You are on page 1of 9

‫مح ‪ :5‬التجارة الخارجية بالجزائر خالل العهد العثماني‬

‫كانت معظم المبادالت التجارية الخارجية تتم مع الدول األوربية‪ ،‬والسيما فرنسا‪،‬‬
‫التي كانت من أوائل الدول األوربية التي تربطها عالقات تجارية مع الجزائر‪ ،‬إذ يرجع‬
‫تاريخ وجودها في سواحل شمال إفريقيا إلى القرن ‪13‬م‪ ،‬وعرفت المبادالت التجارية بين‬
‫البل دين تط ورا ملحوظ ا بع د أن ألحقت الجزائ ر بالدول ة العثماني ة في مطل ع الق رن ‪16‬م‪.‬‬
‫ف الجزء الكب ير من التج ارة الخارجي ة ك ان تحت س يطرة التج ار الفرنس يين‪ ،‬ال ذين وج ودوا‬
‫ك ل التس هيالت ل دى حك ام الجزائ ر‪ ،‬وبن اءا على معاه دة س نة ‪ 1535‬أس س ت اجران من‬
‫مرسيليا في عام ‪ 1561‬مؤسسة تجارية‪ ،‬ومركزا لصيد المرجان في القالة‪ ،‬التي عرفت‬
‫فيم ا بع د‪ ،‬بحص ن فرنس ا «‪ » Bastion de France ‬وع رف النش اط التج اري الفرنس ي‬
‫تصدر‬
‫في فترة الحقة‪ ،‬تطورا كبيرا في القرن ‪17‬م‪ ،‬فكانت المؤسسة الفرنسية في الجزائر ّ‬
‫المرج ان والحب وب‪ ،‬والص وف والجل ود‪ ،‬والش مع‪ ،‬وال زيت‪ ،‬والحيوان ات‪ ،‬وتس تورد الخ وخ‬
‫واألقمش ة‪ ،‬والم واد الغذائي ة‪ ،‬والمص نوعات األوربي ة‪ ،‬وق د حققت فرنس ا أرباح ا طائل ة من‬
‫ه ذا النش اط‪ ،‬نظ را لألس عار المنخفض ة ال تي ك انت ت دفعها مقاب ل حص ولها على اإلنت اج‬
‫المحلي‪ ،‬في حين كان األهالي يدفعون أثمانا باهظة القتناء المصنوعات الفرنسية‪.‬‬
‫وقد توسعت التج ارة الجزائرية الخارجية‪ ،‬لتشمل الدول األوربية األخرى‪ ،‬فكانت‬
‫تس تورد من مرس يليا‪ ،‬وليفورن ة األقمش ة‪ ،‬والحري ر‪ ،‬والبن‪ ،‬والس كر‪ ،‬والمنادي ل‪ ،‬والقرنف ل‪،‬‬
‫والمخمل‪ ،‬والبلور‪ ،‬والزجاج‪ ،‬والمرايا‪ ،‬والحديد‪ ،‬والورق‪ ،‬والخردوات الحديدية‪ ،‬أما من‬
‫ال دول األوربي ة الش مالية‪ ،‬هولن دا والس ويد وال دنمارك‪ ،‬فك انت تس تورد منه ا الص واري‬
‫والحب ال والب ارود واألخش اب ‪ .‬وك انت تص ّدر الم واد الزراعي ة األساس ية‪ .‬إال أن م ادة‬
‫الحبوب كانت تتنافس عليها فرنسا وانجلترا واسبانيا وهولندا‪ .‬ألن الدولة الجزائرية كانت‬
‫تحتك ر تج ارة الم واد األساس ية لحماي ة اقتص ادها من االس تغالل األجن بي‪ .‬إال أن القنص ل‬
‫األمريكي في الجزائر "شالر" اعتبر‪ " :‬أن نظام االحتكار الذي اعتمدته الحكومة الجزائرية‬
‫أدى إلى خ راب‬
‫في جمي ع المراف ق‪ ،‬ومنعه ا تص دير المنتوج ات المحلي ة إلى الخ ارج‪ ،‬ق د ّ‬
‫التجارة الخارجية وقضى على الزراعة قضاء مبرما "‪.‬‬
‫ويرجع سبب فشل الحكومة الجزائرية في سياستها االحتكارية إلى اقتصار دورها‬
‫على اإلجراءات اإلدارية والتنظيمات الجمركية‪ .‬وقد تخلت الدولة الجزائرية عن تجارتها‬
‫الخارجي ة لص الح بعض التج ار اليه ود في أواخ ر الق رن ‪18‬م‪ ،‬وه ذا م ا جع ل القنص ل‬
‫الفرنسي "تانفيل" «‪ » D.THANVILLE ‬يقول عن هؤالء اليهود والسيما بوشناق وبكري‪:‬‬
‫" هي األس رة الوحي دة ال تي ك انت تتم يز بطم وح واس ع وتتمت ع بثق ة حك ام الجزائ ر‪ ،‬ف إنهم‬
‫ش ركاء في ك ل مك ان‪ ،‬وامت دت عالق اتهم إلى ب اريس‪ ،‬مرس يليا ‪،‬عناب ة‪ ،‬جن وة‪ ،‬ليفورن ة‪،‬‬
‫مدريد وكل الموانئ اإلسبانية ولندن‪ ،‬لشبونة‪ ،‬هانبورغ وفيالدلفيا‪ ،‬استولوا على كل تجارة‬
‫المغرب "‪.‬‬
‫ومن أهم الص ادرات الجزائري ة إلى أورب ا تتمث ل في الص وف‪ ،‬وتق ّدر الكمي ة‬
‫المص درة بس بعة إلى ثماني ة آالف قنط ار س نويا‪ ،‬وك ان معظم اإلنت اج ي أتي من بايل ك‬
‫ال تيطري ال ذي اش تهر س كانه بتربي ة المواش ي‪ ،‬بينم ا ق ّدرت ص ادرات الش ركة الملكي ة‬
‫الفرنسية من مادة الصوف من ميناء عنابة في سنة ‪ 1787‬بخمسة وعشرين ألف قنطار‪.‬‬
‫أما كمية الجلود المصدرة من ميناء مدينة الجزائر‪ ،‬فكانت تتراوح ما بين عشرين وخمسة‬
‫ألف قطعة‪ ،‬وبلغت مداخيل الجلود المصدرة إلى مرسيليا حوالي مائة ألف لاير‪ .‬أما بالنسبة‬
‫لم ادة الش مع‪ ،‬فك ان يص ّدر من مين اء الجزائ ر نح و أورب ا ثالثمائ ة إلى أربعمائ ة قنط ار‬
‫تصدر من ميناء عنابة‪.‬‬
‫سنويا‪ ،‬وتقريبا نفس الكمية ّ‬
‫وتم تص دير من م وانئ مدين ة الجزائ ر وعناب ة وأرزي و ودلس س نة ‪1787‬م‪ ،‬مائ ة‬
‫وخمس ين أل ف حمول ة من القمح والش عير والخض ر‪ ،‬وق در ع دد الس فن الفرنس ية المحمل ة‬
‫ب الحبوب من مين اء عناب ة بثالثين س فينة‪ ،‬ويك اد نفس الع دد بالنس بة للس فن األوربي ة‬
‫األخرى‪ ،‬وتم تصدير أيضا خمسة وعشرين حمولة من ميناء أرزيو‪ ،‬وثالثة إلى أربع ة من‬
‫ميناء دلس‪ ،‬ونفس الكمية خرجت من ميناء بجاية إضافة إلى حمولتين من الزيت‬
‫وتوضح هذه الجداول جانبا من الصادرات والواردات الجزائرية‪:‬‬
‫المصدرة والمستوردة من وإ لى الجزائر من أوربا سنة ‪.1755‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬قائمة البضائع‬
‫الواردات‬ ‫الصادرات‬
‫‪-‬المنسوجات المطرزة‬ ‫األصواف‬
‫‪-‬التوابل‬ ‫الجلود‬
‫‪-‬صفائح الحديد والنحاس‬ ‫الشمع‬
‫‪-‬والرصاص والقصدير‬ ‫ريش النعام‬
‫‪-‬الفضة والكبريت واألفيون والشب‬ ‫النحاس‬
‫‪-‬دود الحرير‬ ‫الزرابي المناديل المطرزة‬
‫‪-‬األرز والسكر والفواكه المجففة والجوز‬ ‫الحزم الحريرية‬
‫‪-‬العطور واألمشاط‬ ‫التمور‬
‫‪-‬الورق والصابون والصمغ‬ ‫العبيد‬
‫‪-‬الزنجفير‬
‫‪-‬القطن‬
‫وما يمكن أن يالحظ من هذا الجدول أن الصادرات قليلة‪ ،‬أما الواردات فهي كثيرة‬
‫ومتنوع ة‪ ،‬وهن اك م واد مث ل التواب ل والقطن والعط ور ك ان بإمك ان الجزائ ر أن تتحص ل‬
‫عليه ا دون الم رور باألس واق األوربي ة واالحتك ارات اليهودي ة‪ ،‬من أس واقها بالمش رق‬
‫العربي‪ .‬ومن أهم الواردات كانت المنسوجات واألصباغ والمواد المصنعة‪ ،‬والتوابل‪ ،‬أما‬
‫أهم الصادرات فهي األصواف‪.‬‬
‫‪-‬قيمة الواردات ف يأواخر القرن الثامن عشر‪ :‬سنة ‪1789‬‬
‫قيمة االستيراد‬ ‫منطقة االستيراد‬
‫‪ 800.000‬جنيه استرليني‬ ‫مارسيليا‬
‫‪ 1000.000‬جنيه استرليني‬ ‫ليفورنة‬
‫‪ 200.000‬جنيه استرليني‬ ‫الشرق األوسط‬

‫يالحظ على الجدول أن ليفورنة (إيطاليا) كانت تحتل الصدارة في قيمة الواردات‪،‬‬
‫تليها مارسيليا (فرنسا) ثم الشرق األوسط‪.‬‬
‫‪-‬قائم ة للتج ارة الخارجي ة وردت في كت اب "ولي ام ش الر" ال ذي نقله ا ب دوره من‬
‫سجالت التجارة بمدينة الجزائر لسنة ‪:1822‬‬
‫الواردات وقيمتها إلى مدينة الجزائر سنة ‪1822‬‬
‫القيمة بالدوالر األسباني‬ ‫البضائــع‬ ‫منطقة االستيراد‬
‫‪500.000‬‬ ‫مواد مصنعة انجليزية وهندية‬ ‫بريطانيا‬
‫حرير وتوابل‪ ،‬مصنوعات ألمانية وانجليزية ‪200.000‬‬ ‫اسبانيا‬
‫‪100.000‬‬ ‫توابل‪ ،‬سكر‪ ،‬فوالذ‪ ،‬أقمشة‪ ،‬مواد أخرى‬ ‫فرنسا‬
‫‪100.000‬‬ ‫حرير خام‪ ،‬مواد مصنوعة‬ ‫الشرق األوسط‬
‫‪1200.000‬‬ ‫حلي‪ ،‬جواهر‪ ،‬مواد أخرى‬ ‫إيطاليا‬
‫الصادرات وقيمتها من مدينةـ الجزائر إلى موانئ مارسيليا‪ ،‬ليفورنة‪ ،‬جنوة‬
‫القيمةـ بالدوالر األسباني‬ ‫الوزن بالقناطير‬ ‫المصدرة‬
‫ّ‬ ‫البضائع‬
‫‪160.000‬‬ ‫‪20.000‬‬ ‫األصواف‬
‫‪80.000‬‬ ‫‪10.000‬‬ ‫الجلود‬
‫‪18000‬‬ ‫‪600‬‬ ‫الشمع‬
‫‪15000‬‬ ‫بضائع أخرى‬
‫‪273.000‬‬ ‫المجموع‬

‫يالحظ على جدول "شالر" للواردات والصادرات ما يلي‪:‬‬


‫أن بريطانيا كانت تحتل الصدارة في الواردات في فترة أخذت فيها العالقات التجارية‬ ‫‪‬‬
‫والسياسية تتوتر بين الجزائر وفرنسا‪ ،‬وفيها كانت تتهيأ فرنسا الحتالل الجزائر‪.‬‬
‫أن مجم وع قيم ة ال واردات بلغت ح والي ‪ 1.200.000‬دوالر اس باني س نة ‪،1822‬‬ ‫‪‬‬
‫وأن مجموع قيمة الصادرات بلغت في نفس السنة ‪ 273.000‬دوالر اس باني‪ ،‬ومعنى‬
‫سجل عجزا قدره ‪ 927.000‬دوالر اسباني وهو‬
‫ذلك أن الميزان التجاري للجزائر ّ‬
‫عج ز ض خم ظلّت تعاني ه التج ارة الخارجي ة من ذ أن قلّلت الحكوم ة نش اط القرص نة‬
‫وارتبطت باتفاقيات مع الدول األوربية التي كانت كفاءتها اإلنتاجية أحسن بكثير في‬
‫أدى العج ز الجزائ ري في‬
‫الكم والكي ف من الكف اءة اإلنتاجي ة للجزائ ر‪ ،‬وكث ير م ا ّ‬
‫ّ‬
‫الم يزان التج اري للم دفوعات بحكوم ة األت راك العثم انيين إلى رف ع الض رائب على‬
‫المواطن وزيادة االحتكارات بغية الوصول إلى ح ّل المشاكل االقتصادية‪.‬‬
‫انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين الجزائريين‪ ،‬إذ أن قيمة مجموع الصادرات‬ ‫‪‬‬
‫والواردات كانت ضعيفة إذا ما قورنت بمدينة مرسيليا مثال التي كانت قيمة تجارتها‬
‫تفوق قيمة التجارة الخارجية للجزائر بكثير‪ ،‬وقد ظلّت هذه الحالة حتى سنة ‪.1830‬‬
‫المصدرة العبيد المسيحيين الذين أدرجهم من قبله‬
‫ّ‬ ‫لم يورد "شالر" في قائمة البضائع‬ ‫‪‬‬
‫" مورقان‪ ،‬والسبب في ذلك‪ ،‬هو أن عدد العبيد بمدينة الجزائر أصبح قليال في عهد‬
‫"شالر"‪ ،‬ثم أن الدول األوربية قد اتفقت على منع هذا النوع من التجارة ومعاقبة من‬
‫يتعاطاها بمقتضى معاهدة ‪.1815‬‬
‫جدول السفن التجارية الجزائريةـ التي دخلت ميناء ليفورنة‪:‬‬
‫العــدد‬ ‫الفتـــرة‬
‫‪54‬‬ ‫‪1798 – 1794‬‬
‫‪69‬‬ ‫‪1820 – 1816‬‬
‫‪91‬‬ ‫‪1825 – 1821‬‬
‫‪133‬‬ ‫‪1830 - 1826‬‬

‫إذا ك انت الجزائ ر تتعام ل أساس ا م ع أورب ا ف إن ه ذا ال يع ني أنه ا ال تتعام ل م ع‬


‫األقطار األخرى‪ ،‬بحيث عرفت التجارة مع األقطار المغاربية نشاطا واسعا‪ ،‬إال أن أكثر‬
‫المبادالت ك انت تتم بين الواحات الجزائرية والتونسية الواقعة في منطقة الجريد‪ ،‬من أهم‬
‫الواح ات الجزائري ة‪ ،‬وادي الس وف وت وقرت‪ ،‬وورقل ة‪ ،‬متجه ة إلى الم دن التونس ية‪ ،‬نفط ة‪،‬‬
‫وغ دامس‪ ،‬ومدين ة ت ونس‪ ،‬وك انت الم واد المص ّدرة من الجزائ ر إلى ت ونس‪ ،‬تتمث ل في‬
‫األقمش ة الص وفية‪ ،‬والتم ور الجي دة‪ ،‬من وادي الس وف‪ ،‬وقبع ات من س عفة النخي ل‪ ،‬ونب ات‬
‫الف وه المع روف بع روق الص باغين‪ ،‬الق ادم من تق ورت‪ ،‬ال ذي يس تعمل في الص باغة‬
‫واألدوية‪ .‬أما المواد المستوردة‪ ،‬فكانت تشمل مواد البزازة‪ ،‬والعطور‪ ،‬واألقمشة الحريرية‬
‫والش االت‪ ،‬والقطني ات األوربي ة‪ ،‬والحي اك المنس وجة في منطق ة الجري د‪ ،‬واألس لحة‬
‫والكبريت‪.‬‬
‫أما المبادالت التجارية مع المغرب األقصى‪ ،‬فإنها ضعيفة نسبيا‪ ،‬فمعظمها كان يتم‬
‫بين وادي ميزاب‪ ،‬والبيض سيدي الشيخ‪ ،‬وتلمسان‪ ،‬ووهران من الجانب الجزائري‪ ،‬وفاس‬
‫ومكن اس وتيط وان‪ ،‬من الج انب المغ ربي‪ .‬أم ا عن طبيع ة المب ادالت التجاري ة‪ ،‬فهي نفس‬
‫الم واد المتبادل ة بين ت ونس والجزائ ر‪ ،‬يض اف إليه ا كمي ة من الجل ود واألحذي ة ك انت ت أتي‬
‫من المغرب األقصى‪.‬‬
‫وتتم التجارة بين هذه القطار من طرف الخواص‪ ،‬الذين يسلكون بقوافلهم المسالك‬
‫البري ة‪ ،‬كم ا أن هن اك رحالت بحري ة بين مدين ة الجزائ ر‪ ،‬وت ونس‪ ،‬وتيط وان‪ ،‬يق وم التج ار‬
‫خالله ا ب بيع وش راء الس لع المختلف ة‪ .‬أم ا دور الدول ة‪ ،‬فك ان مقص ورا على جم ع الض رائب‬
‫والرس وم الجمركي ة‪ ،‬فك انت ك ل القواف ل ال تي ت دخل مدين ة الجزائ ر‪ ،‬والخارج ة منه ا ت دفع‬
‫ضريبة محددة‪.‬‬
‫وامت د نش اط الجزائ ريين إلى المش رق الع ربي‪ ،‬فأخ ذوا من الم دن المش رقية مراك ز‬
‫وتعد مدينة اإلسكندرية محطة رئيسية لهم‪ ،‬نظرا لموقعها الذي يتوسط‬
‫ّ‬ ‫نشاطهم التجاري‪،‬‬
‫الش رق والمغ رب‪ ،‬فأنش ئوا‪ ،‬واس تأجروا به ا ال وكالت والمخ ازن لتخ زين الس لع القادم ة من‬
‫مختلف الجهات المشرقية ولم يكن نشاطهم مقصورا على اإلسكندرية بل امتد إلى القاهرة‬
‫وإ زم ير‪ ،‬فك انوا يس توردون من الق اهرة البن‪ ،‬واألرز‪ ،‬واألقمش ة‪ ،‬وك انوا يص ّدرون إلى‬
‫أزم ير الحي اك الص وفية والم واد الغذائي ة أثن اء توفره ا في الجزائ ر‪ .‬كم ا ع رفت األحزم ة‬
‫المصنوعة بالحرير رواجا واسعا في المشرق والمغرب نظرا لجودتها العالية ‪.‬‬
‫كما للجزائر عالقات تجارية مع دول إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬مثل النيجر‪ ،‬ومالي‪،‬‬
‫ونيجري ا‪ ،‬ال تي ك انت تع رف بالس ودان الغ ربي‪ .‬فك انت القبائ ل الجزائري ة هي ال تي تت ولى‬
‫عدة محطات تجارية عبر الصحراء‪ .‬فكانت المواد‬
‫التجارة مع تلك األقطار‪ .‬وقد أنشئت ّ‬
‫تنق ل من ش مال البالد إلى متليلي في الجن وب الجزائ ري‪ ،‬ومنه ا تنقله ا قبائ ل الش عابنة إلى‬
‫أس واق المنيع ة ثم يحمله ا الط وارق والخنافس ة إلى تمبوكت و في م الي‪ .‬وك انت الم واد‬
‫المص ّدرة تش مل المص نوعات األوربي ة‪ ،‬وال زيت‪ ،‬وغيره ا‪ ،‬ويس تورد من ال دول اإلفريقي ة‬
‫العبيد‪ ،‬وريش النعام‪ ،‬وجلود البقر الوحشي والعاج‪ ،‬والبخور وغيرها‪.‬‬
‫ويب دو أن حجم المب ادالت التجاري ة بين األقط ار المغاربي ة بص فة عام ة والس ودان‬
‫الغربي كان قليال‪ ،‬فهناك من أرجع أسباب ذلك إلى عدم إدخال العملة النقدية كوسيلة في‬
‫المب ادالت التجاري ة‪ ،‬فك ان يغلب عليه ا ط ابع المقايض ة إض افة إلى أن القواف ل ك انت تق وم‬
‫برحل ة واح دة خالل س نتين أو ثالث س نوات‪ ،‬لص عوبة المس الك وبع د المس افة‪ ،‬وأيض ا‬
‫أدى إلى افتق ار محالت مدين ة‬
‫الص راعات القائم ة بين القبائ ل العربي ة والط وارق‪ ،‬مم ا ّ‬
‫تلمسان للسلع السودانية بعدما كانت مركزا رئيسيا لها‪ .‬وبالرغم من تواضع هذه التجارة‪،‬‬
‫فإن يهود الجزائر تم ّكنوا في القرن ‪18‬م‪ ،‬من السيطرة عليها والتحكم فيها‪.‬‬
‫بع د ه ذه النظ رة اإلجمالي ة عن التج ارة الجزائري ة الخارجي ة علين ا معرف ة العوام ل‬
‫التي اعترضت سبيل تطورها خاصة مع أوربا‪.‬‬
‫ج ّل المص ادر تؤ ّك د على أن التج ارة الجزائري ة لم تكن له ا أهمي ة بالنس بة للحك ام‬
‫األتراك‪ ،‬ذلك أن الدايات في الجزائر همهم الوحيد فرض الضرائب على عمليتي استيراد‬
‫البض ائع‪ ،‬أو تص ديرها‪ ،‬فك انت ض ريبة االس تيراد تق ّدر بـ ‪ %12,5‬وض ريبة الص ادرات‬
‫تقدر بـ ‪ ،%2,5‬وهناك ضريبة أخرى كانت تفرض على كل سفينة ترسو على السواحل‬
‫ّ‬
‫الجزائرية‪ ،‬وكانت قيمتها تساوي ‪ 10‬دوالرات اسبانية‪.‬‬
‫تتعرض للتفتيش من قبل الدول األوربية‪ ،‬قصد‬
‫كما كانت السفن التجارية الجزائرية ّ‬
‫إلق اء القبض على ربانه ا‪ ،‬بحج ة أنهم أعالج‪ ،‬ارت دوا عن دي انتهم المس يحية‪ ،‬له ذا فض ل‬
‫المالحون أو التجار الجزائريون اإلبحار على أساطيل حربية لحماية أنفسهم من األخطار‪،‬‬
‫يتعرض ون له ا وأرغم وا على ت رك التج ارة لبعض األه الي يتول ون أمره ا‪ ،‬إال‬
‫ال تي ك انوا ّ‬
‫أنهم لم ينج وا من المض ايقات ال تي مارس تها ض ّدهم ال دول األوربي ة‪ .‬فلم تكن تس مح لهم‬
‫بممارس ة التج ارة في م دنها والرس و في موانيه ا بحج ة أن الجزائ ريين قراص نة‪ ،‬ويؤك د‬
‫القنصل الفرنسي في الجزائر‪" :‬فاليير" هذه الحقيقة فقال‪ " :‬كانت غرفة مرسيليا التجارية‬
‫تتب ع عن كثب نش اطات الجزائ ريين في مدين ة مرس يليا‪ ،‬وك انت تلج أ إلى اس تعمال ال ذرائع‬
‫المختلف ة إلفش ال مجه وداتهم‪ ،‬وك انت تكث ف مس اعيها ل دى البالط الملكي من أج ل ه ذا‬
‫الغرض "‪.‬‬
‫وق د اس تعملت غرف ة مرس يليا ك ل الحي ل والعراقي ل إلبع اد الجزائ ريين ومجه زي‬
‫الم راكب من مياهه ا‪ ،‬وه ذا م ا دف ع الجزائ ريين إلى التن ازل عن التج ارة الخارجي ة لص الح‬
‫األوربيين‪ .‬لذلك ليس من السهل للجزائر أن تطور تجارتها الخارجية وحتى وإ ن كانت لها‬
‫الرغبة في ذلك‪ ،‬فإن الدول األوربية لن تسمح لها بذلك‪ .‬ففي نظر األوربيين‪ ،‬فإن الجزائر‬
‫ما هي إال مصدر تموينهم‪ ،‬كما أن الجزائر لم تتوفر على اإلمكانيات المادية التي تؤهلها‬
‫لمنافسة الشركات التجارية األوربية‪.‬‬
‫وحس ب القنص ل الفرنس ي "ف اليير" دائم ا أن الجزائ ر ال تمل ك المص نوعات ال تي‬
‫تمكنها من التصدير‪ ،‬والقيام بالمبادالت التجارية مع الدول األخرى‪ ،‬مقابل النقود‪ ،‬وأن كل‬
‫التج ارة ال تي تم ارس هن ا‪ ،‬ك انت مخصص ة لالس تهالك المحلي‪ ،‬أم ا الس لع المس توردة من‬
‫الخ ارج فهي ض ئيلة ج دا‪ ،‬ويع ود ذل ك إلى طبيع ة معيش ة الس كان المتواض عة‪ ،‬ولبس اطة‬
‫يد األوربيين‬
‫لباس هم‪ ،‬فهم يكتف ون بالقلي ل‪ ،‬فالس لع التي كانت ت أتي من مرس يليا‪ ،‬كانت في ّ‬
‫أم ا م ا ك ان يس تورد من ليفرون ة‪ ،‬فه و تحت س يطرة اليه ود ‪ .‬بينم ا " ديس تري "‬
‫‪ » D’ESTRY‬ينفي وج ود التج ارة إطالق ا في الجزائ ر‪ ،‬ب ل ك ان ي ّدعي أن االقتص اد‬
‫الجزائري‪ ،‬كان قائما على مداخيل القرصنة‪.‬‬
‫وم ا تق ّدم‪ ،‬يمكن الق ول‪ :‬أن نش اط المجتم ع الجزائ ري في المج ال التج اري داخلي ا‬
‫تميز باالنتشار والتنوع‪ ،‬فقد شمل مختلف مناطق البالد‪ ،‬إال أن دوره في التجارة الخارجية‬
‫ّ‬
‫كان محدودا نظرا للعراقيل والحصار الذي فرضته عليه الدول األوربية‪ ،‬كما أن إمكانياته‬
‫المادي ة المحدودة‪ ،‬لم تكن تسمح ل ه بمنافس ة الشركات العالمي ة‪ ،‬ولهذا‪ ،‬فإن معظم األرباح‬
‫كان يستفيد منها التجار األوربيون واليهود‪.‬‬

You might also like