Professional Documents
Culture Documents
مستند Microsoft Word جديد
مستند Microsoft Word جديد
وقوله :ومن أصدق من هللا حديثا ،ومن أصدق من هللا قيال ،وإذ قال هللا ياعيسى ابن
مريم ،وتمت كلمة ربك صدقا وعدال ،وقوله :وكلم هللا موسى تكليما ،منهم من كلم
هللا ،ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ،وناديناه من جانب الطور األيمن وقربناه نجيا ،
وقوله :وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين ،وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما
الشجرة [ ص ، ] 182 :وقوله :ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ……e..
وقد تنازع الناس حول هذه المسألة نزاعا كبيرا :فمنهم من جعل كالمه سبحانه مخلوقا
منفصال منه ،وقال :إن معنى ( متكلم ) :خالق للكالم ،وهم المعتزلة ،ومنهم من جعله
الزما لذاته أزال وأبدا ،ال يتعلق بمشيئته وقدرته ،ونفى عنه الحرف والصوت ،وقال :
إنه معنى واحد في األزل ،وهم الكالبية واألشعرية ،ومنهم من زعم أنه حروف وأصوات
قديمة الزمة للذات ،وقال :إنها مقترنة في األزل ،فهو سبحانه ال يتكلم بها شيئا بعد شيء
،وهم بعض الغالة ،ومنهم من جعله حادثا قائما بذاته تعالى ،ومتعلقا بمشيئته وقدرته ،
ولكن زعم أن له ابتداء في ذاته ،وأن هللا لم يكن متكلما في األزل ،
وهم الكرامية [ ،ص ] 183 :ويطول بنا القول لو اشتغلنا بمناقشة هذه األقوال وإفسادها ،
على أن فسادها بين لكل ذي فهم سليم ،ونظر مستقيم .
وخالصة مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة أن هللا تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ،
وأن الكالم صفة له قائمة بذاته ،يتكلم بها بمشيئته وقدرته ،فهو لم يزل وال يزال متكلما إذا
شاء ،وما تكلم هللا به فهو قائم به ليس مخلوقا منفصال عنه ؛ كما تقول المعتزلة ،وال
الزما لذاته لزوم الحياة لها ؛ كما تقول األشاعرة ؛ بل هو تابع لمشيئته وقدرته .
وهللا سبحانه نادى موسى بصوت ،ونادى آدم وحواء بصوت ،وينادي عباده يوم القيامة
بصوت ،ويتكلم بالوحي بصوت ،ولكن الحروف واألصوات التي تكلم هللا بها صفة له
غير مخلوقة ،وال تشبه أصوات المخلوقين وحروفهم ؛ كما أن علم هللا القائم بذاته ليس
مثل علم عباده ؛ فإن هللا ال يماثل المخلوقين في شيء من صفاته .
واآليتان األوليان هنا وهما من سورة النساء تنفيان أن يكون أحد أصدق حديثا وقوال من هللا
عز وجل ،بل هو سبحانه أصدق من كل أحد في كل ما يخبر به ،وذلك ألن علمه
بالحقائق المخبر عنها أشمل وأضبط ،فهو يعلمها على ما هي به من كل وجه ،وعلم غيره
ليس كذلك .
وأما قوله :وإذ قال هللا ياعيسى . .إلخ ؛ فهو حكاية لما سيكون يوم القيامة من سؤال هللا
لرسوله وكلمته عيسى عما نسبه إليه الذين [ ص ] 184 :ألهوه وأمه من النصارى من أنه
هو الذي أمرهم بأن يتخذوه وأمه إلهين من دون هللا .
وهذا السؤال إلظهار براءة عيسى عليه السالم ،وتسجيل الكذب والبهتان على هؤالء
الضالين األغبياء .
وأما قوله :وتمت كلمة ربك صدقا وعدال ؛ فالمراد صدقا في أخباره ،وعدال في أحكامه ؛
ألن كالمه تعالى إما أخبار ،وهي كلها في غاية الصدق ،وإما أمر ونهي ،وكلها في غاية
العدل الذي ال جور فيه ؛ البتنائها على الحكمة والرحمة .
والمراد بالكلمة هنا الكلمات ؛ ألنها أضيفت إلى معرفة ،فتفيد معنى الجمع ؛ كما في
قولنا :رحمة هللا ونعمة هللا .
وأما قوله :وكلم هللا موسى تكليما وما بعدها من اآليات التي تدل على أن هللا قد
نادى موسى وكلمه تكليما ،وناجاه حقيقة من وراء حجاب ،وبال واسطة ملك ؛ فهي ترد
على األشاعرة الذين يجعلون الكالم معنى قائما بالنفس ؛ بال حرف ،وال صوت ! فيقال
لهم :كيف سمع موسى هذا الكالم النفسي ؟ فإن قالوا :ألقى هللا في قلبه علما ضروريا
بالمعاني التي يريد أن يكلمه بها ؛ لم يكن هناك خصوصية لموسى في ذلك .
وإن قالوا :إن هللا خلق كالما في الشجرة أو في الهواء ،ونحو ذلك ؛ لزم أن تكون الشجرة
هي التي قالت لموسى :إني أنا ربك .
[ ص ] 185 :وكذلك ترد عليهم هذه اآليات في جعلهم الكالم معنى واحدا في األزل ،ال
يحدث منه في ذاته شيء ،فإن هللا يقول :ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ؛ فهي تفيد
حدوث الكالم عند مجيء موسى للميقات ،ويقول :وناديناه من جانب الطور األيمن ؛ فهذا
يدل على حدوث النداء عند جانب الطور األيمن .
والنداء ال يكون إال صوتا مسموعا .
وكذلك قوله تعالى في شأن آدم وحواء :وناداهما ربهما . .اآلية ؛ فإن هذا النداء لم يكن إال
بعد الوقوع في الخطيئة ،فهو حادث قطعا .
وكذلك قوله تعالى :ويوم يناديهم . .إلخ ؛ فإن هذا النداء والقول سيكون يوم القيامة .
شرح الواسطية 182محمد خليل هراس
وفي الحديث :ما من عبد إال سيكلمه هللا يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان .
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا في الفتاوى :وأما أهل السنة وأئمة السنة وكثير
من أهل الكالم كالهاشمية والكرامية وأصحاب أبي معاذ التومني وزهير
اليامي وطوائف غير هؤالء يقولون :إنه صفة ذات وفعل هو يتكلم بمشيئته وقدرته
كالًم ا قائًم ا بذاته ،وهذا هو المعقول من صفة الكالم لكل متكلم ،فكل من وصف
بالكالم من المالئكة والبشر والجن وغيرهم فكالمهم البد أن يقوم بأنفسهم ،وهم
يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم ،والكالم صفة كمال ال صفة نقص ،ومن تكلم بمشيئته
أكمل ممن ال يتكلم بمشيئته ،فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق.
مجموع الفتاوى البن تيمية ص220