You are on page 1of 15

‫المجلة المغربية للبحث في العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

ⵜⴰⵙⵖⵓⵏⵜ ⵜⴰⵎⵖⵔⴰⴱⵉⵢⵜ ⵏ ⵓⵔⵣⵣⵓ ⴳⵉ ⵜⵎⴰⵙⵙⴰⵏⵉⵏ ⵜⵉⵏⴼⴳⴰⵏⵉⵏ ⴷ ⵜⵉⵏⴰⵎⵓⵏⵉⵏ


20 - 6 .‫) ص ص‬2022 ،‫ (يونيو‬01 ‫ العدد‬01 ‫المجلد‬
‫ بين مقتضيات مدونة األسرة و إكراهات القانون الدولي‬،‫مغاربة املهجرورابط االنتماء‬
‫الخاص‬
Moroccans of the world and the affiliate link, between the
requirements of the family code and the constraints of private
international law
1
‫سعيد موساوي‬
‫ملخص‬
‫ إلقائها على‬،‫ في أي حال‬،‫ ال يمكن‬،‫إن تحدي ضمان نجاح عملية اندماج املهاجر املغربي في الخارج‬
ً
‫ خصوصا عند حديثنا‬،‫ فالدولة املغربية تتحمل قسطا من تلك املسؤولية‬،‫عاتق الدول املستقبلة حصرا‬
‫ لعل النص القانوني ذو الصلة املباشرة بهذا‬.‫عن حماية رابط النتماء من مختلف مظاهر التقطع‬
ً
‫ نظرا‬،‫ بما تحيل إليه من تحديات قانونية وقضائية‬،‫ ال يمكن أن يكون إال مدونة األسرة‬،‫املوضوع‬
،‫لألهداف امللقاة على عاتقها واملتمثلة في الحفاظ على استقرار واستدامة األسرة املغربية بكل مكوناتها‬
‫ فإن هذه القراءة ال يمكن‬،‫ بذلك‬.‫وحفظ حقوق أفرادها سواء ما كان ذي صلة باألزواج أو ارتبط باألبناء‬
.‫أن تعطي أكلها دون إقامة رابط بين النصوص القانونية واملقاربات السوسيولوجية املفسرة لها‬
.‫ مغاربة العالم‬،‫ االندماج‬،‫ القانون الدولي الخاص‬،‫ مدونة األسرة‬:‫الكلمات املفتاحية‬
Abstract
The challenge of ensuring the success of the process of integrating
Moroccan immigrants abroad can in no way rest exclusively on the shoulders of
the host countries. an affiliate link from various logout events. Perhaps the legal
text directly related to this subject can only be the Family Code, with its legal and
judicial issues, given the objectives entrusted to it, which are to maintain the
stability and sustainability of the family. Moroccan society with all its
components, and to preserve the rights of its members, whether spouses or
partners with children. Thus, this reading cannot bear fruit without establishing a
link between legal texts and explanatory sociological approaches.
Keywords: family code, private international law, integration, Moroccans
of the world.

S1.moussaoui@ump.ac.ma .‫ كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية وجدة‬،‫ أستاذ علم االجتماع‬1


6
‫سعيد موساوي‬

‫مقدمة‬
‫ال يمكن للسوسيولوجيا‪ ،‬حسب سيرج جوناس(‪ ، )Serge Jonas‬إال أن تكون علما‬
‫تركيبيا‪ ،‬أي العلم الذي تلتقي فيه جميع املعارف املنتجة في مختلف تخصصات العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ .‬لذا‪ ،‬تحتل السوسيولوجيا موقعا مركزيا ضمن تلك العلوم؛(‪)2‬غير‬
‫أن هذا املسعى يتعذر تحقيقه ما لم يركز البحث السوسيولوجي على إقامة جسور للتواصل‬
‫مع باقي التخصصات‪ ،‬والتحرر ما أمكن من النزعة التجزيئية للمعارف االجتماعية‪ .‬تماشيا‬
‫مع هذا الطابع التركيبي‪ ،‬يأتي موضوع هذه املقالة ملحاولة الربط بين السوسيولوجيا من‬
‫َُ‬
‫خالل مفهوم الرابط االجتماعي إلى جانب اإلسهامات السوسيولوجية املقدمة املكرسة‬
‫لوضع تصور نظري للعالقة بين القانون واملجتمع‪ ،‬هذا فضال عن التركيز على استغالل‬
‫القوة التفسيرية ملقاربة ماليونفسكي التي ربط بمقتضاها بين الحاجيات البيولوجية‬
‫واالستجابة الثقافية‪ ،‬لنعمد في مستوى ثان إلى إنجاز قراءة في بعض مقتضيات مدونة‬
‫األسرة املغربي والصعوبات التي تطرحها على مستوى تطبيقها على املغاربة املقيمين في‬
‫الخارج‪ ،‬كما نستحضر اإلكراهات التي يطرحها القانون الدولي الخاص‪ .‬عالوة على ذلك‬
‫نقدم قراءة في بعض محاور االستراتيجية الوطنية من أجل مغاربة العالم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬نحو فهم سوسيولوجي للعالقة بين الرابط االجتماعي والقانون‬
‫‪ )1‬السوسيولوجيا والقانون‪:‬‬
‫إن السؤال املطروح بخصوص العالقة بين القانون واملجتمع‪ ،‬يمكن صياغته على‬
‫النحو االتي‪ :‬هل نتوفر على توجه نظري ذي بعد كلي لهذه العالقة‪ ،‬أو نظرية قانونية‬
‫اجتماعية لتوجيه البحث في هذا املجال؟ إن اإلجابة األكثر قربا من الواقعية تكمن في القول‬
‫إن سوسيولوجيا القانون تقوم على االفتراضات واملقترحات الفكرية لعلم االجتماع العام‬
‫والنظرية القانونية ويتأثر بهما‪ )3( .‬فحقيقة وجود قصور على مستوى إنتاج نظرية‬

‫)‪(2‬‬
‫‪Serge Jonas, « Pour une sociologie synthétique », In: L'Homme et la société,‬‬
‫‪N. 4, 1967. pp. 215-221.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Edgar F. Borgatta, Rhonda J. V. Montgomery, Encyclopedia of Sociology.‬‬
‫‪Volume 3-Macmillan Reference USA 2000, pp. 1552-1555‬‬

‫‪7‬‬
‫مغاربة املهجر ورابط االنتماء‪ ،‬بين مقتضيات مدونة األسرة وإكراهات القانون الدولي الخاص‬

‫ماكروسيوسيولوجية باإلمكان التحقق من الفرضيات التي بنيت عليها تجريبيا‪ ،‬ال يعني‬
‫تجاهل املساهمات التي قدمها الرواد األوائل للسوسيولوجيا‪ ،‬أمثال دوركايم‪ ،‬فيبر‪ ،‬ماركس‪،‬‬
‫وبارسونز‪.‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬تعد سوسيولوجيا القانون فرعا للسوسيولوجيا العامة‪ ،‬تستمد‬
‫مفاهيمها وفروضها التفسيرية من التراكم العلمي املحقق في السوسيولوجيا العامة‪ .‬بصيغة‬
‫ّ‬
‫أخرى يمكن للنظريات السوسيولوجية الكبرى أن تشكل األساس النظري الذي يمكن من‬
‫التأسيس الهتمام علمي بالقانون‪ .‬غير أن السؤال الذي ينبغي البحث عن إجابة عنه يتجلى‬
‫في الحدود الفاصلة بين القانون والسوسيولوجيا؟ أي متى يبدأ عمل السوسيولوجي؟ يوضح‬
‫جون كاربونييه (‪ )Jean Carbonnier‬أن تلك املهمة ال ترتبط باستخراج القاعدة القانونية‬
‫املتضمنة في البيئة االجتماعية‪ ،‬إنما الغرض الجوهري من ذلك يكمن في ضمان أن تكون‬
‫تلك القاعدة مندمجة في البيئة االجتماعية وال تعمل كجسم غريب‪ .‬لذلك‪ ،‬يعتبر علم‬
‫االجتماع‪ ،‬العلم الالزم ملعرفة القانون‪ ،‬ولكنه ال يستطيع بأي حال من األحوال أن يحل محل‬
‫املعارف األخرى املرتبطة واملكرسة حصرا لفقهاء القانون‪ .‬لذا‪ ،‬يضيف كاربونييه أن فعالية‬
‫القانون يتحدد بالحد الذي من خالله يتم تقليص الفجوة بين القاعدة وتطبيقاتها‪ ،‬بينما‬
‫مهمة سوسيولوجيا القانون تنحصر في تحديد العلل الكامنة وراء عدم الفعالية التي تعتري‬
‫تطبيق القانون‪ ،‬ودراسة ردود الفعل الصادرة عن الوسط االجتماعي اتجاه أحكام القانون‬
‫التي تم تشريعها‪ )4(.‬بهذا‪ ،‬تنحصر مهمة سوسيولوجيا القانون في فحص اآلثار التي يتركها‬
‫تطبيق القاعدة القانونية على مجمل العالقات والروابط االجتماعية‪ ،‬املهمة التي تستلزم‬
‫التخلي عن السوسيولوجيا التأملية وذلك بالنزول إلى امليدان ومعاينة تلك األثر بطريقة‬
‫مباشرة باالعتماد على أدوات البحث امليداني الكفيلة لوحدها بتمكين الباحث من الوصول‬
‫إلى هدفه‪.‬‬
‫لم يكن للقانون أن يجد موطأ قدم في املقاربات السوسيولوجية‪ ،‬لوال األهمية التي‬
‫أواله له إميل دوركايم (‪ ،)Emil Durkheim‬وهو ما أشار إليه فرانسوا شازيل ( ‪François‬‬

‫)‪(4‬‬ ‫‪Jean Carbonnier, Législation et jurisprudence, L’Année sociologique,‬‬


‫‪livraison 1957-1958, p. 193 In, Baudouin Dupret. Droit et sciences sociales.‬‬
‫‪Manuscrit original, 2006, p. 34‬‬
‫‪8‬‬
‫سعيد موساوي‬

‫‪ )Chazel‬بالقول إنه لم يتمكن علم االجتماع القانون في فرنسا من حيازة املواطنة الكاملة‪،‬‬
‫إال مع إميل دوركايم؛(‪ )5‬حيث أصبح فرعا معترفا به بين التخصصات األخرى‪ .‬تظهر األهمية‬
‫التي منحت له من خالل االعتبار املمنوح للوقائع القانونية والتشريعية وللعقوبات وللقانون‬
‫االجتماعي جنبا إلى جنب مع األهمية التي تضطلع بها الظواهر االجتماعية‪.‬‬
‫ينطلق دوركايم في مقاربته للقانون باعتباره رمزا مرئيا (‪ )Symbole visible‬للتضامن‬
‫ولتنظيم الحياة في املجتمع في أكثر مظاهرها استقرارا وتحديدا‪ .‬من أجل إرساء أسس‬
‫الدراسة السوسيولوجية للقانون‪ ،‬يجب أن تنطلق الدراسات من البحث عن كيفية تشكل‬
‫تلك القواعد تاريخيا‪ ،‬أي البحث عن األسباب التي أدت إلى ظهورها والغايات العملية املفيدة‬
‫التي تحقق ها والطريقة التي تعمل من خاللها في املجتمع‪ ،‬أي كيف يطبقها األفراد‪ )6( .‬كما‬
‫يؤكد دوركايم ضمن كتابه في تقسيم العمل االجتماعي أن مجتمعات التضامن اآللي تتميز‬
‫فيها القوانين بالطابع القمعي‪ ،‬في حين تتخذ القوانين في مجتمعات التضامن العضوي شكال‬
‫تعويضيا؛ في هذا الصدد طور مفهوم املؤشر (‪ )Index‬والذي يشير إلى مقياس غير مباشر‬
‫وخارجي للبعد املعقد للبنية االجتماعية كالتضامن االجتماعي‪)7(.‬‬

‫من جانب آخر‪ ،‬يرى ماركس وفقا ملاديته التاريخية أن القانون ال يمتلك السلطة‬
‫املستقلة للتفكير‪ ،‬إنما يعكس العالقات االجتماعية فقط؛ ألنه ال يتمتع باالستقاللية‬
‫ومحروم من أي قدرة على التصرف على الصعد االجتماعي‪ .‬إذ أن هناك ارتباط داخلي ال‬
‫ينفصم بين فئات االقتصاد املؤسس على املال والسلع‪ ،‬وبين األشكال القانونية نفسها‪.‬‬
‫بذلك‪ ،‬يتم‪ ،‬في نظر ماركس‪ ،‬فرض األيديولوجية على العالقات الحقيقية ملنحها الشكل‬
‫الوهمي لفعل اإلرادة املستقل‪ .‬مما يعني أن القانون ليس فقط نتاج بناء إيديولوجي‪ ،‬بل‬
‫حامل ومحرك له كذلك‪ .‬إذ تعمل األيديولوجية املهيمنة على تشكيل الحس السليم املرتبط‬
‫بمرحلة تاريخية محددة‪ ،‬عن طريق ما اطلق عليه التوسير (‪ )Louis Althusser‬األجهزة‬

‫)‪(5‬‬
‫‪François Chazel, Action collective et mouvements sociaux, puf, 1993, p.262‬‬
‫‪IN, , Baudouin Dupret. Droit et sciences sociales. Manuscrit original, 2006, p. 34‬‬
‫)‪(6‬‬
‫‪Baudouin Dupret. Droit et sciences sociales. Manuscrit original, 2006, p. 31‬‬
‫)‪(7‬‬
‫‪Edgar F. Borgatta, Rhonda J. V. Montgomery, Encyclopedia of Sociology.‬‬
‫‪Volume 2-Macmillan Reference USA 2000, p. 1553‬‬

‫‪9‬‬
‫مغاربة املهجر ورابط االنتماء‪ ،‬بين مقتضيات مدونة األسرة وإكراهات القانون الدولي الخاص‬

‫األيديولوجية للدولة‪ :‬الدين‪ ،‬التعليم‪ ،‬األسرة‪ ،‬السياسة‪ ،‬النقابات‪ ...‬على هذا األساس‪،‬‬
‫ً‬
‫خاطب ماركس البورجوازية قائال‪" :‬إن فقه تشريعك ما هو إال إرادة طبقتك التي تحولت إلى‬
‫قانون للجميع‪ ،‬وهي إرادة تحدد طبيعتها وتوجهها األساسيين الظروف االقتصادية لوجود‬
‫طبقتك [‪ ]...‬وبذلك فإن قدر الدولة والقانون محكوم حتما باالضمحالل نتيجة لزوال‬
‫املجتمع الرأسمالي" (‪ .)8‬عموما يمكن تلخيص املقاربة التي أدلى بها ماركس في ثالث فرضيات‬
‫أساسية‪:‬‬
‫‪ ‬القانون هو نتاج قوى اقتصادية متطورة‪.‬‬
‫‪ ‬القانون أداة تستخدمها الطبقة الحاكمة للحفاظ على سلطتها على الطبقات‬
‫الدنيا؛‬
‫‪ ‬في املجتمع الشيوعي املستقبلي‪ ،‬سيتالش ى القانون كأداة للرقابة االجتماعية؛ كما‬
‫ستضمحل الدولة نفسها‪)9(.‬‬

‫من جانب آخر لم ُيغفل الطرح الوظيفي التطرق للقانون‪ ،‬ولعل املساهمة التي قدمها‬
‫برونسالو ماليونوفسكي (‪ )Bronislaw Malinowski‬تعد من بين أهم املقاربات الواجب‬
‫ً‬
‫التطرق لها‪ ،‬خاصة في مقالنا هذا‪ ،‬إذ يمكن أن تقدم إطارا تفسيريا للعالقة بين القانون‬
‫واملجتمع بوجه عام‪ ،‬وكذلك قدرتها على تفسير االختالالت الناتجة عن تلك العالقة‪ .‬إن‬
‫أهم مفهوم يمكن التطرق له عند الحديث عن النظرية التي قدمها ماليونفسكي حول‬
‫الثقافة يكمن في الوظيفة‪ ،‬والتي ليست سوى إشباع حاجة عن طريق نشاط يعمل فيه‬
‫البشر بشكل مشترك‪ ]...[ .‬إن هذا التعريف بالذات ينطوي على مبدأ آخر [‪ ]...‬مبدأ‬
‫املؤسسة‪ .‬إنه مفهوم ينطوي على اتفاق متبادل على مجموعة من القيم التقليدية التي تجمع‬
‫ً‬
‫بين البشر‪ .‬كما يعني ضمنا أن هؤالء البشر لديهم عالقة معينة مع بعضهم البعض‪ ،‬ومع‬
‫عنصر فيزيائي محدد في بيئتهم الطبيعية وفي البيئة التي صنعوها‪ .‬مترابطون بميثاق من‬
‫تصميمهم أو من خالل وساطة الجهاز املادي الذي يوجههم‪ ،‬يعمل البشر ً‬
‫معا‪ ،‬وبالتالي‬
‫ً‬
‫إشباعا لبعض رغباتهم‪ ،‬مع إحداث تأثير على بيئتهم‪.‬‬ ‫يجدون‬

‫)‪(8‬‬
‫‪Baudouin Dupret, op. cite. pp. 42- 44‬‬
‫)‪(9‬‬
‫‪Steven Vago & Steven E. Barkan, Law and Society, Routledge, ELEVENTH‬‬
‫‪EDITION, 2018, p. 40‬‬
‫‪10‬‬
‫سعيد موساوي‬

‫من خالل ربط الوظيفة باملؤسسة‪ ،‬يعتقد مالينوفسكي أنه يستطيع تقديم تعريف‬
‫ملموس ودقيق للثقافة‪ُ ،‬يفهم على أنه "كل ال يتجزأ تدخل فيه مؤسسات مستقلة من‬
‫ناحية‪ ،‬وتتواصل فيما بينها من ناحية أخرى"(‪ .)10‬ولعل من بين أهم األفكار التي قدمها‬
‫ماليونفسكي لبناء نظريته حول الثقافة‪ ،‬اعتبارها استجابة للحاجيات البيولوجية‪ ،‬ومنظم‬
‫لهذه الحاجيات في نفس الوقت‪ .‬بناء على ذلك‪ ،‬تعمل الثقافة على تنظيم االحتياجات‬
‫األولية‪ ،‬وهي احتياجات حددها ماليونوفسكي في‪:‬‬
‫االحتياجات األساسية‬ ‫االستجابة الثقافية‬
‫‪Métabolisme‬‬ ‫‪ Subsistances‬الغذاء‬ ‫مورد البقاء‬
‫‪Reproduction‬‬ ‫‪ Parenté‬التكاثر‬ ‫القرابة‬
‫‪Bien-être corporel‬‬ ‫‪ Abri‬الرفاه الجسدي‬ ‫املأوى‬
‫‪Sécurité‬‬ ‫‪ Protection‬األمن‬ ‫الحماية‬
‫‪Mouvement‬‬ ‫‪ Activités‬الحركة‬ ‫أنشطة‬
‫‪Croissance‬‬ ‫‪ Education‬النمو‬ ‫التربية‬
‫‪Santé‬‬ ‫‪ Hygiéne‬الصحة‬ ‫السالمة الصحية‬

‫‪ )2‬الرابط االجتماعي كضامن لالندماج االجتماعي للفرد‬


‫لم يخرج االهتمام لدى املفكرين االجتماعيين في تحقيق الحالة املثلي للمجتمع عن‬
‫البحث في أسباب الحفاظ على توازنه من خالل صون الروابط االجتماعية‪ ،‬سواء كان‬
‫املدخل إلى ذلك فلسفيا‪ ،‬يبتغي اإلجابة عن العلل واألسباب التي بفضلها يتحقق املجتمع‬
‫املثالي أو املدينة الفاضلة (أفالطون‪ ،‬فيكو‪ )...‬املعبرة عن أقص ى ما يمكن أن يصل إليه‬
‫املجتمع من انسجام وتوازن‪ .‬أم تعلق األمر بإجابة سياسية تذهب إلى أن املجتمع املبتغى ال‬
‫يمكن أن يتحقق دون بناء تلك الروابط االجتماعية على أساس عقد اجتماعي ملزم للكل‬
‫(روسو‪ ،‬فولتير‪ ،)...‬أم ارتبط تفسير تالحم املجتمع وقوة روابطه االجتماعية بتفسير‬

‫)‪(10‬‬
‫‪Bronislaw Malinowski, Une théorie scientifique de la culture, et autres essais,‬‬
‫‪Seuil, 1 janvier 1970, p. 39‬‬

‫‪11‬‬
‫مغاربة املهجر ورابط االنتماء‪ ،‬بين مقتضيات مدونة األسرة وإكراهات القانون الدولي الخاص‬

‫اقتصادي‪ ،‬يعتبر أن قوة السوق كفيلة بتحقيق تلك الغاية (آدم سميث)(‪ )11‬بناء على ما‬
‫سبق وباستحضار سيرورة البحث العلمي القائم في مجمله على منطق التراكم‪ ،‬عمل‬
‫السوسيولوجين على اإلجابة عن التحديات التي طرحتها املجتمعات الصناعية وفي مقدمتها‬
‫مختلف مظاهر الالمعيارية وسوء التنظيم االجتماعي‪.‬‬
‫رابط االنتماء (‪ :)Le Lien de Filiation‬يقوم هذا الرابط على بعدين‪ ،‬األول ذو صلة‬
‫بالقرابة )‪ (Consanguinité‬في بعدها البيولوجي بين اآلباء واألبناء‪ ،‬ويتعلق الثاني بالتبني‬
‫)‪ (Adoptive‬مستمد من مقتضيات القانون املدني‪ ،‬وهو معبر عن انتماء اجتماعي متحصل‬
‫من اعتراف اآلباء بأبنائهم‪ ،‬ولهذا الرابط وظيفة مهمة في التنشئة االجتماعية والهوياتية‬
‫للفرد‪ ،‬من خالل ما يتيحه من حماية واعتراف ضروريين الندماج الفرد في املجتمع‪.‬‬
‫رغم ما لهذا الرابط من أهمية في إدماج األفراد في النظام االجتماعي‪ ،‬إال أن كثافته‬
‫وتوزيعه بين األفراد تطغى عليه عدم املساواة‪ ،‬إذ يظهر تقطع هذه الروابط لدى األطفال‬
‫الذين يتلقون رعاية غير كافية أو ال يتم االعتراف بهم في سجالت الحالة املدنية‪ ،‬يظهر كذلك‬
‫عند فقدان اآلباء لسلطة تربية أبنائهم بناء على مقرر قضائي لصالح مؤسسة تربوية أو‬
‫لفائدة أسرة أخرى تتكفل بهم‪ ،‬كما يمكن أن يحدث عند موت أحد اآلباء أو كليهما‪.‬‬
‫تتميز مظاهر هذا التقطع‪ ،‬الذي يصيب رابط االنتماء‪ ،‬بعدم املساواة تبعا للموقع‬
‫ً‬ ‫الذي يحتله اآلباء ضمن الهرم االجتماعي التراتبي‪ ،‬وهنا ُي ّ‬
‫سجل سيرج بوغام مستندا إلى بحث‬
‫ميداني في ضواحي باريس‪ ،‬أن نسبة فقدان هذا الرابط تصل لدى أبناء العمال ممن‬
‫يتموقعون أسفل الهرم االجتماعي إلى ‪ 27,9%‬في حين أن هذه النسبة ال تتجاوز ‪ 4,3%‬لدى‬
‫األطفال املنحدرين من أسر األطر العليا‪ ))12(( .‬لذلك‪ ،‬ال يمكن مقاربة موضوع الرابط‬
‫االجتماعي دون استحضار مجمل املتغيرات املحددة لدرجة تماسكه أو التي تهدده بالتقطع‪،‬‬
‫والتي لها ارتباط بالجوانب االقتصادية والسياسية والتشريعية السائدة في كل مجتمع من‬

‫)‪(11‬‬
‫‪Jean-Yves Dartiguenave, Jean-Michel Le Bot, Jean-François Garnier,‬‬
‫‪REPENSER LE LIEN SOCIAL : DE GEORG SIMMEL À JEAN GAGNEPAIN‬‬
‫‪ET À LA SOCIOLOGIE CLINIQUE, Dans Pensée plurielle vol 1 (n° 29), 2012,‬‬
‫‪p. 52.‬‬
‫)‪(12‬‬
‫‪Serge Paugam, L’intégration inégale ,1er Éditions, PUF, 2014, pp. 8-10.‬‬
‫‪12‬‬
‫سعيد موساوي‬

‫املجتمعات‪ ،‬األمر الذي يدفعنا إلى البحث في الجانب القانوني وترجمته العملية من خالل‬
‫املؤسسات القضائية‪ ،‬نظرا ألهميته البالغة في ضمان استقرار هذا الرابط‪.‬‬
‫غير أن احتمال تقطع هذا الرابط يزداد في حالة املهاجرين‪ ،‬خصوصا عند األخذ بعين‬
‫االعتبار تأثير التوجهات القانونية والقضائية لدى بلدان االستقبال‪ .‬يظهر هذا التقطع‬
‫بشكل جلي على مستوى النصوص القانونية املجسدة لهذا الرابط‪ ،‬والتي ترفعه من صيغته‬
‫االجتماعية العرفية إلى صيغة قانونية مؤسساتية معترف بها من لدن الجهات الرسمية‪،‬‬
‫املخولة بمهمة تنظيم العالقات والروابط االجتماعية‪ .‬ولعل مدونة األسرة هي النص‬
‫القانوني األكثر ارتباطا بهذه الوظيفة التنظيمية للروابط االجتماعية‪.‬‬
‫تتجلى الوظيفة التنظيمية ملدونة األسرة اتجاه الروابط االجتماعية‪ ،‬من خالل‬
‫تنصيصها على مجموعة من الشروط التي تحدد املعايير التي بموجبها تأخذ تلك الروابط‪،‬‬
‫وما ينتج عنها‪ ،‬صبغة مشروعة ومعترف بنتائجها‪ .‬نقصد بما ينتج عن تلك الروابط‬
‫االجتماعية‪ ،‬جميع املظاهر االجتماعية التي تؤدي إلى توليد روابط جديدة في املجتمع أو‬
‫حلها‪ ،‬مثل الزواج والطالق واإلنجاب‪ ،‬وانتساب األطفال إلى أبويهم البيولوجيين أو نسب‬
‫طفل إلى أبوين بالتبني‪ ،‬وكذلك تحديد عالقات اإلرث‪ ،‬وتقسيم التركة‪ ،‬وحقوق األطفال‬
‫اتجاه األباء أو أولياء أمورهم‪ ،‬مثل النفقة والحضانة‪ ،‬واألسس الدينية والثقافية التي يجب‬
‫أن تخضع لها تربية األبناء‪ .‬وهي جوانب مهمة إلعادة إنتاج الهوية االجتماعية والحفاظ على‬
‫تماسكها‪ ،‬بما يخدم إعادة إنتاج مقومات استمرار املجتمع‪.‬‬
‫غير أن هذه الوظيفة تعترضها الكثير من الصعوبات في حالة املهاجرين‪ ،‬وذلك بفعل‬
‫اختالف البيئة االجتماعية املستقبلة لهم‪ ،‬عن مجتمعاتهم األصلية‪ .‬مرد ذلك إلى االختالفات‬
‫الثقافية والحضارية املميزة لكل من املجتمعين‪ .‬ما ينتج عنه تنازع بين التشريعات والنصوص‬
‫القانونية املنظمة لكل منهما‪ .‬إن هذا التنازع هو ما تنبه إليه املشرعون سواء في املغرب أو في‬
‫البلدان األوروبية بالخصوص‪ ،‬وتم في ضوئه إرساء مجموعة من القواعد املنظمة للقانون‬
‫الدولي الخاص‪ ،‬وهو ما جسدته عدة اتفاقيات ثنائية للتخفيف من حدة املشاكل القضائية‬
‫والقانونية التي تواجه املهاجرين‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مغاربة املهجر ورابط االنتماء‪ ،‬بين مقتضيات مدونة األسرة وإكراهات القانون الدولي الخاص‬

‫كما سبق وأشرنا‪ ،‬فإن مهمة سوسيولوجيا القانون‪ ،‬حسب كاربونييه‪ ،‬تتحدد في‬
‫الكشف عن مدى وحدود فعالية القانون‪ ،‬أي تحديد العلل الكامنة وراء عدم الفعالية التي‬
‫تعتري تطبيق القاعدة القانون‪ ،‬ودراسة ردود الفعل الصادرة عن الوسط االجتماعي اتجاه‬
‫أحكام القانون التي تم تشريعها‪ .‬ومن ثم كان ضروريا اإلحاطة بجميع اإلكراهات التي تعترض‬
‫تطبيق مقتضيات مدونة األسرة على املغاربة املقيمين بالخارج‪ ،‬مع االحتكام إلى القواعد‬
‫املنصوص عليها في القانون الدولي الخاص‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مغاربة املهجر وأوجه التنافربين القانون الوطني وقوانين بلدان االستقبال‬
‫‪ )1‬القانون الدولي الخاص وإشكالية تطبيق مدونة األسرة‬
‫إن حقيقة كون الثقافات القانونية في أوروبا وفي املغرب مختلفة‪ .‬إذ في أوروبا حيث‬
‫العمل على علمنة مختلف جوانب الحياة‪ ،‬مع ترك هامش واسع لحرية األفراد إلى جانب‬
‫العمل على صون حقوق املرأة وحقوق األطفال‪ ،‬في حين عمل املغرب على االحتفاظ على‬
‫تقاليد التشريعي املستوحى من القرآن‪ ،‬لكن في الوقت نفسه العمل على إدماج متطلبات‬
‫حقوق اإلنسان‪ )13(.‬إن هذا التنافر بين املرجعيات املتخذة من طرف هاتين املنظومتين‪ ،‬هي‬
‫التي تشكل األساس لبروز مختلف املشاكل التي تعاني منها الجالية املغربية املقيمة في الخارج‪،‬‬
‫وهي معاناة ذات خلفية ثقافية باألساس تتجلي بشكل واضح في الصعوبات التي تواجه‬
‫تطبيق مدونة األسرة‪.‬‬
‫يشير بعض املهتمين بالجانب القضائي إلى كي يستفيد مغاربة املهجر من مدونة‬
‫األسرة‪ ،‬أن يجتمع شرطين‪ :‬أن تكون االتفاقيات الثنائية موقعة ومصادق عليها من لدن‬
‫املغرب ومن لدن بلد اإلقامة‪ .‬وأال يكون املغاربة املعنيين قد استفادوا من جنسية بلد‬
‫اإلقامة"‪ )14(.‬إن هذين الشرطين الذين يتوجب توفرهما لتمتع املهاجر املغربي في بلدان‬
‫املهجر‪ ،‬من املزايا التي غالبا ما تكون ذات بعد ثقافي ورمزي‪ ،‬مرتبط في شق كبير منه‬
‫باملعتقدات الدينة‪ ،‬يطرح تحدي مزدوج سواء على بلد االنطالق والذي غالبا ما تكون‬

‫(‪)13‬ماري كيلر فوبليتس‪ ،‬املدونة والقانون األوروبي التطبيق والتحديات‪ ،،‬ضمن مغربيات من هنا وهناك تحوالت‬
‫وتحديات‪ ،‬هجرات مغربية‪ ،‬منشورات مجلس الجالية املغربية بالخارج‪ ،‬سال‪ ،2017 ،‬ص‪.271 .‬‬
‫(‪ )14‬عائشة أنصار رشيدي‪ ،‬التطبيق الفعلي ملدونة‪ :‬التجربة األوروبية‪ ،‬ضمن مغربيات من هنا وهناك تحوالت وتحديات‪،‬‬
‫هجرات مغربية‪ ،‬منشورات مجلس الجالية املغربية بالخارج‪ ،‬سال‪ ،2017 ،‬ص‪.283 .‬‬
‫‪14‬‬
‫سعيد موساوي‬

‫االتفاقيات التي أبرمها مع الطرف اآلخر غير مكتملة من حيث مساطر التصديق عليها‬
‫وأخدها للمسار القانوني املفض ي بها إلى اكتساب القوة والحجية القانونية‪ ،‬كما أن هذا‬
‫التحدي يطرح كذلك‪ ،‬على بلدان االستقبال التي تضع شرطا ضمنيا‪ ،‬وفي الكثير من األحيان‬
‫شرطا علنيا‪ ،‬يقتض ي بتخلي املهاجر عن كل مطالبه بمعالجة أحواله الشخصية انطالقا من‬
‫التشريعات املعمول بها في بلده األصلي‪ ،‬واالكتفاء بالتشريعات التي ألزم بقبولها بمقتض ى‬
‫طلبه وقبوله لجنسية البلد املضيف‪.‬‬
‫ينطلق أساس الحيف الذي يطال املهاجر املغربي في بلدان االستقبال مرتكز باألساس‬
‫على تجاهل قضائها لقاعدة اإلسناد الوطني‪)15(.‬يتم تعريف قواعد اإلسناد في القانون الدولي‬
‫الخاص بكونها الوسيلة األساس لتحديد القانون الواجب التطبيق في املنازعات ذات الطابع‬
‫الدولي‪ ،‬والتي يكون فيها طرف أجنبي‪ )16(،‬كما أن اعتماد القانون الخاص املغربي واملقارن‬
‫على مبدأ شخصية القوانين‪ ،‬أي أن القانون الشخص ي يتبع الشخص أينما حل وارتحل‪،‬‬
‫وبالتالي تطبق باألولوية على القوانين األجنبية األسرية‪ ،‬ولو اكتسب املغربي جنسية أخرى‬
‫وذلك من أجل املحافظة على الهوية املغربية‪ ،‬والتي تشكل مدونة األسرة معقال لها‪ )17( .‬كما‬
‫تحيل مدونة األسرة إلى مبدأ آخر‪ ،‬هو مبدأ امتياز الديانة كما نصت على ذلك املادتين ‪54‬‬
‫و‪ 173‬من واجب التربية الدينية لألطفال؛(‪ )18‬غير أن هذا املبدأ يتناقض مع ما وقع عليه‬
‫املغرب من اتفاقيات تقتض ي منع كل أشكال التمييز بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو‬
‫اللغة أو الدين‪.‬‬
‫هذا إلى جانب تراجع األهمية املمنوحة لضابط الجنسية‪ .‬فباعتبار الجنسية هي تلك‬
‫العالقة القانونية التي تربط الفرد بالدولة وهي ترتب التزامات متقابلة بين الطرفين‪ ،‬فإن‬

‫(‪ )15‬أمال ناجي‪ ،‬فكرة النظام العام كآلية الستبعاد قانون األسرة املغربي في الدول األوروبية‪ ،‬مجلة العلوم السياسية‬
‫والقانون‪ ،‬املركز الديموقراطي العربي‪ ،‬املجلد ‪ ،5‬العدد ‪ ،27‬مارس‪/‬آذار ‪ ،2021‬ص‪.335 .‬‬
‫(‪ )16‬قاعدة اإلسناد في القانون الدولي الخاص وظيفتها وأركانها‪ ،‬مركز البحوث والدراسات متعدد‬
‫التخصصات‪ ،‬أخر تحديث ‪ 20‬فبراير ‪ ،2021‬تم االطالع عليه بتاريخ ‪ 02‬شتنبر ‪ 2021‬الرابط‬
‫‪https://bit.ly/31hLBbU‬‬
‫(‪ )17‬عبد اللطيف الفلق‪ ،‬الهجرة والهوية بين هاجس العودة ومشكالت االندماج‪ ،‬مطبوعات أكاديمية المملكة‬
‫المغربية‪ ،‬سلسلة الندوات "هجرة المغاربة إلى الخارج" الناظور ‪ 13 – 12‬ماي ‪ ،1999‬ص‪25 .‬‬
‫(‪ )18‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪16‬‬

‫‪15‬‬
‫مغاربة املهجر ورابط االنتماء‪ ،‬بين مقتضيات مدونة األسرة وإكراهات القانون الدولي الخاص‬

‫القانون املغربي لألسرة يؤكد على وجوب إخضاع املغاربة في كل مكان للقانون املغربي‬
‫بالنسبة للقضايا املتعلقة باألسرة استنادا إلى فكرة تبعيتهم الدائمة للجنسية املغربية (‪)19‬في‬
‫حين أن األنظمة القضائية األوروبية تتحجج في امتناعها عن األخذ بمبدأ شخصية القوانين‬
‫ذات االرتباط بمدونة األحوال الشخصية‪ ،‬بتعارض بعض مقتضياتها مع النظام العام‬
‫األوروبي‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬أدى استعانة البلدان األوروبية بضوابط حديثة لإلسناد من قبل‬
‫املصلحة الفضلى للطفل وضابط املوطن أو اإلقامة االعتيادية‪ ،‬واستخدام النظام العام‬
‫الدولي األوروبي بدل النظام العام الوطني‪ ،‬إلى استبعاد القوانين األجنبية الوافدة‪ ،‬وهو ما‬
‫أدى إلى إضعاف نطاق تطبيق ضابط الجنسية‪ ،‬ومن ثم إقصاء القانون املغربي من حكم‬
‫املسائل األسرية للمغاربة املقيمين بهذه الدول‪ ،‬باإلضافة إلى تمتيع الجاليات األجنبية بمزايا‬
‫املواطن األوروبي‪ ،‬بل وفتح أبواب التجنيس في وجوههم‪)20(.‬‬

‫أدى هذا التضارب بين املرجعية القانونية املغربية ذات الصلة بمدونة األسرة‪،‬‬
‫وإصرار البلدان األوروبية على إعمال مقتضيات مرتبطة في املقام األول بالدفع بحماية‬
‫النظام العام األوروبي‪ ،‬إلى تحجيم لجوء املغاربة املقيمين فيها‪ ،‬إلى مقتضيات مدونة األسرة‪،‬‬
‫إلى نشوب عدة مشاكل مرتبطة بأحوالهم الشخصية والتي لها ارتباط بالحفاظ على رابط‬
‫االنتماء ما حددناه أعاله‪ .‬ولعل أبرز‪:‬‬
‫موانع الزواج‪ :‬من املوانع التي تبطل عقد الزواج تزوج املسلمة من غير املسلم‪ ،‬حسب‬
‫مقتضيات مدونة األسرة املغربي‪ ،‬األمر الذي يتم تجاهله عند إبرام عقود الزواج املدنية في‬
‫الدول األوروبية بدعوا حرية كل من الزوجين في اختيار ديانتهما‪ ،‬غير أن العديد من الزيجات‬
‫املعروضة على القضاء املغربي‪ ،‬كان مالها اإللغاء والبطالن‪ ،‬نتيجة لجوء القاض ي املغربي إلى‬
‫مقتضيات النظام العام املغربي الذي يستمد مقوماته من التشريع اإلسالمي‪ ،‬فالعقد الذي‬
‫ال يتضمن تصريحا وإعالنا ال لبس فيه العتناق الزوج للديانة اإلسالمية‪ ،‬يعد زواجا باطال ال‬
‫يعتد به‪ ،‬وال تترتب عنه أي نتيجة قانونية‪ ،‬سواء في البنوة أو اإلرث أو الحضانة‪.‬‬

‫( ‪ )19‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪20‬‬


‫(‪ )20‬جواد أ قوضاض‪ ،‬ضابط اإلسناد وتأثيره على القانون األسري المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة موالي إسماعيل‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2021-2020‬ص‪3 .‬‬
‫‪16‬‬
‫سعيد موساوي‬

‫البنوة والنسب‪ :‬تعد من بين النقاط التي تطرح العديد من اإلشكاليات‪ ،‬على اعتبار‬
‫النتائج التي تترتب عنها خصوصا على مستوى اإلرث‪ ،‬فبينما يعتبر الفقه اإلسالمي املرجع‬
‫األساس ملدونة األحوال الشخصية في إثبات النسب‪ ،‬باشتراط أن يكون الزواج الصحيح‬
‫االركان كشرط أساس ي إلثبات نسب األبناء إلى أبيهم البيولوجي‪ ،‬وسد الطريق عن كل تبني‬
‫لألطفال الطبيعيين‪ ،‬نجد أن التشريعات األوروبية تسوي من حيث األثار القانونية بين‬
‫البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية‪ ،‬سواء تعلق األمر بالحق في االسم العائلي أو الجنسية‬
‫أو النفقة أو اإلرث‪ ،‬في مقابل استحالة تمتع األطفال الناتجين عن عالقة خارج إطار الزواج‬
‫أو األطفال املتبنين‪ ،‬من تلك الحقوق في اطار التشريع املغربي‪.‬‬
‫حضانة األطفال‪ :‬يطرح نفس اإلشكال على مستوى القانون الواجب التطبيق في حالة‬
‫بعد وقوع الطالق‪ ،‬ولعل القانون املغربي وكذلك القوانين األوروبية‪ ،‬قد نصت على مبدأ‬
‫املصلحة الفضلى للطفل‪ ،‬غير أن تأويل نطاق واملقصود بهذه املصلحة الفضلي‪ ،‬يبقى‬
‫غامضا‪ ،‬خصوصا عند استحضار الجانب التربوي املرتبط بالتنشئة الدينية للطفل‪ ،‬والتي‬
‫تعد مبرر للقضاء املغربي من أجل إسقاط الحضانة عن أحد األبوين الذي يخش ى منه على‬
‫تربية الطفل‪ ،‬في حين أن التشريعات األوروبية العلمانية ال تعير هذه النقطة أي اهتمام‪.‬‬

‫‪ )2‬االستراتيجية الوطنية للمغاربة املقيمين في الخارج‬


‫مثلت هذه االستراتيجية منعطفا مهما في تعامل األوساط الرسمية مع مسألة‬
‫املهاجرين املغاربة في بلدان املهجر‪ ،‬من خالل ما أبانت عنه من وعي بضرورة التدخل‬
‫ومواكبة هذه الفئة على كل األصعدة الثقافية واالجتماعية واالقتصادية والقضائية‪،‬‬
‫وبذلك تشكل الهيكل العام لهذه االستراتيجية على تحقيق ثالثة أهداف استراتيجية كان‬
‫أولها‪ ،‬الحفاظ على الهوية ملغربية‪ ،‬وثانيا‪ ،‬حماية حقوق ومصلح مغاربة العالم والهدف‬
‫االستراتيجي؛ الثالث‪ ،‬تمثل في تمكين مغاربة العالم من املساهمة في تنمية املغرب‪ ،‬الجل ذلك‬
‫تم رصد ‪ 08‬برامج استراتيجية و‪ 39‬برنامجا مهيكال‪.‬‬
‫إن ما يهمنا في هذا املقام هو الكشف عن مضمون البرنامج القطاعي الخاص باملواكبة‬
‫القضائية واإلدارية والذي يتضمن األهداف التالية‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫مغاربة املهجر ورابط االنتماء‪ ،‬بين مقتضيات مدونة األسرة وإكراهات القانون الدولي الخاص‬

‫‪ -‬املواكبة القضائية ملغاربة العالم‬


‫‪ -‬إعداد نظام لتدبير شكايات مغاربة العالم‬
‫‪ -‬اقتراح طرق لتحسين املساطر اإلدارية الخاصة بمغاربة العالم‬
‫‪ -‬إعداد نظام لليقظة القانونية حول املقتضيات التشريعية ذات التأثير على‬
‫مغاربة العالم‬
‫‪ -‬مرافقة مغاربة العالم في مساعيهم اإلدارية‬
‫إن ما يمكن تسجيله عن هذا البرنامج القطاعي‪ ،‬هو غياب أي إشارة للمواكبة‬
‫التشريعية وهي األهم‪ ،‬باعتبارها عمل دائم على تحيين النصوص التشريعية بما يتماش ى مع‬
‫التحديات التي تعترض الجالية املغربية املقيمة في الخارج‪ .‬وباعتبار هذه املواكبة اآللية‬
‫األكثر نجاعة لتجويد النص القانوني املغربي‪ ،‬بما يتيح له تنافسية عالية في مواجهة قوانين‬
‫دول االستقبال‪ ،‬وذلك عن طريق مالئمته مع مقتضيات املواثيق واالتفاقيات الدولية‪ ،‬التي‬
‫يعتبرها املغرب من بين مصادر تشريعاته الوطنية‪ .‬هذا إلى جانب غياب أي إشارة لتفعيل‬
‫دور املجلس العلمي ـ باعتباره هيئة دينية األكثر ارتباطا بالنصوص الدينية التي تعد مصدرا‬
‫للتشريع في مادة األحوال الشخصية ومدونة األسرة بالتحديد‪ .‬ولعل دور هذه املؤسسة ال‬
‫يجب أن يخرج عن إطار محاولة تحيين االجتهاد الفقهي الديني من خالل التركيز على إيجاد‬
‫الفتوى املرتبطة بإيجاد صيغ تأويلية للنصوص الدينية بما يتماش ى واملستجدات التي يعرفها‬
‫التشريع الدولي‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫يمكن القول إن االهتمام السوسيولوجي بموضوع القانون‪ ،‬ودوره في تنظيم العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ضل هما مالزما للرواد األوائل‪ ،‬نظرا ملا للقانون من أثر على إحداث التوازن‬
‫واالنسجام بين مختلف مكونات املجتمع‪ ،‬وباعتباره معبرا عن ثقافة املجتمع‪ ،‬إن لم نقل إنه‬
‫اإلطار املؤسساتي الذي تبرز فيه بجالء هوية وثقافة املجتمع‪ ،‬بما هي أسلوب عيش وتمثل‬
‫لعالقات األفراد البينية‪ ،‬وعالقتهم بمؤسساتهم‪ .‬غير أن هذا االهتمام‪ ،‬ال يمكن أن يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مبررا ومؤسسا على حاجة وطلب اجتماعي ملح ما لم تبرز معالم للخلل في الوظيفة‬
‫التنظيمية للقاعدة القانونية في املجتمع‪ .‬إن عمل السوسيولوجيا القانون‪ ،‬إذن‪ ،‬تنحصر‬

‫‪18‬‬
‫سعيد موساوي‬

‫في الكشف عن االختالالت التي تتسبب فيها النصوص القانونية على مستوى العالقات‬
‫والروابط االجتماعية‪.‬‬
‫بناء على هذه الوظيفة التي لسوسيولوجيا القانون‪ ،‬عملنا من خالل هذه املداخلة‬
‫على الكشف عن مختلف اإلكراهات التي يواجهها تطبيق مقتضيات مدونة األسرة في حالة‬
‫املهاجرين املغاربة في البلدان األوروبية بوجه الخصوص‪ ،‬والتي خلصنا من خاللها إلى القول‬
‫إن مرجعيات التشريع بين املغرب و البلدان األوروبية‪ ،‬تختلف جذريا مما ينجم عنه اختالف‬
‫في النصوص القانونية وتنازعها‪ ،‬مما يطرح بدوره تحدي أمام املهاجرين يكمن في مطلب‬
‫الحفاض على املقومات الثقافية والهوياتية املرتبطة ببلد املنش ئ‪ ،‬والحفاظ على روابطهم‬
‫األسرية بما يتماش ى مع تشريعات بلدهم األصلي‪ ،‬ولكن في نفس الوقت االمتثال للنصوص‬
‫القانونية املعتمدة في بلدان االستقبال‪ ،‬االمتثال الذي يعد شرطا ضروريا لتحقيق االندماج‬
‫في تلك البلدان وحيازة املواطنة الكاملة‪.‬‬
‫بذلك‪ ،‬فإن اختالف االستجابة الثقافية التي يعبر عنها كل مجتمع إزاء الحاجيات‬
‫البيولوجية األولية ألفراده‪ ،‬تختلف من مجتمع إلى أخر‪ ،‬حسب ما عبر عنه ماليونفسكي‪،‬‬
‫وهو ما تعبر عنه النصوص القانونية بجالء‪ ،‬من خالل التناقض الحاصل بين التشريعات‬
‫الوطنية الخاصة بمادة األحوال الشخصية‪ ،‬ومثيلتها في البلدان األوروبية‪ ،‬رغم ضوابط‬
‫اإلسناد املوضوعة واملتعارف عليها في القانون الدولي الخاص‪ ،‬كالجنسية واملوطن االعتيادي‬
‫للشخص وضابط الجنسية والدين‪ .‬بذلك تطرح عدة صعوبات في إثبات وشرعنة بعض‬
‫الروابط األسرية الناتجة بالخصوص عن الزواج املختلط (إثبات النسب‪ ،‬الحضانة‪،‬‬
‫اإلرث‪ .)...‬ولعل هذا الواقع هو ما دفع الجهات الرسمية إلى وضع االستراتيجية الوطنية‬
‫لفائدة مغاربة املهجر‪ ،‬غير أن إهمالها للمواكبة التشريعية ملغاربة املهجر‪ ،‬يضعف من‬
‫حدود تدخلها لصالحهم‪.‬‬
‫ببليوغر افيا‪:‬‬
‫‪ ‬جواد أقوضاض‪ ،‬ضابط اإلسناد وتأثيره على القانون األسري املغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم املاستر في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة موالي إسماعيل‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪2021-2020‬‬

‫‪19‬‬
‫ بين مقتضيات مدونة األسرة وإكراهات القانون الدولي الخاص‬،‫مغاربة املهجر ورابط االنتماء‬

‫ مطبوعات أكاديمية‬،‫ الهجرة والهوية بين هاجس العودة ومشكالت االندماج‬،‫ عبد اللطيف الفلق‬
1999 ‫ ماي‬13 – 12 ‫ سلسلة الندوات "هجرة املغاربة إلى الخارج" الناظور‬،‫اململكة املغربية‬
‫ مركز البحوث والدراسات متعدد‬،‫ قاعدة اإلسناد في القانون الدولي الخاص وظيفتها وأركانها‬
‫ الرابط‬2021 ‫ شتنبر‬02 ‫ تم االطالع عليه بتاريخ‬،2021 ‫ فبراير‬20 ‫ آخر تحديث‬،،‫التخصصات‬
https://bit.ly/31hLBbU
‫آذار‬/‫ مارس‬،27 ‫ العدد‬،5 ‫ املجلد‬،‫ املركز الديموقراطي العربي‬،‫ مجلة العلوم السياسية والقانون‬
2021
‫ منشورات مجلس الجالية املغربية‬،‫ هجرات مغربية‬،‫ مغربيات من هنا وهناك تحوالت وتحديات‬
2017 ،‫ سال‬،‫بالخارج‬
 Baudouin Dupret, Droit et sciences sociales, Manuscrit original,
2006. Ffhalshs-00197135 https://bit.ly/2SGVf3N
 Bronislaw Malinowski, Une théorie scientifique de la culture, et
autres essais, Seuil, 1970
 Carbonnier J., « Législation et jurisprudence », L’Année
sociologique, 1958, pp 344-352.
 Edgar F. Borgatta, Rhonda J. V. Montgomery, Encyclopedia of
Sociology, Macmillan Reference USA 2000
 François Chazel, Action collective et mouvements sociaux, puf,
1993
 Jean-Yves Dartiguenave, Jean-Michel Le Bot, Jean-François
Garnier, « REPENSER LE LIEN SOCIAL : DE GEORG
SIMMEL À JEAN GAGNEPAIN ET À LA SOCIOLOGIE
CLINIQUE », In : Pensée plurielle vol 1 (n° 29), 2012
 Serge Jonas, « Pour une sociologie synthétique ». In : L'Homme
et la société, N. 4, 1967. pp. 215-221. doi :
10.3406/homso.1967.1038
 Serge Paugam, L’intégration inégale ,1er Éditions, PUF, 2014
 Steven Vago & Steven E. Barkan, Law and Society, Routledge,
ELEVENTH EDITION, 2018

20

You might also like