا ‘غريزة البقاء’ ويسميه الرواقيون النزوع :oikeiosis فطري ونطلق عليه
حيث نعتد بشكل طبيعي من الطفولة المبكرة بأنفسنا على أنها موضوعات تخص
شواغلنا ،وهذا الشاغل يدفعنا للسعي إلى ما يعزز عافيتنا ووجودنا الحسن(،)6
والتجهيز الثاني وهو أهم هبات الطبيعة حيث قدرة العقل في البشر الناضجين،
وهي فريدة عندهم دون الحيوانات ويشاركون بها األرباب ،وأفضل حياة بسيطة
عنصري بنيتنا الطبيعية إلى حد كبير ،وذلك باستعمال عقولنا
َ تتضمن الجمع بين
للسعي إلى هو خير لذواتنا.
ولكن األمر ليس بهذه البساطة التي ُتظهرها هذه الصيغة؛ ألن –ضربات
كثيرا منا لديه صعوبة للتعرف على ما هو حسن لنا،
الفرشاة هنا يجب أن تتسعً -
بل ما هو خير لنا كمخلوقات حية (وسائل راحة المخلوق) ،بل ما هو خير لنا
ونحن بشر بقدرات بعينها نمتلكها ،وإن الشيء الخير الوحيد والجدير باالختيار
لذاته بسبب هذه القدرات هو الفضيلة ،وما هي إال ممارسة متسقة وواضحة للعقل
(وعلى النقيض والشيء الوحيد الحق الشر في ذاته وهو رذيلة وما هو إال فشل
للعقل) .وإن اتفقت العقول دو ًما على هذا الخير ،تصوب كل أحكامنا وتصح
كل معتقداتنا وتثبت وتتآزر :ولن نمتلك مجرد معتقدات بل معرفة ،والعقل
33
الواعي لهذا الصنف أحكامه قويمة واختياراته صائبة ويتصرف ‘وف ًقا للطبيعة’،
وهذا التصرف بمثابة الخير الغائي وهو الفضيلة فحسب :فسمات مثل االعتدال أو
الوالء والشجاعة ُتسمى فضائل وما هي إال قدرات للعقل الواعي ليقوم باختيارات
صائبة في ظروف بعينها .وبما أن هذه أفعال عقولنا فهي دو ًما تحت سيطرتنا ،كما
يقول الرواقية هي دو ًما في ‘حوزتنا’ – هي األشياء الوحيدة التي نسيطر عليها.
ومن ثم فإن الشيء الوحيد الخير في ذاته ح ًّقا ودو ًما هو الشيء الذي نسيطر
عليه ح ًّقا ودو ًما ،وبالمثل هو ح ًّقا للشيء الوحيد الذي هو ح ًّقا ٌّ
شر في ذاته .وكل
األمور الخارجة عن حركات عقولنا –الصحة والمرض والثروة والفقر والحب
والفقد -هي أمور محايدة :ليست لها تأثير على حياة البشر الفاضلة ،ومن المؤكد
أنه بمقدورنا أن نفضل الصحة على المرض وأن نقوم على نحو عاقل للحصول
على ما نفضله ،وعلينا أن ال نخطئ فيما نفضله وهو خير في ذاته أو نسعى إلى ما
نفضله كما لو كان غاية في ذاته.
وهذه النتيجة من وجهة نظر الرواقية كاذبة عندما يكون أي شيء آخر غير
حاضرا؛ ألن المقدمة Bصادقة فقط عندما يكون المحمول ‘هو خير لي’
ً الفضيلة
ستكون الفضيلة هي موضوعه ،ومع ذلك من المرجح أن أخذ هذه المقدمة لتكون
صالحة ألعي عد ًدا من األشياء –المال ،الجنس ،القوة ،الهيبة ،وما يشبه ذلك-
شائع بل خيرات كاذبة ،وبالتالي نحن نوافق على نتائج كاذبة( )8وعقولنا
ٌ وهذا
تستوعب بشكل ال عقالني ومفرطة في حضور الخيرات الكاذبة ،وهذه هي تجربتنا
السعادة النابضة بالحياة ،و ُتبنى هذه التجربة في االصطالحات الرواقية على خطأ:
وال شيء سوى فعل العقل المتحور في اتجاه الال عقل( ،)9وما ينطبق على البهجة
يصح على كل االنفعاالت الشائعة التي نجربها في استجابة الحضور أو إمكان
الخيرات الكاذبة أو الشرور الكاذبة :وهذا برمته نتيجة لموافقة االنطباعات
التي ينبغي أن نحجبها عن موافقتنا( ،)10واألبعد من ذلك أن نمنح الموافقة أو
نحجبها بحوزتنا ككائنات عاقلة ،وليست انفعاالتنا مجرد تشوهات للعقل بل هي
أخالقيا عن انفعاالتنا الشائعة وأي
ًّ تشوهات طوعية .وباختصار نحن مسؤولون
أفعال نقوم بها عندما نكون في قبضتها ،وتشهد انفعاالتنا الشائعة على مدى فشلنا
في قياس هذه المسؤولية( ،)11ولهذا السبب تسعى الرواقية إلى أن تخلصنا من كل
االنفعاالت التي تشكل حيواتنا اليومية :حيث الشكل المشوه واالنفعاالت ذاتها
التي ليست إال أحكا ًما خاطئة واحدة تلو األخرى.
35
ويقودنا هذا إلى الغضب الذي يصفه سينيكا بأنه رغبة قوية لالنتقام عندما
ً
«خطأ»( ،)12والجملة الكاملة لكيفية عمل االنفعال تحكم بأنك ُضررت ً
ظلما
في (« :)2.4.1هناك حركة طوعية أولية – ُتعد االنفعال بما عليه وهي إشارة
التهديد ،والحركة الثانية يرافقها تعبير إلرادة ال ُتحل بعناد ألثر "سوف أنتقم ألنني
تعرضت لألذى» ،أو «ينبغي أن ُيعاقب هذا الرجل ألنه اقترف جريمة» ،والحركة
الثالثة تخرج عن السيطرة بالفعل حيث لن يرغب في انتقام إال إذا كان مناس ًبا،
ويسلك هذا الطريق ويطيح بالعقل".
إن الحركات التي يتحدث عنها سينيكا هي حركات للعقل ،وجدير أن تالحظ
أن كل حركة منهم تخضع لسيطرتنا ،وكما بين سينيكا في ( )3.5–2.2.1أن
الحركة األولية‘ -لطمة’ أو ‘هزة – ’ictusهي إحاطة أولى بأن شيئًا ما قد يحدث
لتغير حالتنا النفسية والجسمية ،ونحن نجربه بشكل ال إرادي – سينيكا يقارنه
على سبيل المثال برجفة عند رش الماء البارد أو المغلي -وهو في الحقيقة ال
إرادي وجزء ال يتجزأ من بنيتنا الطبيعية ،وهو مجرب حتى مع من له عقل كامل أو
حكيم( )13والحركة الثانية علة واضحة الحقة للطمة األولية غير الطوعية تدركها
على أنها ‘خطأ’ (واألحرى قول إنها دفقة لماء بارد) وتخيل أنها فعل مناسب لهذه
العلة (الشروع في االنتقام بدلاً من انتزاع المنشفة) :وفي هذه المرحلة ُتمنح الموافقة
أو ُتحجب ،فإذا منحنا الموافقة ُنجرب المرحلة الثالثة –الغضب المناسب -وهي
‘اإلطاحة بالعقل’ :وفي هذه المرحلة توجه عقولنا نحو الرذيلة ،وال تقع حركتها
تحت سيطرتنا كما كانت في الهزة األولى .والحقيقة أن سينيكا في نقطة بعينها
يرجع إلى التراث الرواقي ويقارن الحركة بإلقاء النفس من الجرف(.)14
ومن الواضح إ َذنْ أنه من الضروري أن نحصل على الحق في الحركة الطوعية
قادرا على
الثانية عندما «يعتقد امرؤ أنه تعرض للضرر ،ويريد أن ينتقم» وال يزال ً
مطيعا للسبب" ( .)2.3.4وبالمثل يعني
ً حجب الموافقة؛ ألن "عقله ال يزال
36
الحصول على الحق في الحركة التفكير الذي ينطوي« :ينبغي أن أنتقم ألنني
تضررت» وإذا فككنا هذا الفكر وعبرنا عنه بقياس ،فإنه يظهر على النحو اآلتي:
ُ
تضررت.
ُ - Cقد
إن الفكر الموصوف بالنتيجة هنا ُيطابق االنطباع الذي يمنح الغضب قوته
الدافعة :فإذا وافقت هذا االنطباع – إذا ألزمت نفسي بصدقه -فسوف أسعى لالنتقام
بال مقاومة كما يقول سينيكا( ،)15وإن حجب الموافقة يعتمد على االعتراف بخطأ
واحد أو أكثر من المقدمات التي تستند عليها النتيجة – القضايا Aو Bو – C
ومن الواضح أنها قضايا متنوعة ،فالقضية ُ Cتطابق ً
نوعا آخر من االنطباع وهو
ظلما») ينهض من حدث
تصور تقييمي (ليس إال «قد ضررت» ولكن «تأذيت ً
جديد ،والقضية Aو Bعلى النقيض ليست انطباعات جديدة بل اعتقادات
ثابتة ،والتصورات مكتسبة على الدوام قبل الحدث ذات الصلة ،ومن الواضح
أنواعا مختلفة لالعتقاد ،فالقضية Aاعتقاد صادق تنشأ عن "التناسب"
ً أن هناك
الذاتي ”the self-“appropriationوتالحظ كجزء من بنيتنا البشرية :ربما
طبيعيا» ،والقضية Bعلى النقيض ألنها نتاج ثقافي وهي
ًّ حتى ُنطلق عليها «اعتقا ًدا
في االصطالح الرواقي فعل خطأ من جهتين؛ ألنها تتغافل فضيلة "العيش وف ًقا
للطبيعة" وهكذا يمكن تسميتها بأنها «خير لي» ،وألنها تحول المسمى بدلاً من أن
تفعل المردود غير العاقل الذي يخطئ في طبيعة العقاب العادل( ،)16وبالتالي فإن
حجب الموافقة ينبغي أن يترك القضية Aدون شك بل يعتمد على أن االعتراف
باالعتقاد الثقافي Bخاطئ أو االعتراف بأن االنطباع الجديد Cال أساس له أو غير
37
جدير بالثقة أو ربما بكليهما ،وبالتالي عندما يحاول أن يعالجنا من الضعف تجاه
الغضب ينبغي أن يستمر عالجه بمهاجمة العناصر نفسها ،وسوف تنجح في تدمير
االعتقاد الخاطئ على نحو أمثل ،والتساؤالت التي سوف ننتقل إليها توضح كيفية
عالجه لهذه األمور.
العالج:
يشير سينيكا في منتصف الكتاب الثاني أنه انتهى من مناقشة الجانب النظري
– قائلاً «التساؤالت التي تثير الغضب» – وسوف يبدأ في عالجنا« :دعونا ننتقل
لمدواته" ( ،)2.18.1فهو يحدد في البداية «هدفين رئيسين :أال نقع في الغضب،
وأال نرتكب الخطأ أثناء الغضب» ،و ُتغطي هذه األهداف مباشرة على أنها «مقاومة
للغضب» و«كبح للغضب» ( ،)2.18.1والهدف الثاني يصيب في الحال
مالحظة هاجسة بقدر ما يوحي وصفها –على نحو دقيق كما نراها -وهذا الهدف
عالجا بالفعل بمعنى يناقض الحالة المريضة كما السيطرة على الضرر،
ً ليس
وبميزان الكتاب يقدم سينيكا نصيحة بشأن تجنب الغضب (وسوف ننظر في
طبيعة النصيحة أدناه) ،وإن كنت راض ًيا عن تحقيق الهدف األول سوف ننتقل إلى
الكتاب الثالث متوقعين منه معالجة الهدف المتبقي –كبح الغضب -وقد أكدت
الجملة األولى هذا التوقع «سوف نحاول يا نوفاتوس أن نقوم بما تريده :نستأصل
الغضب من عقولنا أو على األقل كبحه وإبطاء مداهمته» (.)3.1.1
ولكن ليست األمور بهذه البساطة ،وقبل أن نتحول إلى الحجة المناسبة يذكرنا
ننظر()17 سينيكا مرة أخرى وبطريقة مختلفة كيف يكون الغضب مخي ًفا ،وعندما
()18(:)3.5.2 في موضوع المناقشة نجد أن الغرض من الكتاب اختلف اآلن
“حيث إن الغاية األولى ليست الغضب ،والثانية التوقف عن الغضب ،والثالثة
معالجة غضب آخر ،وسوف أخبرك أولاً عن تجنب الخضوع للغضب ،وكيف
38
وأخيرا كيف نكبح جماح المرء الغاضب ،ونرده إلى رشده”.
ً نحرر أنفسنا منه،
وإذا كان المنع هو الهدف الهام في عالج سينيكا ،فعلينا أن ننظر في الخيوط
الرئيسة للنصيحة التي يمنحها ،وعلى وجه التحديد في الطريقة التي تجيب بها
النصيحة على العناصر الناقدة لقياس مسار الغضب:
تضررت.
ُ - Cلقد
39
والنتيجة من المناسب أن أسعى لالنتقام.
وبتصنيف األجزاء التي لها صلة بالنصيحة إلى مقوالت واسعة عدة ،نجد ما
يلي(:)20
-قم بتقييم نفسك وأفعالك بدقة ،وقياس َمن أنت وما تفعله(،2.28 )21
.37.5 ،36.4 ،35 ،31.3–30.3 ،25.1 ،2–24.1 ،3.12.1
وقارن هذه المقوالت بعناصر القياس التي تستهدف العالج – االعتقاد الثقافي
40
الخاطئ (للرواقية) وهو أن االنتقام خير واالنطباع الجديد بأن المرء قد يعاني الخطأ-
ينتج عنه نتائج واضحة والفتة للنظر .وبصرف النظر عن المقولة األولى للنصيحة
التي تقارن طر ًقا مختلفة لتجنب األحداث حيث يجب على القياس أن يشمل الكل،
ومعظم النصائح تهاجم االنطباع األول وليس االعتقاد الثقافي المتأصل ،والحكم
على المهين الظاهر بعدل والبحث عن أسباب لعذره والحصول على معنى معتدل
لقفره أو لومه ،والحفاظ على منظور روح العظيمة إلنسان ُنظر إلى استخفافه الظاهر
على أنه تفاهة أو مناسب لمزحة :وهذه تهدف بكل وضوح إلى إبطال أو تأويل أو
تعليق فكرة «قد تضررتُ» ،وهذه استراتيجيات سينيكا التي يعول عليها في نهاية
نموذجا لقرائه في ممارسة تمحيص الذات الليلي الذي
ً الكتاب الثالث ،حين يقدم
يقوم به ( ،)23( )38–3.36والقليل للغاية يسعى لتفكيك االعتقاد الجوهري وهو
أن االنتقام خير – وهذا أكثر ما يلفت االنتباه -ومعظم هجمات االعتقاد القليلة على
أسس تعقلية تضغط على كلفة الغضب :فاالنتقام مهلكة للوقت ومجهدة للعمل
ونادرا
ً ( ،)3.27.1وتحطيم فم امرئ قد يصدم يدك بسن مكسور (،)3.28.3
ما يقدم الحجة األخالقية كعالج لمواجهة القيمة الثقافية المبنية على االنتقام :فهناك
فكرة قدمها سقراط وأفالطون وهي أنه من السيئ للمرء أن يرتكب خطأ أكثر من أن
يعاني منه – فقرة متأخرة في الكتاب الثاني -حيث يتعارض المذهب الرواقي في
االنتقام مع الطبيعة البشرية(.)24
المعالج وجمهوره:
شكل هذا الجمهور وقفة ساخرة يطلق عليها ‘غرفة قاسية ،’tough room
و‘أنت’ الذي يتجسسه سينيكا عندما ينظر إلى كتف أخيه ليخاطب العالم األرحب
اجتماعيا والمدلل للغاية ،ويقود الحية لشرف عظيم
ًّ وهو الرجل الثري المتواصل
وراحة في عالم البؤس اليائس :حيث يتوقع تبريد مشروبه بالثلوج المقطوعة
من جبال بعيدة ( ،)2.26.4ويتوقع أن تكون أثاثات بيته ومتاعه كما ينبغي
( ،)3.35.5ويتوقع أن يدفع له اآلخرون كل ثمين الحترام يعتقد أنه يستحقه
( ،)2.24.1ويتوقع فطنة عبيده في تلبية ما يريده ( ،)2.25.1ويتوقع مجموعة
من أشياء أخرى تخدم متعته وإرادته – يريد كل شيء اآلن وفي كل وقت .ومن
المؤكد أن عد ًدا معقولاً من التفاصيل التي ينشرها سينيكا في لوحته تتضمن جمهوره
ً
وبعضا مما يقوله ُيخصهم المألوف من العرف شبه الهجائي في الوعظ الروماني،
لهذا السبب .وال تكتمل الصورة على الدوام عند سينيكا حول تربية األطفال (،2
)ff., esp. 2.21 2 ،18والتي يقدمها بصورة قوية وغير ساخرة -ألنهم يشددون
على ما ال ينبغي القيام به كمسألة مبدأ -ويمكن أن ُيؤخذ إلظهار ما يقوم به غال ًبا
كحقيقة ،وأبناء النخبة يأخذون ثروة آبائهم في سن مبكرة وتفترش أمامهم ،وخيبة
آمالهم الطفيفة تهدأ بفارغ صبر ،وسلطتهم االستثنائية على اآلخرين ربما تعرض
لعبيدهم للضرب من أجل نزوة .ويجب أن تنتج هذه البيئة أمراء عظماء ال حصر
لهمُ ،يجمع كل منهم على االعتقاد بأن العالم يدور حوله هو وما يريد ،وال تستعمل
42
كلمة ‘ال’ في حضوره( ،)25وال عجب أن هؤالء في حاجة لمن يعينهم في معايرة
أحكامهم على صغائر األمور.
وسينيكا بطبيعة الحال لدية القدرة على االقتراب من الوظيفة بطريقة تحليلية
صارمة متوقعة من فيلسوف ،ويعرض في الكتاب الثاني هذا النمط ،ويناقش
بحرص التسلسل المعرفي المتضمن في الغضب في بداية الكتاب ()4–2.1
ويقسم المناقشة في النصف الثاني من الكتاب( ،)26ولكن األسلوب الذي يجده
فكثيرا ما يفضل أن يتناول كلمة
ً نافعا،
روحيا ( )cf. esp. 2.1.1–2أو ً
ًّ متجانسا
ً ليس
‘أنت’ ليهز كتفك.
إن اإليماءات القوية هي السمة المميزة لنمط سينيكا :حيث الصور المفصلة
للغاية للغيظ مفتوحة في الكتاب األول والثالث ،والنغمة التي تميل للسخرية
والتهييج ( )e.g., 3.26.1f., 32.1, 35وردوده على االعتراضات والتوكيدات
( ،)e.g., 1.3.1–2, 1.6.1, 1.8.4ودوره المتفلسف بوضع الكلمات في أفواه
الممثلين التاريخيين ( )e.g., 1.18.6, 3.40.4والتكرار الغالب للنقاط والحجج
التي قد قدمت من قبل بالفعل( ،)27وكتالوج األخطاء وأثرها هدف إلثارة اإلعجاب
التاريخية()28 بوزنها الهائل ( ،).e.g., 1.2.1, 2.9.3, 3.2.3fوتكثيف األمثلة
واالستعداد للتضحية بالوقائع ألجل عبارة مصقولة وقوية واستعمال لغة الحس
المشترك لتتعارض اصطالحاته مع المذهب الرواقي( ،)29وانتُقد سينيكا أحيا ًنا
بسبب هذا أو ُأسيء فهمه ،ولكن من المؤكد أنه ينظر إلى طريقته لتدريس تعاليمه
حتى تصل إلى جمهوره وتتحدث إليه بلغته(.)30
ولو تناولنا سينيكا بمغزى قوله ،كان عليه أن ينظر إلى حاجة الوصول إلى
جمهور على أنها ضرورة أخالقية ال تقل عن االلتزام بإنقاذ غريق بطول ذراعيه،
فشر الغضب أخالقي ودنيوي ظاهر ،وسينيكا على يقين بأسبابه وعالجه ،وكان
43
ً
ال تقل قوة عن التي-مرتبطا بمن يعانون بروابط –مثل مسألة المذهب الرواقي
فكلنا مرتبطون ببعضنا كما ترتبط أطرافنا بأجسامنا كما،)31(تربطه بنوفاتوس
خيرا
ً وهذا الدافع الفطري يحركنا منذ الميالد لما ينبغي أن يكون،يعتقد الرواقيون
وفي محاولة. وعندما نصل إلى فهم أفضل ننتقل للبحث عن خير اآلخرين،لنا
مهما اتسع أو، وقام بما ينبغي على الرواقية فعله،وصف لتلطيف الغضب ألخيه
.)32(’ضاق فهم اصطالح ‘أخ
:قراءات مختارة
Martha Nussbaum. 1994. The Therapy of Desire: Theory and
Practice in Hellenistic Ethics. Princeton, NJ: Princeton
University Press, 316–401.
Tad Brennan. 2005. The Stoic Life: Emotions, Duties, and Fate.
Oxford: Oxford University Press. Margaret Graver. 2007.
Stoicism and Emotion. Chicago: University of Chicago
Press.
:اختصارات
FGrH Die Fragmente der griechischen Historiker, ed. F. Jacoby.
44
Commentary. Cambridge: Cambridge University Press, 1987.
1971–2004.
45
46
عن الغ�ضب
47
48
عالجا ملط ًفا للغضب،
ً علي يا نوفاتوس حتى أصف لك
إنك تضغط َّ 1 - 1
وأستدل من هذا أنك تخشى هذا االنفعال ح ًّقا ،فهو بغيض وقريب من
الجنون( ،)33وكل االنفعاالت األخرى الخامدة والساكنة عنه يحتويها
المرء كلية بهجوم متصاعد ( ،)34يبدأ برغبة وحشية بإلحاق ألم في قتال
أو سفك دم في عقاب ،فال يهتم بذاته شريطة أن يضر اآلخر ،فهو يلقي
ً
متعطشا لالنتقام الذي ُسيردي بنفسه نحو األسلحة التي ُتقذف نحوه
ِ
المنتقم ً
أيضا(.)35
وقال بعض الحكماء :إن الغضب جنون مقتضب( ،)36تعوزه السيطرة 2 - 1
على النفس ،ويتجاهل اللياقة ،ويتغافل عن الروابط الشخصية والنية في
تحقيق غاياتها بفظاظة ،ووقوف عن التروي العقالني ،وهياج بال سبب
حق ،وعدم إبطان لتبصر ما هو عدل وحق ،مثل المبنى المتهاوي الذي
يسحق ما يسقط عليه وهو ينهار إلى أنقاض.
تتلظى أعينهم وتستعر ،وتتورد وجوههم بشدة باندفاع الدم من أعماق 4 - 1
وشفاههم تترجرج ،وأسنانهم تجز ،وشعرهم ينتصب القلب()37
سرا
وكل االنفعاالت األخرى التي بمقدورك أن تخفيها أو تحتضنها ًّ 5 - 1
مرئيا على محياك،
على خالف الغضب الذي يدفع ذاته لإلمام ويصبح ًّ
ويتجلى غليانه بوضوح كلما نما ،ويقينًا أنك على دراية بالطرائق التي
تتصرف بها الحيوانات في كيفية التخلي عما يثير الذعر إن تعرضت
لألذى ،فتفقد وعيها المعتاد بأجسامها تما ًما وحالة هدوئها وتبالغ في
ضراوتها الطبيعية.
فترغو الخنازير في فمها وتجز أنيابها لتحدها ،وترشق الثيران قرونها 6 - 1
في الهواء الفسيح وتبعثر الرمل بحوافرها الدامغة ،وتزأر األسود،
و ُت َل ّمع الثعابين رقابها حين تستفز ،وتسعر الكالب بالحملقة .فال حيوان
بطبيعته مرعب وال خطر ،بل تزداد ضراوته عندما ينتابه الغضب(.)40
وال أعي بالطبع بقية االنفعاالت ومن الصعب إخفاؤها ،ووجود 7 - 1
الشهوة والخوف والتهور متعين ،وبالمقدور التعرف عليها مسب ًقا ،وأي
توترا في تعبير المرء ،فما الفارق إ َذنْ ؟
اضطراب قوي غير معتاد يسبب ً
إن االنفعاالت األخرى مرئية ،ولكن الغضب ُيصنع من ذاته بوضوح.
وبالنظر اآلن إلى آثاره المدمرة :حيث إنه أكثر كلفة من الوباء لجنس 1 - 2
البشر( )41فسفك الدماء والتسمم ودعاوى القضايا وردها( )42وتدمير
أفواجا للبيع في المزاد(،)43
ً أمما برمتها ،ويقود المواطنين
المدن قد ُيبيد ً
ويضع الديار على المشاعل ثم الحريق بال رادع من أسوار المدينة،
وتتحول المساحات الفسيحة من األرض المشرقة بمداهمة اللهب.
وتأ َّمل المدن ذائعة الشهرة التي يصعب بناء أحجار أساسها اآلن :إن 2 - 2
50
الغضب قد يسقطها( .)44وتأ َّمل األراضي القفر والفيافي التي بال سكان
ألميال عدة :إن الغضب ُيجردها .وتأ َّمل قادة عدة معروفين للتاريخ
بأنهم ٌ
مثال للمصير القاتم :حيث سعى الغضب ألحدهم في سريره
وطرح اآلخر ميتًا على مائدة عشائه( ،)45ومزق وصلاً من أوصال آخر
على مرأى المحكمة المحتشد وهو في حضن القانون( )46وتسبب في
سفك الرجل لدم ابنه ،وشق أطراف آخر على الصليب.
b 3-2إن الغضب هو الرغبة في االنتقام لخطأ ،أو كما يقول بوزيدنيوس هو
ضررا .ويصفه البعض
ً ٍ
امرئ تحسب أنه أحدث لك الرغبة في عقاب
على النحو اآلتي :إثارة العقل إللحاق أذى بامرئ قد أضر الذات أو أراد
فعل هذا (.)49()Lactantius, On the Anger of God 17.13
..... 4 - 2كما أنهم يفشلون في تبيان ما يهمنا أو يزدرون سلطتنا( ،)50وإال لماذا
يغضب الحشد من المجالدين ،وكذلك من الظلم االعتقاد بأنها جريمة
وأنهم ليسوا سعداء بالموت؟ إن الحشد يحكم بأنه مهدد باالحتقار،
ويتغير -في نظراته وإيماءاته وانفعاله -من المتفرج إلى الخصم.
51
شبيها بالغضب(،)51
ً 5 - 2وأ ًّيا كان هذا النوع من األشياء ،فإنه ليس غض ًبا بل
مثل األطفال الذين يودون ضرب األرض إذا سقطوا ،وغال ًبا ال تعرف
لماذا هم غاضبون :حيث إنهم هكذا دون سبب ودون تعرض لغبن –
لكن ليسوا بغير انطباع بعينه بأنهم تعرضوا لغبن( )52وليسوا بغير بعض
الرغبات للرد .وينبني على هذا أنهم يضايقون أنفسهم بضربات مفتعلة،
ويتم إرضاؤهم عندما يتوسل الناس عفوهم بالتظاهر بالدموع ،وليست
حقيقيا.
ًّ شكواهم حقيقية وتنمحي باالنتقام الذي ال يمثل انتقا ًما
وهنا اعتراض« :نحن ال نغضب غال ًبا من الناس الذين يضروننا ،بل من 1-3
الذين يعتزمون ضررنا :ويتبين من هذا أن الغضب ليس نتاج خطأ».
صحيح أننا نغضب من الذين يقصدون ضررنا بل يضرونا بهذا القصد:
فإن المرء الذي ينوي ارتكاب خطأ يرتكبه بالفعل(.)53
وهناك اعتراض آخر« :من الواضح أن الغضب ليس رغبة في الدفع؛ ألن 2-3
دفعا ال يأملون
أضعف الناس غال ًبا يغضبون من أقواهم :وهم ال يرغبون ً
تحقيقه» .إنني قلت -في المقام األول -إنه رغبة في الدفع بالضبط وليس قدرة
على عمل ذلك ،وإن الناس يرغبون حتى في األشياء التي ليس بمقدورهم
تحقيقها .وفي المقام الثاني ليس من صاغر ليس بمقدوره تخيل األمل حتى
في دفع ما هو أسمى :كلنا قادرون تما ًما( )54عندما يتعلق األمر بالضرر.
وتعريف أرسطو ليس مختل ًفا عن تعريفنا()55؛ حيث يقول إن الغضب 3-3
رغبة قوية في رد األلم بألم (وال يمكننا تفسير االختالف بين تعريفه
وتعريفنا باقتضاب)( ،)56وعلى خالف كال التعريفين فإن ما يعترض
عليه أن الحيوانات البرية تغضب لكن دون استفزاز من موجود مخطئ،
وليس ألجل دفع أو إحداث ألم آخر ،وحتى لو كان هذا جوهر سلوكهم
فإنه ليس مقصودهم.
52
ويجب أن يقال إن الحيوانات البرية –وكل المخلوقات تأمن اإلنسان- 4-3
عدو للعقل ،ويأتي للوجود فحسب حيث
دون غضب :حيث إن الغضب ٌّ
السعار والضراوة ()57
يسكن العقل ،والحيوانات البرية لها دوافع – ُّ
والعدوانية -ولكن ال يزيد ترفها أكثر من إسرافها حتى لو قل تحكمها
عن البشر حين ُتقبل على ملذات بعينها.
وتفتقر الحيوانات البكماء لالنفعاالت اإلنسانية ،لذا لها دوافع بعينها 6-3
تشبه االنفعاالت .فكيف يكون حالها إن عرفت الحب والكراهية؟ إنهم
سيعرفون الصداقة والعداوة والخالف والوئام .ورغم وجود مسحة من
هذه األشياء في الحيوانات ،إال أن ملكيتها أصيلة لقلوب البشر – ألجل
الصحة والمرض على حد سواء.
فما الغضب الذي ُفسر بما فيه الكفاية وكيف يختلف عن ‘الغيظ’ 1-4
الواضح( :)60إنه يختلف بنفس الطريقة التي يتباين بها ‘السكران’ عن
ً
مغتاظا، ‘الخواف’ ،وربما ال يكون الغاضب
ّ ‘السكير’ و‘الخائف’ عن
والمغتاظ ليس غاض ًبا أحيا ًنا.
وكل المقوالت األخرى التي تميز أنواع الغضب المتباينة باصطالحات 2-4
متمايزة في اليونانية تفتقر إلى مسمياتها في الالتينية ،وسوف أمر
– وح ًّقا إننا نستعمل اصطالحات على أنها صور مختلفة عليها()61
ٍ
وقاس ،acerbusوكذلك اصطالح عصبي للغضب مثل الذع amarus
stomachosusومسعور rabiosusومتشدق clamosusومتعسر
difficilisوواخز ،asperويمكن أن تضع من بينها حاد الطبع ،morosus
وهو نوع من حساسية الغيظ.
والحقيقة هناك صور بعينها للغضب بعضها ينحدر إلى صراخ مقتضب، 3-4
وبعضها ارتعاش مألوف وعويص ،وبعضها جسدي موحش وليس
لفظيا تما ًما ،وبعضها ينداح في عباب لتعسف عنيف ومجدف ،وبعضها
ًّ
صور ال تتعدى الشكوى واالستياء ،وبعضها دفين مؤثر ومتشعب باطن.
هناك ألف نوع آخر لصور الشر متعددة الشكل.
لقد رأينا ماهية الغضب إلى حد بعيد ،سواء أكان ُيصيب الحيوان 1 - 5
ويتجنب اإلنسان ،وكيف يختلف عن الغيظ ،وكم له من أنماط هناك.
54
نافعا،
وننظر اآلن إلى ما إذا كان الغضب يتفق مع الطبيعة وإذا كان ً
وبالتالي ُنبقي عليه بدرجة بعينها(.)62
2-5وإن كان يتفق مع الطبيعة فهذا يدعونا إلى أن نتأمل اإلنسان عن قرب(،)63
وأي الحاالت يكون فيها معتدلاً حين ال تشوه حالته العقلية؟ وما الشيء
األشد قسوة من الغضب من ناحية أخرى؟ وما األشد كراهة من الغضب
حبا له من الغضب؟ لقد ُولد اإلنسان ليعطي
لإلنسان؟ وما األعظم ًّ
ويتلقى العون – والغضب ليدمره .ويرغب أحدهما في االجتماع وآخر
في االنعزال ،ويطلب أحدهما النفع وآخر الضرر ،ويبتغي أحدهما عون
الغرباء ،وآخر يعتدي حتى على القريب والعزيز .وإن البشر مهيأون
للتضحية حتى بذواتهم ألجل اآلخرين ،والغضب ُمستعد للدفع بهم في
الهالك شريطة أن يجر اآلخر إلى الهاوية.
ٍ
امرئ بطبيعة األشياء أكثر ممن يوصف وهل ُيظهر الجهل األكبر ألي 3-5
بهذه البهيمية والرذيلة البغيضة ألفضل الطبائع وأعظم الخلق تهذي ًبا؟
قلت( )64هو تعطش للرد ،وحضور هذه الرغبة في صدر
إن الغضب كما ُ
اإلنسان المطمئن تما ًما يتوافق بأي حال مع الطبيعة ،فحياة البشر مبنية
على التبادل المتناغم للمنافع ،ورباط محكم بميثاق العون المتبادل ال
بالخوف بل بالنزوع المتبادل.
ويتبدى اعتراض« :هل التعنيف مطلوب أحيا ًنا أم ال؟» .بالطبع مطلوب! 1-6
ولكن المطلوب هو التعنيف المتعقل دون غضب؛ ألن الغاية ليست
فعل الضرر بل شفاء تحت رداء اإليذاء ،كما لو كنا نسخن قضبا ًنا
معدنية ملتوية الستعدالها ،وندق المطارق لتقويم اعوجاجها ،ولذا
فإننا نستعدل خصائل الناس بألم الجسد وتكدير العقل حينما تعوجهما
الرذيلة(.)65
55
ولتتيقن أن الطبيب حين يواجه اضطرابات خفيفة ،فإنه يحاول في البداية 2-6
أن يدخل تعديلاً على النظام اليومي :حيث يفرض بعض الترتيبات على
الطعام والشراب والعمل ،ويحاول بهذه الطريقة أن يبني صحة المرء
محكما .ويسمح لالعتدال بعد ذلك
ً على مهل ليجعل أسلوب حياته
بأن يقوم ببعض األشياء القويمة ،وإن لم يفد الترتيب واالعتدال بشيء
فإنه يستأصل بعض عناصر النظام اليومي ،وإن لم يستجب المريض
يحرمه الطبيب الطعام ليحرره من أثقال جسده بالصيام ،وإن لم تحقق
هذه الجرعات اللطيفة شيئًا ،فإنه يلجأ إلى الجراحة والبتر -إن كانت
أطرافه المتعلقة بالجسد قد تضررت بانتشار المرض .فأيما كان العالج،
فإن له نتيجة صحية ُيظن أنها قاسية(.)66
ومن الحري أن يسعى المرء الذي يسن القوانين ويوجه المجتمع 3-6
المدني أن يعالج خصائل الناس بالطريقة ذاتها أي بالكلمات طالما
استطاع .وبالحري ألطف الكلمات ليحث المسار الصحيح للفعل
ويغرس في عقولهم الرغبة فيما هو جليل وعدل ،حتى يكرهوا الرذيلة
ويقيموا الفضيلة( .)67وعليه في المرحلة التالية أن يتبنى طريقة أشد حدة
وأخيرا يلجأ إلى العقوبات من نوع معتدل
ً للحديث بالوعيد والزجر،
إلى حد ما وغير قابل للمحو :حيث ينبغي أن يفرض أقسى العقوبات
على أرذل الجرائم ،على مبدأ ال ينبغي ألحد أن ُيزهق إال إذا كان قانون
الموت معرو ًفا حتى لمن ُينفذ فيه الموت(.)68
وهو يختلف في هذا التقدير عن األطباء :حيث يوفرون هرو ًبا سهلاً 4-6
للذين ليس بمقدورهم أن يمنحوا الحياة ،ويجبر المدانين للرحيل عن
الحياة المزرية والمغلفة بالعار ليس ألنه يسعد بعقوبة أي إنسان -فهذه
درسا
الوحشية الال إنسانية ليست من شيم الحكيم -ولكن ربما يكون هذا ً
56
للجميع ،كما تستفيد الدولة من موت الذين ال يرغبون في حياتهم نفعها.
ومن ثم ال تسعى طبيعة اإلنسان إلى الرد( ،)69وبالتالي فإن الغضب ذاته
ال يتفق مع الطبيعة حيث ال يسعى إلى الرد.
وسوف أقدم حجة من أفالطون – وما الضرر أن تستعمل متاع اآلخرين 5-6
حين يتداخل مع ما نتحدث فيه -وهو يقول" :إن الرجل الصالح ال يحدث
ضررا"( ،)70والرد ضرر :لذا ال يناسب الرد الرجل الصالح ،وللسبب
ً
نفسه ال يغضب ممن يناسبه الرد .وإن كان الرجل الصالح ال يبتهج بالرد،
طبيعيا.
ًّ فإنه لن يسعد بانفعال متعة في الرد .وبالتالي ليس االنفعال
طبيعيا ألنه
ًّ نصيرا رغم أنه ليس
ً «أليس من الممكن أن نتخذ الغضب 1-7
نافعا؟ إنه يثير معنوياتنا ويحثنا ،فال تحقق الشجاعة في
غال ًبا ما يكون ً
الحرب دونه شيئًا :حيث يتطلب الغضب أن يوضع اللهب أمام المواد
الملتهبة وال ِم ْن َخس أمام الجريء وترسلهما إلى طريق الضرر ،ولهذا
السبب يعتقد بعض الناس أنه من األفضل أن يتحكموا في الغضب
وألاَّ يتخلصوا منه ،ويختزلوه إلى وسيلة ناجعة بنزع الزائد منه ،بينما
يحجزون العنصر الذي يمنع الفعل عن التحول الضعيف والطاقة الحية
للعقل من الذبول"(.)71
خارجا وعدم
ً ومن السهل في المقام األول أن ُنبقي على عوامل الضرر 2-7
قبولها أكثر من توجيهها والتحكم فيها بمجرد قبولها؛ ألنهم حين
استقطاعا أو
ً يستغلونه فهم أكثر قدرة ممن يتحكم فيه ،وال يتحملون
نقصا ًنا(.)72
وفي المقام الثاني :فإن العقل ذاته الذي ُيعهد إليه بزمام الحكم( )73ال 3-7
عن االنفعاالت ،ومجرد اختالطه بها يتلوث يحكم إال إذا ظل
خارجا.
ً ويعجز عن إبقائها محلاًّ للمراقبة رغم أنه يمكن أن يبقيها
57
فالفكر بمجرد زعزعته وإزاحته عن مكانه الصحيح يصير عبدً ا لشيء
يشقه على طوله.
وهناك أشياء بعينها تحت سيطرتنا في بداياتها ،وتدفعنا على طول 4-7
الخط بقوتنا في مراحلها الالحقة وال تترك لنا طري ًقا للعودة .فالذين
يقفزون من جرف ينبت قرارهم وال يستطيعون المقاومة وال يبطئون
نزول أجسامهم عند السقوط ،وليس أمامهم سوى الوصول إلى النقطة
التي كان بمقدورهم أن يرفضوها من البداية( .)74وهكذا العقل حين
ُيقدم على الغضب والحب واالنفعاالت األخرى ال ُيسمح له بمراقبة
انقضاضه :حيث عليه أن يحمل ثقله وطبيعته النازلة لألسفل ويدفعها
أسفل إلى األعماق.
وإن المسار األفضل هو رفض الوخزات األولى للغضب على الفور، 1-8
ويقاتل ضد شراراته األولى ،ويناضل حتى ال يخضع له( )75وبمجرد
أن يحملنا على المسار من الصعب أن يرتد بنا لألمان ،حيث لم َ
يبق ذرة
عقل بعد أن ُسمح لالنفعال ببعض الحقوق السيادية التي منحناها إياه
بمحض إرادتنا( :)76وبعد ذلك لن تفعل ما يسمح به بل ما يريده.
إن العدو –أؤكد على هذا األمر -يجب أن َيعلق في الخليج على الحدود 2-8
األولى عندما يدخل ويشق طريقه نحو البوابات التي تمنع الذين يسيطرون
عليها ،والحقيقة :أن العقل ال يُعزل قائمًا على مشاهدة االنفعاالت على
أنها أشياء خارجية ومنفصلة ،ويمنعهم من المضي قد ًما أبعد مما ينبغي،
واألحرى أن يتحول العقل ذاته إلى انفعال( .)77ولهذا السبب ال يمكن
استعادة نشاطه الصحيح والقويم بمجرد خداعه وإضعافه.
والعقل واالنفعال كما قلت ليسا لهما أماكن متماميزة ومفارقة ،بل 3-8
يتحول العقل إلى حالة أفضل وأسوأ ،وإال كيف يبعث ذاته بمجرد بزوغ
58
الغضب عندما تربكه الرذيلة وتستولي عليه؟ أو كيف يحرر ذاته من حالة
الوحل التي يهيمن فيها خليط العناصر الرئيسة؟
وهذا يستدعي أن أطرح سؤالاً :هل العقل أقوى من االنفعال أم أضعف؟ 5-8
وإذا كان هو األقوى كيف يستطيع العقل أن يضع حدًّ ا لالنفعال حيث
إن القاعدة تقول إن الكيانات الضعيفة هي التي تمتثل فحسب ،وإذا كان
هو األضعف ،فإن العقل ٍ
كاف في ذات إلنجاز األمور دون غضب وال
يسعى لمساعدة طرف أضعف.
«ولكن بعض الناس حين يغضبون يتصرفون باتساق ويتحكمون في 6-8
ذاتهم» ،متى؟ حين يصل الغضب إلى نقطة التالشي فينسحب من تلقاء
ذاته وليس في حالة الغليان بالفعل حيث يكون هو األقوى.
«ولكن من المؤكد أحيا ًنا حتى في حالة الغضب ُيسرحون الذين 7-8
يكرهونهم وال يؤذونهم وال يمسونهم ويمنعون أنفسهم عن فعل
الضرر» إنهم يفعلون هذا ولكن متى؟ عندما يصطدم االنفعال بآخر
أو ينتاب طريقهم رغبة أو خوف ً
أيضا( ،)78ومن ثم ال يزال الغضب
آنذاك ليس في صالح العقل ،بل تحت أثر االنفعاالت الغادرة والملعونة
والمؤتلفة(.)79
وليس من وراء الغضب طائل ،وال يحث العقل ألفعال تشبه الحرب، 1-9
59
وال ينبغي أن تعين الفضيلة الرذيلة ،وهي كافية بذاتها ،وحين تحتاج
الفضيلة إلى فعل ُمجحف ال ُتشعل الفضيلة الغضب ،بل ترتفع وتتحرك
بقدر ما تستدعي الضرورة ،ثم تهدأ كما تطير المقذوفات من المقاليع
التي يتحكم فيها القاذفون الذي ُيعايرون عزم دورانها.
ومن ثم إذا سمح لذاته أن يكون محدو ًدا ،ينبغي أن يطلق عليه أسماء 3-9
أخرى :ويكف عن الغضب وهذا ما اعتبره غير ملجم وجامح .وإن لم
يحتمل حدًّ ا من ناحية أخرى ،فإنه مدمر وال يعد من بين اإلمدادات ،فهو
ليس غض ًبا أو ال طائل منه(.)81
وإن ُعوقب أحد ما بعقوبة ،فهذا ليس بسبب أنه حريص على العقاب ،بل 4-9
صواب ،وال ينبغي حسبانه من بين الغاضبين .فالجندي الماهر
ٌ أمر
ألن هذا ٌ
هو َمن يعرف كيف يتصرف وف ًقا للخطة ،واالنفعاالت من جانبهم رديئة
مثل الجندي والقائد.
1-10وبناء على ذلك ال يضفي العقل أبدً ا دوافع طائشة وعنيفة إلى أسلحته:
حيث ليس للعقل ذاته سلطة ،وال يمكن كبح الدوافع دون وضع دوافع
مضادة مشابهة لها مثل الخوف مقابل الغضب ،والغضب مقابل الفتور،
والرغبة مقابل الخوف.
60
2-10وربما ليست الفضيلة بعيدة عن هذا الشر ،ولهذا السبب تجد لها مأوى
في الرذيلة! والعقل في هذه الحالة – محمي بإخفاقاته ،وعاجز عن
هادئ إال حين
ٌ الشجاعة إال حين الغضب ،أو نشيط إال حين الرغبة ،أو
ً
وارتباكا حوله بالضرورة ؛ حيث الخوف -ال يجد سكينة واثقة ،بل تقل ًبا
إن العقل الذي يُصبح عبدًا لبعض االنفعاالت كما لو كان موجو ًدا في
مملكة طاغية ،أليس من المخجل أن تجعل الفضيلة في كنف الرذيلة؟
3-10أضف إلى ذلك :يتوقف العقل عن القدرة على عمل أي شيء إذ انعدمت
صنوا لالنفعال ومكافئًا له .فما الفرق
ً قدرته دون االنفعال حيث يبدأ
الذي يحدث إن كان االنفعال دون عقل؟ وهل العقل دون االنفعال
واهن؟ إن االثنين متكافئان ،فال يوجد أحدهما دون اآلخر ،و َمن الذي
ٌ
يستطيع أن يوازن بين العقل واالنفعال؟
2-12وسوف يفي الرجل الصالح بواجباته بهدوء دون عذر ،ولن يفعل شيئًا ال
63
يستحقه اإلنسان حين يقوم بأشياء تستحق .فإذا كان أبي ُيقتل ،فسوف
أدافع عنه ،وإذا كان قد ُقتل فسوف أتدبر األمر الستنتاج مالئم – ألنني
أعرف الصواب ال ألنني أشعر بالظلم.
5-12إن الغضب الذي يقع على أصدقاء المرء وعائلته داللة على ضعف
العقل ،وليس العقل المكرس للواجب .وإن الشيء الحسن والقيم هو أن
تتقدم للدفاع عن الوالدين واألطفال واألصدقاء والمواطنين بإحساس
وترو
ٍّ فعليا إلى الطريق ،ويقوم بهذا عن طيب خاطر ٍ
امرئ يقوده الواجب ًّ
وحكمة بال اندفاع وشراسة؛ ألن انفعال رغبة االنتقام ال يزيد في جديته
عن الغضب ،ومن غير المناسب للعقل الحق أن يتبع طريق االنتقام:
حيث إن التهور والحمق يشبه أشكال الرغبة تقري ًبا ،ويحدث بطريقة ما
وهو يهرول نحو غايته .ولهذا لن يفعل العقل أي خير سواء في الحرب
شبيها بالحرب ،ويتجاهل تحت وطأة
ً أو السالم :إنه يصنع من السالم
السالح أن "إله الحرب منصف"( ،)93ويسقط في براثن اآلخرين حين
64
يفشل في القبض على ذاته.
6-12وال ينبغي قبول أشكال السلوك الفاسدة لمجرد أنها كانت فعالة بمسلك
أنواعا بعينها من المرض ،ولكن ال يعني
ً ما في وقت ما .فالحمى تخفف
هذا أنه ليس من المفضل أن تتحرر منها تما ًما :إنه نوع بغيض من العالج
يضع الصحة في دين المرض .وبطريقة مماثلة حتى لو كان الغضب –
ً
سقوطا من جرف أو غرق سفينة -مفيدً ا بشكل غير متوقع سما أو
يشبه ًّ
ال ينبغي الحكم عليه بالصحة؛ ألن عواقبه غال ًبا وبائية.
1-13وهناك أمر آخر جدير باالعتبار :إن األشياء القيمة فضلى وتزيد رغبتنا
خيرا فلن يؤكد أحدٌ أنها أفضل إن لم يخرج
فيها ،وإن كانت العدالة ً
خيرا فلن يرغب فيها أحد إن تقلصت في
منها شيئًا ،وإن كانت الشجاعة ً
بعض الجوانب.
2-13ومن ثم هل يعظم الغضب عند َمن يرفض زيادة الخير؟ ومن السهل أن
شرا بالزيادة. يزيد الغضب ،ومن السهل وجوده ً
أيضا ،وال يصبح الخير ًّ
نافعا؛ ألنه يؤجج الناس للقتال» ،ويمكن اعتبار
3-13توكيد « :يكون الغضب ً
السكر من هذا القبيل :إنه يجعل الناس عدوانيين ومتهورين ،وكثير
منهم يكون في حالة أفضل وهو يمسك السيف مرعو ًبا ،ويدعي ً
أيضا
بأسا
أن الهذيان والهياج ضروريان للقوة؛ ألن الجنون يجعل الناس أشد ً
غال ًبا!
شخصا ما
ً 4-13أو أن تعتبر هذا :حيث ال تخشى األثر المعاكس الذي يجعل
متهورا؟ وال يخشى الموت الذي ُيبطئ الهمة للمعركة؟ ولكن الغضب
ً
وأمورا أخرى من هذا النوع مثيرات رديئة وخائبة:
ً والسكر والخوف
وهي ال تمنح أدوات للفضيلة التي ال تحتاج إلى شيء يمكن أن عطيه
65
الفضيلة ،إنها تعطي ومضة قليلة للعقل بطريقة سلبية وبائسة.
5-13وال أحد يصير أكثر شجاعة باإلقبال على الغضب ،ما عدا َمن ال يكون
شجاعا دون أن يغضب :حيث ال يعين الغضب الفضيلة بل ينوب عنها.
ً
وما حقيقة هذا الغضب ،هل هو خير أن يجمع الناضجين– حيث إن
األطفال والمسنين والمرضى أكثر ميلاً للغضب()94؟ فكل ضعيف
بطبيعته ٌ
ميال للشكوى.
2-14وما السبب الذي يحمل الرجل الصالح لكره الطالحين ،بما أن الخطأ
يدفعهم لهذه العيوب؟ وإن كراهية الضالين ليست سمة للحكيم وإال
سوف يكره نفسه .دعه يفتخر بكم الجرائم التي ارتكبها ضد السلوك
الخير وبكم األمور التي دع بها للعفو( :)96حيث يغضب حتى في نفسه،
حكما لصالحه في قضيته وينقض الحكم ذاته
ً فالقاضي العادل ال يصدر
في قضية غيره.
3-14وأظن أنه ال أحد سوف يعفي نفسه ،والكل يزعم أنه بريء ال يفكر في
نفسه إال إذا كان سلوكه شاهدً ا فحسب ،وكم من البشر ينظرون ح ًّقا
للطالحين بعقل معتدل أبوي وال يضطهدونهم بل يستدعونهم للخلف،
فعندما يهيم المرء في الحقول على عماء ،فمن األفضل أن ترشده إلى
الطريق القويم أحرى من أن تعزله.
2-15ولماذا أكره المرء الذي أنتفع منه في اللحظة التي أفصله فيها عن ذاته؟
يقينًا ال أحد يكره أطرافه حين يبترها أليس كذلك()97؟ هذا ليس غض ًبا،
بل صورة مثيرة للشفقة من الشفاء .فنحن نفتك بالكالب المسعورة
ونقتل الثور الضاري غير األليف ،ونذبح الماشية المريضة حتى ال تعدي
القطيع ،ونتخلص من المواليد مشوهة الخلقة ،ونغرق األطفال ً
أيضا إذا
ُولدوا بعاهة أو مشوهين ،فهذا ليس غض ًبا بل سب ًبا لفصل التالف عن
السليم.
ٍ
المرئ ُيخصص له العقاب أكثر من الغضب؛ 3 -15وال شيء أقل مالءمة
فالعقاب أكثر مالءمة للتقويم إن ُفرض كفعل لحكم ُمستحق( )98ولهذا
قال سقراط للعبد« :سوف أتغلب عليك إن لم أكن غاض ًبا»( ،)99فإنه
أرجأ توجيه اللوم للعبد إلى حين تستقر نفسه ،ولكنه الم نفسه في تلك
فمن في العالم سوف يسيطر على انفعاله في حين ال يجرؤ
اللحظةَ .
سقراط على أن ُيسلم نفسه للغضب؟
1-16عندما يتعلق األمر بتقييد َمن يقترفون الجريمة والضالل ،فال داعي لعامل
العقاب أن يكون غض ًبا :وبما أن الغضب إخفاق للعقل ال ينبغي للطالح
أن يكون هو المرء الذي يعين األثم« .ال ينبغي أن أغضب من اللص
إ َذنْ ؟ وأال أغضب من المسجون؟» ال ،وال أغضب من نفسي عندما
67
يهرب مني الشعور(.)100
3-16إن عقلك الذي ينسج شبكة متنامية للجريمة يتجاوز الشفاء ،وال تحتاج
بالفعل إلى دوافع لتوقفك ،بل الطالح ذاته دافع قوي بما فيه الكفاية
للقيام باإلثم .لقد تشربت بعمق في الخبث و ُنقعت أحشاؤك به وال
يمكن فصله عن هذه األحشاء ،وسعيت منذ أمد إلى الموت في هذا
البؤس :وسوف نكسب شكرك بتخليصك من هذا الجنون الذي تضل به
مغمورا بكليتك في العذاب
ً اآلخرين وتغوي به نفسك .اآلن وقد كنت
تدبيرا هو الخير
ً الذي تعانيه وعانيت به اآلخرون ،سوف نضع لك
الوحيد لعالجك :هو الموت" ،فلماذا أغضب من اإلنسان الذي أصنع
له الخير األقصى؟ إن القتل نوع من الرحمة أحيا ًنا.
4-16إذا دخلت مشفى جيش أو منزل رجل غني يعمل في الطب( ،)102فلن
ً
أمراضا متنوعة .واآلن وقد ُجندت لعالج لمن يعانونأصف العالج نفسه َ
المجتمع أرى أن عقولاً عدة تضخ أنسا ًقا من الرذائل ،وينبغي السعي إلى
المداوة وف ًقا لطبيعة مرض كل فرد على حدة :فأسمح لهذا الرجل أن
ُيعالج بضبط بسيط للنفس ،وهذا بقضاء بعض الوقت في نزهة ،وآخر
باأللم وآخر بالحرمان ،وهذا بالسيف.
68
5-16وكذلك إن كان ال بد لي أن أقلب حلة القاضي وأستدعي الحشد ببوق
الحرب( ،)103ينبغي أال أعتلي كرسي المحكمة في حالة غضب أو عداء
بل أكون محايدً ا كالقانون ،وسوف ألقي هذه الكلمات الرسمية بهدوء
واتزان ال في صخب ،وسآمر –بصرامة وليس غضب -بتنفيذ اإلجراءات
التي نص عليها القانون .وعندما آمر بقطع رأس المجرم ،وخياطة
ألبسة الرجال الذين قتلوا آباءهم ،وإرسال آخرين لعقوبة الجندية،
)104(Tarpeian ووضع الخائن أو عدو الشعب على صخرة تاربيان
سوف أتحرر من الغضب بنفس اإلبانة وحالة العقل عند قتل الثعابين
والمخلوقات السامة.
« 6 -16إن الغضب مطلوب إللحاق العقاب» ،فهل تقصد أن القانون يضربك
غاض ًبا بما تجهله وما ال تراه و َمن تأمل أال يكون موجو ًدا؟ ال ،وعلينا أن
نعول على العقل في القانون الذي ال يغضب بل يحل ،فمن الصواب أن
يغضب الرجل الصالح من األفعال الخبيثة ،ومن الصواب أن يسخط من
حظوظ الخبثاء .والحقيقة أن ما يستحق السخط أكثر من هذه الحقيقة
أناسا بأعينهم يتأنقون ويتعسفون ضد الحظ عندما ال يواكبهم الحظ
أن ً
ليجدوا ما يبغونه؟ ولكن الرجل الصالح يتطلع إلى أفضليتهم دون
سخط ،كما أنه ينظر إلى جرائمهم دون غضب :فالقاضي الخ ِّير يدين
أشياء تستحق التأنيب وهو ال يكرههم.
« 7-16وهل تقصد أن الرجل الحكيم حين يواجه شيئًا من هذا القبيل ال ينزعج
وال يتحرك أزيد من المألوف؟" ،أجزم أنه سوف يشعر برقة ولطف
بعينه( ،)105وكما يقول زينون سوف يبقى في عقل الحكيم ندبة حتى لو
التأم الجرح ،ولذلك يشعر ببعض تلويحات وظالل لالنفعاالت ،ولكنه
سيتحرر من االنفعاالت ذاتها.
69
1-17يقول أرسطو :إذا استعملت بعض االنفعاالت على نحو حسن ،فإنها
تعين كأسلحة( .)106وقد يصح هذا إذا تشابهت مع أسلحة الحرب،
يمكن أن تأخذ بها أو ُت ْرجئ بها الحكم على المرء الذي يتحكم فيها.
ولكن هذه األسلحة التي يعطيها أرسطو للفضيلة تقاتل كل شيء
بمفردها ،وهي ال تنتظر اليد التي تتدبر أمرها ،فهي ال تملك بل تفعل
االمتالك.
2-17ليس هناك حاجة ألسلحة أخرى :حيث سلحتنا الطبيعة بما فيه الكفاية
بالعقل وهو قذيفة محققة وجاهزة وقادرة وليس حدّ اها بعاجزين عن
الرجوع لسيدها .والعقل ٍ
كاف بذاته ولذاته ليس في التخطيط للمستقبل
بل تسيير األمور ،والحقيقة أليس من الحماقة أن تسعى لتحصين العقل
ٍ
امرئ متذبذب وغير جدير بالثقة من غضب وثبات وثقة وعافية تأتي من
ومريض؟
3-17وما حقيقة هذا العقل العظيم ثباته حين يقبل على إنجاز األمور -وهو
المجال الوحيد الذي يبدو فيه عون الغضب ضرورة؟ حين يقضي بما
ينبغي القيام به فإنه يثابر على ذلك :ألنه لن يجد شيئًا أفضل من ذاته التي
أحدثت له التحول ،وهو يقف ثابتًا بمجرد صنع قراره.
4-17وغال ًبا ما تتحول الشفقة إلى غضب لوجودها المتورم والفارغ ،وتفتقر
رياحا برية تظهر فوق
ً إلى نواة صلبة ،وهي تتمتع بمحيا شديد يشبه
األنهار والمستنقعات قوية ،ولكنها قصيرة الزمن(.)107
7-17وبالتاليَ :من يرتكبون جرائم بالغة ال يعانون عقوبات بالغة ،وغال ًبا من
يرتكبون جرائم أقل يعانون أكثر ألنه تعرض للصدمة األولى للغضب،
وهي في الحقيقة أمر مختل التوازن على الغالب :واآلن يبحر أبعد مما
ينبغي ،واآلن يقبل على الوقوف أقرب مما ينبغي ،إنه متساهل ،ويبني
أحكامه على رغباته ،ال ُيصغي لشيء ،وال يترك مجالاً للشفاعة ،ويبقي
قبضته على ما احتكم إليه ،ولن يسمح لقراره أن ُينتزع من سطوته حتى
مشوها.
ً لو كان قراره
2-18و ُيبقي العقل عينيه على المسألة موضع االعتبار ،ويتحرك الغضب
بخياالت فارغة غير متصلة ،وأسلوب تعبير غير مكترث ،وصوت
جهور ،وحديث طليق ،وقد صقل نمط اللباس ،ودفاع لجوج ،ودعم
شعبى -كل هذا يفرك الغضب لطريق خطأ .وغال ًبا ما يدين المدعي
الستفزازه في نصحه حتى لو كانت الحقيقة مدفونة في وجهه ،وإنه
يتخيل ويؤيد الخطأ ،ال يبغي دحضه :فعندما يبدأ سيئًا فإنه يعند ليزيد
تبجيله أكثر من األفكار األخرى.
71
يمسه أحد بعديد رذيلة،
3-18وأذكر أن جنايوس بيزو Gnaeus Pisoلم َّ
انجر إلى لذة تغليب المكابرة على االتساق( ،)108وأمر بغضب
َّ ولكنه
بإعدام جندي عاد من اإلجازة دون رفيقه –وإن كان قد قتل الجندي
رفيقه لذا لم يتمكن من الحضور معه -ورفض بيزو طلب الجندي
أن يمهله بعض الوقت للبحث عنه ،وجر الجندي المدان إلى خلف
الجرف ،وبينما السيف على رقبته ظهر فجأة الرفيق الذي بدا أنه ُقتل.
5-18وما الظلم الذي يزيد عن هذا؟ حيث حضر البريء وهلك االثنان،
وأضاف بيزو الثالث؛ ألنه أمر بإعدام قائد التنفيذ الذي أعاد الرجل
المدان ،وأقروا بأنهم كانوا في الحال نفسه :حيث ُحكم على ثالثة رجال
بسبب براءة رجل واحد.
1-19والغضب – الذي أؤكد عليه -هو ما يتسم بالشر :حيث عدم القدرة
ً
مناقضا في السيطرة عليه ،ويتنامى اشتياطه من الحقيقة ذاتها إذا ظهر
إلرادته ،ويتعقب نوايا ضحاياه بالصراخ والضجيج واهتزاز الجسم كله،
وإضافة وابل من الشتائم والقسوة.
72
2-19وال يفعل العقل هذا ،وإن دعت الحاجة إلى ذلك ،فإنه يقضي على األسر
بأسرها –في صمت وهدوء -ويدمر األسر التي هي بالء على األمة
ناهيك عن زوجاتهم وأطفالهم ،إنه يسقط المباني و ُيبيد الجماعات التي
هي أعداء للحرية( ،)109إنه يفعل كل هذا دون صرير ألسنانه أو يلوح
بقاض ،فينبغي أن يكون محياه هاد ًئا،
ٍ برأسه أو أي سلوك آخر ال يليق
أمرا ها ًّما.
وتعظم هذه الطمأنينة عندما يصدر ً
ٍ
امرئ ما جدوى أن تعض على 3-19ويسأل هيرونيموس« :وأنت تنوي قتل
شفتيك سل ًفا()110؟ ماذا لو قد رأى القاضي يقفز من كرسي القضاء
وينتزع الصولجان (•) fascesمن الحاجب )••( lectorويمزق مالبسه
ألن اآلخر تباطأ في تمزيق ثيابه؟(.)111
َ 5-19من يتحرر من الغضب ،ال يقوم بهذه األشياء عندما ُتفرض العقوبة التي
يستحقها كل شخص ،وغال ًبا ما ُيطلق ٌ
امرؤ لسوء عمل اقترفه :إذا كان
متجذرا
ً وجيها لألمل ،وإذا رأى القاضي أن الشر ليس
ً المذنب سب ًبا
لندم ُ
فيه بل عرض ،كقول على سطح العقل ،فيمنح جملة ‘مع وقف التنفيذ’
التي لن تضر المتلقي وال المعطي.
7-19إنه حين يفرض العقوبة ُيبقي هذا المبدأ في ذهنه دو ًما :وقد يقضي
وسيبقي
بالعقوبة لتقويم األشرار في األولى ولتدميرهم في الثانيةُ ،
عينيه في كلتا الحالتين على المستقبل وليس الماضي (كما يقول
أفالطون( )113ليست معاقبة الرجل الراشد لجرم اقترفه بل لئال يقترفه،
فما ُفعل أبعد من تذكر ،وما بمقدوره منعه) ،وأما الذي يريد أن يجعلهم
مثالاً للشر الجموح ،سوف يقتلهم ليراهم الجميع ،ليس ألنهم سوف
يموتون ،بل ألن موتهم سوف يردع اآلخرين.
2-20وكل الذين تهذي عقولهم ،تصور لهم أنهم يفكرون أفضل من البشر
وسموا .ولكن ليس هناك أساس
ًّ ً
شموخا الذين يعتقدون أنهم يشعون
قوي ،واألحرى أن ما ُيبنى بال أساس فهو عرضة لالنهيار ،وليس
للغضب أساس سليم :حيث إنه لم ينشأ من شيء ثابت ومحتوم ليقيم،
ولكنه طنن فارغ( ،)116وكما لو أن االستئصال من عظمة الروح والتهور
من الشجاعة والغطرسة من الثقة والتجهم من الصرامة والقسوة من
التزمت.
74
3-20وهناك فارق عظيم بين عقل شامخ وآخر متكبر ،وال يتحرك الغضب
مشروعا ،والهدوء على العكس ،يبدو لي عالمة للعقل
ً جوهر ًّيا ويصير
البليد العقيم الذي ُيدرك ضعفه بوجود وجع مزمن مثل األجسام
المريضة الموجوعة التي تتأوه من ألطف اللمس .لذا فالغضب في هذا
الحال رذيلة طفولية ومخنثة« ،ولكنه يصيب الرجال» ،نعم؛ ألن للرجال
طبائع طفولية ومخنثة.
منتوجا
ً « 4-20هل تقصد قول أن الغاضبين ال ينتجون ً
بعضا من كالم يبدو
لروح نبيلة؟» ،ال ،بل األحرى من األرواح ال تعرف النبل الحق مثل
الكالم المقيت البغيض« ،دعهم يكرهون طالما أنهم يخافون»(،)117
يمكن أن تقول إن هذا قد ُكتب في عصر سولال ،وال أعلم أيهما أسوأ
الكراهية أم الخوف“ ،دعهم يكرهون”،إنه يكبه على وجهه وهم يلعنون
ويكيدون ويسعون للعنه :فماذا يضيف؟ هل اآللهة تهبه مثل عالج حسن
لمكروه اكتشفه“ .دعهم يكرهون” – ماذا« ،بقدر ما يطيعون» ال« ،بقدر
ما يرضون»( )118ال ،وماذا بعد؟ «بقدر ما يخافون» ،ال أود أن أكون حتى
محبا لهذه المعاني.
ًّ
5-20هل تفترض أن هذا قيل بروح نبيلة؟ إنك مخطئ ،هذا ليس نبلاً ،إنها
ٍ
سبب لنعتد بكلمات الغاضبين الذين يصرخون وحشية ،وليس من
ويتوعدون بينما العقل في هلع مطلق.
6-20وما من سبب للحكم على حقيقة ما يقوله تيتوس ليفي الرجل البليغ
حينما كتب« :الرجل النبيل أفضل ممن له سجية حسنة»( ،)119وال
يمكن فصل االثنين ،سواء ما كان حسنًا أو ما لم يكن نبيلاً ،فنبل الروح
صلب ال يهتز بخلل أو عرض ،ومتزن وثابت من قاعدته،
ٌ -كما فهمته-
وال يشتمل على سجايا رديئة.
75
ومهلكون؛ ألنهم لم يمتلكوا النبل الذي
7-20وهم مرعوبون ومذعورون ُ
بثباته وقوته هو الخير.
9-20كم كان هذا جنو ًنا! أن يفترض أن جوبتر ال يضره أو أنه يمكن يضر
جوبتر ،وأظن أن ليس لهذا الكالم أثر بسيط في إثارة أفكار المتآمرين:
حيث يبدو أنه الكلمة األخيرة في سلوك سالب لرجل ال يطيق جوبتر.
مفعما باحتقار
ً 1-21ال شيء نبيل وال وجيه في الغضب ،حتى عندما يبدو
روحا نبيلة ،فدعه
األرباب والبشر .وإن كان يعتقد أحدهم أنه يجلب ً
يفكر في أن الغني يفعل هذا ً
أيضا :حيث يحمله الغنى على العاج ،فيرتدي
اللون األرجواني المرصع بالذهب ،ويحرك حشود األرض من حوله،
ويسد البحار ،ويفجر الشالالت ،ويعلق الغابات في المنتصف(.)123
4-21وكل هذه األشياء ال يهم مدى وصول بعدها واتساعها؛ فهي بائسة
والدغة وخسيسة ،والفضيلة سامية وجليلة ،وال شيء نبيل يبقى في
الوقت نفسه في سالم.
77
78
الكتاب الثاني
�إلى نوفاتو�س عن الغ�ضب
79
80
كان موضوع كتابي األول شديد الغرابة :حيث يبسط السير إلى أسفل 1 - 1
على منحدرات الرذائل الزلقة( ،)126وعلينا أن نعالج اآلن مناطق أضيق:
عم إذا كان الغضب يبدأ بفعل حكم أم
حيث إن السؤال المطروح أمامنا َّ
عم إذا كان يقيم في حركة إرادية أم يأتي من حولنا دون
بمجرد دافع -أي َّ
وعينا(.)127
ويجب أن تهبط مناقشتنا إلى هذه الجزئيات التي ربما ترتقي الح ًقا إلى 2 - 1
موضوعات أسمى ،فقد تثبت العظام واألوتار والمفاصل في أجسادنا
–تلك األشياء التي تمنح قدرتها كلها وحيويتها وهي بالكاد تجذب
النظر -في المقام األول ،ثم تأتي المقومات التي تمنح مالمحنا جاذبيتها،
ثم يأتي بعد ذلك تورد الصحة الذي يغمر الجسد بشكله الكامل ،ويلفت
نظرة المتفرج أكثر من أي شيء آخر.
وإننا نظن أن الغضب ال يجتاز شيئًا من تلقاء ذاته بل يعمل بموافقة 4 - 1
انطباعا بأن أحدهم ارتكب خطأ( ،ب) ثم
ً العقل(( :)128أ) حيث يأخذ
يرغب في االنتقام منه( ،ج) ثم يجمعهما في حكم بأن أحدهما ال ينبغي
أن ُيضر ويجب االنتقام من اآلخر -وال يصدر هذا الدافع مستقلاًّ عن
إرادتنا.
وأنت تسأل« :ما الهدف من هذا النقاش؟» .إن الغرض هو معرفة ما 1 - 2
الغضب ،ألنه إن كان يأتي للوجود ضد إرادتنا ،فإنه لن يرضخ للعقل
أبدً ا –والحقيقة أن أي نزعات تحدث مستقلة عن إرادتنا ال يمكن التغلب
81
عليها أو تجنبها ،كالرعشة حينما ُنرش بالماء البارد ،أو االشمئزاز عند
لمس أشياء بعينها ،أو الطريقة التي يقف بها شعرنا لمنتهاه في األخبار
السيئة ،أو االحمرار عندما نسمع كلمات فاحشة ،أو دوخة تنتابنا حين
أي من هذه االستجابات ليست في
ننظر لألسفل من الجرف .وإن كان ٌّ
قوتنا ،فأي شكل للعقل ليس بمقدوره أن يجادل ضد وقوعها(.)129
والغضب على النقيض يجنح بالتوجيه؛ ألنه خطأ من العقل يخضع 2 - 2
بشرا ،بل يقع
إلرادتنا ،وهو ليس من بين األمور التي تحدث لنا لكوننا ً
على الحكيم الحق ً
أيضا ،وهو من بين األمور التي تحتوي على صدمة
عقلية أوالنية تثيرنا عندما نعتقد أننا تعرضنا لظلم.
وقد ينسحب إلينا هذا اإلحساس حتى حين نشاهد العروض المسرحية 3 - 2
ونقرأ التاريخ القديم :وغالبًا ما نغضب من كالوديوس عندما يقود
فمن الذي ال
شيشرون إلى المنفى ،أو من أنطوني عندما يأمر بموتهَ .
ُيستثار حين يواجه جيوش ماريوس Mariusأو تنكيل سولال؟ و َمن
الذي ال يكره ثيودوتوس Theodotusوأخيلالس Achillasوالطفل
الذي جرأ على ارتكاب جريمة عظيمة؟(.)130
وتضعنا األغنية ولحن الزمن المزدوج وقرع أبواق الحرب والصورة 4 - 2
المرعبة على الحافة فتثير عقولنا ،والمشهد المروع للعقوبات رغم أنها
مستحقة.
وللسبب ذاته ُنجيب على ابتسامات اآلخرين بملكنا ،ويتصاعد حزننا 5 - 2
المتفجعين( ،)131ونشعر بتنميل الدم حين نشاهد رجالاً في
في حشد ُ
صورا للغضب بقدر ما تسبب لنا
ً منازلة .وليست هذه االستجابات
عبوسا مثلما نشاهد سفينة منكوبة وهذا حزن حق( )132أو خشية تومض
ً
في عقول أناس يقرؤون عن حصار حنبعل لروما بعد معركة كاناي
82
.)133(Cannaeوكل هذه نزعات تستحث العقول رغم عنها ،وهي
ليست انفعاالت بل نزغات أولى لالنفعال.
ويستحث بوق الحرب بالطريقة نفسها أذن الجندي المخضرم ،حتى بعد 6 - 2
أن يستأنف لباسه المدني في فترة السالم ،وقعقعة األسلحة تستنهض دم
الفرسان على الخيول ،ويقولون إن يد اإلسكندر كانت ترتجف نحو
سيفه بنغمة مزمار كسينوفانتوس .)134(Xenophantus
وال ينطبق اصطالح االنفعال على هذه االستجابات التي هي مجرد فرصة 1 - 3
لتحريك العقل :حيث ال يسببها العقل بقدر ما يتألم منها إن كان بإمكاني
وضعها على هذا النحو ،إ َذنْ ال يتضمن االنفعال في وجود مستثار في
استجابة النطباعات حاضرة فينا ،بل في تسلم أنفسنا لهذه االنطباعات
ومتابعة النزعة األولى المناسبة للعقل.
وهكذا حتى الرجل الشجاع يصعد إليه الشحوب غال ًبا بينما يتوشح 3 - 3
مليا عندما ُتعطى إشارة
بأسلحته ،وحتى ركبتا الجندي القويتان ترتجفان ًّ
بدأ المعركة ،ويستشعر القائد العظيم بخفقان قلبه قبل الصدام بالجيوش
المعادية ،وأعظم المتحدثين فصاحة يشعر بأن أطرافه تتجمد( )135وهو
يستجمع نفسه للحديث.
وبناء على ذلك فإنَّ الصدمة العقلية األولى الناشئة عن انطباع الضرر 5 - 3
ليست غض ًبا بل االنطباع نفسه .والنزعة القصدية التي تلي ال تعتد
باالنطباع فحسب بل تؤكده -هذا هو الغضب ،أي إثارة العقل الذي
ينزع إراد ًّيا وعمدً ا نحو غاية االنتقام .وما من شك في أن الخوف
ينطوي على الهروب ،والغضب سعي ،وتدبر إ َذنْ َ
فيم إذا كنت تعتقد أنه
بمقدورك أن تالحق أو تتعامل مع أي شيء بحذر دون موافقة العقل.
واآلن قد تجلى كيف يبدأ االنفعال أو ينمو أو يتخذ له سبيل( :)137حيث 1 - 4
النزعة اإلرادية األولية ،أي االستعداد لالنفعال بما هي عليه مثل إشارة
التهديد .ويرافق هذا النزعة الثانية وهي تعبير إرادة ليست عازمة على
مكابرة ينتهي إلى «ينبغي أن أنتقم إن ُضررت» أو «ينبغي أن ُيعاقب هذا
الرجل ألنه اقترف جريمة» .والنزعة الثالثة خارجة عن نطاق السيطرة
حيث ال تريد االنتقام إن كان مناس ًبا ،بل ما ُيحتمل أن يأتي بعد االنتقام،
وهي أن تطيح العقل.
وليس بمقدورنا أن نتجنب الصدمة العقلية األولى بمعونة العقل ،كما 2 - 4
ليس بإمكاننا أن نتحاشى النزعات األخرى (كالتي ذكرتها) التي تصيب
أجسامنا ،وكما ليس بمقدورنا أن نحجب تثاؤبنا عن شخص آخر أو
نغلق أعيننا من لكزة مفاجئة من أصابع شخص آخر ،وليس بمقدور
العقل أن يتغلب على هذه النزعات ،ومع هذا ربما يمكن تقليل قدرتها
84
إذا اعتدنا عليها وداومنا على مشاهدتها ،وأما النزعة الثانية التي ُتولد
بالتداول فقد ُتستأصل بالتداول(.)138
باختصار إن هذا الشر يأخذ بدايته من الغضب الذي ُيجلب بالممارسة 3 - 5
الكاملة والمتكررة لفقد كل فكرة عن الرحمة وكل رابط إنساني لتتحول
في النهاية إلى وحشية .إن هؤالء يبتسمون ببهجة ويأخذون قدر إمكانهم
من المتعة ،وال يبدو عليهم أنهم غاضبون ،حيث يجدون الراحة في
وحشيتهم.
ومن زمن ليس ببعيد في حكم أوغسطس اإللهي ،قطع فولسوس Volesus 5 - 5
85
والي proconsulآسيا رأس ثالثمائة رجل في يوم واحد ،ثم تجول حول
الجثث بمظهر متغطرس كما لو كان قد حقق شيئًا جليلاً وعج ًبا ،وهتف
باليونانية“ :هكذا يفعل الملوك”( .)142فماذا كان يفعل هذا الرجل لو
شرا أعظم مضا ًّدا للتداوي. كان ً
ملكا؟ إن هذا ليس غض ًبا في عمل ،بل ًّ
وهنا اعتراض« :كما ُتظهر الفضيلة السلوك المشرف لطي ًفا ،فإنها 1 - 6
ً
سلوكا مشينًا مع الغضب» ،ماذا لو قال المرء بأن الفضيلة تجمع تكتسب
بين البؤس والعظمة؟ هذا ما ُيعنى بالضبط عندما يرغب المرء في أن
ُيستثار بالغضب أو يحط من قدر آخر ،فالسرور يتجذر عن فعل حق
ٍ
امرئ آخر مقصود وهو وهو جليل وعظيم في حين ينتج الغضب لخطأ
عالمة لروح مقروصة.
إن الفضيلة ال تحاكي خطأ الرذائل وهي تسعى لكبحها :حيث تتمسك 2 - 6
بأن الغضب محل التأنيب ليس أفضل(– )143غال ًبا أسوأ -من هذه
العيوب التي لها مرامها ،إن السمت الطبيعي للفضيلة أن تكون مبهجة
وجزلة( )144وال يزيد وجود الغضب في توافقه مع مكانة الفضيلة الرفيعة
عن أسى ،ويتخذ الحنق الكآبة رفي ًقا ،ويتحول ً
حتما إلى كآبة سواء بعد
شعوره بالندم أو بعد زجره.
وليس بالمقدور وجود حد للغضب إن كان متناس ًبا مع سلوك كل 4 - 6
ظالما وتشعر بنفس درجة الغضب بدرجات
ً شخص :سواء أكنت
متفاوتة من العيب ،أم كنت تشتاط غض ًبا وتشعر بوهج كآثام الغيظ.
86
واآلن ما األشد جورًا من أن يحدد خبث رجل انفعال الحكيم؟ وهل 1 - 7
ليس بمقدور سقراط العظيم أن يعود للبيت محملاً بنفس بيانه عندما
تركه()145؟ وإن ُح َّق للحكيم أن يغضب من السلوك المشين ،ويغتاظ
من السلوك اإلجرامي ويكتئب ،فعليه أن يكون إنسا ًنا مضطر ًبا في
العالم :حيث يقضي حياته برمتها في غضب وحزن.
وهل من لحظة ال يرى أشياء جديرة بالتأنيب؟ عندما يغادر منزله سوف 2 - 7
يشق طريقه بين حشود المجرمين والمتكالبين والمتكبرين والفاحشين
مصدرا
ً والمفلحين لرذائلهم ،ولن يجد مكا ًنا يحول إليه نظره ال يجد
للسخط :ولن يجد قوة ليثير ذاته للغضب مثل استدعاء اإلثارة.
يذهبون مهرعين للمنتدى في مطلع الفجر – فما مقدار القضايا المخجلة 3 - 7
التي يرفعونها ،وكم مخزية هي دعواهم! فأحدهم يقدم دعوى إلصدار
حكم ضد األب وهو ال يستحق هذا( )146وآخر هتف بأمه في المحكمة،
مذنب فيها ،و ُيختار القاضي لتمرير
ٌ وآخر جاء ليعمل ً
بالغا على تهمة هو
الحكم على أفعال هو ذاته قد ارتكبها ،وجانب المتفرجين مع األطراف
المذنبة؛ ألنهم قد ضلوا بصوت المدافع الحسن.
ًّ
مكتظا لماذا تمضي خالل الحاالت الفردية؟ عندما ترى المنتدى 1 - 8
بالحشود ومكان االقتراع قد ُم ِل َئ بتدافع المتدفقين ،والمدرج الروماني
حيث الجزء األكبر من الجماهير في العرض ،تيقن أن هناك رذائل عدة
موجودة بقدر الناس.
هؤالء الذين تراهم بلباس مدني يتقاتلون دو ًما فيما بينهم( ،)147وقد 3 - 8
ربحا من ضرر،
يدمر أحدهم اآلخر لكسب ضئيل :حيث ال يأمن أحد ً
ويكرهون المفلحين ويحتقرون الفقراء ،ويستاؤون من الرجل العظيم
ويصيبون الهين ،تغزوهم الغرائز فيشتهون الفوز بجائزة ماتعة من أي
87
انحراف ،وال تفترق طريقة حياتهم عن مدرسة المجالدين :حيث
يعيشون مع الناس ويتقاتلون معهم.
إنه تجمع لوحوش برية ( -)148إال أن الوحوش تحيا بسالم فيما بينها وال 3 - 8
تعض ذواتها ،في حين ينشغل هؤالء بتمزيق بعضهم ً
بعضا إلى أشالء.
إنهم يختلفون في هذا الصدد( )149عن الحيوانات البكماء :التي تتصرف
بلطف تجاه مروضيها ،ويعض هؤالء في جنونهم اليد التي تطعمهم.
وال يكف الحكيم عن أن يكون غاض ًبا بمجرد أن يبزغ ،وتحتشد الجرائم 1 - 9
ٍ
مكان ،وعظيم الجرائم ُيرتكب أكثر من العقوبة التي والرذائل في كل
تعالج .إننا منخرطون في الصراع – صراع مرير -بخبث ،وتزيد الرغبة
في عمل اإلثم كل يوم ،ويتضاءل اإلحساس بضبط النفس ،وقد ُأهمل
األصوب واألرجح ،وتفرض الشهوة ذاتها بالقوة حيث تشاء ،ولم تستتر
الجرائم اآلن :حيث تمضي أمام أعيننا ،وفشا هذا الخبث واكتسب قوة
في صدور الكل ،واختل الطهر وانعدم.
ويقينًا أن منتهكي القانون ليسوا أفرا ًدا معزولين أو مجرد قلة ،أليس 2 - 9
كذلك؟ ال ،إنهم ظهروا في كل صوب كما لو أنهم ُمنحوا إشارة لتشويش
الصواب والخطأ :حيث ال يأمن المضيف من الضيف وال الحمو من
َ
الختن ،وتشح عاطفة األخوة ،ويعزم الزوج على الفتك بزوجته وهي
كذلك ،وتمتزج زوجة األب المرعبة بسموم مروعة ،ويسعى االبن
بتسريع أجل أبيه(.)150
وأضف إلى هذا اآلن الحنث باليمين بين األمم وكسر المعاهدات، 4 - 9
واقتالع القوي للغنيمة مهما ضعفت مقاومتها ،والخداع والسرقة
والغش ونكث العهد– جرائم ال تكفيها ثالثة منتديات( .)154إن كنت
تريد أال يغضب الحكيم كما تتصلب عدم جدارة الجرائم فعليه أال
يمسي غاض ًبا بل مجنو ًنا.
4 - 10وقد تنسل صرامة القائد ضد األفراد ،ولكن العفو مطلوب عندما يتخلى
الجيش كله .فما الذي يمحو غضب الحكيم؟حشد الظالمين الغفير،
فهو يدرك مدى الظلم -وخطورته -حتى يغضب من الرذيلة المتفشية.
5 - 10عندما غادر هيراقليطس منزله ورأى جموع الناس من حوله تعيش على
نحو رديء أو يموتون كذلك ،بكى شفقة على جميع السعداء والمفلحين
الذين قابلهم – سلوك العقل الذي كان لطي ًفا ولكن ضعي ًفا( .)155وكان
هو نفسه بين الذين يستحقون دموعه ،وعلى النقيض من ذلك ،يقولون
َّ
يتخل عن التبسم وسط العامة ،ولذا كان يصعب إن ديمقريطوس لم
عليه أن يأخذ معامالت التجارة والكسب على محمل الجد( ،)156فأين
محل الغضب هنا؟ فكل األشياء تستحق إما ضحكنا وإما دموعنا.
6 - 10ال يغضب الحكيم من اآلثمين ،لماذا؟ ألنه يعلم أن الحكيم ال ُيولد بل
ُيصنع ،ويعلم أنه يندر وجود الحكيم في كل فترة زمنية( ،)157ألنه ُيدرك
المعاني التي تصف حياة البشر – وال يغضب رجل عاقل من الطبيعة،
ومن غير المجدي أن يتعجب من سبب عدم تدلي الثمار على َح َر َجة
الورد الجبلي أو لماذا ال تجود شجيرات الشوك والعليقة ببعض الثمار
النافعة .ال أحد يغضب عندما تحمي الطبيعة الرذيلة(.)158
عدوا
7 - 10وهكذا الحكيم – هادئ وحتى لطيف في مواجهة الخطأ ،وليس ًّ
لآلثمين بل هو الذي يصوبهم للنهج القويم -يترك منزله كل يوم وهذا
أناسي عدة ينكبون على الشراب ،ومنهم
َّ الفكر في عقله« :سوف أقابل
90
وكثيرا منهم تقودهم شياطين الطموح»(.)159
ً النهم والجامح والجشع،
سوف ينظر إلى هذه السلوكيات بلطف طبيب يداوي مرضاه.
8 - 10عندما يدخل كثير من الماء في سفينة رجل وتلتحم وصالتها و ُتثقب من
السفن والسفينة ،أليس كذلك؟ واألحرى
كل جانب ،فإنه لن يغضب من َّ
أن يهرع للعون – فيبقي الماء هنا ويكفه من هناك ،ويسد الثقوب التي
يمكنه رؤيتها ،ويستمر في مواجهة غير المرئي منها الذي يسحب الماء
غير المرئي في بطن السفينة – وال يتوقف لمجرد أن استبدل كثير الماء
محل الماء الذي صرفه .والعون الممتد مطلوب لمواجهة الشرور
المتوالدة والثابتة ،وال يهدف لتوقيفها فحسب بل يقف ضد نصرتها.
2 - 11وفي المقام الثاني ليس األمر في أشياء بعينها أكثر تهديدً ا كذلك ،وال
أود أن يخبر الحكيم بأن المخيف الذي هو طرف من ذخيرة الحيوانات
البرية هو سالح للحكيم ،فالحمى وألم المفصل والقرحة الكريهة كلها
مخاوف أليس كذلك؟ ولكن أليس من قطرة خير في هذه األشياء؟ بل
الخوف()160 ٌّ
محل ألسباب إن األشياء المحتقرة والمقززة والتي هي
جسيما على
ً على العكس تما ًما ،وهكذا الغضب قبيح في حد ذاته وليس
اإلطالق ،ولكنه ُيخوف الكثيرين كما يخاف األطفال من قناع قبيح.
3 - 11وماذا عن حقيقة أن الغضب يرتد على الغاضبين فال أحد يخشى من
ذاته دون خوف؟ وينبغي أال تفكر في هذا األمر على طريقة البيريوس
91
Laberiusعندما خطب على المنصة وسط الحرب األهلية ولفت انتباه
َ
يخش الكثرة، جميعا كما لو كان صوت المشاعر العامة يقولَ :من
ً الناس
كثيرا(.)161
عليه أن يخاف ً
4 - 11وقد قضت الطبيعة أن ما يخافه اآلخرون يجعل ما عظم ال يخلو من
الخوف ذاته ،فإن قلوب ُ
األسد ترتعد بهسهسة األصوات! ويبدو الظل
ً
وحشا ضار ًيا :فإن همست األصوات والصوت والرائحة غير المألوفة
ٍ
بعدئذ ألي حكيم أن ُيعقب بعد خوف ارتعدت الوحوش ،وما من سبب
وال يفكر في غضب شيء عظيم ألنه مخيف ،فحتى أحقر األشياء مخيفة
مثل السم واللدغات واللسعات.
5 - 11وال عجب أنه – الخيط المعلق على فواصل بالريش يحفظ قطعا ًنا كبيرة
من الوحوش البرية ويرشدها للفخاخُ -يطلق على األداة خو ًفا( )162بعد
االنفعال ذاته ،فاألشياء السخيفة ُتخوف الكائنات السخيفة ،حيث إن
حركة العربة وعجالتها تجبر ُ
األسد على العودة إلى عرينها ،بينما ُيخيف
صوت الخنزير األفيال(.)163
6 - 11ويخيف الغضب بنفس الطريقة التي ُيخيف بها الظل األطفال ،أو الريشة
ٍ
ومتين ،بل يؤثر ٍ
صلد الحمراء الوحوش البرية :إنه ال يشتمل على شيء
على العقول الواهية.
3 - 12ولكنك تقول« :ال يمكن استئصال الغضب من العقل تما ًما ،حيث ال
تسمح طبيعة البشر بهذا» ،ومع ذلك ليس من شيء يشق ويصعب على
فكر البشر ،فديمومة الممارسة تجعله رفي ًقا لينًا ،وليس من انفعاالت
وحشية ومفارقة ال يروضها هذا الدرب تما ًما.
4 - 12وأ ًّيا كانت الوصاية التي منحها العقل البشرى لذاته ،فإنه معتصم :فبعض
الناس قد نجحوا في عدم الضحك( ،)164وبعضهم حرم على جسده
الخمر( ،)165وآخرون الجنس ،وال يزال آخرون مائعين ،وبعضهم جفا
النوم وواصل في سهر ال يكل ،وتعلم الناس كيف يركضون على حبال
دائبة مطاطة وهم ويحملون أثقالاً تنوء قوة البشر بحملها ،ويغوصون
أعما ًقا غامضة ،ويمخرون البحار ال يلتقطون أنفاسهم ،وهناك آالف
األمثلة األخرى لمثابرة التغلب على كل حائل ،تبين أن ال شيء يصعب
عندما ُيلزم العقل ذاته بتحمله.
5 - 12إن الذين قد ذكرتهم اآلن لم ُيكافؤوا ماد ًّيا على هذه المثابرة التليدة أو لم
يجازون على حماسهم – فأي مجد يكتسبه َمن يدربون أنفسهم للمشي
على حبل البهلوان وهم يحملون أثقالاً على أكتافهم ،و َمن ُيجافون
أعينهم عن النوم أو َمن يمخرون قاع البحر؟ – ومن ثم يتواصل كدحهم
للنهاية لمهمة بال مكافأة ُتذكر.
6 - 12وهل ال نستدعي قدرتنا على التحمل عندما تنتظرنا جائزة عظيمة وسكينة
خالصة لعقل مبتهج؟ ويا له من أمر جلل أن تهرب من عظيم الشر –
93
الغضب -بهياجه ووحشيته وقسوته وجنونه وانفعاالت أخرى ترافقه!
« 2 - 14ومن ثم أليس المواقف هي التي تثير الغضب؟» ،ولكن هذا ما يجب
معارضته بالضبط ،وليس صع ًبا أن تصل لعنان عقلك ،فحتى الرياضيون
الذين ينخرطون في رياضات ترتبط بالجزء الهين منهم( )170يتحملون
ضربات مؤلمة ليستنزفوا قوة الخصم الذي يضربهم ،ويضربون عندما
تحين الفرصة دون غضب.
4 - 14وقد ُألقي بعض الناس في المنفى عندما لم يقدروا برباطة جأش على
تحمل كلمة إهانة بعينها ،و ُن ِّكل بهم بمكروهات مزرية ألنهم لم
يتحملوا إهانة تافهة في صمت :حيث انتهك نطاق حريتهم من كل
جانب ،ووضعوا نير العبودية على رقابهم(.)172
1 - 15وقيل« :إنه يمكنك أن تقول إن الغضب فيه شيء نبيل حيال هذا عندما
ترى أن األمم الحرة مثل الجرمان والسايس Scythsأكثر عرضة
للغضب»( ،)173نعم ،يحدث هذا ألن الشخصيات الصلبة والشجاعة
بالطبيعية عرضة للغضب أمام لين التدريب .وشمائل بعينها هي ِخ ْل ِق ّية
في طبائع فضلى فحسب مثل أشجار راسخة وفيرة تحملها األرض،
ورغم أنها لم ُتغرس ،فالغابة تنمو في تربة خصبة.
95
2 - 15وهكذا الشخصيات القوية بالطبيعة حانقة :حيث ال تحتوي طبيعتها
المتقدة الحارة على شيء مرهف وهزيل ،بل قوة حياتهم ليست مشوهة
كما هو الحال في كل الشمائل التي تنشأ فحسب من خير الطبيعة
ذاتها دون توجيه للمهارة :وإذا لم يروض عاجلاً فإن العناصر المناسبة
للشجاعة يألفها التهور والطيش.
1 - 18وبما أننا قد تناولنا األسئلة التي يثيرها موضوع الغضب ،فدعنا ننتقل إلى
عالجاته ،وأراها في غايتين أساسيتين :وهي أال نقع في الغضب ،وأال
نخطأ عند الغضب( ،)179كما نتعهد أجسادنا ببعض الوصفات متطلعين
97
إلى الحفاظ على الصحة وبعضها الستعادتها ،ولذا علينا أن ُنبقي على
الغضب من طريق ونكبحه من طريق آخر( ،)180وبهذا يمكننا تحاشي
الغضب ،وسوف ُأقدم بعض الوصفات التي تتعلق بطرائق حياتنا ككل:
ووزعتها بين فترة تربية األطفال والفترة التي تليها.
2 - 18حيث تتطلب تربية الطفل اهتما ًما أكبر وسوف تحقق عائدً ا أعظم؛ ألنه
من السهل أن تغرس نظا ًما أفضل في العقول وهي ال تزال لينة ،ومن
الصعب أن نستأصل الرذائل التي نمت معنا.
1 - 19والعقد المتقد بطبيعته أكثر عرضة للغضب ،وهناك أربعة عناصر – النار
والماء والهواء والتراب -بخصائصها المتطابقة – الحرارة والبرودة
والجفاف والرطوبة( .)181ووف ًقا لهذا ينتج من مزج العناصر اختالف
األماكن والمخلوقات والهيئات والعادات ،وتميل الطبائع الفطرية
للمخلوقات أكثر في اتجاه بعينه متناس ًبا مع القسوة األكبر التي يوفرها
إمداد عنصر بعينه .وهكذا يمكن أن نطلق على بعض المناطق أنها
‘رطبة’ و‘جافة’ و‘حارة’ و‘باردة’.
1 - 20وكما أن طبيعة بعض الناس تميل للغضب ،فإن عوامل أخرى كثيرة تظهر
يمكن أن يكون لها التأثير نفسه ،وقد ينقاد البعض لهذا الحال بسبب
المرض واإلصابة الجسدية ،وآخرون بالكدح أو تمديد فترات عدم النوم
واضطراب الليالي ومشاعر التوق والحب( ،)184وأي شيء يضر الجسد
والعقل ُيمرض القدرة على التفكير ،ويجعله ُيقبل على الشكوى.
3 - 20فالعمل المضني يمنحهم مرا ًنا ،ولكن دون أن يستنفدهم :والغاية هي
تقليل حماسهم وليس استهالكه ،وترك حماسهم المفرط ينفجر غليانه،
ٌ
معتدل من المتعة يريح عقولهم و ُيبقيهم في واأللعاب ً
أيضا نافعة ،فقدر
اتزان.
2 - 21إن األمر يتطلب مراقبة دقيقة؛ ألن الشيء الذي تحاول تشجيعة والمرء
الذي تحاول قمعه كالهما ُيغذى بأشياء متشابهة ،واألشياء المشابهة
تخدع بسهولة حتى المراقب اليقظ.
3 - 21فالحرية تنمي الروح والمذلة ُتعجزها ،والروح تبتهج حين تثنيها فتبني
احتمالاً حسنًا ُيرضيها -ولكن العجرفة والغضب لهما المصدر نفسه،
وبالتالي علينا أن نرشد باعتدال مستخدمين القيود والوخز.
100
بائسا ،ال شيء يستحق أن تكون له عبدً ا،
4 - 21ودع روح الطفل ال تعاني شيئًا ً
وانظر إنه ال يحتاج إلى السؤال والتملق – وانظر أال يشق طريقه بمثل
هذه األفعال .وينبغي أن ُيمنح ما يريده لمصلحته ولسلوكه األولى
وللسلوك الحسن الواعد للمستقبل.
7 - 21ويقينًا أنك تدرك أنه كلما عظمت ضربة الحظ الحسن زاد الغضب
المصاحب لها ،وهذا جلي في حال األثرياء والنبالء والوالة :فكل
جناحا عندما يهفه النسيم من
ً شيء تافه وفارغ في بنيته الذهنية يتخذ
خلفه ،والرخاء ُيغذى الغضب عندما يحيط حشد إمعة برجل متغطرس،
ويهمسون في إذنه “ح ًّقا ،هل سيحدث معك؟ ال تمنح بسمو قدرك
الفياض ،وال تحط من قدرك” ،وأشياء أخرى قاومتها العقول السليمة
بثبوت قدم بالكاد.
10 - 21عندما تربى الطفل في بيت أفالطون( )190وعاد إلى والديه ،ورأى أباه
لدي شك أنه
أر هذا الصراخ في بيت أفالطون» ،وليس َّ
يصرخ ،قال« :لم َ
كان يقلد والده أكثر من أفالطون.
ً
بسيطا ،وملبسه غير متكلف، 11 - 21وفوق هذا كله ،انظر إلى طعامه أن يكون
ونمط حياته مثل أقرانه ،والطفل الذي تجعله ندًّ ا لكثيرين من البداية لن
يغضب حين تقارنه بشخص ما.
1 - 22وهذه التعليقات تتعلق بأطفالنا ،أما بالنسبة لنا وأحداث ميالدنا وتربيتنا،
فلم يكن من فرصة للخطأ وتحسينه :وهذا ما سنضعه في االعتبار فيما
هو ٍ
آت.
1 - 25وقد يتبع هذا أن المسائل التافهة والهينة لن تغضبنا ،مثل أمور العبد
البطيء ،والماء حار للشراب ،والفراش غير ممهد ،والمائدة غير منظمة:
فالغضب من مثل هذه األشياء جنون ،فالمرء الذي ترعده هفة النسيم
ضعيف ومريض ،واألعين التي تؤذيها لمعة الثوب األبيض ليست
سليمة ،والمرء الذي يشعر باأللم من رؤية كد رجل آخر أوهنته الرفاهية.
4 - 25وهل يتحمل المرء الذي تأذى سمعه من جر مقعد مفاسد الحياة العامة
برباطة جأش أو اللعنات التي تنهمر عليه في الجمعية أو مجلس الشيوخ؟
وهل المرء الذي يغضب من العبد الذي أساء في عمل ذوبان الثلج()200
يتحمل الجوع والعطش في رحلة صيف؟ ولهذا السبب أقول :ال شيء
يغذي الغضب أكثر من الرفاهية الخارجة عن السيطرة ويعجز الحرمان
منها :حيث يجب أن ُيعامل العقل بقسوة ،حيث إنه ال يشعر إال باللطمة
القوية فحسب.
2 - 26فى المقولة السابقة موضوعات بعينها ساكنة :غال ًبا نرفض كتا ًبا؛ ألن
كتابته صغيرة وممزعة إلى أجزاء؛ ألن نسخته سيئة .أو نمزق المالبس
غباء ،أن نغضب من أشياء ال تستحق
ألنها مثيرة لالستياء ،كم كان هذا ً
غضبنا(!)202
« 3 - 26وبالطبع الناس الذين يصنعونهم هم الذين يسيئون لنا» ،في المقام
األول غال ًبا ما نغضب قبل أن نعي هذا التمييز ،وفي المقام الثاني ربما
أعذارا معقولة :حيث إن المرء ليس بمقدوره
ً يقدم الحرفيون ذواتهم
أن يفعل أفضل مما فعل ،ولم يكن غايته إهانتك؛ ألنه لم يتعلم بشكل
أفضل ،والمرء اآلخر لم يفعل ما فعله بغية اإلساءة إليك ،وهل من
جنون أعظم من أن تنفس كدرك ضد األشياء عندما يكون الناس هدفك
الفعلي؟
105
4 - 26وما يزيد عن ذلك أن تغضب من أشياء تفتقر إلى الروح ،وهو أن تغضب
من البهائم البكماء ،وهي ال توقعنا في خطأ ألنها مسلوبة اإلرادة :حيث
ال يوجد خطأ ما لم يصدر من قصد( ،)203فالسيف والحجر يأذياننا،
ولكن ال يجعالننا نخطئ.
5 - 26ومن ثم يقع بعض الناس في الشكوى عندما تطيع الخيول نفسها خيالاً
وترفض آخر -كما لو كانت بعض األشياء تسترضي بعض الناس عن
عمد ،وال مكان لعادة المدرب ومهارته.
1 - 27وهناك أشياء بعينها ال تضرنا ،ولها قوة النفع والفائدة مثل األرباب
الخالدة الذين ال يرغبون وال يكونون عائ ًقا؛ ألن طبيعتهم لطيفة وهادئة،
وهم يمحون الخطايا من فعل الخطأ ذاته.
2 - 27ووف ًقا لهذا فإن المجانين والذين يجهلون الحقيقة هم َمن يحملون
األرباب وحشية البحر واألمطار العاصفة والشتاء القارص الجامح،
ولكن الحقيقة أن هذه الظواهر ال تضرنا -بل تسدي لنا الخير -بل
غايتها نحن .فليس في حسابنا أن العالم يتمتع بدورة الشتاء والصيف:
كثيرا وهذه األشياء تتبع قوانينها التي تنفذ الغاية اإللهية()205
.إننا نعتد ً
بأنفسنا إذا تخيلنا أننا جديرون بهذه الهزات العظيمة .وال تحدث هذه
األشياء بغية تخطيئنا -بل العكس هو الصحيح -بل إن هذه األشياء
تحدث لخيرنا.
106
3 - 27لقد قلت إن بعض األشياء ليس بمقدورها ضررنا وبعضها ال يرغب
ضررنا ،وتستحسن المقولة األخيرة الوالة والقضاة والمعلمون
والوالدان ،الذين نقبل لومهم على أنه عالج مثل الجراحة والصيام
وأشياء أخرى تسبب لن األلم من أجل خيرنا.
4 - 27ولنفرض أننا ُعوقبنا :فينبغي أال نفكر فيما نعانيه بل فيما فعلناه ،وعلينا
أن ُنعمل النظر في طريقة حياتنا ،وإن أردنا أن نقول ألنفسنا الحقيقة،
سوف نحكم بأن ما نزل علينا أقل ما نستحق.
1 - 28وإن أردنا أن نكون قضاة عدل في كل األمور ،دعنا نقنع أنفسنا بأن ال
أحد منا بال خطيئة( ،)206وأصل النقمة األعظم أن تقول ‘أنا دون خطيئة’
أو ‘لم ْ
أفعل شيئًا’ ،ال ،باألحرى أنت ال تعترف بشيء .إننا نمتعض حين
نوبخ بكلمة لوم أو نكبح بقيود ونفعل في اللحظة نفسها الخطأ بإضافة
الكبر والتحدي ألفعالنا الرديئة.
2 - 28و َمن ذا الذي يدعي بأنه بريء أمام كل القوانين؟ حتى لو كان كذلك،
فما البراءة المقننة التي تعد ‘حسنة قانو ًنا’ ،فكم تمتد قاعدة األفعال
المالئمة باتساعها أكثر من حكم القانون( !)207وكم يتطلب اإلخالص
والشعور اإلنسانى والكرم والعدالة وحسن النية تلك األشياء التي ال
تحددها مناضد القانون(!)208
3 - 28ولكن ال يمكننا حتى أن نمثل أنفسنا لترضى بهذا التعريف الضيق للغاية
للبراءة :فبعض األشياء قد قمنا بها وأخرى قد خططنا لها ،وبعضها
تمنيناه وأخرى ال نزال ندعمه ،ونحن بريئون في بعض الحاالت؛ ألننا
لم نحصل على طريقنا.
4 - 28ومع وضع هذا التفكير في االعتبار ،عامل المجرمين بإنصاف وانتبه لمن
107
(فمن الذي ينجو إذا غضبنا
يوبخوننا ،وال تغضب على األقل من الخير َ
حتى من الخير) ،ويقينًا ال تغضب من األرباب؛ فهم ال يخطئون ،وهذا
قانون فنائنا الذي نعانيه حين يأتي الشقاء لطريقنا« .ولكن األمراض
واآلالم تحدق بنا» ،دون أدنى شك سنموت يوم ما؛ ألن مكان المأوى
البائس هو مآلنا.
5 - 28وافترض أنك قلت هذا لشخص ما قد أساء إليك ،وانظر إن كنت فعلته
أنت أولاً ،وانظر كم انتقادك ،واشدد على هذه النقطة :دعنا نفكر أن
البعض ال يخطؤننا ،بل يرجعون ألحدهم ،فالبعض يفعل لمصلحتنا،
وآخرون بإكراه وآخرون بجهل .ودعونا نفكر ً
أيضا حتى في الذين
يتصرفون بطيب خاصر ونعرف أنهم لم يقترفوا الخطأ ذاته بهدف
تخطيئنا :سواء انزلق المرء في بهجة لطيفة أم فعل ما فعله بغرض
إغاظتنا ،بل بسبب أنه لم يتمكن من تحقيق غايته دون إخراجنا من
الطريق( ،)209وغال ًبا تمنح المداهنة اإلهانة في محاولة جذبك.
6 - 28و َمن منا يتذكر عدد المرات التي ُشك فيه على نحو خاطئ ،وكم من
أفعاله المالئمة التي القت سوء حظ على أنها أخطاء ،وكم عدد الناس
الذين بعد أن اعتاد كرههم قد استطاع أن يتجنب غضبهم ،ولو قال لنفسه
على األقل كلما ُأهين « :أنا نفسي قد فعلت هذا الخطأ ً
أيضا».
7 - 28ولكن أين تجد هذا القاضي العدل؟ فالرجل نفسه الذي يشتهي زوجة
رجل آخر ويفكر أنها ذاتها سبب ٍ
كاف لحبها ال ترغب زوجته النظر إليه.
والرجل الذي يحمل مطالبه المتعسفة على حسن سجية رجل آخر كفر
بنفسه ،والرجل الذي يالحق الكذبة هو نفسه حانث لليمين ،والرجل
متهما ،والرجل الذي
الذي يأتي بتهم باطلة ينزعج بشدة لكونه هو نفسه ً
ال يرغب أن ُيغار على عفة عبيده الفقراء ماجن مع نفسه.
108
8 - 28إننا نرى رذائل اآلخرين أمامنا بالتمام ونحمل رذائلنا على ظهورنا(،)210
وقد يحدث أن يستنكر األب المآدب الموضوعة البنه وهو أسوأ من ابنه،
ٍ
شيء لرجل والرجل الذي ال ينكر شيئًا لشهوته للرفاهية ال يصفح عن
آخر ،والطاغية يغضب من القاتل ،والرجل غير التقي يعاقب السارقين.
وهناك قسم واسع لإلنسانية ال يغضب من خطايا فعلت بل من الخاطئين،
وسوف نضبط النفس إذا نظرنا إلى أنفسنا وتسألنا« :يقينًا لم يحدث،
إنني لم أفعل شيئًا مثل هذا ،أليس كذلك؟ ويقينًا أنني قد أضل بالطريقة
نفسها ،أليس كذلك؟ وهل من مصلحتي أن أستنكر هذا السلوك؟».
4 - 29والرجل الحق الذي ُيقدم لك القصة التي قد يتخلى عنها إذا أكره على
توكيدها ،وهو يقول« :ليس من سبب لتدعوني كشاهد ،ولو فعلت
سوف أنكرها ،ولو أصررت لن أقول لك شيئًا بعد ذلك» ،وفي الوقت
ٍ
امرئ يرغب في نفسه ُيثير مشكلة وينسحب الغبار الناتج عنها ،أي
الحديث إليك في السر فحسب مثل َمن يصمت :وهل من ظلم أعظم
من أن ُتصدق حكاية ُتسرد ًّ
سرا وتغضب ألن الكل يراها؟
1 - 31وكما قلت هناك( )216حاالن يثران الغضب :أولهما إن كان لدينا انطباع
بأننا ظلمنا -وقد ناقشت هذا بما فيه الكفاية ،-ثانيهما إذا فعلنا خطأ
ظلما – وهذا ما يجب معالجته اآلن(.)217
ً
ظلما على أساس أنهم ال ينبغي أن
2 - 31الناس يحكمون على بعض األشياء ً
يعانوها ،وبعضها على أساس أنهم قد ال يتوقعونها( ،)218وألننا نعتقد
بأنها أشياء غير مالئمة فهي غير متوقعة حيث إنها أشياء تحدث مناقضة
لما نأمله ونتوقعه سب ًبا لقلق أعظم :ولهذا السبب أكثر األشياء تفاهة في
ترتيباتنا المنزلية تمنح اإلهانة ،وإال لماذا ُنسمي إهمال أصدقائنا ‘خطأ’؟!
3 - 31وقيل« :لماذا نفعل أخطاء أعدائنا التي تزعجنا؟»؛ ألننا ال نتوقع هذه
األخطاء أو أخطاء بمثل هذا الحجم ،هذا أثر لعزة النفس المفرط :إننا
نقضي بما يروق لنا حتى بأعدائنا! كل منا يبطنه عقل سلطان يرغب في
كسب حرية كاملة للفعل وال يرغب أن ُتستعمل ضده.
وتبعا لذلك سواء أكان الجهل أم التكبر ،فكالهما يجعلنا نميل للغضب،
ً 4 - 31
وكيف ُيستغرب أن تصدر األفعال الرديئة من أناس سيئين؟ وكيف
ستكون الرواية إن كانت من عدو يضر وصديق ُيهين وابن ينزلق وعبد
ُيخطئ؟ لقد اعتاد فابيوس Fabiusأن يقول ‘لم أحسب حسا ًبا’ وكان
ٌ
مخجل للبشر( ،)219فاحسب عذرا مخجلاً للقائد ،وأعتقد أنه ٌ
عذر هذا ً
شيء ٌّ
فظ حتى في الصفة الحسنة. ٌ وكن مراق ًبا لكل شيء :فقد يثبت
5 - 31وطبيعة البشر تثمر عقولاً غادرة وناكرة وشبقة وعاقة( :)220فحين ُتصيغ
فكر في صفة البشر عمو ًما ،وإن شعرت
حكما عن صفة امرئ بعينهْ ،
ً
بفرحة عظيمة فسوف يدركك خوف أعظم ،وحيثما تفكر أن الكل على
111
ما يرام فمصادر ضرر المستقبل راسخة مثل اضطجاع القانون .فتحسب
أن هناك شيئًا ما دو ًما سوف يشينك :فليس من موجه دفة ينشر أشرعته
كلها ويرخيها وال ُيبقي في يده البكرة ليلمها فيها.
6 - 31تأمل ما قلته عاليه( ،)221فإن سلطة الضرر منفرة وكريهة ومستغربة على
ٌ
لطيف ،وانظر إلى طريقة األفيال وهي البشر ،فعطف البهائم المتوحشة
تقدم رقابها للمقرن ،والثيران تستدير ظهورها لتفلت من قفز الصبيان
والنساء( ،)222والثعابين تسعى بيننا وتهرب منا حتى ال تضرنا ،والدببة
واألسد كحيوانات منزلية تقدم خطمها الوديع لتداعبها ،فالحيوانات ُ
7 - 31إن الضرر الذي ال ُيوصف هو أن تضر الوطن ،ومن الضرر الذي ال
يوصف ً
أيضا أن تضر بمواطن آخر ألنه جزء من الوطن– فاألجزاء
جديرا بتعبدنا .ومن الضرر الذي ال يوصف هو أن
ً مقدسة إذا كان الكل
تضر باإلنسان وهو رفيق مواطنتك في المدينة الكونية )223(cosmopolis
8 - 31وإن لم ِ
نقض على األفاعي والهوام وأي مخلوقات أخرى تضر بالعض
أو الضرب ،الستطعنا ترويضها للمستقبل ،أو لرأيناها ال تعرضنا
واآلخرين للخطر ،ومن األولى أال نضر إنسا ًنا ألنه أخطأ بل نحفظه
من عمل الخطأ ،وال نطبق العقاب أبدً ا على فكر الماضي بل بعين
الحيطة()226
وليس من الغضب، المستقبل( ،)225فأفعال العقاب من
ٍ
امرئ لطبيعة مشوهة وخبيثة ،فلن نعفي أحدً ا. فلو أننا عاقبنا كل
112
« 1 - 32ولكن الغضب ينطوي على بعض المتعة :فمن الحسن أن ترد األلم
لأللم» ،ليس على األقل :رغم أن اإلحسان يساورهم فإن رد الشيء
النبيل لشخص حسن يتحول مع آخر ،وليس من النبالة في شيء أن ترد
ً
متجاوزا الخطأ بخطأ مثله ،وفي مقام اإلحسان من المخجل أن تكون
ٌ
مخجل في هذا الحال ،و‘االنتقام’ غير جدير بالبشر ،وهو ولكن التجاوز
مقبول في أخذ الحق ،وال يختلف َمن ينتقم عن المخطئ :فالمنتقم أكثر
استعدا ًدا لالعتذار عن فعل الخطأ.
3 - 32إنك تسأل «هل ال يعاني هذا الرجل ألم هذه الوقاحة؟» ال ،بل األحرى
أنه تلقى قدرًا كبيرًا من الخير :ألنه أصبح قريبًا من كاتو ،إنها داللة
المهين غير
الروح العظيمة أن تنظر إلى اآلثام باحتقار :حيث يبدو ُ
جدير باالنتقام منه فهو أعظم أنواع االنتقام مهانة ،فكثير من الناس حين
ينتقمون يتغاضون عن األخطاء التافهة فتمضي بعمق تحت جلودهم:
فالرجل العظيم والوجيه هو َمن يشبه الوحش العظيم ،يستمع دون أن
يهتم بنباح ِ
الج َراء الصغيرة(.)228
1 - 33وقيل ً
أيضا« :سوف يقل تعرضنا لإلهانة إذا حملنا االنتقام حين
نخطئ»( ،)229وإذا سعينا لنوع من المداوة ينبغي أن نبحث عنه دون
ممتع .ولكن من األجدر أن
ٌ نافع ال
غضب ،مع االعتقاد بأن االنتقام ٌ
تتظاهر بعدم االنتباه لالنتقام ،وحين يخطئنا َمن هم أقوى منا ،علينا أن
نتحمل بصبر وابتسام :فقد يفعلونها مرة أخرى إذا اعتقدوا أنهم نجحوا.
113
وهذه أسوأ سمة للعقول التي تربت على الكبر مع مواكبة الحظ الحسن:
وهم يكرهون ً
أيضا َمن يضرونهم.
4 - 33جاء باستور Pastorدون أثر للوم على وجهه ،ووضع قيصر ثمانية
حارسا عليه( )233وشرب
ً أونصات من الخمر أمامه نخ ًبا لصحته ،وعين
الرجل التعيس النخب بأسنانه المفلوقة كما لو كان يتجرع دم ابنه،
معطرا وإكليلاً ،وأمر الحارس أن يراقب باستور
ً وأعطاه قيصر زيتًا
ويرى هل سيأخذهم ،وفعل ،وفي اليوم نفسه دفن ابنه – أو باألحرى لم
تسنح له الفرصة لدفن ابنه ،-وكان الرجل العجوز مستلق ًيا على واحدة
من مئات المآدب ،والمشروبات المجففة التي بالكاد أن تكون موقرة في
أعياد ميالد أطفاله -ولم يذرف دمعة ،ولم يسمح لحزنه بأن يظهر بأي
شكل :لقد تناول عشاءه كما لو كان قد حصل على طلبه بعودة حياة ابنه.
ابن آخر.
إنك تسأل لماذا؟كان لديه ٌ
5 - 33وماذا عن بريام Priamالعظيم()234؟ ألم ُي ْخ ِ
ف غضبه ،تشبث بركبتي
114
وقبل اليد الملطخة بدم ابنه المتخثر ،وشارك في العشاء؟ نعم،
الملكَّ ،
ولكن دون زيت معطر وال إكليل ،وأقنعه العدو القاسي أن يتناول الطعام
ببعض كلمات عزاء ،ولم يحثه على أن يشرب كؤوس الخمر المجفف
مع الحارس الذي ُعين على مراقبته.
1 - 34وعلينا أن نبقي الغضب على مسافة سواء على الطرف النظير الذي ينبغي
تحديه أو األسمى أو األدنى ،وإن كان على الطرف النظير فقد يتحول
الصراع بهذه الطريقة أو تلك ،وإن كان مع الطرف األسمى فإنه سخيف
وإن كان مع األدنى فإنه شائن .وإن داللة الشخص الضعيف والمحبط
للغاية أن يحاول العودة للمرء الذي عضه :فالفئران والنمل تتحول إلى
لدغك إذا وضعت إصبعك عليها – فاألشياء الضعيفة تلجأ إلى الضرر
بمجرد لمسها.
2 - 34وقد ُيلطف مزاجنا إذا ما فكرنا في الخير الذي قدمه لنا من نغضبه ذات
مرة :فهجره سوف يعتقه من اإلهانة .وفكر ً
أيضا في كيف أن سمعة
عفو كثي ٍر من الناس
الرأفة سوف ترفع تقدير اآلخرين لنا ،وكيف أن َ
يصنع أصدقاء نافعين(.)237
115
3 - 34دعونا ال نغضب من أطفال أعدائنا الشخصيين والعموميين :ومن
بين هذه الحاالت قسوة سولال الذي حرم أطفال المنفيين من الحياة
العامة( ،)238وليس أكثر ً
ظلما من أن يرث الشخص عداء أبيه.
4 - 34وعندما نجد صعوبة في المغفرة ،فعلينا أن نفكر فيما إذا كان من مصلحتنا
ٍ
امرئ رفض العفو وبدوره طلبه! أن يخرج الجميع من شفاعتنا ،فكم من
وكم انبطح على قدم رجل دفعه بعيدً ا عن طريقه! فما هو أجل من تعاطي
إخالصا من الحلفاء الذين كانوا
ً الغضب من أجل الصداقة؟ ومن أعظم
أعداء ألداء للشعب الروماني؟ وما الذي سوف يهيمن علينا اليوم إن لم
ً
تختلط الحكمة النافعة مع الغزاة وغزواتهم()239؟
3 - 35وال شيء ينفعك أكثر من معرفة قبح الغضب وموبقاته ،وما من مالمح
إزعاجا منه ،فهو يحول أعدل الوجوه للقبح ،ويكسو
ً انفعال أشد
المتوحش منها بالهدوء التام ،ويفقد فيه الناس كل إحساس باالحتشام،
فإن كانوا منمقين اللباس فسوف يخلعونه ويفقدون كل اهتمام بمظهرهم،
طبيعيا أو بفن فإنه ينتصب بجنون مثل
ًّ وإن كان شعرهم جاذ ًبا تمشيطه
عقولهم ،وتنتفخ عروقهم ،وتتشنج صدورهم بالتنفس السريع ،وتتحرك
أعناقهم بالهياج المسعور ألصواتهم ،وترتجف مفاصلهم ،ويقبضون
أمواجا.
ً على أيديهم ،ويتالطم جسدهم كله كما لو كان
5 - 35مثل مشهد األعداء أو الوحوش البرية التي تقطر د ًما أو تمضي ُقدُ ًما
للقتل ،ومثل وحوش العالم السفلي التي تخيلها الشعراء الذي تطوقه
الثعابين وتتنفس النار .ومثل اآللهة المرعبة التي تأتي من الجحيم
أشالء(-)241
ً لتشعل الحرب وتنشر الخالف بين األمم وتمزق السالم
وهذه صورة الغضب في عين العقل :حيث األعين المتقدة التي تصخب
بصياحها وخوارها وتأوهها وصفيرها وأي صوت بغضه شديد ،ويلوح
بأسلحته بكلتا يديه (وهو ليس في حاجة ليحمي نفسه) ،بشراسة ودموية
ويكدم نفسه ويتحرك في جنون ،ويتغمر في الظالم ،ويهجم ويرقد
ٍ
امرئ وكل شيء -وهو مثيرا بتمخضاته كراهية كل
مستعدًّ ا لقتالً ،
117
أولهم -وهو يسعى ليربك األرض والبحر والسماء إن كان بمقدوره أن
يضر بأي وسيلة الكاره والمكره في آن.
119
120
الكتاب الثالث
121
122
اآلن يا نوفاتوس سوف نحاول أن نقوم بما تريده من األساس :وهو 1 - 1
استئصال الغضب من عقولنا ،أو على األقل كبحه وإبطاء اجتياحه(،)248
وأحيا ًنا نعمل على نحو صريح ومباشر حين ال يزال الشر ً
غيضا كاف ًيا
ليسمح بذلك ،وأحيا ًنا علينا أن نعمله خلسة حين تعلو مشقته ويزيد
عندما ينشأ له عائق ،وما يقوى و َينضج ما ُيقرر سواء هزمناه مرة أخرى
أو أجبرناه على التراجع أو أذعنا له ،في حين أن النفخة األولى للريح
قد تبدد ضراوتها خشية أن تنتزع أو تحمل نفس المداوات الفعلية التي
نحاولها(.)249
وال يعفي الغضب أي مرحلة من مراحل الحياة ( )255وال فئة من الناس، 1 - 2
فبعض األمم بفضل نعمة الفقر لم تعرف الترف ،وبعضهم لكونهم ُر َّحلاً
لم يعرفوا الكسل ،وبعضهم بغير تمدنهم وحياتهم الريفية لم يعرفوا
الخداع والغش والشرور األخرى التي تولدها المدنية .forumفكل
األمم هيجها الغضب :فإنه فشا بين اليونانيين كما البرابرة ،ومهلك لمن
يخشون القانون كما الذين يصنعون الحق.
وإن كانت الرذائل األخرى كلها تستولي على األفراد ،فإن هذا االنفعال 2 - 2
شعب برمته لحب امرأة،
ٌ ينعقد عليه السكان برمتهم أحيا ًنا ،فلن يحترق
ولن يضع مجتمع بأكمله كل آماله على مال أو كسب .والمطمح يستولي
ً
مشتركا بين شعب على أفراد فحسب ،وفقدان التحكم في الذات ليس
ولكن شع ًبا بأكمله قد يضربه الغضب أحيا ًنا(.)256
َّ بكامله –
وقد يدمر البيوت(ُ )257بأسرها كلها ،والرجل الذي نال احترا ًما بسبب 4 - 2
بالغته الراجحة صار ضحية للغضب الذي أثاره خطابه ،والفيالق التي
124
الشرفاء(،)258 حولت رماحها على قائدها ،والعوام الذين انشقوا عن
وسياسة مجلس الشيوخ التي لم تنتظر فرض ضريبة أو تسمية قائد بل
ٌ
رجال مختارون ليقودوا غضبها ويالحقوا الرجال البارزين كان لديها
ويعدموهم في جميع أنحاء مساكن المدينة.
عندما عانت السفارات العنف خال ًفا للمبادئ المتعارف عليها 5 - 2
عالميا( ،)259وقد تحمس المجتمع بجنون ال يوصف ،ولم يتوانَ في
ًّ
السماح للمشاعر العامة المتوهجة بأن تجيش بل تشن األساطيل هجو ًما
مباشرا ،والجنود المتطوعون يشرعون على عجل وينهضون دون عنايتها
ً
واستبعاد الجمهور الذي يستحق ،وغضبهم هو قائدهم ،ويستولي الناس
على كل ما يمكنهم الحصول عليه بدلاً من األسلحة المناسبة – ومن ثم
يتكبدون مصيبة كبيرة وهي الثمن للمخاطرة والتهور والغضب.
بعشوائية()260 لقد كانت هذه حصيلة للبرابرة الذين اندفعوا للحرب 6 - 2
حين تمايلت عقولهم بسهولة ،وقد ُضربوا بانطباع الضرر ،فيبدؤون على
الفور في الحركة ،يجرهم إحساسهم بالظلم ،ويسقطون على جحافلنا
مثل المباني المنهارة دون نظام ودون خوف ودون حذر ،ساعين لوضع
أنفسهم في طريق الضرر ،ويمرحون بالضرب في الضغط على السيف
الذي طعنهم ،ويضعون ثقلهم في الرمح الذي اخترقهم ،فيخرج من
الجانب اآلخر من جرحهم(.)261
وممرضة :ولذا
وأنت تقول« :ليس من شك بأن سطوة الغضب عظيمة ُ 1 - 3
شفاء» ،ولكن كما قلت في الكتب السابقة :إن أرسطو
ً انظر كيف يكون
مدافعا عن الغضب ومنعنا من استئصاله ،حيث يرى الغضب
ً وقف
حافزً ا للفضيلة واستبعاده يخلف العقل بال حمية ويبلده فيستلقي وهو
يباشر أعمالاً عظيمة(.)262
125
وبالتالي فمن الضرورة أن تثبت طبيعته الوحشية والمنفرة ،وترى كيف 2 - 3
يحنق اإلنسان بوحشية على آخر ،وكيف ُيغير الغضب بعنف وهو يتعامل
مع الخراب بتكلفة تدميره ذاته ،ويسعى إلغراق الذين ال يغرقون إال إذا
غرق معهم.
وهل يعترف أي امرئ بأنه ال يتحرك من ذاته ،بل يتحرك كما لو كان في 3 - 3
قبضة إعصار ،وهو عبدٌ لشر مسعور ،ال يفوض لمهمة االنتقام بل هو
ذابح ألعز الناس له والذين
المنتقم ذاته ،فظ في الفكر والعمل في آنٌ ،
سوف يحزن لفقدانهم()263؟
وهل يصنع أحد هذا االنفعال بفضيلة مساعدة أو رفيقة حين يرتاب في 4 - 3
وقادر
ٌ تأنيه وتحتاج الفضيلة أن ُتنجز شيئًا ما؟ إن قوته وميضة وحاتمة،
على أن يضر نفسه ،ونوع القوة هي نفس التي تثيرها بداية المرض في
رجل مريض.
وليس من سبب لتفترض أنني أهدر الوقت سدى لقذف الغضب كما 5 - 3
لو كان الناس بعقلين نحوه ،فهناك فيلسوف –مميز -يحدد مهامه
ويستجمعها لمعركة و ُيصرف شؤونه ألي شيء يتطلب حيوية في تنفيذه
مصدرا مفيدً ا للنشاط.
ً كما لو كان
ومع أن جوانبه األخرى محل شك ،إال أنه يقينًا أقبح من أي انفعال كما 1 - 4
ذكرنا في الكتب السابقة( ،)265فإنه فظ وشرس ويشحب عندما ينسحب
الدم بالهروب ،وتتورد نظرته د ًما حين تعود الحرارة والروح للوجه
وتنتفخ األوردة وتتحملق األعين وتستعر وتثبت وتهتاج.
والبهائم عند هيروكليس – سواء أكان يدفعها الجوع أم نفذ في 3 - 4
أحشائها رمح تحاول أن تعض الصياد حتى ُيحتضر -والبهائم تبدو
وقت لتسمع َ
وتعال ،إذا كان ثم ٌ أقل من اإلنسان في االشتياط بالغضب،
األصوات المتوعدة ،واسمع أي صنوف الكلمات التي ُتعذب العقل!
وهل يرغب أحدٌ في أن يستجمع نفسه للخلف من حافة الغضب ويدرك 4 - 4
أن الشر ُفعل فيه أولاً ؟ إ َذنْ ال تريدني أن أحذر الذين صبوا غضبهم
في العمل من نفوذ السلطة العليا -التفكير في االنتقام الفوري لتوكيد
قوتهم ،ويعدونها من بين المنافع العظيمة للحظ الحسن -وهل المرء
الذي يأسره غضبه ليس قو ًّيا وبالحري ال ُيطلق عليه حتى حر؟
وحيث إن الغاية األولى ال ُتغضب ،فإن الثانية تتوقف حين غضب، 2 - 5
أيضا ،وسوف أتحدث أولاً عن كيف نتحاشى
والثالثة عالج لغضب آخر ً
وأخيرا كيف نقاوم الغاضبين
ً الغضب ،ومن ثم كيف نحرر أنفسنا منه،
ونهدئهم ونعيدهم إلى رشدهم(.)267
وسوف ننجح في تحاشي الغضب إذا وضعنا أمامنا رذائل الغضب 3 - 5
وقدرناها على نحو سليم ،وعلينا أن نوجهه أمامنا وندينه ،ونبحث
عن شروره ونستبينها ،ونضعه جن ًبا إلى جنب مع أسوأ الرذائل ،وهكذا
واضحا.
ً يصبح األمر
ٍ
المرئ فاضل يستعمله؟ فالغضب إفراط فما الذي ُيكسبه الجشع ويكومه 4 - 5
غاضب فشردهم أو قتلهم!
ٌ بال كلفة عند القلة ،وكم من العبيد لهم سيدٌ
وكم خسر بغضبه أكثر مما أثاره فيه! فالغضب يجلب الحزن لألب،
والطالق للزوج ،والكراهية للقاضي ،والهزيمة لمرشح المنصب.
إنه أسوأ من الرفاهية التي ُتنعم بالمتعة :والغضب ُينعم بألم آخر ،إنه 5 - 5
يفوق الحقد والحسد اللذين يتسعان لآلخرين ويخطفان الفرحة بضربة
128
الحظ السيئ :فالغضب يجعل اآلخرين تعساء ليس بمقدورهم أن
ينتظروا الحظ ليضر َمن يكرهونهم -يريدون أن يضروهم بأنفسهم.
وال شيء أشد بشاعة من الشجار :فالغضب ُيسبب الشجار ،وال شيء 6 - 5
أشد ً
فتكا من الحرب :فالغضب يفجر الرجال األقوياء في الحرب-
حتى الغضب اليومي هو شكل من أشكال الحرب يفتقر لقوة السالح.
وأكثر من هذا –نطرح عواقب الغضب والخسارة والخيانة والقلق
الال نهائي عندما يؤدي إلى صراع آخر -إنه يعاقب بفعل العقاب .إنه
ُيرهب الطبيعة البشرية التي تحثنا نحو الحب وتدعونا إلى اإلحسان
لآلخرين( .)268إن الغضب يحثنا نحو الكراهية ويدعونا للضرر.
روحا
ً ناهيك عن حقيقة أن نقمته تأتي من مغاالة الذات فيتخيل ذاته 7 - 5
سامية وهو في الحقيقة تافه وضئيل؛ ألن َمن يحكم أن ذاته مهانة أدنى
ٍ
وقاض عدل فيما يستحق ال من الذي ُيهينه ،ولكن َمن هو روح سامية
ينتقم إلصابته ألنه ال يشعر بها(.)269
والقذائف ُتلقى من سطح ٍ
عال ،وحين ُترمى األجسام الصلبة تسبب األلم 8 - 5
روحا عظيمة لتشعر بها
ً لمن تضربهم ،وال يمكن لإلصابة أن تصيب
َ
ألنها أهش من الشيء الذي تداهمه ،وكم جميل أن يصد كل اإلصابات
واإلهانات كما لو كان حاجزً ا ألي قذيفة! واالنتقام اعتراف باأللم :فالروح
السامية ال تنحني لخطأ ،و َمن يضرك؛ إما أقوى منك وإما أضعف ،وإن كان
أضعف منك فامنحه فرصة ،وإن كان أقوى منك فامنح نفسك فرصة(.)270
وليس من دليل بعينه على العظمة أكثر من أن تبقى غير مستفز بأي شيء 1 - 6
تنظيما وأقرب للنجوم ،وال
ً يحدث ،فالطرف األعلى من الكون أعظم
ُيضغط ليشكل سحابة وال يدفع ليحدث عاصفة وال دوي يوشك أن
إعصارا :إنه ال يعاني اضطرا ًبا في حين أن المناطق الدنيا تفجرها
ً ينتج
129
الصواعق ،وهكذا العقل النبيل مسالم ،يرسو بثبات في مرساه الهادئ،
ويتجاوز كل مركبات الغضب ،مهيمن ومهيب ومنظم ،ولن تجد أ ًّيا من
هذه الصفات عند إنسان غاضب.
فمن الذي يستسلم للغم والغضب دون أن ُيطلق أولاً الكبح البسيط؟
َ 2 - 6
و َمن الذي يهاجم آخر بعنف دون أن يتخلى عن الصفات المعتبرة التي
لديه؟ و َمن الذي ُيحافظ على واجباته بانتظام بمجرد أن ُيستثار؟ و َمن
الذي يحكم لسانه؟ و َمن الذي يكبح أي طرف من جسده؟ و َمن الذي
يحكم نفسه بمجرد أن يترك الحكم؟
سوف نربح من تعاليم ديموقريطوس الناجعة التي تبين أن طريق السكينة 3 - 6
يكمن في مشاركة أنشطة قليلة وال شيء يتجاوز قوتنا سواء في الشؤون
العامة أو الخاصة( ،)271وعندما ينشط المرء في هذا الطريق ويتعامل مع
شيء ما قد ال يسبب
ٌ موضوعات عدة فلن يمر اليوم هنيئًا ،فامرؤ ما أو
إساءة تدفع العقل للغضب.
فحتما
ً كما هو الحال عندما نهرول نحو فضاءات المدينة المزدحمة، 4 - 6
سوف نصطدم بأناس عدة نتعثر هنا أو ُنلطم هناك أو ُنلطخ في بعض
األماكن األخرى ،وهكذا في مواجهة الحياة المبعثرة وغير الموجهة
نواجه عقبات عدة وأسبا ًبا شتى للشكوى ،فهذا خدع أملنا حيث
يعيق تحقيقه وآخر قد يضع له نهاية :ولن تتقدم مشروعاتنا بيسر وف ًقا
لتخطيطنا.
ولن يجد أحدٌ الحظ حلي ًفا لما يروم إليه دو ًما في مساعيه الكثيرة، 5 - 6
ويترتب على ذلك أن َمن يراجع خططه ليس لديه صبر على الناس أو
األشياء ،بل يغضب من األسباب التافهة ،فيغضب تارة من امرئ ،وتارة
من معاملة ،وتارة من مكان ،وتارة من حظ ،وتارة من نفسه.
130
وحتى يسكن العقل علينا أال نضطرب أو نتشظى بأنشطة كثيرة أو كبيرة 6 - 6
كما قلت ،ونسعى إلى تحقيق ما في إمكاننا ،فمن السهل أن نتحمل
أعباء خفيفة وننقلها بالطريقة نفسها دون ذلل ،ولكننا نواجه صعوبة في
ً
تحمل األعباء التي ُيلقيها علينا اآلخرون ،والغلبة في أن نهز أكتافهم في
الفرصة األولى حتى لو كنا نقف تحت ُصرتهم ،ولكننا نتردد ألننا غير
مكافئين في الوزن.
وحينما تحاول القيام بشيء ما ،تيقن من قياس نفسك وتعهدك وإعدادك 2 - 7
للعمل في آن :فندمك على أمر لم يكتمل سوف يؤرقك ،وهنا يحدث
الفارق فيما إذا كانت طبيعة المرء متقدة أم باردة وخسيسة( ،)272فالفشل
يثير الغضب في الرجل النبيل واال ْبتِئاس في الضعيف والمستلقي،
وينبغي لتعهداتنا أال تكون ضئيلة وال متهورة وال خبيثة وأن تستقر آمالنا
بقرب الهدف ،وال نحاول شيئًا – بمجرد نجاحنا -فسوف ُيدهشنا بأننا
فعلنا.
وألننا ال نعرف كيف نتحمل الخطأ ،فعلينا أال نعانيه ،وينبغي أن يكون 1 - 8
ً
وبسيطا للغاية ليمضي معه قد ًما ،ونحن نلتقط العادات من إعالننا هاد ًئا
رفقائنا كما تنتقل بعض االضطرابات باالتصال الجسدي ،وكذلك يمرر
العقل عيوبه ألقرب الناس .وقد جعل السكير رفقة منضدته للخمر غير
131
المخلوط( ،)273وجعل االختالط بالخلوة الجنسية الرجل الخشن مخن ًثا
مع أن طبيعته كانت َصوا ًنا ،ونقل الرجل الجشع مرضه إلى جيرانه.
والطريقة نفسها مع الفضائل ولكن بشكل معكوس ،فهي تجعل كل 2 - 8
شيء معتدلاً في مداره ،مثلما ينتفع اعتالل الصحة من منطقة رحبة
ومناخ صحي ،وهكذا العقول الراغبة في القوة تنتفع من الحفاظ على
الرفقة مع الحشد األفضل.
وسوف تدرك مدى فعالية هذا إذا رأيت ألفة الحيوانات البرية من 3 - 8
العيش معنا ،وحتى البهيمة المتوحشة ال ُتبقي على صفتها العنيفة إن
كان بمقدورها أن تشارك البشر مأواهم لفترة طويلة( ،)274حيث ُتلطف
القسوة برمتها و ُتنسى رويدً ا رويدً ا بوداعة الرفقة .وهناك حقيقة مفادها
أناسا ُر َزناء ال يمسي أفضل بمثاالتهم فحسب،
أن َمن يعايش على الدوام ً
بل يفتقر إلى األسباب التي تجعله غاض ًبا وال ينغمس في رذيلته ،وبالتالي
سوف يتحاشى جل َمن يعرف أن هواهم للغضب.
وأنت تسألَ « :من هؤالء الناس؟» ،كثير من الناس سوف يكون لهم 4 - 8
هذا التأثير ألسباب عدة ،فاإلنسان المتعجرف سوف ُيهينك بازدرائه،
مملوء باإلهانة .واإلنسان الجامح بضرره ماكر بخبثه .واإلنسان
ٌ ففمه
العدواني بإيثار القتال متبجح كاذب بغروره .وإنك لن تعبأ بأن ُينظر
إليك نظرة شك من قبل الخائفين ،تنزعج من قبل المتعنتين ،وتعتبر
بأنف مقلوبة للمصقلين.
فاختر الذين يتمتعون بالوضوح والود وضبط النفس؛ ألنهم ال يثيرون 5 - 8
نفعا هم الذين يتحلون بالهدوء
غضبك وال يستضيفونه ،واألكثر ً
والعطف والخجل– رغم أنهم ليسوا نعم الرجال؛ ألن االمتثال المفرط
يثير َمن يميلون للغضب( .)275واعتدت أن يكون لي صديق طيب ،ولكن
132
لديه استعداد للغضب :فلم يكن حلو الحديث معه مأمو ًنا أكثر من مره.
ً
مفرطا في ومن المعروف أن الخطيب كايليوس Caeliusكان 6 - 8
الغضب( ،)276وتقول القصة إنه كان يتناول عشاءه في غرفته مع رفيق
صبور -وجد نفسه في مسكن ألقرباء -ووجد صعوبة في أن يتحاشى
الشجار مع راعيه ،ورأى من األفضل أن يتابع كايليوس على الدوام
دورا ثانو ًّيا ،ولم يتحمل كايليوس االستمرار
أ ًّيا كان ما يقول ،ويلعب ً
في هذا االتفاق وصرخ« :ناقضني بأي شكل ،فنحن اثنان» ،وغضب
كايليوس ألن اآلخر لم يغضب ،وغادره في التو ،ووجد نفسه بال خصم.
ولو علمنا أننا سريعو الغضب ،إ َذنْ ،ينبغي أن نختار رفقة من هذه الشاكلة، 7 - 8
وهم نوع يتبع كل لمحة وكلمة :لتتيقن أنهم سوف يسلبوننا ويضعوننا في
رداء رديء لعدم سماع شيء ضد رغباتنا ،بل سوف يسدون لنا خدمة
حيث يعطون لغضبنا وهلة زمن صامتة بفضل رذيلتهم ،وحتى الذين
يتصفون بالغلظة والعنف بطبيعتهم سوف يتعاملون مع شخص ُيحلي
الكالم عنهم ،ولن يبقى أي مخلوق قاس ًيا ًّ
وفظا وأنت تالطفه.
وحينما يحتد النقاش أكثر من المطلوب علينا أن نحاول وضع حد له في 8 - 8
مراحله األولى قبل أن يكتسب قوة ،فالخالف يتغذى على نفسه ويحكم
القبضة على المستغرقين فيه بعمق ،ومن األيسر أن تمتنع عن الصراع
بدلاً من أن نتخلص منه.
ويتناول الناس غير مأموني المزاج بعض األطعمة ليوازنوا الصفراء حين 4 - 9
أمورا في لحظة أعظم( ،)279ألنهم يضجرون بسبب الصفراء
ً يتعهدون
سواء بسبب سطوتها على حرارة الجسد في المناطق الوسطى وتعطيل
الدم وتوقف الدورة الدموية بسبب إرهاق األوردة أم بسبب ضعف
الجسد وعدم ثباته فيضغط وزنه على العقل (ولهذا السبب فإن المتعبين
بالمرض أو كبر السن أكثر ميلاً للغضب)( ،)280وينبغي تجنب الجوع
والعطش لألسباب نفسها :فإنها تثير عقولنا و ُتلهبها.
وهناك قول مأثور يقول إن رجلاً متع ًبا يبحث عن قتال –وهذا يصح على 5 - 9
رجل جائع ،ورجل عطشان وأي رجل يغضب من أي شيء( ،)281كما
تتأذى القروح بلمسة خفيفة وحتى مجرد التفكير في اللمس ،لذا فإن
العقل الذي يعاني ضع ًفا يتأذى من أبسط األسباب مثل تحية أو حرف أو
كلمة أو سؤال يثير بعض الناس لمشاجرة ،وأ ًّيا كان مرضه يصرخ دو ًما
عندما ُيلمس.
134
1 - 10ومن األفضل أن تكون طي ًبا عندما تستشعر الشر ،وتربط كالمك بقيد
مشدود وتمنع النزعة العدوانية(.)282
4 - 10إنه يعين لتدرك مرضك وتتحقق من قوته قبل أن ينتشر ،وعلينا أن نتدبر
امرأ واألفعال المهينة تحرك ً
امرأ آخر، ما يميزنا ،فالكالم المهين يحرك ً
وهذا مرهف لحاله النبيل ،وهذا لمظهره الحسن ،وأحدهما يريد أن
يفكر بثقافة استثنائية وآخر تعلم على نحو استثنائي ،وهذا ال يستطيع
الكف عن العجرفة واآلخر جموح ،وهذا الرفيق هناك ال يفكر في العبيد
الذين يجدر بهم غضبه ،وهذا هنا وحش في بيته وحمل وديع خارجه،
وهذا يعتقد أنه أذنب عندما يسأل فضلاً ،وآخر يعتقد أنه ُيهان عندما ال
ُي ُ
سأل ،وال يشعر كل الناس باللطمة في نفس الطرف لذواتهم ،لذا من
المناسب أن تعرف نقطة ضعفك حتى تولي لها حماية خاصة.
1 - 11وأن تسمع وترى كل ما يجري ليست فكرة جيدة ،ودعونا نتجاوز عن
فمن ال يسجلها معظمها ال يعانيها( .)285أأنت
كثير من اإلصاباتَ :
135
فضوليا؟ إن المرء الذي يسأل
ًّ ترغب أال تكون ميالاً للغضب؟ أال تكون
سرا يزعج
عن ما يحاك عنه ويكشف الكريه الذي ينم به عنه حتى لو كان ًّ
نفسه ،فتفسير أشياء بعينها بطريقة ما يجعلها تماثل اإلصابات ،والمسار
المناسب أن ترجئ بعض األشياء وتضحك من بعضها وتتغافل عن
األخرى.
3 - 11إن ما يصنع الفارق ليس كيفية حدوث اإلصابة ولكن كيف ُحملت،
وإني فشلت أن أرى سبب صعوبة ضبط النفس ،حيث إنني أعلم أن حتى
الطغاة –المنتفخين بحسن الحظ والمفجورة طبيعتهم -قد يتحققون من
وحشيتهم.
3 - 12وعلينا أن نضع أنفسنا موضع الشخص الذي نغضب منه :ونرى من هذا
المنظور أن تقييمنا غير العادل ألنفسنا يجعلنا غاضبين ،وإننا ال نرغب
أن نعاني فعلاً ارتكبناه بإرادتنا.
4 - 12وال أحد يقول لنفسه« :انتظر لحظة»– إن أعظم دواء للغضب هو
اإلرجاء( ،)289حتى إن حماسته األولية قد تتالشى ،والظالم الذي
يغلب على العقل إما أن يمر أو تقل غلظته ،وتخف بعض األشياء التي
ترسل التوتر لسويعات ال ليوم وتختفي األخرى تما ًما ،وحتى إن لم
ُي ِ
فض اإلرجاء الذي سعيت إليه لتحقيق شيء ،فإنه سوف يأخذ مظهر
المحاولة وليس الغضب ،وإذا أردت أن تعرف صفة الشيء ،فوض
العمل للزمن :فالتمييز الدقيق ال ُيصنع في التغير المتواصل.
5 - 12عندما غضب أفالطون من عبده( ،)290لم يتمهل ،بل أمر العبد أن يخلع
سترته ويقدم ظهره للجلد الذي عزم أن يقيمه بيده ،وبعد أن أدرك أنه
غاضب ،وبينما كان يرفع يده ،وقفت يده في الهواء وتوقف مثل شخص
ٌ
صديق المشهد سأله ما الذي تفعله ،قال: يستعد للضرب ،وعندما رأى
«أنا أعاقب رجلاً غاض ًبا».
6 - 12مثل شخص مصاب بالشلل بقي أفالطون على وضعه -وهذا أمر مغاير
لحكيم -على حافة الوحشية ،ونسي اآلن العبد ألنه وجد آخر يستحق
137
التوبيخ ،ومنع نفسه من السلطة نفسها على أسرته :حيث كانت عادته
االنزعاج من بعض األخطاء ،فقال« :يا سبيسيببوس ،Speusippusأنت
تعاقب العبد السيئ بالجلد ألنني غضبان»(.)291
7 - 12وبهذا الفعل تحاشى أن يفعل الخطأ؛ ألن آخر قد ارتكبه ،وقال« :أنا
غضبان ،وسوف أفعل أكثر مما ينبغي ،ويغمرني السرور ،وال ينبغي
للعبد أن يكون في قبضة أحد ليس بمقدوره التحكم في نفسه» ،وهل
يعهد امرؤ بالثأر من رجل غاضب حين أنقص أفالطون قدراته للقيادة؟
وهل يعهد المرء باالنتقام من رجل غاضب ،وعندما تغضب ال تسمح
لنفسك بشيء ،لماذا؟ ألنك عندئذ ترغب في السماح لنفسك بأي شيء.
ْ
ناضل مع نفسك :إن كان لديك اإلرادة لتتغلب على الغضب إن لم يتغلب 1 - 13
مخرجا،
ً عليك ،ويمكنك البدء في التغلب عليه إن محوته ولم تمنحه
وعلينا التنكر لعالماته وحفظها ،وبقدر اإلمكان نخفيها ونسترها.
3 - 13وقد كانت الداللة على غضب سقراط حين انخفض صوته وتحدث
واضحا أنه يقاوم دوافعه( ،)292وبالتالي كان أصدقاؤه يشدون
ً بتؤدة ،وبدا
عليه ويؤنبونه ،ولم ْ
يستأ من معايرته بكبت غضبه :ولماذا لم يبتهج بأن
عرف كثيرون غضبه ولم يشعر به أحد؟ وكانوا سيشعروا به إن لم يأذن
ألصدقائه بتوبيخه – والدور نفسه قد افترضه مع أصدقائه(.)293
138
4 - 13وكم هو عظيم أن نتبنى هذه الممارسة! وعلينا أن نطلب من جميع
أصدقائنا أن يلومونا بإخالص بمجرد أن يقل تسامحنا لهذا اإلخالص،
وألاَّ يدعموا غضبنا ،ونستدعي ضد هذا الشر الماتع القوي العونَ في
حين ال يزال لدينا اإلحساس وامتالك الذات لفعل ذلك.
7 - 13وسوف يتضح أن بمقدورنا أن نفعل هذا إذا قدمنا أمثلة قليلة من الحشود
الضخمة المتاحة ،وباإلمكان أن نتعلم من هذا درسين :وهما مقدار ما
يملكه الغضب الشرير في قبضته حين يستعمل قوة األقوياء على نحو
غير استثنائي ،ومقدار ما يمكنه أن ُيبقي عليه في إمرته عندما ُيفحص
بالخوف األعظم(.)294
3 - 14وقد تهدر األرباب هذا الرجل – فهو ليس أفضل من العبد في عقله إن
لم يكن في موقفه( !)296حيث قدم ً
مدحا للفعل ال تطاق حتى مشاهدته،
واعتبرها فرصة للمداهنة ،فقد ُشق صدر ابنه إلى قسمين وال يزال قلبه
ينبض تحت الجرح ،كان ينبغي له أن يدعو قمبيز ليتابع المجد ويدعوه
سهما ثان ًيا حتى يتسنى للملك أن يبرهن أن يده كانت أكثر ثبا ًتا
ً ليخرج
في قتل األب نفسه.
4 - 14يا لهذا الملك الدموي الذي حول كل شعبه لينحني أمامه! وإني ألعنه
فقد بدأ مأدبته إلى النهاية بجزاء مهلك ،وما زلت أصف أن هذا المشهد
أفظع من السهم ذاته ،وسوف نتدبر في وقت آخر في كيفية تصرف
األب والوقوف على جثة ولده الميت ،والقاتل هو الشاهد والسبب ،أما
بالنسبة للمحور محل النقاش فمن الواضح أن الغضب يمكن قمعه.
5 - 14إنه لم يلعن الملك ،ولم يتفوه حتى بكلمة رثاء لمصيبته ،مع أنه رأى قلبه
يخترق بما ال يقل عن ابنه ،وقد يقول امرؤ إنه ابتلع كلماته ح ًّقا ،وقد قال
شيئًا بصفته رجلاً غاض ًبا ولم يفعل شيئًا بصفته أ ًبا.
6 - 14ويبدو (وأشدد على هذا) أنه تصرف بحكمة في مصيبته أكثر مما فعل
في هدوء الوعظ في الشراب لرجل يفضل شرب الخمر أكثر من الدم:
140
عندما انشغلت يداه بالكؤوس عم السالم ،وهكذا انضم بريكاسبيس
لرفقة واضحين في مصيبتهم ،وكم من كلفة ثمينة يدفعها أصدقاء
الملوك مقابل نصيحتهم لهم.
2 - 15وال أقول :ال ينبغي لألب أن يدين عمل الملك ،وال أقول :ال يسعه منع
استنتاجا ذا صلة :حتى
ً العقاب لهوله الموحش( ،)299ولكنني أضع اآلن
الغضب الذي ينشأ عن خبث هائل يمكن أن ُيخفى و ُيجبر على الكالم
بطريقة مختلفة تما ًما.
3 - 15ولجم كرب المرء بهذه الطريقة أمر ضروري ،وال يقل عند كثيرين
جلبتهم الحياة لطاولة الملك ،وبهذه الطريقة يأكل المرء ويشرب
ويجيب في حضورهم -والقاعدة هي «ابتسم في حين يموت أفراد
عائلتك» .وسوف أتدبر مناسبة أخرى عن إذا كانت تستحق ثمنًا
ً
باهظا :وهذا تساؤل مختلف ،ولن أخفف بعزاء طريقة قيد العصابة
لحياة –قاتمة للغاية -ولن أحثك أن تتحمل أوامر الجزارين :بل أبرهن
مفتوحا(،)300
ً لك أن في كل شكل للعبودية يظل الطريق إلى الحرية
والمرء الذي لديه إذن إلنهاء بؤسه تعيس فحسب بسبب ضعف عقله
وخطئه.
141
4 - 15والرجل الذي دخل مع الملك الذي أطلق السهام في صدور أصدقائه
والرجل الذي أطعم ملكه اآلباء بلحوم أطفالهم على حد سواء ،وأقول:
عدوا غري ًبا ينتقم لك بتدمير وطنك
«لماذا تتأوه يا مجنون؟ لماذا تنتظر ًّ
أو ً
ملكا قو ًّيا يلقف لك عو ًنا من بعيد؟ فأينما تولي هناك نهاية آلالمك،
هل ترى هذا الجرف؟ فطريق الهبوط هو الطريق للحرية ،وهل ترى هذا
البحر وهذا النهر وهذا البئر؟ الحرية تقيم هناك في أعماقه ،وهل ترى
هذه الشجرة القصيرة الذابلة غير المثمرة؟ الحرية تتدلى منها ،هل ترى
رقبتك وحلقك وقلبك؟ هم دروب الهروب من العبودية .هل المخارج
التي أعرضها لك شاقة؟ هل تتطلب قوة عقل؟ هل تسأل عن الطريق
الذي يؤدي للحرية؟ أي وريد هذا الذي في جسدك!».
1 - 16واآلن طالما لم نجد شيئًا ال ُيطاق يدفعنا في الحياة ،فينبغي علينا أن
نستأصل الغضب ،بغض النظر عما سيكون موقفنا في الحياة ،إن الغضب
ٌ
شكل لمن يخدمون في المناصب الثانوية مهلك ،وكل أعمال الضغائن
لتعذيب النفس ،وتحمل األوامر كلما كانت ثقيلة ومتواصلة كذلك،
وبهذه الطريقة يشد الحيوان البري عقدة الفخ وهو يهزها ،وبهذه الطريقة
تلطخ الطيور ريشها بالدابوق وهي تهز نفسها لتُلقى عليه( ،)301وال نير
محكم ال يضر المطيع بأقل من المتمرد ،إن التخفيف من اآلالم الجسيمة
هو تحملها والخضوع للقيود التي تفرضها.
2 - 18و َمن الخادم المحمول على هذا األمر؟ من غير كاتيلين Catiline
الذي وظف يديه في كل نوع من الجريمة؟ لقد ذبح ماريوس أمام قبر
شنيعا في
ً كوينتوس كاتيليوس ،Quintus Catulusلقد ارتكب خطأ
حق رماد الرجال الشرفاء ،وبالطريقة نفسها سفك دم ماريوس على
رماد هؤالء قطرة قطرة ،وهو الرجل الذي ضرب مثالاً سيئًا في سياساته،
ولكن ال يزال واحدً ا من الناس محبو ًبا بغير حق ،لقد كان ماريوس
جديرا بمعاناة هذه األمور التي كان سولال يأمر بها كاتيلين بعملها،
ً
144
ولكن لم تستحق األمة أن ُيخترق جسده بسيف األعداء والمدافعين
على حد سواء.
3 - 18لماذا ننقب عن أمثلة في التاريخ القديم؟ فمنذ زمن ليس ببعيد ُجلد
)309(Gaius
وعذب سيكتوس بابينيوس
ُ جايوس قيصر Caesar
( Sextus Papiniusابن القنصل السابق) وبيتيلينيوس باسوس
( Betilienus Bassusقسطوره الخاص – موظف روماني -وابن نائبه)
وآخرون وكل من أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان الرومان ،وليس
أثناء إجراء التحقيق بل ألنه شعر بذلك.
4 - 18وأكثر من هذا لم يتحمل تأجيل اللذة إال قليلاً ،حيث لحت عليه قسوته
بقدر هائل وفي التو ،وبينما يتجول نحو إقامة أمه( )310على طول ممشى
رواق من ضفة النهر ،وقطع الرأس بمصباح الذين ذكرته للتوٌ يفصله
برفقة الرعاة وأعضاء مجلس الشيوخ اآلخرين( ،)311لماذا كان بهذه
العجلة؟ هل ألن مهلة ليلة واحدة تهدد ببعض المخاطر العامة أو
الشخصية؟ باختصار ما كان يمكن أن ينتظر حتى الفجر حتى ال ُيقتل
رجال مجلس الشيوخ الروماني عن طريق رجل يرتدي زحافات(.)312
2 - 19وهنا سيقول امرؤ ما« :صفقة كبيرة! لذلك تقلب في استعمال الجلد
والنار على ثالثة من أعضاء مجلس الشيوخ كما لو كانوا معدومي
145
القيمة – شخص اعتاد التفكير في ذبح مجلس الشيوخ بأكمله ،وتمنى
أن يكون للشعب الروماني رقبة واحدة( ،)315حتى يمكنه التركيز على
أعماله الوحشية التي وزعت على مناسبات ومواقع عدة بضربة واحدة
في يوم واحد» ،وهل من شيء أشد فظاعة من تنفيذ اإلعدام في غطاء
الليل()316؟ فأعمال اللصوصية عادة ما تتخفى في الظالل ،والعقوبات
تزيد فاعليتها في النور بتشويه السمعة.
3 - 19وهنا سيقول لي امرؤ« :إن السلوك الذي يدعك متشو ًقا هو نظام يومي
بهيمي :يحيا من أجله ،ويشاهد من أجله ،ويحرق زيت الليل من أجله»،
وح ًّقا بما فيه الكفاية أن ال تجد أحدً ا غيره قد أمر بأن كل الذين حكم
بإعدامهم ملء أفواههم بقطعة إسفنج فلم يتمكنوا من النطق بصوت،
وهل من أحد على وشك الموت يأمن من التأوه؟ إنه خشي أن كربهم
صريحا غير معهود ،وأن يسمع ما ال يود أن يسمعه،
ً األخير قد ُينتج كال ًما
كان يعلم فوق هذا أن هناك عد ًدا ال ُيحصى من األشياء التي ال يجرؤ
على إلقائها في وجهه إال لحظة الموت.
4 - 19وعندما يتعذر توفير اإلسفنج ،يأمر بتمزيق المالبس البالية و ُتحشى بها
أفواههم ،فأي نوع من الوحشية هذا؟ دع البائس يعقد نفسه األخير،
ويمنح النفس طري ًقا لمغادرة الجسد( ،)317فال ُتصعدها بجرح غائر.
5 - 19والمفزع أن ُنضيف أنه قتل في الليلة نفسها آباء الرجال الذين قتلهم
-وكأنه يقول إن هذا الرجل الرؤوف حررهم من حزنهم -بإرسال
قادة حول منازلهم ،وليست غايتي وصف وحشية جايوس بل وحشية
أمما
الغضب ،التي ال تنفث غيظها على رجل بعينه في كل مرة ،بل تمطر ً
وأنهارا وكيانات محصنة من الشعور باأللم.
ً برمتها ،وتضرب مد ًنا
وسمى
َّ 1 - 20وكذلك قطع الملك الفارسي أنوف شعب بأكمله في سوريا،
146
المكان «األنف المبتور ،)318(”Dock-Noseهل تعتقد أنه اقتصد حين
لم يقطع رؤوسهم؟ ال ،إنه استمتع فحسب بنوع جديد من العقاب.
كبيرا من
جزءا ً
ً 4 - 20وال يزال الغضب يقود الملك المتهور -رغم أنه فقد
جيشه وأكل اآلخر -حتى إنه خشي على نفسه أن يجمعوا عليه ،ووقتئذ
أعطى شارة للتراجع ،وفي حين حامت الطيور النفيسة من أجله وحملت
الجمال لوازم أعياده ،مع أن جنوده كانوا يحددون بالقرعة َمن يموت
حيا في شناعة أعظم.
موتة شنيعة و َمن يبقى ًّ
1 - 21كان قمبيز غاض ًبا من أمة مجهولة وال تستحق ،بل بمقدورها اإلدراك
على األقل ،وكان قورش غاض ًبا من النهر ،وعندما كان يسارع في
مهاجمة بابل في الحرب ،وتحين الفرص لالستيالء عليها ،وحاول أن
147
واسعا لنهر جينديس – Gyndesوشيئًا ال يكاد يكون آمنًا
ً يشق طر ًيقا
حتى عندما يغيض النهر بحرارة الصيف ويقل فيضانه.
2 - 21وجمح أحد الخيول البيضاء التي تجر عربة الملك ،وتحرك بقوة،
وأقسم الملك أنه سوف ُينقص النهر الذي يحمل رفقاءه حتى النساء
سوف تتمكن من عبوره.
3 - 21وحول عند ذلك كل آليات الحرب لهذه النهاية ،واستقام العمل ،وقسم
المجرى الرئيس للنهر إلى مائة وثمانين قناة ،ووزعه على ثالثمائة
وستين مجرى ،وتركه يجف بتدفق المياه في اتجاهات مختلفة.
2 - 23لم يرث اإلسكندر هذه الرذيلة من جده وال حتى من والده ،فإن كان
لفيليب أي فضيلة في الحلم في مواجهة اإلهانات ،وهي أداة عظيمة
149
ونافعة لبقاء حكمه( ،)328فقد جاء ديموخاريس - Demochares
الملقب بـ‘المتكلم الحر’ لطريقته المفرطة للغاية في التحدث -إلى
فيليب مبعو ًثا مع أثينيين آخرين ،وبعد أن تسلم فيليب الرسالة ،قال
بلطف« :ما الذي يمكن أن أفعله ألرضي األثينيين؟» ،ورد ديموخاريس:
“اشنق نفسك”.
3 - 23وأثار هذا الرسول غير المتحضر سخط الجمع حوله ،ولكن فيليب
أمرهم التزام الصمت ،وأن يتركوا “ثيرسيتيس Thersitesالعظيم”
يمضي في أمان وألاَّ ُيضر( ،)329وقال« :والبقية من مبعوثيك يخبرون
األثينيين أن َمن يقولون هذا النوع من األشياء أشد عجرفة من الذين
سمع عنهم وتركهم بال عقاب».
6 - 23وسرد التاريخ الذي ألفه بعد ذلك ،ووضع الكتب التي تحتوي على
َ
يخش أحدً ا عداء مع قيصر ولم
ً إنجاز قيصر أوغسطس في النار ،وأقام
من صداقته ،ولم يهرب منه أحد كما لو كانت ضربته الصاعقة(،)333
وهناك َمن قدم له ملجأ بعد سقوطه المروع.
150
7 - 23وتحمل قيصر هذا بصبر كما قلت ،وحتى لم ينزعج بأن يهاجم ثناء
ِ
يشتك أبدً ا الرجل تيماجينيس الذي فاز به واألشياء التي حققها ،ولم
الذي استضاف عدوه.
8 - 23وقال أسينيوس بولليو فحسب« :إنه وحش شرس في متناول يدك C’est
،)334(»une bête farouche que tu as sous la mainوبما أن بولليو
استعد لتقديم عذ ٍر ،أوقفه أوغسطوس قال« :استمتع يا عزيزي بولليو،
استمتع!» وعندما قال بولليو« :إن كانت دعوتك يا قيصر سوف تمنعه
من بيته في الحال» ،قال أوغسطس« :هل تعتقد أنني سوف أفعل هذا
معا» .وألن بولليو قد غضب من تيماجينيس في نقطة
بعد عودتكما ً
بعينها ،وسببه الوحيد إليقاف غضبه معه هي الواقعة التي بدأها قيصر.
ٍ
امرئ لنفسه عندما ُيثار« :أنا لست أقوى من 1 - 24ولذا ينبغي أن يقول كل
فيليب ،ألست كذلك؟ ولكنه تعرض لإليذاء ،وال أملك السلطة في
بيتي الذي هيمن منه على العالم أجمع ،أليس كذلك؟ ولكنه كان راض ًيا
فحسب ألنه وضع مسافة بينه وبين الرجل الذي كان يهينه».
2 - 24لماذا ُأعاقب بالسياط واألصفاد عبدً ا تحدث بصوت ٍ
عال ومتحدٍّ للغاية،
ولم يرد على همس حديثي()335؟ و َمن أنا؟ فهل هي خطيئة أن يكدم
أذني؟ وكثير من الناس يتغافلون عن األعداء األجانب ،فهل يتغافلون
عن هؤالء الكسالى أو المهملين أو الثرثارين؟
3 - 24ويعذر الطفل لحداثة عمره ،والمرأة لجنسها ،والغريب ألنه حر ،وأفراد
بيتك لعالقتك العاطفية بهم .والمرء الذي يقترف اإلهانة ألول مرة :دعه
يتدبر متى وجد فضلك ،والذي يتعمد اإلهانة في مناسبات متباينة :دعه
يتحمل ما تحملناه .وهذا صديق :لم يقصد اإلهانة ،وهذا عدو :فما
ينبغي أن يفعل()336؟
151
4 - 24وثق في الذي تفوق مهارته ،وتغافل عن الذي ينحط غباؤه ،ودعونا نكرر
ألنفسنا في دفاعنا عن أي إنسان« :حتى أحكم الرجال لهم كبوات(،)337
حذرا ،وأال يجرب شيئًا
ً وال يتحرس أال ينسى في وقت بعينه أن يكون
ما أو آخر ال يرفع من كرامته في بعض األفعال القاطعة ،وأال يخشى أن
يتعرض إلهانة وهو ال يكبو في فعل مهين حتى لو حاول تجنبه».
3 - 25وهناك شيء بعينه ال يرقى إليه شك :هو أن َمن يترفع عن الذين يسعون
إلى إثارته يصرف نفسه عن الحشد ويقف مستطولاً ،إنها سمة للعظمة
أال تشعر باللطمة حين ُتضرب ،وتلك هي الطريقة التي ينظر بها الوحش
العظيم إلى نباح الكالب بال اهتمام ،أو الطريقة التي تقفز بها موجة
المحيط أمام الصخرة الكبيرة بال تأثر(.)339
4 - 25وهذا الرجل الذي وصفته اآلن يقف مستطولاً أكبر من غيظ يحمل ً
خيرا
ٍ
المرئ آخر« :افعل مغتنما ،وبالمقدور أن يقول للحظ ذاته ال
ً كما لو كان
152
ما بوسعك ،فأنت ضئيل ألنك تنكسف من هدوئي ،والعقل الذي وكلته
تجاه حياتي يمنع هذا ،فالغضب يمضي قد ًما إلى الضرر أكثر من الخطأ
– وكيف ال يمكن هذا؟ فالخطأ له حد بعينه ،أما الغضب فال أعرف أين
سوف يحملني».
1 - 26وأنت تعترض« :ليس بمقدوري تجنب وضع الخطأ على أنه أمر
فمن الذي يتحمل الغضب وال يتحمل
مرهق» ،أنت ال تقول الحقَ ،
الخطأ؟ وليس هذا فحسب ،فالطريقة التي تحمل بها تتحمل الغضب
معا ،ولماذا تتحمل وهن رجل مريض ومنتقم مهووس ولعب
والخطأ ً
طفل فظ؟ ألنه من الواضح أنهم ال يدركون ما يفعلون ،وهل يختلف
هذا عما يفعله أي امرئ أخطأ دون قصد؟ إن عدم وجود القصد يثير
نفس الدفاع في كل الحاالت(.)340
2 - 26إنك تمضي في قول« :حسنًا ،وهل ينجو من العقاب؟» ،ال ،حتى لو لم
يرتد عليه عقاب ،فإن العقاب األعظم فعله للخطأ الذي ارتكبه(،)341
وال أحد يعاني أكثر من المحكوم عليه بالندم.
3 - 26وعالوة على ذلك ،يجب أن نأخذ بعين االعتبار الشروط الرئيسة لحالنا
اإلنساني حتى يمكننا أن نقضي بعدل فيما ُيصيبنا :فالمرء الذي يوبخ
الناس بسبب رذيلة يتشاركها جميعنا غير عادل ،فاللون اإلثيوبي ليس
ُمميزً ا للصفة بين أنواعه ،وال اللون األحمر في كعكة الشعر غير الئق
لرجل من بين الجرمانيين :فإنك ال تقضي بسمة ملحوظة أو مميزة في
فرد يشيع امتالكها في أمته ،والسمات التي ذكرتها ممارسة شائعة في
منطقة بعينها ،وهي جانب للعالم ندافع عنه :ولنتأمل اآلن كم هو من
خارجا بين البشر جميعهم.
ً العدل أن نعفو عن تلك السمات التي تتفشى
« 5 - 26وهذا الرجل ضرني ،ولم أفعل فيه شيئًا بعد» ،ربما قد أضررت أحدً ا
بل ربما سوف تضره ،فال تأخذ في االعتبار هذه الساعة أو هذا اليوم
وتحقق من حال فكرك كلية ،حتى لو لم تفعل مثقال ذرة شر ،فلديك
القدرة على فعلها.
1 - 27كم كان يحسن أن يشفي اإلصابة بدلاً من أن ينتقم لها! فاالنتقام يهدر
كبيرا ،ويعرض ذاته إلصابات عدة بينما يشعر بالحزن على واحدة،
وقتًا ً
وكلنا يسرف في الغضب أكثر من الضرر .كم كان يحسن أن تأخذ
المسار المعاكس وألاَّ تجمع الخطأ لآلخر! فالمرء الذي يرفس ظهر
بغل أو ظهر كلب ال يبدو عاقلاً ،أليس كذلك؟
2 - 27إنك تعترض« :لكن هذه المخلوقات تقترف الخطأ دون عمد» ،في المقام
األول ،كم يظلم المرء الذي يجد إنسا ًنا عائ ًقا لعفوه! والمقام الثاني ،إذا
كان افتقارهم التعمد يعفي الحيوانات األخرى من غضبك فإن َمن يفتقر
العمد ينبغي أن يكون في القارب نفسه بقدر ما يهمك ،فما الفرق الذي
يحدثه هذا إن كان له بعض السمات األخرى خالف الحيوانات العاجزة
عن الكالم( ،)343وإن كان له سمة تعفي هذه الحيوانات بكل أخطائها:
حيث عتمة الفكر.
ً
خطأ :حسنًا ،هل كان هذا األول؟ أم األخير؟ وما من سبب 3 - 27إنه اقترف
لالعتقاد به إن كان يقول« :لن أعود لفعل هذا» ،ولن يفعل الخطأ
154
فحسب بل ُيخطئ اآلخر ً
أيضا ،وسوف يقضي حياته برمتها في مراغة
الخطأ ،ويجب معاملة المخلوقات غير اللطيفة بلطف.
5 - 27واآلن أضف حقيقة أنك تجرح نفسك وتتعلل بسبب تلو اآلخر لتبرر
األلم .سوف يرحل غضبك من تلقاء ذاته وتوهن قوته بمرور الوقت،
وكم يحسن بك أن تتغلب عليه بدلاً من أن يتغلب على ذاته.
2 - 28كم كان يحسن اآلن تكوين الصداقات وتلطيف األعداء ،وأن تخدم
المصلحة العامة ،وتحول طاقتك لالهتمامات المنزلية بدلاً من تتطلع
إلى تعمد إيذاء امرئ ما بضرره في وضعه أو فيما يملك أو في شخصه،
عندما ال يكون بمقدورك النجاح دون صراع مرير حتى لو كنت تتصارع
مع أقل الرجال!
155
3 - 28وافترض أنه قد ُيسلم لك في العبودية وعرضة ليعاني ما ترغب فيه:
وغال ًبا َمن يجلد يقوم بإخالل الكتف باستدعاء القوة المفرطة أو يجرح
العضلة بسنة مكسورة ،والنزوع للغضب ُيعجز كثيرين ويعيق كذلك
كثيرين حتى عندما يصادف هد ًفا غير قابل للتعديل ،وأضف اآلن حقيقة
أن ال شيء بطبيعته ضعيف حتى يفنى دون مجازفة بمن يسحقه ،واأللم
يساوي الضعيف باألقوى.
1 - 29من المخجل أن تكره اإلنسان الذي تحمده ،وكم هو مشين أن تكره أحدً ا
لسمة ُتكسبه شفقة( )345إن استبقى بعض آثار للحرية عندما يحجم في
العبودية لكونه سجينًا ولم ينجح في أداء مهام أساسية مطلوبة ،وإذا لم
156
يركض بسرعة حصان وعربة سيده؛ ألنه خمل بعد حياة مرفهة ،وإذا غلبه
النوم ألنه ُأنهك في قضاء أيام إلنهاء عمل ،وإذا رفض عمل الفالحة أو
لم يجابه العمل الشاق في المتجر عندما ُنقل إلى المدينة ،هنا تكون
عبوديته مثل عطلة!
2 - 29وينبغي أن نميز بين عدم القدرة وعدم الرغبة ،وسوف ندع كثيرين
يخرجون من الخطاف بمجرد أن نبدأ استعمال أحكامنا قبل أن نغضب،
ومع ذلك نتابع دافعنا األول( ،)346ومن ثم قد ُنستثار دون سبب جوهري،
ظلما ،هو
ونحن نثابر خشية أن نظهر أننا بدأنا دون سبب – وما األعظم ً
أن غضبنا غير المبرر يجعلنا أشد عنا ًدا( .)347ونحن نقبض عليه ونجعله
أعظم ،كما لو كان الغضب الشديد برها ًنا على أن المرء غاضب ح ًّقا.
1 - 30كم كان يحسن أن نلقي نظرة متأنية في هذه المراحل األولى ونرى كم
هي تافهة وأنها بال ضرر! وسوف تجد الشيء نفسه يحدث للبشر كما
يحدث للبهائم العاجزة عن الكالم :فنحن نستاء مما هو تافه وفارغ ،كما
ُيثار الثور من اللون األحمر ،وتندفع الحية لتضرب الظل ،وتثير قطعة
واألسد :وكل ما هو متوحش وشرس بطبيعته مضطرب القماش الدببة ُ
بأشياء ال قيمة لها.
3 - 30افترض أنه عامل آخر بسخاء :فعلينا أن نستمتع بما نملك دون عمل
157
مقارنات ،فالمعذبون بسعادة اآلخرين لن يسعدوا أبدً ا .وافترض أنني
حصلت على أقل مما آمل ،حسنًا ،ربما آمل أكثر مما ينبغي ،وعلينا
تدميرا
ً أن نتخوف من الغضب الذي ينشأ من هذا الجانب؛ ألنه األكثر
وأكثر ميلاً للهجوم على كل األشياء التي نقيمها بأنها مقدسة.
ألنه لم ُي ْر ِ
ض عنه()348 4 - 30انفض أشد األصدقاء عداوة ليوليوس المؤله
آمالهم النهمة ،بالطبع هو أراد – ألن ال أحد يستعمل أكثر من سخاء
النصر ،والذي لم يأمن منه شيئًا لنفسه سوى ما يهبه للعطاء -ولكن كيف
ُيرضي هذه الرغبات المتصلبة حيث نهم كل منهم مما في يد اآلخرين
بعد أن ملك ما في وسعه.
َ 1 - 31من يتطلع إلى ما يمتلكه آخر ال يسعد بما يملكه ،ونحن نغضب حتى
مع ما لنا؛ ألننا نضع ما لآلخرين أمامنا ،ونتغافل عن مقدار اإلنسانية
التي تقبع وراءنا ،وما يطارد الحسد البغيض إال الرجل الذي يحسد على
القليل ،وال يزال الناس غير متعقلين رغم كل ما يتلقونه ،وهم يحسبون
أنه كان من الممكن أن يتلقوا المزيد.
2 - 32ودع الزمن ُيقبل ونحن نمنح األوامر ،ونقيم اآلن الغضب عندما نتحدث،
وعندما يمر الغضب سوف نقول :ما القيمة التي ينبغي تقديرها للشكوى؟
ولهذا نحن نخطئ؛ حيث نلجأ للسيف وعقوبة اإلعدام ،فنستعمل القيود
والسجن والتجويع ألمر يمكن أن قد ينتهي بتوبيخ أخف.
3 - 32وإنك تعترض« :كيف نضع في اعتبارنا أن األشياء التي يبدو أنها تضرنا
تافهة وبائسة وطفولية؟» ،من جانبي أحدثكم على ما يعلي روحكم()352
ُ
وانظر كم هي منحطة وحقيرة تلك األشياء التي تدفعنا إلى الدعاوى أو
159
تمضي بنا لمثل هذا الطريق ،إنها الهية ومهترئة – تلك التي ال تظفر
ورائعا.
ً باحترام أحد يتخيل شيئًا نبيلاً
1 - 33وما من نهاية للصراخ حول المال :إنه ُيزيي المحاكم ،ويضع اآلباء
واألبناء على محك القتال ،وعلل لمزج السموم ،ووضع السيوف في
أيدي القتلة والفيالق على حد سواء .والمال منقوع بدمائنا ،فبسببه
تتالشى الليالي بين الزوج والزوجة في الشجار ،ويموج الرعاع على
أحكام القضاة وغضب الملوك ،ويهيمنون ويدمرون المدن التي بنيت
بكد القرون ،ويفتشون في رمادها عن بلبوعة فضة أو ذهب.
3 - 33وماذا عن عجوز صائر نحو الموت دون وريث ،أفرغ أمعاءه حتى ال
يحل كيس النقود -أوه ال ،فكيف يتعامل مع حفنة برونز أو كيف يعطي
دينارا نفقة()353؟ وماذا عن المرابي المعتلة يداه بالتهاب المفصل
ً العبد
ضجيجا على ما ال يذكر من
ً وأصابع قدمه غير الكفء للعد ،فهل يثير
فائدة – عشر واحد في المائة في الشهر ،وطالب المدين أن يتعهده عنده
حتى يمكنه المطالبة به وهو يهاجمه مرضه؟
3 - 34إن المسار الضيق يثير الشجار بين المارة ،ولكن الطريق الواسع المفتوح
على مصراعيه ال يسبب حتى تصادم األمم :ولكونهم تافهين ليس
بمقدورهم أن يمنحوا ً
امرأ بعينه دون أن يأخذوا من آخر ،واألشياء التي
تسعى نحوها لتحريض الناس يمشون خلفها للقتال والشجار.
1 - 35إنك تستاء من العبد والحر وزوجتك ورفيقك الذين يردون عليك ،ثم
تولي وتشتكي من أن حرية التعبير التي دمرتها في البيت قد مزقت بها
األمة ،أو على العكس ،إذا العبد الذي تستجوبه قد صمت فإنك تسميه
متحد ًيا.
2 - 35فدعه يتكلم ويصمت– ويضحك ً
أيضا! وأنت تسأل« :في حضرة
سيده؟» ،ال ،في حضور رب البيت( ،)356لماذا تصرخ؟ ولماذا ُنحدث
161
ضجيجا؟ ولماذا نذهب للسوط في منتصف العشاء ألن العبيد قد
ً
تحدثوا ،ألنك ال تملك في المرء والمكان نفسه الحجم المحتشد في
الجمعية والصمت محله المكان القفر؟
4 - 35وخذ اآلن ما قلته على أذنيك وطبقه على عينيك والتي ُتقمع بالقدر
نفسه بمشاعر االشمئزاز إذا لم ُتدرب على نحو حسن ،وهي ُتهان بالبقع
والوسخ والفضة التي تلمع بالكاد ،وبركة الماء التي ال تشف قاعها.
5 - 35وال شك أن هذه األعين ال تتحمل رؤية الرخام إال إذا كان متعدد األلوان
والمعا ،أو ترى منضدة إال إذا كانت تجزيعاتها حادة وكثيفة ،والتي ال
ً
ترغب سطح المنزل لتمشى عليه( )357ما لم تكن أكثر قيمة من الذهب –
فهذه األعين تنظر باتزان تام حين تكون في الخارج في األزقة الموحلة،
وفي فحش الناس الذين تقابلهم ،وفي الكتل السكنية التي تتآكل وتتشقق
وتتلوى .فلماذا إ َذنْ ال يسبب الشيء إهانة في الحالة العامة ويزعج في
البيت؟ ال يوجد سبب آخر سوى الحكم العادل والرزين في الخارج
ولكنه متحجر وصعب المراس في البيت.
2 - 36سوف يتوقف غضبك ويصبح أكثر قابلية للتحكم إذا عرف أنه يجب
أن يأتي للقاضي كل يوم ،وهل من شيء أدق من عادة التدقيق هذه كل
يوم؟ أي نوع من النوم يلي هذا الفحص الذاتي – وأي سالم وأي عمق
وأي حرية عندما ُيثني على العقل أو تنبيهه عندما يقوم الحارس السري
والمدرك بالتحقيق في شخصية المرء!
4 - 36إنك تتحدث في هذا النقاش بقوة :ومن اآلن ال تتورط مع أناس ال
يعرفون ما يتحدثون عنه ،الذين لم يتعلموا ال ترغب في تعليمهم،
لقد لمت الرفيق الذي فاقك في الصراحة ،ونتيجة لذلك لم تصوب له
فأهنته ،وفي المستقبل ال تتأمل فيما تقوله صوا ًبا بل فيما إذا كان من
تتحدث إليه يمكنه تجرع الحقيقة ،واإلنسان الصالح يبتهج بتوجيه اللوم
إليه ولكن السيئ يقضي وقتًا عصي ًبا في طرح التصويب.
5 - 37لقد نظرت إلى امرئ نظرة وقحة؛ ألنه تحدث عن موهبتك بسوء ،فهل
تقبل هذا كمبدأ للسلوك؟ وعندئذ لن تأخذ متعة يا إننيوس Ennius
وسوف يكرهك ،وسوف ُيعلن هورتينسيوس حالة من الخالف بينكما،
عدوا لك( ،)363وتهدف
وشيشرون الذي كنت تسخر من شعره سيكون ًّ
لمواجهة الناخبين باتزان مثل المرشح()364؟
ْ
«افترض أن أحدً ا أهانك :فلن تكن أسوأ من اإلهانة التي عاناها ديوجين 1 - 38
الرواقي ،أليس كذلك()365؟ حيث كان يحاضر عن الغضب فبصق
شاب على وجهه ،فنظر بلطف وحكمة قائلاً ‘ :لست غاض ًبا ،مع أني
164
أفكر أن أكون كذلك’.
فاضل()366
عندما ناقش قضية لينتولوس 2 - 38كان مواطننا كاتو Cato
Lentulusسيئ السمعة – رجل دولة متوحش ومثير للشقاق في عصر
آبائنا -فاستجمع ما استطاع من لزوجة في فمه وبصق على وجهه ،ومسح
كاتو وجهه وقال‘ :سوف أشهد الجميع أن الذين قالوا ليس لديك موهبة
مخطئون تما ًما’(.)367
1 - 39لقد نجحنا حتى اآلن يا نوفاتوس في تجريف العقل بطريقة جيدة :فإما
أنه ال يشعر بالغضب ،أو أنه أقوى من الغضب .وننظر اآلن في كيف
نلطف غضب اآلخرين؛ ألننا ال نريد أن نكون نحن سليمي العقل
فحسب ،بل نجعل اآلخرين كذلك.
2 - 39لن نجرؤ على استعمال الكالم الملطف في بزوغ الغضب فإنه أصم وال
يعقل ،وسوف نمنحه فسحة ،ونعمل المداوة في فترات التخفف ،وال
نختبر حالة تورم العينين إذا حركناها فسوف نفاقم القوة التي تسبب
ثباتها وتحديقها ،وينطبق األمر نفسه على أخطاء أخرى عندما تكون في
مظهر حاد :يكون العالج في المراحل األولى للمرض.
3 - 39وإنك تعترض بأن مداواتك تقدم أمور حسنة إذا سكنت الغضب عندما
يتوقف بالفعل من تلقاء ذاته ،وفي المقام األول إنها توقفه بسرعة ،وفي
المقام الثاني تحميه من االنتكاس ،ورغم أن المداوة ال تجرؤ على تهدئة
الهجوم األول إال أنها سوف تخدعه وتنحرف به ،وتلقي بكل وسائل
االنتقام بعيدً ا عن الطريق ،وسوف يتظاهر الغضب بما هو كما لو كان
مقاسما للعون في الشكوى؛ ألنه يملك سلطة في منح النصيحة ،إنه
ً
يغزل أسبا ًبا للتأني وعلة للغضب؛ ليؤجل االنتقام الحالي بينما يبحث
عن شكل أشد في الضرورة(.)368
165
4 - 39وسوف نستعمل كل خدعة لنمنح الغيظ فترة راحة ،وإن كان الغضب
قو ًّيا على مقاومته فإما أن نخجله وإما أن نخيفه( ،)369وإن كان الغضب
ضعي ًفا ً
نوعا ما فسوف نقدم موضوعات جديدة أو مبهجة للحديث معه،
وكذلك نصرفه باستغالل الحماسة في التعلم ،وهنا قصة :عندما اضطر
الطبيب إلى عالج ابنة الملك ولم يستطع إجراء الجراحة ،غطى المشرط
بقطعة إسفنج وأخذ ُيحمي ثديها المتورم برفق ،مع أن الفتاة ناضلت من
أجل أال تجري العملية بشكل صريح ،إال أنها تحملت األلم؛ ألنها لم
تتوقعه ،فبعض األشياء قد تلتئم بالخداع.
ٍ
المرئ سنحت له قوته للتصرف مع الغضب وعالجه 5 - 40هذه هي طريقة
تقري ًبا من منطلق سموه -ولكن نوع الغضب الذي نصفه :وحشي
وشرس ومتعطش للدماء ،وغير قابل للمداوة إن لم يعطه شيئًا يفزعه
ح ًّقا؟
« 2 - 41ولكن الركض العام للناس يعجب ذوي الروح العالية ،و ُيحترم التهور
حين ُيعتبر الهدوء مثل الرخويات» ،وللوهلة األولى ربما بل اتجاه
حياتهم أقرب إلى سالم العقل وليس تباطئه ،والركض العام نفسه للناس
يبجلونه ويقدسونه.
3 - 41وإن االنفعال العدواني والمشحون ال فائدة منه ،بل على النقيض تما ًما
يحمل كل شر– النار والسيف .وبمجرد أن يمرغ الغضب شعور الخجل
167
تحت قدميه ،فإن يديه تخران بالذبح و ُتقطع أطراف األطفال ،وال يترك
شيئًا خال ًيا من الجرم ويتغافل عن المجد ويصير غير قابلٍ للتطويع
بمجرد أن تدب فيه الكراهية(.)373
ٍ
امرئ أن يقول لنفسه 2 - 42إن أفضل ما يالئمنا هو تأمل فنائنا ،وعلى كل
ولآلخر :ما الخير في خصامنا ،وهل ولدنا لنعيش لألبد؟ وهل نضيع
حياتنا المقتضبة التي وهبنا إياها ؟ وماذا لو أنفقنا األيام على متعة نبيلة
وكرسنا لها أحرى من عذاب يكرب اآلخرين؟ وهذه االهتمامات الحقة
فضاء ُنضيعه.
ٌ وقت
لك ال تحتمل الخسارة ،وليس لدينا ٌ
لم نندفع نحو القتال؟ ولماذا نخلق الصراعات ألنفسنا؟ ولماذا نتغافل
َ 3 - 42
عن ضعفنا ونتذكر الخالفات الواسعة؟ ولماذا ننهض لسحق آخر في
حين من األيسر أن نسحق أنفسنا؟ وسوف تحرمنا الحمى في زمن ما
أو بعض أمراض أخرى من أن نؤجج هذه العداوة التي نقبض عليها،
وسوف ُيقبل الموت لحظة ما بين المقاتلين األشاوس ويمحيهم لألبد.
معا
ثورا ود ًّبا مقيدين ً
2 - 43وفي ساحة العروض الصباحية غال ًبا ما ترى ً
ويضطران للقتال :وعندما يتملك أحدهما اآلخرُ ،يسلم كالهما للجالد
ً
مرتبطا بنا(،)377 المنتظر( ،)376ونحن نفعل الشيء نفسه عندما نثير ً
امرأ
لذا سنؤول لنفس النهاية -في الحقيقة ليست من مسافة كبيرة – للمنتصر
والمهزوم .وعلينا أن نقضي الزمن القليل لحظاته في سالم وسكينة :وال
أدع أحدً ا ينظر لجسدي بكراهية عندما يرقده الموت.
3 - 43وغال ًبا إنذار النار التي اشتعلت عند الجيران ما يحسم مشاجرة،
وظهور الوحش البري على المشهد ما يبعد اللصوص عن عابر
وقت نقضيه في شرور أصغر ونحن نراقب
ٌ الطريق ،وليس لدينا
رعب أعظم ،فما الذي نجنيه من الصراع والغدر؟ فهذا الذي تغضب
منه –أتتمنى له شيئًا أسوأ من الموت أليس كذلك؟ إنه سوف يموت
دون أن يحرك فيك شعرة ،إنك ُتضيع جهدك إن أردت أن تتسبب فيما
ٍ
ماض على أي حال. هو
4 - 43أنت تعترض« :لم أن ِو ح ًّقا قتله ،بل أن أجعله يعاني المنفى والعار
عدوا أحرى
والفقدان فحسب» ،إنني أتفهم تما ًما َمن يريد أن يجرح ًّ
قرحا :وهذا ليس كبائر عقل شرير بل صغائر ،ولكن سواء
من أن يمنحه ً
أكنت تفكر في عقاب أسوأ أو شيء معتدل ،فالزمن أقل من أن ُينجز فيه
هذا ،وإما أن تعذبه بعقوبته أو تأخذ منه المتعة الخبيثة!
169
5 - 43وفي أي لحظة سوف نلفظ نفسنا األخير ،ربما ونحن نتنفس بين رفقائنا،
بشرا ،دعونا ال نسبب خو ًفا ألحد وال
دعونا نتعلق بالصفات التي تجعلنا ً
نعرضه لخطر ،دعونا نتعالى عن الضرر والفقدان ،ونتعالى عن اإلساءة
واالحتقار ،دعونا نتحمل العوائق الصغيرة بشهامة ،فالمأثور يقول(:)378
«الموت في مرفقنا أقرب مما نلتفت إليه ويدور حولنا».
170
الهوامش
• -االسم الذي أطلقة الرومان على كل شبه الجزيرة األيبرية.
ُ -ألف كتاب عن الغضب بعد عام 41م عند اغتيال اإلمبراطور جايوس (كاليجوال) 1
( )cf. 1.20.9وقبل عام 52–51عندما كان نوفاتوس برو قنصل أخيا ولم يكن معرو ًفا
باسم نوفاتوس ،واكتسب اسم لوكيوس أنيوس جاليو أننينيوس Lucius Iunius Gallio
Annaeanusبالتبني ،ولم يعطِ سينيكا أي عالمة على أنه يكتب من المنفى الذي عانى منه
عام ،49–41ويبدو في 37–3.36أنه يعكس حياة رجل يعيش في روما ،ونفترض في
هذه الحالة أن سينيكا كتب هذا الكتاب في 41بين موت جايوس ورحيله للمنفى ،أو بعد
فترة قليلة من عودته 49م راجع .Griffin 1976:398وإنني أتفق مع الشراح المعاصرين
وجمع بعد مرحلة كتابته مع
مجتمعا في وقت واحد ،راجع هامش ُ ،18
ً أن الكتاب كتب
تسعة أعمال أخرى قصيرة ،وكانت المجموعة بعنوان مضلل وهو «محاورات» ،ووجد
بين الكتب من .5- 3
-عن خريسبوس انظر ،Tieleman 2003وعن شيشرون انظر ،Graver 2002aوأصل 2
االصطالح :وهو ما ُيطلق عليه اليونان ‘باثيا ’pathēوالمعروف في اللغة اإلنجليزية
بـ‘االنفعال ،’ passionsوأطلق عليه الرومان ،adfectûsوالمعروف في اللغة اإلنجليزية
باألثر ،affectsوهي ال تستقيم مع كلمة ‘المشاعر ’emotionsفي اللغة اإلنجليزية عندما
يتعلق األمر باستعمال الرواقية ،واصطالح ‘مشاعر’ مجازفة ملتبسة ألنه يتضمن كلاًّ من
المدان باثيا كأخطاء مثل (الغضب والحزن والخوف) واالنفعاالت الخيرة
االنفعال ُ
eupatheiaiالتي يمر بها الحكيم مثل (الفرح) .ومن أجل الوضوح سوف أستعمل
اصطالح ‘انفعال ’passionعند اإلشارة إلى التجارب المؤثرة التي يهتم بها سينيكا –
أخالقيا لغير الحكمة -حتى حيث يبدو المصطلح غري ًبا عندما يختبر
ًّ التجارب المعيبة
171
مقابل االصطالح اإلنجليزي الحديث.
-في بعض مواطن تحول الكتاب ،عانى الكتاب األول فقد جزء من بدايته :وانظر 3
1.2.3حول تنظيم المناقشة النظرية ،وانظر مالحظات الكتاب األول والثاني حول
تنظيم المناقشة العالجية وانظر المالحظات على ،31.1 ،26.1 ،22.1 ،2.18.1
.10.1 ،5.2 ،3.1.1 ،31.6
4 - Graver 2007. For more on the Stoics and the passions, beyond the works
cited in n. 2 above, see also Inwood 1985:127–81, Frede 1986, Nussbaum
1994:316–401 (cf. also the “neo-Stoic” treatment of the passions in
Nussbaum 2001), Striker 1996:221–80, Brennan 1998, Irwin 1998, Cooper
1999:449–84, Sorabji 2000, Long 2002:244–54, Brennan 2003, Knuuttila
2004:47–80, Brennan 2005:82–113, Gill 2006:207–90. Many of these studies
necessarily touch on Seneca, but for studies devoted specifically to his moral
psychology, see esp. Fillion-Lahille 1984, Rist 1989, Nussbaum 1994:402–83
and 2001: 354–400, and Inwood 2005, esp. 23–64; Cooper and Procopé
1995 provide another, excellent translation of On Anger. On ancient views
of anger more generally, see Harris 2001 and Braund and Most 2003.
-لالطالع على الموضوعات التي ُحذفت أو النظر إليها انظر ( 1-20موافقة الضعيف 5
مقابل القوي )( 2-6 ،االنفعاالت الخيرة للحكيم).
-مذهب ‘المناسبة’ وراء محاسبة اهتمامنا ،وهو يعمل حجر زاوية في الفكر االجتماعي 6
الرواقي بتوضيح كيف ُنقبل على اآلخرين كموضوعات موازية الهتمامات أنفسنا :انظر
،2.31.7وعن الرحمة ،1.13.4 nnوراجع .section 4 below
-حول ‘القياس البائس ’pathetic syllogismانظر Graver 2002a:90–93 and esp. 7
.Graver 2007:35–60
فكرا
-نحن نتفق على أن اصطالح ‘انطباعات ’impressionsفي الفكر الرواقي ليس ً 8
في شكل قضوي في نسق النتائج بل كل االنطباعات تتعلق باالنفعاالت (وأي شكل آخر
للفعل الطوعي) ويجب أن تكون قابلة للتعبير عنها في قضايا ،ويجب أن يطابق االصطالح
الرواقي اللكتون– المعبر عنه .lekta
-ألن الرواقيين نظروا إلى العقل على أنه كيان فردي متكامل يضم قدرات عدة (على 9
سبيل المثال الحواس والقدرة على الكالم) ،ولم يتعامل مع االنفعاالت على أنها جزء
منفصل عن الذهن ،ومختلف عنه وفي صراع مع العقل ،والعقل مجرد فعل طبيعي للذهن
172
واالنفعال مجرد أفعاله في صورة ‘معتلة .’diseased
-بما أنه ‘مبهج ‘ delightفهو توسع ال عقالني للذهن في حضور الخير 10
الخاطئ ،وبما أنه ‘كارثة ’distressفهو تفاعل ال عقالني للذهن في حضور
الشر الخاطئ ،وبما أنه ‘رغبة ’desireفهو توسع ال عقالني من منظور الخير
الخاطئ ،وبما أنه ‘خوف ’fearفهو تفاعل ال عقالني من منظور الشر الخاطئ.
Cicero Tusculan Disputations 4.14ff., Diogenes Laertius 7.111ff., انظر
Stobaeus 2.7.10, [Andronicus] On the Passions 2ff.Anger, as we are about to see,
.is a species of “desire
-من الضرورة أن نؤكد أن الرواقية تنظر إلى االنفعاالت على أنها شر ليس بسبب 11
الطريقة التي تجعلنا نشعر بها أو حتى بسبب ما تجعلنا نفعل به ،بل بسبب األحكام
الخاطئة التي يعتمدون عليها ،فالرواقية ليسوا أعداء للمشاعر بما هي عليه ،فكل عقل
ظاهري لتجاربنا االنفعالية
ٌّ يفترض ‘انفعاالت خيرة’ (يحدث أحدها ليوجد) ،وهو تماثل
المشتركة ،انظر .Graver 2007:51–58
-لتعريف سينيكا انظر .b n 1.3 12
-كما تقف في عربة مترو مزدحمة تثبت أوضاع اليد ذاتها على مؤخرة العصعص 13
فتنعكس على انقباض عضالتك وتوسيع عينيك وارتشاف أنفاسك– حركات تتوافق مع
‘الهزة’ العقلية األولية ،تختبر لحظة قبل أن يحدد الفكر السبب مثل بعض أنواع اإلساءة.
-انظر .1.7.4 nلهذا الوصف وغيره يتضح أن االنفعال الذي يتداوله سينيكا يتماشى 14
تراثيا،
ًّ أفضل في اإلنجليزية مع كلمة “ rageأكثر من ،"angerولكن األخيرة متداولة
وأنا أستعمله على الدوام.
-يمكن أن يطلق على هذا انطباع ‘اندفاعي ’impulsoryأو ‘نمائي ’hermetic؛ ألنه 15
يقدم االستجابة المؤثرة مع دافعها ،impulseوهو في الالتينية ،impetusوفي اليونانية
،hormēرغم أنها ال تدفع لفعل بعينه (على سبيل المثال االستيالء على سكين بدلاً من
بندقية) ،وللنظر في القضية األخيرة انظر .Vogt 2006
قصاصا ومجرد عقاب انظر ،1.12
ً -حول االختالف يميز سينيكا بين الغضب لكونه 16
.16–14
5.1–3.1.3 .17 -هذا القسم يتكرر في .2–1.1 17
173
-قد دفع هذا التحول البعض في التفكير بأن الكتاب الثالث قد ُكتب في فترة متأخرة عن 18
واضح عن
ٌ سبب
كثيرا (وليس هناك ٌ
الكتاب األول والثاني ،ولكن هذا االفتراض ال يتضح ً
لماذا استأنف سينيكا الكتاب الثاني بعد توقف) وهو ما لم يكن ضرور ًّيا على اإلطالق،
لم يشغل سينيكا نفسه بالتخلي عن وقاحة الغضب ،ويمكننا أن نعتبر الكتب الثالثة كلاًّ
واحدً ا رغم أن بعض أجزائها غير منظم.
-االستطراد يتضمن ملح ًقا موجزً ا عن االنتحار ( )4–3.15.3ومتماش ًيا بوعي للذات 19
بشكل مطول في ( ،)cf. 3.19.1ومناقشة الغضب المضني عندما يجربه الضعيف والقوي
( )21.5–3.16.1والحكايات في 7–3.12.4تتعامل مباشرة مع غاية تقييد الغضب
الذي بدأ بالفعل.
-وكما تشير المراجع هنا ،يقدم سينيكا في الكتاب الثالث عدة نصائح ليست نسقية بل 20
بطريقة طيران النحل بين الزهور (وكذلك المثل في الرسائل األخالقية 4-84رغم أن
النصيحة المعطاة هناك – تقطر كل األفكار المنفصلة في كل متماسك -وليست متبعة في
الكتاب الثالث).
-مالحظات سينيكا حول تربية الطفل مثيرة لالهتمام ( ،)21.9–2.18.2وتمنع 21
الطفل من تنمية التصرف الغاضب ،والذي يقع فيه معظمهم ،وتشدد على ضرورة تثبيط
اإلرادة وغرس التقييم المعقول في الطفل الذي يقيم به عالقته باآلخرين.
-هذه الحجة السالبة لها ما لإلسهام الموجب :فالحلم يجعلك أكثر إثارة لإلعجاب 22
(.)3.25.4
-الحظ أنه حتى مع االنطباع الجديد ال يتعامل سينيكا في عالجه مع ما تتخذه الرواقية 23
كقضية فعلية ،والحقيقة قد يتصور االنطباع على نحو خاطئ :فإننا نرى شيئًا يحدث
وانطباعنا له يتضمن تصورات مثل ‘طفرة’ أو ‘إساءة بسيطة’ ،في حين ينبغي أن نرى
فقط “أن كذا وكذا بصق على وجهي” وليس أكثر .وإنني مدين لمارجريت جرافير؛ ألنها
لفتت انتباهي لهذه النقطة وصوبت لي َ
وأ ْث َرتْنِي في نقاط أخرى.
-هذا الغضب ال يدخل في مبدأ “وف ًقا للطبيعة” الذي دخل في المناقشة النظرية في 24
،1.5ومناقشة العقاب في 16-14 ،1.12تؤكد أن العقوبة عالج ورادع وليست
تقليصا ،وتهاجم فكرة االنتقام خير.
ً
-راجع “ 2.31.3باطن كل منا عقل ملك ،يود أن يكسب حرية كاملة للفعل وال يود 25
174
أن ُيستعمل ضده”.
.esp. 2.18.1, 26.1, 31.1 - 26
تنظيما من الناحية
ً -هذه سمة تخص الكتاب الثالث ،وهي البالغة المفرطة ،وهو أقل 27
تكرارا.
ً النسقية وأكثر
-يتكرر هذا في الكتاب الثالث ،وانظر ،6–12.5 ،11.4 ،11.2 ،9.2 ،3.8.6 28
.4–40.2 ،38 ،30.4 ،23.8–16.3 ،15.2–14.1 ،13.3
- 29تضحية الوقائع على سبيل المثال .nn 2.5.4 ،1.11.5ولغة غير تقليدية ،1.1.6
.nn 1.7.2ومناقشة دقيقة عند .Inwood 2005:41ff
من اليونانية Inwood -ويعني التحدث إليهم بلغتهم اختيار الفلسفة باللغة الالتينية بدلاً 30
.2005:13ff
31 - See esp. 2.31.7nn.
Oxford -النسخة اإلنجليزية التي تلتها تعتمد على طبعة ُأكسفورد الكالسيكية 32
Classical Texts edition by L. D. Reynolds
-بعد التوكيد على الطبيعة المروعة للغضب وعواقبه ،يصف سينيكا الغضب في 33
الفقرات ( ،)3،2،1ويعالج بعض األمور التي تتعلق به في الفقرات ( ،)3.4- b 3.2ثم
محرجا للرواقية ،عن إذا كان الغضب يوجد ‘وف ًقا للطبيعة’ (،) 6.5
ً أمرا
يضع على كاهله ً
نافعا ( ،)13.7وتواجه كلتا الحالتين اعتراضات
وهو تساؤل يتعلق بإذا ما كان الغضب ً
متوقعة .ومن ثم يمتد الكتاب في نهايته إلى مناقشة عالقة الغضب بالعدالة (§§)19–14
وعظم الروح (§§ )21–20وتستدعي هذا المناقشات السابقة والمختصرة بعالقة
الغضب بالشجاعة (§ )4–7.1والتفاني األسري (.)5–12.1§ :pietas
- 34يستعمل سينيكا كلمة دافع impetusأكثر من عشرين مرة في رسالة الغضب؛ ليدلل على
السعي الحثيث أو حركة العقل التي تدفع السعي ،أما بالنسبة لجميع الحيوانات باستثناء
المراهقين (ألن المراهقين حين يحكمون أو يعتقدون ال يأخذ بهم ،)2.16.1والحركة
الذهنية هي مجرد ‘اندفاع’ بالمعنى العام لالصطالح ،واستجابة لبعض االنطباعات التي
ال تنطوي على التزام بحقيقة االنطباع ،2.1.1الدافع المقابل ‘للحكم’.
-إن إرادة الغضب سمة مدمرة للنفس وهي من بين الموضوعات الشائعة :انظر التشبيه 35
في نهاية الجملة التالية وكذلك §§ .5.6 ،3.2 ،3.2.6 ،2.35.5 ،،5.2وهذه
175
النقطة مهمة من الناحية الفلسفية :ألن إرادة الغاضب في ضرر نفسه تناقض دافعنا الفطري
للحفاظ على النفس ( ،)2.31.7 n.ويؤكد الرأي القائل بأن الغضب ال يتساير مع مبدأ
“وف ًقا للطبيعة” (§.)11.8 .5.2ff
-يتحدث هنا عن ‘الجنون’ بمعناه المعتاد ،ومعادلة هذا الجنون بالغضب أمر شائع 36
()e.g., Moral Epistles 114.3 with Otto 1890:177؛ ألن الرواقيين يرون أن ما دون
الحكماء فهم ‘مجانين’ (مرضى) ،واألحكام الخاطئة ‘للمجانين’ (كلنا تقري ًبا) تجعلهم
يعانون من االنفعاالت الشائعة.
37 - Cf. 2.19.3, 5 and Aristotle On the Soul 403a30f.
3.4.2 .Cf -تتشابه الفقرة حين يكون المقصود تصدع المفاصل. 38
جزءا من شعر ملحمي؛ ألن االقتباس ليس
-إذا كان النص سليمًا ،فيبدو أن سينيكا اقتبس ً 39
به عالمة مميزة كالتى استعملها سينيكا في cf. §12.5 (proverb), 2.9.2وهو (خالصة
شعرية).
-وسرعان ما ينكر سينيكا الغضب على الحيوانات ،وال يمنعه الموقف الرواقي األصيل 40
( )§3.4ff.من أن ينسبه إليهم ،حيث إن موضعه الخطابي في التوكيد على فظاعة الغضب
بعبارات منطقية مألوفة لجمهوره.
-ربما كان هناك أمثلة محددة في ذهن سينيكا لما يأتي ،ولكن عندما يعرض في عمل 41
قائمة من هذا النوع فإنه يهتم بشكل رئيس بتجميع أمثلة غال ًبا تكون واضحة esp. 2.9.3,
.3.2.3f
حرفيا “رداء الحداد للمتخاصمين بالتناوب” ،ويتصنع الروماني في المحاكمة الحداد
ًّ - 42
ليلمح لمصيبته ويستثير الشفقة ،وهنا يفكر سينيكا في األعداء الذين يديرون نزاعهم
بتقديم بعضهم للمحاكمة.
يبدو أن سينيكا يشير إلى الدعائم األولى التي أسسها سولال 81ق.م وتكررت في ظل 43
حكم حكومة الثالثة 43ق.م :وفي هذه الحالة لن يكونو األشخاص ذواتهم ( قادة القوم
)leading men’s headsالذين بيعوا في المزاد بل ممتلكاتهم التي صودرت عندما فقدوا
حقوقهم المدنية (وهو معنى آخر لرأس المال).
-يعني سينيكا مد ًنا مثل أرجوس Argosوميسنيا Mycenaeوتروى Troyوهي مدينة 44
الملك بريام في األسطورة الهوميرية التي حاصرها اليونانيون خالل حرب طروادة ،وكان
176
دمرت المدينة ُ
وأبيدت في منتصف القرن الثالث ُينظر إليها على أنها مدينة أسطورية ،وقد ُ
عشر قبل الميالد ،وهي فترة تزامنت مع الحضارة الميسنية.
‘ -مقدس ديني ’Sacrilegious؛ ألن البرتوكول الملزم للضيف والمضيف كان عقوبة 45
دينية ،راجع .Alexander’s murder of Clitus, adduced at 3.17.1
-ربما يتذكر سينيكا البرايتور سيمبرونيوس أسيلليو Sempronius Asellioالذي ُأعدم 46
دون محاكمة في 89ق.م أثناء تضحيته في المنتدى.
-وكان هناك فجوة كبيرة في مخطوطات السابقين في هذه النقطة ،وامتدادات الكتاب 47
التي تبلغ اآلن (حوالى 9300 ،7600 ،5600كلمة على التوالي) تفترض حتى إذا كان
الكتاب األول في األصل أقصر من الكتاب الثاني ،فبالقدر نفسه الكتاب الثاني أقصر من
ولكن اثنين من الك َّتاب
َّ الكتاب الثالث ،والمقدار المفقود من الكتاب مئات الكلمات.
الالحقين اقتبسوا أو أعادوا صياغة المادة المفقودة ،وأعطوا فكرة عن محتوياتها :وهما
the Anger of خالصة القديس مارتن الراجي في شروحه على كتابه الغضب الرباني
God (ca. 315 CEالذي واصل في توضيح مظاهر االنفعاالت .والثاني الكتانتيوس
Lactantiusالذي اقتبس أربعة تعريفات ذكرها سينيكا.
-كانت زوجة األب الرومانية قاسية بشكل نمطي مثل زوجة األب الشريرة في سندريلال. 48
- 49واصل نص الكتانتيوس يشير إلى تعريف أرسطو الوارد في § 3.3أدناه ،وبالتالي
‘ضررت الموقع النسبي الضامن لتعريفات سينيكا الثالثة في النص األصلي ،وبما أنني ُ
ظلما .’inique laesumويتداخل التعريفان األول ’ iniuriaيعني بالتحديد ُ
‘ضررت ً
والثاني جوهر ًّيا :وربما يعرض سينيكا التعريف األول –مألوف دون أصل فلسفي
بعينه -كعبارة عامة للمفهوم ،ومن ثم يختزل الثاني من Posidonius of Apamea’s
) ،On Anger (frag. 150 Edelstein-Kiddوكتعريف رواقي دقيق يوضح أن الحكم
Cicero Tusculan Disputations 4.21, يستلزم ‘أنك تعتقد ’you reckonراجع
،SVF 3.395–97والتعريف الثالث يؤكد القصد (أو الرغبة في القيام بكذا) ومن
رواقيا (Procopé 1998:176f., citing Philodemus On
ًّ المحتمل أن يكون تعري ًفا
) Anger XL.32ff., XLI.40ff.ويتفق مع ما يؤكده سينيكا عن القصد (،3.1§ see
.)26.1 ،3.12.2 ،30.1 ،2.26.4وتوضح المالحظات التالية لسينيكا أنه يجعل
الغضب على أنه رغبة قوية في العقاب (،)cupiditas poenae, §2.5; cf. §§3.2, 5.3
ظلما.
ر ًّدا على أنه تضرر ً
177
-عندما يستأنف النص المرسل يعالج سينيكا االعتراضات المفروضة التي تركز على 50
الفهم الصحيح لكلمة ‘الخطأ ’iniuriaوهي موضوع الغضب.
-ليس غض ًبا بل يشبه الغضب” يطلق عليه هكذا؛ ألنه ال يستجيب لخطأ ،ولكن ما 51
Cyrus’s anger at the river يشبه الخطأ ،راجع عضب كاريوس في نهر جينديس
.4–3.21.1 ،Gyndes
فنيا وهو األنواع ويساويه بكلمة فانتازيا phantasiaاليونانية،
مصطلحا ًّ
ً - 52يستعمل سينيكا
ليدل هنا على انطباع تقويمي ( ليس عدلاً “ أنني ُضربت” ولكن “بل ُضربت خطأ”)،
فالبالغ يوافق بعقالنية (ولو كان خطأ*) على هذا االنطباع ،ولكن األطفال عاجزون عن
الموافقة بعقالنية ،وكذلك الحيوانات (§ ).3.4nال تجرب انفعاالت حقة.
- 53رد سينيكا هنا ضعيف ،ويعتمد إلى حد ما على االنحدار اللفظي الموجود في االختالف
بين مجرد ‘ضرر ’ laedereو‘خطأ ’iniuria؛ ألن المذهب الرواقي يرى أن الشر الحق
يكمن في إجراء خيارات أخالقية خاطئة سواء أكانت نتيجة االختيار تقوم بعمل فعال
شرا يمكن أن ُيقال عنه ُ‘مضر” ،ويمكن أن يقال عنه ‘مرتكب للخطأ
أم ال ،ومن يقصد ًّ
بالفعل’ وهو أقل في الوضوح ،ومن الغموض أن قصده الشرير ‘يضر’ شخص آخر.
-القدرة هي في عقولنا حيث يكمن الشر الحق ،انظر المالحظة السابقة. 54
-وكما هو الحال في مثل هذه السياقات كلمة ‘لنا ’nostraتعني ‘ما ُينسب للرواقيين’ 55
مثل ‘نحن ’nosتعني ‘نحن الرواقيين’ ،والتعريف المنسوب إلى أرسطو هنا مثال في
كتاب النفس ألرسطو ،On the Soul 403a30fكما أن هذا التعريف يؤدي إلى تعريفات
أخرى للغضب عند أرسطو في كتب Rhetoric 2.2.1 1378a31–33, Nicomachean
.Ethics 5.8 1135b28–29
-وتفترض االختالفات المهمة أن أرسطو تحدث عن ‘ألم ’painدون الرجوع إلى قصد 56
الفعل أو رغبة الضحية.
-ألن االنفعاالت عند الرواقية تعتمد على موافقة االنطباعات التي يمكن التعبير عنها 57
كقضايا ،وألن الحيوانات (مثل الرضع) تفتقر اللغة ،ال يمكنها تجربة نوع االنطباع الذي
يشرع فيه الغضب .Cicero Tusculan Disputations 4.31
58 - Ovid Metamorphoses 7.545–46.
-االصطالح الفني الرواقي (مبدؤها الحاكم regium illud et principaleيساوي 59
178
،)hēgemonikonويشير إلى القدرة الرائدة للنفس(والقدرات األخرى هي الحواس
الخمسة ،وقدرة التكاثر ،وقدرة الكالم في البشر) :وتقع في الصدر ،وتنتج االنطباعات
(Aëtius 4.21.1–4 = LS 53H, cf. والموافقات واإلدراكات الحسة والدوافع
،)2.36.2n.وهو بما عليه أقرب إلى ‘العقل’ في معنانا.
- 60هذا هو االختالف بين االنفعال ‘الحادث’ (عارض لغضب مجرب بالفعل) و‘التصرف’
انفعالي ،وهو سمة شخصية راسخة تتضمن الميل لتجربة تمنح االنفعال ،راجع Cicero
.Tusculan Disputations 4.27–28
- 61صنف الرواقيون االنفعاالت بأربعة أنماط :البهجة أو الشدة (فيما هو حاضر) والرغبة أو
الخوف (فيما يخص المستقبل) ،انظر مقدمة الغضب ”introduction, n. 10. “Anger
واألنواع المرتبطة بأنواع الرغبة.
-تجيب الرواقية على السؤال األول بـ 6–5وتحدد إجابة السؤال الثاني بـ .13–7 62
-يشير سينيكا إلى الموجود اإلنساني homoهنا ولألسفل ،وبالمعنى الرواقي المعياري 63
“الموجود اإلنساني على ما ُيسمى” ،وهكذا فإن قول إن البشر على استعداد للتضحية
تجريبيا
ًّ بذواتهم من أجل اآلخرين قول حق؛ ألن الرواقيين ال يتحققون من الواقع
(وربما يكونون كذلك) بل يصفون السلوك بما يوافق طبيعتنا كبشر .وأهم عنصر في
األنثروبولوجيا الرواقية هو االعتقاد بأن البشر “ قد ولدوا ليمنحوا العون ويتلقوه” ،وتأتي
(2.31.7; cf. 3.5.6, On Clemency هذه السمة من كوننا “ولدنا بميل لالجتماع”
.)1.3.2, 2.5.3, 6.3وهذه ‘القدرة االجتماعية الطبيعية’ لنا (cf. esp. Cicero On Ends
)3.62ff., On Appropriate Actions 1.11–12, 158, 2.73تدعم حجة أن الغضب
‘مضاد للطبيعة’ واألخالقية اللمبنية ما تستثيره العالجات في الكتاب الثاني والثالث،
والحجة المتعلقة بأن القسوة تناقض طبيعتنا البشرية .On Clemency 1.25
-وهذا في الجزء المفقود من النص الذي قدم فيه سينيكا تعريفه §.2.3n 64
-انظر On Clemency 2.7.4صورة الفالح الصالح الذي يتعهد نباتاته الملتوية لتنمو 65
باستقامة.
ُ -يسمح بالقتل الرحيم حيث تستحيل النتيجة الصحية )،(§4 just below); cf. §15.2 66
وقبول قتل الوليد لتشوهه.
-انظر النصيحة التي ُمنحت لألمير في .Clemency 1.17 67
179
للنظر إلى التطور المماثل .On Clemency 1.14.1ثم .§§16.2–3, 19.5–7 68
-راجع § 9.4حيث إن الكلمة الرئيسة هي السعي adpetensفنحن نسعى ‘بشكل 69
طبيعي’ «فحسب لما هو خير دون قيد ( ،)cf. 2.28.2n.والرذيلة هي الشيء الوحيد الذي
قد نتجنبه» وف ًقا للطبيعة ،والتي هي فحسب هي الشر دون قيد ،وكل ما عداها اختيار من
شرا والعكس.
خيرا وال ًّ
بين الممكنات والتي ال تكون ً
Plato Republic 1 335B10ff. On the -هذه الحجة في جمهورية أفالطون 70
.meaning of “our own,” cf. §3.3n
-يلمح سينيكا إلى أرسطو حيث تكمن الفضيلة في التصرف الثابت لتجربة ال تنقص 71
معا؛ ألن االعتدال praotēsعند أرسطو
وال تزيد في منح أي انفعال ،ولكن تعني االثنين ً
(Nicomachean هو الوسيلة المناسبة للغضب ،بين الشفافية وأشكال عدة للغموض
.)Ethics 4.5 1125b27ff.ومن الواضح أنه يشوه مذهب أرسطو ويفترض ما يعتقده بأن
الغضب ‘المعتدل’ ينبغي أن ُيغرس كوسيلة للحفاظ على ‘طاقة العقل المفعمة بالحيوية’
مثل اللهب الذي يبقي القارورة في الغليان .وسواء أكان التشويه قد صنعه سينيكا أم
قد يمتد األمر أدناه انظر §9.2n, and cf. §12.3n. مصدره شراح أرسطو في تبسيط آرائه
on Theophrastus. Aristotle’s intellectual descendants, the Peripatetics,
are criticized in similar terms in Cicero Tusculan Disputations 3.71–75,
.4.38–47, and in Philodemus On Anger XXXI.24ff
-يتحدث سينيكا هنا والحقًا عن االنفعاالت ككيانات منفصلة بشكل ما أو بآخر عن 72
الذهن أو العقل ،ويمكن مداهمتها أو تلويثها – وهذا التصور ليس له عالقة بالمبادئ
الرواقية ،بل يتعلق بالحس المشترك لالنفعاالت على أنها أشياء تأتي لنا cf. next note,
.2.36.6, 3.1.3وانظر ً
أيضا للمزيد عن وجهة النظر الرشيدة في المقدمة “ 2.8الذهن
ليس منفصل”.
-انظر إلى صورة النفس عند أفالطون حيث يشبهها بعربة تتحكم فيها خيول مجنحة 73
(.)Phaedrus 246A6ff., cf. Republic 4 436A8ff.
Cicero -المقارنة تؤكد على الكابح ‘المفرط’ لالنفعاالت الذي يوجد ً
أيضا في 74
Tusculan Disputations 4.41والذي قد يرتد إلى خريسبوس ،3.1.4حيث
يقال ‘السقوط المتهور’ ليتعلق بالغضب ،وللحصول على مماثلة أخرى مستمدة من
خريسبوس انظر .2.35.2n
180
-انظر المناقشات المستفيضة لسينيكا عن ‘الوخزات األولية’ في .4–2.2 75
-ينطوي على اإلشارة إلى ‘إرادتنا’ لب العقيدة الرواقية؛ ألن االنفعاالت تأتي من موافقتنا 76
ألنواع معينة من االنطباعات ،وألنها في حدود قدرتنا في منح أو سحب الموافقة ،وكل
االنفعاالت الحقة طوعية.
-رأي علم النفس الرواقي أن االنفعاالت ليست منفصلة عن قدرة تفكير العقل ،بل تغير 77
في قدرة التفكير ذاتها ( .)Plutarch Moralia 441C = LS 61B9وفي المالحظة التالية
لسينيكا يمكن القول بأن االنفعاالت وحدها تنطوي على ‘التحول transformation؛
ألن ‘العقل’ هو حالة ذهن طبيعية.
-راجع قصص باستر ،)4–2.33.3( Pastorوبريكاسبيس ،)3.14( Praexaspes 78
وهارباجوس )3.15.1( Harpagusوكلها تنطوي على غضب قمعه الخوف.
-انظر إلى سينيكا وهو يصف الفضيلة ( 2.33.6تفاني العائلة أو اإلخالص)وبقاء 79
الغضب في التحقق.
-ال يتبنى أرسطو شيئًا من هذا القبيل في أعماله الممتدة ،بل يصنف شيئًا مثل هذا على أنه 80
شجاعة زائفة ( ،)Nicomachean Ethics 3.8 1126b23ff.وهذه المالحظات مبنية على
تشوية مذهب أرسطو الموجودة بالفعل في § 7.1ويستمر في هذا السياق في §،17.1
.3.3.1
-يشتمل كال البديلين على وجهة نظر عن االنفعاالت ب”سقوط الجسم” §،7.4 81
.3.1.4
نافعا بالطبيعة ،فإنه نافع دون تحفظ أو تحديد §.2–13.1
-إذا كان ً 82
-يقصد سينيكا بعبارة “شر معتدل” اجتماع لفظتين متناقضتين ،وهو ما يعادل قول 83
“مستحيل” ()cf. Moral Epistles 116.1؛ ألن الخير والشر عند الرواقية على حد سواء
دون درجات أو تبعيض ،انظر الهامش األسفل.
Tusculan -هذا موقف شيشرون ينسبه للمشائيين في المناظرات التوسكوالنية 84
.Disputations 4.43; cf. §7.1n
-الكامبري :قبائل جرمانية هددت بالسيطرة على شمال إيطاليا في أواخر القرن الثاني 85
قبل الميالد ،وهزم ماريوس التيتونىيين عام ،102وهزم ماريوس وكيونتس كاتيليوس
ً
أيضا الكامبري في فيرساليا عام .101
181
-إن الحديث عن الفضيلة هنا أحرى من الحديث عن بعض الصفات النوعية ،وهو يوافق 86
الموقف الرواقي بأن الفضيلة مطلقة ووحدة متكاملة ( :)cf. On Clemency 1.5.3حيث
حكيما ،والشجاعة والحكمة
ً شجاعا دون أن يكون معتدلاً أو
ً ال يمكن للمرء أن يكون
طرائق متمايزة للفضيلة تعبر بها عن ذاتها ،وال ُتجمع الشخصية الفاضلة من عناصر
منفصلة.
-قدمت الشعوب غير الرومانية المشاة والفرسان الذين اشتبكوا في المقدمة مع فيالق 87
العدو ،والقدح االعتراضي ركز فحسب على “رجال آسيا وسوريا” الذين يعتبرهم
الرومان صورة نمطية «للين .»molles
-اهتزت اإلمبراطورية الرومانية بانتصار حنبعل في كاناي Cannaeعام 216ق.م، 88
Quintus Fabius وأكسبت الخطط الموصوفة هنا كوينتوس فابيوس ماكسيموس
Maximusلقب “المؤخر ،”Cunctatorوذهب شرف هزيمة حنبعل إلى سكيبيو
األفريقي وليس فابيوس (انظر الهامش التالي).
-استقر حنبعل في 204ق.م في إيطاليا ،وعبر كورنيلوس سكيبيو األفريقي بجيشه إلى 89
أفريقيا ،ورجع حنبعل وهزمه سكيبيو في زاما Zamaفي 202في نهاية الحرب البونية
الثانية.
-أعداؤه بما فيهم فابيوس انظر .Livy 28.40ff., 29.16ff 90
Publius Cornelius Scipio - 91بوبليوس كورنيليوس سكيبيو أيميليانوس األفريقي
Aemilianus Africanusحفيد بالتبني لألفريقي األول الذي دمر قرطاجة في نهاية
الحرب البونية الثالثة 146ق.م واستولى على نومانتيا Numantiaفي إسبانيا بعد حصار
دام ثمانية أشهر (.)133
-ثيوفراسطس من إريسوس )Theophrastus of Eresus (ca. 371–ca. 287ترأس 92
األكاديمية بعد أرسطو ،والذي اتسعت اهتماماته ،ولم نعثر على اآلراء المنسوبة إليه هنا
في أعماله الممتدة والتي لم تجد اهتما ًما كأعمال أرسطو (.).9.2nn ,7.1§§ .cf
-عبارة معروفة ترجع إلى إلياذة هوميروس .18.309 93
-القيود المعرفية للرضع تجعلهم عاجزين عن الغضب ،وهو السبب ذاته الذي يمنع 94
الحيوانات من الغضب انظر § .2.10.2 ،2.5§ .3.4n.; cfوعن الغضب من
المسنين والمرضى انظر 3.9.4 ،2.19.4
182
95 - Cf. §12.3n.
- -الحث على الوعي الذاتي من هذا النوع قضية كبرى في الجزء العالجي من الرسالة 96
انظر .2.28.1ff., 3.12.1, 25.2
-راجع 2.31.7nلمعرفة نمذجة عالقة أطرافنا وعالقاتنا باآلخرين كمواطنين تابعين 97
للمدينة الكونية .cosmopolis
-هناك ترجمة غير منطقية لرينولدس Reynoldsلم نعتدَّ بها. 98
-القصة ذاتها تلتصق بأفالطون ( )Riginos 1976:155وأرخيتاس التارنتي الفيثاغوري 99
the Pythagorean Archytas of Tarentum (e.g., Cicero Republic 1.59,
) ،Tusculan Disputations 4.78, Plutarch Moralia 10D, 551Bكما ُرويت
قصص عن أفالطون في ،6–3.12.5حول موضوع التحقق من غضب المرء 3.10.1
.n
- 100مثل النزيف الطبي ،انظر § .6.2
- 101لمعرفة التالي راجع § 3–6.2حيث يقارن سينيكا معالجة القاضي “ للجسد السياسي”
بالطبيب.
- 102الشكل الدقيق للكلمات في الالتينية غير دقيق ،ولكن المعنى واضح.
حكما باإلعدام على ملبس الحداد (،)9.12.7 Valerius Maximus
ً - 103أعلن القاضي
وسينيكا هنا يؤدي نفس عبارة الحكم باإلعدام التي أصدرها القاضي “الحلة المعكوسة
،)58.12 reversed garment” (perversa vestis, cf. Petronius Satyrica
ويجب أن يلبس رداء القاضي magistrate’s toga praetextaبالطريقة نفسها (من
الداخل للخارج) ،و ُتخفى الحدود البنفسجية المضيئة بطول الحافة العلوية ،ويستدعي
البوق الناس ليشهدوا .2.32 Tacitus Annals
- 104ضرب العنق يسبقه الجلد بالسوط ،وهذا هو الشكل المعتاد إلعدام كل من المدنيين
والعسكريين ،وقاتل أبيه ُيسلخ و ُيخيط جلده في سترة فضفاضة مع ديك أو ثعبان أو قرد
أو كلب و ُيلقى في البحر (Cicero On Behalf of Sextus Roscius 30, Digest 48. 9.
.)9. pr.; cf. On Clemency 1.15.7, 23.1و ُيلقى الخائن من أعلى صخرة تاربيان على
الكابتول واسمها األسطوري Vestal virgin Tarpeiaالذي خان البالط لصالح السابنيز
the Sabinesخالل حربهم مع رومولوس .Romulus
183
- 105هذه الرقة واللطف يجب أن يختلفا عن الصدمة العقلية ،والتي يقال إن الحكيم يجربها
جزءا ال ينفصل
في مناقشة “ما يسبق االنفعال” في .4–2.2و ُيجرب الحكيم هذا؛ ألنه ً
عن طبيعة البشر ،واستعارة “الندبة” و”الجرح” (تُنسب إلى زينون هنا) ،وتفترض أن
االستثارة اللطيفة ليست فطرية في بنية اإلنسان بل هي لملمة “جروح” -حادث عارض
َ
أحمق ،ألن “الحكيم ال ُيولد بل ُيصنع” النفعال -يعانيه عقل الحكيم حين ال يزال
(.)2.10.6, with On Clemency 1.6.4
106 - See §§7.1, 9.2nn.
107 - Cf. Natural Questions 5.8.
- 108جنايوس كالبورنيوس بيزو ( Gnaeus Calpurnius Pisoقنصل في 7ق.م) حكم
سوريا في 17م ،حين أدى صدامه جيرمانيكوس ابن تيبريوس بالتبني إلى موته ،وهذه
)proconsul (§3 الحكاية ُتروى في مرحلة مبكرة من حياته المهنية عندما كان قائدً ا
متجها إلى أفريقيا ،وتتفق صفات العند والعنف التي لقب بها مع الصورة التي
ً يقود ً
جيشا
رسمها تاكيتوس .Annals 2.43.2
َ
منزلي الرجلين المعدومين كان هد ًفا للطغيان - 109وف ًقا لألسطورة التاريخية الرومانية فإنَّ
Spurius Cassius في الجمهورية المبكرة ،وهذا الشخصان هما سبيريوس كاسيوس
) (485 BCEو سبيريوس ميليوس )ُ ،Spurius Maelius (439 BCE
ود ِّمر منزالهما
بعد موتهما (.)Livy 2.41.11, 4.16.1
- 110هيرونيموس الرودسي )Hieronymus of Rhodes (ca. 290–230 BCEفيلسوف
مشائيا ،ومن ثم وجد مدرسته ،تشتمل كتاباته على بحث عن عدم
ًّ نشط في أثينا ،بدأ
تغضب ،On Not Being Angryومطلبه يناقض شناعة محاولة القاتل وسخافته مقارنة
بإخماد االنفعاالت المصاحبة.
• -وهو مجموعة من القضبان أو صولجان ذات شفرة فأس إسقاطية ،يحملها أحد
الممثلين لسلطة القاضي ،و ُيستخدم رمزً ا للسلة في إيطاليا الفاشية.
• -وهو حاجب يحضر القنصل أو قاضي التحقيق ،وينادي ،وينفذ األحكام على المخالفين.
- 111بيزو يخطف الصولجان – واحدة من حزم القضبان الخشبية التي يحملها المسؤولون
الرسميون في حضور اإلمبراطور -ألن القضيب المركزي خارج روما كان يميل بفأس،
وهو يرمز لقوة الحياة والموت ،وفي تفصيل سينيكا النابض بالحيوية يريد بيزو أن يؤدي
الوظيفة نفسها.
184
- 112تعكس ترجمة جريتس Gertzكلمة ‘كيف فعل ’quam amentemومخطوطة
رينولدذ تعكس كلما ‘ما .’quantam
113 - Plato Laws 11.934A6-B2.
- 114راجع “ Cf. Publilius Syrus E.11على المرء أن ينتزع السالح من اإلنسان الغاضب
وألاَّ يمنحنه إياه”.
- 115رغم أن عظم النفس magnitudo animi = Greek megalopsychiaليس صفة
مميزة عند الرواقية ،إال أنه أحد األوجه المهمة للفضيلة الرواقية ،حيث تمكن مالكوها من
معرفة ما هو حق بالفعل ،وتنظر إلى األشياء األخرى على أنها محايدة ،وتصنع أحكا ًما حقة
لتكون متسقة مع خياراتهم .وجعلها شيشرون التالي لبانايتيوس Panaetiusالفيلسوف
الرواقي واحدة من ‘الفضائل الجوهرية ’cardinal virtuesاألربعة (On Appropriate
،)92–1.61 Actionsوهي تحل محل الشجاعة ،وركز سينيكا في رسالته صمود
الحكيم على هذه الصفة والتي كان يفرضها بشكل متكرر .انظر ،3.5.7 ،2.32.2
.20.3 ،5–1.5.3 and cf. On Clemency ،32.3
- 116يركز سينيكا على قضية مهمة في نظرية االنفعاالت عند الرواقية :وهو نوع الرضى
الذي يصنعها ،فالغضب والحزن وما شابه ذلك نتيجة الرضى ‘الضعيف’ النطباعات ذات
الصلة ،وهو ضعيف ألنهم يتشبثون باعتقادات مزيفة وغير متسقة ،ويتناقض مع الرضى
‘القوي’ للحكيم الذي ُيبنى على التماسك الكلي والصدق والمعتقدات الثابتة التي تشكل
المعرفة.
-السطر مقتبس من أتريوس لوكيوس أكسيوس Atreus of Lucius Accius (b. ca. 117
(On Clemency 1.12.4, ،)170ويقتبسه سينيكا في مكان آخر عن استبداد الطاغية
)2.2.2وزعم أنه اقتبسه (”.)Suetonius Caligula 30.1, cf. §8n.زمن سولال” في
الجملة التالية هو اختصار لثمانينيات قبل الميالد ،وهو عقد من الحرب األهلية انتهت
فيه دكتاتورية سولال الدموية ( )81; cf. esp. On Clemency 1.12.1–2ولكن سرعان ما
كتب عنه أتريوس في حوالى ثالثينيات القرن الثاني ()implied by Gellius 13.2.2–6
وكان أكسيوس ميتًا في ثمانينيات القرن األول.
(Suetonius Tiberius - 118هذه الصيغة من القول استخدمها اإلمبراطور تيبيريوس
.)59.2
185
- 119الرجل المعني هنا غير معروف .Livy frag. 66 Weissenborn-Müller
- 120ابن جيرمانيكوس ( )1.18.3 n.وحفيد تيبيريوس بالتبني ،والذي نجح عام 37أن
يحكم جايوس يوليوس قيصر قبل أن يُغتال في االنقالب الذي يُلمح إليه سينيكا ،وهو
معروف أكثر من غيره باللقب الذي منحه جنود والده إياه وهو كاليجوال (الحذاء الصغير
،)Little Bootsووضعه سينيكا في جميع كتاباته كمثال عن الشر المفرط ،ويخدم هنا
مشابها .2.33.3ff., 3.18.3ff., 21.5
ً هد ًفا
- 121عمل قصص إيمائية من التراجيديا اليونانية مصحوبة بالموسيقى والكورس ،وهي
فاجرة الصمت ،mimeوهو فن يتطلب مهارة وتدري ًبا فائ ًقا،لمزيد من اهتمامات كاليجوال
.cf. Suetonius Caligula 54–55.1
- 122تحدى أجاكس ألوديسيوس في مباراة مجالدة ،Homer Iliad 23.724وتهكم
كاليجوال ليس هو المغزى ،رغم أنه ُذكر في .Suetonius Caligula 22.4
See 3.35.5 with, for موضوعا مفضلاً لألخالقيين الرومان
ً - 123كان هوس األغنياء
example, Moral Epistles 89.21, 114.9, 122.8 (forests planted on roofs; cf.
.“hang forests in mid-air”), Edwards 1993:137ff
- 124يشير سينيكا إلى المقاطعات ‘السيناتورية ’senatorialالتي يحكمها القادة ،مقابل
المقاطعات اإلمبراطورية التي يحكمها وكالء عن اإلمبراطور ،ومعظم المقاطعات
السيناتورية كانت في أفريقيا وآسيا.
(the - 125أسماء القناصل دخلت العمل في 1يناير في سنة بعينها كقناصل عاديين
،)“ordinary” consuls: cf. 3.31.2 n.وسجلت في التقويم القنصلي ،fasti
واستعملت بعد ذلك لتصف هذا العام كما نستعمل األرقام في تقويمنا.
- 126يقع الكتاب الثاني في نصفين متمايزين ،و ُيفتتح الجزء األول ببحث فلسفي له أهمية علمية
،4.2–1.1حيث التسلسل المعرفي الذي يشتمل على أي عارض للغضب ،ويمضي
سينيكا §§ 17–5في اإلجابة على التساؤالت التي يثيرها النقاش النظري حول هذه النقطة
مع تكرار المسائل التي ُنوقشت في الكتاب األول عن (هل الغضب بهيمى؟§§:10–6
هل يشعر الحكيم بأن الغضب شر؟ § :11هل الغضب رد فعل لالزدراء؟ §§:14–12
هل يمكن استئصال الغضب بالكلية؟ § :17هل الغضب نافع؟) ،وينتهي بـ 18الجانب
النظري ويبدأ الجانب العالجي ،انظر .§§18–36, §§18.1, 26.1, 31.1nn
186
- 127تعنى كلمة وف ًقا لما يراه في الالتينية sua sponteوتساوي كلمة رأيه iudicioالتي
تعني «حكم».
- 128كلمة ‘نحن’ تعني الرواقيين .cf. 1.3.3 n
- 129يقدم سينيكا مذه ًبا في ‘االستعداد لالنفعال )2.4.1(‘ preparations for passion
أو ما يعرف بـ :ما يسبق االنفعال ،pre-passionsوهو لفظ propatheiaiالذي استعمل
ألول مرة في المسيحية عند الفيلسوف أوريجين في القرن الثالث الميالدي ،وهي مؤثرات
نفسية ال إرادية ،وتماثل كلمة منعكس reflexوهي جزء ال يتجزأ من طبيعتنا البشرية،
وحتى الحكيم يختبرها بما هي ،ويفسر سينيكا دورها في االنفعاالت في §،2–4.1
وقد يرد المفهوم إلى خريسبوس ()Graver 1999, 2002b, 2007:85–108وهو أول
من صاغه ( ،)cf. also Moral Epistles 11.1, 57.3–6, 71.29وقد لمح إليه شيشرون
في المناظرات التوسكالنية .Cicero Tusculan Disputations 3.82–83وكذلك كتب
(Questions on Genesis and Exodus عنه فيلون السكندري باختصار قبل سينيكا
)3.56وقد تناوله إبكتيتوس بالتفصيل )،Epictetus (frag. 9 = Gellius 19. 1
وكتب عنه في وقت الحق لسينيكا مستقلاًّ عنه ،والردود التي تنتسب لهذه المقولة أو
ما شابهها ُذكرت ساب ًقا وقد تضمن في ) ،§3.4 (cf.. also §4.2ويبدو فيها خلط ألنها
سلوكا يشتمل بوضوح إدراكات حسية مع محتوى افتراضي (مثل رد فعل على ً تتضمن
أخبار سيئة) وهي ال تظهر بوضوح (مثل الرجفة عند رش الماء) ولكنها موحدة بمالمح
ظواهرتية ُ phenomenological
(مجربة بشكل ال إرادي) ومعرفية (مجربة دون قبول
لحقيقة االنطباع ،وكذلك في االصطالح الرواقي ال إرادية).
ُ - 130ن ِفيَ شيشرون في 58ق.م نتيجة القوانين التي مررها بوبليوس كالوديوس ،وتوفي
في 43ق.مُ ،
وأدرج في قوائم المحظورين التي وافق عليها الحكومة الثالثية ألوكتافيان
Octavianوليبيدوس Lepidusوأنطوني ،Antonyوبدأت الصدامات بين ماريوس
وسولال وأتباعهم في ،88وبلغت ديكتاتورية سولال ذروتها وخطرها في 81وهيمنت
على السياسة في الثمانينيات ( .)cf. §34.3n. with 1.20.4, 3.18.1–2nn.واقتنع
الطفل بطليموس الثالث عشر ( )63 .bشقيق كليوباترا من خالل معلمه ثيودوتوس
Theodotusوالقائد أ خيللياس Achillasليأمر بقتل بومبي الذي هرب إلى اإلسكندرية
بعد هزيمته في فارسالوس Pharsalusعام 48ق.م.
131 - Cf. Horace Art of Poetry 101f.
187
- 132المعركة البحرية ‘ناموخيا ’naumachiaشارك فيها مجرمون مدانون مسلحون
وأسرى حرب ،وكان مشهدًا لم يدمْ قرنًا في روما حين كتب سينيكا هذا البحث.
- 133هزم حنبعل جيشين رومانيين في كاناي عام ،216ومع أنه صنع خدعة في اتجاه روما
عام 211ق.م ( )11–26.7 Livyفلم يحاصر المدينة.
حرفيا ‘نغمة كسينوفانتوس’ التي كان يعزفها ،وتتكون من قصب ثنائي استعمل في
ًّ - 134
المواضع العسكرية ،وربما لم يكن العازف كسينوفانتوس الذي بلغ أوج سمعته في
282/283ق.م ( )Plutarch Demetrius 53.2بعد وفاة اإلسكندر بأربعين عا ًما،
ويحكي ديو خريستوستوم ( )Dio Chrysostom (On Kingship 1.1–2قصة مشابهة
عن اإلسكندر وتيمثيوس Timeotheusوالمعروف عنه أنه لعب ً
دورا في زواج اإلسكندر
(.)Athenaeus 12.54 538f
- 135حرف ًّيا “أصبحت أطرافه متجمدة” ،summa rigueruntولكن سينيكا يستعمل
perpetuum الصالبة ليدلل على البرد القارص ،وهكذا كلمة ‘البرد القارص المستمر
’caeli rigoremللداللة على المناخ الجرماني (.)1.11.3 and often elsewhere
- 136لمعرفة المعنى المناسب لكلمة دافع impetusانظر .1.1.1n
- 137ربما تكون صياغة سينيكا هنا مضللة طالما أن تسلسل “ االنفعاالت تبدأ ثم تنمو ثم
تتخذ لها سبيل” ،يفترض الحركة الثانية من الحركات العقلية الثالثة التي تصف االنفعال،
ولمعرفة معنى سينيكا انظر القسم الثاني في المقدمة ،ولمعرفة التسلسل المعرفي المعبر
ٍ
بمعان مختلفة بسيطة انظر .113.8 Moral Epistles عنه
- 138وهكذا 3.4أعاله“ :المرء الذي يعتقد أنه تعرض للضرر ...يهدأ تتحرك بعض
األسباب ضده”.
- 139المثاالن اقترنا بالقسوة :On Favors 7.19.5fأولهما أبوللودوروس طاغية كاساندريا
Cassandreiaبمقدونيا (ُ )ruled 279–276 BCEربط مؤيدوه به بتوريطهم في
الوحشية ،والثاني فاالريس األكراجاسي Phalaris of Acragasوهو أول طاغية صقلي
( ،)ruled ca. 570–549وأصبح مثالاً للعجل البرونزي الذي حرق فيه أعداءه (e.g.,
.)Moral Epistles 66.8, Cicero Tusculan Disputations 2.17–18, 5.75وحول
نوع الوحشية الذي نناقشه هنا راجع .On Clemency 2.4.1–3
- 140الرواية ال ُتصدق ،ولكن ما ُعرف عن حنبعل أنه ٌ
مثال للقسوة والخيانة والجشع.
188
- 141يخاطب الشخص الثاني هنا نماذج “لإلعراض” ،وعالمة تحرك المتكلم بمشاعر
قوية ليتحول عن الموضوع الرئيس لخطابه ويخاطب الفرد الغائب ،ولكن سينيكا أخطأ
في تحديد الهزيمة األخيرة لحنبعل بالقرب من قرطاجة؛ ألنه لم يحارب أكثر من زاما
شعورا قو ًّيا ،مع
ً ) ،Zama (202 BCE; cf. 1.11.6n.وهو تسجيل لبالغة أقل من كونه
أن حنبعل هزم الجيوش الرومانية في مواقع خطيرة مثل بحيرة تراسان Trasumeneفي
توساني 217وكاناي في أبيوال Apuliaعام .)cf. §2.5, 1.11.5nn.( 216
-لوكيوس فاليريوس ميسالال فوليسوس Lucius Valerius Messalla Volesus (cos. 142
) 5 CEوالى آسيا في 12/11حاول أوغسطس أمام مجلس الشيوخ أن ينكل به (Tacitus
،)3.68.1 Annalsوعن ‘أفعال ملكية’ ُتصنع في الغضب راجع .cf. 3.16.2ff
- 143وبالتالي هدف الحكاية التركيز على أفالطون في .3.12.5
-يشير سينيكا إلى االنفعاالت الحسنة eupatheiaiللحكيم وهي الفرح (;gaudium 144
)cf. Moral Epistles 59الذي يتطابق مع االنفعال العام للبهجة ،وهو نتيجة القبول
الصائب لالنطباع بأن الخير األصيل (الفضيلة) حاضر لذاته.
- 145رغم أن سينيكا يعامل أفالطون على أنه المفسر األول لسقراط ،إال أنه فيلسوف غريب
عن المذهب الرواقي ( ،)cf. 1.6.5واتخذ الرواقيون “سقراط العظيم” ليكون سلفهم
المباشر وتعاملوا معه نموذج للرجل الحكيم .esp. Long 2002: 68ffفعبارته الهادئة
“حماسيا متقدً ا” (1.20.1 n.), see Moral Epistles 104.28, Cicero
ًّ تصف رجلاً
Tusculan Disputations 3.31 (the same phrasing used by S. here), On
.Appropriate Actions 1.90, Giannantoni 1990 vol. 1C65, and cf. 3.11.2
- 146ومن المفترض أن تحتوي األحكام حرمان االبن من الميراث ،وهي قضية شائعة في
الخطابات التي يتذكرها والد سينيكا (e.g., Controversies 1.1, 1.4, 1.6, 1.8); cf.
.On Clemency 1.14.1. 147
حرفيا “من يلبسون التوجا” رمز السالم).
ًّ « 147أولئك الذين بلباس مدني» وهو التوجا (
148هذا النوع من التفكير عند سينيكا يستدعي جملة بلوتوس “ Plautusاإلنسان ذئب
لإلنسان” ( )Asinaria 495التي استولى عليها هوبز – وهذا السلوك “البهيمي”
On الذي يتمسك به سينيكا ال يتفق مع الطبيعة البشرية؛ ألن الحيوانات تدخر أنواعها
.Clemency 1.26.4
189
149 - - On Clemency 1.8.6, 2.2.3nn.
190
عندهم أو تفردوا به (see :)to Polybius 11وهو عالج رواقي معروف ،ولم يكن أصيلاً
.)Graver 2002a: 96–97
- 160الفقرة الالتينية بها تشوه ،ولكن معناها كذلك.
Decimus - 161دعا يوليوس قيصر عام 46ق.م الديكتاتور ديسيموس البيريوس(
)Laberius b. ca. 106 BCEوهو فارس روماني وكاتب ساخر ليقوم بأعمال خاصة
تحط من مكانته كفارس (Macrobius Saturnalia 2.7.1–5; cf. Suetonius Julius
)Caesar 39.2ويذكر شيشرون الموضع ذاته –2.24 On Appropriate Actions
.25
162 - Mynors 1990:236, and cf. On Clemency 1.12.5.
163 - Lions: Pliny Natural History 8.52. Elephants and pigs: Plutarch
Moralia 537C, Aelian On Animals 1.38.
191
- 168راجع تأمل سينيكا على حماقة البشر .On the Brevity of Life 2
- 169يقبل سينيكا بلطف الحاجة إلى تخويف اآلخرين – مما يجعلهم يجربون االنفعال
على أنه معيب للرواقي مثل الغضب الذي يستنكرونه -ويتفق مع اإلجهاد الذي يمارسه
الباحث في العالج العملي (راجع الخوف المستعمل في تربية األطفال 21.8أو مكافحة
(cf. الغضب )3.39.4والعدوانية حتى في النغمة التهديدية التي يتبناها المعلم الرواقي
.)Long 2002: 52ff. onEpictetus
- 170وهذه هي أجسادهم ،ومن الواضح أن سينيكا يفكر في المالكمين.
- 171بيروس Pyrrhusليس معروفًا ،ويشير سينيكا إلى نقطة مماثلة عن المجالدين في
.1.11.1
دفاعا عن الشرف ،وفي األخالق
“ - 172نطاق الحرية الكاملة” يتضمن القدرة على االنتقام ً
الرومانية التراثية الشخص الوحيد الذي يتوقع تحمل اإلهانات هو العبد الذي ليس له
حقوق مدنية ،وسينيكا يساوي العبد الذي ليس له حقوق مدنية مع المنفي الذي فقد
حقوقه المدنية.
- 173عن قوة غضب البرابرة ونتائجه العكسية .انظر .4–1.11.1
- 174الرذائل vitia؛ ألنها كلها انفعاالت ،ولكنها ليست مدمرة كالغضب.
Moral Epistles - 175سينيكا مغرم بهذه الحكمة الساخرة epigramوهي متناثرة في
.40.4, 94.51
FLP Anonymus frag. 24 - 176الشاعر غير معروف ،ولكن من المحتمل أنه بعد أوفيد،
(والجملة األولى تشير إلى )Metamorphoses 15.85
- 177لمعرفة التأمل المناسب ألعمال الرب راجع ،On Leisure 4.2, On Favors 4.4–8
انظر Cicero ولرؤية وجهة نظر الرواقية بأن البشر موجودون “للتأمل ومحاكاة العالم”
.On the Gods’ Nature 2.37
- 178يرى شيشرون في أعماله الخطابية أن عدم عرض االنفعاالت المناسبة يدمر العلة
الدافعة ( ،)esp. Brutus 278–79وهو يميل إلى أن عرضها بشكل مقنع يتطلب تجربتها
( ،)esp. On the Orator 2.188–96, cf. Orator 132وفي عمله الرواقي المتأخر يتفق
مع سينيكا (.)Tusculan Disputations 4.55
- 179تتناول بقية الكتاب الثاني الجانب األول المحدد في “تقسيم” الموضوع ،والثاني من
192
بين الموضوعات التي يتناولها الكتاب الثالث ،رغم أن مناقشة الوقاية في الكتاب الثاني
ال تفرق بوضوح بين األشكال العرضية واألساسية للغضب ( ،)cf. 1.4.1n.والمالحظات
في 21–19حول تربية األطفال تهدف بوضوح إلى منع التصرف الغاضب من التطور،
مرارا “ على أن
بينما المالحظات في 34–22تهدف إلى تجنب نوبات الغضب بالتأكيد ً
أعظم عالج للغضب هو التأخير” .29.1
“ - 180مقاومة الغضب” تجيب على الهدف السابق “ عدم الوقوع في الغضب” ،و”تقييد
الغضب” تماثل “ال تخطئ وأنت غاضب”’ حيث إن سينيكا (إن كان متواف ًقا مع الذات)
يجب أن يقصد العبارة السابقة ليعني “ تقييد سلوكنا في الغضب” بعد أقر بالفعل أن
حقيقيا فال يمكن أن ُيقييد ()cf. esp. §4.1, 1.7.4
ًّ الرأي هو الغضب ذاته إذا كان غض ًبا
وهو الجزء األول للتماثل الطبي (حفاظ الصحة) وهو مجرد نسخة إيجابية ل”ال تقع في
الغضب” .والجزء الثاني “استعادة الصحة” وهو ال يجاري العناصر األخرى هنا أو في
ميزان العمل ،الذي يكاد ال يقول شيئًا عن “العالج” ولكن يقترب من الغاضب على أنه
مشكلة في ضبط الضرر.
- 181إن االعتقاد بأن كل شيء في العالم المحسوس مزيج للكيفيات األربعة (الحار والبارد
والجاف والرطب) وله أربعة جذور أو عناصر (األرض والهواء والنار والماء) يرجع إلى
أمبادوقليس األكراجسي ) ،Empedocles of Acragas (b. ca. 492وقبله أرسطو وصار
رأ ًيا سائدً ا في العصور القديمة .Cf. 3.9.4n
- 182هذا يشبه التعريف ‘العلمي’ الذي قدمه أرسطو للغضب في ،On the Soul 403a31f
ونحن ال نعلم أن الرواقيين عقدوا على هذا الرأي مع أنه متوافق على سبيل المثال مع
تحديد “المبدأ الحاكم” للعقل في الصدر ( ،)1.3.7n.ومع وصف خريسبوس للغضب
على أنه “ارتفاع في بخار من القلبُ ،يجبر على الخروج وينفخ على الوجه واليدين”
( SVF 2.886والشكر لمارجريت جرافير لتوجيهي لهذه الفقرة).
.Cf. 1.2.4 - 183
- 184يذكر أرسطو المقوالت بشيء مماثل لهذا األثر .Rhetoric 2.2 1379a16ff
،Plato Laws 2.666A2–6 - 185ولكن سينيكا في 19.4يرى أن طبائع األطفال (والنساء)
رطبة (ترتبط بالعنصر السلبي وهو الماء).
- 186هذا يناقض العبارة في ،19.4ولكن الحديث عن الغضب هنا ربما يعني سينيكا به
193
“الغيظ ”wrathfulnessالتصرف القوي للغضب ( ،)1.4.1n.ويتبادل الكتاب الرومان
في االستعمال العفوي كلمات الغضب iraوالغيظ iracundiaبمعنى واحد.
- 187األطفال الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ و ُتو ِّفي والدهما ُيوصى عليهم القبيلة ،و ُيطلق
عليهم عادة إرادة األب.
- 188المربي paedagogosهو عبد يخدم جسد الطفل ويرافقه إلى المدرسة (وسينيكا يفكر
خالل هذه المالحظات فقط في أطفال أسر النخبة) ،وتركيز سينيكا هنا على أثر الترف في
.4–25.1
- 189لمعرفة الخوف “النافع” انظر .cf. §14.1n
- 190شهدنا الحكاية في مكان آخر.
- 191انظر تعريف الغضب عند سينيكا ،1.2.3nوكل من التعريف ومالحظات سينيكا ُتؤخذ
هنا لمعتقدين رئيسين وهما :إن العرض للظلم شر ،وإن االنتقام لظلم شيء محمود
(انظر مقدمة القسم الثاني والثالث) ،ومناقشة “التعرض للظلم” تبدأ هنا من خالل §.25
رواقيا بل انظر
ًّ والسطر الذي يقول فيه – إن الغضب ينشأ من سوء تقدير الخطأ -ليس رأ ًيا
.Aristotle Rhetoric 2.3 1380a9ff
متكررا §.7–3.12.4 ،29.1
ً موضوعا
ً - 192تصبح فائدة التأخير
- 193هيبياس طاغية أثينا ( )ruled 527–510 BCEوقد استجلبناه من قصة أخيه
هيبارخوس Hipparchusوهارموديوس tyrannicides Harmodiusوأريستوجيتون
) ،Aristogiton (Herodotus 5.55f., Thucydides 1.20, 6.54f.وعادة لما تعين هذه
القصة لهارموديوس المقيم في صقلية ،وأحيانًا لبارمنيدس تلميذ زينون اإليلي كبطل كما
هو معروف عند .Valerius Maximus 3.3(ext.).2, Diogenes Laertius 9.26
-حُكيت هذه القصة في كورتيوس روفوس Curtius Rufus 3.6.4ff. (cf. Plutarch 194
)Alexander 19.3–5حيث إن بارمينيو اإلسكندر الثاني من أعلن التحذير.
.2–3.17.1 - 195
Pliny Natural History 7.94 - 196وأضف أن قيصر فعل الشيء نفسه عندما استولى على
برقيات سكيبيو ناسيكا Scipio Nasicaفي ثابسوس ،Thapsusوتمدح رحمة سينيكا
هنا سمت متعارف عليه بين أصدقاء قيصر وأعدائه على حد سواء (for a survey, see
،)Konstan 2005ولكن القيصر غاب في كتاب الرحمة لسينيكا.
194
- 197سينيكا بخالف ذلك يعتقد أن “الغضب المعتدل” مستحيل ،على سبيل المثال
.1.10.4
On the Wise Man’s Consistency - 198لقائمة مماثلة للخالفات االجتماعية انظر
.10.2
- 199مينديريدس ( Mindyridesأو سمينديريدس )Smindyridesالسيبيري من جنوب
إيطاليا ( ،)early sixth century BCEوكان مثالاً للرفاهية في أواخر القرن الخامس
( ،)Herodotus 6.127.2وهيردوت الكاتب الالتيني الوحيد الذي ذكره.
On - 200مصدر الترف الروماني الوحيد لالنتعاش والهدف األفضل لألخالقيات:
Providence 3.13, Moral Epistles 78.23, Natural Questions 4b.13.7–8,
.Pliny Natural History 19.55, 32.64وعده بلوتارخ من بين الترف الذي ينتج
تصرف الغضب (.)Moralia 461B
- 201الجملة “تقسيم “ صوري لموضوع المعالجة في §§“ 30–26أولئك الذين حتى
ال يخطؤننا” بما فيها موضوعات الجماد أو موجودات تفتقر إلى القصد (§)6–26.2
وموجودات تفتقر إلى القصد الرديء (§ .)27وفي معالجة “ أولئك الذين ال ُيخطؤننا”
يتحول سينيكا من المخطئون الظاهرين إلى ذواتنا كضحايا ظاهرين § ،28فهل نحن نثق
في ثوابتنا األخالقية؟ § ،29وهل نوقن بالحقائق؟ § ،30وهل نضع شخصية المخطئ
الظاهر في الحسبان؟
-تستدعي الجملة خريسبوس حول غضبنا الال عقالني في الموضوعات البليدة SVF 202
،.3.478والشكر لمارجريت جرافير على هذه اإلشارة.
- 203حول هذا التأكيد انظر .§30.1, 3.12.2, 3.26.1, and cf. 1.3.1
- 204سينيكا يعني النساء اللواتي لهن طبيعة رطبة مثل األطفال (.)2.19.4
- 205يلبي النظام الطبيعي حاجات اإلنسان ( ،)On Favors 6.23.3ولكن لم يؤسس لهذا
الغرض.
- 206حول هذا الفكر راجع .cf. 1.14.2
- 207في المذهب الرواقي “األفعال الحقة” هي في اليونانية katorthômataويمكن
السعي لها (،)cf. 1.6.4n.والحكماء فحسب هم القادرون على البحث عنها ،والبقية
منا يهدف إلى اختيار “األفعال المناسبة” وهي في اليونانية kathēkontaوتساوي في
195
الالتينية ،officiaوالمقولة التي تخص هذه القاعدة ،حول مفهوم االختيار انظر Graver
.2002a:167–68
حرفيا “األقراص العامة” :حيث إن كل القوانين الرومانية مدرجة على أقراص برونزية
ًّ - 208
لعرضها على العام على الدوام.
- 209مثال ضعيف ،فالخطأ لم ُيقترف لمصلحته ،بل كوسائل لبعض الغايات األخرى ،لذا
فهو ال يزال خطأ وقد اقتُرف عمدًا ،راجع مثال خريسبوس لسباق الجري footraceفي
كتاب .Cicero On Appropriate Actions 3.42
حرفيا “ ما نخلفه وراءنا” من قول مأثور ”:cf. Catullus 22.20–21فكل منا يحدد
ًّ - 210
نوعا له من الفشل ،ولكن ال نرى الحقيبة التي نحملها على ظهورنا” .Otto 1890:209
ً
211 - Cf. §22.2, 3.12.4–7.
196
;passions more generally, see esp. Cicero Tusculan Disputations 3.52ff.
cf. Plutarch Moralia 449E, 463D. Diminishing this effect was one of the
.aims of the “rehearsal of evils to come”; see §10.7n
Consolation to Marcia - 219فابيوس هو المتأخر 1.11.5nوللجزء األخالقي راجع
.9.5, On Tranquility 11.9
- 220لم يقصد سينيكا أن وجود الخائن “وف ًقا للطبيعة”ولكن طبيعتنا اإلنسانية الخيرة
معيار ًّيا تتحول إلى غايات شريرة (“مشوهة” C5241.indb 117 4/12/10 2:00:22 PM
)§8 belowمن قبل أفراد البشر ( )cf. §7.2ff.ويضع في 3.26.4عبارة قوية “ بما أننا
أشرار نحيا بين الشر”.
- 221بعد معالجة سينيكا لسؤال ما يتعلق “وف ًقا للطبيعة” (§)8–31.6يتحول سينيكا إلى
سؤال يشبه هذا تما ًما ليستدعي اهتمام القارئ § :32وهو ما الذي ينعكس عليك كروح
متقدة وشخص مثير لإلعجاب؟ § :35.2–33وما السلوك المالئم سواء في التعامل في
معاملة ما هو سا ٍم أو في عالقاتك االجتماعية عمو ًما؟ § :36.6–35،3أو ما السلوك
الذي يصبح صح ًيحا؟
- 222هذا عرض بهلواني .cf. Martial 5.31
- 223حرف ًّيا “المدينة األعظم” -مشيرًا إلى االختالف الذي أشار إليه زينون بين مجتمعاتنا
المدنية األرضية والمجتمع الكلي الذي يتشارك فيه األرباب والبشر كمخلوقات عقالنية،
وبهذا نكون كلنا مرتبطين بعضنا بعض ( ،)cf. 3.43.2وينبغي لمجتمعاتنا التي على قلب
واحد أن تكون “وف ًقا للطبيعة” ،وال تعمل ألجلنا فحسب ولعائالتنا أو مواطنينا بل لكل
جنس البشر (انظر المالحظة التالية) ،والحقيقة يمكن فهم نظام العالم العقالني كمجتمع
واحد على نجو حسن ( ،)Cicero On Ends 3.64ومن هنا نادى سقراط بأنه “مقيم
ومواطن للعالم كله” (Cicero Tusculan Disputations 5.108; cf. On Tranquility
4.4, Epictetus Discourses 2.10.3 = LS 59Q3, and S.’s On Leisure 4.1 = LS
.)67K
- 224لمعرفة “إمكان االجتماع الطبيعي” راجع ،cf. 1.5.2nولمعرفة تمثيل األطراف
للجسد ما لمواطنين للمدينة ( cf. 1.15.2 and esp. Livy 2.32.9–11مثال مينينيوس
أجريبا) ،وقام مبدأ النزوع oikeiôsisأو appropriationبعمل التماثل لألخالق الرواقية
والفكر االجتماعي؛ ألننا منذ نعومة أظفارنا ونحن ننزع نحو حيواتنا وأجسادنا -وهذا
197
(cf. Moral Epistles يجعلهم موضوعات مثيرة لالهتمام وتضمن لهم وجو ًدا حسنًا
-)14.1وكما ينضج في عقلنا نرى أن اآلخرين يحق لهم نفس الحالة كموضوعات
لالهتمام تستحق التزامنا (.)cf. esp. Stobaeus 4.671.7–673.11 = LS 57G
- 225راجع 1.19.7حيث يشير سينيكا إلى فكر أفالطون.
- 226بمقابلة االنفعال الرديء والعادي؛ فإن “الخوف” و «الحذر» هو “انفعال حسن”
( – )eupatheia; cf. §6.2.n.تقلص العقل عند احتمال الشر الحق (الرذيلة) -و ُيختبر
بشكل مناسب من الرجل الحكيم.
- 227ماركوس بورسيوس كاتو ) 227. Marcus Porcius Cato (b. 95 BCEالسيناتور
المحافظ ورجل الدولة ،وكان أكثر الرواقيين شهرة في أواخر الجمهورية ،وح ًّقا كان رمزً ا
للسلطة األخالقية العظيمة عندما فضل االنتحار بدلاً من أن يقبل رحمة القيصر بعد معركة
ثابسوس ) ،Thapsus (46 BCEوزادت مكانته لنموذج للحماسة المتقدة في األجيال
الالحقة ،ويستشهد به سينيكا هنا كنموذج يتجاوز الزمن ،وتظهر الحكاية مرة أخرى
،3.38.2ويروي سينيكا هذه القصة في .On the Wise Man’s Consistency 14.3
- 228الصورة تتكرر في .3.25.3
- 229سينيكا يجيب عن هذه الحجة في §.11.1
- 230لتطبيق هذا المبدأ انظر قصة هارباجوس .Harpagus 3.15.1وقيل إن سينيكا كان
“شكرا” (.)Tacitus Annals 14.56.2
ً يختم كل مقابالته بنيرون بقول
- 231لمعرفة اإلمبراطور جايوس (كاليجوال) انظر ،1.20.8nولمعرفة رد فعله العنيف على
مالبس اآلخرين وشعرهم انظر ،Suetonius Caligula 35.1–2; and see ibid. 50.1
وحساسيته لفقد شعره.
- 232هذه سخرية ،والدعوة مرتبطة فحسب بالبشاعة.
ً
مخلوطا بالماء على - 233لم يكن النخب في وقت مناسب وغير معتاد فحسب ،بل لم يكن
النقيض من العرف الروماني ،حيث يقول سينيكا الح ًقا إن المشروبات كانت “محترمة
بالكاد” في أفضل الحاالت ،وكان الولع بالخمر غير المخلوط رذيلة انظر .3.8.1
- 234دعا بريام الطروادي Priam of Troyأخيللوس ،وسعى لفداء جسد ابنه هكتور في
نهاية اإللياذة (.)24.477ff.
- 235وهكذا يعلق سينيكا على حالة مماثلة Praexaspesفي .3.14.3
198
- 236يرى سينيكا أنه يمكن التحقق من الغضب فحسب من خالل آخر وبانفعال موا ٍز في
“االنفعاالت الشريرة والحليف الخائن” ( ،)1.10.1 .1.8.7, cfولكن اإلخالص
لألسرة pietasفضيلة.
رئيسا في On Clemency; cf.
دورا ً
-تلعب الحجة القائلة إن الرحمة مناسبة للرحيم ً 237
.also 3.16.2
- 238كانت العدوات الشخصية الموروثة شائعة في طبقة سينيكا ،وحرم سولال األحفاد
الذكور أن يلتحقوا بالمنصب العام حتى ،49 BCEوهو جيل بالكامل بعد التحريم.
Tacitus - 239قارن كالم كالوديوس بشأن قبول مواطنين من الغال في مجلس الشيوخ
.Annals 11.24
- 240يُلمح سينيكا إلى تمثيل خريسبوس بين الرجل الغاضب والعداء الذي لديه صعوبة
أكبر من الشخص الماشي في التوقف وتغيير االتجاه انظر ’Galen On Hippocrates
.and Plato’s Doctrines 4.2.10.16 = LS 65J7
- 241هذا هو غضب ألكاتو Allectoفي إنيادة فيرجيل Vergil Aeneid 7.323ffوالذي
اقترح تفاصيل ذكرت آن ًفا .cf. esp. Aeneid 7.349ff., 447–49, 456f
- 242من المؤكد أن الشطر الثاني من 8.702 Vergil Aeneidواألول يستدعي
شبها بالحرب األهلية للوكان Lucan Civil War 7.568
8.703بل أقرب ً Aeneid
رغم أن هذه القصيدة لم تكن مكتوبة عندما ألف سينيكا هذه الرسالة ،ويبقى أصل الشطرة
مثيرا للجدل.
ً
- 243كينتوس سيكتوس Quintus Sextiusفيلسوف روماني ظهر في العصر األوغسطي،
أخالقيا أصيلاً يمزج بين الفيثاغورية والرواقية ،وكان من أتباعه بابيريوس
ًّ وضع نظا ًما
فابينوس Papirius Fabianusوسوتيون ،(Sotion (cf. §10.5nوكالهما َّ
علم سينيكا
في شبابه.
- 244العقل في ذاته عند الرواقية مادي (انظر المالحظة التالية) ولذلك هو غير مرئي ،سينيكا
يتحدث عن معاني الحس المشترك.
“ - 245يشق العقل طريقه عبر أنسجة الجسم؛ ألن الرواقيين اعتقدوا أن العقل مركب من
مادة لطيفة غازية (البنيوما اليونانية) ويرتكز في الصدر ( )cf. 1.3.7n.ويمتد خالل الجسد
بطريق ال يختلف عن الجهاز العصبي الذي نعرفه ،ويمكن مقارنته بجذوع الشجرة
199
وفروعها ( )Calcidius 220 = LS 53G7أو األخطبوط ومجساته (= Aëtius 4.21.2
.)LS 53H2
- 246عندما ُمنحت أسلحة أخيلليس الميت ألوديسيوس بدلاً منه ،قاد الغضب المحارب
العظيم أياكس إلى الجنون واالنتحار :يجسد سوفوكليس قصة أياكس في مراحلها
األخيرة.
رواقيا ،ومن يتعلق بهذا – ألن
ًّ - 247يتحدث سينيكا بمعاني الحس المشترك أكثر من كونه
الرذيلة (الشر) مثل الفضيلة (الخير) واحدة ومطلقة ( -)1.11.2n.فال يمكن ألي “شر”
أن يكون أسوأ من “كل الرذائل”.
- 248يعلن سينيكا 2.18.1عن غايتين“ :أننا لن نقع في الغضب ،ولن نخطئ ونحن
غاضبون” ،وقد عالج في الكتاب الثاني الهدف األول ،ونتوقع أن يعالج هذا الكتاب
الهدف الثاني – واإلشارة هنا “ كبح جماح ....هجماته” تفترض أنه سيقوم بذلك،
ولكن عندما نصل إلى البيان الشكلي لخطة الكتاب نكتشف أن سينيكا يتخيل غرضه
2.18ff. على نحو فضفاض وبطريقة تستلزم إعادة صياغة بعض المواد المتضمنة في
) ،(§5.2n.أولاً رغم أن سينيكا يرغب في إثارة إعجابنا بقوة الغضب المروعة وطبيعته
المثيرة ،4–1§§ :وف ًقا لذلك يستدعي 1.1.1ffفيحول الحرارة الخطابيية ببعض التكرار
والتناقض الذاتي ،ويحدث تحول آخر بذكر أرسطو (§.)3.1
- 249راجع الغضب “يخطف العقل ويحمله على طول الخط”.
سريعا إلى وظيفة عالج الغضب في اآلخرين الذي يتعامل معه في آخر
ً - 250يُلمح سينيكا
الكتاب (§§.)40–39
251 - Cf. 2.14.1n.
- 252إن طريقة سينيكا في الحديث عن العقل كموضوع مفارق فيما تحدثه الرذائل والمحايدة
بين الرذائل خطابية وليست فلسفية .cf. 1.7.2 and 2.36.6nn
- 253تناقض 1.7.4حيث يصف “ السقوط السريع” كل االنفعاالت.
254 - Cf. 1.1.2n.
200
فقدان السيطرة على النفس سمة محورية في لوحة الغضب في بحث سينيكا.
- 257لمعرفة نوع القائمة التي يبدأ بها سينيكا راجع .1.2.1f.
Livy Epitome 75, Valerius Maximus - 258انقالب الجنود على قادتهم انظر
.9.7(mil.).2–3والفقرة الثانية تشير إلى “انعزال البسطاء” ()494, 450, 287 BCE
باغتصاب جحافل المواطنين الرومان االمتيازات السياسية من األرستقراطية الحاكمة.
- 259يتحدث سينيكا عن قانون األمم ius gentiumوهي المبادئ التي تعارفت عليها
الشعوب ،والذي قبل األمان للسفارات ،Cicero On the Manilian Law 11وتحرك
الحشد الروماني بناء على هذه األسس واستشهد بسابقيه و”قانون التمثيل الدبلوماسي
”ius legationis
260 - Cf. 1.11.2f.
- 261ربما يعني سينيكا بالالتينية “ماتوا بسبب جروحهم” (على سبيل المثال إصابة النفس
بجرح كما يبدو ،)OLD s.v. exeo 7ولكن الجروح الموصوفة ليست ذاتية ،وتبدو
(cf., more tamely, الصورة البيانية السيريالية متوافقة ومناسبة لتذوق سينيكا للعدوانية
.)2.35.1
- 262لمعرفة تشويه مذهب أرسطو .cf. 1.7.1, see 1.9.2nn
- 263وهو .Hercules Furens
-لتمييز السمة السادية للغضب يقوم سينيكا بإعداد أدواته :وهو أحد اثنين (eculeus, 264
(Cicero )fidiculaوهما أشكال للمخلعة ( )19.1§ .cfوالثالث شكل لإلعدام
Letters to Friends 10.32.3, Gellius 3.14.19, Appian Numidian War frag.
،)3والرابع استُعمل لجر الجثث المعدومة قبل رميها في نهر التبر ،وقد روى جوفينال
Juvenal 10.66أن نوفاتوس مزح بأن اإلمبراطور كالوديوس قد ُرفع للسماء بخطاف
Cassius Dio. 61.35.4
- 267هذا “تقسيم” شكلي للمعالجة :حيث يعالج سينكا الهدف األول §( 9راجع
)2.18.2ffوالهدف الثاني في §§ ،38–10رغم أن التمييز الواضح من الصعب ذكره،
والهدف الثالث عالجه في §§ ،40–39ويجمع المنهج بين الردع-مؤكدً ا على طبيعة
201
ذاكرا هدوء “الروح العظيمة”
الغضب وتكلفته (§ -)7–5.3مع تعزيز تهذيب النفس – ً
(§§ -)6.2–5.8خاصة بتحديد مطالب مصادر العقل والبدن (§§،7.2–6.3
)5–9.1وباختيار الرفقة بحرص (§.)8–8.1
- 268عن المذهب الرواقي في القدرة االجتماعية الطبيعية للبشر انظر .1.5.2. n
- 269راجع حكاية كتو :2.32.2ومثل هذه “الحماسة العظيمة” هي شرط مسبق
للحصانة المرغوبة في الجملة التالية ،وهذا يمكن من “سكينة العقل” (وهو عنوان
رسالة لسينيكا) أو البهجة أو الكلمة )،euthymiē §6.3n (Plutarch Moralia 464Eff
وهذا يستتبع القدرة على تصحيح االنطباعات التي تواجهناesp. 2.2.1, 2.4.1nn. and .
.introduction, section 2
270 - Cf. §32.1, 2.34.1.
- 279حيث كان ُيعتقد أن العالم يتكون من أربعة جذور – األرض والهواء والنار والماء
( -).2.19.1nوكان ُيعتقد البشر أن لديهم أربعة أمزجة متطابقة :المرارة السوداء
202
والدم والمرارة الصفراء والبلغم ،وارتبطت صورتا الصفراء كليهما بالصفات المنتجة
للغضب ،والنار واألرض متقابلة مع الحرارة والجفاف (.)cf. 2.19.2, 4 and next note
- 280حيث كان ُيعتقد أن العقل منتشر خالل الجسم ( )2.36.2n.فإن ضغط وزن الجسم على
حرفيا ،وإن غضب المرضى وكبار السن يحدث بسبب ‘جفاف’
ًّ العقل يجب أن ُيؤخذ
طبيعتهم .see 2.19.4, cf. 1.13.5
281 - Cf. Pliny Natural History 22.111.
- 282من الواضح أن سينيكا ينتقل إلى الهدف الثاني الذي قرره §“ 5.2التوقف عن الغضب”
ولكن رغم أن §§ 15–10يحتوى على نصيحة حول كيفية خنق الغضب عندما يبزغ،
وكثيرا مما في هذا القسم وما هو
ً ويضرب أمثلة تاريخية لتوضيح كيفية حدوث هذا،
أساسي في §§ 38–16يستأنف موضوع منع الغضب :انظر المقدمة القسم الثالث.
-حرفيا “اضطراب الجمعيين ُ – ”the comitial disorderيطلق إذا عانى المواطن
ًّ 283
حجزً ا في تصويت الجمعية comitiaفتُحل الجمعية.
284 - Cf. Hippocrates Sacred Disease 15.
203
القصة انظر ;Valerius Maximus 4.1 (ext.). 2, Plutarch Moralia 10D, 1108A
وراجع .Riginos 1976:155
292 - Plutarch Moralia 455Af.
هذا في دور “النعرة ذبابة الماشية ”gadflyالذي يدعيه سقراط لنفسه (Plato Apology 293
.)30E
294عن بقاء انفعال بعضنا في التحقق في “حلف الخائن” انظر .1.8.7
Herodotus - 295القصة للملك الفارسي قمبيز (حكم ،)530–522 BCEومستمدة من
.3.34f
- 296راجع إخفاء باستور Pastorمدفوعًا بالرغبة في إنقاذ ابنه الباقي مع تعليق سينيكا بأنه
يحتقر األب الروماني الذي يخشى على حياته في مثل هذه الظروف.
- 297سينيكا ُيحرف بلطف قصة هيرودوت ( )19–1.108للملك الميدي أستياجيس
Astyagesفي معاقبة هارباجوس Harpagusلفشله في قتل الرضيع سايروس Cyrus
كما أمر.
- 298مالحظة سينيكا هنا تستدعي “المداهنة”ُ ،وضعت فحسب ألثر نوعي لمبدأ القاضي
شكرا”.
ً الذي أقره بالموافقة في 2.33.2ليبقى على قيد الحياة “بقبول اإلصابات وقول
- 299راجع 2–1.12.1على االتجاه الصحيح الذي ينبغي أن تتبناه عند مشاهدة مقتل
أبيك.
- 300هذا من خالل االنتحار انظر Moral Epistles 77على سبيل المثال .58.32ff., 70.4ff
رغم أن المذهب الرواقي يفرض “رحيلاً معقولاً عن الحياة” ( ،)SVF 3.757ff.ويثني
عليه سينيكا في ظروف محددة بعينها مع تردد وحذر غير عاديين ،ولم ُيعرف أي رواقي
سابق قد أيد االنتحار لألسباب المتضمنة هنا التي ُتدفع بها المحكمة من خالل الطاغية،
ويؤكد سينيكا على “الحرية” على وجه الخصوص ،ويبدو أنه مدين للفكر الروماني
التراثي أكثر من المذهب الرواقي ( ،)Rist 1989:2004f.وسينيكا نفسه انتحر بعد تورطه
في مؤامرة ضد نيرون ،وقد تمثل هذا في .Tacitus Annals 15.62–64
- 301دبق الطير Bird limeهو عبارة عن مزيج لزج من عصارة الشجر والجير المطفأ ينتشر
على الفروع ،يلتصق فيه ريش الطيور فيعيق طيرانها.
َ
يخش الكثرة ،يحتج إلى خوف 302وهكذا سطر ألبيريوس مقتبس في “ 2.11.3من
204
On الكثرة” ،ونفعية الحاكم تقيد الرحمة وهذا موضوع مركزي في رسالة عن الرحمة
.Clemency; cf. also 2.34.2
- 303راجع “الفعل الملكي” المدعي من قبل فوليسوس Volesusفي ،.2.5.5والقصة
التالية لداريوس Dariusالملك األخميني الثالث لبالد فارس ()ruled 521–486 BCE
وهذا مقتبس من .Herodotus 4.84
- 304أكسيرسيس بن داريوس ( )ruled 486–465 BCEوقاد قواته ضد اليونان في الحرب
الفارسية .79–480وهذا القصة مقتبسة من ،Herodotus 7.38fوالنسخة المضغوطة
لسينيكا ال توضح أن أكسيرسيس جعل ً
جيشا يسير إلى نصفين.
(1.7.1, - 305يشير سينيكا إلى تعليم أرسطو لإلسكندر؛ لربط آراء األول عن الغضب
)9.2nn.مع سلوك اآلخر ،قتل اإلسكندر كليتوس Clitusالذي أنقذ حياته في معركة
الس ْكر وفي حالة خيانة كليتوس
جرانيكوس (Granicus (334 BCEوهو في غضب ُّ
المتصورة –Moral Epistles 83.19 with, for example, Curtius Rufus 8.1.30
.51
Lysimachus - 306سينيكا يشير إلى معاملة اإلسكندر لحارسه الشخصي ليسيماخوس
أيضا في ،On Clemency 1.25.1ويوجد متغيرات في مصادر أخرى ُ
(وأنكرت ً
القصة ألنها كاذبة ،)Curtius Rufus 8.1.14–17وحكم ليسيماخوس تراقيا بعد وفاة
اإلسكندر ألربعة عقود ،واستدعيت معاملته لتليفوروس Telesphorusإلهانته زوجته
في .Plutarch Moralia 606B and Athenaeus 14 616C
-تفترض العبارة أن موضوع الشفقة غير جدير بالمعاناة فحسب (cf. On Clemency 307
(cf. Aristotle Rhetoric 2.8 )2.5.4بل يمكن إدراكه مثل أنفسنا في معاناتها
(ibid. ،)1385b13–16, 1386a1–3, 25–29وتتجه الرهبة المطلقة إلى طرد الشفقة
.)1386a22–24
- 308ابن أخ ماريوس العظيم ( )1.11.2n.وحاكم في 85ق.م ،وجعلته محاولته للسيطرة
مشهورا (وصنع له تمثالاً ) ،و ُقتل ماركوس ماريوس جراتيدينوس
ً على النقود المغشوشة
Marcus Marius Gratidianusبتحريمات سولال ( – )81ووف ًقا لسينيكا من قبل
صهره لوكيوس سيرجيوس كاتيلينا Lucius Sergius Catilinaممثل سولال وقائد
التمرد ( )63الذي يُلمح إليه سينيكا ،وكان مقتل ماريوس في المقبرة بمثابة تضحية له
بظالل كوينتوس لوتاتيوس كاتولوس Quintus Lutatius Catulusبطل فيرسيلال
205
) Vercellae (1.11.2n.الذي قتل نفسه عندما حاكمه ماريوس بتهمة الخيانة العظمى في
،87ويربط سينيكا القصتين التي قطع فيها كاتيلين رأس ماريوس أو قطع طرف يلو اآلخر
من قبل ابن كاتيليوس.
-هذا كاليجوال ،1.20.8nولم ُيبلغ عن هذه الشناعة ،لمعرفة وحشيته انظر Suetonius 309
.Caligula 27ff
- 310أم كاليجوال هي أجريبيانا الكبرى ،وهي ابنة ماركوس أجريبا وجوليا ابنة أوغسطوس،
وممتلكاتها على ضفة نهر التبر من المحتمل أنها تنحصر بين النهر وساحة سان بيترو
الحديثة.
- 311وهكذا األداء المعتاد يجعل المراقبات وأعضاء مجلس الشيوخ شهو ًدا ،ولكن
(“quosdam ex illis cum matronis atque aliis اللغة الالتينية تتسم بالغموض
)” senatoribus ad lucernam decollaretوربما قد أخذت بشكل طبيعي لتعني أنهم
كانوا ضحايا (“مع زوجاتهم والسيناتورات اآلخرين”).
ً
بسيطا يتكون من نعل ومصبع ،واالختيار المركب يقلل حرفيا “أرتدي نعل” صندلاً
ًّ - 312
الذوق المراد أدناه § 19.2nواختالف سينيكا .9.2.25
- 313ال يعد هذا الغضب “االستثنائي غضبًا بل قسوة سادية ،ويعني سينيكا أنه يضع كاليجوال
في نفس التصنيف مع فاالريس ،Phalarisومثل هذا التمايز بين الغضب والوحشية ظهر
في .2.5
- 314قد ذكرت المخلعة والمصبعة من قبل §“ 3.6مشابك الكاحل” وهي أدوات تعذيب
اعتيد بها تعذيب المرء بقلبه عقب على رأس.
- 315لمعرفة الرغبة انظر .Suetonius Caligula 30.2, Cassius Dio 59.13.6
- 316من المفترض أن ُينفذ حكم اإلعدام في األماكن العامة في احتفال رسمي يتضمن
استدعاء الناس بالبوق ( )1.16.5n.ليعطي الحدث ً
أثرا أكبر للردع.
- 317االعتقاد بأن الروح تفارق الجسد مع النفس األخير واسع االنتشار ،وفي روما على
سبيل المثال Moral Epistles 78.4, Natural Questions 3 pr. 16, Cicero against
.Verres 2.6.118, Vergil Aeneid 4.684f
- 318كان قمبيز الملك الفارسي مغر ًما بهذا النوع من القسوة (،)cf. just below and §14
“Dock-Nose سمى «األنف المبتور
ولكن القصة -محاولة لتفسير مكان غريب ُي َّ
206
Rhinokoluraالمشتقة في اليونانية من rhino- / nose + kolourein / dock, وتساوي
– pruneال ُتخبر عنه (”Strabo attributes the act to “one of the Ethiopians,
.)16.2.31
ٍ
“بأياد مرفوعة األكف ”supinis minibusداللة للتضرع والشكر. حرفيا
ًّ - 319
320 - Herodotus 3.20–25.
- 328فيليب الثاني ) ،Philip II (382–36 BCEوكانت مقدونيا قوة عظمى قبل أن يجعلها ابنه
قوة تاريخية عالمية ،و ُتحكى عدد من القصص عن نوع المنع المطروح (e.g., Plutarch
،)Moralia 143F, 177D-E, 178Aولكن هذه القصة من غير المرجح أن تكون حقيقية
عن ديمخاريس Democharesابن أخ الخطيب ديموسثينيس Demosthenesالذي لم
207
يبلغ عمره خمسة وعشرين عا ًما عند موت فيليب ،والدور الممنوح له هنا يتناسب بشكل
أفضل وزمن بروزه السياسي بعد 307ق.م.
- 329في .Homer Iliad 2.212ffالقبح والحقارة والنهم هي مفاسد أجاممنون في الجمعية
وتلقي الهزيمة من أوديسيوس في العودة
- 330لمعرفة أوغسطوس كمثال للحرمان راجع .On Clemency 1.9f
- 331لنشأة تيماجينيس Timagenesمن عبد إلى ٍ
طاه إلى حامل قمامة إلى صديق لإلمبراطور
راجع .cf. Seneca Controversies 10.5.22
- 332دعم أسينيوس بوليو ) Asinius Pollio (76 BCE– 4 CEرجل األدب والخطيب
والقائد ورجل الدولة يوليوس قيصر ومارك أنطوني في األربعينيات ،ثم تقاعد عن الحياة
ً
تاريخا العامة بعد أن صار قنصلاً في 40واالحتفال باالنتصار في ،.39وكتب في التقاعد
مؤثرا لفترة 42-60ق.م والحكاية نموذج الستقالله عن أوغسطوس ،ورده (“إن كانت
ً
دعواك أيها القيصر – )”...قاسية في الشكل وغامضة النية – يعطي مزية لشخصيته.
- 333المرء الذي يضربه البرق ُيكرس لألرباب ،وهو خارج نطاق اتصال اإلنسان العادي،
كرسا .Cf. On Clemency 1.7.1
وقد ُدفن على الفور حيث ضرب ،وأصبح ُم ً
- 334وضع أوغسطوس مالحظته باليونانية ،كما أن المتحدث للغة اإلنجليزية اليوم قد ينزلق
إلى الفرنسية.
- 335لالطالع على آراء سينيكا حول المعاملة اإلنسانية للعبيد .esp. Moral Epistles 47
- 336لمعرفة الفكر راجع .cf. 2.31.4
- 337يستخدم سينيكا كلمة “حكيم” بمعنى فضفاض“ ،والحكيم” مثال معياري عند
الرواقية ،وهو “الذى يفعل كل ما هو حسن” ()Stobaeus 2.66.14–67.4 = LS 61G
وهو ال يندم وليس في حاجة لالعتذار.
- 338عن تحمل المشاكل .Consolation to Marcia 12.6ff
339بدت صورة الوحش الكبير والكالب الصغيرة وكأنها ذات تأثير في ،2.32.3ولحقت
هنا بصخرة المحيط التي تستدعي نماذج من ِّ
الشعر الملحمي .cf. Aeneid 10.707ff
(تشبيه الخنازير والكالب) ( 7.586ffموجة قارعة للصخرة)Homer Iliad 15.618ff. ،
- 340ألهمية القصد .cf. §12.2, 2.26.4, 30.1
341 - Cf. 2.30.2n.
- 342لمعرفة الشر الفعلي للبشر مقابل الخير المثالي لطبيعتهم المشتركة .cf. 2.31.5n
208
- 343حول الصلة بين قدرة الكالم وقدرة التداول .انظر .cf. 1.3.6, 2.26.4
344 - Cf. Plutarch Moralia 112B–C, 114F.
- 345يفترض مثال سينيكا استبعاد الشخص البالغ الحر -وليس نادر الحدوث في القدم،
وذلك بفضل الحرب والقرصنة والخطف وإلخ -الذي فشل أن يكون عبدً ا خ ِّي ًرا في
مرحلته الجديدة.
- 346عن الموافقة الحاسمة لهذا “الدافع األول” انظر .1.8.1, 2.2.1nn
- 347راجع حكاية جنايوس بيزو في .1.18.3ff
- 348يوليوس قيصر الذي ُمنح مكانة إلهية بعد موته ،كان أول روماني ُيكرم منذ رومولوس
Romulus.
Suetonius Julius Caesar 82, Plutarch Caesar - 349لالطالع على المشهد انظر
.66.3–7وتتألف المؤامرة من رجال خدموا مع قيصر ضد بومبي –بما فيهم تيليوس
كيمبر Tillius Cimberالذي كان تقديمه للقيصر إشارة للهجوم -وكذلك الرجال الذين
أعفاهم قيصر من الخدمة مع بومبي وأبرزهم ماركوس بروتوس .Marcus Brutus
- 350كلمة “هو “ تعني اإلمبراطور -وهو الشخص الوحيد الذي لديه قضاة وكهنة في
هبته ،والقنصل (له اثنا عشر صولجان )cf. 1.19.3n.وهو أعظم شر ًفا من البرايتور (له
ست صولجانات) ولكونه قنصلاً عاد ًّيا دخل المكتب في األول من يناير ()cf. 1.21.3n.
وأعظم شر ًفا من كونه قنصلاً “مكمل” والذي ُعين في غضون العام؛ ألنه بحلول زمن
سينيكا كان من الشائع أن يشغل القنصل منصبه لجزء من السنة فقط ،وتعددت فرص
التكريم والتمايز فيما بين القناصل.
351 - Cf. 2.34.1.
209
)Epistles 109.16, Sallust Catiline’s War 20.4وبالنسبة ألحدهما “ أن يريد على
الدوام وأال يريد الشيء نفسه” هو تعريف للحكمة (.)Moral Epistles 20.5
-كان رب األسرة الروماني هو السيد dominusلعبيده واألب للعائلة pater familias 356
وتشمل األقارب والعبيد.
.Moral Epistles 86.7 - 357
- 358حول سكتوس انظر ،2.36.1nألن تأمل الذات وفقًا لمبدأ سقراط “ الحياة غير المتأملة
ال تستحق العيش” (Plato Apology 38A5–6); cf. Moral Epistles 16.2, 28.10,
.65.15, 118.2, On Tranquility 6.2, On Life’s Brevity 2.5
-من المعروف أن سينيكا تزوج قبل منفاه في 41م (وقد ورد هذا في Consolation to 359
،)Helvia 5وفي المرة األخيرة كان من بومبيا بولينا Pompeia Paulinaفي الستينيات،
وال نعرف إن كان قد تزوج أكثر من مرة ،وال نعرف َمن الزوجة المقصودة هنا.
- 360حيث إن سينيكا يخاطب قارئه المتخيل “أنت” ،فمن غير الواضح أين تنتهي المعالجة
الذاتية وتستأنف المالحظات لنوفاتوس ،وأنا أعتبر أن المعالجة الذاتية تمتد حتى §.38
210
اللغة واألخالق ،وزار روما عام 155ق.م ،وهذه الحكاية قيلت عنه هنا فحسب.
366لمعرفة انخفاض الروح المتقدة لكاتو راجع ،2.32.2nويستشهد سينيكا بمثال آخر حيث
ُبصق عليه .Moral Epistles 14.13 and On the Wise Man’s Consistency 2.1ff
وكان هناك أكثر من لينتيلو Lentuliفي أواخر الجمهورية :والمرشح الوحيد المعروف
الذي يمكن أن يطلق عليه “الوحش والمفرق” – بوبليوس كورنيليوس لينتيليوس سورا
ُ Publius Cornelius Lentulus Suraأعدم الشتراكه في مؤامرة كاتيلين على اعتباره
مبكرا على حياة آبائنا (ربما قد ولد والد سينيكا في
ً برايتور في 63ق.م – وقد يكون
أواخر الخمسينيات ق.م).
- 367هناك اختالف في ترجمة معنى كلمات المخطوط.
- 368تتجلى هذه المقاربة في الجزء الثاني للنصيحة التي وردت أدناه §.40.1
- 369الستعمال الخوف راجع .2.14.1n
- 370قارن السطر الصعب الذي يعده سينيكا الذي ينهل منه الحزن .Marcia 1.7f
- 371بيبليوس فيديوس بولليو ( )Publius Vedius Pollio d. 15 BCEابن متحرر ،صعد
On Clemency إلى رتبة فارس ،كان من المشايعين والمؤيدين ألوغسطوس انظر
.1.18.2, Pliny Natural History 9.77
Phalaris - 372الرذيلة خلف الغضب تتضح من خالل كاليجوال (§ )19.1وفاالريس
(.)2.5.1
- 373وهكذا معيار التعريف الرواقي لكراهية الغضب أصبح ثابتًا .SVF 3.395–98
- 374راجع ابتسامة الوحش الكبير بنباح الكالب §.25.3
“ - 375الموت يجعل كل أنواع الرماد متساوية” .Cf. Moral Epistles 91.16
- 376لمعرفة اشمئزاز سينيكا من األلعاب انظر .Moral Epistles 7
جميعا مواطنون عالميون 2.31.7n., and
ً -كما هو الحال لجميع البشر اآلخرين ،ألننا 377
.cf. 1.5.2n
Lucretius 3.959–60 and esp. Anonymus Copa 38: “Death tweaks - 378راجع
.your ear and says, ‘Live—I’m coming
211
212
انفعال الغضب بين النظرية والعالج
عند سينيكا
213
214
�إلى ابنتي
روان
215
216
مقدمة
لم يكن سينيكا أول َمن يكتب عن انفعال الغضب في الفكر اليوناني؛ فقد
سبقه الفيلسوف العظيم خريسبوس (تقري ًبا 280 -207ق.م) في كتابه عن
المدون في أربعة كتب ،وقد قدم هذا العمل بنفس منهجية سينيكا،
َّ االنفعاالت
حيث يبدأ بفهم االنفعاالت قبل أن يعطي نصيحة بكيفية مداواتها .وقد سبق
شيشرون في مناظرات توسكوالن Tusculan Disputationsسينيكا في معالجة
موضوع الغضب بمائة عام –وهي المناقشة الالتينية الكالسيكية الوحيدة عن
االنفعاالت ،وهي أكثر امتدا ًدا من معالجة سينيكا -حيث فسر وخفف الحزن على
وجه أخص في الكتاب الثالث ،واالنفعاالت بشكل عام في الكتاب الرابع .ووضع
عالجيا في
ًّ فيلوديموس Philodemusاإلبيقوري في القرن األول الميالدي ً
قسما
كتابه عن الغضب ،وكتب بلوتارخ وهو من أتباع أفالطون في التحكم في الغضب
ولكن الرواقيين تناولوا الموضوع لمطالب ملحة ،وهم
َّ بعد جيلين من سينيكا،
فحسب من بين المذاهب الفلسفية القديمة الذين اعتقدوا أن االنفعاالت -كما
شرا في حد ذاتها ،ألسباب سوف ننظر فيها أدناه ،فالعالج المؤكد
جميعاًّ -
ً نعرفها
الوحيد لالنفعاالت هو استئصالها ،واتبعوا هذا االعتقاد ،وركزوا على الغضب
ألنه من المؤثرات المخيفة.
217
وتكشف هذه الدراسة عن جوانب عدة منها علم النفس الرواقي ،وهو علم
جدير بالدراسة في عالمنا المعاصر؛ ألنه يكشف عند دروب جديدة لعيش الحياة،
موضوع
ٌ ناهيك عن دراسة مفهوم االنفعاالت الذي يعتقد كثير من الدارسين أنها
بعيدٌ عن الفلسفة ،إال أنها تجسد صلب مفهوم اإلنسان ،حيث تشاكلت دراسته
بين فلسفة العقل المعاصرة وعلم النفس ،وكالهما يتعرض للجانب التطبيقي في
العالج ،وربما يبدو االختالف في منهجية المداواة ،فاألول ُيخضعها للتجريب
والثاني يضعها تحت مجهر العقل.
وترتكز إشكالية دراستنا حول تساؤالت عدة :ما المقصود بانفعال الغضب؟
وأخيرا كيف
ً وهل الغضب ضرورة؟ وما اآللية التي يعمل بها انفعال الغضب؟
يمكننا مداوة الغضب؟ وحتى نجيب عن هذه األسئلة اتبعنا المنهج التاريخي
التحليلي المقارن.
وقد قسمت الدراسة إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة ،أما المقدمة فقد وضحنا
فيها أهمية الدراسة وإشكاليتها والمنهج المتبع فيها ،وأما المبحث األول نبين فيه
الجانب النظري النفعال الغضب الذي نحدد فيه تعريف الغضب وضرورته وآليته،
وأما المبحث الثاني نطرح فيه الجانب العالجي النفعال الغضب والذي ينصب
على جانبين هما التربية وضبط انفعال الغضب ،أما الخاتمة فقد جمعنا فيها أهم
النتائج التي توصلت إليها الدراسة.
اً
أول :الجانب النظري لمفهوم الغضب:
218
عمليا في روايته ميديا حيث دمرت ميديا(*) كل شيء بما في ذلك نفسها،
ًّ التعريف
وهي ضحية حبها وغضبها ،فكانت ميديا رمزً ا يكشف الجوانب المكروهة في
اإلنسان والتي تدمر كل أوجه المشاعر الطيبة ،وقد تجسدت هذه الجوانب في
انفعاالت الغضب واالنتقام التي جعلتها ترتكب جرائم ال حد لها من أجل حبها
لياسون ،فتقتل أخاها ضحية حبها وتهرب من وطنها ،وعندما خان ياسون عهده
معها واقترن بغيرها ،تنتقم منه أشد انتقام ،فترتكب جرائم أفظع ،وتقتل كريوسا
وكريون ،وتقتل أبناءها بوحشية ،وهو بذلك يصور لنا جنون الغضب وجنون
شهوة االنتقام ،عن طريق تصويره جوانب الضعف البشرية عندما تسيطر الرغبة
على العقل ،وتسخر كل قدرات اإلنسان لتحقيق مآربها(((.
(*) ميديا -في رواية سينيكا -هي ابنة الملك أييتس التي أحبت ياسون عندما وقع بصرها عليه ،صممت
على مساعدته بما لديها من فنون السحر ،وبعد حصوله على الفروة الذهبية ،فرت ميديا هاربة معه
وتركت وطنها وأهلها ،وقامت بأعمال مرعبة نتيجة الغضب واالنتقام.
((( د .أحمد خليل إبراهيم :ظاهرة الغضب واالنتقام في مسرحية ميديــا لسينيكا” ،بحث منشور في مـجلة
مـركز الدراسات البردية والنقوش ،جامعة عين شمس ،العدد الواحد والثالثون ،2014 ،ص.21
(3) Cicero: On the Emotions “Tusculan Disputations 3 and4”,Translated and with
commentary by Margaret Graver,The university of Chicago press, Chicago and
London,2002.3.11, 19; 4.44
((( أرسطو :كتاب النفس ،ترجمة د .أحمد فؤاد األهواني ،ومراجعة جورج قنواتي ،المركز القومي
للترجمة ،الطبعة الثانية ،القاهرة ،2015 ،ك403 ،1ظ ،5،ص.7
219
وهذه التعريفات الثالثة في وجهة نظري متناظرة من ناحية المفهوم ،لذلك هو
يعرضها ويؤكد أن ليس بينها اختالف ،حيث تؤكد أن الغضب هو رغبة فحسب في
رد الضرر الكائن الذي حدث المرئ بعينه أو عقاب المرئ تتصور أنه قد أحدث
ضررا ،أو رد األلم بألم مثله.
ً لك
إال أن هناك اعتراضين على تعريف الغضب يعرضهما سينيكا ،أما االعتراض
األول :وهو أن الغضب ال ُيبنى على َمن يضروننا فحسب ،بل على َمن لديهم العزم
نتاجا لخطأ ،إال أن سينيكا على ضررنا ً
أيضا ،ويتضح من هذا أن الغضب ليس ً
يرد على هذا االعتراض بقوله« :صحيح أننا نغضب من الذين يقصدون ضررنا
بل يضرونا بهذا القصد :فإن المرء الذي ينوي ارتكاب خطأ يرتكبه بالفعل»(((،
ويعني سينيكا أن القصد في الضرر ينتج عنه ضرر مادي بالفعل ،وحتى إن لم
يخرج إلى حيز الفعل ،فهو غضب مكبوت وهو أحد أنواع الضرر التي يقرها علم
النفس المعاصر.
واالعتراض الثاني :وهو أن الغضب ليس رغبة في الدفع؛ ألن أضعف الناس
دفعا ال يأملون تحقيقه ،ويرد سينيكا
غال ًبا يغضبون من أقواهم ،وهم ال يرغبون ً
على هذا االعتراض بقوله« :إنني قلت في المقام األول إنه رغبة في الدفع بالضبط،
وليس قدرة على عمل ذلك ،وإن الناس يرغبون حتى في األشياء التي ليس
بمقدورهم تحقيقها .وفي المقام الثاني ليس من صاغر ليس بمقدوره تخيل األمل
حتى في دفع ما هو أسمى :كلنا قادرون تما ًما عندما يتعلق األمر بالضرر»(((.
«وتبعا
ً وقد عرج سينيكا إلى تعريف آخر للغضب عند الرواقيون وهو يقول:
لهذا ،بعض من شيعتنا قالوا إن الغضب هياج في الصدر عن طريق غليان في الدم
حول القلب ،وقد تعينت هذه المنطقة للغضب ألنها أدفأ مكان في الجسم .والتفسير
(5) Seneca: on anger,op.cit.b1,3.1,p16.
(6) Ibid: b1,3.2,p16.
220
تدريجيا؛
ًّ لهذا في تركيب العناصر»((( .وينمو غضب َمن تسيطر عليهم الرطوبة
فعليا للدفء الذي يمكن أن ُيكتسب بالحركة ،ولهذا السبب
ألنهم ال يملكون مدًّ ا ًّ
غضب األطفال والمرأة أشد حدة من التفجع ،وتافه في بدايته إلى حد ما ،ومراحل
الحياة الجافة التي فيها غضب عنيفة وقوية ولكن ال يزيد :حيث ال ينمو؛ ألن البرودة
تتبع الحرارة التي ترتبط باالنطفاء ،فالعجائز متذمرون ومعقدون مثل المرضى
والمتماثلين للشفاء والذين استنزفت حرارتهم باإلعياء أو الفصد»(((.
وقد استند هنا إلى رأي خريسبوس عندما وصف الغضب بأنه ارتفاع في بخار
حول القلب ُيجبر على الخروج وينفخ على الوجه واليدين.
ويميز سينيكا بين الغضب والغيظ بمثال واقعي حيث يختلف الغضب عن
‘الغيظ’ الواضح :إنه يختلف بنفس الطريقة التي يتباين بها ‘السكران’ عن ‘السكير’
ً
مغتاظا والمغتاظ ليس غاض ًبا و‘الخائف’ عن ‘الخواف’ ،وربما ال يكون الغاضب
أحيا ًنا((( .هذا هو االختالف بين االنفعال ‘الحادث’ (عارض لغضب مجرب
بالفعل) و‘التصرف’ انفعالي ،وهو سمة شخصية راسخة تتضمن الميل لتجربة
تمنح االنفعال(.((1
221
تضع من بينها حاد الطبع morosusوهو نوع من حساسية الغيظ.
والحقيقة كما يقول سينيكا« :هناك صور بعينها للغضب ،بعضها ينحدر إلى
صراخ مقتضب ،وبعضها ارتعاش مألوف وعويص وبعضها جسدي موحش وليس
لفظيا تما ًما ،وبعضها ينداح في عباب لتعسف عنيف ومجدف ،وبعضها صور ال
ًّ
تتعدى الشكوى واالستياء ،وبعضها دفين مؤثر ومتشعب باطن .هناك ألف نوع
آخر لصور الشر متعددة الشكل»(.((1
وهنا يتضح انفعال الغضب الذي يقصده سينيكا ،وموقفه من التعريف عند
الرواقية والذين سبقوه ،ناهيك عن اختالف الغضب عن المفاهيم األخرى التي
قد تقترب منه.
222
سرا على خالف
وكل االنفعاالت األخرى التي بمقدورك أن تخفيها أو تحتضنها ًّ
مرئيا على محياك ،ويتجلى غليانه بوضوح
الغضب الذي يدفع ذاته لإلمام ويصبح ًّ
كلما نما ،ويقينًا أنك على دراية بالطرائق التي تتصرف بها الحيوانات في كيفية
التخلي عما يثير الذعر إن تعرضت لألذى ،فتفقد وعيها المعتاد بأجسامها تما ًما
وحالة هدوئها وتبالغ في ضراوتها الطبيعية»(.((1
«ناهيك عن صوت األسنان التي تصطك كما لو كانت تحاول تقليد الخنازير
وهي تجرش أسلحتها لغاية ،وأضف تفلع المفاصل من ٍ
أيد مصلوبة ،ودق الصدر
ً
وتلفظا بكلمات غير مفهومة بصراخ مترنحا،
ً وتأوها اله ًثا
ً من فينة ألخرى،
مفاجئ ،ورجفة شفاه هائمة ،ونفث بعض الكراهية وضجيج الصوت»(.((1
وال شيء ينفعك أكثر من معرفة قبح الغضب وموبقاته ،وما من مالمح انفعال
إزعاجا منه ،فهو يحول أعدل الوجوه للقبح ،ويكسو المتوحش منها بالهدوء
ً أشد
التام ،ويفقد فيه الناس كل إحساس باالحتشام ،فإن كانوا منمقين اللباس فسوف
طبيعيا أو
ًّ يخلعونه ويفقدون كل اهتمام بمظهرهم ،وإن كان شعرهم جاذ ًبا تمشيطه
بفن فإنه ينتصب بجنون مثل عقولهم ،وتنتفخ عروقهم ،وتتشنج صدورهم بالتنفس
السريع ،وتتحرك أعناقهم بالهياج المسعور ألصواتهم ،وترتجف مفاصلهم،
أمواجا(.((1
ً ويقبضوا على أيديهم ،ويتالطم جسدهم كله كما لو كان
ِ
يكتف سينيكا بوصف طبيعة الغضب عند البشر ،بل وصف طبيعة الغضب ولم
عند الحيوانات ،حيث «ترغو الخنازير في فمها وتجز على أنيابها لتحدها ،وترشق
الثيران قرونها في الهواء الفسيح ،وتبعثر الرمل بحوافرها الدامغة ،وتزأر ُ
األسود،
و ُت َل ّمع الثعابين رقابها حين ُتستفز ،و َتسعر الكالب بالحملقة .فال حيوان بطبيعته
(12) Ibid: b1,1-3.4.5,p15.
(13) Ibid: b3,4.2,p65.
(14) Ibid: b2,35.3,p60.
223
خطر ،بل تزداد ضراوته عندما ينتابه الغضب.
ٌ مرعب وال
ٌ
«وإذا كانت االنفعاالت األخرى مرئية ومن الصعب إخفاؤها ومن اليسير
التعرف عليها بشكل مسبق ،فإن الغضب يختلف عليها حيث إنه يتولد من ذاته في
اآلن ذاته ومن الصعب توقعه.
«وتفتقر الحيوانات البكماء لالنفعاالت اإلنسانية ،لذا لها دوافع بعينها تشبه
االنفعاالت .فكيف يكون حالها إن عرفت الحب والكراهية؟ إنهم سيعرفون
الصداقة والعداوة والخالف والوئام .ورغم وجود مسحة من هذه األشياء في
الحيوانات ،إال أن ملكيتها أصيلة لقلوب البشر– ألجل الصحة والمرض على
حد سواء»( .((1مثل مشهد األعداء أو الوحوش البرية التي تتقطر د ًما أو تمضي
ُقدُ ًما للقتل ،ومثل وحوش العالم السفلي التي تخيلها الشعراء الذي تطوقه الثعابين
وتتنفس النار .ومثل اآللهة المرعبة التي تأتي من الجحيم لتشعل الحرب وتنشر
أشالء -وهذه صورة الغضب في عين العقل:
ً الخالف بين األمم وتمزق السالم
حيث األعين المتقدة التي تصخب بصياحها وخوارها وتأوهها وصفيرها وأي
ويلوح بأسلحته بكلتا يديه (وهو ليس في حاجة ليحمي
ِّ صوت بغضه شديد،
نفسه) ،بشراسة ودموية ويكدم نفسه ويتحرك في جنون ،ويتغمر في الظالم،
ٍ
امرئ وكل شيء -وهو مثيرا بتمخضاته كراهية كل
ويهجم ويرقد مستعدًّ ا لقتالً ،
(15) Cicero: Tusculan Disputations, op.cit, 4.31.
(16) Seneca: on anger,op.cit, b1,3.6,p17.
224
أولهم -وهو يسعى ليربك األرض والبحر والسماء إن كان بمقدوره أن يضر بأي
وسيلة الكاره والمكره في آن.
وإن كان بمقدور العقل أن يجسد صورة مادية مرئية واضحة ،فإن مظهره
السوداوي والمتوحش والمتعرج والمتورم والمهتاج سيثير مشاهد الناظرين،
ناهيك لو شق طريقه خالل العظم واللحم وعوائق أخرى عدة ،فسوف يعظم
تشوهه :فماذا لو كان باإلمكان تعريته؟ .ويقينًا ،سوف تعتقد أن المرآة ال تمنع
أحدً ا من الغضب ،بالطبعَ :من يقترب من المرآة ليغير من نفسه ،فإنه سوف ُيغير
بالفعل ،وال يجد الغاضبون صورة أشد جمالاً من تلك الصورة الوحشية والقاتمة
التي يرغبون في الظهور بها.
ويجب أن نأخذ بعين االعتبار كم الذين قد أضرهم الغضب ،فبعض الناس قد
حميتهم الملتهبة ،وينزفون د ًما من الصراخ
تنفجر أوعيتهم الدموية بإفراطهم في ّ
قسرا،
المدوي الذي ال تتحمله قواهم ،وتغشى أبصارهم عندما يذرفون ماء أعينهم ً
وتنشط أمراضهم حين يعتلون.
«إنه يستولي عليهم شر أعظم يفوق الرذائل كلها وآخرون يدخلون فيه رويدً ا
رويدً ا ،وتعمل هذه القوة فجأة وفي آن واحد ،وباختصار يجعل الغضب كل
االنفعاالت األخرى موضوعات له -إنه يتغلب على اإلحساسات الدفينة -ولهذا
السبب يطعن الناس األجسام التي أحبوها ويرتمون في أحضان َمن قتلوا ،وقد
شرا واضطرا ًبا ،فقد يجبر على تبديد
يفوق الغضب الجشع الذي هو أعتى منه ًّ
ثروته وإحراق مسكنه ويستقطب ممتلكاته ،ألم يطمع الرجل بالطموح ويلقي
القيمة الرمزية العالية للمنصب جان ًبا ،ويرفض الشرف المعروض عليه؟ فكل
انفعال يهيمن عليه الغضب»(.((1
226
الغضب قد يسقطها .وتأمل األراضي القفر والفيافي التي بال سكان ألميال عدة:
إن الغضب ُيجردها .وتأمل قادة عدة معروفين للتاريخ بأنهم ٌ
مثال للمصير القاتم:
حيث سعى الغضب ألحدهم في سريره وطرح اآلخر ميتًا على مائدة عشائه ،ومزق
وصل من أوصال آخر على مرأى المحكمة المحتشد وهو في حضن القانون،
وتسبب في سفك الرجل لدم ابنه ،وشق أطراف آخر على الصليب .وال أزال
أتحدث عن العواقب التي قد تصيب األشخاص ،وأتنحى اآلن جان ًبا عن رجل
بعينه غار عليه الغضب المتقد ،بل أتأمل الجموع التي جزها بأسرها والقوم الذين
ذبحهم ،عندما طاح به جيش وحكم على الشعب برمته أن يموت في مذبحة ال
أخالقية»(.((1
وإن كان يتفق مع الطبيعة فهذا يدعونا إلى أن نتأمل اإلنسان عن قرب ،وأي
الحاالت يكون فيها معتدلاً حين ال تشوه حالته العقلية؟ وما الشيء األشد قسوة
من الغضب من ناحية أخرى؟ وما األشد كراهة من الغضب لإلنسان ؟ وما األعظم
حبا له من الغضب؟ لقد ُولد اإلنسان ليعطي ويتلقى العون– والغضب ليدمره.
ًّ
ويرغب أحدهما في االجتماع وآخر في االنعزال ،ويطلب أحدهما النفع وآخر
الضرر ،ويبتغي أحدهما عون الغرباء وآخر يعتدي حتى على القريب والعزيز .وإن
البشر مهيأون للتضحية حتى بذواتهم ألجل اآلخرين ،والغضب ُمستعد للدفع بهم
في الهالك شريطة أن يجر اآلخر إلى الهاوية.
(18) Ibid: b1, 2.1.2.3,p15.
227
د -آلية الغضب :
يتحدث سينيكا عن االنفعاالت على أنها كيانات منفصلة بشكل ما أو بآخر
عن الذهن أو العقل ويمكن مداهمتها أو تلويثها ،وهذا األمر ال يتعلق باالنفعاالت
عند الرواقية ،بل بموضوع الحس المشترك لالنفعاالت التي نستقبلها ،فمن السهل
خارجا ،وعدم قبولها أكثر من توجيهها
ً في المقام األول أن ُنبقي على عوامل الضرر
والتحكم فيها بمجرد قبولها؛ألنهم حين يستغلونه فهم أكثر قدرة ممن يتحكم فيه،
وال يتحملون استقطاع أو نقصان .وفي المقام الثاني فإن العقل ذاته الذي ُيعهد إليه
عن االنفعاالت ،ومجرد اختالطه بها زمام الحكم ،ال يحكم إال إذا ظل
خارجا .فالفكر
ً يتلوث ويعجز عن إبقائها محلاًّ للمراقبة ،رغم أنه يمكن أن يبقيها
بمجرد زعزعته وإزاحته عن مكانه الصحيح يصير عبدً ا لشيء يشقه على طوله.
إن الحركات التي يتحدث عنها سينيكا في آلية الغضب هي حركات للعقل،
وجدير أن تالحظ أن كل حركة منهم تخضع لسيطرتنا ،وكما َّبين سينيكا في
( )3.5–2.2.1أن الحركة األولية‘ -لطمة’ أو ‘هزة –’ictusهي إحاطة أولى بأن
شيئًا ما قد يحدث لتغير حالتنا النفسية والجسمية ،ونحن نجربه بشكل ال إرادي
–سينيكا يقارنه على سبيل المثال برجفة عند رش الماء البارد أو المغلي -وهو في
الحقيقة ال إرادي وجزء ال يتجزأ من بنيتنا الطبيعية ،وهو مجرب حتى مع من له
عقل كامل أو حكيم ،والحركة الثانية علة واضحة الحقة للطمة األولية غير الطوعية
تدركها على أنها ‘خطأ’ (واألحرى قول إنها دفقة لماء بارد) وتخيل أنها فعل
مناسب لهذه العلة (الشروع في االنتقام بدلاً من انتزاع المنشفة) :وفي هذه المرحلة
ُتمنح الموافقة أو ُتحجب ،فإذا منحنا الموافقة ُنجرب المرحلة الثالثة –الغضب
المناسب -وهي ‘اإلطاحة بالعقل’ :وفي هذه المرحلة ُتوجه عقولنا نحو الرذيلة،
وال تقع حركتها تحت سيطرتنا كما كانت في الهزة األولى .والحقيقة أن سينيكا في
228
نقطة بعينها يرجع إلى التراث الرواقي ويقارن الحركة بإلقاء النفس من الجرف (.((1
“وهناك أشياء بعينها تحت سيطرتنا في بداياتها ،وتدفعنا على طول الخط
بقوتنا في مراحلها الالحقة وال تترك لنا طري ًقا للعودة .فالذين يقفزون من جرف
ينبت قرارهم وال يستطيعون المقاومة وال يبطئون نزول أجسامهم عند السقوط،
وليس أمامهم سوى الوصول إلى النقطة التي كان بمقدورهم أن يرفضوها من
البداية ،وهكذا العقل حين ُيقدم على الغضب والحب واالنفعاالت األخرى ال
ُيسمح له بمراقبة انقضاضه ،حيث عليه أن يحمل ثقله وطبيعته النازلة لألسفل
ويدفعها أسفل إلى األعماق»(.((2
وإن المسار األفضل هو رفض الوخزات األولى للغضب على الفور ،وأن
يقاتل ضد شراراته األولى ،وأن يناضل حتى ال يخضع له ،فبمجرد أن يحملنا
على المسار من الصعب أن يرتد بنا لألمان ،حيث لم َ
يبق ذرة عقل بعد أن ُسمح
لالنفعال ببعض الحقوق السيادية التي منحناها إياه بمحض إرادتنا ،وبعد ذلك لن
تفعل ما يسمح به بل ما يريده(.((2
ويرى علم النفس الرواقي أن االنفعال ليس مفصولاً عن قدرة التفكير ،بل
هو تغير في قدرة التفكير ذاتها ،وتنطوي االنفعاالت وحدها على التحول؛ ألن
العقل حالة ذهن طبيعية« ،والعقل واالنفعال ليسا لهما أماكن متمايزة ومفارقة ،بل
يتحول العقل إلى حالة أفضل وأسوأ ،وإال كيف يبعث ذاته بمجرد بزوغ الغضب
عندما تربكه الرذيلة وتستولي عليه؟ أو كيف يحرر ذاته من حالة الوحل التي يهيمن
فيها خليط العناصر الرئيسة؟»(.((2
(19) introduction of Seneca: on Anger,p4
(20) Seneca: on Anger, op.cit, b1,7.4.p
(21) Ibid: b1,8.1,p21.
(22) Ibid: b1,8.3,p21.
229
ويتبدى اعتراض «ولكن بعض الناس يتحكمون في أنفسهم حين يغضبون»،
هل في هذه الحالة ال يفعلون شيئًا يمليه الغضب أو ال يفعلون شيئًا؟ فإن لم يفعلوا
شيئًا يمليه الغضب ،فليس هناك حاجة للغضب إلنجاز األمور -أي استدعاء العقل
للمساعدة ،كما لو أن هذه الحالة كان لديها قدرة أكبر من العقل.
وبناء على ذلك ،فإنَّ الصدمة العقلية األولى الناشئة عن انطباع الضرر ليست
غض ًبا ،بل االنطباع نفسه .والنزعة القصدية التي تلي ال تعتد باالنطباع فحسب بل
تؤكده -هذا هو الغضب ،أي إثارة العقل الذي ينزع إراد ًّيا وعمدً ا نحو غاية االنتقام.
وما من شك أن الخوف ينطوي على الهروب والغضب سعي ،وتدبر إذن ما إذا كنت
تعتقد أنه بمقدورك أن تالحق أو تتعامل مع أي شيء بحذر دون موافقة العقل(.((2
واآلن قد تجلى كيف يبدأ االنفعال أو ينمو أو يتخذ له سبيلاً :حيث النزعة
اإلرادية األولية أي االستعداد لالنفعال بما هي عليه مثل إشارة التهديد .ويرافق
هذا النزعة الثانية وهي تعبير إرادة ليست عازمة على مكابرة ينتهي إلى «ينبغي أن
أنتقم إن ُضررت» أو «ينبغي أن ُيعاقب هذا الرجل ألنه اقترف جريمة» .والنزعة
الثالثة خارجة عن نطاق السيطرة حيث ال تريد االنتقام إن كان مناس ًبا بل ما يحتمل
(23) Ibid: b2,3.4,p36.
(24) Ibid: b2,3.5,p36.
230
أن يأتي بعد االنتقام وهي أن تطيح العقل(.((2
وليس بمقدورنا أن نتجنب الصدمة العقلية األولى بمعونة العقل ،كما ليس
بإمكاننا أن نتحاشى النزعات األخرى (كالتي ذكرتها) التي تصيب أجسامنا ،وكما
ليس بمقدورنا أن نحجب تثاؤبنا عن شخص أخر أو نغلق أعيننا من لكزة مفاجئة
من أصابع شخص أخر ،وليس بمقدور العقل أن يتغلب على هذه النزعات ،ومع
هذا ربما يمكن تقليل قدرتها إذا اعتدنا عليها وداومنا على مشاهدتها ،وأما النزعة
الثانية التي ُتولد من التداول فقد ُتستأصل بالتداول(.((2
ويضرب مثالاً بالطبيب «حين يواجه اضطرابات خفيفة ،فإنه يحاول في
البداية أن يدخل تعديلاً على النظام اليومي :حيث يفرض بعض الترتيبات على
الطعام والشراب والعمل ،ويحاول بهذه الطريقة أن يبني صحة المرء على مهل
محكما .ويسمح لالعتدال بعد ذلك بأن يقوم ببعض األشياء
ً ليجعل أسلوب حياته
القويمة ،وإن لم يفد الترتيب واالعتدال بشيء ،فإنه يستأصل بعض عناصر النظام
اليومي ،وإن لم يستجب المريض يحرمه الطبيب الطعام ليحرره من أثقال جسده
بالصيام ،وإن لم تحقق هذه الجرعات اللطيفة شيئًا فإنه يلجأ إلى الجراحة والبتر-
(25) Ibid: b2,4.1,p36.
(26) Ibid: b2,4.2,p37.
(27) Ibid: b1,6.1,p19.
231
إن كانت أطرافه المتعلقة بالجسد قد تضررت بانتشار المرض .فأيما كان العالج
فإن له نتيجة صحية ُيظن أنها قاسية» ((.)((2
«ومع ذلك فإن الشجاعة التي يظهر أنها أكثر مالءمة للطبع هي تلك التي
يولدها فينا الغضب ،بل قد تصير الشجاعة الحقة متى أمكن الغضب أن يضم إليه
دائما إحساس
التدبر واالختيار الحر لغرض معقول ،ومع ذلك فإن الغضب هو ً
مؤلم ،على ضد االنتقام فإنه لذة .حينئذ يمكن أن يترك المرء نفسه إلى النزال بهذه
الشهوات ،ولكن هذا ال يفيد أنه عنده شجاعة؛ ألن هذا حينئذ ليس هو الشرف
وليس هو العقل الهادئ ،بل هذا ليس إال الشهوة».
(28) Ibid: b1,6.2,p19.
( ((2أرسطو :علم األخالق إلى نيقوماخوس ،ترجمه من اليونانية إلى الفرنسية بارتملي سانتهيلر ،ونقله
إلى العربية أحمد لطفي السيد ،دار الكتب المصرية ،القاهرة1924 ،م ،ك،3ب،9ف11 -11ص
.309
232
ويتساءل سينيكا وهو يلمح إلى أرسطو حيث تكمن الفضيلة في التصرف
معا؛
الثابت لتجربة ال تنقص وال تزيد في منح أي انفعال ولكن تعني االثنين ً
ألن االعتدال praotēsعند أرسطو هو الوسيلة المناسبة للغضب ،بين الشفافية
وأشكال عدة للغموض ،ومن الواضح أنه يشوه مذهب أرسطو ويفترض ما يعتقده
بأن الغضب ‘المعتدل’ ينبغي أن ُيغرس كوسيلة للحفاظ على ‘طاقة العقل المفعمة
وهو يرى «أليس من الغليان(((3 بالحيوية’ مثل اللهب الذي يبقي القارورة في
نافعا؟
طبيعيا ألنه غال ًبا ما يكون ً
ًّ نصيرا رغم أنه ليس
ً الممكن أن نتخذ الغضب
إنه يثير معنوياتنا ويحثنا ،فال تحقق الشجاعة في الحرب دونه شيئًا :حيث يتطلب
الغضب أن يوضع اللهب أمام المواد الملتهبة وال ِم ْن َخس أمام الجريء وترسلهما
إلى طريق الضرر ،ولهذا السبب يعتقد بعض الناس أنه من األفضل أن يتحكموا
في الغضب وألاَّ يتخلصوا منه ،وأن يختزلوه إلى وسيلة ناجعة بنزع الزائد منه بينما
يحجزوا العنصر الذي يمنع الفعل عن التحول الضعيف والطاقة الحية للعقل من
الذبول».
ويرى سينيكا أن أرسطو يقول« :الغضب ضرورة ،وال يمكن أن يؤدي أي
نضال لنصر دونه ،حيث يعبئ العقل ويشعل الروح ،ويجب أن ُيوظف كجندي
مشاة وليس قائدً ا» .وهذا خطأ ،فإذا استمع إلى العقل واتبعه حيث يقوده فلن
يعد غض ًبا له جموحه كطابعه المعروف ،ولكن إذا حارب ضد العقل ،فلن
يبقى حين يطلبه ويدفعه قد ًما بالرغبة الجموحة ،إنه عديم النفع كخادم للعقل
وكجندي يتجاهل شارة التراجع» .ال يتبنى أرسطو شيئًا من هذا القبيل في أعماله
الممتدة ،بل يصنف شيئًا مثل هذا على أنه شجاعة زائفة في كتاب األخالق إلى
نيقوماخوس(.((3
233
نافعا ألنه يؤجج
ويعترض آخرون كما يقول سينيكا على أن «يكون الغضب ً
الس ْكر من هذا القبيل :إنه يجعل الناس عدوانيين
الناس للقتال» ،ويمكن اعتبار ُّ
ومتهورين ،وكثير منهم يكون في حالة أفضل وهو يمسك السيف مرعو ًبا ،ويدَّ عي
بأسا ً
أيضا أن الهذيان والهياج ضروريان للقوة؛ ألن الجنون يجعل الناس أشد ً
غال ًبا!
وقيل «إن الغضب نافع ألنه يحفظك من االحتقار و ُيخيف األشرار» ،في
المقام األول إن كان الغضب قو ًّيا متوعدً ا فإنه مكروه ألنه يثير الخوف ،وبل واألشد
خطورة هو الخوف أن ُتحتقر ،وإن كان واهنًا من ناحية أخرى فإنه عرضة لالزدراء
وال يفلت من السخرية ،وإال فما األسخف من غضب الخصومة وتبجح بال طائل؟
وفي المقام الثاني ليس األمر في أشياء بعينها أكثر تهديدً ا كذلك ،وال أود أن
يخبر الحكيم بأن المخيف الذي هو طرف من ذخيرة الحيوانات البرية هو سالح
للحكيم ،فالحمى وألم المفصل والقرحة الكريهة كلها مخاوف أليس كذلك؟
ولكن أليس من قطرة خير في هذه األشياء؟ بل إن األشياء المحتقرة والمقززة
والتي هي ٌّ
محل ألسباب الخوف على العكس تما ًما ،وهكذا الغضب قبيح في حد
جسيما على اإلطالق ،ولكنه ُيخوف الكثيرين كما يخاف األطفال من
ً ذاته وليس
قناع قبيح» (.((3
234
الغضب يحتل مكانه المناسب بين هذه األدوات ،فإن صرخاته شيء بغيض
يرعدك ،وهو أشنع من كل األدوات في سعاره(.((3
وتوكيد آخر «ولكن حين نواجه العدو نحتاج إلى الغضب»( ،((3وال نحتاج
إلى أقل من ذلك ،وهذا حين تخضع أفعالنا العدوانية للسيطرة واالمتثال لألوامر
وليست مطلقة للعنان .وعلى سبيل المثال ماذا ُيفعل في البرابرة األقوياء في الجسد
ويعانون الكدح سوى الغضب وهو أسوأ عدو لهم؟ والمجالدون ً
أيضا – تحميهم
مهارتهم والغضب يعرضهم للخطر.
وما الحاجة للغضب حين يكتسب العقل النهاية نفسها؟ هل تفترض أن الصياد
يشعر بالغضب تجاه الوحوش البرية؟ ومن ثم يواجههم ويقترب منهم ويركض
خلفهم وهم يفرون ،والعقل ُينجز كل هذا دون غضب .وعندما تدفق آالف من
الكامبري Cimbriوالتوتوني Teutoniعلى جبال األلب ،فما الذي دمرهم – حتى
إن شعوبهم عادت إلى ديارها بمجرد سماع األخبار فحسب بترويج اإلشاعة –ولم
يفلت حتى الرسول -فما الذي دمرهم غير أنهم بدلوا الفضيلة بالغضب(((3؟ وكما
أن الغضب معروف أحيا ًنا بأنه يمد بالقوة الدافعة وينخفض باألمور عن مسارها،
فإنه غال ًبا ما يدمر النفس.
«إن الغضب مطلوب إللحاق العقاب» .فهل تقصد أن القانون يضربك غاض ًبا
بما تجهله وما ال تراه وما تأمل ألاَّ يكون موجو ًدا؟ ال ،وعلينا أن نعول على العقل
(33) Ibid: b3,6.3,p67-68.
Tusculan Disputations ( ((3هذا موقف شيشرون ينسبه للمشائيين في المناظرات التوسكوالنية
.4.43; cf. §7.1n
( ((3إن الحديث عن الفضيلة هنا أحرى من الحديث عن بعض الصفات النوعية وهو يوافق الموقف
الرواقي بأن الفضيلة مطلقة ووحدة متكاملة ( :)cf. On Clemency 1.5.3حيث ال يمكن للمرء
حكيما ،والشجاعة والحكمة طرائق متمايزة للفضيلة
ً أن يكون شجاعً ا دون أن يكون معتدلاً أو
تعبر بها عن ذاتها ،وال تُجمع الشخصية الفاضلة من عناصر منفصلة.
235
في القانون الذي ال يغضب بل يحل ،فمن الصواب أن يغضب الرجل الصالح
من األفعال الخبيثة ،ومن الصواب أن يسخط من حظوظ الخبثاء .والحقيقة أن ما
أناسا بعينهم يتأنقون ويتعسفون لطف
يستحق السخط أكثر من هذه الحقيقة أن ً
الحظ عندما ال يواكبهم الحظ ليجدوا ما يبغونه؟ ولكن الرجل الصالح يتطلع إلى
أفضليتهم دون سخط ،كما أنه ينظر إلى جرائمهم دون غضب :فالقاضي الخ ِّير
يدين أشياء تستحق التأنيب وهو ال يكرههم.
ويتخيل سينيكا في حواره بأن هناك َمن يسأله عن الغاية من الحديث عن
الغضب والعقل ،وهو يرى «أن الغرض هو معرفة ما هو الغضب ،ألنه إن كان يأتي
للوجود ضد إرادتنا فإنه لن يرضخ للعقل أبدً ا– والحقيقة أن أي نزعات تحدث
مستقلة عن إرادتنا ال يمكن التغلب عليها أو تجنبها ،كالرعشة حينما ُنرش بالماء
البارد أو االشمئزاز عند لمس أشياء بعينها أو الطريقة التي يقف بها شعرنا لمنتهاه
(36) on anger: b2,1.3,p34.
(37) Ibid: b2,1.4,p34.
236
في األخبار السيئة ،أو االحمرار عندما نسمع كلمات فاحشة ،أو دوخة تنتابنا حين
أي من هذه االستجابات ليست في قوتنا ،فأي
ننظر لألسفل من الجرف ،وإن كان ٌّ
شكل للعقل ليس بمقدوره أن يجادل ضد وقوعها»(.((3
وهنا يقدم سينيكا مذه ًبا في ‘االستعداد لالنفعال ’preparations for passion
أو ما يعرف بـ«ما يسبق االنفعال »pre-passionsوهو لفظ propatheiaiالذي
استُعمل ألول مرة في المسيحية عند الفيلسوف أوريجين في القرن الثالث
الميالدي ،وهي مؤثرات نفسية ال إرادية ،وتماثل كلمة منعكس reflexوهي جزء
ال يتجزأ من طبيعتنا البشرية ،وحتى الحكيم يختبرها بما هي ،ويفسر سينيكا دورها
في االنفعاالت في كتاب الغضب ،2–4.1وقد يرد المفهوم إلى خريسبوس وهو
أول من صاغه ،وقد لمح إليه شيشرون في المناظرات التوسكالنية ،وكذلك كتب
عنه فيلون السكندري باختصار قبل سينيكا ،وقد تناوله إبكتيتوس بالتفصيل.
إال أن الغضب على النقيض يجنح بالتوجيه؛ ألنه خطأ من العقل يخضع
إلرادتنا ،وهو ليس من بين األمور التي تحدث لنا لكوننا بشرًا ،بل يقع على الحكيم
الحق ً
أيضا ،وهو من بين األمور التي تحتوي على صدمة عقلية أوالنية تثيرنا عندما
نعتقد أننا تعرضنا لظلم.
والعقل واالنفعال -كما قلت -ليسا لهما أماكن متمايزة ومفارقة ،بل يتحول
العقل إلى حالة أفضل وأسوأ ،وإال كيف يبعث ذاته بمجرد بزوغ الغضب عندما
تربكه الرذيلة وتستولي عليه؟ أو كيف يحرر ذاته من حالة الوحل التي يهيمن فيها
خليط العناصر الرئيسة؟(.((3
وهذا يستدعي أن أطرح سؤالاً :هل العقل أقوى من االنفعال أم أضعف؟ وإذا
(38) Ibid: b2,1.5,p34.
(39) Ibid: b1,8.3, p21.
237
كان هو األقوى ،كيف يستطيع العقل أن يضع حدًّ ا لالنفعال حيث إن القاعدة تقول
إن الكيانات الضعيفة هي التي تمتثل فحسب؟ وإذا كان هو األضعف ،فإن العقل
ٍ
كاف في ذاته إلنجاز األمور دون غضب وال يسعى لمساعدة طرف أضعف(.((4
وربما يعترض ٌ
امرؤ على أن «بعض الناس حين يغضبون يتصرفون باتساق
ويتحكمون في ذاتهم» ،ويرد سينيكا بأن هذا يحدث حين يصل الغضب إلى نقطة
التالشي فينسحب من تلقاء ذاته ،وليس في حالة الغليان بالفعل حيث يكون هو
األقوى(.((4
ويؤلف المعترض حجة أخرى بأنه من المؤكد أحيا ًنا حتى في حالة الغضب
أنهم ُيسرحون الذين يكرهونهم وال يؤذونهم وال يمسونهم ويمنعون أنفسهم عن
فعل الضرر ،ويرد سينيكا على هذا التأليف بأنهم يفعلوا هذا ولكن متى؟ عندما
يصطدم االنفعال بآخر أو ينتاب طريقهم رغبة أو خوف ً
أيضا ،ومن ثم ال يزال
الغضب آنذاك ليس في صالح العقل ،بل تحت أثر االنفعاالت الغادرة والملعونة
والمؤتلفة (.((4
وإن طبيعة العقل «ال تحث ألفعال تشبه الحرب ،وال ينبغي أن تعين الفضيلة
الرذيلة ،وهي كافية بذاتها ،وحين تحتاج الفضيلة إلى فعل ُمجحف ال ُتشعل
الفضيلة الغضب ،بل ترتفع وتتحرك بقدر ما تستدعي الضرورة ،ثم تهدأ كما تطير
المقذوفات من المقاليع التي يتحكم فيها القاذفون الذي ُيعايرون عزم دورانها»(.((4
وبناء على ذلك ال يضفي العقل أبدً ا دوافع طائشة وعنيفة إلى أسلحته؛ حيث
ليس للعقل ذاته سلطة ،وال يمكن كبح الدوافع دون وضع دوافع مضادة مشابهة لها
(40) Ibid: b1,8.5,p21.
(41) Ibid: b1,8.6,p21.
(42) Ibid: b1,8.7,p21.
(43) Ibid: b1,9.1,p22.
238
مثل الخوف مقابل الغضب ،والغضب مقابل الفتور ،والرغبة مقابل الخوف(.((4
وربما ليست الفضيلة بعيدة عن هذا الشر ،ولهذا السبب تجد لها مأوى في
الرذيلة .والعقل في هذه الحالة– محمي بإخفاقاته وعاجز عن الشجاعة إال حين
الغضب ،أو نشيط إال حين الرغبة أو هادئ إال حين الخوف -ال يجد سكينة
ً
وارتباكا حوله بالضرورة؛ حيث إن العقل الذي ُيصبح عبدً ا لبعض واثقة ،بل تقل ًبا
االنفعاالت كما لو كان موجو ًدا في مملكة طاغية ،أليس من المخجل أن تجعل
الفضيلة في كنف الرذيلة؟(.((4
ْ
أضف إلى ذلك :يتوقف العقل عن القدرة على عمل أي شيء إذ انعدمت قدرته
صنوا لالنفعال ومكافئًا له .فما الفرق الذي يحدث إن كان
دون االنفعال حيث يبدأ ً
واهن؟ إن االثنين متكافئان ،فال
ٌ االنفعال دون عقل؟ وهل العقل دون االنفعال
يوجد أحدهما دون اآلخر ،و َمن الذي يستطيع أن يوازن بين العقل واالنفعال(((4؟
ولكن هل االنفعال مفيد إن كان معتدلاً فحسب؟ يرى سينيكا أن االنفعال ال
نافعا إال بالطبيعة ،ولكنه إذا تجاهل أوامر العقل فإنه سوف يتحقق باالعتدال
يكون ً
معتدل(((4 هذا فحسب :فنقصانه يقلل ضرره ،فاالنفعال المعتدل هو مجرد شر
ويقصد سينيكا بكلمة شر معتدل اجتماع لفظتين متناقضتين ،وهو ما يعادل لفظة
مستحيل؛ ألن الخير والشر عند الرواقية سواء دون درجات أو تبعيض.
وقد رأى أرسطو «أن الغضب الذي يحرق القلب يستمع للعقل إلى حد ما،
إنما هو فقط يسيء االستماع له كهؤالء الخدم الذين هم في غيرتهم يجرون قبل
أن يسمعوا ما يقال لهم وبذلك يخطئون في األمر الذي ينفذونه ،وكالكالب التي
(44) Ibid: b1,10.1,p22.
(45) Ibid: b1,10.2,p
(46) Ibid: b1,10.3,p
(47) Ibid: B1,10.4,p23.
239
قبل أن ترى ما إذا كان القادم صدي ًقا تنبح لمجرد أنها سمعت ًًّ
حسا ،وهذا ما يفعل
القلب الذي باستسالمه لحدته وثوراته الطبيعي ،وبمجرد أن سمع بعض شيء
من العقل دون أن يسمع كل األمر الذي يأمره به هو يندفع لالنتقام ،لقد كشف
له الدليل أو التصور أن هناك إهانة فسرعان ما يستنتج بنوع من القياس أنه يلزم
مناهضة هذا العدو ويحتد ويهجم في الحال»(.((4
ويوجهنا سينيكا إلى تساؤل مفاده يتعلق بالغضب والحكيم ،فيقول« :وهل
تقصد أن الرجل الحكيم حين يواجه شيئًا من هذا القبيل ال ينزعج وال يتحرك أزيد
من المألوف؟» ،أجزم أنه سوف يشعر برقة ولطف بعينه ،وكما يقول زينون سوف
يبقى في عقل الحكيم ندبة حتى لو التئم الجرح ،ولذلك يشعر ببعض تلويحات
وظالل لالنفعاالت ،ولكنه سوف يتحرر من االنفعاالت ذاتها(.((4
وهذه الرقة واللطف يجب أن يختلفا عن الصدمة العقلية ،والتي يقال إن
الحكيم يجربها في مناقشة «ما يسبق االنفعال» ،و ُيجرب الحكيم هذا ألنه جزء
ال ينفصل عن طبيعة البشر ،واستعارة «الندبة» و«الجرح» (تُنسب إلى زينون
هنا) ،وتفترض أن االستثارة اللطيفة ليست فطرية في بنية اإلنسان ،بل هي لملمة
َ
أحمق ،ألن «جروح» -حادث عارض النفعال -يعانيه عقل الحكيم حين ال يزال
«الحكيم ال ُيولد بل ُيصنع».
ويقتبس سينيكا قول أرسطو عندما يرى أنه «إذا استعملت بعض االنفعاالت
على نحو حسن ،فإنها تعين كأسلحة ،وقد يصح هذا إذا تشابهت مع أسلحة
الحرب يمكن أن تأخذ بها أو ُترجئ بها الحكم على المرء الذي يتحكم فيها.
( ((4أرسطو :علم األخالق إلى نيقوماخوس ،ترجمه من اليونانية إلى الفرنسية بارتملي سانتهيلر،
ونقله إلى العربية أحمد لطفي السيد ،دار الكتب المصرية ،القاهرة1924 ،م ،ك،7ب،6ف،1-3
ص.181
(49) Seneca:on anger, op.cit,b1,16.7,p28.
240
ولكن هذه األسلحة التي يعطيها أرسطو للفضيلة تقاتل كل شيء بمفردها ،وهي
ال تنتظر اليد التي تتدبر أمرها ،فهي ال تملك بل تفعل االمتالك»(.((5
وقد جعل سينيكا رأيه هجو ًما على رأي أرسطو في الغضب .فيرى أرسطو
أن الغضب مهماز الفضيلة ،وأن َمن ال يعرف الغضب روحه بليدة ،فقد أقر أن
الغضب ضروري ،ففي المعركة الغضب ينبه العقل ويشعل الروح ،فال يمكننا
الفوز من دونه ،فهو يساعد كقائد ،ولكنه مثل الجندي في المعركة ،ويعترض
موضحا بأن ال شيء أكثر قوة في الروح من الغضب،
ً سينيكا على كالم أرسطو
فهو شر وال يمكن للشر أن يكون وسيلة لمساعدة الفضيلة ،فالغضب ال يمكن
أن يستخدم كسالح في خدمة الخير ،وأن نضع األسلحة األخرى جان ًبا ،ففي
المعركة يقاتل أفضل الذي يحافظ على عقله ومقدرته على التحكم ،فيرى سينيكا
أن أرسطو أخطأ في رأيه ألن الغضب ال يستمع إلى العقل عندما يشعل؛ إذ كيف
يقاوم ويخضع لألوامر ،فالغضب ينقلنا بعيدً ا من خالل نزواته وانتقاماته .يقول
سينيكا :أكرر ،إن الغضب ال يشمل أي شيء نافع ،وال يثير العقل في األعمال
الحربية ،ألن الفضيلة لديها الكفاية الذاتية ،ال تحتاج للمساعدة من الرذيلة .كما
أنها ال تحتاج إلى المسعى العنيف ،فالعقل ال يحمس بالغضب ،ولكنه يستجمع
متنبها أو يسترخي وف ًقا لتقديره للموقف ،وهذا ما يحدث
ً معا ويستيقظ
قواه ً
عندما محرك الحرب يقذف القوة لسهامه ،فالبارع هو الذي يتحكم في توتره مع
اندفاعه ،فالرجل الخير سيواجه الخطر بهدوء من دون اضطراب ،بدافع اإلحساس
بالواجب ،وسيواجه بقوة ومثابرة ،وهذا ما يثير االنفعاالت عنده(.((5
ليس هناك حاجة ألسلحة أخرى :حيث سلحتنا الطبيعة بما فيه الكفاية بالعقل
وهو قذيفة محققة وجاهزة وقادرة وليس حدَّ اها بعاجزين عن الرجوع لسيدها.
(50) Ibid:B1,17.1,p29.
(51) Vernon Arnold: Roman stoicism» the Humanist press New York, 2010,P. 334.
241
والعقل ٍ
كاف بذاته ولذاته ليس في التخطيط للمستقبل بل تسيير األمور ،والحقيقة
أليس من الحماقة أن تسعى لتحصين العقل من غضب وثبات ووثوق وعافية تأتي
ٍ
امرئ متذبذب وغير جدير بالثقة ومريض؟(.((5 من
وأما عن عالقة الغضب بالشر والعقل ،فإن الغضب الذي يؤكد عليه سينيكا
هو ما يتسم بالشر؛ حيث عدم القدرة في السيطرة عليه ،ويتنامى اشتياطه من
ًّ
منقضا إلرادته .ويتعقب نوايا ضحاياه بالصراخ والضجيج الحقيقة ذاتها إذا ظهر
واهتزاز الجسم كله وإضافة وابل من الشتائم والقسوة.
وال يفعل العقل هذا ،وإن دعت الحاجة إلى ذلك فإنه يقضي على األسر بأسرها
–في صمت وهدوء -ويدمر األسر التي هي بالء على األمة ناهيك عن زوجاتهم
وأطفالهم ،إنه يسقط المباني و ُيبيد الجماعات التي هي أعداء للحرية ،إنه يفعل
ٍ
بقاض ،فينبغي كل هذا دون صرير ألسنانه أو يلوح برأسه أو أي سلوك آخر ال يليق
أن يكون محياه هاد ًئا ،فتعظم هذه الطمأنينة عندما يصدر ً
أمرا ها ًّما(.((5
242
يمكن استئصال الغضب من العقل تما ًما حيث ال تسمح طبيعة البشر بهذا» ،ومع
ذلك ليس من شيء يشق ويصعب على فكر البشر ،فديمومة الممارسة تجعله رفي ًقا
لينًا ،وليس من انفعاالت وحشية ومفارقة ال يروضها هذا الدرب تما ًما.
وأ ًّيا كانت الوصية التي منحها العقل البشري لذاته فإنه معتصم :فبعض الناس
قد نجحوا في عدم الضحك ،وبعضهم حرم على جسده الخمر،وآخرون الجنس،
وال يزال آخرون مائعين ،وبعضهم جفا النوم وواصل في سهر ال يكل ،وتعلم الناس
كيف يركضون على حبال دائبة مطاطة وهم ويحملون أثقالاً تنوء بها قوة البشر،
ويغوصون أعما ًقا غامضة ،ويمخرون البحار ال يلتقطون أنفاسهم ،وهناك آالف
األمثلة األخرى لمثابرة التغلب على كل حائل ،تبين أن ال شيء يصعب عندما ُيلزم
العقل ذاته بتحمله(.((5
243
حالة جيدة( ((5لذا كانت الحياة الرواقية عملية عالجية مستمرة أبدعتها التدريبات
العقلية لفطام العقل من مصادراته الفجة ،وتصف أعمالهم عملية العالج ،والتي
يمكن للقارئ أن يحقق من خاللها الفضيلة الرواقية ،وغال ًبا ما يشركون القارئ في
هذه العملية ،فقد وصف أبكتيتوس وماركوس أوريليوس عملية التأمل المتكررة،
كما وصف سينيكا في مقاله عن الغضب محاسبة ذاته ليلاً ،وعرض ً
أيضا في
خطاباته لدور المعلم الحكيم الذي يمكن أن يقوم به في مثل هذه العملية ،ولم
يفكر سينيكا فيما إذا كان هو ذاته خال ًيا من المصادرات الخاطئة(.((5
بل إنه ركز في تطبيق المبادئ األخالقية الرواقية على حياته وحياة اآلخرين
بالمثل ،والتساؤل الذي هيمن على كتاباته الفلسفية هو كيف يعيش المرء حياة
بطوليا يضع اإلنسان الناجح
ًّ مسعى
خيرة ،وأن السعي للفضيلة والسعادة إنما هو ً
فوق بطش االنتهازية وفي مستوى الرب ،وتحقيق هذه الغاية حول سينيكا الحكيم
إلى شخصية ملهمة بإمكانه حفز اآلخرين ليتبعوا مثاله بلطف اإلنسانية وبهجة
الهدوء ،ومفتاح فلسفته هو كيف يوفق المحنة اإلنسانية بالعناية اإللهية ،وكيف
يحرر ذاته من انفعاالت الغضب والحزن ،وكيف يواجه الموت ،وكيف يحرر
ذاته من المشاركة السياسية ،وكيف يعيش الفقر ويستخدم الثروة ،وكيف يفيد
اآلخرين ،وقد نظر إلى هذه المساعي في سياق أسمى وهو منظور األلوهية العاقلة
والفاضلة ليحقق نفس الفضيلة في محاوالت البشر(.((5
وقد حدد سينيكا مراحل ثالث للتقدم األخالقي دون مستوى الحكيم ،ويعاينها
وف ًقا الفتقادنا لالنفعاالت العقلية ( .)Letters 75واألولى :حالة تقترب من وجود
(56) Tad Brennan: The Stoic Life:Emotions,Duties,and Fate ,Clarendon,Oxford
University Press,2005 , P.156
( ((5سينيكا:عن اإلحسان ،مصدر سابق ،ص.8
( ((5المصدر نفسه :ص.11
244
الحكيم ،وهو الشخص الذي لم يتيقن بعد أن الوجود بإمكانه مجابهة االنفعاالت
العقلية و ُت َّ
سمى العواطف أباثيا ،والثانية :المرحلة األدنى من المرحلة السابقة وهو
الشخص الذي ينزلق إلى مستوى أدنى في التقدم فيتجنب ً
بعضا من االنفعاالت
العقلية .واألخيرة :أدنى المراحل ،وهم أناس ال ُيحصون وال يحققون أي تقدم،
ولم يقل سينيكا في حقهم شيئًا سوى أنه تجنبهم ألنهم ملوثون ،وهم مختلفون
عن الذين يناضلون ،ويذوقون المر في البداية ليصبحوا في حالة أفضل إال أنها فترة
وجيزة وستنقضي ،ويقول سينيكا عنهم« :حين يحرمون األنين واآلهات ،س ُيختار
منهم ألطف النبرات»(.((5()Letters 23.4
التربية:
يقول سينيكا في الكتاب الثاني من الغضب« :تتطلب تربية الطفل اهتما ًما أكبر
وسوف تحقق عائدً ا أعظم؛ ألنه من السهل أن تغرس نظا ًما أفضل في العقول وهي ال
تزال لينة ،ومن الصعب أن نستأصل الرذائل التي نمت معنا»( .((6وليس هناك ما هو
إثما أن أهملوا أبناءهم في طفولتهم،
أعظم من منح اآلباء ألطفالهم ،وكفى باآلباء ً
245
وأن أضاعوهم حيث لم يبذروا فيهم التفاني في اإلحسان ،ويسير الشيء نفسه إلى
أعمال الخير األخرى ،فإن لم يعينوهم على طول الخط سيفقدونهم ،وليس كاف ًيا أن
تعطي اإلحسان ،بل يجب أن تحافظ عليه ،وإذا أراد َمن يلزمونك أن تكون ممتننًا بما
هو أكثر من أعمال الخير فهو أن تحبهم( ،((6وينبغي أن تضيف إلى أعمال الخير
عندك كل شكل للطف ،فقد يفقد الزارع ما يزرع إذا توقف عن رعايته ،حيث تحتاج
النباتات إلى قد ٍر كبي ٍر من العناية لتنتج المحاصيل ،ولن تجني ً
ثمرا إن لم تتعهد ما
زرعته من غرسه حتى حصاده ،ويسير الشيء نفسه على أعمال الخير(.((6
246
إيذاء اآلخر ،وعندما يعلو على القمة ويفعل ما يستحق الثناء ،ندعه يبتهج وال
يختال؛ فاللعب ينجح بالغبطة والتي بدورها ترفع الرأس و ُتعلي الرأي .وسوف
نمنح ً
بعضا من االسترخاء ،ولن نسمح لهم أن يغضوا في كسل وخمول ،ونحفظ
لهم وسائل الترفيه ،وال شيء يجعل الناس أكثر ميلاً للغضب من أن يتربوا في
اللين والكدر ،ولهذا السبب إذا كان الطفل وحيدً ا كان مدللاً ومنح حرية أكبر،
وفسد عقله .وأن المرء الذي لم ُي َق ْل له «ال» مطل ًقا ومسحت أمه المتلهفة دموعه
وتصفح له في قوله ،فإن هذا المرء لن يقاوم إهانة»(.((6
«ويقينًا أنك تدرك أنه كلما عظمت ضربة الحظ الحسن زاد الغضب المصاحب
لها ،وهذا جلي في حال األثرياء والنبالء والوالة؛ فكل شيء تافه وفارغ في بنيته
جناحا عندما يهفه النسيم من خلفه ،والرخاء ُيغذي الغضب عندما
ً الذهنية يتخذ
يحيط حشد إمعة برجل متغطرس ،ويهمسون في إذنه «ح ًّقا ،هل سيتحدث معك؟
ال تمنح بسمو قدرك الفياض ،وال تحط من قدرك» ،وأشياء أخرى قاومتها العقول
السليمة بثبوت قدم بالكاد»(.((6
وأثناء تعليم األبناء كل ما سبق يجب على اآلباء ترسيخ أحد الثوابت في
عقولهم وهو وجود سياج محكم حول ما يقع تحت إرادتهم من أمور ،وما هو
خارج عنها من قوانين الطبيعة وهو ما ُيدعى بالعناية الربانية والتي يرى سينيكا
أنه ال يوجد تعارض بين وجودها من جهة وإصابة الصالحين بالمحن من جهة
تر كيف يراعي اآلباء
أخرى ،فهو يشبهها بتربية الوالدين لألبناء فيقول :ألم َ
أطفالهم من جانب واألمهات من جانب آخر؟ فاآلباء يأمرون أطفالهم باالستيقاظ
مبكرا ليواصلوا درسهم ،وال يسمحون لهم بالتراخي حتى في أيام العطالت حتى
ً
يتصببوا العرق وأحيا ًنا الدموع ،في حين تدللهم األمهات وتتمنى أن تحجبهم عن
(65) Ibid:B2,21.4.5.6,p49.
(66) Ibid:B2,,21.7.8.9,p49.
247
الناس ،فال يواجهون الشقاء ،وال يدمعون ،وال يكدحون((« ،)((6وموقف الرب
من الصالحين مثل موقف األب ،إنه يمنحه الحب القاسي قائلاً :دعهم ينكبون في
األعمال واآلالم والضياع حتى يصبحوا أقوياء ح ًّقا ،فالحيوانات السمينة خاملة
وجامدة ،وال تخر قواها حين تكرسها للعمل فحسب بل تعبأ بحمل وزنها،
والحظ الحسن الذي ال يعرف عمق الجرح ال يمكن أن يطيق أبسط خدش ،وإن
ً
سميكا ،ولن استمر المرء في المعركة بسوء حظه ،فإن جروحه ستمنحه جلدً ا
سوءا ،وباألحرى إذا سقط فإنه سيقاتل حتى ولو على ركبتيه»(.((6
يجني ً
«ويجب إبعاد الطفل عن اإلطراء :دعه يسمع الحقيقة .ودعه يشعر بالخوف،
ويكون محتر ًما فيقف أمام شيوخه ،ودعه ال يحصل على ما يريد بالغضب ،فما
يرفضه الطفل لبكائه ينبغي أن ُيعطى له عندما يهدأ ،وينبغي أن تكون ثرة أبيه أمامه
ليراها وال يستعملها ،ودعه يأنب نفسه لنقائصه .امنح االطفال معلمين هادئين
وحضورا يعينهم ،في أي شيء ناشئ ولين يكرس ذاته لألشياء القريبة ليده وينمو
ً
ليشبهها؛ فشخصية الممرضة والمرافقة تنعكس في شخصيتهم عندما يبلغون.
عندما تربى الطفل في بيت أفالطون وعاد إلى والديه ،ورأى أباه يصرخ ،قال« :لم
لدي شك أنه كان يقلد والده أكثر من
أر هذا الصراخ في بيت أفالطون» ،وليس َّ
َ
أفالطون»(.((6
ً
بسيطا ،وملبسه غير متكلف ،ونمط وفوق هذا كله ،انظر إلى طعامه أن يكون
( ((6سينيكا :عن العناية الربانية ،ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير ،ضمن كتاب
“محاورات عن الشقاء والسعادة” ،وترجمه إلى العربية د .حمادة أحمد علي ،دار آفاق للنشر
والتوزيع ،ط ،1القاهرة 2018م ،)5-2( ،ص . 333
( ((6سينيكا :عن الحياة السعيدة ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير ،ضمن كتاب “محاورات
عن الشقاء والسعادة” ترجمه إلى العربية د .حمادة أحمد علي ،دار آفاق للنشر والتوزيع ،ط،1
القاهرة2018 ،م ،)6-2( ،ص. 333
(69) On anger:op, cit, b2,21.10,p49.
248
حياته مثل أقرانه ،والطفل الذي تجعله ندًّ ا لكثيرين من البداية ،لن يغضب حين
تقارنه بشخص ما.
وعلينا بعد إيضاح دور الطبيعة في حياة اإلنسان وتعريف األبناء بضرورة
خضوعه لما تفرضه عليه من أمور خارجة عن إرادته ،يأتي دور تعليمهم بواجب
اإلنسان تجاه نفسه في األمور التي تقع تحت إرادته ،وهو ما حوته رسالة سينيكا
«عن صمود الحكيم» ،حيث أبرزت قيمة الترفع عن صغائر األمور ،فالحكيم ينأى
عن االتصال باألشياء الدنية حتى ال يحمل قوتها المؤذية على طول الطريق ،وحتى
ضررا يرأفون بقوتهم ويحتفظون بها ،وهجومهم
ً حين يسعى األقوياء ليلحقوا به
سوف يسقط كل شيء إال الحكمة كأشياء تطلق من قلوع وأقواس حتى لو طارت
بعيدً ا عما تراه العين ترتد ساقطة.
يشير سينيكا في منتصف الكتاب الثاني من كتاب الغضب أنه انتهى من مناقشة
الجانب النظري – قائلاً «التساؤالت التي تثير الغضب» – وسوف يبدأ في عالجه:
«دعونا ننتقل لمداواته» ( ،)2.18.1فهو يحدد في البداية «هدفين رئيسين :أال
نقع في الغضب ،وأال نرتكب الخطأ أثناء الغضب» ،و ُتغطي هذه األهداف مباشرة
على أنها «مقاومة للغضب» و«كبح للغضب» ( ،)2.18.1والهدف الثاني يصيب
في الحال مالحظة هاجسة بقدر ما يوحي وصفها –على نحو دقيق كما نراها-
( ((7أميمة ضياء الدين سوكة ،االنفعاالت عند الرواقية ،مجلة ديوجين ،،2014 ،ص .402
250
عالجا بالفعل بمعنى يناقض الحالة المريضة كما السيطرة على
ً وهذا الهدف ليس
الضرر ،وبميزان الكتاب يقدم سينيكا نصيحة بشأن تجنب الغضب ،وإن كنت
راض ًيا عن تحقيق الهدف األول ،سوف ننتقل إلى الكتاب الثالث متوقعين منه
معالجة الهدف المتبقي –كبح الغضب -وقد أكدت الجملة األولى هذا التوقع
«سوف نحاول يا نوفاتوس أن نقوم بما تريده :نستأصل الغضب من عقولنا أو على
األقل كبحه وإبطاء مداهمته» (.)3.1.1
- 1تجنب المواطن واألحوال التي تثير الغضب «وعندما ينشط المرء في
هذا الطريق ويتعامل مع موضوعات عدة ،فلن يمر اليوم هنيئًا ،فامرؤ
ما أو شيء ما قد ال يسبب إساءة تدفع العقل للغضب»(« ،((7لذا فإن
العقل الذي يعاني ضع ًفا يتأذى من أبسط األسباب مثل تحية أو حرف
أو كلمة أو سؤال يثير بعض الناس لمشاجرة ،وأ ًّيا كان مرضه يصرخ
دو ًما عندما ُيلمس»(« .((7وعلينا أن نتدبر ما يميزنا ،فالكالم المهين
امرأ واألفعال المهينة تحرك ً
امرأ آخر ،وهذا مرهف لحاله النبيل، يحرك ً
251
غير المهذبة –ألن الناس فيها ليس لديهم إحساس بالخجل حتى عند
عما هو مسموح ال تزال إباحية بعد تجرعهم الخمر».
عفتهم ،فأفكارهم َّ
- 2الحكم على أفعال اآلخرين ونواياهم بقسط وانضباط مع إحساس مالئم
للتناسب« .وال ينبغي للمرء ألاَّ يقبل مباشرة حتى ما هو واضح وجلي،
ألن بعض األشياء تبدو كاذبة وتشبه الحقيقة ،وعلى المرء دو ًما أن يأخذ
وقته الكافي :فمرور الزمن ُيجلي الحقيقة»(« ،((7أال نفكر فيما نعانيه بل
فيما فعلناه ،وعلينا أن ُنعمل النظر في طريقة حياتنا ،وإن أردنا أن نقول
ألنفسنا الحقيقة سوف نحكم بأن ما نزل علينا أقل ما نستحق»(،((7
ناهيك عن أنه أفضل عالج لكبح الغضب والوقوف على الحقيقة هو
التأني في المداهمة األولى للغضب ،وعلينا أن ندرك أن «بعض األشياء
تبلغنا بإهانتنا وبعضها اآلخر نسمعه بأنفسنا ونراه ،وال ينبغي أن نصدق
بعجل القصص التي ُتقال لنا :فكثير من الناس ال يخبر الحقيقة ألنهم
يريدون الخداع ،وكثير منهم قد ُيخادع ،فأحدهم يروي حكاية تجريم
ليتزلف نفسه ،ويخبر بالزور عن األثم ،وهكذا قد يرى أن اقتراف هذا
األثم مؤلم ،وهناك صنف خبيث يود تقطيع أوصال الصداقة ،وهناك ً
أيضا
صنف يتوق إلى التسلية وهو يشاهد من مسافة آمنة صراع من ينافسون
بعضهم»( .((7لذا وضع سينيكا درجات لموثقية الخبر من الناس ووضع
في القاضي أعلى درجات الوثوق« .كثير من الناس يصنعون أسبابهم
للشكوى من ُشبه باطلة ومبالغة ألشياء تافهة ،ويأتي لنا الغضب غال ًبا
ولكننا ننحو عنه ،ومن ثم ال ينبغي أن نستدعيه :وحتى لو قدم إلى طريقنا
(75) Ibid, b2,22.2,p50.
(76) Ibid: b2,27.4,p53.
(77) Ibid: b2,29.2,p54.
252
ينبغي أن نرفضه»(.((7
253
«وال أحد يقيس مقصد الفاعل بل الفعل ذاته ،ومن ثم علينا تدبر الفاعل
مخدوعا؟
ً مضطرا أم
ًّ ً
عارضا؟ وهل طوعيا أم
ًّ عن كثب .وهل كان فعله
مكرها عليه أم من أجل ثواب؟ هل كان يحتفي بنفسه أم يقدم
ً وهل فعله
خدماته آلخر؟ وينبغي أن يوضع عمر المخطئ في االعتبار ،وحظه
أيضا ،مما يجعل المسألة إما لط ًفا وإما ً
نفعا .وعلينا أن نضع أنفسنا ً
موضع الشخص الذي نغضب منه :ونرى من هذا المنظور أن تقييمنا غير
العادل ألنفسنا يجعلنا غاضبين ،وإننا ال نرغب أن نعاني فعلاً ارتكبناه
بإرادتنا»(« .((8ولذا ينبغي أن يقول كل امرئ لنفسه عندما ُيثار« :أنا لست
أقوى من فيليب ،ألست كذلك؟ ولكنه تعرض لإليذاء ،وال أملك السلطة
في بيتي الذي هيمن منه على العالم أجمع ،أليس كذلك؟ ولكنه كان
راض ًيا فحسب ألنه وضع مسافة بينه وبين الرجل الذي كان يهينه»(.((8
« َمن يتطلع إلى ما يمتلكه آخر ال يسعد بما يملكه ،ونحن نغضب حتى مع
ما لنا ألننا نضع ما لآلخرين أمامنا ،ونتغافل عن مقدار اإلنسانية التي تقبع
وراءنا ،وما يطارد الحسد البغيض إال الرجل الذي يحسد على القليل،
وال يزال الناس غير متعقلين رغم كل ما يتلقونه ،وهم يحسبون أنه كان
من الممكن أن يتلقوا المزيد»(.((8
- 5النظر إلى األمور بصبر أو دعابة هادئة «وينبغي التحوط من الغضب بطرق
شتى ،فمعظم األشياء ينبغي أن يتحول إلى مزحة ،وعندما ضرب سقراط
على رأسه (كما تروي القصة) لم يتحفظ في قول إنه ُيزعج الناس أال
يعرفوا أن ارتداء الخوذة فكرة جيدة حين يغادرون المنزل»(« ،((8وأن
(82) Ibid:b3,12.2-3,p72-3.
(83) Ibid:b3,24.1,p83.
(84) Ibid: b3,31.1,p88.
(85) Ibid: b3,11.2,p72.
254
تربط عقولنا بجأش قبل كل شيء عندما تهذي على نحو مفاجئ أو بسأم
حق ،فإما ال يشعر العقل بالغضب وإما يسحب الغضب إلى باطنه وال
يعترف بغضبه عندما تحدث له إصابة غير متوقعة في البداية»( .((8وقد
رُوِي من التاريخ قصة أنتيجونوس «عندما سمع ذات ليلة ً
بعضا من جنوده
يكيلون اللعنات على ملكهم؛ ألنه قادهم إلى درب موحل لم يتمكنوا من
التخلص منه ،فذهب إلى َمن يعانون وقتًا عصي ًبا وعاونهم ولم يتعرفوا
على ُمعينهم ،وقال« :اآلن ،العن أنتيجونوس الذي أوقعك في هذا البؤس،
وبارك الرجل الذي أخرجك من هذا الوحل» .لقد تحمل أنتيجونوس
إساءة األعداء والمواطنين على حد سواء باعتدال متكافئ :عندما كان
اليونانيون محاصرين بسياجين -وكانوا يثقون بموقفهم واحتقارهم
لعدوهم -وقد تفكهوا بنكات عدة عن قبح أنتيجونوس وسخروا من
قامته القصيرة وأنفه المدكوك ،فقال« :أنا سعيد ،وأتمنى بعض النتائج
لدي سيلينيوس في معسكري»(.((8
َّ الحسنة بشكل معقول إن كان
«أتكئ للوراء وأضحك! فهذا الرفيق يفكر أنه امرئ اآلن؛ ألنه يراقب
عتبة تحتشد بالساعين للدعاوى القانونية ،والرجل الذي يتكئ اآلن وسط
المرفهين الذين يفضلون الثروة ويعتقد أن الباب الذي يصعب دخوله
عالمة الرفيق الغني والقوي ،وهو ال يعرف أن أصعب األبواب هو باب
السجن ،وتوقع أنه عليك تحمل أشياء عدة :فال أحد يندهش من أنه يبرد
في الشتاء ،أليس كذلك؟ أو يشعر بدوار البحر على البحر أو ُيبطح في
الشارع؟ والعقل الذي يواجه األشياء بشجاعة يستعد لمقابلتها»(.((8
- 6الغضب أخرق بعواقب مادية أو تشويه سمعة ،لذا يجب النظر في تكلفته
(86) Ibid: b3, 13.6,p74.
(87) Ibid: b3, 22.3-4,p81.
(88) Ibid: b3, 37.3,p92.
255
«سوف يقل تعرضنا لإلهانة إذا حملنا االنتقام حين نخطئ «وإذا سعينا
لنوع من المداوة ينبغي أن نبحث عنه دون غضب ،مع االعتقاد بأن
ممتع .ولكن من األجدر أن تتظاهر بعدم االنتباه لالنتقام،
ٌ نافع ال
االنتقام ٌ
وحين يخطئنا من هم أقوى منا علينا أن نتحمل بصبر وابتسام :فقد
يفعلونها مرة أخرى إذا اعتقدوا أنهم نجحوا .وهذه أسوأ سمة للعقول
التي تربت على الكبر مع مواكبة الحظ الحسن :وهم يكرهون ً
أيضا َمن
يضرونهم»(« ،((8كم كان يحسن أن يشفي اإلصابة بدلاً من أن ينتقم لها!
كبيرا ،ويعرض ذاته إلصابات عدة بينما يشعر بالحزن
فاالنتقام يهدر وقتًا ً
على واحدة ،وكلنا يسرف في الغضب أكثر من الضرر .كم كان يحسن
أن تأخذ المسار المعاكس وال تجمع الخطأ لآلخر! فالمرء الذي يرفس
ظهر بغل أو ظهر كلب ال يبدو عاقلاً ،أليس كذلك؟».
أبكم أو من
َ - 7إدراك أن المخطئ يعاني بارتكاب الخطأ «وإن كان حيوا ًنا
قبيل هذا ال يجدر بك أن تغضب ،إنه مرض أو كارثة ،وسوف يمر عليك
خفي ًفا إذا تحملت .وإن كان ر ًّبا :فتضييع وقتك في الغضب منه ال يقل
عن صالتك من أجل أن يغضب من شخص آخر .إن الشخص الذي
ٌ
امرؤ صالح :ال أصدق هذا .إنه طالح :ال تفاجئ .إنه يرتكب الخطأ
يدفع آلخر العقوبة التي يدين بها لك ،وهو يعاقب نفسه بالفعل بارتكابه
الخطأ»(« ،((9حتى لو لم يرتد عليه عقاب ،فإن العقاب األعظم فعله
للخطأ الذي ارتكبه ،وال أحد يعاني أكثر من المحكوم عليه بالندم»(.((9
- 8إدراك أن اإلضرار باآلخر يناقض الطبيعة اإلنسانية« ،فإن سلطة الضرر
(89) Ibid: b2, 33.1,p89.
(90) Ibid:b2, 30.2,p87.
(91) Ibid:b3,26.2,p84.
256
منفرة وكريهة ومستغربة على البشر ،فعطف البهائم المتوحشة لطيف،
وانظر إلى طريقة األفيال وهي تقدم رقابها للمقرن ،والثيران تدير ظهورها
لتفلت من قفز الصبيان والنساء ،والثعابين تسعى بيننا وتهرب منا حتى ال
تضرنا ،والدببة ُ
واألسود كحيوانات منزلية تقدم خطمها الوديع لتداعبها،
فالحيوانات البرية متوددة لسيدها :ومن المخجل أن تقارن صفة البشر
بالبهائم .إن الضرر الذي ال ُيوصف هو أن تضر الوطن ،ومن الضرر الذي
ال ُيوصف ً
أيضا أن تضر بمواطن آخر ألنه جزء من الوطن»(.((9
257
258
الخاتمة
يمكننا أن نستنتج بعض النتائج التي توصلت إليها الدراسة على النحو التالي:
أول :لم يختلف تعريف سينيكا النفعال الغضب عن التعريف الرواقي ،ولم
كثيرا عن تعريف أرسطو «الرغبة في دفع األلم» ،وقد يعني هذا أن هناك
يختلف ً
اتفا ًقا محدو ًدا في التعريف ًّ
مبنيا على كلمتَي الرغبة والدفع.
ثان ًيا :لم يتفرد سينيكا في تناول مفهوم انفعال الغضب؛ فقد سبقه أرسطو
في العصر الهيلليني في تناول المفهوم ،وسبقه خريسبوس من رواد الفكر الرواقي
األول ،واستفاض عنه شيشرون في كتابه المناظرات التوسكوالنية في عرض
المفهوم في عرضه لمفهوم الحزن والفرح في الكتاب الثالث والرابع.
ثال ًثا :كشف الجانب النظري في تناول المفهوم أن الغضب يكون ضرور ًّيا
سلبيا في المعارك لمواجهة العدو وإلحاق العقاب بالمعتدي
ًّ وليس انفعالاً
وتجنب االحتقار أحيا ًنا ،رغم إيمان الرواقية على العموم أن االنفعال ليس ً
خيرا
شرا.
وليس ًّ
راب ًعا :إن الغضب عند سينيكا يعمل بآلية ُيطلق عليها الهزات االنفعالية
وهي حركات عقلية وهي ثالث هزات ،فالحركة األولى وهي اللطمة أي إحاطة
259
أولى بأن شيئًا ما قد يحدث لتغير حالتنا النفسية والجسمية ،ونحن نجربه بشكل
ال إرادي ويقارنها برجفة عند رش الماء البارد أو المغلي .والحركة الثانية علة
واضحة الحقة للطمة األولية غير الطوعية تدركها على أنها ‘خطأ’ (واألحرى
قول إنها دفقة لماء بارد) ،وتخيل أنها فعل مناسب لهذه العلة وفي هذه المرحلة
ُتمنح الموافقة أو ُتحجب .فإذا منحنا الموافقة ُنجرب المرحلة الثالثة –الغضب
المناسب -وهي ‘اإلطاحة بالعقل’ :وفي هذه المرحلة توجه عقولنا نحو الرذيلة،
وال تقع حركتها تحت سيطرتنا كما كانت في الهزة األولى.
260
قائمة المصادر والمراجع
Cicero: On the Emotions «Tusculan Disputations 3
سينيكا :عن العناية الربانية ،ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير،
ضمن كتاب “محاورات عن الشقاء والسعادة” ،وترجمه إلى العربية د /حمادة
أحمد علي ،دار آفاق للنشر والتوزيع ،ط ،1القاهرة 2018م
سينيكا :عن الحياة السعيدة ،ترجمه من الالتينية إلى اإلنجليزية جيمس كير،
ضمن كتاب “محاورات عن الشقاء والسعادة” ترجمه إلى العربية د /حمادة
أحمد علي ،دار آفاق للنشر والتوزيع ،ط ،1القاهرة2018 ،م.
261
أرسطو :كتاب النفس ،ترجمة د .أحمد فؤاد األهواني ومراجعة جورج
قنواتي ،المركز القومي للترجمة ،الطبعة الثانية ،القاهرة2015 ،م.
أميمة ضياء الدين سوكة ،االنفعاالت عند الرواقية ،مجلة ديوجين2014 ،م.
York,2010.
262
263
264