You are on page 1of 3

‫خامساً‪ :‬علّة التسهيل بتخفيف الهمزة‬

‫عُرف الخليل بن أحمد بتخفيف الهمزة حال تعاقب) همزتين في كلمتين متتاليتين أي‪( :‬تحقيق الهمزة األولى وتخفيف الثانية) وقال‬
‫بذلك تلميذه سيبويه وعرض المسألة كاملة وكان مخالفا ً لمذهب استاذه بقوله‪ :‬واعلم أن‌الهمزتين‌إذا‌التقتا وكانت كل واحدة منهما من‬
‫كلمة‪ ،‬فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك‪ ،‬كما استثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة‪ .‬فليس كم كالم‬
‫العرب أن تلتقي همزتان فتحققا‪ ،‬ومن كالم العرب تخفيف األولى وتحقيق اآلخرة‪ ،‬وهو قول ابي عمر‪ .‬وذلك قولك‪ :‬فقد جا أشراطها‪،‬‬
‫ويا زكريا إنا نبشرك‪ ،‬ومنهم من يحقق األولى ويخفف اآلخرة‪ ،‬سمعنا ذلك من العرب‪ ،‬وهو قولك‪ :‬فقد جاء اشراطها‪ ،‬ويا زكريا إنا‪.‬‬
‫وقال[من الرمل]‪:‬‬
‫كل غراء إذا ما برزت … ترهب العين عليها والحسد( )‬
‫سمعنا من يوثق به من العرب ينشده هكذا وكان الخليل يستحب هذا القول فقلت له‪ :‬لمه؟ فقال‪ :‬إني رأيتهم حين أرادوا أن يبدلوا إحدى‬
‫الهمزتين اللتين تلتقيان في كلمة واحدة أبدلوا اآلخرة‪ ،‬وذلك‪ :‬جاىء وآدم‪ .‬ورأيت أبا عمرو أخذ بهن في قوله عز وجل‪ " :‬يا ويلتا أللد‬
‫وأنا عجوز "‪ ،‬وحقق األولى‪ .‬وكل عربي‪ .‬وقياس من خفف األولى أن يقول‪ :‬يا ويلتا األد‪ ،‬والمخففة فيما ذكرنا بمنزلتها محققة في‬
‫الزنة( )‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬علة التعويض‬
‫نجد ذلك في ما نقله سيبويه عن الخليل في تعليل الخليل على أصل كلمة (اللهم) بقوله‪‌( :‬اللهم‌نداء والميم ها هنا بدل من يا‪ ،‬فهي‬
‫ها هنا فيما زعم الخليل رحمه هللا آخر الكلمة بمنزلة يا في أولها‪ ،‬إال أن الميم ها هنا في الكلمة كما أن نون المسلمين في الكلمة بنيت‬
‫عليها‪ .‬فالميم في هذا االسم حرفان أولهما مجزوم‪ ،‬والهاء مرتفعة ألنه وقع عليها اإلعراب)( )‪ ، .‬فالواضح من كالم الخليل أن‬
‫(اللهم) هو نداء مركب من اسم الجاللة (هللا)‪ :‬وكذا الميم المشددة الالحقة في آخره‪ ،‬وانما الحقت به الميم بدال أو عوضا ً عن حرف‬
‫النداء المحذوف (يا) الواجب لها في البداية‪ ،‬وارتفع اسم الجاللة ألنه منادى رفع عليه االعراب فالخليل جاء بعلة التعويض أو البدل‬
‫عن المحذوف كما يسميها بعض النحاة‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬علة أمن اللبس‬
‫تعد هذه العلة من العلل التي صرح بها الخليل في معرض كالمه عما سأله عليه تلميذه سيبويه عن (عبد مناف) بقوله‪( :‬وسألت‬
‫الخليل عن قولهم‪ :‬في‌(عبد‌مناف) (منافي) فقال‪ :‬أما القياس فكما) ذكرت لك‪ ،‬إال أنهم قالوا منافي مخافة) االلتباس‪ ،‬ولو فعل ذلك بما‬
‫جعل اسما من شيئين جاز؛ لكراهية االلتباس)( )‪ ،‬فقد صرح الخليل بكالمه عن هذه العلة‪ ،‬إذ القياس في النسب الى االسم المركب‬
‫اإلضافي مثل (أمرئ القيس)‪.‬‬
‫وقد تكررت هذه العلة عند الخليل فقد ذكرها تلميذه في عدم جواز حذف كلمة (عشر) المركبة في العدد (اثنتا عشر) مخافة ان‬
‫يلتبس ب (االثنين) منفردة‪ ،‬قال سيبويه‪( :‬وأما اثنا عشر فزعم الخليل أنه ال يغير عن حاله قبل التسمية‪ ،‬وليس بمنزلة‌خمسة‌عشر‪،‬‬
‫وذلك أن اإلعراب يقع على الصدر فيصير اثنا في الرفع‪ ،‬واثني في النصب والجر‪ ،‬وعشر‌بمنزلة‌النون وال يجوز فيها اإلضافة‪.‬‬
‫كما ال يجوز في مسلمين‪ ،‬وال تحذف عشر مخافة أن يلتبس باالثنين فيكون علم العدد قد ذهب‪ .‬فإن صار اسم رجل فأضفت) حذفت‬
‫عشر ألنك لست تريد العدد‪ ،‬وليس بموضع التباس‪ ،‬ألنك ال تريد أن تفرق بين عددين فإنما هو بمنزلة زيدين)( )‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬علة الثقل‬
‫ذكرها سيبويه في معرض كالمه عن سؤاله للخليل عن النسب الى االسم الثالثي بقوله‪( :‬وسألته عن اإلضافة إلى راية وطاية‬
‫وثاية وآية ونحو ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أقول رائي وطائي وثائي وآئي‪ .‬وإنما همز واالجتماع الياءات مع األلف‪ ،‬واأللف تشبه بالياء‪ ،‬فصارت‬
‫قريبا مما تجتمع فيه‌اربع‌ياءات‪ ،‬فهمزوها استثقاالً ‪ ،‬وأبدلوا مكانها همزة‪ ،‬ألنهم جعلوها بمنزلة الياء التي تبدل بعد األلف الزائدة)( )‪.‬‬
‫تاسعاً‪ :‬علة المشابهة‬
‫زعم الخليل أنها عملت عملين‪ :‬الرفع والنصب‪ ،‬كما عملت كان الرفع والنصب حين قلت‪ :‬كان أخاك زيد‪ .‬إال أنه ليس لك أن‬
‫تقول كأن أخوك عبد هللا‪ ،‬تريد كأن عبد هللا أخوك‪ ،‬ألنها ال تصرف تصرف األفعال‪ ،‬وال يضمر فيها المرفوع كما يضمر في كان‪.‬‬
‫فمن ثم فرقوا بينهما كما فرقوا بين ليس وما‪ ،‬فلم يجروها مجراها‪ ،‬ولكن قيل هي بمنزلة األفعال فيما بعدها وليست بأفعال( )‪ .‬فقد‬
‫اعتمدت هذه العلة على المشابهة في عمل (إن) النصب فيما بعدها تشبيها ً لها بالفعل عند اغلب النحاة بعد الخليل وسيبويه منهم‪( :‬ابن‬
‫السراج‪ ،‬وابن الوراق‪ ،‬وابن االنباري‪ ،‬وابن يعيش‪ ،‬والرضي وغيرهم)( )‬
‫وقد ذكر الخليل هذه العلة صريحة لبناء المنادى المفرد على الضم تشبيها ً بالغايات‪( :‬قبل وبعد) حال عدم اضافتها‪ ،‬وذكرها علة‬
‫العراب المنادى المضاف بالنصب تشبيها ً له بالغايات حال اضافتها على نحو‪ :‬هو قبلك‪ ،‬وهو بعدك معبراً عن اإلضافة بمصطلح‬
‫(طول الكالم)‪ ،‬ومستخدماً) لكاف التشبيه دالة على المشابهة يقول سيبويه‪( :‬وزعم الخليل رحمه هللا أنهم نصبوا المضاف نحو يا عبد‬
‫هللا ويا اخانا‪ ،‬والنكرة حين قالوا‪‌:‬يا‌رجال‌صالحا‪ ،‬حين طال الكالم‪ ،‬كما نصبوا‪ :‬هو قبلك وهو بعدك‪ .‬ورفعوا المفرد كما رفعوا قبل‬
‫وبعد وموضعهما) واحد‪ ،‬وذلك قولك‪ :‬يا زيد ويا عمرو‪ .‬وتركوا التنوين في المفرد كما تركوه في قبل)( )‪.‬‬
‫عاشراً‪ :‬علّة كثرة االستعمال‬
‫من العلل التي شاعت واطرد ذكرها عند الخليل هي (كثرة االستعمال) فينقل لنا سيبويه عن الخليل تلك العلة في باب االبتداء‬
‫بقوله‪( :‬باب من االبتداء‌يضمر‌فيه ما يبنى على االبتداء وذلك قولك‪ :‬لوال عبد هللا لكان كذا وكذا‪ ...‬ولكن هذا حذف حين كثر‬
‫استعمالهم إياه في الكالم كما حذف الكالم من إماال‪ ،‬زعم الخليل رحمه هللا أنهم أرادوا إن كنت ال تفعل غيره فافعل كذا وكذا إماال‪،‬‬
‫ولكنهم حذفوه لكثرته في الكالم ومثل ذلك حينئذ‪ ،‬اآلن‪ ،‬إنما تريد‪ :‬واسمع اآلن‪ .‬وما أغفله عنك‪ ،‬شيئا‪ ،‬أي دع الشك عنه؛ فحذف هذا‬
‫لكثرة استعمالهم)( )‪.‬‬
‫وقد تكررت هذه العلّ ة عند الخليل وذكرها صريحة في جواز حذف (ياء) المتكلم من االسم المضاف الى (ابن) والتي تكون واقعة‬
‫محل النداء وقد ذكرها أهل النحو‪ :‬وقالوا‪‌:‬يا‌ابن‌أم ويا ابن عم‪ ،‬فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد‪ ،‬ألن هذا أكثر في كالمهم من يا ابن‬
‫أبي ويا غالم غالمي‪ .‬وقد قالوا أيضا‪‌:‬يا‌ابن‌أم ويا ابن عم‪ ،‬كأنهم جعلوا األول واآلخر اسما‪ ،‬ثم أضافوا إلى الياء‪ ،‬كقولك‪ :‬يا أحد‬
‫عشر أقبلوا‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬حذفوا الياء لكثرة هذا في كالمهم‪ ،‬وعلى هذا قال أبو النجم‪ :‬يا ابنة عما ال تلومي واعجعي واعلم أن كل‬
‫شيء ابتدأته في هذين البابين أوال فهو في القياس‪ .‬وجميع ما وصفناه من هذه اللغات سمعناه من الخليل رحمه هللا ( )‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬علّة اختصاص األداة (إنّ )‬
‫زعم الخليل أنّ (إن) هي‌أم‌حروف‌الجزاء‪ ،‬فسألته‪ :‬لم قلت ذلك؟ فقال‪ :‬من قبل أنى أرى حروف الجزاء قد يتصرفن فيكن‬
‫استفهاما ومنها ما يفارقه ما فال يكون فيه الجزاء‪ ،‬وهذه على حال واحدة أبدا ال تفارق المجازاة( )‪.‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬علّة الحمل على المعنى‬
‫الحمل على المعنى يعد وسيلة اصطنعها النحاة ليجبروا بها كل صدع في (بناء الجملة) اذا لم يكن متوافقا ً مع البينة األساسية لها‬
‫وقد ذكرها الخليل بما نقله عنه النحاة بقولهم‪ :‬وقال الخليل‪ :‬إنما قالوا‪ :‬مرضى وهلكى وموتى وجربى وأشباه ذلك ألن ذلك أمر يبتلون‬
‫به‪ ،‬وأدخلوا فيه وهم له كارهون وأصيبوا به‪ ،‬فلما كان المعنى‌معنى‌المفعول كسروه على هذا المعنى‪ .‬وقد قالوا‪ :‬هالك وهالكون‪،‬‬
‫فجاءوا به عل قياس هذا البناء وعلى األصل هذا المعنى‪ .‬وقد يكسروه على المعنى إذ كان بمنزلة جالس في البناء وفي الفعل‪ .‬وهو‬
‫على هذا أكثر في الكالم( )‪.‬‬
‫ومن شواهد التعليل بالحمل على المعنى ما ذكره أيضا في تعليله لجزم الطلب لجوابه حمال على المعنى قال سيبويه‪‌‌( :‬إذا كان جوابا‬
‫ألمر أو نهي أو استفهام أو تمن أو عرض فأما ما انجزم باألمر فقولك‪ :‬ائتني آتك‪ ،.‬وأما ما انجزم بالنهي فقولك‪ :‬ال تفعل يكن خيرا‬
‫لك‪ ،‬وأما ما انجزم باالستفهام فقولك‪ :‬أال تأتيني أحدثك؟ وأين تكون أزرك؟ وأما ما انجزم بالتمني فقولك‪ :‬أال ماء أشربه‪ ،‬وليته عندنا‬
‫يحدثنا‪ ،‬وأما ما انجزم بالعرض فقولك‪ :‬أال تنزل تصب خيرا‪ ،‬وإنما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب إن تأتني‪ ،‬بإن تأتني‪ ،‬ألنهم‬
‫جعلوه معلقا باألول عير مستغن عنه إذا أرادوا الجزاء‪ ،‬كما أن إن تأتني عير مستغنية عن آتك‪ ،‬وزعم الخليل‪ :‬أن هذه األوائل كلها‬
‫فيها معنى إن‪ ،‬فلذلك انجزم الجواب؛ ألنه إذا قال ائتني آتك فإن معنى كالمه إن يكن منك إتيان آتك‪ ،‬وإذا قال‪ :‬أين بيتك أزرك‪ ،‬فكأنه‬
‫قال إن أعلم مكان بيتك أزرك؛ ألن قوله أين بيتك يريد به‪ :‬أعلمني وإذا قال ليته عندنا يحدثنا‪ ،‬فإن معنى هذا الكالم إن يكن عندنا‬
‫يحدثنا‪ ،‬وهو يريد ههنا إذا تمنى ما أراد في األمر‪ ،‬وإذا قال لو نزلت فكأنه قال انزل( )‪.‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬علة القرب أو المجاورة‬
‫ب) في قول العرب (هذا جُحر ضب خربِ)‪ ،‬وهو‬ ‫وهي أيضا من العلّل التي صرح بها الخليل سيبويه بتعليله سبب جر كلمة (خر ِ‬
‫ضب خرب خفض خربا َوه َُو نعت ْالجُحر‬‫ما عرف بين النحاة بـ (الجر علة الجوار أو المجاورة أو المشاكلة) بقوله‪َ ( :‬ه َذا‌جُحر‌ َ‬
‫ض ب)( )‪ ،‬تقول‪ :‬هذا جحر ضبى‪ ،‬وليس لك الضب إنما لك جحر ضب‪ ،‬فلم يمنعك ذلك من أن قلت جحر‬ ‫َوِإ َّن َما خفض لقُرْ به من َ‬
‫ضبى‪ ،‬والجحر والضب بمنزلة اسم مفرد‪ ،‬فانجر الخرب على الضب كما أضفت الجحر إليك مع إضافة الضب‪ .‬ومع هذا أنهم أتبعوا‬
‫الجر كما أتبعوا الكسر الكسر‪ ،‬نحو قولهم‪ :‬بهم وبدارهم‪ ،‬وما أشبه هذا‪ ،‬وكال التفسيرين تفسير الخليل‪ ،‬وكان كل واحد منهما عنده‬
‫وجها من التفسير( )‪.‬‬

You might also like