Professional Documents
Culture Documents
غـزة -فلسطين
ََ ََ
ِإضاءة ِإضاءة
سلسلة عبادات المحبين
هي سلسلة تعبدية ،وفاء عددها ثمانية أجزا ٍء ،بعدد أبواب
جنة ربنا الثمانية ،استللناها من الجزء الرابع من كتاب (محبة
رب العالمين منتهى غايات المقربين) المكون من أربعة أجزاءٍ،
تعجلنا إخراجها؛ لتعجل الفائدة ،ولقلة ذات اليد ،وتعذر النّفقة
لطباعتها مجتمع ًة .تعرض هذه السلسلة نماذج ومشاهد
وأحو ًال حي ًة لعبا ٍد رسخوا في باب محبة رب العالمين ،فهم
قوم يعبدون اهلل تعالى عن عل ٍم ومعرفةٍ ،يطلبون منازل
المقربين السابقين؛ فهي سنًا وضاء ،ونور مبين لكل من رام
منازل المحبين ،وطلب درجات المقربين ،وقصد المسير إليهما؛
مكونة من العناوين اآلتية:
القَارِ ُئ ال َكرِيمُ
يه؛ فإن ُه ال خ ْي َر فِي ِع ْل ٍم ❖ ا ْقرأ َه َذا الكِتَاب بِـن ِـيـ ِة العم ِل بِما فِ ِ
َ َ َ َ َ
بِال َع َملٍَ ،و َال َخيْ َر يف َع َم ٍل بِ َال نِـيـ ٍة َخال ِ َص ٍة.
ْوان ،و َأ ْح ِض ْر َل ُه نِيـ ًة َخال ِ َصةً؛ َفإِن َأ ْج َر ال َع ْب ِدف ِعنْدَ ُك ِّل ُعن ٍ ❖ قِ ْ
إِن َما َي َق ُع ع َلى َقدْ ِر نِيـتِ ِه.
آخ ِر ِه َأ ْن َف ُع مِما فِي❖ َال َتتْر ِك الكِتَاب حتى ُتتِمه؛ َف َلعل ما فِي ِ
ُ َ َ َ ُ
ون ال َبـ َر َك ُةَ ،و َل َعل ال َكلِ َم َة التِي َأول ِ ِهَ ،وإِن َك َال َتدْ ِري َأ ْي َن َت ُك ُ
َتر َفع َك ِعنْدَ اهللِ َتعا َلى ِ
آخ ُر َما َت ْق َر ُأ. َ ْ ُ
اهلل َعن ُْه َما ،إِ َلى ُع َم َر ْب ِن ِ ِ ِ ِ
بن َع ْبد اهلل ْب ِن ُع َم َر َرض َي ُ َب َسال ُم ُ ❖ َكت َ
اع َل ْم َيا ُع َم ُر َأن َع ْو َن اهللِ َتعا َلى لل َع ْب ِد بِ َقدْ ِر
َع ْب ِد ال َع ِز ِيز ْ « :
فم ْن َخ َل َص ْت نِيـ ُت ُه؛ َتم َع ْو ُن اهللِ َل ُه ،و َم ْن َن َق َص ْت نِيـ ُت ُه؛ ِ ِِ
نيـتهَ ،
ص َعنْ ُه مِ ْن َع ْو ِن اهللِ بِ َقدْ ِر َذل ِ َك»(.)1 َن َق َ
) (1انظر :إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ،لمحمد بن محمد بن
الحسيني الزبيدي.312/2 :
3 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
الح ِّث َع َلى َتبْلِي ِغ الس َماعِ،34/5 : ِ
اب َما َجا َء في َ
) (1أخرجه الرتمذي يف سننهَ ،ب ُ
رقم ،)2656( :وصححه األلباين.
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 4
حب ربنَا، فيه ،كما ي ِ الحمدُ هللِ رب العالمين ،حمدً ا كثيرا طيبا مباركًا ِ
ُ ً ِّ ً َ َ ْ َ ِّ
ِ
السموات و َي ْر َضى ،وك ََما َينْ َب ِغي؛ ل ِ َك َر ِم َو ْج ِه ِه َو ِع ِّز َج َالل ِ ِهَ ،ح ْمدً ا َي ْمألُ
واألرض وما بينَهما ،وما شا َء ربنَا مِ ْن َش ْي ٍء َب ْعدُ ،بِ َم َجامِ ِع َح ْم ِده ُك ِّلها :ما َ
ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
لم؛ َعل ْمنَا من َْها ،و َما َل ْم َن ْع َل ْم؛ على ن َعمه ُك ِّلهاَ :ما َعل ْمنَا من َْها ،و َما َل ْم َن ْع ْ
وعدَ َد ما َج َرى به َ
الغافلونَ ، ون ،و َغ َف َل عن ِذك ِْر ِه َعدَ َد ما َح ِمدَ ه الحامِدُ َ
اط بِ ِه ِع ْل ُم ُه.
َق َل ُم ُه ،و َأ ْح َصا ُه كتا ُب ُه ،و َأ َح َ
ور ِض َي و َب َار َك على َس ِّي ِدنَا وإِ َمامِنَا؛ ُم َحم ٍد ،وعلى وسلم َ اهلل َ وصلى ُ َ
ِ ِ ِِ ِ ِ
وع ِن التابِ َ
عين َل ُه ْم ينَ ، وص ْحبِه َأ ْج َمع َ لين ،وعلى آلهَ ، والم ْر َس َ َسائ ِر األَ ْنبِياء ُ
ِ
الدين ،وبعد. ٍ
بإحسان إِ َلى يو ِم
بزوجة يظن يف وصال ِ ِه هبا ٍ المسلمين بالظ َف ِر كان فرح عام ِة ِ
أبناء فلئن ِ
َ ُ ْ
السعاد َة والهناء َة يف حياتِ ِه ،يتَحبب إِ َليها ،و َتتَحبب ِ
إليهَ ،يت ََصن ُع َلها، َ ُ َ َ ُ ْ َ َ
و َتت ََصن ُع لهَ ،تت ََزي ُن َل ُه و َيت ََزي ُن َلها ،فإن هللِ َتعا َلى ِعبا ًدا غاي ُة سعا َدتِ ِه ْم ،و ُمنَى
5 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
إليه بالط ِ
اعات، بمحبة رب ِهم ومليكِ ِهم ،يتَصنع َأحدُ ُهم ِ ِ ناه ُم الظ َف ُر ُم ُ
ْ َ َ ُ َ ْ ِّ ْ
ساع َة َي ْخ ُلو بِ ِه فِي َ الو ْص ُل بِ ِهَ ،
وهنَا َء ُت ُه ِ ِ
و َيت ََجم ُل َل ُه بالعبا َداتَ ،هم ُه َ
واألشواق ،وبِنَ ْف ٍ
س ِ الم َحب ِة ُ
نيران َ ب َتأج َج ْت فيه يناج ِ
يه َب َق ْل ٍ واتِ ، الخ َل ِ َ
ماوات َجل َجال ُل ُه ،و َت َقد َس ْت َأ ْس ُ
ماؤ ُه، ِ ض والس ب َر ِّب األَ ْر ِ اقة ل ِ ُق ْر ِ
تو ٍ
ب مِنْ ُه .إِ َذا َت َكل َم؛ َف َعنْ ُه َي َتـ َكل ُم، ليس َل ُه َه ٌّم إال ِر َضا َس ِّي ِد ِه و َم َحبتِ ِه وال ُق ْر ِ َ
وإِ َذا ْاشت َغ َل فِ ْك ُر ُه؛ َفبِ ِه َي ْشت َِغ ُل ،وإِ َذا َس َك َن؛ َفإِ َل ْي ِه َ -ال إِ َلى ِسوا ُهَ -ي ْس ُك ُن.
نازلِها ،و ُكل ِ الم َحب ِة، ِ ِ ِ ِ
الذي َي ْخشا ُه َأ ْن ونزول َم ِ َ ُ ُكل الذي َي ْبتَغيه ال َف ْو ُز بِ ُر ْت َبة َ
ط البع ِد والج ِ ِ ِ
فاء؛ ف ُي ْح َر َم َ أن ُي ْض َر َب بِ َس ْو ُ ْ بار َك و َتعا َلىَ ،أ ْو ْ ُيح َب َس َع ْن َر ِّبه َت َ
ورةٍ َع ِن ٍ
وال ُح ْس ُن َص ْوت َأ ْو ُص َ مال َمنْ َظ ٍرَ ،هيه َج ُ ال ُقرب مِن موالهَ .ال ي ْل ِ
ُ ْ َ ْ َْ ُ
الش ْغ ِل باهللِ تعا َلى ،و َال ي ْفتِنُه ما يرى مِن ِ
ظاه ِر َجمال ِ ِه و ُقو ِة َشبابِ ِهَ ،ف َيت ََزي ُن ْ َ َ ُ َ
ل ِ َغ ْي ِر َول ِ ِّي ِهُ .ي ْفنِي شبا َب ُه ،و ُين ِْف ُق ُع ُم َر ُه ،و َي ْق َط ُع أيا َم ُه؛ َل ْي َس َل ُه فِي ذل ِ َك ُش ْغ ٌل
ب َق ٍ
ريب، بيب ،وال بِ ُق ْر ِإِال إِ ْرضا َء َس ِّي ِد ِه ،و َن ْي ِل َم َحبتِ ِه ،ال َي ْف َر ُح بِ َو ْص ِل َح ٍ
وس ِّي ِد ِه األَك َْرمَِ ،ف َل ْم َتت ُْر ْك َم َحب ُت ُه فِي َق ْلبِ ِه َمكانًا ِ
س َوى َحبيبِه األَ ْع َظ ِمَ ،
ِ
ْزال ل ِ ِسوا ُه .ال يزيدُ ُه َمر الليالِي مِ َن اهللِ َتعا َلى إال ُح ًّبا ،وال ألح ٍد ،وال َمن ً
َ
َي ِزيدُ ُه كَر األيا ِم مِ َن اهللِ َتعا َلى إال ُق ْر ًباُ ،مسافِ ٌر إِ َلى َر ِّب ِه َ ع َلى َمدَ ى
ْفاس« ،ال َي َض ُع َع َصا الس ْي ِر َع ْن عاتِ ِق ِه حتى َي ِص َل إِلى َم ْط َلبِ ِهَ ،قدْ ُرفِ َع
األَن ِ
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 6
ِ
عليه، قبل بِ ُك ِّليتِ ِه االشتِ ِ
ياق؛ ف َأ َ اعي ْ ليه ،وناداه د ِ َله َع َلم الحب َف َشمر إِ ِ
َ ُ َ َ ُ ُ ُ ِّ
نادي المحب ِة إِ ْذ دعاه :حي ع َلى ال َفالحِ ،ووصل السرى فِي بي ِ
داء َأجاب م ِ
َْ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ ُ
ريق إِ َلى اهللِ َتعا َلى، صول ُسراه(َ ،)2(»)1ي ْق َط ُع الط َ ِ ِ ِ
بَ ،ف َحمدَ عنْدَ ُ
الو الط َل ِ
ليال فهو ٍ
سار ،والمعنى :أن الناس يحمدون ٍ
شيء طرق ً ) (1الس َرى :سير ال ّليل ،وكل
مبكرا ،انظر :معجم العين ،للخليل.291/7 :
من سار يف الليل ،ووصل عند الصباح ً
) (2طريق الهجرتين وباب السعادتين ،البن قيم الجوزية.51/1 :
7 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
وكتبه
زكريا بن طه شحادة
الخميس 2019-7-18م،
15ذو القعدة 1440هـ
9 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
كتاب اهللِ تعا َلى ،ومطا َلع َة آياتِ ِه ،والت َفكر بِما ِ
فيه مِ ْن َ َ ُ َ ِ ال َج َر َم أن َت ِال َو َة
بار ِ
وع َب ٍر َواه ،ومِ ْن َأ ْخ ٍ
وصفاتِ ِه و َأ ْفعال ِ ِه ،ومِن َأوامِر ون ٍماء اهللِ َتعا َلى ِ َأس ِ
َ ْ ْ
ِ وح َك ٍم ،والعم َل بما يح ِم ُله الكِتاب الع ُ ِ ِ
ب زيز م ْن أحكامٍ؛ م ْن َأ َج ِّل ما َت َحب َ ُ َ َ َ َ َ ْ ُ
ول بن مسعودٍ َ ،ق َالَ :ق َال َر ُس ُ بون إِ َلى اهللِ تعا َلى ،ف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ِ بِه ُ
المت ََح ِّب َ ِ
ف»( .)1و َق َال حب اهلل ورسو َله؛ َف ْلي ْقر ْأ فِي ا ْلمصح ِاهللِ « :من سره َأ ْن ي ِ
ُ ْ َ َ ََ ُ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ
كان يحب فإن َالقرآن؛ ْ
َ يسأل أحدُ ُكم عن َن ْف ِسه إال
ود « :ال ْ ابن مسع ٍ
ْ ُ َ ْ ُ
لم يك ْن اهلل سبحانه وتعالى ورسو َله ْ ، ِ َ
وإن ْ القرآن و ُي ْعج ُبه؛ فهو يحب َ
آن؛قالَ « :م ْن َأ َحب ال ُق ْر َ
فليس يحب اهلل»( .)2وعن ُه َ ، َ َ
القرآن يحب
( )1أخرجه البيهقي يف شعب اإليمان ،باب :من تعلم القرآن ،507/3 :رقم:
( ،)2027وأبو نُ َعيم يف الحلية ،باب من حدث وروى عنه شعبة من األئمة،209/7 :
وحسنه األلباين يف صحيح الجامع.
( )2إحياء علوم الدين ،للغزالي.273/1 :
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 10
بن َأبِي َب ْك ٍر: ف ُ بِ َشي ٍء َأ ْف َض َل مِما َخ َر َج مِنْ ُه»َ ،ي ْعنِي ك ََال َم ُه(َ .)1
وقال ُم َط ِّر ُ ْ
اهلل تعا َلى إِ َلى َداو َد َ :قدْ ِ ِ ِ ِ
المحب ال َي ْس َأ ُم م ْن حديث َحبيبِه ،و َأ ْو َحى ُ « ُ
حب ي ِ ِ ك ََذ َب َم ِن اد َعى َم َحبتِي ،إِ َذا َجن ُه ُ
حب الليل نَا َم عنِّيَ ،أ َل ْي َس ُكل ُم ٍّ ُ
وقال يحيى بن م ٍ ِ ()2 ِ ِ
عاذَ « :م ْن َل ْم لقا َء َحبيبِهَ ،ف َها َأنَا َذا َموجو ٌد ل َم ْن َط َل َبني» ُ ُ َ ْ َ َ ،
بُ :ي ْؤثِ ُر كال َم اهللِ تعا َلى ع َلى كال ِم ِ ثالث ِخ ٍ
صال؛ َف َل ْي َس بِ ُمح ٍّ ُ َت ُكن ِ
فيه ْ
والعبا َد َة ع َلى ِخدْ َم ِة َ
الخ ْل ِق»(.)3 الخ ْل ِقِ ، اء َ الخ ْل ِق ،ولِقاء اهللِ تعا َلى ع َلى ل ِ َق ِ َ
َ
َ َّ ُ ُ ُ ْ ً
اهلل تعالى
أهل ِِ آن خاصة
ثانيا :أهل القر ِ
َس َ ،ق َالَ :ق َال آن ُه ْم خاص ُة أه ِل اهللِ تعا َلى ،ف َع ْن َأن ٍ وأهل ال ُقر ِ
ْ ُ *
اسَ ،ف ِق َيلَ :م ْن َأ ْه ُل اهللِ مِن ُْه ْم؟ َق َال:
ين مِ َن الن ِ ِ رس ُ ِ
ول اهلل « :إِن هلل َأ ْهلِ َ َ ُ
َ
يكون العبدُ آن ُه ْم َأ ْه ُل اهللِ َو َخاص ُت ُه»()1؛ َف َأن ِْع ْم بِ َها مِ ْن َم ْك ُر َم ٍة ْ
أن َأ ْه ُل ا ْل ُقر ِ
ْ
مِ ْن خاص ِة أه ِل اهللِ تعالى.
ان ، األرض عندَ اهللِ تعا َلى ،ف َع ْن ُعثْ َم َ ِ ِ ِ
أهل ال ُقرآن خ ُ
يار أه ِل *و ُ
َع ِن النبِي َ ،ق َالَ « :خيْ ُر ُك ْم َم ْن َت َعل َم ا ْل ُق ْر َ
آن َو َعل َم ُه»(.)2 ِّ
َ َّ ُ ْ ُ َ ُ ْ ُ َ ْ ً
ثالثا :القرآن الكريم مِعراج العب ِد ِفي اجلن ِة
اس َمن ِْز َل ًة عندَ اهللِ تعالى ،وال ُق ْر ُ
آن آن مِ ْن َأ ْع َلى الن ِ
وقار ُئ ال ُقر ِ
ْ ِ *
َ
تبارك ب مِ ْن َر ِّب ِه
الجن ِة ،ومِ ْرقا ُت ُه( )4إِ َلى ال ُق ْر ِ ِ ِ
راج ال َع ْبد في َ
()3 ِ
ال َك ُ
ريم م ْع ُ
( )1أخرجه أحمد يف مسنده ،مسند أنس بن مالك ،296/19 :رقم،)12279( :
وابن ماجه ،باب فضل من تعلم القرآن وعلمه ،78/1 :رقم ،)215( :وصححه
األلباين.
( )2أخرجه البخاري يف صحيحه ،بابَ :خ ْي ُر ُك ْم َم ْن َت َعل َم ال ُق ْر َ
آن َوعَل َم ُه،192/6 :
رقم.)5027( :
راج :المصعد الذي ُي ْص َعدُ منه إلى أعلى ،انظر :الصحاح تاج اللغة وصحاح ِ
( )3الم ْع ُ
العربية ،للفارابي.328/1 :
( )4ا ْلمرقاة :و ِسي َلة الرقي َأو آ َلته وموضعه َأو ما يرقى بِ ِه َأو فِ ِ
يهُ ،ي َقال :صعدت مرقاة َ َ
َأو مرقاتينَ ،أيَ :د َر َجة َأو َد َر َج َت ْي ِن ،انظر :المعجم الوسيط ،لمجمع اللغة العربية:
.367/1
13 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
وتعالى؛ ف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َع ْم ٍرو رضي اهلل عنهماَ ،ع ِن النبِ ِّي َ ق َالُ « :ي َق ُال
آن :ا ْق َر ْأَ ،و ْار َقَ ،و َر ِّت ْل ك ََما ُكن َْت ُت َر ِّت ُل فِي الد ْن َيا؛ َفإِن َمن ِْز َلت ََك
ب ا ْل ُقر ِ
ل َصاح ِ ْ
ِ ِ
آخ ِر آ َي ٍة َت ْق َر ُؤ َها»(.)1
ِعنْدَ ِ
ول اهللِ ُ « :ي َق ُال يد ا ْل ُخدْ ِر ِّي َ ،ق َالَ :ق َال َر ُس ُ وعن َأبِي س ِع ٍ
َ َ ْ
اص َعدْ ؛ َف َي ْق َر ُأَ ،و َي ْص َعدُ بِ ُك ِّل آ َي ٍة ِ
ب ا ْل ُق ْرآن إِ َذا َد َخ َل ا ْل َجنةَ :ا ْق َر ْأَ ،و ْ
لِص ِ
اح ِ َ
آخ َر َش ْي ٍء َم َع ُه»(.)2 درجةً؛ حتى ي ْقر َأ ِ
ََ َ َ َ َ
تاج ال َك َرا َم ِة، ِ ِ
آن بِ َصاحبِه يو َم الق َيا َمة ،حتى ُيت َِّو َج ُه َ
ِ ِ يزال ال ُق ْر ُ * وال ُ
َو ُي َح ِّل َي ِه بِ ُحلة ال َك َرا َمة ،وال يزال به ُي َر ِّضي عنه ربه ،حتى َي ْر َضى َعنْ ُه،
جي ُء و ُيدْ نِي م ْجلِس ُه ،و ُي َقر َب ُه ،ف َع ْن َأبِي ُهر ْير َة َ ،ع ِن النبِي َ ق َالَ « :ي ِ
ِّ َ َ ِّ َ َ
ولَ :يا اج ال َك َرا َم ِةُ ،ثم َي ُق ُ ِ
ولَ :يا َر ِّب َح ِّلهَ ،ف ُي ْل َب ُس َت َ الق َيا َم ِة َف َي ُق ُ
آن يوم ِ
ال ُق ْر ُ َ ْ َ
( )1أخرجه أحمد يف مسنده ،مسند عبد اهلل بن عمر بن العاص ،403/11 :رقم:
( ،)6799والنسائي يف السنن الكربى ،باب الت ْرتِ ُيل ،272/7 :رقم ،)8002( :وأبو
اب الت ْرتِي ِل فِي ا ْل ِق َرا َء ِة ،547/1 ،رقم ،)1466( :وصححه
استِ ْح َب ِ
داود ،باب ْ
األلباين.
( )2أخرجه أحمد يف مسنده ،مسند أبي سعيد الخدري ،455/17 :رقم:
( ،)11360وابن ماجه ،باب ثواب القرآن ،1242/2 :رقم ،)3780( :وصححه
األلباين.
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 14
ولَ :يا َر ِّب ْار َض َعنْ ُه؛ َف َي ْر َضى َعنْ ُه،َر ِّب ِز ْد ُه؛ َف ُي ْل َب ُس ُحل َة ال َك َرا َم ِةُ ،ثم َي ُق ُ
َف ُي َق ُال َل ُه :ا ْق َر ْأ َو ْار َقَ ،و ُي َزا ُد بِ ُك ِّل آ َي ٍة َح َسنَ ًة»(.)1
َ ْ ُ َ َ َ ً َ ْ ُ ُ
رآن أهل الكرام ِة
رابعا :أهل الق ِ
يجلسون فِي ٍ ِ ِ
بيت َ اهلل تعا َلى الذي َنَأ ْه ُل ال ُقرآن َأ ْه ُل ال َك َرا َمة و َل َقدْ َو َعدَ ُ
واحدَ ٍة مِنْها َخ ْي ٌر مِ َن اماتُ ،كل ِ مِن بيوتِ ِه لِتِالو ِة كِتَابِ ِه ومدَ ارستِ ِهَ ،أربع كَر ٍ
ََْ َ ُ َ َ َ ْ
اجت ََم َع الدنْيا وما فِيها؛ فعن َأبِي هرير َة َ ،ق َالَ :ق َال رس ُ ِ
ول اهلل َ « :و َما ْ َ ُ ُ َ َْ َ ْ َ
َاب اهللِ تعا َلىَ ،و َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم؛ إِال وت اهللِ ،ي ْت ُل َ ِ
ون كت َ َ
ت مِن بي ِ
ْ ُُ
َقوم فِي بي ٍ
َْ ْ ٌ
ِ ِ ِ
ن ََز َل ْت َع َل ْي ِه ُم السكينَ ُةَ ،و َغش َيت ُْه ُم الر ْح َم ُةَ ،و َحفت ُْه ُم ا ْل َم َالئ َك ُةَ ،و َذك ََر ُه ُم ُ
اهلل
يم ْن ِعنْدَ ُه»(.)2 ف َ
ِ
َ ُ ً ُ ُ
أمراض قلوب احملبي
ِ خامسا :القرآن دواء
ب هللِ تعا َلى فِي َصالحِ َق ْلبِه و َن ْف ِس ِه، ِ
المح ِّ
ِ ُ ِ
والقرآن م ْن َأ ْن َف ِع َما لل َع ْبد ُ
َت ات؛ فإذا سلِم ال َق ْلب ،وب ِرئ ِ راض وآ َف ٍ ٍ وشفائِه مِما َي ْع ِر ُض َل ُه مِ ْن َأ ْم
ِ
َ ُ َ َ
الم َحب ِة؛ إِ ْذ ِ ِ
راض؛ َف َقدْ َصح ْتَ ،و َت َأه َل ْت ل َقبول َ ِ الع َل ِل واألَ ْمالن ْفس مِن ِ
َ ُ
الصباحِ (َ ،)1و ِه َي َق ْو ُله تعا َلى{ :إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَن َ
ت
( )1أخرجه ابن ماجه ،باب ما جاء يف القراءة يف صالة الليل ،429/1 :رقم:
( ،)1350وحسنه األلباين.
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 16
ور ِة(.)4(»)3
آخ َر الس َ
ِ
خَسَاراً}(.)5
يض َب ْلاهنا َليْ َس ْت لِلتبْ ِع ِ ين الر ِازي« :و َل ْف َظ ُة (مِ ْن) َه ُ قال َف ْخ ُر الد ِ
* َ
آن َما ُه َو ِش َفا ٌء،
س ال ِذي ُه َو ُق ْر ٌ ْسَ ،وا ْلم ْعنَىَ :و ُنن َِّز ُل مِ ْن َه َذا ا ْل ِ
جنْ ِ َ جن ِِهي ل ِ ْل ِ
َ
آن ِش َفا ٌء مِ َن ْاألَ ْم َر ِ
اض اع َل ْم َأن ا ْل ُق ْر َ
ينَ ،و ْ ِ ِِ ِ ِ
يع ا ْل ُق ْرآن ش َفا ٌء ل ْل ُم ْؤمن َ
ِ
َف َجم ُ
اض ا ْل ُج ْس َمانِي ِةَ ،أما ك َْو ُن ُه ِش َفا ًء مِ َن وحانِي ِةَ ،و ِش َفا ٌء َأ ْي ًضا مِ َن ْاألَ ْم َر ِ
الر َ
وحانِي َة نوعان: ِ
اض الر َ اه ٌر؛ َو َذل ِ َك ألَن ْاألَ ْم َر َ اض الروحانِي ِة َف َظ ِ
َ ْاألَ ْم َر ِ
ِ ِِ ِ
يناالعتقادات ا ْل َباط َل ُةَ ،و ْاألَ ْخ َال ُق ا ْل َم ْذ ُمو َم ُةَ .و َأما ك َْو ُن ُه َر ْح َم ًة ل ْل ُم ْؤمن َ
ب ا ْل َع َقائِ ِد ا ْل َباطِ َل ِة َو ْاألَ ْخ َال ِق اح ا ْل َب َش ِري َة َم ِر َ
يض ٌة؛ بِ َسبَ ِ اع َل ْم َأن ْاألَ ْر َو َ
َف ْ
ات الضا ِّلي َن ان :بع ُضهما ي ِفيدُ ا ْل َخ َالص َعن ُشبه ِ آن قِسم ِ ِ ِ
ْ ََ َ َْ ُ َ ُ ا ْل َفاسدَ ة َوا ْل ُق ْر ُ ْ َ
ابيم َك ْي ِفي ِة اكْتِ َس ِ ِ ِ
الش َفا ُءَ .و َب ْع ُض ُه َما ُيفيدُ َت ْعل َ
ين َو ُه َو ِّ ِ ِ
َو َت ْم ِو َيهات ا ْل ُم ْبطلِ َ
ب ان إِ َلى ِج َو ِار َر ِّ اض َل ِة التِي بِ َها َي ِص ُل ْ ِ
اإلن َْس ُ ا ْلع ُلو ِم ا ْلعالِي ِة ،و ْاألَ ْخ َال ِق ا ْل َف ِ
َ َ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ينَ ،واال ْخت َالط بِ ُز ْم َرة ا ْل َم َالئ َكة ا ْل ُم َقربِ َ
ينَ ،و ُه َو الر ْح َم ُة»(.)1 ا ْل َعا َلم َ
وليس فاء والر ْح َم ِة،الش ِرآن ُم ْشت َِم ٌل على ِّ وقال الس ْع ِدي« :فال ُق ُ * َ
َ
الم َصدِّ قي َن بآياتِ ِه ،العاملي َن بِ ِه، ِ
للمؤمنين بِهُ ،
َ ذل ِ َك ل ِ ُك ِّل َأ َح ٍد ،وإِنما ذل ِ َك
صديق بِ َه ْأو عَدَ ِم ال َع َم ِل بِ ِهَ ،فال تزيدُ ُه ْم آيا ُت ُه إِال ِ الظالمون بِ َعدَ ِم الت
َ وأما
لش ِ القرآن عام ِ فالشفاء ِ سارا ،إ ْذ بِ ِه تقو ُم ِ
فاء ُ ٌّ الذي َت َضمنَ ُه الحج ُةُ ِّ ، عليه ُم ُ َخ ً
( )1انظر :تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ،للرازي.390/21 :
19 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ِ
واالنحراف الس ِّي ِئ، اسدَ ِة، لوب مِن الشب ِه ،والجها َل ِة ،واآلر ِاء ال َف ِ ال ُق ِ
َ َ َ َ َ
ول بِ ِه كل ُش ْب َه ٍة الع ْل ِم اليقينِيِ ،
الذي َت ُز ُ
ِّ
ود الردِي َئ ِة .فإنه م ْشت َِم ٌل ع َلى ِ
ُ ُ
وال ُقص ِ
ُ
ف َأمر اهللِ ِ ٍ ُ ِ كيرِ ، ظ والت ْذ ِ وجها َل ٍة؛ والو ْع ِ
يزول بِه كل َش ْه َوة ُتخال ُ ْ َ الذي َ َ َ
األبدان مِ ْن آالمِ َها و َأ ْس َقامِها.
ِ تعا َلى ،ول ِ ِش َف ِ
اء
والوسائِ ِل التِي َي ُحث عليها، األسباب َ ِ فيه مِ َن
وأما الرحم ُة ،فإن ما ِ
َ ْ َ
ِ
العاج ِل وابفاز بالر ْح َم ِة والسعا َد ِة األَ َب ِدي ِة ،والث ِ َمتَى َف َع َلها العبدُ ؛ َ
واآلج ِل»(.)1ِ
ِ
القرآن القرآن ِش َفا ٌء ،وفِي
ِ وقال َس ِّيدُ ُق ْطب ع َلى اآلية« :وفِي َ *
اإليمان؛ َف َأ ْش َر َق ْت ،و َت َفت َح ْت ل ِ َت َل ِّقي
ِ َر ْح َمةٌ؛ ل ِ َم ْن َخا َل َط ْت قلو َب ُه ْم َب َش َ
اش ُة
القرآن مِن روحٍ ،و ُطم ْأنين ٍَة و َأ ٍ
مان. ِ َما فِي
َ ْ ُ
يصل القلب باهللِ والح ْي َرةِ؛ َف ُه َو ُ ِ ِ ِ ِ ِ
َ الو ْس َو َسة وال َق َل ِق َ
في القرآن شفا ٌء م َن َ
تعا َلى؛ َفيس ُكن ،وي ْطمئِن ،ويست َْش ِعر ِ
الح َما َي َة واألَ ْم َن ،و َي ْر َضى؛ َفيَ ْست َْر ِو ُح ُ َْ َْ ُ َ َ
ِ ِ ِ
منين. الر َضا م َن اهلل تعالى؛ وم ْن َثم ُه َو َر ْح َم ٌة ُ
للم ْؤ َ ِّ
( )1تفسير تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان ،للسعدي.465/1 :
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 20
س والطم ِع والحس ِد ون ََز َغ ِ
ات اله َوى والد َن ِ ِ ِ
َ َ َ ويف القرآن شفا ٌء م َن َ
ف والت ِ ض والضع ِ بالم َر ِ ِ
آفات ال َق ْل ِ وه َي مِ ْن الشي ِ
طانِ ..
عب، ْ بُ ،تصي ُب ُه َ ْ
و َتدْ َفع بِ ِه إِ َلى التحط ِم والبِ َلى واالن ِ ِ
منين.
للم ْؤ َْهيار؛ وم ْن َثم ُه َو َر ْح َم ٌة ُ َ ُ
عور والت ْف ِ
كير؛ ف ُه َو الم ْختل ِة فِي الش ِ ِ ِ ِ ِ
وفي القرآن شفا ٌء م َن االتجاهات ُ
ِ
هُدًى وَشِفَاء}(.)1
الكتاب بأن ُه ِشفا ٌء
َ اهلل تعا َلى
ف ُ
ِ
اآليةَ « :و َص َ ِ
تفسير قال ال ُق َش ْي ِري يفَ
ِ ٍ
ب َشقاء للكاف َ
رين. وس َب ُ
للمؤمنينَ ،
َ
حيث استَراحوا بِ ِه َعن َكدِّ ِ
الف ْك ِر و َت َحي ِر ُ وهو ِشفاء للع َل ِ
ماء؛
ْ َ ُ ٌ ُ َ ُ َ
الخواطِ ِر.
َ
يه مِن التـنَع ِم بِ َقراءتِ ِه ،والت َلذذِ
ور العابدين؛ لِما ف ِ وه َو ِشفا ٌء ل ِ ِ
ضيق ُصدُ ِ ُ
َ َ َ َ
بالت َفك ِر ِ
فيه.
تياق؛ لِما بِ ِه مِن ُل ْط ِ
ف االش ِ حبين مِن َل ِ
واعجِ (ْ )2 ِ وه َو ِشفا ٌء ل ِ ُق ِ
ْ َ الم ِّ َ َ
لوب ُ ُ
ِ
واجيد(.)1 الم
َ
ِ
وآثار فين؛ بِ َما َيتَوا َلى عليها مِ ْن ِ
أنوار التنْزيلِ، العار َ وه َو ِشفا ٌء ل ِ ُق ِ
لوب ِ ُ
ِ
العزيز»(.)2 ِخ ِ
طاب الر ِّب
اهلل َط ْب ًعا َمائِ ًال إِ َلى ا ْل َح ِّقَ ،و َق ْل ًبا
* قال الفخر الرازي« :إِن ُكل َم ْن آ َتا ُه ُ
ينَ ،فإِن َه َذا ب الدِّ ِ الصدْ ِقَ ،و ِهم ًة َتدْ ُعو ُه إِ َلى َب ْذ ِل ا ْل ُج ْه ِد فِي َط َل ِ ِ
َمائ ًال إِ َلى ِّ
ون فِي َح ِّق ِه ُهدً ى َو ِش َفا ًءَ .أما ك َْو ُن ُه ُهدً ى َف ِألَن ُه َدل ِ ٌيل َع َلى ا ْل ُق ْر َ
آن َي ُك ُ
اتَ ،و َأما ك َْو ُن ُه ِش َفا ًء َفإِن ُه إِ َذا َأ ْم َكنَ ُه ات وير ِشدُ إِ َلى ُك ِّل السعاد ِ
َ َ َ ُْ
ا ْل َخير ِ
َْ
ض ا ْل ُك ْف ِراالهتِدَ ا ُء َف َقدْ َح َص َل ا ْل ُهدَ ىَ ،ف َذل ِ َك ا ْل ُهدَ ى ِش َفا ٌء َل ُه مِ ْن َم َر ِ ْ
َوا ْل َج ْه ِل»(.)3
* وقال الس ْع ِدي{« :قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} ،أيَ :ي ْه ِ
ديه ْم
المستقيم ،و ُي َع ِّل ُم ُه ْم مِ َن العلو ِم النافِ َع ِة ،ما بِ ِه
ِ ِ
والصراط ريق الر ْش ِد
ل ِ َط ِ
( )1المواجيد :مصطلح يدل على ما يجده العابد يف قلبه من ذوق اإليمان والمحبة
الم َلكِي ِة ،والذوق أول المواجيد ،ومن
والعبادة ،والواردات اإللهية ،والخواطر َ
المواجيد ما يكون صاد ًقا ،ومنه ما هو كاذب؛ وذلك بحسب صاحبها ،انظر :طبقات
الصوفية ،للسلمي ،370/1 :الطبقات الكربى ،للشعراين.128/1 :
( )2لطائف اإلشارات ،للقشيري.336/3 :
( )3تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ،للرازي.570/27 :
23 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
لهم مِ َن األَ ْسقا ِم ال َبدَ نِي ِة ،واألسقا ِم ال َق ْلبِي ِة؛ ِ َت ْح ُص ُل ِ
الهدا َي ُة التام ُة وش َفا ٌء ْ
ألعمال ،و َي ُحث ع َلى الت ْو َب ِة
ِ ِ
األخالق ،وأق َبحِ ا عن َم ِ
ساو ِئ ألن ُه َي ْز ُج ُر ْ
ِ النصوحِ ،التِي َت ْغ ِس ُل
لوب»(.)1 الذنوب ،و َت ْشفي ال َق َ
َ
ُ ْ َ ً َ َّ ُ ُ
حبي بالقرآنِ
صية امل ِ
سادسا :و ِ
ب هللِ تعا َلى مِ ْن كَال ِم اهللِ ، ِ
المح ِّ
ِ
ب ال َع ْبد ُ أثرا ع َلى َق ْل ِ ال أبلغ ً
ات الث َال َث ِة: آن بِ ِ
اال ْعتِبار ِ «فسماع َخاص ِة ا ْل َخاص ِة ا ْلم َقربِين ُهو سماع ا ْل ُقر ِ
َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ُ
ِ ِ
إِ ْد َراكًا َو َف ْه ًماَ ،و َتدَ بـ ًراَ ،وإِ َجابَةًَ .و ُكل َس َما ٍع في ا ْل ُق ْرآن َمدَ َح ُ
اهلل َأ ْص َحا َب ُه
ٍ ِ ِ
اع ،فهو َحاد َي ْحدُ و ا ْل ُق ُل َ
وب َو َأ ْثنَى َع َل ْي ِه ْمَ ،و َأ َم َر بِه َأ ْول َيا َء ُه؛ َف ُه َو َه َذا الس َم ُ
()2
ات،ات ،و َأر َف ِع الدرج ِ ات إِ َلى َأ ْع َلى ا ْلم َقام ِ ومحر ٌك يثِير ساكِن ا ْلع َزم ِ
َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ِّ ُ ُ َ َ َ َ
َانَ ،و َدا ٍع َيدْ ُعوجن ِ ْب فِي َط ِر ِ
يق ا ْل ِ انَ ،و َدل ِ ٌيل َي ِس ُير بِالرك ِ َادي ل ِ ْإلِيم َِاد ين ِ ٍ
َ َو ُمن ُ
اإل ْص َباحِ َ :حي َع َلى ا ْل َف َالحِ َ ،حي اء َوالص َباحِ ،مِ ْن قِ َب ِل َفال ِـ ِق ْ ِ ا ْل ُق ُلوب بِا ْلمس ِ
َ َ َ
اع إِ ْر َشا ًدا ل ِ ُحج ٍةَ ،و َت ْب ِص َر ًة
اخت ََار َه َذا الس َم َ َع َلى ا ْل َف َالحِ َ .ف َل ْم ُي ْعدَ ْم َم ِن ْ
ل ِ ِع ْب َر ٍةَ ،و َت ْذكِ َر ًة ل ِ َم ْع ِر َف ٍةَ ،وفِ ْك َر ًة فِي آ َي ٍةَ ،و َد َال َل ًة َع َلى ُر ْش ٍدَ ،و َر ًّدا َع َلى
َض َال َل ٍةَ ،وإِ ْر َشا ًدا مِ ْن َغ ٍّيَ ،وبَ ِص َير ًة مِ ْن َع ًمىَ ،و َأ ْم ًرا بِ َم ْص َل َح ٍةَ ،ون َْه ًيا َع ْن
اجا مِ ْن ُظ ْل َم ٍةَ ،و َز ْج ًرا َع ْن َه ًوى، ورَ ،وإِ ْخ َر ً َم َضر ٍة َو َم ْف َسدَ ٍةَ ،و ِهدَ ا َي ًة إِ َلى ُن ٍ
بَ ،و ِغ َذا ًء َو َد َوا ًء َو ِش َفا ًء، َو َح ًّثا َع َلى ُت ًقىَ ،و َج َال ًء ل ِ َب ِص َير ٍةَ ،و َح َيا ًة ل ِ َق ْل ٍ
( )1مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ،البن قيم الجوزية:
.481/1
( )2المزمل.4 :
( )3ص.29 :
25 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ِ
بالقرآن{ :وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَ ٌة تعا َلى مر ِّغبا فِي االستِ ْش ِ
فاء ْ َُ ً
وقال تعا َلى مبينًا بال ِ َغ َأ َث ِر ال ُقر ِ
آن ع َلى لِّلْمُؤْمِنِنيَ وَالَ يَزِيدُ الظَّالِمِنيَ إَ َّال خَسَار ًا}(َ ،)1
ْ ُ َ ِّ
َأ ْهلِ ِه{ :اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِي َن يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُ َّم تَلِنيُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ َمنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ
غال بال ُقر ِ
آن، االشتِ ِ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(َ ،)2
وقال سبحا َن ُه و َت َعا َلى ُم َه ِّي ًجا ع َلى ْ
ْ
خاذ ِه َع َم ًال وتِ َج َارةً{ :إِنَّ الَّذِي َن يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا
وا ِّت ِ
ف مِ ْن آن؛ َفإِن ُه َي ْأتِي َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َش ِفي ًعا ألَ ْص َحابِ ِه»( ،)1و َقدْ َسبَ َق َط َر ٌ ا ْل ُق ْر َ
سول اهللِ بال ُقر ِ
آن. َو ِصي ِة ر ِ
ْ َ
وتالعظيم ِغ َذا ٌء و ُق ٌ آنعود أن ال ُق ْر َ * كَما َأ ْخبـر عبدُ اهللِ بن مس ٍ
َ ُ َ ْ ََ َ
ِ ِ ِ
المبي ُن
ور ُه ُ صول ،الذي َال َينْ َقط ُع َأ َبدً ا ،وأن ُه ُن ُ الم ْو ُ وزا ٌدَ ،و َأن ُه َح ْب ُل اهلل َ َ
لوب ،ال دان وال ُق ِ الذي ال ينْ َط ِفئ ،وال ي ْخبو َأبدً ا ،و َأنه ِش َف ٌاء ل ِ ِع َل ِل األَب ِ ِ
ْ ُ َ ُ َ َ ُ
ف بِ ِه َأ َبدً اَ ،و َأن ُه ِع ْص َم ٌة و َمنْجا ٌة ل ِ َم ْن َت َمس َك بِ ِه؛ َفال َي ِز ُ
يغ َم ْن يخيب مست َْش ٍ
َ ُ ُ ْ
َس َل َك طري َق ُه وال َي ِضل ،وال َي ْش َقى؛ َف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َم ْس ُعودٍ َ ،ق َال« :إِن
اس َت َط ْع ُت ْم ،إِن َه َذا ا ْل ُق ْر َ ِ ِ
آن آن َم َأ ُد َب ُة اهلل؛ َف َت َعل ُموا َم ْأ ُد َب َة اهلل َت َعا َلى َما ْ
َه َذا ا ْل ُق ْر َ
ينَ ،و ِش َفا ٌء نَافِ ٌعَ ،و ِع ْص َم ٌة ل ِ َم ْن َت َمس َك بِ ِه، ِ ِ
ور ُمبِ ٌ ينَ ،و ُن ٌ َح ْب ُل اهلل ا ْل َمت ُ
َب(.)3(»)2 َو َمن َْجا ٌة ل ِ َم ْن َتبِ َع ُه َال َي ْع َوج؛ َف ُي َقو ُمَ ،و َال َي ِز ُ
يغ؛ َف ُي ْس َت ْعت ُ
َب بأ ْن ُي ْط َل َ
ب منه الرجوع من إساءته إلى اإلحسان ،انظر :كشف الحق؛ ف ُي ْس َت ْعت ُ
المشكل من حديث الصحيحين ،البن الجوزي.505/3 :
( )3تنبيه الغافلين بأحاديث سيد األنبياء والمرسلين ،للسمرقندي.421/1 :
27 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
اس ،ومِنْ ُه َي ْر َت ُو َ
ون ،انظر :تاج العروس ،للزبيدي: الم ْش َر ُب الذي َي ِر ُد ُه الن ُ
المن َْه ُلَ :
(َ )1
.47/31
( )2يقصد بقولهَ ( :ف ْل ُي َث ِّو ِر)ُ :ي َه ِّي ْج ،و ُي َح ِّر ْك؛ وذلك بكثرة تكراره وعرضه على القلوب
مرة بعد مرة؛ حتى يستخرج منها الخشية والخشوع والتعظيم والمحبة وكل معاين
ِ ِ ِ ِ
وح ِّر ُكوا بِه ا ْل ُق ُل َ
وب). الخير ،وهذا شبيه بقوله ( :وق ُفوا عنْدَ َع َجائبِهَ ،
( )3الزهد ،ألحمد بن حنبل.129/1 :
( )4تاريخ دمشق ،البن عساكر.225/68 :
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 28
آن؛ َف َقدْ َأ ْب َل َغ ُه ُم َحمدٌ ،»وفِي ِروا َي ٍة َعنْ ُهَ ،ق َالَ « :م ْن
َق َالَ « :م ْن َب َل َغ ُه ا ْل ُق ْر ُ
آن؛ َف َك َأن َما َر َأى النبِي ُ .ثم َق َر َأ{ :وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ}»(،)2 َب َل َغ ُه ا ْل ُق ْر ُ
اهلل .)3(» آن؛ َف َك َأن َما كَل َم ُه ُ وفِي ِر َوا َي ٍة َعنْ ُهَ ،
قالَ « :م ْن َب َل َغ ُه ال ُق ْر ُ
اآلفاق الرحي َب ِة ،ك ََما َأ ْخ َبر بِ َذل ِ َك َز ْي ُن
ِ ور ْح َل ٌة يفآن ُن ْز َه ٌة ِ* َفتِالو ُة ال ُقر ِ
ْ َ
ينَ ،ف َأ ْين ََما َحلوا مِنْ ُه؛
ارف َ
َان ا ْلع ِ ِ
آن ُب ْست ُ َ قال« :ا ْل ُق ْر ُ
اس ٍعَ ، آن ،محمدُ بن و ِ
ُ َ
ِ
ال ُق ْر ُ َ
َحلوا فِي ُن ْز َه ٍة»(.)4
ِ ِ ِ ِ
يمَ ،ق َال: وجن ٌة عاج َلةٌ؛ فعن ُم َحمد ْب ِن إِ ْب َراه َ َعيم حاض ٌرَ ، * َو ُه َو ن ٌ
ِ يقول َ -و َذك ََر َي ْو ًما ل ِ َب ْع ِ « َس ِم ْع ُت ا ْل ُجنَ ْيدَ ْب َن ُم َحم ٍد،
ين(:-)5 ض ا ْل ُم ِريد َ ُ
( )1حلية األولياء وطبقات األصفياء ،ألبي نعيم ،22/10 :وصفة الصفوة ،البن
الجوزي.390/2 :
( )2حلية األولياء وطبقات األصفياء ،ألبي نعيم.369/9 :
( )3الزهد ألحمد بن حنبل.106/1 :
( )4إشارة إلى الحديث الذي أخرجه أحمد يف مسنده ،وابن ماجه يف سننه ،وابن
ول اهللِ َ « :لل ُه َأ َشد َأ َذنَا إِ َلى
ِحبان يف صحيحه ،عَ ْن َف َضا َل َة ْب ِن ُعبَ ْي ٍد َ ،ق َالَ :ق َال َر ُس ُ
ب ا ْل َق ْين َِة إِ َلى َق ْينَتِ ِه» ،وضعفه األلباين. آن ،مِن ص ِ
اح ِ ْ َ
ت بِا ْل ُقر ِ
ْ
الرج ِل ا ْلحس ِن الصو ِ
ْ َ َ ُ
31 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ف َم َع َن ْف ِسه و ُيخاطِ ُبها ُم َذك ًِّراَاب َر ِّبيَ ،وك ََال ُم َر ِّبي»( ،)1ثم َي ِق ُ وي ُق ُ ِ
ول :كت ُ ََ
أن ال َت ْشت َِغ َل بِ َسوا ُه ،كَما َ
قيل إِياها َع َظ َم َة َما َس َي ْت ُلوا ،و َي ْأ ُخ ُذ عل ْيها ال َع ْهدَ ْ
سير قول ِ ِه تعا َلى{ :يَا يَحْيَى خُذِ ا ْلكِتَابَ ِبقُوَّةٍ}(ُ :)2ه َو َأ ْخ ُذه بِ ِ
جدٍّ فِي َت ْف ِ
َ
يكون س ،و َأ ْخ ُذ ُه ِ
بالجدِّ ْ
أن حديث الن ْف ِِ ب َو َت ْر ِك
وح ُضو ِر ا ْل َق ْل ِ ِ ٍ
واجتهاد ُ ْ
ِ
لبعض ِه ْم :إِ َذا الهم ِة إِ َل ْي ِه َع ْن َغ ْي ِر ِهَ ،
وقيل ف ِ ُمت ََج ِّر ًدا َل ُه ِعنْدَ قِ َرا َءتِ ِهُ ،من َْص ِر َ
فقالَ :أ َو َش ْي ٌء َأ َحب إِ َلي مِ َن ث َن ْف َس َك بِ َشي ٍء؟َ ، آنُ ،ت َحدِّ ُ َق َر ْأ َت ال ُق ْر َ
ْ
َان بع ُض الس َل ِ آن؛ حتى ُأحدِّ َ ِ ِ ال ُقر ِ
ف إذا قر َأ آيةًَ ،ل ْم َي ُك ْن ث بِه َن ْفسي! ،وك َ َ ْ َ ْ
يمَ ،فإِن الص َف ُة َتت ََولدُ َعما َق ْب َل َها مِ َن الت ْعظِ ِ ِ ِ ِ ِ
َق ْل ُب ُه ف َيهاَ ،أ َعا َد َها َثان َيةًَ ،و َهذه ِّ
يغفل َعنْ ُه ،فِ ِفي الذي َي ْت ُلو ُهَ ،ي ْس َتبْ ِش ُر بِ ِه ،و َي ْس َت ْأنِ ُس ،وال ُ المع ِّظم للكال ِم ِ
ُ َ َ
ب ْاألُن َْس ف َي ْط ُل ُ َان التالِي َأ ْه ًال َل ُهَ ،ف َك ْي َ
ب ،إِ ْن ك َ ِ ِ ِ
ا ْل ُق ْرآن َما َي ْس َت ْأن ُس بِه ا ْل َق ْل ُ
علي َ « :ال َخ ْي َر فِي ِع َبا َد ٍة َال فِ ْق َه فِ َيهاَ ،و َال فِي َ َ ِِ
بالفكر يف غيره؟! ،قال ٌّ
ِِْ ِْ
( )1أخرجه البيهقي يف شعب اإليمان ،512/3 :والدارمي يف سننه ،2109/4 :وابن
المبارك يف الجهاد.57/1 :
( )2مريم.12 :
( )3إحياء علوم الدين ،للغزالي.281/1 :
33 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
الق َرا َء ِة؛ َو ِج َل َق ْل ُب ُه ،وا ْق َش َعر ِج ْلدُ ُه ،ل ِ َما ُيخال ِ ُط
عات»(َ ،)1فإِذا َأ َخذ فِي ِ المتب ِ
ُ َ
وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ}(.)2
ُ ِّ َ ُ ُ ُ ْ ُ
حبيِ ِامل لوب ق طابالثاني :القرآن ِ
خ
َأل بِ ِه قل ُب ُه مِ ْن َم َحب ِة هاج فِي َن ْف ِس ِه و َق ْلبِ ِه الط َر ُب؛ ل ِ َما ا ْمت َ َوربما َ ُ
وسما ِع كَالمِ ِه ،ك ََما َق َال ِ ِِ ِ ِ ِ
الم َتـ َك ِّل ِم بِه ُس ْبحا َن ُه ،والش ْوق إليه ،و َم َحبة لقائهَ ، ُ
آن َط ِر َب ْت ُق ُلو ُب ُه ْم إِ َلى
ين إِ َذا ُق ِر َئ َع َل ْي ِه ُم ا ْل ُق ْر ُ ِ َمال ِ ُك ْب ُن ِدين ٍ
َار« :إِن ِّ
الصدِّ يق َ
ول :اسمعوا إِ َلى َقو ِل الص ِ
اد ِق اآلخ َر ِةُ ،ثم َي ُق ُ
ِ
ْ ولُ :خ ُذواَ ،ف َي ْق َر ُأ القرآن َو َي ُق ُ ْ َ ُ
آنَ ،فإِ ْن اب فِي ا ْل ُقر ِ مِ ْن َف ْو ِق َع ْر ِش ِه»( .)1ورأى « َأن ُه ا ْل َم ْق ُصو ُد بِ ُك ِّل ِخ َط ٍ
ْ
ورَ ،وإِ ْن َس ِم َع َو ْعدً ا أو وعيدً ا ِ
َسم َع َأ ْم ًرا َأ ْو ن َْه ًيا؛ َقد َر َأن ُه ا ْل َمن ِْهي َوا ْل َم ْأ ُم ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َف َكم ْث ِل َذل َكَ ،وإِ ْن َسم َع َق َص َ
ِ
ين َو ْاألَ ْنبِ َياءَ ،عل َم َأن الس َمر َ
غير ص ْاألَول َ
يحتاج إِ َل ْي ِه(،)2
ُ اعيف ِه ما
صود ،وإنما المقصود لِيع َتبِر ِبه ،ولِي ْأ ُخ َذ مِن َت َض ِ
ْ ُ َْ َ َ
م ْق ٍ
َ
آن إِال َو ِس َيا ُق َها ل ِ َفائِدَ ٍة فِي َح ِّق النبِ ِّي َ و ُأمتِ ِه َول ِ َذل ِ َك َفما مِن قِص ٍة فِي ا ْل ُقر ِ
ْ َ ْ
َق َال َت َعا َلى{ :وَكُـالًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ
اهلل تعالى َثب َت ُف َؤا َد ُه بِ َما الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِنيَ} َ ،ف ْل ُي َقدِّ ِر ا ْل َع ْبدُ َأن َ
()3
( )1حلية األولياء وطبقات األصفياء ،ألبي نعيم ،358/2 :وتاريخ اإلسالم،
للذهبي.489/3 :
اعيف ِه :تكرار أخباره وقصصه يف أكثر من موطن ،فيكون معنى قول ( )2معنى َت َض ِ
تعالى أعلم.
( )3هود.120 :
35 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ب بن َك ْع ٍ قال ُم َحمدُ ُ تعا َلى{ :وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ ألُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}(َ ،)2
خ ْذ آن؛ َف َك َأنما كَلمه اهلل» ،وإِ َذا َقدر َذل ِ َك؛ َلم يت ِ ال ُق َرظِيَ « :م ْن َب َل َغ ُه ا ْل ُق ْر ُ
ْ َ َ َ ُ ُ َ َ
َاب َم ْو َال ُه ،ال ِذي َك َتـ َب ُه ِ ِ
اس َة ا ْل ُق ْرآن َع َم َل ُه؛ َب ْل َي ْق َر ُؤ ُه ك ََما َي ْق َر ُأ ا ْل َع ْبدُ كت َ
د َر َ
ِ
اح َبةً،َحيل ع َلى اهللِ ،ك َِذك ِْر ِهم هلل و َلدً ا وص ِ ار َما َي ْست ُ ِذك ِْر ال ُكف ِ
َ َ ْ
الجن ِة؛ ِ ِ ِ ِِِ ِ ِ
َي ُغض َص ْو َت ُه ،و َي ْكس ُر في َباطنه؛ َحيا ًء ل ُق ْبحِ َم َقا َلت ِه ْم ،وعنْدَ َو ْصف َ
ار؛ َت ْر َت ِعدُ َف َرائِ ُص ُه()1؛ َخ ْو ًفا مِنْها.
ف الن ِ ينْب ِع ُث بِباطِن ِ ِه َشو ًقا إِ َليها ،و ِعنْدَ وص ِ
َ ْ ْ ْ َ َ َ َ
ِ ول اهللِ ِ عنْدَ تالو ِة اب ِن مس ٍ
عود )2(؛ َو َه َذا ألَن ُم َ
شاهدَ َة َ ْ َ ْ كما بكى َر ُس ُ
كان فِي َ ِ اس َت ْغ َر َق ْت َق ْل َب ُه بال ُك ِّلي ِة .و َل َقدْ َ ِ ِ
فين َم ْن َخر َم ْغش ًياالخائ َ الحا َلة ْ ت ْل َك َ
اآلياتَ ،ف ِمثْ ُل ِ
هذه ِ مات فِي سما ِع عيد ،ومِن ُْه ْم َم ْن َ آيات الو ِ ِ عليه ِعنْدَ
ِ
َ
( )1الفرائص :جمع َفريصة :وهي لحمة بين الكتف والصدر ،وهما فريصتان ،وقوله:
ارتعدت فرائصهِ :
فزع ،خاف خو ًفا شديدً ا ،والفرائص :العضالت الصدرية ،وقول:
فريصته :تألم من عضلته الصدر ّية ،انظر :معجم اللغة العربية المعاصرة ،ألحمد
َ شكا
عمر.1/1 :
َن عَ ْب ِد اهللِ ْب ِن( )2يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم يف صحيحيهما ،ع ْ
ول اهللِ، آن» َق َالَ :ف ُق ْل ُت َيا َر ُس َول اهللِ « :ا ْق َر ْأ َع َلي ا ْل ُق ْر َود َ ،ق َالَ :ق َال لِي َر ُس ُ مسع ٍ
َ ْ ُ
ت الن َِّسا َء َأ ْق َر ُأ َع َل ْي َكَ ،وعَ َل ْي َك ُأن ِْز َل؟ َق َال« :إِنِّي َأ ْشت َِهي َأ ْن َأ ْس َم َع ُه مِ ْن غَ ْي ِري»َ .ف َق َر ْأ ُ
ْت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا ِمنْ كُلِّ أُمَّ ٍة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُالَءِ شَهِيدًا} َر َف ْع ُت َحتى إِ َذا َب َلغ ُ
َر ْأ ِسيَ ،أ ْو غ ََمزَ نِي َر ُج ٌل إِ َلى َجنْبِي؛ َف َر َف ْع ُت َر ْأ ِسي َف َر َأ ْي ُت ُد ُموعَ ُه َت ِس ُيل.
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 38
{رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِريُ}( ،)3و َل ْم َي ُك ْن حا ُل ُه الت َوك َل
قال{ :ولَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}(َ ،)4ف ْل َي ُك ْن حا ُل ُه كان حاكِ ًيا .وإذا َ ِ
واإلنا َبةَ؛ َ
هبذ ِه
فإن َلم ي ُكن ِ
ِّالوةْ َ ْ ْ .
جدَ حالو َة الت ِ
َ َ
ِ
عليه؛ حتى َي ِ
الص ْب َر ،أو ال َع ِز َ
يم َة
َان َحظ ُه مِ َن الت َِّال َو ِة َح َر َك َة ِ
الحاالت؛ ك َ هذ ِه
فات ،ولم يتَردد َق ْلبه بين ِ
ْ َ َ ْ ُُ َ
الص ِ
ِّ
ب، ِ
األحوال إِ َلى ال َق ْل ِ ِ
هذه الب ان .وإِنما يراد مِن التِّالو ِة ِ ال ِّلس ِ
است ْج ُ َ ْ ُ ُ َ َ
اللسان بِ ُحروفِ ِه َخ ِفي َفةٌ ،ولِذل ِ َك ِ والعم ُل بِ ِه؛ وإال فالم ُؤ َن ُة( )5فِي َتح ِ
ريك ْ َ َ َ
القرآن ع َلى شيخٍ لِيُ ،ثم َر َج ْع ُت ألقر َأ َثانِ ًيا؛ َ ت بعض ال ُقر ِاءَ :ق َر ْأ ُ قال ُ َ
( )1يقصد بقوله( :حاك ًيا يف كالمه) :من الحكاية ،يعني كمن يحكي األحاديث
والقصص للت َمت ِع والس َم ِر ،ال لِالعْت ِ ِ
بار وال َع َمل.
( )2األنعام.15 :
( )3الممتحنة.4 :
( )4إبراهيم.12 :
المؤُ َن ُة :الكلفة والمشقة ،انظر :معجم العين ،للخليل.389/8 :
(َ )5
39 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
آن ع َلي عم ًال ،اذهب ،فاقر ْأ ع َلى اهللِ ِ فا ْنت ََه َرنِي(َ ،)1
َ ْ وقالَ :ج َع ْل َت تالو َة ال ُق ْر َ َ َ
كان ُش ْغ ُل الصحا َب ِة فِي ينهاك؟ وبِ َهذا َ َ ،فا ْن ُظ ْر بما َذا يأ ُم ُر َك ،وبِ َماذا
آن حق تِ َالوتِ ِهَ :أ ْن ي ْشت َِر َك فِ ِ
يه ال ِّل َس ُ ِ ِ ِ ِ
ان، َ َ واألعمالَ .وت َال َو ُة ا ْل ُق ْر َ األحوال
وف بِالت ْرتِيلَِ ،و َحظ ا ْل َع ْق ِل حيح ا ْلحر ِ ِ ِ
بَ ،ف َحظ ال ِّل َسان َت ْص ُ ُ ُ َوا ْل َع ْق ُل َوا ْل َق ْل ُ
ار،ار َواالئْتِ َم ِ اظ َوالت َأث ُر بِاالن ِْز َج ِ ب اال ِّت َع ُ َت ْف ِس ُير ا ْل َم َعانِيَ ،و َحظ ا ْل َق ْل ِ
ب َيت ِعظ»(.)2 ان ُي َر ِّت ُل ،وال َع ْق ُل ُيت َْر ِج ُم ،وال َق ْل َُفال ِّل َس ُ
ُ ْ َ ْ ُ ِّ َ َ ِّ
حب بالقرآنِ الرابع :ترقي العب ِد امل ِ
مع آن ،بِ َأ ْن َيت ََرقى إِ َلى ْحب التر ِّقي بال ُقر ِ ِ ِ فيكون ُ
ُ
أن َي ْس َ ْ الم ِّ َ حال ال َع ْبد ُ
ثالثَ :أ ْدناهاْ :
أن ُي َقدِّ َر ٌ القرا َء ِة
ات ِال َكال َم مِ َن اهللِ ،ال مِ ْن َن ْف ِس ِهَ « ،فدَ َر َج ُ
إليه ،و ُم ْست َِم ٌع
يديه ،و ُهو ناظِر ِ العبدُ َك َأنه يقر ُأه ع َلى اهللِ ،واقِ ًفا بين ِ
ٌ َ َ َ ُ َ ُ
السؤال ،والت َمل ُق ،والت َضر ُع، ُ يكون حا ُل ُه عندَ هذا الت ْق ِ
دير: ُ مِنْ ُهَ ،ف
هال. واال ْبتِ ُ
ِ
ناجيه اهلل َ يرا ُه ،و ُيخاط ُب ُه ب َأ ْلطافِ ِه ،و ُي ِ ال َّثانِ َي ُةْ :
أن يشهدَ بِ َق ْلبِه ك َأن َ
واإل ْصغا ُء ،وال َف ْه ُم. بِإِ ْنعامِ ِه وإحسانِ ِهَ ،فمقام ُه الحياء ،والت ْعظيمِ ،
ُ ُ َ ُ
( )1ا ْنت ََه َر :زَ َج َر ،انظر :مجمل اللغة ،البن فارس.845/1 :
( )2انظر :إحياء علوم الدين ،للغزالي.286/1 :
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 40
مات الص ِ أن يرى فِي ال َك َال ِم الم َتـ َك ِّلم ،وفِي ال َكلِ ِ ِ
فات؛ فال ِّ َ ُ الثال َث ُةَ َ ْ :
ين ُظ ُر إِ َلى َن ْف ِس ِه ،وال إِ َلى قِ َرا َءتِ ِه ،وال إِ َلى َت َعل ِق اإلنعا ِم بِ ِه مِ ْن ُ
حيث إِن ُه ُمنْ َع ٌم
الف ْك ِر ِ وف ِ الم َتـ َك ِّل ِم سبحا َن ُهَ ،م ْو ُق َ ِ
عليه، اله ِّم ع َلى ُ يكون َم ْق َ
صور َ ُ عليه ،بل
غير ِه.الم َتـ َك ِّل ِم َع ْن ِ ك َأنه مس َت ْغ ِر ٌق بِم َ ِ
شاهدَ ة ُ ُ ُ ُ ْ
ين ،و َما َخ َر َج َع ْن أصحاب ال َي ِم ِ
ِ بين ،وما قب َل ُه َد َر َج ُة
الم َقر َ
ِ ِ
َوهذه َد َر َج ُة ُ
بن ُم َحم ٍد ِ
وع ِن الد َر َجة ال ُع ْليا أخربَ َج ْع َف ُر ُ الغافلينَ ،
َ هذا؛ َف ُهو َد َر ُ
جات
اهلل ل ِ َخ ْل ِق ِه فِي كالمِ ِه ،ولكن ُه ْم ال ِ الص ِ
قال :واهلل َل َقدْ َت َجلى ُ اد ُق َ ،
الصالة؛ حتى َخر ِ حالة لح َق ْت ُه فِي
ٍ وقال َأ ْي ًضا ،و َقدْ سألو ُه َع ْن رونَ ، ُي ْب ِص َ
فقالَ :ما ِز ْل ُت ُأ َر ِّد ُد اآلي َة ذلكَ : قيل َل ُه فِي َ عليه ،فلما ُس ِّر َي عن ُه َ ِ َم ْغش ًيا
فلم َي ْثبُ ْت ِج ْس ِمي ل ِ ُمعا َين َِة الم َتـ َك ِّل ِم بِ َها؛ ْ
ِ ِ
ع َلى قلبِي حتى َسم ْع ُتها م َن ُ
قال ناجاة ،ول ِ َذل ِ َك َ ِ
الحالو ُة ،و َلذ ُة ُ
الم َ ُقدْ َرتِهَ .ف ِفي مِ ْث ِل هذه الد َر َج ِة َت ْع ُظ ُم
ولُ :كن ُْت َأ ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ اصَ ،ي ُق ُ ِ ِ
آنَ ،و َال بن َث ْع َل َبةََ :سم ْع ُت َسال ًما ا ْل َخو َ أحمدُ ُ
ول اهللِ ، يه مِ ْن رس ِ
َ ُ
ك س ِمعتِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َأ ِجدُ َل ُه َح َال َوةً؛ َف ُق ْل ُت لنَ ْفسي :ا ْق َرئيه َك َأن َ ْ
َف َجا َء ْت َح َال َو ٌة َق َلي َلةٌَ ،ف ُق ْل ُت لِنَ ْف ِسي :ا ْق َرئِ ِيه َك َأن ِك َس ِم ْعتِ ِيه مِ ْن ِج ْب ِر َيل
41 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
يه َك َأن ِ
ك ت ا ْلح َالو ُةُ ،ثم ُق ْل ُت َلها :ا ْقرئِ ِ ِحين ي ْخبِر بِ ِه النبِي ؛ َق َالَ :ف ْازداد ِ
َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ
ت ا ْل َح َال َو ُة ُكل َها(.)2(»)1يه ِحين َت َكلم بِ ِهَ ،ق َالَ :فجاء ِس ِمعتِ ِ
َ َ َ َ ْ
ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ُ ُّ
آن ووعِيدِ ِه
حب بي وعدِ القر ِ اخلامس :العبد امل ِ
ِ ِ ِ ِ
للصالحين،
َ والمدْ حِ
الو ْعد َ المحب هلل تعا َلى بآيات َ * فإذا َت َال العبدُ ُ
ف يقين فِيها ،و َيت ََشو ُ
والصدِّ َ وقنين ِّ
َ الم ِ ِ
«فال َي ْش َهدُ َن ْف َس ُه عنْدَ ذل َكْ ،بل َي ْش َهدُ ُ
ت ،و َذم العصاةِ آيات الم ْق ِ
ِ اهلل بِ ِه ْمَ ،وإِذا َتال ِ إِ َلى ْ
ِّ ُ َ أن ُي ْلح َق ُه ُ
ب خو ًفا وإِ ْشفا ًقا، الم َخا َط ُ ناك ،و َقدر َأن ُه ُ رين؛ َش ِهدَ ع َلى َن ْف ِس ِه ُه َ والم َق ِّص َ ُ
ب ُق ْربِ ِه؛ فإن فإذا ر َأى َن ْفسه بصور ِة الت ْق ِ ِ ِ ِ
صير في الق َرا َءة؛ كان َْت ُر ْؤ َي ُت ُه َس َب َ َ َ ُ َ
بف إِ َلى َد َر َج ٍة ُأ ْخ َرى فِي ال ُق ْر ِ ب()3؛ َي ُسو ُق ُه َ
الخ ْو ُ َم ْن َش ِهدَ ال ُب ْعدَ فِي ال ُق ْر ِ
الذي ي ْف ِ
ضيه إِ َلى وراءها ،ومن َش ِهدَ ال ُقرب فِي البع ِد()4؛ مكِر بِ ِه باألم ِن ِ
ُ ْ ُ َ ُْ ْ َ َ ْ ََ َ
( )1حلية األولياء وطبقات األصفياء ،ألبي نعيم ،279/8 :وصفة الصفوة ،البن
الجوزي.415/2 :
( )2انظر :إحياء علوم الدين ،للغزالي.287/1 :
محتاجا إلى
ً ب) ،أي :رأي نفسه بعيدً ا(ش ِهدَ ال ُب ْعدَ فِي ال ُق ْر ِ
( )3معنى قول الغزاليَ :
القرب ،بالرغم من قربه من اهلل تعالى ،فهو يطمع يف قرب أكثر ،واهلل تعالى أعلم.
(ش ِهدَ ال ُق ْر َب فِي ال ُب ْع ِد) ،أي :رأي نفسه قريبا بالرغم من بعده
( )4معنى قول الغزاليَ :
من اهلل تعالى ،فهو مغرور ممكور به ،واهلل تعالى أعلم.
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 42
كونأن ت َ ُ
يستحيل ْ تلك الحا َل ِة و ُي ِ
قار ُبها؛ إ ْذ ب َ ِ ِ ِ ِ ِ
منْهاَ ،ي ْستَعد ل ُر ْؤ َية ما ُيناس ُ
اض ،وكال ُم فيه ك ََال ُم َر ٍ واحدً ا ،والمسمو ِع مختل ًفا؛ إ ْذ ِ حا َل ُة المست َِم ِع ِ
ُ ُ ْ ُ ْ
ار متَكبِ ٍر ،وكالم حن ٍ ِ ِ
ان ُ َ بان ،وكال ُم ُمنْع ٍم ،وكال ُم ُمنْتَق ٍم ،وكال ُم َجب ٍ ُ َغ ْض َ
م َتع ِّط ٍ
ف»(.)1 ُ َ
َ ُ ْ ََ ُّ ُ َ ْ ُ ِّ
خطاب القرآنِ
حب ِ السادس :تأمل العب ِد امل ِ
حب ِخطاب ا ْل ُقر ِ
آن؛ َو َجدَ َملِ ًكا َل ُه ا ْل ُم ْل ُك ُكل ُهَ ،و َل ُه فإذا «تأم َل العابِدُ الم ِ
َ ْ ُ
ومصدرها مِنْ ُه ،و َم َردها إِ َل ْي ِهُ ،م ْستَو ًيا ع َلى
ُ ور ك ِّل َها بِيَ ِد ِه،
ا ْل َحمدُ ُكل ُهَ ،أ ِزم ُة ْاألُ ُم ِ
س َالما بِ َما فِي نفو ِ أقطار َم ْم َل َكته ،ع ًِ َس ِر ِير ُم ْلكِ ِهَ ،ال َت ْخ َفى َع َل ْي ِه خافي ٌة فِي
الم ْم َل َك ِةَ ،ي ْس َم ُع ِ
بتدبير َ رار ِه ْم و َعالنِ َيتِ ِه ْمُ ،منْ َفر ًدا
َبيد ِهُ ،مطلِ ًعا ع َلى َأ ْس ِ ع ِ
يش َهدُ مِ ْن ِخطابِ ِه ِعتَا َب ُه ِأل َ ْحبابِ ِهوح ْك َمتِ ِهَ ،و َْذر ًة مِن الشر َفما َفوقها إِال بِعدْ ل ِ ِه ِ
َ َ ِّ َ ْ َ
ِ ِ ِ َابَ ،و َأن ُه َم َع َذلِك ُم ٌ
ف ِعت ٍ
قيم َأ ْع َ
ذار ُه ْم، قيل َع َثرات ِه ْم ،و َغاف ٌر زَ الت ِه ْم ،و ُم ٌ َأ َل َط َ
اص ُر َل ُه ْمَ ،وا ْل َك ِف ُيل ومصلِح َفساد ُهم ،والدافِع َعنْهم ،والمحامِي َعنْهم ،والن ِ
ُ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ ٌ
45 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
فاألمر كما أخرب اهلل تعالى{ :وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُ ْم
اد الم ِ
بار العب ِ ِ
ح ِّبي َن كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} َ ،و َل َقدْ جا َء م ْن َأ ْخ ِ ُ
()1
ُ
فيكون َل َها َأ َشدُ َأ ْحوال ِ ِه ْمَ -ما َي ْم ُق ُت َأ َحدُ نا َأ ْه َل َز َمانِ ِهُ ،ث ِّم يعو ُد لِنَ ْف ِس ِه،
ِ شاهدُ مِ ْن
وه ِذ ِه م ِ قيل :إِ َذا ُذكِ َر الس َل ُ
صالة ف؛ َم َقتْنَا َأ ْن ُف َسنَاَ َ ، َم ْقتًا ،ك ََما َ
ٍ ِ ِ ِ
ين َم ْش َهدً اَ ،ي ْقدُ ُم ُه ْم َس ِّيدُ ُه ْم حبين َجا َء ْت في َس ْب َعة وع ْش ِر َ الم َ إِ ْن َفاق ُ
ول اهللِ :
وإِ َما ُم ُه ْم و ُقدْ َو ُت ُه ْمَ ،ر ُس ُ
(ِ )1غ ًّبا أصله أن يرد اإلبل الماء يو ًما ويدعه يو ًما ،فالمراد :زر أخاك وقتا بعد وقت؛
(تزدد) عنده (ح ًبا)؛ وذلك ألن اإلكثار من الزيارة ُي ِمل ،انظر :التنوير شرح الجامع
الصغير ،للصنعاين.314/6 :
49 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ول اهللِ ب َشي ٍء ر َأ ْيتِ ِه مِ ْن رس ِ ِ (ِ ِ )1
َ ُ َر َطانَت ُك ْم َهذهَ ،ق َال ا ْب ُن ُع َميْ ٍرَ :أ ْخبِ ِرينَا بِ َأ ْع َج ِ ْ َ
َان َل ْي َل ٌة مِ َن الل َيالِيَ ،ق َالَ « :يا َعائِ َش ُة َ ،ق َالَ :ف َس َكت َْتُ ،ثم َقا َل ْتَ :لما ك َ
َذ ِرينِي َأ َت َعبدُ الل ْي َل َة ل ِ َر ِّبي» ُق ْل ُتَ :واهللِ إِنِّي َألُ ِحب ُق ْر َب َكَ ،و ُأ ِحب َما َسر َك،
َقا َل ْتَ :ف َقا َم َف َت َطه َرُ ،ثم َقا َم ُي َص ِّليَ ،قا َل ْتَ :ف َل ْم َي َز ْل َي ْبكِي َحتى َبل ِح ْج َر ُه،
َقا َل ْتُ :ثم َب َكىَ ،ف َل ْم َي َز ْل َي ْبكِي َحتى َبل ل ِ ْح َي َت ُهَ ،قا َل ْتُ :ثم َب َكى َف َل ْم َي َز ْل
َي ْبكِي َحتى َبل ْاألَ ْر َضَ ،ف َجا َء بِ َال ٌل ُي ْؤ ِذ ُن ُه بِالص َال ِةَ ،ف َلما َرآ ُه َيبْكِيَ ،ق َالَ :يا
اهلل َل َك َما َت َقد َم َو َما َت َأخ َر؟َ ،ق َالَ « :أ َف َال ِ رس َ ِ ِ
ول اهلل ،ل َم َت ْبكيَ ،و َقدْ َغ َف َر ُ َ ُ
وراَ ،ل َقدْ ن ََز َل ْت َع َلي الل ْي َل َة آ َيةٌَ ،و ْي ٌل ل ِ َم ْن َق َر َأ َها َو َل ْم َي َت َفك ْر َأ ُك ُ
ون َع ْبدً ا َش ُك ً
فِ َيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَ ْرضِ.)2(»}...
رسول اهللِ عند تالوة القرآن ،حتى َبل ِح ْج َر ُه ،و َبل ِ فانظر ُبكا َء
ْ
وتعلم َع َظ َم َة حال ِ ِه
ْ
كان َعي ُشه مع ال ُق ِ
رآن، كيف َ ْ ُ َ َ ل ِ ْح َي َت ُه ،وبل األَ ْر َض؛ َت ْع َل ْم َ
ظات وم ٍ
عان و َأ ْخ ٍ
بار! فيه مِن ِعب ٍر و ِع ٍ
آن ،و َت ُفكره لِما ِ مع ال ُقر ِ
َ ْ َ َ َُ َ َ َ ْ
ان إِ َذا َمر بِآ َي ِة َر ْح َم ٍة؛
وع ْن ُح َذ ْي َف َة َ « ،أن النبِي َ صلىَ ،ف َك َ * َ
است ََج َارَ ،وإِ َذا َمر بِآ َي ٍة فِ َيها َتن ِْزي ٌه هللِ؛ َسب َح»(.)1
اب؛ َْس َأ َلَ ،وإِ َذا َمر بِآ َي ِة َع َذ ٍ
اجةََ ،قا َل ْتَ :س ِم ْع ُت َأ َبا َذ ٍّر َ ،ي ُق ُ
ولَ « :قا َم ِ
وع ْن َج ْس َر َة بِنْت َد َج َ * َ
النبِي بِآ َي ٍة َحتى َأ ْص َب َح ُي َر ِّد ُد َها َو ْاآل َي ُة{ :إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُ ْم
) (1أخرجه ابن ماجه ،باب ما جاء يف القراءة يف صالة الليل ،429/1 :رقم:
( ،)1351وصححه األلباين.
) (2المائدة.118 :
) (3أخرجه ابن ماجه ،باب ما جاء يف القراءة يف صالة الليل ،429/1 :رقم:
( ،)1350وحسنه األلباين.
51 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
فيجيب كَماَ القيا َم ِة عن ُأمتِ ِه؛ ون َعن ُأم ِم ِهم؛ َف َأ ْش َف َق مِن َأ ْن يس َأ َل يوم ِ
َ ْ ُْ النبي َ ْ َ ْ
ِ
يسى ! جاب ع َ َأ َ
* وأما حاله عند سماع القرآن من غيره؛ فعن َعب ِد اهللِ ب ِن مسعودٍ
ْ َ ْ ُ َ ْ ْ
ول اهللِ :ا ْق َر ْأ َع َليَ ،ق َالُ :ق ْل ُتَ :أ ْق َر ُأ َع َل ْي َك َو َع َليْ َك َ ،ق َالَ « :ق َال َر ُس ُ
ت الن َِّسا َء َحتى إِ َذا ُأن ِْز َل؟! َق َال :إِنِّي َأ ْشت َِهي َأ ْن َأ ْس َم َع ُه مِ ْن َغ ْي ِريَ ،ق َالَ :ف َق َر ْأ ُ
َب َل ْغ ُت{ :فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ،وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُالَءِ شَهِيدًا}(َ ،)1ق َال
ان»(.)2 لِيُ :كفَ ،أو َأم ِس ْكَ ،فر َأي ُت َعي َني ِه َت ْذ ِر َف ِ
ْ ْ َ ْ ْ ْ
ابن مسعودٍ َ « :ر َف ْع ُت َر ْأ ِسيَ ،أ ْو َغ َم َزنِي قال ُ لمسلمَ : ٍ ٍ
رواية ويف
َر ُج ٌل إِ َلى َجنْبِي؛ َف َر َف ْع ُت َر ْأ ِسي َف َر َأ ْي ُت ُد ُمو َع ُه َت ِس ُيل»(.)3
والسر فِي ُب َكائِ ِه ِ عنْدَ سما ِع َه ِذ ِه اآل َي ِة؛ ُه َو أن النبِي َ ت َفك َر َما يف ِّ
ون مِ ْن َشها َدتِ ِه ع َلى ُأمتِ ِه؛ َف َأ ْش َف َق ع َلى ُأمتِ ِه مِ ْن َأ ْن َي ْأتِ َي هذ ِه اآل َي ِة ،وما َس َي ُك ُ
ِ
القيا َم ِة!
عليهم يوم ِ
َش ِهيدً ا ِ ْ َ
) (1الخدين ،والخدن :الصديق ،والصاحبَ ،وجمع خدين :خدناءَ ،وجمع خدن:
أخدان ،انظر :جمهرة اللغة ،البن دريد ،581/1 :والنهاية يف غريب الحديث واألثر،
البن األثير.15/2 :
( )2معرفة الصحابة ،ألبي نعيم ،71/1 :وتاريخ دمشق ،البن عساكر.233/39 :
53 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ف فِي ِحج ِر ِه؛ فعن َأبِي س ٍ ِ ِ
عيد َ َ ْ ْ * و َل َقدْ ُقت َل يو َم ُقت َل ُ
والم ْص َح ُ
ف بين ِ
يديه، ُ َم ْو َلى َأبِي ُأ َس ْي ٍدَ ،
الم ْص َح َ َ البابَ ،و َو َض َع ُ
َ عثمان فتح
قالَ « :
فخرج و َت َر َك ُهُ ،ثم
َ كتاب اهللِ تعالى،
ُ وقال بينِي وبين ََك عليه َر ُج ٌلَ ، َفدَ َخ َل ِ
ِ
بالسيف، فقال :بينِي وبين ََك كتاب اهللِ تعالى ،ف َأ ْهوى ِ
إليه آخ ُرَ ، د َخ َل ِ
عليه َ
َ ُ َ
فقال :أما واهللِ ِ ِ
فاتقا ُه بيدهَ ،ف َق َط َعهاَ ،فال َأ ْد ِري َأ َبانَها أ ْم َق َط َعها ،و َل ْم ُيبِنْهاَ َ ،
الم َفصل(.)1(»)1 ِ إِنها ألَو ُل ك ٍّ
َف َخطت ُ
ِ
القرآن ثالث َة أقسامٍ: اص َط َل َح العلما ُء عَ َلى َت ْق ِ
سيم ( )1خطت :كتبت القرآن المفصلْ ،
وس ِّم َي ْت مائة ٍ
آية أو ُت ِ ون :وهي السور التِي تزيدُ آيا ُتها َع َلى ِ األو ُلِ :
الم ُئ َ
قار ُبهاُ . ُ َ
المائة ٍ
آية. ِ بــ(المئون)؛ ألن آياتِها تزيدُ ع َلى
ِ
ع َلى َي ِد ِه؛ َف َو َق َع ْت ع َلى قول ِ ِه تعا َلى{ :فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(،)3
ِ ٍ ِ
الم َفص ِل»(.)4 فقال :واهلل إِنها ألَو ُل َيد َخطت ُ َف َمد يدَ َهَ ،
س ا ْل َعدَ ِوي ِةَ ،قا َل ْتَ « :خ َر ْج ُت َم َع َعائِ َش َة - ْت َق ْي ٍوعن َعمر َة بِن ِ
* َ ْ َْ
ان إِ َلى َمكةََ ،ف َم َر ْرنَا بِا ْل َم ِدين َِةَ ،ف َر َأ ْينَا اهللَ -سنَ َة ُقتِ َل ُع ْث َم ُ ِ
َرح َم َها ُ
ت مِ ْن َدمِ ِه ف ال ِذي ُقتِ َل َو ُه َو فِي ِح ْج ِر ِهَ ،ف َكان َْت َأو ُل َق ْط َرةٍ ُقطِ َر ْ ا ْل ُم ْص َح َ
َع َلى َه ِذ ِه ْاآل َي ِة{ :فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(َ ،)5قا َل ْت َع ْم َر ُةَ :ف َما
ات مِن ُْه ْم(َ )6ر ُج ٌل َس ِو ًّيا»(.)1
َم َ
العرفان يف علوم القرآن ،للز ْرقاين ،352/1 :واإلتقان يف علوم القرآن ،للسيوطي:
،222/1وانظر :موسوعة الفقه اإلسالمي ،للتويجري.457/2 :
( )1تاريخ دمشق ،البن عساكر.411/39 :
الم ِدين َِة مِ ْن مِ ْص َر؛ حيث استجاب أهل الفتنة ِ ِ ِ ِ
ونَ :أ ْه ُل الف ْتنَة مم ْن َوفدَ إِ َلى َ
(ِ )2
الم ْص ِري َ
من مصر لدعوة عبد اهلل بن سبأ للثورة على عثمان .
( )3البقرة.137 :
( )4تاريخ دمشق ،البن عساكر.414/39 :
( )5البقرة.137 :
( )6منهم :يعني من َق َت َل ِة عثمان .
55 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ار ُئ ا ْل ُم َلق ُنَ ،وا ْل ُغ َال ُم ا ْل ُم َع ِّل ُمَ ،وا ْل َف ِقي ُه ا ْل ُم َفه ُم»()2؛ َف َع ْن
ين ،ا ْل َق ِ
ا ْل ُم َع ِّم ِر َ
رسول اهللِ
ِ قالَ « :أو ُل من جهر بال ُقر ِ
آن بِ َمك َة بعدَ بن الزبي ِرَ ،عن ِ
ْ َ ْ َ ََ أبيهَ ، ْ ُع ْر َو َة ِ َ ْ
عبدُ اهللِ بن مس ٍ
عود .)3(» ُ َ ْ
ِ
بالقرآن كان أو ُل َم ْن َأ ْف َشى
قالَ « : ِ
الرحمنَ ، بن ِ
عبد ِ
القاس ِم ِ وع ِن* َ
بن مسعودٍ .)4(» ِ ِ ِ بِ َمك َة مِ ْن فِ ِّي
رسول اهلل عبدُ اهلل ُ
كتاب اهللِ تعا َلى َع ْن َظ ْه ِرِ قالَ « :أو ُل َم ْن قر َأ آي ًة مِ ْن وع ْن َعلِي َ ،
ٍّ * َ
ِ ِ ِ ()1
مسعود .)2(» بنَق ْلبِه عبدُ اهلل ُ
َان َأو َل من جهر بِا ْل ُقر ِ
آن يهَ ،ق َال« :ك َ وعن ُعرو َة ب ِن الزبي ِرَ ،عن َأبِ ِ
ْ َ ْ َ ََ ْ َْ * َ ْ ْ َ ْ
ول اهللِ ، اب رس ِ
اجت ََم َع َي ْو ًما َأ ْص َح ُ َ ُ
ٍ
ول اهلل ا ْب ُن َم ْس ُعودْ ،
بِمك َة بعدَ رس ِ ِ
َ َْ َ ُ
آن ُي ْج َه ُر َل َها بِ ِه َقطَ ،ف َم ْن َر ُج ٌل َف َقا ُلواَ :واهللِ َما َس ِم َع ْت ُق َر ْي ٌش َه َذا ا ْل ُق ْر َ
ِ
اه ْم َع َليْ َك، ُي ْس ِم ُع ُه ْم؟ َف َق َال َع ْبدُ اهلل ْب ُن َم ْس ُعودٍ َ :أنَاَ ،ف َقا ُلوا :إِنا ن َْخ َش ُ
إِن َما ُن ِريدُ َر ُج ًال َل ُه َع ِش َيرةٌ؛ َت ْمنَ ُع ُه مِ َن ا ْل َق ْو ِم إِ ْن َأ َرا ُدو ُه(َ ،)3ف َق َالَ :د ُعونِي،
اهلل َس َي ْمنَ ُعنِيَ ،ف َغدَ ا َع ْبدُ اهللِ َ حتى َأ َتى ا ْل َم َقا َم فِي الض َحىَ ،و ُق َر ْي ٌش
َفإِن َ
فِي َأن ِْد َيتِ َهاَ ،حتى َقا َم ِعنْدَ ا ْل َم َقامَِ ،ف َق َال َرافِ ًعا َص ْو َت ُه{ :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ ِن
(َ )1ع ْن َظ ْه ِر َق ْلبِ ِه ،أي :قرأ من حفظه ،حف ًظا قو ًيا متقنًا ،انظر :معجم اللغة العربية
المعاصرة ،ألحمد عمر.523/1 :
( )2تاريخ دمشق ،البن عساكر.75/33 :
( )3أرادوه :يعني أرادوه بسوء :من ضرب أو قتل أو أذية.
( )4الرحمن.2،1 :
57 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ول ا ْب ُن ُأ ِّم َع ْب ٍد()1؟ ُثم َقا ُلوا :إِن ُه َل َي ْت ُلو َب ْع َض َما َجا َء بِ ِه ُم َحمدٌ ؛
ونَ :ما َي ُق ُ
َي ُقو ُل َ
ِ ِ َف َقامواَ ،فجع ُلوا ي ْض ِرب َ ِ
ون في َو ْج ِههَ ،و َج َع َل َي ْق َر ُأَ ،حتى َب َل َغ من َْها َما َشا َء ُ
اهلل َ َ َ ُ ُ
ف إِ َلى َأ ْص َحابِ ِه َو َقدْ َأث ُروا بِ َو ْج ٍه؛ َف َقا ُلواَ :ه َذا ال ِذي َأ ْن َي ْب ُل َغُ ،ثم ان َْص َر َ
اآلنَ ،و َلئِ ْنَان َأ ْعدَ ا ُء اهللِ َقط َأ ْه َو َن َع َلي مِن ُْه ُم َ َخ ِشينَا َع َليْ َكَ ،ف َق َالَ :ما ك َ
ون»(.)2 ِش ْئ ُت ْم َغا َد ْي ُت ُه ْم بِ ِم ْثلِ َها َغدً ا؟ َق َالَ :ح ْسبُ َكَ ،قدْ َأ ْس َم ْع َت ُه ْم َما َي ْك َر ُه َ
ول اهللِ َ و َأنَا َم َع ُه َو َأ ُبو اب َ ،ق َالَ « :مر َر ُس ُ وع ْن ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخط ِ * َ
ود َ ،و ُه َو َي ْق َر ُأَ ،ف َقا َم َفت ََسم َع قِ َرا َء َت ُهُ ،ثم ب ْك ٍر َ ،ع َلى َعب ِد اهللِ ب ِن مسع ٍ
ْ َ ْ ُ ْ َ
ول اهللِ َ :س ْل ُت ْع َط ْهَ ،س ْل َرك ََع َع ْبدُ اهللِ َ ،و َس َجدَ َ ،ق َالَ :ف َق َال َر ُس ُ
ول اهللِ َ و َق َالَ :م ْن َسر ُه َأ ْن َي ْق َر َأ ا ْل ُق ْر َ
آن َغ ًّضا ُت ْع َط ْهَ ،ق َالُ :ثم َم َضى َر ُس ُ
كَما ُأن ِْز َلَ ،ف ْلي ْقر ْأه مِن اب ِن ُأم َعب ٍدَ .ق َالَ :ف َأد َلج ُت( )3إِ َلى َعب ِد اهللِ ب ِن مسعودٍ
ْ َ ْ ُ ْ ْ ْ َ َ ُ َ ْ ِّ ْ َ
اب َ -أ ْو َق َال : ؛ ِألُب ِّشره بِما َق َال رس ُ ِ
ول اهلل َ ،ق َال َ :ف َلما َض َر ْب ُت ا ْل َب َ َ ُ َ َُ َ
( )1ابن أم عبد :عبد اهلل بن مسعود ،كان يعرف بذلك؛ ِألَن أمه أم عبد بنت ِ
عبد ُو ِّد بن َ ْ ُ ْ
َس َواء ،انظر :عمدة القاري شرح صحيح البخاري ،لبدر الدين العيني.237/16 :
( )2أسد الغابة ،البن األثير.381/3 :
إدالجا إِذا َس ُاروا الل ْيل ُكله فهم ُمدْ ل ِ ُج َ
ون، ً ( )3اإلدالج :سير ال ّليلَ ،أ ْد َل َج ا ْل َق ْوم
مبكرا بالليل ،انظر :هتذيب اللغة ،لألزهري.345/10 :
والمقصود هنا أن ذهب إليه ً
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 58
اعةَ؟ ُق ْل ُتِ :ج ْئ ُت ِألُ َب ِّش َر َك َلما َس ِم َع َص ْوتِيَ ،-ق َالَ :ما َجا َء بِ َك َه ِذ ِه الس َ
اقول اهللِ َ .ق َالَ :قدْ َس َب َق َك َأ ُبو َب ْك ٍرُ .ق ْل ُت :إِ ْن َي ْف َع ْل َفإِن ُه َسب ٌ بِ َما َق َال َر ُس ُ
اس َتـ َب ْقنَا َخ ْي ًرا َقط إِال َس َب َقنَا إِ َل ْي َها َأ ُبو َب ْك ٍر»(.)1 ِ
بِا ْل َخ ْي َراتَ ،ما ْ
ود َ « :واهللِ ال ِذي َال إِ َل َه وقَ ،ق َالَ :ق َال َعبدُ اهللِ بن مسع ٍ
ْ ُ َ ْ ُ ْ وع ْن مسر ٍ
* َ َ ْ ُ
َاب اهللِ تعالى إِال َأنَا َأ ْع َل ُم َأ ْي َن ُأن ِْز َل ْتَ ،و َال
ور ٌة مِ ْن كِت ِ
َغ ْي ُر ُهَ ،ما ُأن ِْز َل ْت ُس َ
يم ُأن ِْز َل ْتَ ،و َل ْو َأ ْع َل ُم َأ َحدً ا َأ ْع َل َم مِنِّي ِ ُأن ِْز َلت آي ٌة مِن كِت ِ ِ
َاب اهلل إِال َأنَا َأ ْع َل ُم ف َ ْ َ ْ
اإلبِ ُل؛ َل َركِبْ ُت إِ َل ْي ِه»(.)2
يه ْ َِاب اهللِ ُتب ِّل ُغن ِ ِ
بِكِت ِ
َ
ف ود َ ،ق َال« :ينْب ِغي لِحامِ ِل ا ْل ُقر ِ
آن َأ ْن ُي ْع َر َ وعن َعب ِد اهللِ ب ِن مسع ٍ
ْ َ َ َ ْ َ ْ ُ * َ ْ ْ
ِِ اس ُم ْفطِ ُر َ ون ،وبِنَه ِ ِ ِ ِ
اس ون ،وبِ ُح ْزنه إِ َذا الن ُ اره إِ َذا الن ُ اس نَائ ُم َ َ َ بِ َل ْيلِه إِ َذا الن ُ
اس ُي ْخطِ ُئ َ
ون، ِِ
ون ،وبِ َص ْمته إِ َذا الن ُ اس َي ْض َح ُك َ ِِ
ونَ ،وبِ ُب َكائه إِ َذا الن ُ َي ْف َر ُح َ
ون َباكِ ًيا ون ،وينْب ِغي لِحامِ ِل ا ْل ُقر ِ
آن َأ ْن َي ُك َ ْ َ اس َي ْختَا ُل َ َ َ َ
ِِ
َوبِ ُخ ُشوعه إِ َذا الن ُ
( )1أخرجه أحمد يف مسنده ،مسند عمر بن الخطاب ،372/1 :رقم)265( :
وصححه شعيب األرنؤوط.
اب ال ُقر ِاء مِ ْن َأ ْص َح ِ
اب النبِ ِّي ،187/6 :رقم: ( )2أخرجه البخاري يف صحيحهَ ،ب ُ
(.)5002
59 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
( )1حلية األولياء وطبقات األصفياء ،ألبي نعيم ،130/1 :وصفة الصفوة ،البن
الجوزي.156/1 :
( )2أخرجه ابن أبي شيبة يف مصنفه ،باب يف قراءة القرآن ،256/2 :رقم،)8733( :
ٍ
رواية يف اب َت ْرتِي ِل ا ْل ِق َرا َء ِة ،20/3 :رقم ،)4716( :ويفوالبيهقي يف السنن الكربىَ ،ب ُ
ب ا ْل ُقر ِِ ِ ٍ
آنَ ،و َفزِّ ُعوا عَن ا ْب ِن َم ْس ُعود َ ،أن ُه َق َال« :ق ُفوا عَ َلى عَ َجائ ِ ْ
اآلثار ألبي يوسفِ :
آنَ ،ق َال ُأ َب ٌّي: ب َ « :أ َم َرنِي َر ِّبي َأ ْن َأ ْق َر َأ َع َليْ َك ا ْل ُق ْر َ َق َال ِألُ َبي ْب ِن َك ْع ٍ
ِّ
َأ َو َسمانِي َل َك؟ َق َالَ :ن َع ْم؛ َف َب َكى ُأ َب ٌّي» .
()1
وع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َر َباحٍ َ ،ع ْن ُأ َب ٍّيَ :أن النبِي َ س َأ َل ُهَ « :أي آ َي ٍة فِي * َ
اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُمَ ،ف َرد َد َها مِ َر ًاراُ ،ثم َق َال ُأ َب ٌّي :آ َي ُة كِت ِ ِ
َاب اهلل َأ ْع َظ ُم؟» َق َالُ :
ا ْل ُك ْر ِس ِّي؛ َق َال« :ل ِ َي ْهن ِ َك ا ْل ِع ْل ُم َأ َبا ا ْل ُمن ِْذ ِرَ ،وال ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه إِن َل َها ل ِ َسانًا
ش»(.)2 اق ا ْل َع ْر َِو َش َف َت ْي ِنُ ،ت َقدِّ ُس ا ْلملِ َك ِعنْدَ س ِ
َ َ
ِ
ب« ،أن ُه َ
كان بن َك ْع ٍ بَ ،ع ْن ُأ َبي ِ
ِّ وع ْن َأبِي قال َبةََ ،ع ْن َأبِي ُ
الم َهل ِ * َ
تميم الداري َي ْختِ ُم ُه فِي َس ْب ٍع»(.)3 وكان ٌ َ مان ٍ
ليال، القرآن فِي َث ِ َ َي ْختِ ُم
الو ِصيةَ؛ ف َع ْن َأبِي ِ آن َو ِصي َة َك ْع ٍ
ب ل َم ْن َس َأ َل ُه َ كان ال ُق ْر ُ * و َل َقدْ َ
خ ْذ كِتَاب اهللِ بَ :أو ِصنِيَ ،ق َال :ات ِ ِ ِ ِ
َ ا ْل َعال َية َق َالَ « :ق َال َر ُج ٌل ألُ َب ِّي ْب ِن َك ْع ٍ ْ
ف فِي ُك ْم َر ُسو َل ُك ْم است َْخ َل َ ِ ِ ِ
تعالى إِ َما ًماَ ،و ْار َض بِه َقاض ًيا َو َح َك ًماَ ،فإِن ُه الذي ْ
( )1أخرجه أحمد يف مسنده ،مسند أنس بن مالك ،395/19 :رقم،)12403( :
وصححه شعيب األرنؤوط.
( )2أخرجه أحمد يف مسنده ،حديث المشايخ عن أبي بن كعب ،200/35 :
رقم ،)21278( :وصححه شعيب األرنؤوط.
( )3تاريخ دمشق ،البن عساكر.74/11 :
61 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
ت َع َليْ َك َج َسدَ َك؛ َف ُقطِ َع ْت َساقِ ِهَ ،ف َق َال َل ُه ا ْل َولِيدُ :ا ْق َط ْع َها َوإِال َأ ْف َسدَ ْ
ار َو ُه َو َش ْي ٌخ َكبِ ٌيرَ ،ف َل ْم ُي ْم ِس ْك ُه َأ َحدٌ َ ،و َق َالَ :ل َقدْ َل ِقينَا مِ ْن َس َف ِرنَا َه َذا
بِا ْل ِمن َْش ِ
ن ََص ًبا»(.)1
يد ب ِن َعب ِد ا ْلملِ ِ ِ ِ * َ ِ
ك، وع ْن ه َشا ِم ْب ِن ُع ْر َوةََ ،ق َالَ « :خ َر َج َأبِي إِ َلى ا ْل َول ْ ْ َ
َف َو َق َع فِي ِر ْجلِ ِه ْاألَكِ َل ُةَ ،ف َق َال َل ُه ا ْل َولِيدُ َ :يا َأ َبا َع ْب ِد اهللِ َأ َرى َل َك َق ْط َع َهاَ ،ق َال:
َف ُقطِ َعَ ،وإِن ُه َل َصائِ ٌم؛ َف َما َت َضو َر(َ )2و ْج ُه ُهَ ،ق َالَ :و َد َخ َل ا ْب ٌن َل ُه َأ ْكبَ ُر َو َل ِد ِه
اب َف َر َف َس ْت ُه َداب ُت ُهَ ،ف َق َت َل ْت ُه َف َما ُس ِم َع مِ ْن َأبِي فِي َذل ِ َك َش ْي ٌء اص َط ْب َل الد َو ِّْ
تو ِ َان لِي َأ ْط َر ٌ
اللهم إِن ُه ك َ ِ ِ
احدً ا، اف َأ ْر َب َعةٌَ ،ف َأ َخ ْذ َ َ َحتى َقد َم ا ْل َمدينَةََ ،ف َق َالُ :
ون َأربعةٌَ ،ف َأ َخ ْذ َت و ِ و َأب َقي َت َث َال َثةً؛ َف َل َك ا ْلحمدُ ،وك َ ِ
احدً ا، َ َان لي َبنُ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ ْ
َو َأ ْب َق ْي َت لِي َث َال َثةً؛ َف َل َك ا ْل َح ْمدُ َ ،وا ْي ُم اهللِ َلئِ ْن َأ َخ ْذ َتَ ،ل َقدْ َأ ْب َق ْي َتَ ،و َلئِ ْن
َأ ْب َل ْي َتَ ،طا َل َما َعا َف ْي َت»(.)3
وع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن ُم َحم ِد ْب ِن ُع َب ْي ٍد ،قالَ « :ل ْم َيت ُْر ْك ُع ْر َو ُة ْب ُن الز َب ْي ِر
* َ
ات َم ْع ِن ْب ِن ِورده إِال فِي اللي َل ِة التِي ُقطِع ْت فِيها ِرج ُلهَ ،ق َال :و َتمث َل بِ َأبي ِ
َْ َ َ َ ْ ُ َ ْ ْ َُ
َأ ْو ٍ
س:
اح َش ٍة ِر ْجـ ِلــيت َكـ ِّفي لِرِيــبــ ٍة *** و ََل حم َلتْن ِــي نَحو َف ِ
ْ َ َ َ َ َ َل َع ْم ُر َك َما َأ ْهـ َو ْي ُ
َو ََل َقا َدنِي َس ْم ِعي َو ََل َب َصرِي َلـ َها *** َو ََل َد َّلن ِــي َر ْأيِــي َع َل ْيــ َها َو ََل َع ْق ِلي
ِ ()1
ت َفتًى َقبْلي اع َل ْم َأنِّي َل ْم ت ُِص ْبني ُم ِصي َبــة *** ِم َن الدَّ ْهرِ إِ ََّل َقدْ َأ َصا َب َْو ْ
ت ال ُبنَانِي َ
قالَ :ذ َه ْب ُت ُأ َل ِّق ُن قالَ « :أ ْخبرنا محمدُ بن ثابِ ٍ
ُ ََ ُ َ وع ْن َج ْع َف ٍرَ ،
* َ
تَ ،ف ُق ْل ُت :يا َأب َِأبِي و ُهو فِي المو ِ
فقال :يا ُبنَي اهلل)َ ، (ال إِل َه إِال ُ تُ ،ق ْلَ : َ َ َْ َ َ
س َأ ِو السابِ ِع»(.)1اد َِخ ِّل َعنِّي؛ َفإِنِّي فِي ِور ِدي الس ِ
ْ
ض َ م َع القُرْآنِ
ضيْلِ بنِ عِيا ٍ
السابع :مَشاهِ ُد ال ُف َ
حب هللِ تعا َلى ،التالِي اهدُ العابِدُ الو ِرع ،الم ِ
َ ُ ُ
و َهذا عابِدُ الحرمي ِن ،الز ِ
ََ َْ َ
إبراهيم ،قال« :كَان َْت قِ َرا َءة ال ُف َض ْي ِل َح ِزينَ ًة َ إسحاق ِ
بن َ لِكِتابِ ِه ؛ ف َع ْن
َان إِ َذا َمر بِآ َي ٍة فِ َيها ِذك ُْر ا ْل َجن ِة؛
ب إِن َْسا ًناَ ،وك َ ِ ِ
َش ِهي ًة َبطي َئ ًة ُمت ََر ِّس َل ًةَ ،ك َأن ُه ُي َخاط ُ
ج ِد ِه
َترد َد فِ َيها َوس َأ َلَ .وكَان َْت َص َال ُت ُه بِالل ْيلُِ ،ت ْل َقى َل ُه َح ِصير فِي مس ِ
َ ْ ٌ َ َ
اع ًة َحتى َت ْغلِ َب ُه َع ْينُ ُهَ ،ف ُي ْل ِقي َن ْف َس ُه َع َلى ا ْل َح ِص ِير،
َف ُي َص ِّلي مِ ْن َأو ِل الليْ ِل َس َ
َف َينَا ُم َقلِ ًيالُ ،ثم َي ُقو ُمَ ،فإِ َذا َغ َل َب ُه الن ْو ُم ،نَا َم ُثم َي ُقو ُمَ ،ه َك َذا َحتى ُي ْصبِ َح،
ون َه َك َذا»(.)2ان َد ْأ ُب ُه إِ َذا َن َع َس َأ ْن َينَا َمَ ،و ُي َق ُالَ :أ َشد ا ْل ِع َبا َد ِة َما َي ُك ُ
َو َك َ
ول: وع ْن َع ْب ِد الص َم ِد ْب ِن َي ِزيدَ َم ْر َد َو ْي ِهَ ،ق َالَ « :س ِم ْع ُت ا ْل ُف َضيْ َلَ ،ي ُق ُ* َ
اإل ْس َال ِم؛ َال َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َي ْل ُغ َو َم َع َم ْن َي ْل ُغوَ ،و َال
آن َحامِ ُل را َي ِة ْ ِ
َ
حامِ ُل ا ْل ُقر ِ
ْ َ
وكان َص ِّيتًا؛ َف ُق ْلنا َل ُه اقرأ{ :أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}(َ ،)3و َر َفع بِ َها َص ْو َت ُه،
َ ُم َؤ ِّذ ٌن،
ف َع َل ْينا ال ُف َض ْي ُلَ ،و َقدْ َب َكى َحتى َبل ل ِ ْح َي َت ُه بالدموعِ ،و َم َع ُه ِخ ْر َق ٌة َف َأ ْش َر َ
موع مِ ْن َعيْنَ ْي ِه ،و َأن َْش َأ َي ُق ُ
ول: ف بِ َها الد َ ُين َِّش ُ
ين َأ ْو ُحـزْ ُتــهـا *** َف َمــا َذا ُأؤَ ِّمـ ُل ْأو َأ ْن َتــظِـ ْر؟ َب َلغ ُ
ْت ال َّثمانـ َ
مانين َما ُينْ َتـ َظ ْر؟ ِِ َأ َتـى لِـي َثمان َ ِ
ُون م ْن َم ْولدي *** و َب َعدَ ال َّث َ َ
وكان َم َعنَا َعلِي ُ
بن َخ ْش َرمٍَ ،ف َأ َتم ُه َلنَا َف َق َال: َ َ
قالُ :ثم َخنَ َق ْت ُه ال َع ْب َر ُة.
()1
ت ِع َظ ِامي َوك ََّل البَ َصــ ْر ون َفــ َأ ْبل َينَن ِــي *** َف َر َّق ْ الســـنــ َ ِ
َع َلتْنــي ِّ
ض َ معَ القُرْآنِ
ضيْ ِل بنِ عِيا ٍ
ِي ب ِن ال ُف َ
الثامن :مَشاهِدُ َعل ِّ
حب هللِ ياض ،العابِدُ ال َقانِ ُت ،الم ِ بن ِع ٍ
ُ َو َهذا َعلِي ُ
بن ال ُف َض ْي ِل ِ
بن ِع ٍ
ياض ال َعابِدُ ، بن ال ُف َض ْي ِل ِ ابن ِحب َ
انَ « :علِ ٌّي ُ قال ُ آن؛ َ تيل ال ُقر ِ
ْ تعا َلىَ ،ق ُ
مات َقب َل ِ ِ ِ بيه فِي َ ِ كان ي َقدم ع َلى َأ ِ كان مِن َ ِ
أبيه، الخ ْوف والعبا َدةْ َ ، فينُ ُ َ ، الخائ َ َ َ
آن فِي مِ ْحرابِ ِه؛ َف َأ ْص َب َح َم ِّيتًا فِي ب َم ْوتِ ِه َأن ُه َ
بات َي ْت ُلو ال ُق ْر َ َ
وكان َس َب ُ
مِ ْحرابِ ِه»(.)2
ين َم َع َعلِ ِّي ْب ِن ِ ِ
وع ْن ُم َحمد ْب ِن بِ ْش ٍر ا ْل َم ِّك ِّيَ ،ق َالُ « :كنا َي ْو ًما َماض َ * َ
ِ س بنِي ا ْلح ِ ِ ِ
ان ارث ا ْل َم ْخ ُزوم ِّيَ ،و ُم َع ِّل ٍم ُي َع ِّل ُم ِّ
الص ْب َي َ َ ا ْل ُف َض ْيلَِ ،ف َم َر ْرنَا بِ َم ْجل ِ َ
َق َالَ :و َي ْق َر ُأ{ :لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}(،)1
َف َش ِه َق ا ْب ُن ُف َض ْي ٍل َش ْه َق ًة؛ َخر َم ْغ ِش ًّيا َع َل ْي ِهَ ،ف َجا َء ا ْل ُف َض ْي ُلَ ،ف َق َال :بِ َأبِي َقتِ َيل
آنُ ،ثم ُح ِم َلَ ،ف َحد َثنِي َب ْع ُض َم ْن َح َم َل ُهَ ،أن ا ْل ُف َض ْي َل َأ ْخ َب َر ُهَ ،أن َعلِ ًّيا ا ْل ُقر ِ
ْ
ا ْبنَ ُه َل ْم ُي َص ِّل َذل ِ َك ا ْليَ ْو َم الظ ْه َرَ ،و َال ا ْل َع ْص َرَ ،و َال ا ْل َم ْغ ِر َبَ ،و َال ا ْل ِع َشا َء،
اق»(.)2 ف الل ْي ِل َأ َف َ َان فِي جو ِ َف َلما ك َ
َ ْ
اض ما سبب مو ِ ِ ِ ِ ٍ
ت وع ْن َج ْع َف ِر ْب ِن ُم َحمدَ ،ق َال :ق َيل ل ُف َضيْ ِل ْب ِن ع َي ٍ َ َ َ ُ َ ْ * َ
آن َف َأ ْص َب َح فِي مِ ْح َرابِ ِه َم ِّيتًا»(.)3
ات َي ْت ُلو ا ْل ُق ْر َ ا ْبن ِ َك َعلِ ٍّي؟ َق َالَ « :ب َ
اب تَ ،ما َأ ْح َلى ك ََال َم َأ ْص َح ِ يه« :يا َأب ِ * و َق َال َعلِي بن ا ْل ُف َضي ِل ِألَبِ ِ
َ ْ ْ ُ
تَ ،ق َالِ :ألَن ُه ْم محم ٍد َ ،ق َال :يا بنَي ،و َتدْ ِري لِم ح َال؟ َق َالَ :ال يا َأب ِ
َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ
ِ
َأ َرا ُدوا بِه َ
اهلل َت َب َار َك َو َت َعا َلى»(.)4
عليه»(.)2 ُك ِّل جمع ٍة ،وربما َفر ْشنَا َلهَ ،ف َلم ينَم ِ
ُ ْ َ ْ َ ُ ُ ُ َ
( )1يعني َي ْست َِقل َن ْف َس ُه ،ويستحقر عملها؛ مما يرى من اجتهاد ابن محيريز.
( )2سير أعالم النبالء ،للذهبي.495/4 :
( )3معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار ،للذهبي.29/1 :
69 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
احلادي عشر :مَشاهِدُ قَتَا َدةَ بنِ دَعامَةَ السَّدُوسِيِّ مَعَ القُرْآنِ
الو ِة كِتَابِ ِه؛ِِ ِ ِ َو َه َذا العابِدُ ال َقانِ ُت ،ال َق ِ
المحب هلل َتعا َلى ،ولت َ ار ُئ العابِدُ ُ ،
كان َقتَا َد ُة
قالَ « : بن َأبِي ُمطيعٍَ ، وسي ؛ َف َع ْن َسال ِم ِ ِ
بن َدعا َم َة السدُ ٌّ َقتَا َد ُة ُ
ٍ
ثالثَ ،فإِ َذا جا َء ضانَ ،خت ََم فِي ُك ِّلآن فِي َس ْبعٍ ،وإِ َذا جا َء َر َم َ يختِ ُم ال ُق ْر َ
ال َع ْش ُرَ ،خت ََم ُكل لي َل ٍة»(.)1
ت َ م َع القُرْآنِ
الثاني عشر :مَشاهِدُ َحمْ َز َة الزَّيَّا ِ
الم ْق ِر ُئَ ،ح ْم َز ُة حب هللِ تعا َلى ،ال َق ِ
ار ُئ ُ
وهذا العابِدُ الو ِرع ال َقانِ ُت ،الم ِ
ُ َ ُ
تاب اهللِ تعالىَ ،قانِتًا هللِ ، كان إِما ًما َق ِّي ًما لِكِ ِ
ات ،قال الذ َهبِيَ « : الزي ُ
الذك ِْر ،عالِما بالح ِد ِ رفيع ِّ
يث»(.)2 َ ً الو َرعَِ ، َث َ
خين َ
قالَ « :ن َظر ُت فِي المصح ِ وع ْن َح ْم َزةََ ،
بأن َي ْذ َه َ
شيت ْ ف؛ حتى َخ ُ ُ ْ َ ْ * َ
ف ا ْب ِن الز َب ْي ِر».اء مصح ِ ِ ِ َب ِص ِريَ ،
وكان ُم ْص َح ُف ُه ع َلى ه َج ُ ْ َ
َ قال:
آن؛ حتى َي َت َفر َق كان َح ْم َز ُة ُي ْق ِر ُئ ال ُق ْر َ
وسىَ « : ِ * َ
بن ُم َ وقال عبدُ اهلل ُ
بين الظ ْه ِر وال َع ْص ِر، ٍ
اس ،ثم َين َْه ُضَ ،ف ُي َص ِّلي َأ ْربَ َع َركَعاتُ ،ثم ُي َص ِّلي ما َ
الن ُ
الثالث عشر :مَشاهِدُ أبي جَعْفَرٍ القَارِئِ ،يَزيدَ بنِ القَعْقا ِع
َ م َع القُرْآنِ
حب هللِ تعا َلى ،ولِكِتابِ ِه ال َع ِز ِيز ،أبو َج ْع َف ٍر ار ُئ ،الم ِ
ُ وهذا العابِدُ ال َق ِ
بن َأبِي اش ِبن َعي ِ عبد اهللِ ِ القرآن ،على مواله ِ
َْ ُ َ الذك ِْرَ ،ق َر َأ
رفيع ُِّ َم ْش ٌ
هور،
سوابن َعبا ٍ أيضا ع َلى َأبِي هرير َة ِ واح ٍدَ :ق َر َأ ً
وقال غير ِ
الم ْخزوم ِّيُ َ .
ِ
َربِي َع َة َ
ب َ ،و َصلى ِ
بابن ُع َم َر، بن َك ْع ٍاهلل َعنْهماَ ،ع ْن قِ َرا َءتِ ِه ْم ع َلى ُأ َبي ِ َرض َي ُ
ِ
ِّ
ِ
الحديث، وه َو ُ
قليل هلل َعنْهماُ ، وابن َعب ٍ ِ ث َع ْن َأبِي ُه َرير َة ِ وحد َ
اس َرض َي ا ُ َ
ِ
القرآن َد ْه ًرا»(.)2 إل ْق ِ
راء َت َصدى ِ
كان ُي ْق ِر ُئ فِي
أخ َب َرنِي َأ ُبو َج ْع َف ٍر َأن ُه َ بن ُم ْسلِ ٍمَ ،
قالْ « : سليمان ِ
َ وع ْن
* َ
ِّينَ .و َأ ْخ َب َرنِي َأن ُه َ
كان َي ْملِ ُك ٍ ِ ِ ِ ِ ج ِد
مس ِ
رسول اهلل َ ق ْب َل َسنَة ثالث َوست َ َ ْ
وكان مِن َأ ْقرأِ
َ ْ َ بن َأبِي َربِي َعةَ، اش ِ بن َعي ِعبد اهللِ ِ
ف على مواله ِ
َْ ُ الم ْص َح َ
ُ
ت عنْ ُه قِرا َء َت ُه ،و َأ ْخربَنِي أبو اس ،قالَ :و ُكن ُْت َأ َرى ُكل َما َي ْق َر ُأَ ،و َأ َخ ْذ ُ الن ِ
قال َش ْي َب ُة َ -
وكان َخ ْتنَ ُه ون بِ ِهَ ،ف َلم ُي ِ
ج ْب ُه ْمَ ، ج َلسائِ ِهَ ،ف َأكَبوا ِ
عليهَ ،ي ْص ُر ُخ َ ُ
ْ
ف َع ْن ع َلى ا ْبن َِة َأبِي َج ْع َف ٍرَ :-أ َال ُأري ُك ْم مِنْ ُه َع َج ًبا؟ قا ُلواَ :ب َلىَ ،ف َك َش َ
حاز ٍم وأصحابه :ه َذا واهللِ فقال َأ ُبو ِ دوار ٌة بيضا ُء مِثْ ُل الل َب ِنَ ، ِ
ُُ َ َصدْ ِره؛ َفإِذا َ
ليمانَ :ف َقا َل ْت لِي ُأم َو َل ِد ِه َب ْعدَ َما َ
مات َأ ُبو َج ْع َف ٍر :بعدَ َما ُ قال ُسآنَ . ُنور ال ُقر ِ
ُ ْ
ِ صار َذل ِ َك
عينيه»(.)1 البياض ُغر ًة َ
بين ُ مات َ َ
بين ن َْح ِر ِه إِ َلى
قال« :لما ُغ ِّسل َأ ُبو َج ْع َف ٍرَ ،ن َظ ُروا َما َ * َو َع ْن نافِعٍَ ،
حضره َأنه نور ال ُقر ِ ِ ِ ِِ
آن»(.)2 الم ْص َحفَ ،ف َما َشك َم ْن َ َ ُ ُ ُ ْ ُف َؤاده ك ََو َر َقة ُ
ش َ م َع القُرْآنِ
الرابع عشر :مَشاهِ ُد أَبِي بَكْ ِر بنِ عَيَّا ٍ
الم ْكثِ ُر،
ار ُئ ُ حب هللِ تعا َلى ،ال َق ِ اش ،العابِدُ الم ِ
ُ بن عي ٍ َ وهذا َأ ُبو َب ْك ِر ِ
ُ
يقول: قال َس ِم ْع ُت ُه بن حاتِ ٍمَ ، هارون ِ
َ تاب اهللِ َتعا َلى؛ َف َع ْنحب لِكِ ِ الم ِ
ُ
عاص ٍم، ات ع َلى ِ ثالث مر ٍ ٍ « ُولِدْ ُت َسنَ َة
َ َ َ
القرآن وتسعينَ ،و َق َرأَ خمس
( )1تاريخ دمشق ،البن عساكر ،360/65 :ومعرفة القراء الكبار على الطبقات
واألعصار ،للذهبي.42/1 :
( )2سير أعالم النبالء ،للذهبي ،288/5 :ومعرفة القراء الكبار على الطبقات
واألعصار ،للذهبي.42/1 :
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 74
س معَ القُرْآنِ
هلل ب ِن ِإ ْدرِي َ
اخلامس عشر :مَشاهِ ُد َعبْ ِد ا ِ
الم ْق ِر ُئ ،ال َقانِ ُت العابِدُ ،الت ِقي ار ُئ ُ حب هللِ َتعا َلى ،ال َق ِ وه َذا العبدُ الم ِ
َْ ُ َ
ِ ِ ِ َِ
الم ْق ِر ُئ،
قال الذ َهبِي« :اإل َما ُم ،الحاف ُظُ ، يس ؛ َ بن إِ ْد ِر َ الخفي ،عبدُ اهلل ُ
وقال َأ ُبو حاتِ ٍمُ :ه َو
شيخ اإلسالمَِ ،أ ُبو ُم َحم ٍد ،األَ ْو ِدي ،ال ُكوفِيَ ، ال ُقدْ َو ُةُ ،
وقيلَ :ل ْم َي ُك ْن بال ُكو َف ِة َأ َحدٌ َأ ْع َبدَ هللِ مِن مينَ ، الم ْسلِ َ
ِ ِ ِ
ُحجةٌ ،إِ َما ٌم م ْن َأئمة ُ
ابن َع َر َفةََ :ل ْم َأ َر بال ُكو َف ِة َأ ْف َض َل مِنْ ُه».
وقال ُ يسَ ، ا ْب ِن إِ ْد ِر َ
ُ
هارون قال لِي قالَ « : إبراهيمَ ،ع ِن الكِسائِيَ ،
ِّ َ إسحاق ِ
بن َ * َو َع ْن
ِ
قالُ :ثم َم ْن؟ ُق ْل ُت: يسَ ، بن إِ ْد ِر َ
اس؟ َف ُق ْل ُتَ :ع ْبدُ اهلل ُ الرشيدُ َ :م ْن َأ ْق َر ُأ الن ِ
آخ ُر». قالُ :ثم َم ْن؟ ُق ْل ُتَ :ر ُج ٌل َ الج ْع ِفيَ . ُثم ُح َس ْي ٌن ُ
الم ْو ُت؛ َب َك ْت
ريس َ بابن إِ ْد َ
قال« :لما ن ََز َل ِ سين ال َعنْ َق ِز ِّيَ ،
* َو َع ْن ُح ِ
السادس عشر :مَشاهِدُ يَحْيى بنِ وَثَّابٍ ا َألسَدِيِّ الكُوفِيِّ مَعَ القُرْآنِ
حب هللِ ار ُئ العابِدُ ،الم ِ اب األَ َس ِدي ال ُكوفِي ،ال َق ِ
بن َوث ٍ
ُ َ وهذا َي ْحيى ُ
راء؛ َفعن ِ
عاص ٍمَ ،
قال« :تعل َم واإل ْق ِ
بالقراء ِة ِ
ِ ِ تعا َلى ،الم ِ ِ
َ ْ َاب َر ِّبه َ َ الز ُم كت َ ُ
ارئًا»َ ،
وقال وكان واهللِ َق َِ عبيد ِ
بن نضي َلةَ ،آ َيةً ،آ َيةً، ِ اب مِ ْن
بن َوث ٍ يحيى ُ
كان ُم ْق ِر َئ ال ُكو َف ِة فِي َز َمانِ ِه».
اب َ بن َوث ٍ جرير الط َب ِريَ « :ي ْحيَى ُ
ٍ بن
ُم َحمدُ ُ
ثقضى الصالةََ ،م َك َ اب إِ َذا َ بن َوث ٍ كان َي ْح َيى ُ قالَ « : وع ِن األَ ْع َم ِ
شَ ، * َ
ِ ِ ما شاء اهلل تعالىَ ،تع ِر ُ ِ
وسىَ « :
كان ف فيه كآ َب َة الصالة» ،و َق َال ُع َب ْيدُ اهلل ُ
بن ُم َ ْ َ ُ
بال ع َلى ُت ٍ
راب». اب َأ ْق َر ُأ َم ْن َ
بن َوث ٍ األَ ْع َم ُش ُ
يقولَ :ي ْح َيى ُ
قر َأ َي ْح َيى ع َلى َع ْل َق َمةَ ،و َق َر َأ َع ْل َق َم ُةقالَ « : بن صالحٍ َ ، وع ْن َح َس ِن ِ * َ
عودَ ،ف َأي قِراء ْة َأ ْف َض ُل مِن ِ ابن مس ٍ
هذه؟». ْ َ ع َلى ِ َ ْ
اس قِ َرا َءةً،اب مِ ْن َأ ْح َس ِن الن ِ بن َوث ٍ كان َي ْحيى ُ قالَ « : شَ ، وع ِن األ ْع َم ِ * َ
وكان إِ َذا َق َر َأ؛ َل ْم ُي َحس فِي َ بيل َر ْأ ِس ِه ل ِ ُح ْس ِن قِ َرا َءتِ ِه،
وربما ْاشت ََه ْي ُت َت ْق َ
ُ
اآلخ َرةَ ،ينا ُم ن َْو َم ًة َخ ِفي َفةًُ ،ثم يقو ُم إِ َلى الصباحِ ُي َص ِّلي
العشاء ِ
َ
اع َة يص ِّلي ِ
َس َ ُ َ
و َيدْ ُعو»(.)1
( )1هتذيب الكمال يف أسماء الرجال ،للمزي ،459/1 :وسير أعالم النبالء،
للذهبي.215/11 :
( )2انظر :تاريخ بغداد ،للخطيب البغدادي ،385/5 :والبداية والنهاية ،البن كثير:
.336/10
( )3انظر :تاريخ بغداد ،للخطيب البغدادي ،385/5 :والبداية والنهاية ،البن كثير:
.336/10
81 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
( )1انظر :تاريخ بغداد ،للخطيب البغدادي ،386/5 :والبداية والنهاية ،البن كثير:
.336/10
( )2البداية والنهاية ،البن كثير.336/10 :
83 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
الثاني والعشرون :مَشْهَدُ أَ ْحمَدُ بنُ مُ َحمَّدِ بنِ عبدِ اهللِ بنِ زِيادٍ
م َع القُرْآنِ
بن ِ بن ُم َحم ِد ِ ارئ لِكِ ِ ِ
عبد تاب اهلل َتعا َلىَ ،أ ْح َمدُ ُ وه َذا ال َع ْبدُ ال َقائِ ُم ال َق ِ ُ
َ
قال« :ما َر َأ ْي ُت َأ ْح َس َن انَ ، ياد ؛ ف َع ْن َأبِي َع ْب ِد اهللِ ِ
بن بِ ْش ٍر ال َقط ِ بن ِز ٍ اهللِ ِ
بن ِز ٍ آن مِ ْن َأبِي َس ْه ِل ِآي ال ُقر ِ ِ انْتِ َز ً ِ
َ
وكان َ
وكان َج َارنَا، ياد، اعا ل َما َأ َرا َد م ْن ِ ْ
بين َع ْينَ ْي ِه»(.)2
آن َك َأن ُه َصار ال ُق ْر ُ ِ ِ ِ ِ
ديم َصال َة اللي ِل والت َِّال َوةََ ،فل َك ْث َرة َد ْرسه؛ َ ُي ُ
( )1حلية األولياء وطبقات األصفياء ،ألبي نعيم ،264/10 :وتاريخ اإلسالم،
للذهبي.927/6 :
( )2سير أعالم النبالء ،للذهبي.521/15 :
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 84
( )1قال :من ال َقيلولة :وهي نَو َم ُة نصف الن َهارَ ،و ِهي القائلة ،انظر :هتذيب اللغة،
لألزهري.232/9 :
85 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
الذك ُْر َل ُه فِي اآل َفاق البعيدَ ةَ ،حتى َأ ْهل ُخ َو ِار ْزم ال ِذ ْي َن ُهم حس َن ِّ ِِ
َم َحبتهَ ،و ُ
الحنْ َب َل ِة. ِ ِِ ِ
ُم ْعت َِز َلة َم َع شدته في َ
َان َح َس َن الص َالةَ ،ل ْم َأ َر َأ َحدً ا مِ ْن َم َشايِخنَا َأ ْح َس َن َص َال ًة مِنْ ُهَ ،وك َ
َان َوك َ
اعتِ َقا ًدا َوفِ ْع ًال»(.)1
َت السن ُة ش َع َار ُه َو ِد َث َار ُه ْ
مت ََشدِّ دا فِي َأم ِر ال ّطهار ِة ،وكَان ِ
َ َ َ ْ ً ُ
الم ْؤثِ ُر َل ُه َع َلى َما ِسوا ُهَ ،ينْ َقطِ ُع لِتَ ْف ِس ِير ِ ِ
بتفسير القرآنُ ، ُ
المشتغل المالِكِي،
َ
ِ جيز َفي َت ْف ِ ِ
الكتاب سير الو ُ (الم َحر ُر َ ظيمُ :سير ُه ال َع َ ب َت ْف َ ال ُق ْرآن ،و َي ْك ُت ُ
ِ
تفسيره: ابن َعطِي َة يف ُم َقدِّ َم ِة ِ ِ
زيز) ،و َي ْج َع ُل ُه ُعد َت ُه يو َم َينْ َف ِر ُد في َق ْب ِره؛ قال ُ ال َع ِ
أنواره ل ِ ُظ َل ِم َر ْم ِسي(،)2
َ وأنظر يف ِع ْل ٍم ُأ ِعد
َ لنفسي، أن أختار ِ
َ ت ْ «فلما َأ َر ْد ُ
( )1انظر :سير أعالم النبالء ،للذهبي ،289/15 :ومعرفة القراء الكبار على الطبقات
واألعصار ،للذهبي.297/1 :
( )2يقال لما ُي ْح َثى من الرتاب على القرب :رمس .والقرب نفسه :رمس ،انظر :لسان
العرب ،البن منظور.101/6 :
محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين 86
فالع ْل ِم على َقدْ ِر َشر ِ ف ِ وعلِ ْم ُت أن َش َر َ سيمَ ، َس َب ْر ُتها( )1بالتنوي ِع والت ْق ِ
َ
آثارا، ِ
باال ،و َأ ْر َس َخها ج َب ًاال ،و َأ ْج َم َلها ً فوجدت َأ ْم َتنَها ِح ً ُ المعلومِ؛
الذي أسماؤهِ - ُ كتاب اهللِ -جل ْت ُقدْ َر ُته ،و َت َقد َس ْت ِ أنواراِ ،ع ْل ُم
و َأ ْس َط َعها ً
يم ح ٍ ِ بين َيدَ ْي ِه وال مِ ْن َخ ْل ِفه،
الباطل مِ ْن ِ ال يأتِ ِ
ميد، من َحك ٍ َ تنزيل ْ ٌ ُ يه
ِ أكثر ُع ُم ِر ِه ورجو ُت أن اهلل -تعالى -يحرم على ِ ِ
ومعانيه، كرا َع َم ْر ُته َ النار ف ً ُ َ ِّ ُ َ َ َ ْ
زت براع َة رص ِف ِه( )3ومب ِ
انيه، ولِسانًا مر َن على آياتِه ومثانِ ِ
ََ َ ْ ونفسا َمي ْ َ ً يه(،)2 َ ََ
مر»(.)5 الف َك ِر ،وجعل ُته فائد َة ال ُع ِ عنان الن َظ ِر( ،)4و َأ ْق َطع ُته جانب ِ نيت ِ
إليه َ َف َث ُ
َ ْ ُ
( )1السرب :التجربة .وسرب الشيء سربًاَ :حزَ َره وخربه .والسرب :استخراج كنه األمر،
انظر :لسان العرب ،البن منظور.430/4 :
(َ )2مثانِ َي ،أي :تثني فيه األنباء والقصص ،وذكر الثواب والعقاب ،انظر :غريب
القرآن البن قتيبة ،سورة.330 :
( )3الرصف :ضم الشيء بعضه إلى بعض ونظمه ،انظر :لسان العرب ،البن منظور:
.101/6
( )4العنان :ما عن لك منها إذا نظرت إليه ،انظر :مقاييس اللغة ،للرازي.19/4 :
( )5المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية ،مقدمة التفسير.34/1 :
87 تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)
اخلامس والعشرون :مشاهِدُ ابنِ قُدَا َمةَ املَقْ ِدسِيِّ معَ القُرْآنِ
ار ُئ؛ حب هللِ تعا َلى ،العال ِ ُم العامِ ُل ،ال َقائِ ُم العابِدُ ،ال َق ِ وه َذا العبدُ الم ِ
ُ َ
قال الذ َهبِي« :ك َ
َان الم ْق ِد ِسي ؛ َ بن ُقدَ ا َم َة َ بن ُم َحم ٍد ِ أح َمدَ ِ بن ُْم َحمدُ ُ
اش ًعاُ ،م ْخلِ ًصاَ ،ع ِد ْي َم ُقدْ وةً ،صالِحاَ ،عابِدً اَ ،قانِتًا هللِ تعالى ،ربانِياَ ،خ ِ
َ ًّ َ ً َ
اتالذك ِْر ،والمروءةِ وال ُفتو ِة والص َف ِ اد َو ِّالنظِي ِرَ ،كبِير ال َقدْ ِر ،كَثِير األَور ِ
َ ُ ُ ْ َ َ ّ َ ِّ َْ َْ َْ ْ
َان ُرب َما َت َهجدَ َ ،فإِ ْن َن َع َس َض َر َب ون مِ ْث َل ُه .قِ ْي َل :ك َ
الح ِم ْيدَ ِةَ ،قل َأ ْن َت َرى ال ُع ُي َُ
ب حتى يطِير النعاس .وك َ ِ ِ ِ
الص َيا َمَ ،و َال َي َكا ُد
َان ُي ْكث ُر ِّ َع َلى ِر ْج َل ْيه بِ َقض ْي ٍ َ َ ْ َ َ ُ َ
اد إِال َخ َر َج فِ ْي ِه،
ض إِال َعاده ،و َال ِجه ٍ
َ َُ َ َي ْس َم ُع بِ َجن ََاز ٍة إِال َش ِهدَ َهاَ ،و َال َم ِر ْي ٍ
ار ُسب ًعا َبيْ َن الص َال َت ْين، َو َي ْت ُلو ُكل َل ْي َل ٍة ُسب ًعا ُم َرت ًال فِي الص َالةَِ ،وفِي الن َه ِ
( )1لعله أراد بآيات الحرس ،آيات سورة الجن التي فيها{ :وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا
َر ْك َع َت ْي ِن بِمائ َِة {قُلْ هُوَ اهللُ أَحَدٌ}َ ،ف ِقيْ َل :كَان َْت ن ََوافِ ُل ُه فِي ُك ِّل َي ْو ٍم َو َلي َل ٍة
ا ْثنَ َت ْي ِن َو َس ْب ِع ْي َن َر ْك َع ًة»(.)1
السادس والعشرون :مشاهِدُ شيخِ اإلسالمِ ابنِ َتيْ ِميَّ َة معَ القرآنِ
اهلل َتعا َلى ،ال َعال ِ ُم العامِ ُل ال َعابِدُ ، ِ شيخ اإلسال ِم ِ ِ
بن َتيْمي َة َرح َم ُه ُ َوهذا ُ
شيخ ِ
اإل ْسال ِم شيخنَا َ َ الج ْو ِزي ِةَ « :س ِم ْع ُت
ابن َق ِّي ِم َ
آن؛ َق َال ُ يس ُه ال ُق ْر َ َ ِ
كان َأن ُ
ول :إِن فِي الدنْيا َجنةًَ ،م ْن وح ُه ،ونَو َر َض ِر َ
يح ُهَ -ي ُق ُ ِ
ا ْب َن َت ْيمي َة َ -قد َس ُ
اهلل ُر َ
اآلخ َر ِةَ .ق َالَ :و َق َال لِي َمرةًَ :ما يصن َُع أعدائِي َلم يدْ ُخ ْلها؛ َلم يدْ ُخ ْل جن َة ِ
َ ْ َ ْ َ
فار ُقنِيَ ،أنَا
أين ُر ْح ُت َف ِهي َم ِعيَ ،ال ُت ِ
َ
ِ ِ
بِي؟ أنا َجنتي و ُب ْستاني في َصدْ ِريَ ،
ِ
حب ِسي ُخ ْلوةٌ .و َقتْلِي َشهادةٌ ،وإِ ْخ ِ ِ ِ ِ
راجي م ْن َب َلدي س َ
ياحةٌ. َ َ َ َ ْ
هذ ِه ال َق ْل َع ِة َذ َه ًبا ما
ولَ :لو ب َذ ْل ُت مِ ْلء ِ
َ
ِ ِ ِ ِ
وكان في َح ْبسه في ال َق ْل َعة َي ُق ُ ْ َ
َ ِ
يه من َعدَ َل ِعن ِْدي ُش ْكر َه ِذ ِه النِّعم ِة َأو َق َال :ما ج َزي ُتهم ع َلى ما َتسبـبوا فِ ِ
َ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َْ ْ َ
الخير ون َْح َو َه َذا.
بوس :الل ُهم َأ ِعنِّي َع َلى ِذك ِْر َك، ِِ ُ ِ
يقول في ُس ُجودهَ ،و ُه َو َم ْح ٌ َ
وكان
ِ ِ
اهلل. وش ْك ِر َكُ ،
وح ْس ِن عبا َدت َكَ ،ما شا َء ُ ُ
َ
تبارك وتعا َلى، بوس َم ْن ُحبِ َس َق ْل ُب ُه َع ْن َر ِّب ِه َو َق َال مرةَ :
الم ْح ُ
أس َر ُه َهوا ُه. والم ْأ ُ
سور َم ْن َ َ
ورها َن َظر إِ َل ْي ِه َو َق َال: سجن ال َق ْلع ِة ،وصار ِ
داخ َل ُس ِ َ َ ِ ولما َد َخ َل إِ َلى
{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ ،بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ،وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}(.)1
يه مِ َن
َان فِ ِ
أطيب َع ْي ًشا مِنْ ُه َقطَ ،م َع َما ك َ َ رأيت َأ َحدً اُ اهلل َما
وعل َم ُ
َق َالِ َ :
ِ ِ ِ س والته ِ
س َعيْ ًشا، ب النا ِ واإل ْرجافَ ،و ُه َو َم َع َذل َك َأ ْط َي ُ ديد ْ الح ْب ِ
َ
لوح ن َْض َر ُة الن ِ
عيم َع َلى واه ْم َق ْل ًبا ،و َأ َسرهم َن ْف ًساَ ،ت ُ و َأ ْش َر ُح ِه ْم َصدْ ًرا ،و َأ ْق ُ
وضا َق ْت بِنَا نونَ ، وساءت بِنَا الظ َ ْ الخوف،
ُ َو ْج ِه ِه ،و ُكنا إِ َذا ْاشتَد بِنَا
ب َعنا َذل ِ َك ُكل ُه، األَ ْر ُضَ :أتينا ُهَ ،ف َما ُه َو إال َأن نَرا ُه ،ون َْس َم ُع كال َم ُهْ ،
فيذ َه ُ
ِ
قبلفسبحان َم ْن َأ ْش َهدَ عبا َد ُه َجنتَ ُه َ
َ احا َو ُقو ًة و َيقينًا و ُط َم ْأنينَ ًة. و َينْ َقلِ ُ
ب انْش َر ً
َسيمها وطِيبِها
وحها ون ِ
تاهم مِن ر ِ ِ ِ ِِ
لقائه ،و َفت ََح َل ُه ْم َأ ْبوا َب َها في َد ِار ال َع َملَِ ،ف َأ ُ ْ ْ َ
والمسا َب َق ِة إِ َل ْيها»(.)2 ما اس َت ْفر َغ ُق ُ ِ
واه ْم ل َط َلبِهاُ ، َ ْ َ
ت سِريينَ َم َع القُرْآنِ
السابع والعشرون :مشاهِدُ حَ ْفصَ َة ِب ْن ِ
وح ْف ًظا ِ
وع ْل ًما َ
وع َم ًال َما رآن :تالو ًة ِحظ من ال ُق ِ كان للن ِ
ِّساء ٌّ و َل َق ِد َ
سيرين ُ
تقول لنا: َ انَ ،
قال« :كان َْت َح ْف َص ُة ُ
بنت بن َحس َ للر ِ
جال؛ َف َع ْن هشا ِم ِ ِّ
َ
العمل إال رأيت
شباب؛ فإنِّي ما ُ ٌ باب ُخ ُذوا مِ ْن أن ُف ِس ُكم و َأ ْنتُم معشر الش ِ َ يا
رآن وهي ابنَ ُة اثنتِي َع ْشر َة سنَةً ،وما َت ْت ِ قالَ :قر َأ ِ يف الش ِ
وه َي َ َ َ َ ْ ت ال ُق َ بابَ َ ،
قالَ « :م َك َث ْت َح ْف َص ُة فِي ُم َص ّالها
يمونَ ، بن م ٍ ِ
وع ْن َم ْهدي ِ َ تسعين»َ ،َ ابنَ ُة
ابن ِسيري َن لحاجة أو ل ِ َقائِلة»ِ َ ،
وع ْن هشا ٍم« ،أن َ
ٍ تخرج إال ُ ثالثي َن َسنَ ًة ال
قال :ا ْذهبُوا َف َس ُلوا َح ْف َص َة َ
كيف الق َرا َءةَِ ،
عليه َشيء مِن ِ
ْ ٌ َ
ِ كان إذا َأ ْش َك َلَ
َت ْق َر ُأ»(.)1