Professional Documents
Culture Documents
خولة بنت الأزور
خولة بنت الأزور
:نشأتها
خولة بنت األزور بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كثير بن عمر بن شيبان السدي
وهي إحدى عقائل العرب ،وبقية بنات الملوك ،وبيتها بيت رسخت دعائمه على الق وة
والمضاء في الجاهلية واإلسالم ،قتل أبوها بين يدي رسول هلال دفاعا عنه ،وأخوها ضرار
من القادة الذين ال يغنى غناءهم أحد ،وكان يُقا ُس إذا اشتملت عليه الوقائع بألف رجل ،أما
،هي ،فقد أوتيت من جمال الوجه ،ومضاء القلب ،ورباطة الجأش واالستبسال في القتال
صالحات ،شفت قلوبا ،وروعت قلوبا
ٌّ ما لم يتح لكثير من الناس ،ولها مواطن غ 2
.المطلب الثاني :إسالمها
د وفُد بني أسد ،وكانوا عشرةَ
وفَ َ
في السنة التاسعة من الهجرة ،منهم ضرار ابن االزور
في الشام وشمال شبه الجزيرة العربية دارت سلسلة معارك ضخمة بين العرب والروم ،بدءاً
من آخر عهد النبي حتى عهد عمر بن الخطاب ،وعثمان بن عفان ،ومنها معركة أجنادين،
التي قاد خاللها خالد بن الوليد المسلمين ،ضد الروم بقيادة هرقل ،وكاد المسلمون أن
ينهزموا ،وأسر من صفوفهم الكثيرين ،منهم ضرار بن األزور ،كما أسرت أخته خولة بنت
األزور وعدد من النساء .خولة لم تستسلم ،فحرضت من معها من النساء في األسر أن
يهموا معها لقتال الحراسة المفروضة عليهن ،فخلعوا 4أعمدة الخيمة التي كن بها ،وقاتلوا
جنود الحراسة من الروم حتى هزمنهم وعدن إلى معسكر المسلمين .وبعد أنْ علمت أنّ
ولثمت وجهها وقاتلت بشراسة ،حتى تعجب أخاها وقع هو اآلخر في األسر ،ركبت حصانا ً ّ
خالد بن الوليد نفسه من هذا الفارس الذي ال يهاب اختراق صفوف األعداء ويقاتل بهذه
الضراوة ،حتى خرجت من المعركة ورمحها يقطر دماً .وسألها خالد :من أنت؟ معتقداً أنها
رجلٌ ،والتف حولها الفرسان من الرجال ،فلما علمن أنها خولة ،وسرى خبرها بين الجنود،
ازداد حماسهم وتقوت عزيمتهم ،حتى انتصروا في المعركة .ثم أمر خالد بن الوليد بتعقب
جند الروم وتحرير ضرار ،فاستأذنته خوله للذهاب معهم فرفض في البداية ،لكنه وافق
تحت ضغط إصرارها ،وبالفعل تم تحرير ضرار عن طريق قوات يقودها رافع بن عميرة،
. التي كانت خولة إحدى فرسانها ،بعد أن حاصروا أنطاكية ثم دخلوها
قصة خولة وردت في عدة مصادر ،وأفرد لها الكاتب والمفكر اإلسالمي أحمد شوقي
الفنجري ،كتابا ً بعنوان الصحابية الفارسة خولة بنت االزور :تأريخ حقيقي في قالب
مسرحي ،وورد ذكرها في معجم أنصار الحسين ،لكن البعض يشكك في وجودها من
.األساس
مسلسل خالد بن الوليد في جزئه األول من إخراج األردني محمد عزيزية وقام
.بتجسيد الدور الممثل السوري أحمد صالن
مسلسل خالد بن الوليد في جزئه الثاني من إخراج السوري غسان عبدهللا وقام
.بتجسيد الدور الممثل السعودي خالد البريكي
مسلسل رايات الحق من إخراج األردني محمود الدوايمة وقام بتجسيد الدور الممثل
.اللبناني بيير داغر
مسلسل تحت ظالل السيوف من إخراج المصري سعيد الرشيدي قام بتجسيد الدور
".الممثل المصري عبد هللا غيث
وإذا تأملنا خطبة خولة بنت األزور في النساء إلثارة حماسهن للمقاومة ومقاتلة جنود الروم
سنالحظ قدرة هذه المرأة الفارسة على تشكيل خطاب حماسي قادر على التغلغل في نفوس
المستمعات ،خطاب استثمر السيمائيات الوراثية والمكتسبة مثل الوجدان التاريخي والديني
وتقدير الذات وتضخيمها لتحقيق ثقة المتلقي بذاته وقدرته على المقاومة واالنتصار ،كما ركز
على توجيه خيال المتلقي إلى إمكانية وقوع خطر في حالة الصمت والسلبية وهو ما يعني القصد
إلى إثارة الخوف سواء المادي في نتائج األسر بأن يصبحن أمهات لعبيد الكفار ،أو الخوف
المعنوي سيرة العار التي ستصاحب تاريخهن وتاريخ قبائلهن وهو استثمار وإثارة للتحيز على
.ردة الفعل المقصودة وهي مقاومة جنود الروم
ولم يكن الخطاب فقط هو الذي منح خولة بنت األزور ثقة النساء ،بل قدرتها أيضا ً على ح ّل
المشكالت وإيجاد البدائل كما فعلت عندما وجهت أنظارهن إلى استخدام أعمدة الخيام وأوتاد
األطناب كمعادل للسالح الذي سيمكنهن من مقاتلة جنود الروم ،ولعل النساء كما رأينا من خالل
عفرة الحميرية مع اقتناعهن بما قالته خولة إال أن مدى واقعية المقاومة لم تكن متحققة رغم
شجاعة النساء ومهارتهن في ركوب الخيل وهجوم الليل دون سالح لكن بمجرد إيجاد بديل
السالح أي تحول الخطاب من مستوى التنظير إلى مستوى التخطيط والتنفيذ وتوفير وسائل هذا
التنفيذ مع خطة إجرائية لتحويط جنود الروم ليصبح قتالهم أسهل عليهن ،وبهذا الخطاب والخطة
.استطاعت خولة إنقاذ النسوة من مستقبل سجن األسر والسبي
وهذه الحادثة تكشف لنا أيضا ً قوة المرأة الخفية وقدرتها على مقاومة العنف واالضطهاد ،فليس
هناك امرأة ضعيفة وإن فقدت وسائل المقاومة ألن القوة الحقيقة تنبع من داخلها ومتى ما
.تفجرت استطاعت أن تُشكل وسائلها الخاصة لمقاومة أي عنف أو اضطهاد
ومع كل هذه النجومية التاريخية التي تحظى بها خولة بنت األزور في ذاكرة التاريخ العربي
تكتشف أن تلك النجومية هي «لوهم أو لشبح» ال وجود له في واقع أي صالحية زمانية أو
.مكانية ُمقيدة بتأريخ أو ذاكرة
هذا االغتيال العلني لخولة بنت األزور الذي شهدته صفحات التاريخ اإلسالمي ،ال يقصد
شخصية خولة بنت األزور المحاربة التي تفوقت بشجاعتها وذكائها الحربي على أقوى قادة
العصر اإلسالمي خالد بن الوليد الذي حاربت بجانبه وأبهرت الجميع بقوتها ،بل قصد اغتيال
دور المرأة المسلمة ذاتها وقطع الطريق عليها لممارسة دورها البطولي الحربي ألن ذلك كان
يعني حضوراً سياسيا ً مصاحبا ً للحضور العسكري والحربي وتفوقها في الحرب يضمن لها
.استحقاق الدور السياسي
فهل صحيح أن شخصية خولة بنت األزور شخصية وهمية ال وجود لها كما يزعم مؤرخو
المسلمين األوائل؟ أو أن خولة بنت األزور تعرضت لعملية اغتيال تاريخي حولتها إلى وهم
حتى ال تُصبح أسطورة في التاريخ اإلسالمي يسير على نهجها اُألخريات؟
هذا ما تزعمه ذكورية التاريخ العربي اإلسالمي أن خولة صاحبة البطوالت أسطورة الحرب
هي مجرد وهم من اختالق «مؤلف مجهول» صاحب كتاب فتوح الشام والذي نُسب بالكذب إلى
الواقدي ،فقد أنكر ابن حجر في كتابه شخصية خولة وقال إن لضرار بن األزور ثالثة أخوة
جميعهم ذكور ،وأنكر أبو الفرج األصبهاني في كتاب األغاني وجود هذه الشخصية ،كما أنكر
وجودها كذلك كل من ابن قتيبة الدينوري وابن سالم الجمحي في كتابهما الشعر والشعراء
.وطبقات فحول الشعراء
أما الكتب التي تم ذكر خولة بنت األزور فال يقيم لها المؤرخون أي اعتبار بسبب اعتمادها على
كتاب «فتوح الشام» ومؤلفه مجهول الهوية ،وما بُني على باطل فهو باطل كما هو شائع في
.المنطق العربي
وإذا أردنا تعليل اغتيال ذكورية التاريخ العربي لشخصية خولة بنت األزور وتحويلها إلى وهم
:مع العمد وسبق اإلصرار فهناك العديد من األسباب سأكتفي بسببين
السبب األول :حساسية الفترة الزمنية التي ظهرت فيها خولة بنت األزور وهي بداية الخالفة
الراشدية العصر السلفي األول وبقاء النظرة الذكورية للمرأة سواء المترسبة من الجاهلية أو
النظرة الدينية المتطرفة للمرأة التي فُهمت على غير وجهها الصحيح بحرمانية االختالط وفتنة
المرأة على مستوى الصوت والشكل ،واإلقرار بوجود شخصية خولة بنت األزور الفارسة التي
حاربت مع جيش خالد بن الوليد وقاتلت الروم بكل بسالة لفك أسر أخيها يعني تجويز االختالط
بين النساء والرجال ويعني شرعية الدور العسكري والحربي للمرأة في اإلسالم ،لذا فإن اغتيال
شخصية خولة بنت األزور تاريخيا ً هو إنقاذ النظرة الدينية المتطرفة من دهاليز تلك األحكام
.الفقهية
.وفي هذا المقام أريد التأكيد أن هذه ليست رؤية اإلسالم للمرأة بل نظرة التطرف الديني لها
أما السبب اآلخر :فهو جذب خولة بنت األزور ضوء البطولة من خالد بن الوليد الذي كان أيقونة
البطولة في عصر الخلفاء الراشدين ،هذا التفوق البطولي المرأة على رجل كان هو أيقونة
البطولة للمسلمين له داللته الخطيرة فهو يعني تفوق القدرة والمهارة للمرأة والذي يعني إبطال
فكرة أعلوية وأفضلية الرجل على المرأة ودعما ً لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في ذلك
العصر الذي يُعد من أشد العصور اإلسالمية تطرفاً ،فقد أعتقد أصحاب ذلك العصر أن التطرف
.يحمي اإلسالم بعد موت الرسول الكريم فكان من الحب ما قتل صاحبه
وبذلك كان استمرار حياة شخصية خولة بنت األزور مهددة لقيم تبناها أصحاب التطرف الديني
في ذلك الوقت لفرضها على واقع المجتمع اإلسالمي ولذلك كان اغتيال شخصيتها تاريخيا ً
وتحويلها إلى وهم مخرج للفكر الجديد الذي تحمله خولة بنت األزور الذي كان يتناقض مع قيم
.وأفكار صنّاع القرار السياسي والديني واالجتماعي في ذلك الوقت
وكان من السهل إتمام عملية االغتيال تلك باعتبار أن الرجل هو الذي يكتب التاريخ ويقرر
الحقيقي منه والوهمي ،ورغم قرار اغتيال شخصية خولة بنت األزور بأقالم الذكورية التاريخية
إال أنها استطاعت الفرار من حكم ذلك القرار سواء كشبح أو وهم لتُصبح أسطورة المحاربة
الملثمة التي فتنت ذاكرة العرب التاريخية حتى اليوم فاسمها اليوم هو المذكور ومن وقع قرار
.اغتيالها اسمه هو الخفي
هذه هي خولة بنت األزور إحدى الناجيات من ظلم واضطهاد واغتيال ذكورية التاريخ ،لقد كان
.قدرها خارج التاريخ وداخله أن تظل أسطورة المحاربة الملثمة