Professional Documents
Culture Documents
جــامــعــــة الـــمـثــــنـــــى
كـــلــيـــة الــهنـــدســــــــة
قــســــم هندســة العــمـارة
2022/2023
1
القاهرة
التسميةـ
اختلفت األقاويل حول سبب تسمية القاهرة بهذا االسم ،فقيل أن جوهر الصقلي سمى المدينة في أول األمر
المنصورية تيمنا ً باسم مدينة المنصورية التي أنشأها خارج القيروان المنصور 7باهلل والد المعز لدين هللا،
أو تيمنا ً باسم والد المعز نفسه إحيا ًء لذكراه ،واستمر هذا االسم حتى قدم المعز إلى مصر فأطلق 7عليها اسم
«القاهرة» ،وذلك بعد مرور أربع سنوات على تأسيسها ،تفاؤالً بأنها ستقهر الدولة العباسية المنافسة
للفاطميين ،وقيل أنه سماها بالقاهرة لتقهر الدنيا ،أو أنها سميت نسبة إلى الكوكب القاهر وهو كوكب
المريخ .ولمدينة القاهرة عدة أسماء شهيرة منها مصر المحروسة ،قاهرة المعز ،مدينة األلف مئذنة،
جوهرة الشرق7.
اما القاهرة بطرازها 7الحالي فيعود 7تاريخ إنشائها إلى الفتح اإلسالمي لمصر على يد عمرو بن العاص عام
641م وإنشائه مدينة الفسطاط ،ثم إنشاء العباسيين لمدينة العسكر ،فبناء أحمد بن طولون لمدينة القطائع،
ومع دخول الفاطميين مصر قادمين من إفريقية (تونس حالياً) بدأ القائد جوهر الصقلي في بناء العاصمة
الجديدة للدولة الفاطمية بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين هللا وذلك في عام 969م ،وأطلق 7عليها
الخليفة اسم «القاهرة» .وأطلق على القاهرة -على مر العصور -العديد من األسماء ،فهي مدينة األلف
مئذنة ومصر 7المحروسة وقاهرة المعز .شهدت القاهرة خالل العصر اإلسالمي أرقى 7فنون العمارة التي
تمثلت في بناء القالع والحصون واألسوار والمدارس 7والمساجد ،مما منحها لمحةً جماليةً ال زالت
موجودة بأحيائها القديمة حتى اآلن.
وتعد القاهرة محافظة ومدينة ،أي أنها محافظة تشغل كامل مساحتها مدينة واحدة ،وفي 7نفس الوقت مدينة
كبيرة تشكل محافظة بذاتها ،وتنقسم 7إلى 37حياً ،وتحتفل القاهرة بعيدها القومي في 6يوليو من كل عام،
وهو اليوم الذي يوافق 7وضع القائد جوهر الصقلي حجر أساس المدينة عام 969م ،ليبلغ عمر القاهرة اآلن
ما يربو على 1044عام.
تحليل سوات
2
نقاط القوة
إن قوة التضامن الجماعي جعل التحول الفردي صعبا ً كما أن الفاتحين أحجموا عن ممارسة الضغط على
األقباط أخذين في اعتبارهم المساوي ،الضريبية التي تترتب على مثل هذا التحول .لقد اتسمت بدايات
الغزو باتباع سياسة التسامح وذهبت هذه السياسة المبررة بموقف األقباط 7المجامل تجاه الفاتحين المسلمين
إلى حد السماح ببناء كنائس جديدة ،وال توجد أية عالمة على تحول أعداد كبيرة من المسيحيين المصريين
إلى اإلسالم قبل عهد الخليفة عمر الثاني ( )۷۲۰۷۱۷فإن تبني سياسة أكثر محاباة تجاه المهتدين» (عن
طريق إعفائهم من الجزية والتشدد 7في جباية الضرائب من المسيحيين (بما فيهم 7الرهبان) ال بد وأن يؤدي
إلى حدوث حركة تحول إلى اإلسالم .وقد ساعد على ذلك أيضا ً االعتراف بالكنيسة المالكية وإعادة
كنائسها إليها (٧٢٥م) .وكانت هذه الكنائس قد أعطيت لألقباط7
ومن الطبيعي أن يكون التعريب مرتبطاً 7بالتحول إلى اإلسالم ،لكن خالل القرن األول لم يلعب هذا العامل
سوي دوراً ثانويا ً فقد كان التعريب يرتبط بصفة خاصة بضخامة أعداد المهاجرين العرب سواء كانت
فرقا ً عسكرية أحضرت إلى مصر في فترات األزمات ،والتي كان بعضها يقيم في البالد بصفة دائمة
انظر الفرق الشامية التي أحضرت إلى مصر 7لقمع ثورة األقباط عام ۷۳۹والتي رفضت مغادرة البالد)،
أو كانوا سكانا ً أقاموا 7في البالد كأفراد أو جماعات مثل القيسيين عام .)٧٢٥وإذا ما قبلنا فرضية جاستون
قبيت بأن ٪۹۲من السكان المصريين الحاليين هم من أصل قبطي يكون مجموع 7هؤالء السكان العرب
الوافدين محدوداً للغاية .ولكن التعريب حظي بدفعة كبيرة بسبب استخدام اللغة العربية تدريجيا ً كلفة
اإلدارة المحلية ،األمر الذي فرض على الرعايا ،وفي المقام األول على أولئك الذين يقومون بدور في هذه
اإلدارة معرفة لغة الفاتحين.
وقد جرت هذه التطورات 7ببطء .ويمكن متابعتها عن طريق 7اللغة المستخدمة في التدوين على أوراق7
البردي والتي كانت أغلبها في البداية باللغة اليونانية وظهرت أول ورقة بردي محررة باللغتين العربية -
اليونانية معا ً عام ،٦٤٣وكانت آخر ورقة عام .٧١٩وفي 7غضون ذلك ،كان الوالي عبد هللا بن عبد الملك
قد أصدر أمراً في عام ٧٠٦بوجوب تحرير 7المستندات اإلدارية باللغة العربية .وما نعرفه هو أن أول
ورقة بردي محررة باللغة العربية وحدها تعود إلى عام .۷۰۹ومنذ ذلك التاريخ أخذت األوراق 7العربية
تتضاعف وأخذ استخدام اللغة اليونانية يتضاءل تدريجياً 7وتعود أخر ورقة محررة باللغة اليونانية إلى عام
،٧٨٠ولم يظهر أقدم 7نقش مدون باللغة العربية في مصر إال عام .٧٠٩وهكذا لم تفرض العربية نفسها
إال في النصف األول من القرن الثامن حين اعتبرت لغة رسمية وبهذه الصفة حلت مكان اليونانية .وتظل
لغة الحديث بين السكان هي :القبطية لم يكن البطريرك ميخائيل يعرف العربية ،وأرسل 7إلى عبد هللا بن
عبد الملك طلبا ً محرراً باللغتين العربية والقبطية .ومع ذلك فإن عدد األقباط الذين ال يتحدثون غير القبطية
أخذ في التضاؤل لعدة أسباب مجتمعة وهي التحول إلى اإلسالم ،ثم ضرورات 7الحياة اليومية التي تفرض
االتصال بالسلطات وأيضا ً بسبب مصالح الرعايا وفي القرن التاسع الميالدي كان الكهنة األقباط 7أنفسهم قد
تعلموا العربية وقال مطران األشمونين « :لقد طلبت معاونة مسيحيين قاموا بترجمة الوقائع -التي قرأوها7
لي باللغتين القبطية واليونانية – المحررة باللغة العربية التي هي اآلن منتشرة للغاية فى مصر حيث أن
غالبية السكان ال يعرفون القبطية واليونانية ..كانت الحالة قد انعكست منذ عام ٧٥٠م.
نقاط الضعف
3
كان العمران األصلي ضعيفا ً للغاية ،ولم تتغير مساحة المدينة حتي نهاية العهد األموي 7إال قليالً ،وقد وجد
تزايد السكان مكانا ً بسهولة بفضل تكثف األحياء وشغل المساحات الداخلية الخالية بين الخطط األحياء]،
لكن حدث تراجع في التعمير في المناطق 7األكثر بعداً عن المركز وال جدال في أن هذا التكثيف السكاني قد
حدث في شمال المنشأة الجديدة ،فقد تحقق جيرو من حدوث تكثيف المسكن» في اسطبل عنتر مع وجود
العديد من الفراغات الفاصلة بسبب تزايد عدد السكان الطبيعي المصحوب بدخول المصريين إلى فسطاط
مما يشير إلى إنتهاء المدينة العربية ،وتحولها إلى مدينة مختلطة تضم األهالي مع الفاتحين» .وكان يحد
المدينة وقتذاك 7وفقا ً لتوصيف كوبياك 7:بركة الحبش في الجنوب ،وتل األشرف في الجنوب الشرقي.
ويحدها في الشمال الخندق الذي تم حفره عام ٦٨٤الذي يفترض كوبياك بأنه يقع فيما وراء جبل يشكر ،
األمر الذي ال يبدو منطقيا ً على اإلطالق ألن المناطق التي أقام العباسيون فيها معسكرهم المسمى
«عسكر» عام ٧٥٠ثم شيد بن طولون مدينته وقصره (( )٨٦٨م) كانت غير مسكونة .وفي 7اتجاه الشرق
ناحية عين الصيرة كان حد المدينة يقع إلى جانب المنطقة التي نمت فيها فيما بعد مقابر القرافة الكبيرة،
شمال وجنوب 7ضريح اإلمام الشافعي7
.ومن المرجح أن «القطائع» وهي قطع األرض ذات الطابع العسكري 7والتي منحت في البداية إلى
مجموعات القبائل قد تحولت تدريجيا ً إلى خططه وبعد مرور 7قرون عديدة يبين المؤرخ المقريزي أن
خطط مدينة فسطاط – 7مصر تتناظر مع األحياء الحارات بمسميات عصر المقريزي] التي كانت قائمة في
مدينة «القاهرة» في زمانه .وال بد أن هذا التطور 7كان متنوعا ً للغاية وفقا ً لطبيعة القطعة الممنوحة من
حيث المساحة والموقع 7ذلك ألن المناطق المركزية كانت أكثر كثافة من المناطق الطرفية حيث توجد
مساحات متاحة بين الخطط أمكن شغلها تدريجياً 7بالمباني ،األمر الذي ساهم في اإلسراع بتنوع السكان.
وفي الواقع أن تقسيم األراضي 7األصلي والذي كان على أساس قبلي قد خفت حدته .وفقدت األحياء
تالحمها وال جدال بأن األحياء السكنية قد تكونت سريعا ً في أحياء الحمراء الثالثة التي تقع شمال المدينة
على طول نهر النيل ،والتي كانت منذ البداية تضم سكانا ً من أعراق متنوعة للغاية والعديد 7من األقباط
واستمرت منطقة «أهل الراية في التطور 7حتى أنها كونت مركزاً 7حضريا ً حقيقياً .وفي هذه المنطقة التي
يحدها بابليون في الجنوب والنيل في الغرب ،والحمراء في الشمال والتي تقع على مساحة تتراوح بين ۲٥
و ۲۰هكتاراً (حوالي ٦٠و ٧٠فداناً) كان يوجد مقر الحكومة وجامع عمرو مركز 7المدينة الديني ،بل
وأيضا ً األسواق 7األكثر أهمية والمحيطة بالميناء .وكان السكان األكثر غنى يقيمون في دور جميلة في هذه
المنطقة .وأضفي توافد المهاجرين الجدد على المنطقة ،وكانوا 7بصفة عامة من الموسرين طابع الجالية
المتنوعة التي تراخت فيها العالقات القبلية القديمة .وخالل هذه الفترة تم تجديد أو إعادة تشييد جامع عمرو
وتوسيعه عدة مرات األمر
الذي يجسد ترقية المدينة -المعسكر تدريجياً 7إلى وضع عاصمة للوالية .وفي 7عام ٦٧٣م ،قامت حكومة
مسلمة بن مخلد األنصاري بمضاعفة مساحة الجامع كما شيدت الماذن في أركان الجامع األربعة وفي عام
۱۹۸قام الوالي عبد العزيز بن مروان بمضاعفة مساحة المبني مرة أخرى.
وقامت مشكلة التعريب والتحول إلى الدين اإلسالمي 7بتوجيه مستقبل مصر والتحكم فيه ( .)١٠ال شك،
كما سبق ورأينا 7أن خضوع 7األقباط للفاتحين قد ساهم في إنقاذ جماعتهم في األمد الطويل .ومع ذلك يذكر
مطران نيقيا أن العديد من األقباط قد تحولوا إلى اإلسالم بسبب عدائهم لليونانيين وعلى ذلك فإن احتمال
تحول السكان المسيحيين تدريجيا ً إلى اإلسالم كان حقيقيا ً وقد 7ساعد على ذلك بساطة اإلسالم وارتباطاته
4
بالوحي اليهودي – 7المسيحي؛ كما كان الزواج بين المسلمين ونساء الميات ،في صالح اإلسالم ألن أطفال
مثل هذا الزواج يصبحون مسلمين وأخيراً ساهمت اإلجراءات الضرائبية يتحمل األقباط 7ضرائب شديدة
الوطاة واالجتماعية (احتمال) االندماج مع الطبقة المسيطرة) في تشجيع التحول إلى اإلسالم
المخاطر
وكان عرب جدد يجيئون لينضموا 7إلى المقيمين من العرب األول (حوالي عشرة آالف شخص) في صورة
هجرة ضخمة أحيانا ً فقد قام متولي الخراج عبيد هللا بن الحجاب (٧٣٤( – ٧٢٤م بإحضار عرب
(تيسيين) وذلك لموازنة نفوذ اليمنيين :وقد بلغ مجموع هؤالء القادمين الجدد خمسة آالف شخصا ً أقاموا
في منطقة بلبيس وأنت قوات الجيوش التي أرسلت عدة مرات إلى مصر 7إلى تعزيز نواة فسطاط األصلية
ومن بينهم أفراد قوات الحملة العسكرية التي أرسلها الخليفة مروان األول عام ٦٨٤والفرق العسكرية
التي جاءت من سوريا 7عام ٧٣٩للقضاء على ثورة األقباط 7في صعيد مصر والتي رفضت بعدها التخلى
عن فسطاط ،ويبدو أنها فضلت اإلقامة في الفسطاط 7على العودة إلى معسكراتها القديمة ،ثم تحلم محاربتها
من أجل إخضاعها (٧٤٣م) ،ويرى 7عالم اآلثار جيرو أن دراساته عن توسع مدينة الفسطاط ،ودرجة
كثافتها ،ومدى تعريبها 7عن طريق المقارنة بين ازدياد 7عدد القيود والنقوش باللغة العربية واختفاء مثيلتها
باللغة القبطية) تُظهر 7وجود عدد ضخم من السكان العرب يقدر بأكثر من ٢٠٠ألف شخص.
وأخيراً بدأ عدد كبير من السكان غير العرب يقطنون المدينة الجديدة :كان يوجد منك البداية ثالث مناطق
تحمل اسم «الحمراء تقع شمال المنشأة الجديدة وتقيم فيها عناصر أجنبية مسيحية في أغلبها تعمل كجنود7
في الجيش واستمرت فيما بعد هجرة السكان غير العرب ،والريفيين وأفراد 7يقومون بوظائف ثانوية (خدم،
وسقاؤن ،وحرفيون) .كما تم تشييد كنائس في المنطقة الشمالية كنيسة تقع بعد القنطرة خارج حدود المدينة
وكنيسة القديس مينا التي أعيد تشييدها عام ٧٣٧م في الحمراء الوسطى 7وذلك لخدمة األعيان من
المسيحيين الذين كانوا يسكنون هناك األمر الذي أثار فتنة لدى المسلمين ثم توجد كنيسة أخرى أكثر قربا ً
أيضا ً من وسط 7المدينة في حي الحمراء الدنيا المالصق 7لمنطقة أهل الراية ،وفي 7كنيسة مكرسة القديسة
مريم ،وكائنة في موقع حساس بالقرب من جامع عمرو ،وقد تم هدمها عام ، ٧٨٦لكن أعيد إنشاؤها فيما
بعد .وعلى هذا فقد ازداد تعداد سكان فسطاط بمعدل سريع خالل هذا القرن األول .ويقول عالم اآلثار
الالسيالف كوبياك أن عدد العرب القاطنين في فسطاط ازداد من حوالي ثالثين ألفا ً في نحو عام ٦٧٠إلى
خمسين | في عام ،٧٥٠األمر الذي يجعل مجموع السكان يصل إلى حوالي ٢٠٠ألف نسمة باإلضافة
إلى العبيد والموالي واألقباط
االمكانات
ومن الطبيعي أن يكون اختيار عاصمة للفاتحين الجدد أمراً بالغ األهمية ،كان يمكن للعرب إقامة هذه
العاصمة في اإلسكندرية ،ولكنهم أحجموا عن اختيارها 7كعاصمة لهم طابعها وطابع سكانها 7األجنبي
وموقعها 7الذي يبدو كانه «خارج مصر وألنها تمثل أيضا ً بالنسبة للمصريين السيطرة األجنبية التي
يكرهونها 7.ومن المحتمل أن يكون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد أعطى تعليمات صريحة لعمرو بن
العاص« :ال تجعلوا بيني وبينكم ماء حتى متى أردت أن أركب اليكم راحلتي اإلبل الصالحة السفر حتى
أقدم عليكم قدمت» .وكان من الواضح أنه من المنطقي إقامة العاصمة الجديدة في مكان ال يبعد كثيراً من
حصن بابليون الروماني 7والبيزنطي ،ويقع أيضا ً في مكان يسمح بالسيطرة على قدرات الدلتا الزراعية
5
وعند نقطة المرور 7األكثر سهولة الجتياز مصر ،وفي ذلك المكان ترك العرب أول معسكر 7لهم حين
ذهبوا لفتح اإلسكندرية.
وقد تم تنظيم فسطاط 7باعتبارها نوعا ً من المدينة -المعسكر وذلك طبقا ً للتقليد العربي ،كما تم تقسيمها إلى
وحدات تتكون من فرق القبائل المكونة للجيش :وقد كتب الجغرافي والمؤرخ 7اليعقوبي [أحمد بن أبي
يعقوب عام ٨٩١م ،يقول :بعد قيام عمرو بن العاص بغزو بابليون ،أقامت القبائل العربية أحياءها حول
خيمة (فسطاط) عمرو ...ثم انتشرت فيما بعد في المناطق 7المحيطة حتى وصلت إلى أطراف النيل ..وقد7
تم تقسيم األرض على أساس إقطاعات جماعية خطط خصصت إلقامة الخمسين مجموعة التي يتكون
منها الجيش وذلك وفقا ً للتجربة السابقة في البصرة والكوفه (بالعراق) وفي الجابية (بسوريا) .ولم يخل
األمر من بعض النزاعات حول مساحات ومواقع 7قطع األرض الممنوحة مما اضطر عمرو إلى تشكيل
لجنة تحكيم ..وكانت الحدود 7القصوى 7لمجموع قطع األراضي الممنوحة والمنفصلة عن بعضها البعض
كما يلي :في الشمال يمتد خط الحدود 7إلى ما وراء جبل يشكر بين قناطر 7السباع وموقع القلعة التي شيدت
فيما بعد وفي 7الشرق بربط خط الحدود بين القلعة وكوم 7الجارح وبركة الحبش وفي 7الغرب يحد هذه
األراضي مجرى النيل الذي كان بمحاذاة جامع عمرو وقصر 7الشمع تقريباً .وكان مجموع المساحة الكلية
بين ٦٠٠و ۸۰۰هكتاراً بين ۱۹۸۰و ۲۰۰۰قدان ،ولكنها كانت مجموعة سكنية غير مترابطة إلى حد
بعيد ممنوحة لقبائل أكثر من كونها نظاما ً
حضريا ً حقيقياً .ومع ذلك فقد ظهرت حينذاك بعض عناصر التنظيم إذ تكونت مجموعة رئيسية من (أهل
الراية تضم بين ٤٠٠و ٥٠٠شخصا ً تضم أفراداً 7من قبيلة قريش (قبيلة الرسول) ،ومن (األنصار) الذين
أقاموا في منطقة الوسط بالقرب من جامع عمرو وقصر الشمع .وكانت توجد مجموعة غير عربية من
بينها بعض الروم (اليونانيون)
لكن مصير القاهرة كان مختلفا ً تماماً ،إذ أنه كان من المحتم عند تحولها إلى مدينة أن تبتلع المنشأة األولى
فسطاط ،ومدن األسر الحاكمة األخرى التي تحولت جميعا ً إلى أحياء داخل تجمع سكاني 7واسع النطاق7.
وكانت جميع بذور تطور 7القاهرة المقبل قد ظهرت خالل القرنين اللذين انصرما منذ وصول الفاطميين
إلى مصر ( )۱۹۹وحتى 7اختفاء هذه األسرة الحاكمة ()۱۱۷۱
6
ويتسم عصرنا الجديد بظهور 7دراسة من نوع جديد تؤدي بنا إلى زيادة معرفتنا 7بالمنشأة األكثر قدماً - 7يا
للغرابة -:وهي مدينة الفسطاط 7.إذ أن علم األثريات لم يزودنا إال بمعلومات قليلة من مدينة « قاهرة قاهرة
المعز ألن دوام المدينة التي يزداد نشاطها 7أكثر فأكثر ،ويتزايد عدد سكانها فوق 7موقع تأسيسها لم يسمح
بالحصول على معلومات مباشرة عن العصر الفاطمي ،والذي نحصل على معارفنا عنه من المراجع
التاريخية وحدها ،ومما كتب من حوليات خالل أزمنة الحقة (مثل) حوليات المقريزي 7التي كتبت في بداية
القرن الخامس عشر) .في حين أن الحفريات التي أجريت فوق موقع فسطاط قد القت ضوعا ً ساطعاً 7على
ذلك الجزء من المدينة الذي كان متاحا ً للبحوث األثرية ولم يكن هذا الجزء يمثل وسط المدينة الواقع على
طول النيل لكنه يمثل األحياء المتطرفة ،وهي مناطق 7تم هجرها وبالتالي أمكن عمل دراسات أثرية فيها ثم
أصبحت اليوم متعذرة تماما ً بسبب توسع المدينة .ومهما كانت الصعوبات 7والقيود إال أن هذا التنقيب
األثري يزودنا 7بمعلومات مباشرة ومعاصرة ثمينة للغاية بشأن العصر الفاطمي ،إن األعمال التي
قام بها علي بهجت وجبرييل على مسطح مساحته ۱۲هكتاراً (حوالي ثالثون فداناً) يقع شرقي 7فسطاط 7قد
أتاحت إظهار أحد األحياء السكنية بالمدينة :وقد يعود تاريخ هذا الحي إلى القرنين السادس والسابع كما
أوضح ذلك أخيراً ..سكانلون و ف .كوبياك 7اللذان أدت حفرياتهما على مساحة ٣هكتارات ( )۳۰ألف
متر مربع) إلى تزويدنا بمعلومات إضافية عن المسكن في فسطاط ومن تعمير هذه المدينة
قاهرة المعز
بعد قرابة المائة عام على إنشاء القطائع ،قدم إلى مصر جيش الفاطميين من المغرب بقيادة جوهر الصقلي
موفداً من الخليفة المعز لدين هللا ،ووصل إلى الفسطاط 7في 11شعبان 358هـ/يوليو 969 7م ،ودخلها في
اليوم التالي ،ونزل مع جنوده في الفراغ الواقع شمال شرقي القطائع وأخذ في وضع أساس القاعدة
الفاطمية الجديدة في 17شعبان 385هـ 7/يوليو 969م ،والتي سماها «القاهرة» ،كما وضع أساس
القصر الفاطمي الكبير في 18شعبان 358هـ ،وشرع 7بجانبه في بناء الجامع األزهر في جمادي األول
سنة 359هـ/أبريل 970م .أنشئت المدينة على مساحة 340فدان ،وبني حولها سور من اللبن مربع
7
الشكل طول كل من ضلعيه الشمالي والجنوبي 1500ذراع ،وضلعيه الشرقي والغربي 1700 7ذراع،
وبكل ضلع من أضالع السور بوابتان ،فالضلع الشمالي به باب النصر وباب الفتوح ،والشرقي 7به باب
البرقية (الغريب) والقراطين (المحروق) ،والجنوبي يواجه الفسطاط عند باب الخلق وبه باب زويلة
(المتولي) وباب الفرج ،والغربي به باب القنطرة وباب سعادة .بدأت المدينة كمدينة عسكرية تشتمل على
مساكن األمراء ودواوين الحكومة وخزائن المال ،وفي 7سنة 973تحولت إلى عاصمة الدولة الفاطمية
عندما انتقل إليها المعز لدين هللا من المغرب ،وأطلق 7عليها قاهرة المعز .بعد انقضاء 120سنة من
تأسيس القاهرة رأى أمير الجيوش بدر الجمالي وكان وزيراً للخليفة المستنصر 7باهلل أن الناس شيدوا خارج
سور القاهرة بسبب اتساع العمران ،فأحاطها 7بسور وصله بسور جوهر عام 480هـ 1087/م ،وأقام7
العصر األيوبي
أرسل السلطان نور الدين محمود حملة إلى مصر 7لطرد الصليبيين بقيادة أسد الدين شيركوه ،الذي
اصطحب معه صالح الدين ابن أخيه نجم الدين أيوب .وعقب وفاة شيركوه ولي الخليفة العاضد صالح
الدين وزارة مصر ،فأصبح بذلك الرجل األول في الدولة .ثم استبد صالح الدين باألمور وضعف أمر
العاضد وهدم دار المعرفة وبناها 7مدرسة شافعية وبنى دار الغزل للمالكية وعزل قضاة الشيعة وأقام
قاضيا ً شافعياً 7في مصر واستناب في جميع البالد وبدالً من أن ينشئ صالح الدين عاصمة جديدة ،اتجه
إلى ضم ضواحي المدينة األربعة (الفسطاط 7والعسكر والقطائع والقاهرة الفاطمية) لتكون معا ً عاصمة
الدولة ،فخرجت القاهرة عن نطاق أسوارها القديمة وامتد تخطيطها 7ليصل إلى قلعة الجبل ،التي ظلت
مقراً لحكم مصر في مختلف العصور التي تلت حكم األيوبيين ،وحتى عصر الخديوي إسماعيل الذي نقل
مقر الحكم إلى قصر 7عابدين .وفي 7عام 569هـ انتدب بهاء الدين قراقوش لمد سور حول القاهرة بحدودها7
الجديدة ،فزاد في سور القاهرة الممتد من باب القتطرة إلى باب الشعرية ،ومن باب الشعرية إلى باب
البحر ،ثم زاد في الجزء الذي يلي باب النصر إلى برج الظفر ومن هذا البرج إلى برج البرقية ومنه إلى
درب بطوط 7وإلى خارج باب الوزير 7ليتصل بسور قلعة الجبل .ومن معالم تلك الحقبة التي ما زالت باقية،
سواقي عيون بئر يوسف وقناطر 7مجرى المياه التي تحمل المياه إلى القلعة.
8
العصر المملوكي
يعد عصر المماليك هو العصر الذهبي للقاهرة ،وال سيما بعدما خفت وطأة الحروب الصليبية في الشام،
وانتصر 7المماليك على المغول .ففي عهد الظاهر بيبرس امتدت القاهرة في اتجاه الشمال خارج أسوارها
في حي الحسينية ،وشيد 7مسجداً رائعا ً يعرف 7اليوم باسم جامع الظاهر وكان اسمه قديماً 7جامع الصافية،
كما شيد العديد من المباني في قلعة صالح الدين كدار الذهب ،وأنشأ األسواق والجسور والقناطر،
وشاركه أمراؤه في بناء العديد من العمائر والرباع 7والخانات والدور والمساجد 7والحمامات التي أضافت
لمسة من الجالل والجمال على المدينة
وفي عهد أسرة قالوون 7التي حكمت مصر قرابة المائة عام ،شيد المنصور قالوون طائفة من العمائر
النادرة ،منها مدرسة الجليلة وقبته أو ضريحه ،وأنشأ المارستان وجعله وقفا ً لجميع الطوائف من الملك
9
حتى العبيد ،وما زال جزء منه قائما ً إلى اليوم .وفي أيام السلطان الناصر محمد بن قالوون ،امتدت
القاهرة جهة الشمال عبر الصحراء والشمال الغربي والغرب أيضا ً بما طرحه النيل من طمي أثمر
تدريجيا ً عن أرض جديدة غرب القاهرة ،فلم يترك أمراء المماليك قطعة أرض داخل القاهرة إال وأقاموا
فيها المساجد والمدارس والحمامات والسبل والوكاالت 7واألضرحة ،فعم الرخاء على المدينة وازدهرت7
التجارة وتسابق 7األمراء واألعيان على تشييد أبهى فنون العمارة .وأحب السلطان الناصر 7العمارة فرصع7
القاهرة بأفخم المباني ،وأنشأ تحت قلعة صالح الدين ميدانا ً لأللعاب والمسابقات بين األمراء ،وعمر كثيراً
من القصور 7داخل القلعة ،وشيد جامعه ذا المئذنتين الذي ما زال قائما ً حتى اآلن ،وفي أيامه زار مصر
الرحالة المسلم ابن بطوطة في عام 1326فقال عنها «قهرت قاهرتها 7األمم ،وتملكت ملوكها نواصي7
العرب والعجم» ،وفي أثناء حكم المماليك البحرية ولد المؤرخ تقي الدين المقريزي ،الذي ألف موسوعة
هامة عن خطط مصر وعن القاهرة بوجه خاص وصفت جمال عمارة القاهرة وفنونها 7.وفي أيام السلطان
حسن بن قالوون شيدت عمارة جليلة تمثلت في مدرسة ومسجد السلطان حسن ،الذي يعد أجمل مساجد
القاهرة 41:63:]19[.وفي عهد المماليك الجراكسة ظهر حبهم للعمائر الجميلة والذوق السليم ،فشيد
سالطينهم وأمراؤهم العمائر والمساجد ومنها مسجد الملك الظاهر برقوق بجوار 7مدرسة الناصر 7قالوون،
وخانقاه الملك الناصر بن برقوق ،وهي بناء ضخم صمم ليخدم عدة أغراض ،فهو ضريح آلل برقوق7
ومدرسة للعلوم ومسجد وخانقاه فخمة ،ومسجد الملك المؤيد شيخ بجوار باب زويلة ،ومسجد 7السلطان
األشرف برسباي ،ومسجد 7السلطان األشرف 7قايتباي ،ومسجد السلطان قنصوه الغوري
10
العصر العثماني استولى 7السلطان سليم على مصر وشرع في تأييد سلطته ،فجعل عليها حاكما ً يلقب
بالباشا ،وليضمن عدم خروج الباشا على اآلستانة ويستقل بمصر ،جعل في مصر ثالث إدارات كل منها
يراقب اآلخر ،حتى ال يخشى من اتحادها أو تمردها ،فكانت القوة األولى هي «الباشا» وأهم واجباته هي
إبالغ األوامر السلطانية لرجال الحكومة والشعب ومراقبة تنفيذها ،والقوة الثانية هي «الوجاقات الست»
وواجبها هو حفظ النظام والدفاع 7عن القطر المصري ،وتوزعت في القاهرة والمراكز الرئيسية ،أما القوة
الثالثة فهي «المماليك» وهم بقايا المماليك البحرية والجراكسة ،وواجبهم 7حفظ التوازن بين الباشا
والوجاقات 7ألنهم أعداء لكال الفريقين .وظل أمراء المماليك هم أصحاب القوة الفعلية بالبالد ،وزاد نفوذهم
مع تقلص نفوذ الباب العالي وتقلص نفوذ والته في مصر .ومن آثار تلك الحقبة التي ما زالت باقية مسجد
محمد بك أبو الذهب تجاه الجامع األزهر ،وعمائر عبد الرحمن كتخدا «محافظ مصر» ،والذي كان
مغرما ً بالبناء فأنشأ 7وجدد الكثير من المساجد والسبل واألضرحة ،وكان في مقدمة الساعين لتجميل
القاهرة ،ويتجلى 7ذلك في سبيله الرائع الواقع في ملتقى شارعي النحاسيين والجمالية والمعروف باسمه
حتى اليوم ،كما أنشأ بالقرب من باب الفتوح مسجداً وكتاباً ،وزاد في مقصورة الجامع األزهر وبنى به
محرابا ً جديداً وأقام له منبراً وأنشأ له بابا ً عظيما ً وبنى 7بأعاله مكتبا ً لتعليم األيتام من أطفال المسلمين،
وبنى المدرسة الطيبرسية ،وأنشأ 7عند باب البرقية «باب الغريب» جامعا ً ومكتباً ،وجامعا ً ومكتباً 7وساقية
ومنارة جهة األزبكية ،كما بنى المشهد الحسيني ،ومشاهد السيدة زينب والسيدة سكينة والسيدة عائشة
والسيدة فاطمة والسيدة رقية ،وجدد المارستان المنصوري ،وكانت دار سكناه بحارة عابدين من الدور
العظيمة المحكمة الوضع واإلتقان.
11