You are on page 1of 11

‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫أبرز العقبات!‬
‫‪42‬‬
‫مــن تعريفــات الصــاة تعريــف ٌّ‬
‫دال عــى وجــوب التــزام العبــد هبــا‬
‫مــا دام ح ًيــا‪ ،‬فمــن تعريفــات كلمــة الصــاة‪ :‬اللــزوم‪.‬‬
‫جاء فـي كتاب لسان العرب‪:‬‬
‫واص َطـ َـى إذا ِلزم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ـي ْ‬‫«قــال الزجــاج‪ :‬األصــل فـــي الصــاة‪ :‬اللــزوم‪ ،‬يقــال‪ :‬قــد َصـ َ‬
‫ومــن هــذا َمــن ُيصـ َـى فـــي النــار أي‪ُ :‬يلــزم النار»‪.‬‬
‫وإليك بعض املوانع أو العقبات التي حتول بني العبد وبني الصالة‪:‬‬
‫‪ .1‬الصحبة‬
‫مــن صاحــب صحبــة ال تصــي‪ ،‬فاألقــرب إليــه أن ال يصــي‪ ،‬ألن الصاحــب‬
‫ســاحب‪ ،‬والصحبــة هلــا دور بــارز يف تشــكيل االهتاممــات وترتيــب‬
‫ٍ‬
‫قريــب باعــدوه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وخــر‬ ‫ٍ‬
‫صالــح أفســدوه‪،‬‬ ‫األولويــات‪ ،‬فكــم مــن رجــل‬
‫ورش بعيــد َّقربــوه‪ ،‬ولــو ق َّلبــت يف دائــرة أصحابــك‪ ،‬فســتجد منهــم مــن كان‬
‫صاحلًــا يف فــرة مــن الفــرات‪ ،‬ثــم حتـ َّـول بعدهــا بســنوات إىل شــخص آخــر‪.‬‬
‫فتِّش عندها عن الصحبة‪.‬‬
‫خيــرج مــع أصحابــه الغافلــن‪ ،‬فيخجــل أن ينهــض إىل الصــاة عنــد ســاع‬
‫يشــجعوه عــى الصــاة‪ ،‬وإمــا ألهنــم ســيبادرونه‬
‫ِّ‬ ‫األذان‪ ،‬إمــا ألهنــم لــن‬
‫بالتقريــع والســخرية‪ ،‬وهــو ال يتحمــل مثــل هــذه الســخرية‪.‬‬
43
‫‪44‬‬
‫‪ .2‬الكسل‪:‬‬
‫لكن ‪ ..‬ما سبب الكسل؟!‬
‫قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫[البقــرة‪.]46 - 45 :‬‬ ‫ﯢ ﯣ﴾‬
‫واملــراد بالكبــرة هنــا الصعبــة التــي تشــق عــى النفــوس‪ ،‬فالصــاة بالفعــل‬
‫صعبــة وشــاقة عــى النفــس؛ ولــذا أمــر اهلل نبيــه ﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫‪.‬‬ ‫ﯕ﴾[طــه‪]132 :‬‬

‫فالصــاة حتتــاج الصطبــار وليــس جمــرد صــر‪ ،‬واالصطبــار فيــه مبالغــة‪ ،‬فهــو‬
‫دوام املصابــرة والتحمــل واملجاهــدة‪.‬‬
‫وأكثــر العبــاد تثقــل عليهــم الطاعــات؛ لــذا أمرنــا اهلل يف ســورة العــر بالتــوايص‬
‫بالصــر‪.‬‬
‫لكــن اهلل اســتثنى اخلاشــعني من هــذه املشــقة‪ ،‬فقــال‪﴿:‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [البقرة‪.]46 - 45 :‬‬

‫فمن هم اخلاشعون؟!‬
‫مــن هــؤالء الذيــن ال يزورهــم الكســل عــن الصــاة وال يشــعرون باملشــقة فيهــا؟!‬
‫يقرنــون كل طاعــة بالثــواب‪ ،‬ومــن كســل عــن‬‫ ‪‬اخلاشــعون هــم الذيــن ِ‬
‫الطاعــة‪ ،‬فإنــا كســل ألنــه عزهلــا عــن ثواهبــا‪ ،‬فأصبحــت ثقيلــة عليــه‪،‬‬
‫ـف‬ ‫ومــن رمحــة اهلل بعبــاده أن كشــف هلــم بعــض ثــواب األعــال؛ ِ‬
‫لتخـ َّ‬
‫عليهــم و ُيقبِلــوا عليهــا بعــزم وشــوق‪.‬‬
‫فثواب صالة الفجر والعشاء مثال قال فيه النبي ﷺ ‪:‬‬
‫«ولــو يعلمــون مــا يف العتمــة والصبــح ألتومهــا ولــو حبـ ًـوا»‪ .‬صحيــح‬
‫اجلامــع رقــم‪5339 :‬‬
‫ومن ثواب صالة الفجر كذلك أهنا أعظم تأمني عىل‬
‫احلياة‪« :‬من صىل الفجر فهو يف ذمة اهلل»‪ .‬صحيح اجلامع رقم‪6344:‬‬
‫ومــن ثــواب صــاة الفجــر أهنــا تزيــد عمــرك بمقــدار الث ُلــث تقري ًبــا!‬
‫ُخصــم مــن رصيــد‬
‫ألنــك تفقــد بنومــك يوم ًّيــا تقري ًبــا ثــاين ســاعات‪ ،‬لت َ‬
‫بــرك بــأن ســاعات النــوم هــذه مل‬
‫عمــرك الثلــث‪ ،‬لكــن النبــي ﷺ َّ َ‬
‫ـت الفجــر يف مجاعــة‪ ،‬فقــال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫تضــع‪ ،‬وس ـتُثاب عليهــا إن صليـ َ‬
‫«ومــن صــى الصبــح يف مجاعــة‪ ،‬فكأنــا صــى الليــل كلــه»‪ .‬صحيــح‬
‫اجلامــع رقــم‪6341 :‬‬
‫هذا الثواب الرائع املعلن كفيل بأن يطرد أي كسل من القلب‪ ،‬وهكذا مع أي‬
‫طاعة‪.‬‬
‫ ‪‬اخلاشــعون كذلــك ال يكســلون ألهنــم يتدبــرون مــا يقــرءون مــن كتــاب‬
‫رهبــم‪ ،‬ويتلقــون بشــوق رســائل اهلل يف القــرآن الــذي تلــوه يف صلواهتــم‪،‬‬
‫واألذكار التــي ر َّددوهــا يف ركوعهــم وســجودهم‪.‬‬
‫‪ .3‬الذنوب‪:‬‬
‫الذنــوب مــن أســباب حرمــان العبــد مــن الطاعــة‪ ،‬ومنهــا الصــاة‪ ،‬فتتابــع‬
‫الذنــوب جيعلهــا ترتاكــم عــى القلــوب‪ ،‬فتحــول بــن القلــب وبــن أنــوار‬
‫اهلدايــة‪ ،‬وكلــا زادت الذنــوب قســت القلــوب حتــى متــوت‪.‬‬
‫قال حممد بن واسع‪:‬‬
‫«الذنب عىل الذنب ُيميت القلب»‪.‬‬
‫وتــدرج الشــيطان يف اإلغــواء معلــوم ومشــهور‪ ،‬فعنــد بــدء الزلــل يكــون‬
‫التذكــر‪﴿:‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾[األعــراف‪.]201:‬‬

‫ويف َوسط الزلل وبتتابع الذنب يكون التغليف واإلغالق‪:‬‬


‫﴿ﭹﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾[املطففني‪.]14:‬‬
‫‪46‬‬
‫وأمــا آخــر الزلــل فمــوت‪﴿:‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾[حممــد‪.]24 :‬‬

‫وتــرك الصــاة عـ َـر ٌض ملـ َـرض‪ ،‬واملــرض هــو الذنــوب‪ ،‬فليتذكــر العبــد‬
‫حرمــه‪ ،‬بعــد أن أبعــده عــن طريــق مــواله‪ ،‬وطــرده مــن جنــة‬
‫ذنبــه الــذي َ‬
‫رضــاه‪ ،‬وال ســبيل للعــودة إال بتوبــة صادقــة‪ ،‬عســى مريــض الــروح يشــفى‪،‬‬
‫وغائــب القلــب يعــود‪.‬‬
‫وأكثــر الذنــوب وأيرسهــا وأخطرهــا هــي ذنــوب العــن واللســان ؛ ألن‬
‫العــن واللســان ال يتعبــان مــن كثــرة النظــر والــكالم‪ ،‬فيورثــان صاحبهــا‬
‫اهلــاك بأثــر ذنوهبــا دون أن يشــعر صاحبهــا‪.‬‬
‫‪ .4‬الشهوات‬
‫بقــدر زيــادة الشــهوات تنقــص الصلــوات‪ ،‬فــا ُيض ّيــع الصلــوات إال غــارق‬
‫يف الشــهوات‪ .‬قــال تعــاىل‪﴿:‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾[مريــم‪.]59 :‬‬
‫ـف‬ ‫هــذه اآليــة تتحــدث عــن قــوم جــاءوا بعــد ركــب األنبيــاء العظــام‪ ،‬وهــم َخ ْلـ ٌ‬
‫ســ ِّيئون‪ ،‬وعالمــة ســوئهم األبــرز أهنــم أضاعــوا الصــاة‪ ،‬وكأن هنــاك عالقــ ًة‬
‫ترابطي ـ ًة بــن إضاعــة الصــاة وبــن اتبــاع الشــهوات‪.‬‬
‫لكن ‪ ..‬ما أبرز الشهوات التي تعوق الشباب عن الصالة اليوم؟!‬
‫•شهوة حب املالهي‪:‬‬ ‫ ‬
‫شــباب يذهــب إىل املالهــي والنــوادي ليــاً‪ ،‬فيســهر حتــى الفجــر‪،‬‬
‫فتضيــع عليــه الصــاة‪.‬‬
‫•شهوة مشاهدة الفضائيات وتصفح الصفحات‪:‬‬ ‫ ‬
‫يقــي الســاعات تلــو الســاعات عــى الفضائيــات وبــن صفحــات‬
‫التواصــل‪ ،‬فيســمع نــداء الصــاة‪ ،‬ويكســل عــن اإلجابــة‪ِّ ،‬‬
‫فيؤخــر‬
‫الصــاة عــن وقتهــا‪ ،‬ثــم ترتاكــم عليــه الفرائــض الضائعــة‪ ،‬فيكســل‬
‫‪47‬‬
‫عــن القضــاء‪ ،‬وينقطــع عــن الصــاة‪.‬‬
‫•شهوة التعلق باجلنس اآلخر‪:‬‬ ‫ ‬
‫فيكــون اخلــروج وقضــاء األوقــات والتواصــل مــع اجلنــس اآلخــر عــر‬
‫صفحــات التواصــل والشــات‪ ،‬فــا يبقــى وقــت للصــاة وال ملراجعــة‬
‫الــذات‪.‬‬
‫•شهوة األصحاب‪:‬‬ ‫ ‬
‫ال جيــرؤ عــى رفــض طلبهــم للخــروج معهــم؛ ألنــه حيــب رفقتهــم‪،‬‬
‫فيلبــي رغبتهــم‪ ،‬وهــم صحبــة ال تصــي‪ ،‬أو يســخرون ممــن يصــي‪،‬‬
‫فتضيــع صالتــه‪.‬‬
‫•شهوة العادة الرسية ومطالعة املواقع السيئة‪:‬‬ ‫ ‬
‫وهــي توقــع الشــباب يف العنــت واحلــرج‪ ،‬حيــث يضطــر إىل ال ُغســل مــن‬
‫اجلنابــة‪ ،‬ثــم يكســل عــن الغســل يف بعــض األحيــان‪ ،‬فــا يصــي ألنــه‬
‫غــر طاهــر‪.‬‬
‫ •شهوة اخلمر واملخدِّ رات‪:‬‬
‫بالســكر‪ ،‬فينــام أصحاهبــا ويســتيقظون بــا‬ ‫ِ‬
‫وهــذه تُذهــب العقــل ُّ‬
‫صــاة‪ ،‬ألن عــدة صلــوات فاتتهــم‪ ،‬وبمــي الوقــت‪ :‬تضيــع الصــاة بــا أدنــى‬
‫نــدم‪.‬‬
‫‪ .5‬اليأس!‬
‫اليــأس مــن عــدم االنتظــام يف الصــاة مــن أهــم أســلحة إبليــس يف تثبيــط املؤمنــن‬
‫عــن الصالة‪.‬‬
‫وعــدم االنتظــام يف الصــاة يفتــح بــه الشــيطان بوابــة اليــأس يف قلبــك‪ ،‬فمــع أول‬
‫تقصــر تستســلم لــه وتــرك الصــاة‪.‬‬
‫قال ابن عطاء‪:‬‬
‫‪48‬‬
‫«وال تقطع يأسك وتقول‪ :‬كم أتوب وأنقض؟ فاملريض يرجو‬
‫احلياة ما دامت فيه الروح»‪.‬‬
‫والرمحــة أحــب إليــه مــن‬
‫وكيــف اليــأس‪ ،‬والعفــو أحــب إىل ربنــا مــن االنتقــام‪َّ ،‬‬
‫العقوبــة‪ ،‬وقــد ســبقت رمحتــه غضبــه‪ ،‬وغلــب حلمــه عقوبتــه‪ ،‬والفضــل أحــب‬
‫إليــه مــن العــدل‪ ،‬والعطــاء أحــب إليــه مــن املنــع‪ ،‬ال إلــه إال هــو!‬
‫ويأس آخر‪:‬‬
‫بعض الناس يسمع حديث‪:‬‬
‫«مــن مل تنهــه صالتــه عــن الفحشــاء واملنكــر فــا صــاة لــه»‪ ،‬فيتــرب إىل قلبــه‬
‫اليــأس مــن رمحــة اهلل‪ ،‬وهــو حديــث باطــل ال أصــل لــه‪ ،‬والواجــب أن تســتمر‬
‫صالتنــا وإن صاحبتهــا الســيئات؛ لتقــوم بدورهــا يف حمــو الذنــوب كــا قــال ربنــا‪:‬‬
‫﴿ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﴾[هود‪.]114:‬‬

‫سني وجيم!‬
‫س‪:‬‬
‫ـرا مــن أعــال اخلــر والصدقــة‬
‫أربعــون عا ًمــا ال أصــي‪ ،‬لكنــي كنــت أعمــل كثـ ً‬
‫ـدأت أصــي مــن اليــوم‪ ،‬فهــل يكتــب اهلل يل ثــواب مــا ســلف مــن‬
‫واملعــروف‪ ،‬وبـ ُ‬
‫أعــال اخلــر قبــل أن أصــي؟!‬
‫ج‪:‬‬
‫ـيئات اســتغرقت حســناتِه القديمـ َة‪ ،‬ثــم‬ ‫ـنات‪ ،‬وعمــل بعدهــا سـ ٍ‬‫إذا كان للعبــد حسـ ٌ‬
‫نصوحــا‪ -‬عــادت إليــه حســنات ُه القديمـ ُة ويقــال لــه‪ُ :‬ت ْبـ َ‬
‫ـت‬ ‫ً‬ ‫تــاب بعــد ذلــك ‪-‬توبــة‬
‫ـلفت مــن خــر‪.‬‬
‫عــى مــا أسـ َ‬
‫قال حكيم بن حزام ريض اهلل عنه‪:‬‬
‫أرأيــت أشــيا َء كنــت أحتنَّــث هبــا ‪-‬يعنــى أت َّعبــدُ هبــا‪ -‬يف‬
‫َ‬ ‫قلــت‪ :‬يــا رســول اهلل‪،‬‬
‫‪49‬‬
‫اجلاهليــة مــن َصدقــة‪ ،‬أو عتاقــة‪ ،‬أو صلــة رحــم؛ فهــل فيهــا‬
‫من أجر؟‬
‫فقال‪ ‬النبي‪ ‬ﷺ‪:‬‬
‫مت عىل ما أس َل َ‬
‫فت من خري»‪ .‬صحيح مسلم رقم‪194 :‬‬ ‫«أس َل َ‬
‫قال ابن حجر‪:‬‬
‫ـواب مــا كان صــدر منــه يف‬
‫«ال مانــع مــن أن يضيــف اهلل إىل حســناته يف اإلســام ثـ َ‬
‫تفضـ ًـا وإحســانًا»‪.‬‬
‫الكفــر؛ ّ‬
‫وإذا كان هــذا الفضــل يف حــق الكافــر قائـ ًا بعــد إســامه‪ ،‬فمــن باب ْأوىل للمســلم‬
‫الــذي انقطــع عــن صالته‪.‬‬
‫قال‪ ‬ابن القيم‪ ‬رمحه اهلل مب ِّينًا السبب يف ذلك‪:‬‬
‫َخ ِّل َلــة بــن الطاعتــن قــد ارتفعــت بالتوبــة‪ ،‬وصــارت‬
‫«وذلــك ألن اإلســاء َة ا ُملت َ‬
‫كأهنــا مل تكــن؛ فتالقــت الطاعتــان‪ ،‬واجتمعتــا‪ ،‬واهلل أعلــم»‪.‬‬
‫االنشغال بالدنيا!‬ ‫‪.6‬‬
‫الصال َة يوما فقال‪:‬‬
‫ذكر النبي ﷺ َّ‬
‫«مــن حافــظ عليهــا‪ ،‬كانــت لــه نــور ًا وبرهانــا ونجــاة يــوم القيامــة‪ ،‬ومــن مل ُيافِـ ْ‬
‫ـظ‬
‫ـان‪ ،‬وال ُنـ ٌ‬
‫ـور‪ ،‬وال نجــاةٌ‪ ،‬وكان يــوم القيامــة مــع قــارون‪،‬‬ ‫عليهــا‪ ،‬مل يكــن لــه ُب ْرهـ ٌ‬
‫وأ َ ِّب بــن خلــف»‪ .‬صحيــح ابــن حبــان رقــم‪1467 :‬‬ ‫وهامــان‪ ،‬وفرعــون‪ُ ،‬‬
‫قال ابن القيم‪:‬‬
‫خص هؤالء األربعة بالذكر ألهنم من رءوس الكفرة‪.‬‬
‫«وإنام َّ‬
‫وفيــه نكتــة بديعــة‪ ،‬وهــو أن تــارك املحافظــة عــى الصــاة إمــا أن يشــغله مالــه أو‬
‫ملكــه أو رياســته أو جتارتــه‪..‬‬
‫فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون‪.‬‬
‫ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان‪.‬‬
‫ومن شغله عنها جتارته فهو مع أيب بن خلف»‪.‬‬
‫نِ َع ٌم من اهلل جتذبك إىل اهلل‪ ،‬فكيف رصفتك عنه؟!‬
‫أهداها إليك كي تشكره وتزداد له ح ًبا‪ ،‬فكيف قابلتها بعصيانه وخمالفة أمره؟!‬
‫ولــو فعلــت هــذا مــع خملــوق‪ ،‬حلرمــك مــن عطايــاه‪ ،‬لكــن اهلل رغــم طــول بعــادك‬
‫وتكــرار جفائــك‪ ،‬مل حيرمــك مــن عطايــاه! أال يورثــك ذلــك احليــاء منــه؟!‬
‫إن بعــض النــاس ينهمــك يف خدمــة دنيــاه عــى حســاب دينــه‪ ،‬فيفـ ِّـرط يف صالتــه‪،‬‬
‫وإذا مــا ُذكِّــر بــأن الــرزق مضمــون‪ ،‬احتــج بــأن ضــان الــرزق ال يعنــي تــرك‬
‫األســباب‪ ،‬لكنــك إذا ذكَّرتــه بحــق اهلل قــال لــك‪ :‬ربنــا غفــور رحيــم‪ ،‬وينســى‬
‫نفــس املنطــق‪ ،‬وأن املغفــرة والرمحــة ال تتحصــل إال بأســباهبا‪ ،‬وأن دخــول اجلنــة‬
‫ليــس باملجــان‪ ،‬بــل باعهــا اهلل لنــا يف مقابــل النفــس واملــال!‬
‫وتساؤل آخر يطرحه احلديث السابق‪:‬‬
‫كيــف بعــت صحبــة الذيــن أنعــم اهلل عليهــم مــن النبيــن والصديقــن والشــهداء‬
‫والصاحلــن بصحبــة مــن غضــب اهلل عليهــم وجعلهــم أئمــة يدعــون إىل النــار؟!‬
‫إن مكانــة الصــاة عنــدك تعكــس مكانتــك عنــد ربــك‪ ،‬فلــو كانــت الصــاة مهمــة‬
‫لديــك‪ ،‬فأنــت شــخصية هامــة يف املــأ األعــى‪ ،‬وإن كانــت صالتــك مهملــة‬
‫منســية‪ ،‬فمنــي أنــت بــن املالئكــة وعنــد ربــك‪ ،‬جــزاء وفا ًقــا‪ ،‬نســيت صالتــك‪،‬‬
‫ُنســى!‬
‫وكذلــك اليــوم ت َ‬
‫ضيق األرزاق من ضيق األفهام!‬
‫ما قيمة الرزق الوفري إذا أدى إىل اخللود يف نار السعري؟!‬
‫ومــا أشــد شــؤم الــرزق املــادي الزائــل إذا كان ســبب حرمانــك يف رزق اجلنــة‬
‫اخلالــد؟!‬
‫وما قيمة مال يالزم صاحبه القلق واالضطراب واخلوف من ضياعه؟!‬
‫‪51‬‬
‫إن الرضــا وراحــة القلــب أرزاق خفيــة ال يناهلــا أكثر أصحاب‬
‫األموال والقصور العلية‪..‬‬
‫وإليــك مقط ًعــا مرئ ًيــا مــن ســبع دقائــق المــرأة شــديدة الفقــر مــن املــال‪ ،‬عظيمــة‬
‫الثــروة مــن الرضــا وراحــة البــال‪ ،‬لتفتــح لــك أبــواب الفهــم عــن اهلل يف أرزاقــه‪.‬‬

You might also like