You are on page 1of 95

‫سلسلة عبادات المحبين (‪)6‬‬

‫مستلة من الجـزء الـرابـع من كتاب‪/‬‬

‫مَحَبَّةِ رَبِّ العَالَمِنيَ مُنْتَهَى غَايَاتِ املُقَرَّبِنيَ‬

‫غـزة ‪ -‬فلسطين‬

‫هذه المادة اللكترونية ‪ PDF‬من إعداد دار القرآن الكريم والسنة‪،‬‬


‫وإصداراتـهـا الحديثـة الخاصـة؛ للمطـالعـة الهــاتفـيـة واللــوحيـة‬
‫والحـاسـوبيـة‪.‬‬
‫(ساهم بالنشر أخي الكريم‪ ،‬وأهدها لمن تحب؛ جزاك اهلل تعالى‬
‫يرا‪ ،‬فالدال على الخير كفاعله ☺)‬ ‫خً‬
‫‪1‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ََ‬ ‫ََ‬
‫ِإضاءة‬ ‫ِإضاءة‬
‫‪ ‬سلسلة عبادات المحبين ‪‬‬
‫هي سلسلة تعبدية‪ ،‬وفاء عددها ثمانية أجزا ٍء‪ ،‬بعدد أبواب‬
‫جنة ربنا ‪ ‬الثمانية‪ ،‬استللناها من الجزء الرابع من كتاب (محبة‬
‫رب العالمين منتهى غايات المقربين) المكون من أربعة أجزاءٍ‪،‬‬
‫تعجلنا إخراجها؛ لتعجل الفائدة‪ ،‬ولقلة ذات اليد‪ ،‬وتعذر النّفقة‬
‫لطباعتها مجتمع ًة‪ .‬تعرض هذه السلسلة نماذج ومشاهد‬
‫وأحو ًال حي ًة لعبا ٍد رسخوا في باب محبة رب العالمين ‪ ،‬فهم‬
‫قوم يعبدون اهلل تعالى عن عل ٍم ومعرفةٍ‪ ،‬يطلبون منازل‬
‫المقربين السابقين؛ فهي سنًا وضاء‪ ،‬ونور مبين لكل من رام‬
‫منازل المحبين‪ ،‬وطلب درجات المقربين‪ ،‬وقصد المسير إليهما؛‬
‫مكونة من العناوين اآلتية‪:‬‬

‫(‪ )5‬قيام ليل المحبين لرب العالمين‪.‬‬ ‫(‪ )1‬صَلة المحبين‪.‬‬


‫(‪ )6‬تَلوة المحبين‪.‬‬ ‫)‪ (2‬إنفاق المحبين‪.‬‬
‫(‪ )7‬ذكر المحبين‪.‬‬ ‫)‪ (3‬صيام المحبين‪.‬‬
‫(‪ )8‬جهاد المحبين ورباطهم‪.‬‬ ‫)‪ (4‬حـج المحبين‪.‬‬

‫ما‪ :‬النفع العميم‪ ،‬والثواب الكريم‬


‫ما‪ ،‬بًرا رحي ً‬‫سائلين ربًّا كري ً‬
‫يد‪.‬‬
‫ب واسعٍ مج ٍ‬ ‫لعموم المؤمنين من ر ٍّ‬
‫زكريا بن طه شحادة‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪2‬‬

‫القَارِ ُئ ال َكرِيمُ‬
‫يه؛ فإن ُه ال خ ْي َر فِي ِع ْل ٍم‬ ‫❖ ا ْقرأ َه َذا الكِتَاب بِـن ِـيـ ِة العم ِل بِما فِ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بِال َع َملٍ‪َ ،‬و َال َخيْ َر يف َع َم ٍل بِ َال نِـيـ ٍة َخال ِ َص ٍة‪.‬‬
‫ْوان‪ ،‬و َأ ْح ِض ْر َل ُه نِيـ ًة َخال ِ َصةً؛ َفإِن َأ ْج َر ال َع ْب ِد‬‫ف ِعنْدَ ُك ِّل ُعن ٍ‬ ‫❖ قِ ْ‬
‫إِن َما َي َق ُع ع َلى َقدْ ِر نِيـتِ ِه‪.‬‬
‫آخ ِر ِه َأ ْن َف ُع مِما فِي‬‫❖ َال َتتْر ِك الكِتَاب حتى ُتتِمه؛ َف َلعل ما فِي ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ون ال َبـ َر َك ُة‪َ ،‬و َل َعل ال َكلِ َم َة التِي‬ ‫َأول ِ ِه‪َ ،‬وإِن َك َال َتدْ ِري َأ ْي َن َت ُك ُ‬
‫َتر َفع َك ِعنْدَ اهللِ َتعا َلى ِ‬
‫آخ ُر َما َت ْق َر ُأ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫اهلل َعن ُْه َما‪ ،‬إِ َلى ُع َم َر ْب ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بن َع ْبد اهلل ْب ِن ُع َم َر َرض َي ُ‬ ‫َب َسال ُم ُ‬ ‫❖ َكت َ‬
‫اع َل ْم َيا ُع َم ُر َأن َع ْو َن اهللِ َتعا َلى لل َع ْب ِد بِ َقدْ ِر‬
‫َع ْب ِد ال َع ِز ِيز ‪ْ « :‬‬
‫فم ْن َخ َل َص ْت نِيـ ُت ُه؛ َتم َع ْو ُن اهللِ َل ُه‪ ،‬و َم ْن َن َق َص ْت نِيـ ُت ُه؛‬ ‫ِ ِِ‬
‫نيـته‪َ ،‬‬
‫ص َعنْ ُه مِ ْن َع ْو ِن اهللِ بِ َقدْ ِر َذل ِ َك»(‪.)1‬‬ ‫َن َق َ‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين‪ ،‬لمحمد بن محمد بن‬
‫الحسيني الزبيدي‪.312/2 :‬‬
‫‪3‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ول إِ َلى‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫الو ُص َ‬‫ون ُ‬ ‫ين َين ُْشدُ َ‬‫الم ْجت َِهدي َن في الع َبا َدة‪ ،‬الذ َ‬ ‫❖ َجد ٌير بِ ُ‬
‫الم ْجت َِه ِدي َن فِي َب ِ‬
‫اب‬ ‫ين َأ ْن َي ْستَ ْق ُصوا َأ ْخ َب َار ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم َحبة َر ِّب ال َعا َلم َ‬
‫يم؛ َو َأ ْن َي ْع ِز ُموا َع َلى التـ َأ ِّسي بِ ِه ْم؛ َفإِن‬ ‫تِ َال َوةِ ال ُق ْر َآ ِن ال َك ِر ِ‬
‫الت َشب َه بالكِ َرا ِم َف َال ٌح‪.‬‬
‫حب مِ ْن‬ ‫َاب؛ َف َأ ْه ِد ِه لِمن ُت ِ‬
‫َ ْ‬ ‫اجت ََك مِ َن الكِت ِ‬ ‫❖ إِ َذا َق َض ْي َت َح َ‬
‫ون َل َك مِ ْث ُل َأ ْج ِر ِه‪،‬‬ ‫الم ْسلِ ِمي َن؛ َف َل َعل ُه َينْت َِف ُع بِ ِه؛ َف َي ُك ُ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْخ َوان َك ُ‬
‫يث‪« :‬ن ََّض َر اهَّللُ ْام َر ًأ‬ ‫و َلعله ينْت َِفع بِ ِه َأ ْك َثر مِن َْك‪ ،‬وفِي الح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ‬
‫َس ِم َع ِمنَّا َح ِدي ًثا‪َ ،‬ف َح ِف َظ ُه َحتَّى ُي َب ِّل َغ ُه غَ ْي َر ُه‪َ ،‬ف ُر َّب َح ِام ِل فِ ْق ٍه‬
‫إِ َلى َم ْن ُه َو َأ ْف َق ُه ِمنْ ُه‪َ ،‬و ُر َّب َح ِام ِل فِ ْق ٍه َل ْي َس ِب َف ِق ٍيه»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬
‫الح ِّث َع َلى َتبْلِي ِغ الس َماعِ‪،34/5 :‬‬ ‫ِ‬
‫اب َما َجا َء في َ‬
‫)‪ (1‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪َ ،‬ب ُ‬
‫رقم‪ ،)2656( :‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪4‬‬

‫‪‬‬
‫حب ربنَا‪،‬‬ ‫فيه‪ ،‬كما ي ِ‬ ‫الحمدُ هللِ رب العالمين‪ ،‬حمدً ا كثيرا طيبا مباركًا ِ‬
‫ُ‬ ‫ً ِّ ً‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ ِّ‬
‫ِ‬
‫السموات‬ ‫و َي ْر َضى‪ ،‬وك ََما َينْ َب ِغي؛ ل ِ َك َر ِم َو ْج ِه ِه َو ِع ِّز َج َالل ِ ِه‪َ ،‬ح ْمدً ا َي ْمألُ‬
‫واألرض وما بينَهما‪ ،‬وما شا َء ربنَا مِ ْن َش ْي ٍء َب ْعدُ ‪ ،‬بِ َم َجامِ ِع َح ْم ِده ُك ِّلها‪ :‬ما‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم؛‬ ‫َعل ْمنَا من َْها‪ ،‬و َما َل ْم َن ْع َل ْم؛ على ن َعمه ُك ِّلها‪َ :‬ما َعل ْمنَا من َْها‪ ،‬و َما َل ْم َن ْع ْ‬
‫وعدَ َد ما َج َرى به‬ ‫َ‬
‫الغافلون‪َ ،‬‬ ‫ون‪ ،‬و َغ َف َل عن ِذك ِْر ِه‬ ‫َعدَ َد ما َح ِمدَ ه الحامِدُ َ‬
‫اط بِ ِه ِع ْل ُم ُه‪.‬‬
‫َق َل ُم ُه‪ ،‬و َأ ْح َصا ُه كتا ُب ُه‪ ،‬و َأ َح َ‬
‫ور ِض َي و َب َار َك على َس ِّي ِدنَا وإِ َمامِنَا؛ ُم َحم ٍد‪ ،‬وعلى‬ ‫وسلم َ‬ ‫اهلل َ‬ ‫وصلى ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ِن التابِ َ‬
‫عين َل ُه ْم‬ ‫ين‪َ ،‬‬ ‫وص ْحبِه َأ ْج َمع َ‬ ‫لين‪ ،‬وعلى آله‪َ ،‬‬ ‫والم ْر َس َ‬ ‫َسائ ِر األَ ْنبِياء ُ‬
‫ِ‬
‫الدين‪ ،‬وبعد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بإحسان إِ َلى يو ِم‬
‫بزوجة يظن يف وصال ِ ِه هبا‬ ‫ٍ‬ ‫المسلمين بالظ َف ِر‬ ‫كان فرح عام ِة ِ‬
‫أبناء‬ ‫فلئن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫السعاد َة والهناء َة يف حياتِ ِه‪ ،‬يتَحبب إِ َليها‪ ،‬و َتتَحبب ِ‬
‫إليه‪َ ،‬يت ََصن ُع َلها‪،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و َتت ََصن ُع له‪َ ،‬تت ََزي ُن َل ُه و َيت ََزي ُن َلها‪ ،‬فإن هللِ َتعا َلى ِعبا ًدا غاي ُة سعا َدتِ ِه ْم‪ ،‬و ُمنَى‬
‫‪5‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫إليه بالط ِ‬
‫اعات‪،‬‬ ‫بمحبة رب ِهم ومليكِ ِهم‪ ،‬يتَصنع َأحدُ ُهم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناه ُم الظ َف ُر‬ ‫ُم ُ‬
‫ْ َ َ ُ َ ْ‬ ‫ِّ ْ‬
‫ساع َة َي ْخ ُلو بِ ِه فِي‬ ‫َ‬ ‫الو ْص ُل بِ ِه‪َ ،‬‬
‫وهنَا َء ُت ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و َيت ََجم ُل َل ُه بالعبا َدات‪َ ،‬هم ُه َ‬
‫واألشواق‪ ،‬وبِنَ ْف ٍ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫الم َحب ِة‬ ‫ُ‬
‫نيران َ‬ ‫ب َتأج َج ْت فيه‬ ‫يناج ِ‬
‫يه َب َق ْل ٍ‬ ‫وات‪ِ ،‬‬ ‫الخ َل ِ‬ ‫َ‬
‫ماوات َجل َجال ُل ُه‪ ،‬و َت َقد َس ْت َأ ْس ُ‬
‫ماؤ ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ض والس‬ ‫ب َر ِّب األَ ْر ِ‬ ‫اقة ل ِ ُق ْر ِ‬
‫تو ٍ‬

‫ب مِنْ ُه‪ .‬إِ َذا َت َكل َم؛ َف َعنْ ُه َي َتـ َكل ُم‪،‬‬ ‫ليس َل ُه َه ٌّم إال ِر َضا َس ِّي ِد ِه و َم َحبتِ ِه وال ُق ْر ِ‬ ‫َ‬
‫وإِ َذا ْاشت َغ َل فِ ْك ُر ُه؛ َفبِ ِه َي ْشت َِغ ُل‪ ،‬وإِ َذا َس َك َن؛ َفإِ َل ْي ِه ‪َ -‬ال إِ َلى ِسوا ُه‪َ -‬ي ْس ُك ُن‪.‬‬
‫نازلِها‪ ،‬و ُكل ِ‬ ‫الم َحب ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي َي ْخشا ُه َأ ْن‬ ‫ونزول َم ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُكل الذي َي ْبتَغيه ال َف ْو ُز بِ ُر ْت َبة َ‬
‫ط البع ِد والج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاء؛ ف ُي ْح َر َم‬ ‫َ‬ ‫أن ُي ْض َر َب بِ َس ْو ُ ْ‬ ‫بار َك و َتعا َلى‪َ ،‬أ ْو ْ‬ ‫ُيح َب َس َع ْن َر ِّبه َت َ‬
‫ورةٍ َع ِن‬ ‫ٍ‬
‫وال ُح ْس ُن َص ْوت َأ ْو ُص َ‬ ‫مال َمنْ َظ ٍر‪َ ،‬‬‫هيه َج ُ‬ ‫ال ُقرب مِن مواله‪َ .‬ال ي ْل ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َْ ُ‬
‫الش ْغ ِل باهللِ تعا َلى‪ ،‬و َال ي ْفتِنُه ما يرى مِن ِ‬
‫ظاه ِر َجمال ِ ِه و ُقو ِة َشبابِ ِه‪َ ،‬ف َيت ََزي ُن‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ل ِ َغ ْي ِر َول ِ ِّي ِه‪ُ .‬ي ْفنِي شبا َب ُه‪ ،‬و ُين ِْف ُق ُع ُم َر ُه‪ ،‬و َي ْق َط ُع أيا َم ُه؛ َل ْي َس َل ُه فِي ذل ِ َك ُش ْغ ٌل‬
‫ب َق ٍ‬
‫ريب‪،‬‬ ‫بيب‪ ،‬وال بِ ُق ْر ِ‬‫إِال إِ ْرضا َء َس ِّي ِد ِه‪ ،‬و َن ْي ِل َم َحبتِ ِه‪ ،‬ال َي ْف َر ُح بِ َو ْص ِل َح ٍ‬

‫وس ِّي ِد ِه األَك َْرمِ‪َ ،‬ف َل ْم َتت ُْر ْك َم َحب ُت ُه فِي َق ْلبِ ِه َمكانًا‬ ‫ِ‬
‫س َوى َحبيبِه األَ ْع َظ ِم‪َ ،‬‬
‫ِ‬

‫ْزال ل ِ ِسوا ُه‪ .‬ال يزيدُ ُه َمر الليالِي مِ َن اهللِ َتعا َلى إال ُح ًّبا‪ ،‬وال‬ ‫ألح ٍد‪ ،‬وال َمن ً‬
‫َ‬
‫َي ِزيدُ ُه كَر األيا ِم مِ َن اهللِ َتعا َلى إال ُق ْر ًبا‪ُ ،‬مسافِ ٌر إِ َلى َر ِّب ِه ‪َ ‬ع َلى َمدَ ى‬
‫ْفاس‪« ،‬ال َي َض ُع َع َصا الس ْي ِر َع ْن عاتِ ِق ِه حتى َي ِص َل إِلى َم ْط َلبِ ِه‪َ ،‬قدْ ُرفِ َع‬
‫األَن ِ‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪6‬‬
‫ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫قبل بِ ُك ِّليتِ ِه‬ ‫االشتِ ِ‬
‫ياق؛ ف َأ َ‬ ‫اعي ْ‬ ‫ليه‪ ،‬وناداه د ِ‬ ‫َله َع َلم الحب َف َشمر إِ ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ ِّ‬
‫نادي المحب ِة إِ ْذ دعاه‪ :‬حي ع َلى ال َفالحِ ‪ ،‬ووصل السرى فِي بي ِ‬
‫داء‬ ‫َأجاب م ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ريق إِ َلى اهللِ َتعا َلى‪،‬‬ ‫صول ُسراه(‪َ ،)2(»)1‬ي ْق َط ُع الط َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف َحمدَ عنْدَ ُ‬
‫الو‬ ‫الط َل ِ‬

‫ب‬ ‫عاف َما ُت ْق َط ُع بِ َمراكِ ِ‬ ‫عاف َأ ْض َ‬ ‫وح ِه َأ ْض َ‬‫سافات بِ َق ْلبِ ِه ور ِ‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫و َي ْط ِوي َ‬
‫الم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تبار َك و َتعا َلى ُس َ‬
‫كون ال ِّط ْف ِل‬ ‫ال َفضاء َو َوسائ ِل اال ِّتصال‪َ ،‬ي ْس ُك ُن إِ َلى ر ِّبه َ‬
‫كاؤ ُه‪ ،‬وال َي ْس ُك ُن ُفؤا ُد ُه إِال‬‫حين َي ْلقاها‪ ،‬ال َينْ َقطِ ُع ُب ُ‬ ‫َ‬ ‫البعيد إِ َلى ُأ ِّم ِه‬
‫ِ‬ ‫التائِ ِه‬
‫حين َي َر َاها‪ ،‬و َت ُضم ُه إِ َلى َصدْ ِر َها بِكِ ْلتَا َيدَ ْي َها‪.‬‬ ‫َ‬
‫كتاب‪َ ( :‬م َح َّب ُة َر ِّب‬‫ِ‬ ‫الرابِ ُع مِ ْن‬
‫الجزْ ُء َّ‬ ‫ول ُ‬ ‫وهذ َا ُه َو َف ْص ٌل مِ ْن ُف ُص ِ‬ ‫َ‬
‫حبين‪ ،‬م َش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهدُ‬ ‫الم ِّ َ َ‬ ‫بين)‪َ ،‬و ُه َو بِ ُعنْوان‪( :‬ت ََل َو ُة ُ‬ ‫الم َق َّر َ‬
‫العالمين ُمنْت ََهى غَ ايات ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َاب كَامِ ًال؛ بِ َس َب ِ‬
‫اج ُه َق ْب َل َت َما ِم إِ ْصدَ ِار الكِت ِ‬
‫وأ ْح َوال)‪َ ،‬ر َأ ْينَا َأ ْن َن َت َعج َل إِ ْخ َر َ‬‫َ‬
‫ات الي ِد؛ رجاء َن ْف ِع فِ َئ ِة َخواص المجت َِه ِدين مِن العب ِ‬
‫اد‪،‬‬ ‫ور الن َف َق ِة وقِل ِة َذ ِ‬
‫ُق ُص ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ِّ ُ ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫وها َع َلى َأ ْح َس ِن‬ ‫ين َليْ َس َل ُه ْم َه ٌّم فِي ِع َبادتِ ِه ْم َوتِ َال َوتِ ِه ْم إِال َأ ْن ُيوقِ ُع َ‬ ‫ِ‬
‫الذ َ‬
‫ال‪َ ،‬و َأ ْن ُي ِصيبُوا بِ ِه َم ْق ُصو َد الت َِّال َو ِة مِ َن ال َف ْه ِم َع ِن اهللِ َت َب َار َك َو َت َعا َلى‬‫َح ٍ‬

‫ليال فهو ٍ‬
‫سار‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن الناس يحمدون‬ ‫ٍ‬
‫شيء طرق ً‬ ‫)‪ (1‬الس َرى‪ :‬سير ال ّليل‪ ،‬وكل‬
‫مبكرا‪ ،‬انظر‪ :‬معجم العين‪ ،‬للخليل‪.291/7 :‬‬
‫من سار يف الليل‪ ،‬ووصل عند الصباح ً‬
‫)‪ (2‬طريق الهجرتين وباب السعادتين‪ ،‬البن قيم الجوزية‪.51/1 :‬‬
‫‪7‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ود ِه‪ ،‬والت ْبلِي ِغ‬


‫هار‪ ،‬وإِ َقام ِة حدُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َتدَ ب ِر كتَابِه‪ ،‬والق َيا ِم بِه آنَا َء الل ْي ِل وآنَا َء الن ِ َ َ ُ‬
‫ب بِ ِه إِ َلى َر ِّب األَ ْر َب ِ‬ ‫اعدَ ِة مِن النِّير ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫ان‪ ،‬والت َقر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َع ِن اهلل ‪َ ‬و َل ْو آ َيةً‪ُ ،‬‬
‫والم َب َ‬
‫ت ِ‬
‫الع َبا ُد‬ ‫سبحا َنه و َتعا َلى‪ ،‬وب ُلو ِغ مر َتب ِة محب ِة رب العا َل ِمين؛ َفإِنه ما َأصاب ِ‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ِّ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ْ َ ُ َ َ‬
‫ات‪ ،‬و َتر ِك المحبوب ِ‬ ‫اع ِ‬ ‫ب إِ َلي ِه بِصنُ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ات‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫وف الط َ‬ ‫َم َحب َة َر ِّب الع َباد بِم ْث ِل الت َحب ِ ْ ُ‬
‫َاب اهللِ َت َعا َلى مِ ْن َأ ْر َجى‬
‫ات فِي َسبِي ِل َذل ِ َك‪َ ،‬أ َال َوإِن تِ َال َو َة كِت ِ‬ ‫والم ْأ ُلو َف ِ‬
‫َ‬
‫يم‪َ ،‬ال ِسي َما َو َأننَا‬
‫الم ْق ِص ِد ال َعظِ ِ‬
‫يق َه َذا َ‬ ‫ات؛ لِت َْح ِق ِ‬ ‫ات‪ ،‬و َأج ِّل ال ُقرب ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ‬
‫العباد ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬

‫اد فِي الت َعب ِد َعامةً‪ ،‬وفِي تِ َال َو ِة‬ ‫ب االجتِه ِ‬


‫ْ َ‬ ‫اس َخ ًة فِي بَا ِ‬ ‫اهدَ ر ِ‬
‫َ‬
‫نَر َفع ُهنَا م َش ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫الم ْجت َِه ِدي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫كِت ِ ِ‬
‫َاب اهلل َت َعا َلى َخاصةً‪َ ،‬وإِن ُه َال َأ ْن َف َع لل ُعباد م ْن ُر ْؤ َية ن ََماذجِ ُ‬
‫ِ‬ ‫وف َع َلى َأ ْخب ِ ِ‬ ‫والو ُق ِ‬
‫وس َم ْج ُبو َل ٌة َع َلى األُن ِ‬
‫ْس‬ ‫اره ْم و َأ ْح َوال ِه ْم‪َ ،‬فإِن الن ُف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حب وما ُت ِ‬ ‫ار من ُت ِ‬
‫ص‬ ‫ون َق َص َ‬ ‫حب‪َ ،‬وك ََما َأن َأ ْه َل الد ْن َيا َيت ََذاك َُر َ‬ ‫َ‬ ‫بِ َأ ْخ َب ِ َ ْ‬
‫وح ُه ْم‬‫ون ُر َ‬ ‫جدُ َ‬ ‫اب الت َكث ِر مِ َن الد ْن َيا؛ َفإِن َأ ْه َل الم َحب ِة َي ِ‬‫ات فِي َأ ْب َو ِ‬ ‫النجاح ِ‬
‫َ َ‬
‫َ‬
‫اه ِد المجت َِه ِدين ا ِ‬ ‫اهدَ ِة م َش ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪.‬‬
‫لمحبِّ َ‬‫َ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وح َيا َت ُه ْم في ُم َش َ َ‬ ‫َ‬
‫عليه مِن ح ٍّق‪ ،‬وما لِمحب ِة اهللِ‬ ‫ف ما لِرب ِه ‪ِ ‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َوإِن ُه َل ْي َس للعاق ِل الذي َع َر َ َ َ ِّ‬
‫َتعا َلى ِعنْد اهللِ تعا َلى مِ ْن َقدْ ٍر‪َ ،‬ه ٌّم ِس َوى ُبلو ِغ َم َحب ِة اهللِ َتعا َلى‪َ ،‬ف ُه َو َي ْس َعى‬
‫لِنَي ِل محب ِة اهللِ تعا َلى بِ ُك ِّل َثم ٍن يستَطاع‪ ،‬ويجت َِهدُ يف سبي ِل ب ُل ِ‬
‫وغ َها بِ ُك ِّل‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ َ‬
‫وصلٍ‪ .‬إِ ْذ محب ُة اهللِ‬
‫يق م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫للوصول إِ َل ْيها ُكل َط ِر ٍ ُ‬
‫ب ُم ْمك ٍن‪ ،‬و َي ْس ُل ُك ُ‬
‫َس َب ٍ‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪8‬‬

‫قوف‬‫الم َحب ِة َم ْو ٌ‬ ‫جون‪ .‬وصدْ ُق َ‬


‫تعا َلى َأسمى ما ي َؤم ُل العباد‪ ،‬و َأجل ما ير َ ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َ َ ُ ِّ‬
‫ك‬ ‫بات‪َ ،‬فإِن حب الملِ ِ‬ ‫ون بِ ِه مِن ُقر ٍ‬ ‫ع َلى َما َي ْب ُذ ُل ُه ال ُعبا ُد مِ ْن ُج ْه ٍد‪ ،‬و َما َيتَ َقر ُب َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫اد ِه ع َلى‬ ‫اعتِ ِه‪ ،‬و َأد ِاء مر ِ‬ ‫اع ِه ْم فِي َط َ‬ ‫لِعمال ِ ِه ع َلى َقدْ ِر ِخدْ متِ ِهم َله‪ ،‬وإِسر ِ‬
‫َ َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫يزال العبدُ ي ْخ ِدم سيدَ ه‪ ،‬ويتَ َقرب إِ َلي ِه بِصنُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وف‬ ‫ب‪ ،‬وال ُ َ ْ َ ُ َ ِّ ُ َ ُ ْ ُ‬ ‫الو ْجه الذي ُي ْح ُ‬ ‫َ‬
‫اعات‪ ،‬و َي ْجت َِهدُ فِي إِ ْصالحِ َع َملِ ِه وإِ ْحسانِ ِه وإِ ْتقانِ ِه حتى َين ِْز َل بِ َمن ِْز َل ِة‬ ‫الط ِ‬

‫الملِ ُك؛ َفال َت َس ْل َع ْن إكرامِ ِه َل ُه وإِنْعامِ ِه‬ ‫ِ ِ‬


‫الملك‪َ ،‬فإِ َذا َأ َحب ُه َ‬
‫ِ ِ‬
‫الم َحبة عنْدَ َ‬ ‫َ‬
‫لوك إِ َذا َأ َحب ْت؛ َأك َْر َم ْت‪ ،‬وإِ َذا َأك َْر َم ْت؛ َأ ْد َه َش ْت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬ ‫عليه‪َ ،‬فإِن ُ‬

‫وكتبه‬
‫زكريا بن طه شحادة‬
‫الخميس ‪2019-7-18‬م‪،‬‬
‫‪ 15‬ذو القعدة ‪1440‬هـ‬
‫‪9‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫التَّحَبُّبُ إىل اهللِ تعالَى بِتِالوَةِ كَالمِ اهللِ تَعَالَى‬

‫كتاب اهللِ تعا َلى‪ ،‬ومطا َلع َة آياتِ ِه‪ ،‬والت َفكر بِما ِ‬
‫فيه مِ ْن‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ال َج َر َم أن َت ِال َو َة‬
‫بار ِ‬
‫وع َب ٍر‬ ‫َواه‪ ،‬ومِ ْن َأ ْخ ٍ‬
‫وصفاتِ ِه و َأ ْفعال ِ ِه‪ ،‬ومِن َأوامِر ون ٍ‬‫ماء اهللِ َتعا َلى ِ‬ ‫َأس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫وح َك ٍم‪ ،‬والعم َل بما يح ِم ُله الكِتاب الع ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫زيز م ْن أحكامٍ؛ م ْن َأ َج ِّل ما َت َحب َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ول‬ ‫بن مسعودٍ ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫بون إِ َلى اهللِ تعا َلى‪ ،‬ف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ِ‬ ‫بِه ُ‬
‫المت ََح ِّب َ‬ ‫ِ‬

‫ف»(‪ .)1‬و َق َال‬ ‫حب اهلل ورسو َله؛ َف ْلي ْقر ْأ فِي ا ْلمصح ِ‬‫اهللِ ‪« :‬من سره َأ ْن ي ِ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ‬
‫كان يحب‬ ‫فإن َ‬‫القرآن؛ ْ‬
‫َ‬ ‫يسأل أحدُ ُكم عن َن ْف ِسه إال‬
‫ود ‪« :‬ال ْ‬ ‫ابن مسع ٍ‬
‫ْ ُ َ ْ ُ‬
‫لم يك ْن‬ ‫اهلل سبحانه وتعالى ورسو َله ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وإن ْ‬ ‫القرآن و ُي ْعج ُبه؛ فهو يحب َ‬
‫آن؛‬‫قال‪َ « :‬م ْن َأ َحب ال ُق ْر َ‬
‫فليس يحب اهلل»(‪ .)2‬وعن ُه ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫يحب‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف شعب اإليمان‪ ،‬باب‪ :‬من تعلم القرآن‪ ،507/3 :‬رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)2027‬وأبو نُ َعيم يف الحلية‪ ،‬باب من حدث وروى عنه شعبة من األئمة‪،209/7 :‬‬
‫وحسنه األلباين يف صحيح الجامع‪.‬‬
‫(‪ )2‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.273/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪10‬‬

‫ان ْب ُن ُع َييْنَةَ‪َ « :‬واهللِ َال َت ْب ُل ُغوا ِذ ْر َو َة َه َذا ْاألَ ْم ِر َحتى َال‬


‫َف ْل ُي ْب ِش ْر»(‪ ،)1‬وقال ُس ْف َي ُ‬

‫آن؛ َف َقدْ َأ َحب َ‬


‫اهلل‬ ‫ون َشي ٌء َأ َحب إِ َل ْي ُك ْم مِ َن اهللِ تعالى‪َ ،‬ف َم ْن َأ َحب ا ْل ُق ْر َ‬ ‫َي ُك َ‬
‫ْ‬
‫تعالى‪ ،‬ا ْف َق ُهوا َما ُي َق ُال َل ُك ْم»(‪.)2‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َّ َ ُّ ُ‬ ‫ً‬
‫أول‪ :‬التقرب بالقرآنِ مِن أعظمِ القرباتِ‬
‫بون إِ َلى اهلل َتعا َلى مِ َن النوافِ ِل َك ْث َر ُة‬ ‫ِ‬
‫ومن َأ ْع َظ ِم َما َي َت َقر ُب بِه ُ‬
‫الم َت َق ِّر َ‬
‫اع ُه بِ َت َفك ٍر و َتدَ ب ٍر و َت َفه ٍم و َت َعقلٍ‪َ ،‬ف َع ْن َخب ِ‬
‫اب ْب ِن ْاألَ َر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫تالوة ال ُق ْرآن‪َ ،‬‬
‫وس َم ُ‬ ‫َ‬
‫‪َ ،‬ق َال‪« :‬يا هنْتَاه(‪َ ،)3‬ت َقرب إِ َلى اهللِ ما اس َت َطعت؛ َفإِن َك َلن َت َقرب إِ َلى اهللِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫العبا ُد إِ َلى اهللِ تعالى بِ َكال ٍم ٍ‬
‫خير‬ ‫ت ِ‬ ‫بِ َشي ٍء َأحب إِ َلي ِه مِن ك ََالمِ ِه»(‪)4‬؛ فما َت َقرب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫فعن ُج َب ْي ِر ْب ِن نُ َف ْي ٍر ‪« :‬إِن ُك ْم َل ْن َت ْر ِج ُعوا إِ َلى اهللِ تعالى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مما ن ََز َل منْ ُه‪ْ ،‬‬

‫(‪ )1‬المحبة هلل‪ ،‬ألبي إسحاق‪ ،‬إبراهيم بن الجنيد الختلي‪.83/1 :‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.302/7 :‬‬

‫(‪ )3‬يا َهنْتَا ُه‪ :‬نداء ب ِ َغ ْير الت ْص ِريح باسم ُ‬


‫المنا َدى‪ ،‬وقال ابن األثير‪ :‬وقيل‪ :‬معنى يا هنتاه‪:‬‬
‫يا بلهاء‪ ،‬كأهنا نسبت إلى قلة المعرفة‪ ،‬وهذا األنسب لموضعها هنا‪ ،‬فهو يخاطب‬
‫نفسه‪ ،‬و ُي َو ِّب ُخها‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬انظر‪ :‬هتذيب اللغة‪ ،‬لألزهري‪ ،230/6 :‬والنهاية يف‬
‫غريب الحديث واألثر‪ ،‬البن األثير‪.280/5 :‬‬
‫للم ْر َو ِزي‪ ،‬اختصار أحمد بن علي‬
‫(‪ )4‬مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر‪َ ،‬‬
‫المقريزي‪.172/1 :‬‬
‫‪11‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫بن َأبِي َب ْك ٍر‪:‬‬ ‫ف ُ‬ ‫بِ َشي ٍء َأ ْف َض َل مِما َخ َر َج مِنْ ُه»‪َ ،‬ي ْعنِي ك ََال َم ُه(‪َ .)1‬‬
‫وقال ُم َط ِّر ُ‬ ‫ْ‬
‫اهلل تعا َلى إِ َلى َداو َد ‪َ :‬قدْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المحب ال َي ْس َأ ُم م ْن حديث َحبيبِه‪ ،‬و َأ ْو َحى ُ‬ ‫« ُ‬
‫حب ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ََذ َب َم ِن اد َعى َم َحبتِي‪ ،‬إِ َذا َجن ُه ُ‬
‫حب‬ ‫الليل نَا َم عنِّي‪َ ،‬أ َل ْي َس ُكل ُم ٍّ ُ‬
‫وقال يحيى بن م ٍ‬ ‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاذ‪َ « :‬م ْن َل ْم‬ ‫لقا َء َحبيبِه‪َ ،‬ف َها َأنَا َذا َموجو ٌد ل َم ْن َط َل َبني» ‪ُ ُ َ ْ َ َ ،‬‬
‫ب‪ُ :‬ي ْؤثِ ُر كال َم اهللِ تعا َلى ع َلى كال ِم‬ ‫ِ‬ ‫ثالث ِخ ٍ‬
‫صال؛ َف َل ْي َس بِ ُمح ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫َت ُكن ِ‬
‫فيه‬ ‫ْ‬
‫والعبا َد َة ع َلى ِخدْ َم ِة َ‬
‫الخ ْل ِق»(‪.)3‬‬ ‫الخ ْل ِق‪ِ ،‬‬ ‫اء َ‬ ‫الخ ْل ِق‪ ،‬ولِقاء اهللِ تعا َلى ع َلى ل ِ َق ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫ً‬
‫اهلل تعالى‬
‫أهل ِ‬‫ِ‬ ‫آن خاصة‬
‫ثانيا‪ :‬أهل القر ِ‬
‫َس ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال‬ ‫آن ُه ْم خاص ُة أه ِل اهللِ تعا َلى‪ ،‬ف َع ْن َأن ٍ‬ ‫وأهل ال ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫*‬
‫اس‪َ ،‬ف ِق َيل‪َ :‬م ْن َأ ْه ُل اهللِ مِن ُْه ْم؟ َق َال‪:‬‬
‫ين مِ َن الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪« :‬إِن هلل َأ ْهلِ َ‬ ‫َ ُ‬

‫للم ْر َو ِزي‪ ،‬اختصار أحمد بن علي‬


‫(‪ )1‬مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر‪َ ،‬‬
‫المقريزي‪.172/1 :‬‬
‫(‪ )2‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.333/4 :‬‬
‫(‪ )3‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.333/4 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪12‬‬

‫َ‬
‫يكون العبدُ‬ ‫آن ُه ْم َأ ْه ُل اهللِ َو َخاص ُت ُه»(‪)1‬؛ َف َأن ِْع ْم بِ َها مِ ْن َم ْك ُر َم ٍة ْ‬
‫أن‬ ‫َأ ْه ُل ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫مِ ْن خاص ِة أه ِل اهللِ تعالى‪.‬‬
‫ان ‪،‬‬ ‫األرض عندَ اهللِ تعا َلى‪ ،‬ف َع ْن ُعثْ َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أهل ال ُقرآن خ ُ‬
‫يار أه ِل‬ ‫*و ُ‬
‫َع ِن النبِي ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬خيْ ُر ُك ْم َم ْن َت َعل َم ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن َو َعل َم ُه»(‪.)2‬‬ ‫ِّ‬
‫َ َّ‬ ‫ُ ْ ُ َ ُ ْ ُ َ ْ‬ ‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬القرآن الكريم مِعراج العب ِد ِفي اجلن ِة‬
‫اس َمن ِْز َل ًة عندَ اهللِ تعالى‪ ،‬وال ُق ْر ُ‬
‫آن‬ ‫آن مِ ْن َأ ْع َلى الن ِ‬
‫وقار ُئ ال ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫*‬
‫َ‬
‫تبارك‬ ‫ب مِ ْن َر ِّب ِه‬
‫الجن ِة‪ ،‬ومِ ْرقا ُت ُه(‪ )4‬إِ َلى ال ُق ْر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫راج ال َع ْبد في َ‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫ال َك ُ‬
‫ريم م ْع ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند أنس بن مالك ‪ ،296/19 :‬رقم‪،)12279( :‬‬
‫وابن ماجه‪ ،‬باب فضل من تعلم القرآن وعلمه‪ ،78/1 :‬رقم‪ ،)215( :‬وصححه‬
‫األلباين‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬باب‪َ :‬خ ْي ُر ُك ْم َم ْن َت َعل َم ال ُق ْر َ‬
‫آن َوعَل َم ُه‪،192/6 :‬‬
‫رقم‪.)5027( :‬‬
‫راج‪ :‬المصعد الذي ُي ْص َعدُ منه إلى أعلى‪ ،‬انظر‪ :‬الصحاح تاج اللغة وصحاح‬ ‫ِ‬
‫(‪ )3‬الم ْع ُ‬
‫العربية‪ ،‬للفارابي‪.328/1 :‬‬
‫(‪ )4‬ا ْلمرقاة‪ :‬و ِسي َلة الرقي َأو آ َلته وموضعه َأو ما يرقى بِ ِه َأو فِ ِ‬
‫يه‪ُ ،‬ي َقال‪ :‬صعدت مرقاة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َأو مرقاتين‪َ ،‬أي‪َ :‬د َر َجة َأو َد َر َج َت ْي ِن‪ ،‬انظر‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬لمجمع اللغة العربية‪:‬‬
‫‪.367/1‬‬
‫‪13‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫وتعالى؛ ف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َع ْم ٍرو رضي اهلل عنهما‪َ ،‬ع ِن النبِ ِّي ‪َ ‬ق َال‪ُ « :‬ي َق ُال‬
‫آن‪ :‬ا ْق َر ْأ‪َ ،‬و ْار َق‪َ ،‬و َر ِّت ْل ك ََما ُكن َْت ُت َر ِّت ُل فِي الد ْن َيا؛ َفإِن َمن ِْز َلت ََك‬
‫ب ا ْل ُقر ِ‬
‫ل َصاح ِ ْ‬
‫ِ ِ‬

‫آخ ِر آ َي ٍة َت ْق َر ُؤ َها»(‪.)1‬‬
‫ِعنْدَ ِ‬

‫ول اهللِ ‪ُ « :‬ي َق ُال‬ ‫يد ا ْل ُخدْ ِر ِّي ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫اص َعدْ ؛ َف َي ْق َر ُأ‪َ ،‬و َي ْص َعدُ بِ ُك ِّل آ َي ٍة‬ ‫ِ‬
‫ب ا ْل ُق ْرآن إِ َذا َد َخ َل ا ْل َجنةَ‪ :‬ا ْق َر ْأ‪َ ،‬و ْ‬
‫لِص ِ‬
‫اح ِ‬ ‫َ‬
‫آخ َر َش ْي ٍء َم َع ُه»(‪.)2‬‬ ‫درجةً؛ حتى ي ْقر َأ ِ‬
‫ََ َ َ َ َ‬
‫تاج ال َك َرا َم ِة‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫آن بِ َصاحبِه يو َم الق َيا َمة‪ ،‬حتى ُيت َِّو َج ُه َ‬
‫ِ ِ‬ ‫يزال ال ُق ْر ُ‬ ‫* وال ُ‬
‫َو ُي َح ِّل َي ِه بِ ُحلة ال َك َرا َمة‪ ،‬وال يزال به ُي َر ِّضي عنه ربه ‪ ،‬حتى َي ْر َضى َعنْ ُه‪،‬‬
‫جي ُء‬ ‫و ُيدْ نِي م ْجلِس ُه‪ ،‬و ُي َقر َب ُه‪ ،‬ف َع ْن َأبِي ُهر ْير َة ‪َ ،‬ع ِن النبِي ‪َ ‬ق َال‪َ « :‬ي ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫ول‪َ :‬يا‬ ‫اج ال َك َرا َم ِة‪ُ ،‬ثم َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ :‬يا َر ِّب َح ِّله‪َ ،‬ف ُي ْل َب ُس َت َ‬ ‫الق َيا َم ِة َف َي ُق ُ‬
‫آن يوم ِ‬
‫ال ُق ْر ُ َ ْ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند عبد اهلل بن عمر بن العاص ‪ ،403/11 :‬رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)6799‬والنسائي يف السنن الكربى‪ ،‬باب الت ْرتِ ُيل‪ ،272/7 :‬رقم‪ ،)8002( :‬وأبو‬
‫اب الت ْرتِي ِل فِي ا ْل ِق َرا َء ِة‪ ،547/1 ،‬رقم‪ ،)1466( :‬وصححه‬
‫استِ ْح َب ِ‬
‫داود‪ ،‬باب ْ‬
‫األلباين‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند أبي سعيد الخدري ‪ ،455/17 :‬رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)11360‬وابن ماجه‪ ،‬باب ثواب القرآن‪ ،1242/2 :‬رقم‪ ،)3780( :‬وصححه‬
‫األلباين‪.‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪14‬‬

‫ول‪َ :‬يا َر ِّب ْار َض َعنْ ُه؛ َف َي ْر َضى َعنْ ُه‪،‬‬‫َر ِّب ِز ْد ُه؛ َف ُي ْل َب ُس ُحل َة ال َك َرا َم ِة‪ُ ،‬ثم َي ُق ُ‬
‫َف ُي َق ُال َل ُه‪ :‬ا ْق َر ْأ َو ْار َق‪َ ،‬و ُي َزا ُد بِ ُك ِّل آ َي ٍة َح َسنَ ًة»(‪.)1‬‬
‫َ ْ ُ َ َ َ‬ ‫ً َ ْ ُ ُ‬
‫رآن أهل الكرام ِة‬
‫رابعا‪ :‬أهل الق ِ‬
‫يجلسون فِي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بيت‬ ‫َ‬ ‫اهلل تعا َلى الذي َن‬‫َأ ْه ُل ال ُقرآن َأ ْه ُل ال َك َرا َمة و َل َقدْ َو َعدَ ُ‬
‫واحدَ ٍة مِنْها َخ ْي ٌر مِ َن‬ ‫امات‪ُ ،‬كل ِ‬ ‫مِن بيوتِ ِه لِتِالو ِة كِتَابِ ِه ومدَ ارستِ ِه‪َ ،‬أربع كَر ٍ‬
‫ََْ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اجت ََم َع‬ ‫الدنْيا وما فِيها؛ فعن َأبِي هرير َة ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪َ « :‬و َما ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َاب اهللِ تعا َلى‪َ ،‬و َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم؛ إِال‬ ‫وت اهللِ‪ ،‬ي ْت ُل َ ِ‬
‫ون كت َ‬ ‫َ‬
‫ت مِن بي ِ‬
‫ْ ُُ‬
‫َقوم فِي بي ٍ‬
‫َْ‬ ‫ْ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ََز َل ْت َع َل ْي ِه ُم السكينَ ُة‪َ ،‬و َغش َيت ُْه ُم الر ْح َم ُة‪َ ،‬و َحفت ُْه ُم ا ْل َم َالئ َك ُة‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم ُ‬
‫اهلل‬
‫يم ْن ِعنْدَ ُه»(‪.)2‬‬ ‫ف َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أمراض قلوب احملبي‬
‫ِ‬ ‫خامسا‪ :‬القرآن دواء‬
‫ب هللِ تعا َلى فِي َصالحِ َق ْلبِه و َن ْف ِس ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المح ِّ‬
‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫والقرآن م ْن َأ ْن َف ِع َما لل َع ْبد ُ‬
‫َت‬ ‫ات؛ فإذا سلِم ال َق ْلب‪ ،‬وب ِرئ ِ‬ ‫راض وآ َف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وشفائِه مِما َي ْع ِر ُض َل ُه مِ ْن َأ ْم‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫الم َحب ِة؛ إِ ْذ‬ ‫ِ ِ‬
‫راض؛ َف َقدْ َصح ْت‪َ ،‬و َت َأه َل ْت ل َقبول َ‬ ‫ِ‬ ‫الع َل ِل واألَ ْم‬‫الن ْفس مِن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،178/5 :‬رقم‪ ،)2915( :‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫الذك ِْر‪،2074/4 :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪ ،‬باب َف ْض ِل ِاالجتِما ِع َع َلى تِ َالو ِة ا ْل ُقر ِ‬
‫آن َوعَ َلى ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫رقم‪.)2699( :‬‬
‫‪15‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫ِ‬ ‫ريض م ْع ٍ‬ ‫حل فِي َق ْل ٍ‬ ‫محب ُة اهللِ َتعا َلى ال َت ِ‬
‫الجوزية‪:‬‬ ‫ابن َق ِّي ِم‬
‫قال ُ‬ ‫لول‪َ ،‬‬ ‫ٍ َ‬ ‫ب َم‬ ‫َ َ‬
‫الصدور‪ ،‬فال َش ْي َء‬ ‫ِ‬ ‫للقلوب‪ ،‬وشفا ًء لِما يف‬ ‫ِ‬ ‫جعل كال َمه حيا ًة‬ ‫الذي َ‬ ‫تبارك ِ‬ ‫َ‬ ‫«‬
‫ِ‬
‫منازل‬ ‫جامع لجمي ِع‬ ‫القرآن بالتدَ ب ِر والت َفك ِر؛ فإنه‬ ‫ِ‬ ‫للقلب من قرا َء ِة‬ ‫ِ‬ ‫أنفع‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ث‬ ‫الذي ُي ْو ِر ُ‬ ‫ومقامات العارفين‪ ،‬وهو ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأحوال العاملي َن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السائرين‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والرضا‪،‬‬ ‫واإلناب َة‪ ،‬والت َوك َل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ف‪ ،‬والرجا َء‪،‬‬ ‫َ‬
‫والخ ْو َ‬ ‫والش ْو َق‪،‬‬
‫َ‬ ‫المحبةَ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫القلب‬ ‫األحوال‪ ،‬التِي هبا حيا ُة‬ ‫ِ‬ ‫ويض‪ ،‬والش ْك َر‪ ،‬والصبْ َر؛ وسائِ َر‬ ‫والت ْف َ‬
‫المذمومة‪ ،‬والتي هبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألفعال‬ ‫ِ‬
‫الصفات‬ ‫عن جمي ِع‬ ‫َ‬ ‫وك ََما ُل ُه‪،‬‬
‫وكذلك َي ْز ُج ُر ْ‬
‫ِ‬ ‫الناس ما فِي قرا َء ِة‬
‫الش َت َغ ُلوا‬ ‫القرآن بالتدَ ب ِر؛ ْ‬ ‫فلو َعلِ َم ُ‬ ‫القلب وهال ُك ُه‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫فسا ُد‬
‫َاج إِ َل ْي َها فِي‬
‫عن ُك ِّل ما سواها‪َ ،‬فإِذا َق َر َأ ُه بِ َت َفك ٍر َحتى َمر بِآ َية َو ُه َو ُم ْحت ٌ‬
‫ِ‬
‫هبا ْ‬
‫مر ٍة‪َ ،‬و َل ْو َل ْي َلةً‪َ ،‬ف ِق َرا َء ُة آ َي ٍة بِ َت َفك ٍر َو َت َفه ٍم َخ ْي ٌر‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ش َفاء َق ْلبِه؛ كَر َر َها‪َ ،‬و َلو مائَة ّ‬
‫ب و َأ ْد َعى إِ َلى ُح ُص ِ‬
‫ول‬ ‫وأنفع لل َق ْل ِ‬
‫ُ‬ ‫مِ ْن قِ َرا َءةِ َخت َْم ٍة بِ َغ ْي ِر َتدَ ب ٍر و َت َفه ٍم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫االيمان‪ ،‬و َذو ِق ح ِ‬ ‫ِ‬
‫أحدُ ُه ُم‬‫الوة ا ْل ُق ْرآن‪َ ،‬و َهذه كَان َْت َعا َد ُة الس َلف‪ُ ،‬ي َر ِّد ُد َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫دها َحتى‬ ‫بت َع ِن النبِي ‪ ‬أن ُه َقا َم بِآ َي ٍة ُي َر ِّد َ‬ ‫اآل َي َة إِ َلى الصباحِ َوقدْ َث َ‬

‫الصباحِ (‪َ ،)1‬و ِه َي َق ْو ُله تعا َلى‪{ :‬إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَن َ‬
‫ت‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬باب ما جاء يف القراءة يف صالة الليل‪ ،429/1 :‬رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)1350‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪16‬‬

‫قلب؛ َول ِ َه َذا‬ ‫أصل َص َالحِ ا ْل ِ‬ ‫آن بالت َفك ِر ِهي ُ‬


‫َ‬
‫الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(‪ ،)1‬فقراء ُة ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الش ْع ِر‪َ ،‬و َال َتنْ ُث ُرو ُه َن ْث َر‬
‫ود ‪« :‬ال هتذوا(‪ )2‬ا ْل ُق ْرآن َهذ ِّ‬ ‫َق َال ابن مسع ٍ‬
‫ْ َ ْ ُ‬

‫(‪ )1‬المائدة‪.118 :‬‬


‫عَة َم ْن ُي ْس ِر ُع فِي‬
‫(‪ )2‬قال بدر الدين العيني‪« :‬الهذ‪ :‬سر َع ُة القراء ِة‪ ،‬أي‪ :‬بِسرع ٍَة كَسر ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫راط فِي ال َع َج َل ِة‪،‬‬ ‫الهذ‪ِ :‬شد ُة اإلسراعِ‪ِ ،‬‬
‫واإل ْف ُ‬ ‫الش ْع ِر»‪ .‬وقال الشيخ محي الدين‪َ « :‬‬
‫قِر ِ‬
‫اءة ِّ‬ ‫َ‬
‫قال جمهور الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لماء»‪َ .‬‬
‫وقال‬ ‫والحث على الت ْرتيلِ‪ ،‬والتدَ ب ِر‪ ،‬وبِه َ ُ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫اله ِّذ‪،‬‬
‫َن َ‬‫ففيه الن ْهي ع ِ‬
‫ُ‬
‫عليه َذل ِ َك؛ ألنه إِ َذا أسرع ِ‬
‫القراءةَ‪ ،‬و َلم ير ِّت ْلها؛ فا َته َفهم ال ُقر ِ‬
‫آن‬ ‫الخَ َّطابِي‪« :‬وإِنما عاب ِ‬
‫ُ ْ ُ ْ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫راك مع ِ‬
‫انيه»‪ ،‬انظر‪ :‬معالم السنن‪ ،‬للخطابي‪ ،283/1 :‬وشرح أبي داود‪ ،‬للعيني‪:‬‬ ‫وإِ ْد ُ َ َ‬
‫‪.301/5‬‬
‫‪17‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫وال َي ُك ْن َهم َأ َح ِد ُك ْم‬ ‫ِ‬


‫وح ِّر ُكوا بِه ا ْل ُق ُل َ‬
‫وب(‪َ ،)2‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْق ِل ‪ ،‬وق ُفوا عنْدَ َع َجائبِه‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ور ِة(‪.)4(»)3‬‬
‫آخ َر الس َ‬
‫ِ‬

‫ور و َما َت ْحويِ ِه مِ ْن ُق ٍ‬


‫لوب‬ ‫القرآن ِشفا ٌء للصدُ ِ‬‫َ‬ ‫اهلل تعا َلى بِ َأن‬
‫و َل َقدْ َأ ْخ َب َر ُ‬
‫بِ َق ْول ِ ِه تعالى‪ { :‬وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء َورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِنيَ وَالَ يَزِيدُ الظَّالِمِنيَ إَ َّال‬

‫خَسَاراً}(‪.)5‬‬

‫فيه؛ ال َي ْجت َِم ُع‬


‫دئ التم ِر ويابِسه‪َ ،‬فتَراه لِيب ِس ِه ورداءتِ ِه ولِعدَ ِم الرغْ ب ِة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ ُْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫(‪ )1‬الدقل‪ :‬هو َر ُ ْ‬
‫ْثورا‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية يف غريب الحديث واألثر‪ ،‬البن األثير‪.127/2 :‬‬ ‫و َي ُ‬
‫كون َمن ً‬
‫ِ‬
‫(وح ِّر ُكوا بِه ا ْل ُق ُل َ‬
‫وب)‪ ،‬ك َِّر ُروا اآليات‪ ،‬وأعيدُ وها على القلوب‪،‬‬ ‫(‪ )2‬المقصود بقوله‪َ :‬‬
‫و َأ َل ِّح ُوا هبا؛ حتى يعقلها القلب‪ ،‬ويتدبرها‪ ،‬ويتفكر بما فيها؛ فتحصل الرقة والخشوع‬
‫والبكاء‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي شيبة يف مصنفه‪ ،‬باب يف قراءة القرآن‪ ،256/2 :‬رقم‪،)8733( :‬‬
‫ٍ‬
‫رواية يف‬ ‫اب َت ْرتِي ِل ا ْل ِق َرا َء ِة‪ ،20/3 :‬رقم‪ ،)4716( :‬ويف‬‫والبيهقي يف السنن الكربى‪َ ،‬ب ُ‬
‫ب ا ْل ُقر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫آن‪َ ،‬و َفزِّ ُعوا‬ ‫عَن ا ْب ِن َم ْس ُعود ‪َ ،‬أن ُه َق َال‪« :‬ق ُفوا َع َلى عَ َجائ ِ ْ‬
‫اآلثار ألبي يوسف‪ِ :‬‬

‫ور ِة َأ ْن َي ْف ُر َغ مِن َْها»‪ ،‬انظر‪ :‬اآلثار‪ ،‬ألبي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ون َهم َأ َحد ُك ْم آخ ُر الس َ‬ ‫بِ ِه ُق ُلو َب ُك ْم‪َ ،‬و َال َي ُك ُ‬
‫يوسف‪.46/1 :‬‬
‫(‪ )4‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة‪ ،‬البن قيم الجوزية‪.187/1 :‬‬
‫(‪ )5‬اإلسراء‪.82 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪18‬‬

‫يض َب ْل‬‫اهنا َليْ َس ْت لِلتبْ ِع ِ‬ ‫ين الر ِازي‪« :‬و َل ْف َظ ُة (مِ ْن) َه ُ‬ ‫قال َف ْخ ُر الد ِ‬
‫* َ‬
‫آن َما ُه َو ِش َفا ٌء‪،‬‬
‫س ال ِذي ُه َو ُق ْر ٌ‬ ‫ْس‪َ ،‬وا ْلم ْعنَى‪َ :‬و ُنن َِّز ُل مِ ْن َه َذا ا ْل ِ‬
‫جنْ ِ‬ ‫َ‬ ‫جن ِ‬‫ِهي ل ِ ْل ِ‬
‫َ‬
‫آن ِش َفا ٌء مِ َن ْاألَ ْم َر ِ‬
‫اض‬ ‫اع َل ْم َأن ا ْل ُق ْر َ‬
‫ين‪َ ،‬و ْ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يع ا ْل ُق ْرآن ش َفا ٌء ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ِ‬
‫َف َجم ُ‬
‫اض ا ْل ُج ْس َمانِي ِة‪َ ،‬أما ك َْو ُن ُه ِش َفا ًء مِ َن‬ ‫وحانِي ِة‪َ ،‬و ِش َفا ٌء َأ ْي ًضا مِ َن ْاألَ ْم َر ِ‬
‫الر َ‬
‫وحانِي َة نوعان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اض الر َ‬ ‫اه ٌر؛ َو َذل ِ َك ألَن ْاألَ ْم َر َ‬ ‫اض الروحانِي ِة َف َظ ِ‬
‫َ‬ ‫ْاألَ ْم َر ِ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫االعتقادات ا ْل َباط َل ُة‪َ ،‬و ْاألَ ْخ َال ُق ا ْل َم ْذ ُمو َم ُة‪َ .‬و َأما ك َْو ُن ُه َر ْح َم ًة ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ب ا ْل َع َقائِ ِد ا ْل َباطِ َل ِة َو ْاألَ ْخ َال ِق‬ ‫اح ا ْل َب َش ِري َة َم ِر َ‬
‫يض ٌة؛ بِ َسبَ ِ‬ ‫اع َل ْم َأن ْاألَ ْر َو َ‬
‫َف ْ‬
‫ات الضا ِّلي َن‬ ‫ان‪ :‬بع ُضهما ي ِفيدُ ا ْل َخ َالص َعن ُشبه ِ‬ ‫آن قِسم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ ُ‬ ‫ا ْل َفاسدَ ة َوا ْل ُق ْر ُ ْ َ‬
‫اب‬‫يم َك ْي ِفي ِة اكْتِ َس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َفا ُء‪َ .‬و َب ْع ُض ُه َما ُيفيدُ َت ْعل َ‬
‫ين َو ُه َو ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َت ْم ِو َيهات ا ْل ُم ْبطلِ َ‬
‫ب‬ ‫ان إِ َلى ِج َو ِار َر ِّ‬ ‫اض َل ِة التِي بِ َها َي ِص ُل ْ ِ‬
‫اإلن َْس ُ‬ ‫ا ْلع ُلو ِم ا ْلعالِي ِة‪ ،‬و ْاألَ ْخ َال ِق ا ْل َف ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬واال ْخت َالط بِ ُز ْم َرة ا ْل َم َالئ َكة ا ْل ُم َقربِ َ‬
‫ين‪َ ،‬و ُه َو الر ْح َم ُة»(‪.)1‬‬ ‫ا ْل َعا َلم َ‬
‫وليس‬ ‫فاء والر ْح َم ِة‪،‬‬‫الش ِ‬‫رآن ُم ْشت َِم ٌل على ِّ‬ ‫وقال الس ْع ِدي‪« :‬فال ُق ُ‬ ‫* َ‬
‫َ‬
‫الم َصدِّ قي َن بآياتِ ِه‪ ،‬العاملي َن بِ ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للمؤمنين بِه‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ذل ِ َك ل ِ ُك ِّل َأ َح ٍد‪ ،‬وإِنما ذل ِ َك‬
‫صديق بِ َه ْأو عَدَ ِم ال َع َم ِل بِ ِه‪َ ،‬فال تزيدُ ُه ْم آيا ُت ُه إِال‬ ‫ِ‬ ‫الظالمون بِ َعدَ ِم الت‬
‫َ‬ ‫وأما‬
‫لش ِ‬ ‫القرآن عام ِ‬ ‫فالشفاء ِ‬ ‫سارا‪ ،‬إ ْذ بِ ِه تقو ُم ِ‬
‫فاء‬ ‫ُ ٌّ‬ ‫الذي َت َضمنَ ُه‬ ‫الحج ُة‪ُ ِّ ،‬‬ ‫عليه ُم ُ‬ ‫َخ ً‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير‪ ،‬للرازي‪.390/21 :‬‬
‫‪19‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫ِ‬
‫واالنحراف الس ِّي ِئ‪،‬‬ ‫اسدَ ِة‪،‬‬ ‫لوب مِن الشب ِه‪ ،‬والجها َل ِة‪ ،‬واآلر ِاء ال َف ِ‬ ‫ال ُق ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول بِ ِه كل ُش ْب َه ٍة‬ ‫الع ْل ِم اليقينِي‪ِ ،‬‬
‫الذي َت ُز ُ‬
‫ِّ‬
‫ود الردِي َئ ِة‪ .‬فإنه م ْشت َِم ٌل ع َلى ِ‬
‫ُ ُ‬
‫وال ُقص ِ‬
‫ُ‬
‫ف َأمر اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ِ‬ ‫كير‪ِ ،‬‬ ‫ظ والت ْذ ِ‬ ‫وجها َل ٍة؛ والو ْع ِ‬
‫يزول بِه كل َش ْه َوة ُتخال ُ ْ َ‬ ‫الذي‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫األبدان مِ ْن آالمِ َها و َأ ْس َقامِها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تعا َلى‪ ،‬ول ِ ِش َف ِ‬
‫اء‬
‫والوسائِ ِل التِي َي ُحث عليها‪،‬‬ ‫األسباب َ‬ ‫ِ‬ ‫فيه مِ َن‬
‫وأما الرحم ُة‪ ،‬فإن ما ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫العاج ِل‬ ‫واب‬‫فاز بالر ْح َم ِة والسعا َد ِة األَ َب ِدي ِة‪ ،‬والث ِ‬ ‫َمتَى َف َع َلها العبدُ ؛ َ‬
‫واآلج ِل»(‪.)1‬‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫القرآن ِش َفا ٌء‪ ،‬وفِي‬
‫ِ‬ ‫وقال َس ِّيدُ ُق ْطب ع َلى اآلية‪« :‬وفِي‬ ‫َ‬ ‫*‬
‫اإليمان؛ َف َأ ْش َر َق ْت‪ ،‬و َت َفت َح ْت ل ِ َت َل ِّقي‬
‫ِ‬ ‫َر ْح َمةٌ؛ ل ِ َم ْن َخا َل َط ْت قلو َب ُه ْم َب َش َ‬
‫اش ُة‬
‫القرآن مِن روحٍ ‪ ،‬و ُطم ْأنين ٍَة و َأ ٍ‬
‫مان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َما فِي‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫يصل القلب باهللِ‬ ‫والح ْي َرةِ؛ َف ُه َو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الو ْس َو َسة وال َق َل ِق َ‬
‫في القرآن شفا ٌء م َن َ‬
‫تعا َلى؛ َفيس ُكن‪ ،‬وي ْطمئِن‪ ،‬ويست َْش ِعر ِ‬
‫الح َما َي َة واألَ ْم َن‪ ،‬و َي ْر َضى؛ َفيَ ْست َْر ِو ُح‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منين‪.‬‬ ‫الر َضا م َن اهلل تعالى؛ وم ْن َثم ُه َو َر ْح َم ٌة ُ‬
‫للم ْؤ َ‬ ‫ِّ‬

‫(‪ )1‬تفسير تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ ،‬للسعدي‪.465/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪20‬‬
‫س والطم ِع والحس ِد ون ََز َغ ِ‬
‫ات‬ ‫اله َوى والد َن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ويف القرآن شفا ٌء م َن َ‬
‫ف والت ِ‬ ‫ض والضع ِ‬ ‫بالم َر ِ‬ ‫ِ‬
‫آفات ال َق ْل ِ‬ ‫وه َي مِ ْن‬ ‫الشي ِ‬
‫طان‪ِ ..‬‬
‫عب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ب‪ُ ،‬تصي ُب ُه َ‬ ‫ْ‬
‫و َتدْ َفع بِ ِه إِ َلى التحط ِم والبِ َلى واالن ِ ِ‬
‫منين‪.‬‬
‫للم ْؤ َ‬‫ْهيار؛ وم ْن َثم ُه َو َر ْح َم ٌة ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عور والت ْف ِ‬
‫كير؛ ف ُه َو‬ ‫الم ْختل ِة فِي الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وفي القرآن شفا ٌء م َن االتجاهات ُ‬
‫ِ‬

‫الم ْث ِم َر ِة‪ ،‬و َي ُكف ُه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫الح ِّري َة في َمجاالته ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْعص ُم ال َع ْق َل م َن الش َطط‪ ،‬و ُي ْطلِ ُق َل ُه ُ‬
‫ٍ‬ ‫يما ال ُي ْج ِدي‪،‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يجعل‬ ‫مضبوط؛‬ ‫ٍ‬
‫سليم‬ ‫ويأخ ُذ ُه بِ َمن َْهجٍ‬
‫ُ‬ ‫َع ْن إِنْفاق َطا َقته ف َ‬
‫ط والز َللِ‪ .‬وكذل ِ َك ُه َو فِي عا َل ِم‬ ‫نَشا َطه منْتِجا وم ْأمونًا‪ ،‬ويع ِصمه مِن الش َط ِ‬
‫َْ ُ ُ َ‬ ‫ُ ُ ً َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الج َس ِد ُين ُ‬
‫ْفق َطا َقاته في اعتدال بِ َال َك ْبت وال َش َطط؛ َف َي ْح َف ُظ ُه َس ً‬
‫ليما‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫منين‪.‬‬
‫للم ْؤ َ‬ ‫الم ْثم ِر؛ وم ْن َثم ُه َو َر ْح َم ٌة ُ‬
‫ُمعا ًفى‪ ،‬و َيدخ ُر طاقاته لإلنتاجِ ُ‬
‫خ ُل بِنَا َء‬‫تماعي ِة التِي ُت َخ ْل ِ‬ ‫الع َل ِل االج ِ‬ ‫القرآن ِشفاء مِن ِ‬
‫ِ‬ ‫وفِي‬
‫ْ‬ ‫ٌ َ‬
‫ظل‬ ‫الجماع ُة فِي ِّ‬
‫َ‬ ‫فتعيش‬‫ُ‬ ‫ب بِ َسال َمتِها و َأ ْمنِها و ُط َم ْأنِينَتِه؛‬ ‫ِ‬
‫الجماعات‪ ،‬و َت ْذ َه ُ‬ ‫َ‬
‫وعدَ ا َلتِ ِه الشامِ َل ِة فِي سال َم ٍة و َأ ْم ٍن و ُط َم ْأنِين ٍَة‪ .‬ومِ ْن َثم ُه َو‬‫تماع ِّي َ‬‫نِظامِ ِه االج ِ‬
‫ْ‬
‫منين»(‪.)1‬‬
‫للم ْؤ َ‬ ‫َر ْح َم ٌة ُ‬
‫ب ُكل َه َذا‪ ،‬و َأ َحس بِ ُك ِّل َه َذا‪َ ،‬و َو َعى ُكل َه َذا‪،‬‬ ‫َفإِ َذا ْ‬
‫است َْش َع َر ال َق ْل ُ‬
‫كار الر ِدي َئ ُة؛ َل ْم َي ُك ْن ُبدٌّ مِ ْن َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫الج ْه ِل والش ُبهات واألَ ْف ُ‬
‫راض َ‬ ‫وا ْن َت َفى َعنْ ُه َأ ْم ُ‬

‫(‪ )1‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لسيد قطب‪.2248/4 :‬‬


‫‪21‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫يمتَلِئ َه َذا ال َق ْلب ال ُقرآنِي السليم مِن محب ِة اهللِ تعا َلى‪ ،‬المنَـ ِّز ِل لِهذا ال ُقر ِ‬
‫آن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫عليه بِ ُك ِّليتِ ِه‪ ،‬و َط ْرحِ ُك ِّل َما ِسوا ُه‪.‬‬
‫بال ِ‬‫واإل ْق ِ‬
‫الحكيم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬

‫ؤمنين‪{ :‬قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫وقال تعا َلى واص ًفا َأ َث َر القرآن ع َلى ُ‬
‫الم‬ ‫* َ‬

‫هُدًى وَشِفَاء}(‪.)1‬‬
‫الكتاب بأن ُه ِشفا ٌء‬
‫َ‬ ‫اهلل تعا َلى‬
‫ف ُ‬
‫ِ‬
‫اآلية‪َ « :‬و َص َ‬ ‫ِ‬
‫تفسير‬ ‫قال ال ُق َش ْي ِري يف‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب َشقاء للكاف َ‬
‫رين‪.‬‬ ‫وس َب ُ‬
‫للمؤمنين‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫حيث استَراحوا بِ ِه َعن َكدِّ ِ‬
‫الف ْك ِر و َت َحي ِر‬ ‫ُ‬ ‫وهو ِشفاء للع َل ِ‬
‫ماء؛‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫الخواطِ ِر‪.‬‬
‫َ‬
‫يه مِن التـنَع ِم بِ َقراءتِ ِه‪ ،‬والت َلذذِ‬
‫ور العابدين؛ لِما ف ِ‬ ‫وه َو ِشفا ٌء ل ِ ِ‬
‫ضيق ُصدُ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫بالت َفك ِر ِ‬
‫فيه‪.‬‬
‫تياق؛ لِما بِ ِه مِن ُل ْط ِ‬
‫ف‬ ‫االش ِ‬ ‫حبين مِن َل ِ‬
‫واعجِ (‪ْ )2‬‬ ‫ِ‬ ‫وه َو ِشفا ٌء ل ِ ُق ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الم ِّ َ َ‬
‫لوب ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واجيد(‪.)1‬‬ ‫الم‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬فصلت‪.44 :‬‬


‫اإلن َْسان فِي قلبه من ألم َأو حزن‬ ‫ِ‬
‫الواع ُج‪ :‬جمع العج‪ ،‬من الل ْع ُج‪ ،‬وهو ما يجده ْ ِ‬
‫َ‬ ‫(‪)2‬‬
‫َأو حب‪ ،‬انظر‪ :‬جمهرة اللغة‪ ،‬البن دريد‪.483/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪22‬‬

‫ِ‬
‫وآثار‬ ‫فين؛ بِ َما َيتَوا َلى عليها مِ ْن ِ‬
‫أنوار التنْزيلِ‪،‬‬ ‫العار َ‬ ‫وه َو ِشفا ٌء ل ِ ُق ِ‬
‫لوب ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العزيز»(‪.)2‬‬ ‫ِخ ِ‬
‫طاب الر ِّب‬
‫اهلل َط ْب ًعا َمائِ ًال إِ َلى ا ْل َح ِّق‪َ ،‬و َق ْل ًبا‬
‫* قال الفخر الرازي‪« :‬إِن ُكل َم ْن آ َتا ُه ُ‬
‫ين‪َ ،‬فإِن َه َذا‬ ‫ب الدِّ ِ‬ ‫الصدْ ِق‪َ ،‬و ِهم ًة َتدْ ُعو ُه إِ َلى َب ْذ ِل ا ْل ُج ْه ِد فِي َط َل ِ‬ ‫ِ‬
‫َمائ ًال إِ َلى ِّ‬
‫ون فِي َح ِّق ِه ُهدً ى َو ِش َفا ًء‪َ .‬أما ك َْو ُن ُه ُهدً ى َف ِألَن ُه َدل ِ ٌيل َع َلى‬ ‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن َي ُك ُ‬
‫ات‪َ ،‬و َأما ك َْو ُن ُه ِش َفا ًء َفإِن ُه إِ َذا َأ ْم َكنَ ُه‬ ‫ات وير ِشدُ إِ َلى ُك ِّل السعاد ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ا ْل َخير ِ‬
‫َْ‬
‫ض ا ْل ُك ْف ِر‬‫االهتِدَ ا ُء َف َقدْ َح َص َل ا ْل ُهدَ ى‪َ ،‬ف َذل ِ َك ا ْل ُهدَ ى ِش َفا ٌء َل ُه مِ ْن َم َر ِ‬ ‫ْ‬
‫َوا ْل َج ْه ِل»(‪.)3‬‬
‫* وقال الس ْع ِدي‪{« :‬قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}‪ ،‬أي‪َ :‬ي ْه ِ‬
‫ديه ْم‬
‫المستقيم‪ ،‬و ُي َع ِّل ُم ُه ْم مِ َن العلو ِم النافِ َع ِة‪ ،‬ما بِ ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصراط‬ ‫ريق الر ْش ِد‬
‫ل ِ َط ِ‬

‫(‪ )1‬المواجيد‪ :‬مصطلح يدل على ما يجده العابد يف قلبه من ذوق اإليمان والمحبة‬
‫الم َلكِي ِة‪ ،‬والذوق أول المواجيد‪ ،‬ومن‬
‫والعبادة‪ ،‬والواردات اإللهية‪ ،‬والخواطر َ‬
‫المواجيد ما يكون صاد ًقا‪ ،‬ومنه ما هو كاذب؛ وذلك بحسب صاحبها‪ ،‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫الصوفية‪ ،‬للسلمي‪ ،370/1 :‬الطبقات الكربى‪ ،‬للشعراين‪.128/1 :‬‬
‫(‪ )2‬لطائف اإلشارات‪ ،‬للقشيري‪.336/3 :‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير‪ ،‬للرازي‪.570/27 :‬‬
‫‪23‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫لهم مِ َن األَ ْسقا ِم ال َبدَ نِي ِة‪ ،‬واألسقا ِم ال َق ْلبِي ِة؛‬ ‫ِ‬ ‫َت ْح ُص ُل ِ‬
‫الهدا َي ُة التام ُة وش َفا ٌء ْ‬
‫ألعمال‪ ،‬و َي ُحث ع َلى الت ْو َب ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األخالق‪ ،‬وأق َبحِ ا‬ ‫عن َم ِ‬
‫ساو ِئ‬ ‫ألن ُه َي ْز ُج ُر ْ‬
‫ِ‬ ‫النصوحِ ‪ ،‬التِي َت ْغ ِس ُل‬
‫لوب»(‪.)1‬‬ ‫الذنوب‪ ،‬و َت ْشفي ال َق َ‬
‫َ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً َ َّ ُ ُ‬
‫حبي بالقرآنِ‬
‫صية امل ِ‬
‫سادسا‪ :‬و ِ‬
‫ب هللِ تعا َلى مِ ْن كَال ِم اهللِ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المح ِّ‬
‫ِ‬
‫ب ال َع ْبد ُ‬ ‫أثرا ع َلى َق ْل ِ‬ ‫ال أبلغ ً‬
‫ات الث َال َث ِة‪:‬‬ ‫آن بِ ِ‬
‫اال ْعتِبار ِ‬ ‫«فسماع َخاص ِة ا ْل َخاص ِة ا ْلم َقربِين ُهو سماع ا ْل ُقر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْد َراكًا َو َف ْه ًما‪َ ،‬و َتدَ بـ ًرا‪َ ،‬وإِ َجابَةً‪َ .‬و ُكل َس َما ٍع في ا ْل ُق ْرآن َمدَ َح ُ‬
‫اهلل َأ ْص َحا َب ُه‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫اع‪ ،‬فهو َحاد َي ْحدُ و ا ْل ُق ُل َ‬
‫وب‬ ‫َو َأ ْثنَى َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬و َأ َم َر بِه َأ ْول َيا َء ُه؛ َف ُه َو َه َذا الس َم ُ‬
‫(‪)2‬‬

‫ار ْاألَ ْف َراحِ ‪،‬‬‫اح إِ َلى دِ َي ِ‬ ‫وب‪َ ،‬و َسائِ ٌق َي ُس ُ‬


‫وق ْاألَ ْر َو َ‬ ‫إِ َلى ِج َو ِار َعال ِم ا ْل ُغ ُي ِ‬

‫ات‪،‬‬‫ات‪ ،‬و َأر َف ِع الدرج ِ‬ ‫ات إِ َلى َأ ْع َلى ا ْلم َقام ِ‬ ‫ومحر ٌك يثِير ساكِن ا ْلع َزم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ ِّ ُ ُ َ َ َ َ‬
‫َان‪َ ،‬و َدا ٍع َيدْ ُعو‬‫جن ِ‬ ‫ْب فِي َط ِر ِ‬
‫يق ا ْل ِ‬ ‫ان‪َ ،‬و َدل ِ ٌيل َي ِس ُير بِالرك ِ‬ ‫َادي ل ِ ْإلِيم ِ‬‫َاد ين ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َو ُمن ُ‬
‫اإل ْص َباحِ ‪َ :‬حي َع َلى ا ْل َف َالحِ ‪َ ،‬حي‬ ‫اء َوالص َباحِ ‪ ،‬مِ ْن قِ َب ِل َفال ِـ ِق ْ ِ‬ ‫ا ْل ُق ُلوب بِا ْلمس ِ‬
‫َ َ َ‬
‫اع إِ ْر َشا ًدا ل ِ ُحج ٍة‪َ ،‬و َت ْب ِص َر ًة‬
‫اخت ََار َه َذا الس َم َ‬ ‫َع َلى ا ْل َف َالحِ ‪َ .‬ف َل ْم ُي ْعدَ ْم َم ِن ْ‬

‫(‪ )1‬تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ ،‬للسعدي‪.751/1 :‬‬


‫(‪ )2‬ا ْلح ِ‬
‫ادي‪ :‬من َحدَ ا ْ ِ‬
‫ليح ُصل َل َها ن ٌ‬
‫َشاط‬ ‫اإلبِل‪َ ،‬ي ْحدُ وها‪ ،‬إِذا َس َ‬
‫اقها‪ ،‬وغَنى َل َها؛ ْ‬ ‫َ‬
‫وارتياح فِي الس ْي ِر‪ ،‬انظر‪ :‬تاج العروس‪ ،‬للزبيدي‪.59/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪24‬‬

‫ل ِ ِع ْب َر ٍة‪َ ،‬و َت ْذكِ َر ًة ل ِ َم ْع ِر َف ٍة‪َ ،‬وفِ ْك َر ًة فِي آ َي ٍة‪َ ،‬و َد َال َل ًة َع َلى ُر ْش ٍد‪َ ،‬و َر ًّدا َع َلى‬
‫َض َال َل ٍة‪َ ،‬وإِ ْر َشا ًدا مِ ْن َغ ٍّي‪َ ،‬وبَ ِص َير ًة مِ ْن َع ًمى‪َ ،‬و َأ ْم ًرا بِ َم ْص َل َح ٍة‪َ ،‬ون َْه ًيا َع ْن‬
‫اجا مِ ْن ُظ ْل َم ٍة‪َ ،‬و َز ْج ًرا َع ْن َه ًوى‪،‬‬ ‫ور‪َ ،‬وإِ ْخ َر ً‬ ‫َم َضر ٍة َو َم ْف َسدَ ٍة‪َ ،‬و ِهدَ ا َي ًة إِ َلى ُن ٍ‬

‫ب‪َ ،‬و ِغ َذا ًء َو َد َوا ًء َو ِش َفا ًء‪،‬‬ ‫َو َح ًّثا َع َلى ُت ًقى‪َ ،‬و َج َال ًء ل ِ َب ِص َير ٍة‪َ ،‬و َح َيا ًة ل ِ َق ْل ٍ‬

‫ان‪َ ،‬و َت ْح ِق َيق َح ٍّق‪َ ،‬وإِ ْب َط َال‬ ‫يضاح بر َه ٍ‬


‫ف ُش ْب َهة‪َ ،‬وإِ َ َ ُ ْ‬
‫ٍ‬ ‫َو ِع ْص َم ًة َون ََجاةً‪َ ،‬وك َْش َ‬
‫ب ال َع ْبدَ بِر ِّب ِه َت َبار َك و َت َعا َلى؛ لِما َي ِ‬
‫جدُ‬ ‫وه َذا ُكله بالض ِ‬
‫رورة ُي َح ِّب ُ‬ ‫ُ‬ ‫َباطِ ٍل»(‪)1‬؛ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وسعة إِ ْحسانِ ِه إِ َلى‬
‫ِ‬ ‫وض َعطائِ ِه‪،‬‬ ‫يم ِص َفاتِ ِه و ُف ُي ِ‬ ‫فِي آياتِ ِه مِ ْن إِ ْرشادٍ ع َلى َعظِ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫غير استِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اهلل‬
‫ب َ‬ ‫حقاق َل ُه ْم منْ ُه بِ َش ْيء؛ كما ُي َح ِّب ُ‬ ‫َخ ْلقه؛ ك ََر ًما منْ ُه و َت َفض ًال‪ ،‬م ْن ِ ْ‬
‫الو ِصي ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اع آياته ع َلى ُك ِّل َسماعٍ؛ ل َذل َك َك ُث َرت َ‬ ‫َتعا َلى بِ َع ْبده الذي ُي ْؤث ُر َس َم َ‬
‫واستِ ْشفا ًء‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫بِكِ ِ ِ‬
‫فقال‬ ‫وع َم ًال‪ْ ،‬‬ ‫تاب اهلل َتعا َلى ت َ‬
‫الو ًة و ُمدَ َار َس ًة و َف ْه ًما و َتدَ بـ ًرا‪َ ،‬‬

‫آمرا بتالوتِ ِه‪{ :‬وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيالً}(‪َ .)2‬‬


‫وقال تعا َلى َحا ًّثا ع َلى‬ ‫اهلل َتعا َلى ً‬
‫ُ‬
‫َتدَ ب ِر ِه‪{ :‬كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}(‪َ ،)3‬‬
‫وقال‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬البن قيم الجوزية‪:‬‬
‫‪.481/1‬‬
‫(‪ )2‬المزمل‪.4 :‬‬
‫(‪ )3‬ص‪.29 :‬‬
‫‪25‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ِ‬
‫بالقرآن‪{ :‬وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَ ٌة‬ ‫تعا َلى مر ِّغبا فِي االستِ ْش ِ‬
‫فاء‬ ‫ْ‬ ‫َُ ً‬
‫وقال تعا َلى مبينًا بال ِ َغ َأ َث ِر ال ُقر ِ‬
‫آن ع َلى‬ ‫لِّلْمُؤْمِنِنيَ وَالَ يَزِيدُ الظَّالِمِنيَ إَ َّال خَسَار ًا}(‪َ ،)1‬‬
‫ْ‬ ‫ُ َ ِّ‬

‫َأ ْهلِ ِه‪{ :‬اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِي َن يَخْشَوْنَ‬

‫رَبَّهُمْ ثُ َّم تَلِنيُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ َمنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ‬
‫غال بال ُقر ِ‬
‫آن‪،‬‬ ‫االشتِ ِ‬ ‫فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(‪َ ،)2‬‬
‫وقال سبحا َن ُه و َت َعا َلى ُم َه ِّي ًجا ع َلى ْ‬
‫ْ‬
‫خاذ ِه َع َم ًال وتِ َج َارةً‪{ :‬إِنَّ الَّذِي َن يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا‬
‫وا ِّت ِ‬

‫رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}(‪.)3‬‬


‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ْ ُ َ َّ ُ‬ ‫ً‬
‫صية الصاحلي‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫آن‬ ‫ر‬ ‫الق‬ ‫ا‪:‬‬ ‫سابع‬
‫قارئِ ِ‬
‫خير شافِ ٍع ل ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُثم إِن النبِي ‪َ ‬أ ْع َظم َش ْأ َن تِ ِ‬
‫يه؛‬ ‫الوة ال ُق ْرآن‪َ ،‬ف َبي َن َأن ُه ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول‪« :‬ا ْق َر ُءوا‬‫ول اهللِ ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫اهلِي ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬
‫فعن أبي أ َما َم َة ال َب ِّ‬

‫(‪ )1‬اإلسراء‪.82 :‬‬


‫(‪ )2‬الزمر‪.23 :‬‬
‫(‪ )3‬فاطر‪.29 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪26‬‬

‫ف مِ ْن‬ ‫آن؛ َفإِن ُه َي ْأتِي َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َش ِفي ًعا ألَ ْص َحابِ ِه»(‪ ،)1‬و َقدْ َسبَ َق َط َر ٌ‬ ‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫سول اهللِ ‪ ‬بال ُقر ِ‬
‫آن‪.‬‬ ‫َو ِصي ِة ر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وت‬‫العظيم ِغ َذا ٌء و ُق ٌ‬ ‫آن‬‫عود ‪ ‬أن ال ُق ْر َ‬ ‫* كَما َأ ْخبـر عبدُ اهللِ بن مس ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المبي ُن‬
‫ور ُه ُ‬ ‫صول‪ ،‬الذي َال َينْ َقط ُع َأ َبدً ا‪ ،‬وأن ُه ُن ُ‬ ‫الم ْو ُ‬ ‫وزا ٌد‪َ ،‬و َأن ُه َح ْب ُل اهلل َ‬ ‫َ‬
‫لوب‪ ،‬ال‬ ‫دان وال ُق ِ‬ ‫الذي ال ينْ َط ِفئ‪ ،‬وال ي ْخبو َأبدً ا‪ ،‬و َأنه ِش َف ٌاء ل ِ ِع َل ِل األَب ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ف بِ ِه َأ َبدً ا‪َ ،‬و َأن ُه ِع ْص َم ٌة و َمنْجا ٌة ل ِ َم ْن َت َمس َك بِ ِه؛ َفال َي ِز ُ‬
‫يغ َم ْن‬ ‫يخيب مست َْش ٍ‬
‫َ ُ ُ ْ‬
‫َس َل َك طري َق ُه وال َي ِضل‪ ،‬وال َي ْش َقى؛ َف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َم ْس ُعودٍ ‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِن‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم‪ ،‬إِن َه َذا ا ْل ُق ْر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‬ ‫آن َم َأ ُد َب ُة اهلل؛ َف َت َعل ُموا َم ْأ ُد َب َة اهلل َت َعا َلى َما ْ‬
‫َه َذا ا ْل ُق ْر َ‬
‫ين‪َ ،‬و ِش َفا ٌء نَافِ ٌع‪َ ،‬و ِع ْص َم ٌة ل ِ َم ْن َت َمس َك بِ ِه‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ور ُمبِ ٌ‬ ‫ين‪َ ،‬و ُن ٌ‬ ‫َح ْب ُل اهلل ا ْل َمت ُ‬
‫َب(‪.)3(»)2‬‬ ‫َو َمن َْجا ٌة ل ِ َم ْن َتبِ َع ُه َال َي ْع َوج؛ َف ُي َقو ُم‪َ ،‬و َال َي ِز ُ‬
‫يغ؛ َف ُي ْس َت ْعت ُ‬

‫ور ِة ا ْل َب َق َر ِة‪ ،553/1 :‬رقم‪.)804( :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫اب َف ْض ِل ق َرا َءة ا ْل ُق ْرآن‪َ ،‬و ُس َ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪َ ،‬ب ُ‬
‫اإلحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫عَن ْ ِ ِ‬
‫ان‪ ،‬والمعنى‪ :‬ال يزيغ ويبتعد عن‬ ‫اإل َسا َءة إِ َلى ْ ْ َ‬ ‫(‪ )2‬االستعتاب‪ :‬الر ُجوع ِ‬

‫َب بأ ْن ُي ْط َل َ‬
‫ب منه الرجوع من إساءته إلى اإلحسان‪ ،‬انظر‪ :‬كشف‬ ‫الحق؛ ف ُي ْس َت ْعت ُ‬
‫المشكل من حديث الصحيحين‪ ،‬البن الجوزي‪.505/3 :‬‬
‫(‪ )3‬تنبيه الغافلين بأحاديث سيد األنبياء والمرسلين‪ ،‬للسمرقندي‪.421/1 :‬‬
‫‪27‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫رين؛ َف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن‬ ‫ِ‬


‫لين واآلخ َ‬
‫(‪ِ )1‬‬
‫* و َدلنَا ‪َ ‬ع َلى َمن َْه ِل ع ْل ِم األَو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َم ْس ُعودٍ ‪َ « :‬م ْن َأ َرا َد ا ْل ِع ْل َم َف ْل ُيثَ ِّو ِر(‪ )2‬ا ْل ُق ْر َ‬
‫ين‬‫آن؛ َفإِن فيه ع ْل َم ْاألَول َ‬
‫َو ْاآل ِخ ِري َن»(‪.)3‬‬
‫قار َئ‬ ‫اهلل َعن ُْهما‪َ ،‬أن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بن َع ْم ِرو ِ‬ ‫ِ‬
‫العاص َرض َي ُ‬ ‫بن‬ ‫* ك ََما أفا َد عبدُ اهلل ُ‬
‫ث النـبو ِة؛ وإِ ْن َلم يوح إِ َلي ِه‪ ،‬و َأنه ُأ ْعطِي َأ ْف َض َل ما ُأ ْعطِي ِ‬ ‫ِ‬
‫العبا ُد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ َ ْ‬ ‫ال ُق ْرآن َو ِار ُ ُ‬
‫آن‬ ‫قال‪َ « :‬م ْن َق َر َأ ال ُق ْر َ‬
‫اهلل َعن ُْه َما‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫عمرو َرض َي ُ‬ ‫بن ٍ‬ ‫عبد اهللِ ِ‬ ‫مِن ال َف ْضلِ؛ َفعن ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫رآن‬ ‫بين َجنْ َب ْي ِه؛ إِال َأن ُه ال ُي ْو َحى إِ َليْ ِه‪ ،‬و َم ْن َق َر َأ ال ُق َ‬ ‫ِ‬
‫اس ُتدْ ِر َجت النـ ُبـو ُة َ‬ ‫َف َك َأن َما ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َر َأى َأن َأ َحدً ا مِ َن َ‬
‫الخ ْل ِق ُأ ْعط َي َأ ْف َض َل مما ُأ ْعط َي؛ َف َقدْ َحق َر َما َعظ َم ُ‬
‫اهلل‬
‫اهلل تعالى»(‪.)4‬‬ ‫وعظ َم َما َحق َر ُ‬ ‫تعالى‪َ ،‬‬

‫اس‪ ،‬ومِنْ ُه َي ْر َت ُو َ‬
‫ون‪ ،‬انظر‪ :‬تاج العروس‪ ،‬للزبيدي‪:‬‬ ‫الم ْش َر ُب الذي َي ِر ُد ُه الن ُ‬
‫المن َْه ُل‪َ :‬‬
‫(‪َ )1‬‬
‫‪.47/31‬‬
‫(‪ )2‬يقصد بقوله‪َ ( :‬ف ْل ُي َث ِّو ِر)‪ُ :‬ي َه ِّي ْج‪ ،‬و ُي َح ِّر ْك؛ وذلك بكثرة تكراره وعرضه على القلوب‬
‫مرة بعد مرة؛ حتى يستخرج منها الخشية والخشوع والتعظيم والمحبة وكل معاين‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وح ِّر ُكوا بِه ا ْل ُق ُل َ‬
‫وب)‪.‬‬ ‫الخير‪ ،‬وهذا شبيه بقوله ‪( :‬وق ُفوا عنْدَ َع َجائبِه‪َ ،‬‬
‫(‪ )3‬الزهد‪ ،‬ألحمد بن حنبل‪.129/1 :‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪.225/68 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪28‬‬

‫آن ُم َب ِّل ٌغ َع ِن اهللِ تعا َلى بِ َأ ْخ َص ِر َط ٍ‬


‫ريق‪ ،‬و َأ ْق َص ِر َسن ٍَد‬ ‫قار ُئ ال ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫* َو ِ‬

‫رظي فِي َق ْول ِ ِه‪{ :‬لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}(‪،)1‬‬ ‫ٍ ُ‬ ‫ِ ِ‬


‫وأ ْو َصله؛ ف َع ْن ُم َحمد ْبن َك ْعب الق ِّ‬
‫َ ِِ‬

‫آن؛ َف َقدْ َأ ْب َل َغ ُه ُم َحمدٌ ‪ ،»‬وفِي ِروا َي ٍة َعنْ ُه‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬م ْن‬
‫َق َال‪َ « :‬م ْن َب َل َغ ُه ا ْل ُق ْر ُ‬

‫آن؛ َف َك َأن َما َر َأى النبِي ‪ُ .‬ثم َق َر َأ‪{ :‬وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ}»(‪،)2‬‬ ‫َب َل َغ ُه ا ْل ُق ْر ُ‬
‫اهلل ‪.)3(»‬‬ ‫آن؛ َف َك َأن َما كَل َم ُه ُ‬ ‫وفِي ِر َوا َي ٍة َعنْ ُه‪َ ،‬‬
‫قال‪َ « :‬م ْن َب َل َغ ُه ال ُق ْر ُ‬
‫اآلفاق الرحي َب ِة‪ ،‬ك ََما َأ ْخ َبر بِ َذل ِ َك َز ْي ُن‬
‫ِ‬ ‫ور ْح َل ٌة يف‬‫آن ُن ْز َه ٌة ِ‬‫* َفتِالو ُة ال ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ين‪َ ،‬ف َأ ْين ََما َحلوا مِنْ ُه؛‬
‫ارف َ‬
‫َان ا ْلع ِ ِ‬
‫آن ُب ْست ُ َ‬ ‫قال‪« :‬ا ْل ُق ْر ُ‬
‫اس ٍع‪َ ،‬‬ ‫آن‪ ،‬محمدُ بن و ِ‬
‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫ال ُق ْر ُ َ‬
‫َحلوا فِي ُن ْز َه ٍة»(‪.)4‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫وجن ٌة عاج َلةٌ؛ فعن ُم َحمد ْب ِن إِ ْب َراه َ‬ ‫َعيم حاض ٌر‪َ ،‬‬ ‫* َو ُه َو ن ٌ‬
‫ِ‬ ‫يقول ‪َ -‬و َذك ََر َي ْو ًما ل ِ َب ْع ِ‬ ‫« َس ِم ْع ُت ا ْل ُجنَ ْيدَ ْب َن ُم َحم ٍد‪،‬‬
‫ين(‪:-)5‬‬ ‫ض ا ْل ُم ِريد َ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬األنعام‪.19 :‬‬


‫(‪ )2‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.182/9 :‬‬
‫(‪ )3‬الجواهر الحسان يف تفسير القرآن‪ ،‬للثعالبي‪ ،‬المسمى‪ :‬تفسير الثعالبي‪.452/2 :‬‬
‫(‪ )4‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.347/2 :‬‬
‫(‪ )5‬المريد‪ :‬من انقطع إلى اهلل تعالى عن نظر واستبصار‪ ،‬وتجرد عن إرادته‪ ،‬إذا علم‬
‫أنه ما يقع يف الوجود إال ما يريده اهلل تعالى ال يريده غيره‪ ،‬فيمحو إرادته يف إرادته‪ ،‬فال‬
‫‪29‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫اغ ْو َثا بِاهللِ‪َ ،‬م ِريدٌ َال َي ْح َف ُظ ا ْل ُق ْر َ‬


‫آن‬ ‫آن؟ َف َق َال‪َ :‬ال‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬و َ‬ ‫َت ْح َف ُظ ا ْل ُق ْر َ‬
‫يح َل َها‪َ ،‬فيِما َي َتنَعم؟ َفيِما َيتَرنم؟ َفيِما ُين ِ‬ ‫ٍ (‪)1‬‬
‫َاجي َرب ُه؟ َأ َما َت ْع َل ُم‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َك ُأ ْت ُرجة َال ِر َ‬
‫اع الن َغ ِم(‪ )2‬مِ ْن َأ ْن ُف ِس ِه ْم َو َغ ْي ِر ِه ْم»(‪.)3‬‬
‫ين َس َم ُ‬
‫َأن َعي َش ا ْلع ِ ِ‬
‫ارف َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫* َو ُه َو َلذ ٌة َال َي ْع ِد ُلها وال ُيدَ انِيها ُكل َل َذائِ ِذ الدنْيا و ُمت َِع َها؛ فعن َأ ْح َمدَ‬
‫آن‪َ ،‬ف َأ ْن ُظ ُر فِي آ َي ٍة آ َي ٍة؛ َف َي َح ُار َع ْقلِي فِ َيها‪،‬‬
‫ْب ِن َأبِي ا ْل َح َو ِار ِّي‪« :‬إِنِّي َألَ ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ‬

‫يريد إال ما يريده الحق‪ ،‬وهو من مص َط َل ِ‬


‫حات الصوفية‪ ،‬انظر‪ :‬التعريفات‪ ،‬للجرجاين‪:‬‬ ‫ُ ْ‬
‫‪ ،208/1‬والتوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬للمناوي‪.303/1 :‬‬
‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي‬ ‫عَن َأبِي ُم َ‬‫(‪ )1‬يشير هبذا إلى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫المؤْ مِ ِن ال ِذي َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬ ‫‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫يح َها‬‫آن ك ََم َث ِل األُ ْت ُرجة‪ِ ،‬ر ُ‬ ‫ول اهلل ‪َ « :‬مثَ ُل ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫المؤْ مِ ِن ال ِذي َال َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫يح َل َها‬ ‫آن ك ََم َث ِل الت ْم َرة‪َ ،‬ال ِر َ‬ ‫ب‪َ ،‬و َم َث ُل ُ‬ ‫ب َو َط ْع ُم َها َط ِّي ٌ‬ ‫َط ِّي ٌ‬
‫ِ‬ ‫المنَافِ ِق ال ِذي َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫ب َو َط ْع ُم َها‬ ‫يح َها َط ِّي ٌ‬‫آن َم َث ُل الر ْي َحانَة‪ِ ،‬ر ُ‬ ‫َو َط ْع ُم َها ُح ْل ٌو‪َ ،‬و َم َث ُل ُ‬
‫ِ‬ ‫المنَافِ ِق ال ِذي َال َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫يح َو َط ْع ُم َها ُم ٌّر»‪،‬‬ ‫الحنْ َظ َلة‪َ ،‬ل ْي َس َل َها ِر ٌ‬ ‫آن ك ََم َث ِل َ‬ ‫ُم ٌّر‪َ ،‬و َم َث ُل ُ‬
‫و(األترجة) ثمر من جنس الليمون‪ .‬واألترجة من أفضل الثمار؛ لكرب حجمها‬
‫ومنظرها‪ ،‬وطيب طعمها‪ ،‬ولين ملمسها‪ ،‬ولوهنا يسر الناظرين‪ ،‬انظر‪ :‬شرح محمد عبد‬
‫الباقي على سنن ابن ماجه‪.77/1 :‬‬
‫(‪ )2‬المقصود بالنغم هنا‪ :‬سماع نغم تالوة القرآن الكريم‪.‬‬
‫(‪ )3‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.224/10 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪30‬‬

‫يه ُم الن ْو ُم‪َ ،‬و ُي ِسي ُغ ُه ْم َأ ْن َي ْشت َِغ ُلوا بِ َش ْي ٍء‬


‫ف ُي ْهن ِ ِ‬ ‫اظ ا ْل ُقر ِ‬
‫آن َكيْ َ‬ ‫ْ‬
‫و َأ ْعجب مِن حف ِ‬
‫َ َ ُ ْ ُ‬
‫ون‪َ ،‬و َع َر ُفوا‬‫ون ك ََال َم الر ْح َم ِن؟! َأ َما َل ْو َف ِه ُموا َما َيتْ ُل َ‬ ‫مِ َن الد ْن َيا‪َ ،‬و ُه ْم َي َتـ َكل ُم َ‬
‫ب َعن ُْه ُم الن ْو ُم؛ َف َر ًحا بِ َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاجا َة بِه؛ َل َذ َه َ‬‫است َْح َلوا ا ْل ُمن َ‬‫َحق ُه‪َ ،‬و َت َلذ ُذوا بِه‪َ ،‬و ْ‬
‫ُر ِز ُقوا َو ُو ِّف ُقوا»(‪.)1‬‬
‫ان بِـ َو ْعـ ِد ِه َو َو ِعـيــ ِد ِه *** ُمــ َقـــ َل ا ْل ُعيــ ِ‬
‫ون بِ َل ْيـ ِل َها َأ ْن ت َْه َجـ ُع‬ ‫َمـنَــ َع ا ْلـ ُقــ َر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َوتَخْ َض ُع‬ ‫الر َق ُ‬ ‫َف ِه ُموا َع ِن ا ْل َملك الْ َكرِي ِم ك َََل َم ُه *** َف ْه ًما تَذل َل ُه ِّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ان ‪َ « :‬ل ْو‬ ‫فاؤها؛ َق َال ُع ْث َم ُ‬ ‫وص ُ‬ ‫َقاؤها َ‬‫لوب ون ُ‬ ‫هار ُة ال ُق ِ‬ ‫* َو ُه َو َط َ‬


‫َط ُه َر ْت ُق ُلو ُب ُك ْم؛ َما َشبِ ْعتُ ْم مِ ْن ك ََال ِم اهللِ ‪.)3(»‬‬
‫آن‪ ،‬وهو سبحا َن ُه‬ ‫الذي َت َكلم بال ُقر ِ‬ ‫وما ذلك إال ألن «اهلل سبحا َنه ُهو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت مِ ْن َم َحبتِ ِه ل ِ َس َما ِع كَالمِ ِه مِ ْن ُه(‪،)4‬‬
‫للقار ِئ الحس ِن الصو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْأ َذ ُن َو َي ْست َِم ُع‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪ ،22/10 :‬وصفة الصفوة‪ ،‬البن‬
‫الجوزي‪.390/2 :‬‬
‫(‪ )2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.369/9 :‬‬
‫(‪ )3‬الزهد ألحمد بن حنبل‪.106/1 :‬‬
‫(‪ )4‬إشارة إلى الحديث الذي أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬وابن ماجه يف سننه‪ ،‬وابن‬
‫ول اهللِ ‪َ « :‬لل ُه َأ َشد َأ َذنَا إِ َلى‬
‫ِحبان يف صحيحه‪ ،‬عَ ْن َف َضا َل َة ْب ِن ُعبَ ْي ٍد ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ب ا ْل َق ْين َِة إِ َلى َق ْينَتِ ِه»‪ ،‬وضعفه األلباين‪.‬‬ ‫آن‪ ،‬مِن ص ِ‬
‫اح ِ‬ ‫ْ َ‬
‫ت بِا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫الرج ِل ا ْلحس ِن الصو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫‪31‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫است ََم َع»(‪َ ،)1‬وفِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اله ْم َزة والذال َم ْصدَ ُر َأذ َن َي ْأ َذ ُن‪ ،‬إِ َذا ْ‬‫و(األَ َذ ُن) بِ َفتْحِ َ‬
‫اهلل ل ِ َش ْي ٍء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ « :‬ما َأذ َن ُ‬‫يث َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ،‬أن ُه َس ِم َع النبِي ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫الح ِد ِ‬
‫َ‬
‫آن َي ْج َه ُر بِ ِه»(‪.)2‬‬
‫ت‪ ،‬يتَ َغنى بِا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َما َأذ َن لنَبِ ٍّي َح َس ِن الص ْو َ‬
‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ ُ ِّ‬ ‫ً‬
‫آن‬
‫هلل تعالى مع القر ِ‬
‫ثامنا‪ :‬حال العب ِد املحِب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جيب‪ ،‬ال يشبه حال‬ ‫المحب هلل تعا َلى‪َ ،‬ف َل ُه َش ْأ ٌن َم َع ال ُق ْرآن َع ٌ‬ ‫َأما ال َع ْبدُ ُ‬
‫العبد مع كتب ملوك الدنيا ورسائلهم‪ ،‬وهذا تمام وصف َأ ْح َوال ِ ِه فِي ِست ِة‬
‫وت‪:‬‬ ‫ُنع ٍ‬
‫ُ‬
‫َْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ْ ُ ِّ َ َ‬
‫األول‪ِ :‬إقبال العبدِ املحِب على ِكتابِ اهللِ تعالى بِقل ِب ِه وقال ِب ِه‬
‫حب ع َلى كِتَاب َم ْحبوبِ ِه‪،‬‬ ‫تاب اهللِ تعا َلى كَما ي ْقبِ ُل الم ِ‬ ‫َف ُه َو ُي ْقبِ ُل ع َلى كِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫الل َما‬ ‫والج ِ‬‫َ‬ ‫اله ْي َب ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاب َر ِّبه ‪َ ‬أ َخ َذ ُه م َن َ‬
‫ِ‬
‫إقباال‪َ ،‬فإِذا َما َأ ْم َس َك كت َ‬
‫ْبل َأ ْع َظ ُم ً‬
‫تاب اهللِ تعالى؛ كما ُر ِو َي َع ِن ا ْب ِن َأبِي ُم َل ْي َكةَ‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ظيما لِكِ ِ‬
‫َم َألَ َق ْل َب ُه َت ْع ً‬
‫ف َف َي َض ُع ُه َع َلى َو ْج ِه ِه َو َي ْبكِي‪،‬‬
‫َان ِع ْك ِر َم ُة ْب ُن َأبِي َج ْه ٍل َي ْأ ُخ ُذ ا ْل ُم ْص َح َ‬
‫«ك َ‬

‫(‪ )1‬روضة المحبين ونزهة المشتاقين‪ ،‬البن قيم الجوزية‪.268/1 :‬‬


‫آن َم َع الكِ َرا ِم‬
‫اهر بِال ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬باب َقو ِل النبِي ‪ِ « :‬‬
‫الم ُ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ال َبـ َر َر ِة»‪َ « ،‬وزَ ِّينُوا ال ُق ْر َ‬
‫اب‬ ‫آن بِ َأ ْص َوات ُك ْم»‪ ،158/9 :‬رقم‪ ،)7544( :‬ومسلم‪َ ،‬ب ُ‬
‫آن‪ ،545/1 :‬رقم‪.)792( :‬‬ ‫ين الصو ِ‬
‫ت بِا ْل ُقر ِ‬ ‫اب َت ْح ِس ِ‬ ‫استِ ْح َب ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪32‬‬

‫ف َم َع َن ْف ِسه و ُيخاطِ ُبها ُم َذك ًِّرا‬‫َاب َر ِّبي‪َ ،‬وك ََال ُم َر ِّبي»(‪ ،)1‬ثم َي ِق ُ‬ ‫وي ُق ُ ِ‬
‫ول‪ :‬كت ُ‬ ‫ََ‬
‫أن ال َت ْشت َِغ َل بِ َسوا ُه‪ ،‬كَما َ‬
‫قيل‬ ‫إِياها َع َظ َم َة َما َس َي ْت ُلوا‪ ،‬و َي ْأ ُخ ُذ عل ْيها ال َع ْهدَ ْ‬
‫سير قول ِ ِه تعا َلى‪{ :‬يَا يَحْيَى خُذِ ا ْلكِتَابَ ِبقُوَّةٍ}(‪ُ :)2‬ه َو َأ ْخ ُذه بِ ِ‬
‫جدٍّ‬ ‫فِي َت ْف ِ‬

‫َ‬
‫يكون‬ ‫س‪ ،‬و َأ ْخ ُذ ُه ِ‬
‫بالجدِّ ْ‬
‫أن‬ ‫حديث الن ْف ِ‬‫ِ‬ ‫ب َو َت ْر ِك‬
‫وح ُضو ِر ا ْل َق ْل ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫واجتهاد ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫لبعض ِه ْم‪ :‬إِ َذا‬ ‫الهم ِة إِ َل ْي ِه َع ْن َغ ْي ِر ِه‪َ ،‬‬
‫وقيل‬ ‫ف ِ‬ ‫ُمت ََج ِّر ًدا َل ُه ِعنْدَ قِ َرا َءتِ ِه‪ُ ،‬من َْص ِر َ‬
‫فقال‪َ :‬أ َو َش ْي ٌء َأ َحب إِ َلي مِ َن‬ ‫ث َن ْف َس َك بِ َشي ٍء؟‪َ ،‬‬ ‫آن‪ُ ،‬ت َحدِّ ُ‬ ‫َق َر ْأ َت ال ُق ْر َ‬
‫ْ‬
‫َان بع ُض الس َل ِ‬ ‫آن؛ حتى ُأحدِّ َ ِ ِ‬ ‫ال ُقر ِ‬
‫ف إذا قر َأ آيةً‪َ ،‬ل ْم َي ُك ْن‬ ‫ث بِه َن ْفسي!‪ ،‬وك َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يم‪َ ،‬فإِن‬ ‫الص َف ُة َتت ََولدُ َعما َق ْب َل َها مِ َن الت ْعظِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق ْل ُب ُه ف َيها‪َ ،‬أ َعا َد َها َثان َيةً‪َ ،‬و َهذه ِّ‬
‫يغفل َعنْ ُه‪ ،‬فِ ِفي‬ ‫الذي َي ْت ُلو ُه‪َ ،‬ي ْس َتبْ ِش ُر بِ ِه‪ ،‬و َي ْس َت ْأنِ ُس‪ ،‬وال ُ‬ ‫المع ِّظم للكال ِم ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫ب ْاألُن َْس‬ ‫ف َي ْط ُل ُ‬ ‫َان التالِي َأ ْه ًال َل ُه‪َ ،‬ف َك ْي َ‬
‫ب‪ ،‬إِ ْن ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل ُق ْرآن َما َي ْس َت ْأن ُس بِه ا ْل َق ْل ُ‬
‫علي ‪َ « :‬ال َخ ْي َر فِي ِع َبا َد ٍة َال فِ ْق َه فِ َيها‪َ ،‬و َال فِي‬ ‫َ َ‬ ‫ِِ‬
‫بالفكر يف غيره؟!‪ ،‬قال ٌّ‬
‫ِِْ ِْ‬

‫الم َتـ َك ِّل ِم بِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬


‫ق َرا َءة َال َتدَ بـ َر ف َيها» ‪َ ،‬فإِ َذا َفت ََح ُه َأ ْح َض َر في َق ْلبِه َع َظ َم َة ُ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي يف شعب اإليمان‪ ،512/3 :‬والدارمي يف سننه‪ ،2109/4 :‬وابن‬
‫المبارك يف الجهاد‪.57/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مريم‪.12 :‬‬
‫(‪ )3‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.281/1 :‬‬
‫‪33‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ليس مِ ْن‬ ‫وعلِ َم أن َما َي ْق َر ُأ ُه َ‬ ‫للم َتـ َك ِّل ِم بِ ِه‪َ ،‬‬


‫ظيم ُ‬‫ظيم ال َك َال ِم َت ْع ٌ‬ ‫سبحا َن ُه‪َ ،‬ف َت ْع ُ‬
‫كان َب ْع ُض‬ ‫إليه للت ِّو‪ ،‬ك ََما « َ‬ ‫كال ِم الب َشر‪ ،‬وأنه رسائِ ُل اهللِ تعالى‪َ ،‬قدْ وص َل ْت ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ود ِه‪َ ،‬نتَدَ ب ُرها‬
‫آن رسائِ ُل َأ َت ْتنَا مِن قِب ِل ربنَا ‪ ‬بِعه ِ‬ ‫ا ْلع َلم ِ‬
‫ُُ‬ ‫ْ َ َ ِّ‬ ‫يقول‪َ :‬ه َذا ا ْل ُق ْر ُ َ َ‬
‫اء ُ‬ ‫ُ َ‬
‫اعات والسن َِن‬ ‫وات‪ ،‬و ُننَ ِّف ُذها فِي الط ِ‬ ‫الخ َل ِ‬ ‫ف َع َل ْيها فِي َ‬ ‫لوات‪ ،‬ون َِق ُ‬
‫فِي الص ِ‬

‫الق َرا َء ِة؛ َو ِج َل َق ْل ُب ُه‪ ،‬وا ْق َش َعر ِج ْلدُ ُه‪ ،‬ل ِ َما ُيخال ِ ُط‬
‫عات»(‪َ ،)1‬فإِذا َأ َخذ فِي ِ‬ ‫المتب ِ‬
‫ُ َ‬

‫اهلل تعا َلى‪{ :‬اللَّهُ نَزَّلَ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫قل َب ُه م ْن َخ ْش َية اهلل َتعا َلى و َت ْعظيمه وإِ ْجالله‪ ،‬ك ََما أخربَ ُ‬
‫أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِنيُ جُلُودُهُمْ‬

‫وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ}(‪.)2‬‬
‫ُ ِّ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫حبي‬‫ِ ِ‬‫امل‬ ‫لوب‬ ‫ق‬ ‫طاب‬‫الثاني‪ :‬القرآن ِ‬
‫خ‬
‫َأل بِ ِه قل ُب ُه مِ ْن َم َحب ِة‬ ‫هاج فِي َن ْف ِس ِه و َق ْلبِ ِه الط َر ُب؛ ل ِ َما ا ْمت َ َ‬‫وربما َ‬ ‫ُ‬
‫وسما ِع كَالمِ ِه‪ ،‬ك ََما َق َال‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َتـ َك ِّل ِم بِه ُس ْبحا َن ُه‪ ،‬والش ْوق إليه‪ ،‬و َم َحبة لقائه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫آن َط ِر َب ْت ُق ُلو ُب ُه ْم إِ َلى‬
‫ين إِ َذا ُق ِر َئ َع َل ْي ِه ُم ا ْل ُق ْر ُ‬ ‫ِ‬ ‫َمال ِ ُك ْب ُن ِدين ٍ‬
‫َار‪« :‬إِن ِّ‬
‫الصدِّ يق َ‬
‫ول‪ :‬اسمعوا إِ َلى َقو ِل الص ِ‬
‫اد ِق‬ ‫اآلخ َر ِة‪ُ ،‬ثم َي ُق ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ول‪ُ :‬خ ُذوا‪َ ،‬ف َي ْق َر ُأ القرآن َو َي ُق ُ ْ َ ُ‬

‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.285/1 :‬‬


‫(‪ )2‬الزمر‪.23 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪34‬‬

‫آن‪َ ،‬فإِ ْن‬ ‫اب فِي ا ْل ُقر ِ‬ ‫مِ ْن َف ْو ِق َع ْر ِش ِه»(‪ .)1‬ورأى « َأن ُه ا ْل َم ْق ُصو ُد بِ ُك ِّل ِخ َط ٍ‬
‫ْ‬
‫ور‪َ ،‬وإِ ْن َس ِم َع َو ْعدً ا أو وعيدً ا‬ ‫ِ‬
‫َسم َع َأ ْم ًرا َأ ْو ن َْه ًيا؛ َقد َر َأن ُه ا ْل َمن ِْهي َوا ْل َم ْأ ُم ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َكم ْث ِل َذل َك‪َ ،‬وإِ ْن َسم َع َق َص َ‬
‫ِ‬
‫ين َو ْاألَ ْنبِ َياء‪َ ،‬عل َم َأن الس َمر َ‬
‫غير‬ ‫ص ْاألَول َ‬
‫يحتاج إِ َل ْي ِه(‪،)2‬‬
‫ُ‬ ‫اعيف ِه ما‬
‫صود‪ ،‬وإنما المقصود لِيع َتبِر ِبه‪ ،‬ولِي ْأ ُخ َذ مِن َت َض ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َ‬
‫م ْق ٍ‬
‫َ‬
‫آن إِال َو ِس َيا ُق َها ل ِ َفائِدَ ٍة فِي َح ِّق النبِ ِّي ‪َ ‬و ُأمتِ ِه َول ِ َذل ِ َك‬ ‫َفما مِن قِص ٍة فِي ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬

‫َق َال َت َعا َلى‪{ :‬وَكُـالًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ‬

‫اهلل تعالى َثب َت ُف َؤا َد ُه بِ َما‬ ‫الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِنيَ} ‪َ ،‬ف ْل ُي َقدِّ ِر ا ْل َع ْبدُ َأن َ‬
‫(‪)3‬‬

‫يذ ِاء‪،‬‬‫اإل َ‬‫اء عليهم السالم‪َ ،‬و َص ْب ِر ِهم َع َلى ْ ِ‬


‫ْ‬
‫ال ْاألَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬ ‫َي ُقصه َع َليْ ِه مِ ْن َأ ْح َو ِ‬

‫آن َما‬ ‫ار ن َْص ِر اهللِ َت َعا َلى‪َ ،‬كيْ َ‬


‫ف َال ُي َقدِّ ُر َه َذا َوا ْل ُق ْر ُ‬ ‫ين؛ ِالنْتِ َظ ِ‬‫َو َث َباتِ ِه ْم فِي الدِّ ِ‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪ ،358/2 :‬وتاريخ اإلسالم‪،‬‬
‫للذهبي‪.489/3 :‬‬
‫اعيف ِه‪ :‬تكرار أخباره وقصصه يف أكثر من موطن‪ ،‬فيكون معنى قول‬ ‫(‪ )2‬معنى َت َض ِ‬

‫يحتاج إِ َل ْي ِه)‪ ،‬أي‪ :‬يأخذ من كل موطن من مواطن‬


‫ُ‬ ‫اعيف ِه ما‬
‫الغزالي‪( :‬ول ِ ْيأ ُخ َذ مِن َت َض ِ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫موجود يف غيره‪ ،‬واهلل‬ ‫رار ِ‬
‫فيه زيا َد ُة معنى غير‬ ‫األحداث ما يناسب قلبه ونفسه‪ ،‬فكل َت ْك ٍ‬

‫تعالى أعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬هود‪.120 :‬‬
‫‪35‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ول اهللِ َخاصةً‪َ ،‬ب ْل ُه َو ِش َفا ٌء َو ُهدً ى َو َر ْح َم ٌة‬‫ول اهللِ ‪ ‬لِرس ِ‬


‫َ ُ‬
‫ُأن ِْز َل َع َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫و ُن ِ ِ‬
‫ين»(‪.)1‬‬‫ور ل ْل َعا َلم َ‬ ‫َ ٌ‬
‫ِ‬
‫القار ُئ‬ ‫اس‪َ ،‬ف َقدْ َق َصدَ اآلحا َد‪ ،‬فهذا‬ ‫يع الن ِ‬ ‫خ َط ِ ِ‬ ‫وإِ َذا َقصدَ بِا ْل ِ‬
‫اب َجم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل‬
‫قال ُ‬ ‫الم ْقصو ُد‪َ ،‬‬ ‫الواحدُ َم ْقصو ٌد‪َ ،‬ف َما َل ُه ول ِ َسائِ ِر الن ِ‬
‫اس‪َ ،‬ف ْل ُي َقدِّ ْر أن ُه َ‬
‫ِ‬

‫ب‬ ‫بن َك ْع ٍ‬ ‫قال ُم َحمدُ ُ‬ ‫تعا َلى‪{ :‬وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ ألُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}(‪َ ،)2‬‬
‫خ ْذ‬ ‫آن؛ َف َك َأنما كَلمه اهلل»‪ ،‬وإِ َذا َقدر َذل ِ َك؛ َلم يت ِ‬ ‫ال ُق َرظِي‪َ « :‬م ْن َب َل َغ ُه ا ْل ُق ْر ُ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َاب َم ْو َال ُه‪ ،‬ال ِذي َك َتـ َب ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َة ا ْل ُق ْرآن َع َم َل ُه؛ َب ْل َي ْق َر ُؤ ُه ك ََما َي ْق َر ُأ ا ْل َع ْبدُ كت َ‬
‫د َر َ‬
‫ِ‬

‫يقول‪َ « :‬يا َح َم َل َة‬


‫ينار ُ‬ ‫بن ِد ٍ‬ ‫إِ َلي ِه؛ لِي َت َأم َله‪ ،‬ويعم َل بِم ْقت ََضاه؛ ل ِ َذل ِ َك َ ِ‬
‫كان مال ُك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُ َََْ ُ‬
‫ِِ‬ ‫آن فِي ُق ُلوبِ ُك ْم؛ َفإِن ا ْل ُق ْر َ‬ ‫ا ْل ُقر ِ‬
‫ين ك ََما َأن‬ ‫آن َربِ ُ‬
‫يع ا ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫آن‪َ ،‬ما َذا َز َر َع ا ْل ُق ْر ُ‬ ‫ْ‬
‫ض؟ َأين َأصحاب س ٍ‬
‫ور َت ْي ِن؟ َما َذا‬
‫اب ُس َ‬ ‫ورة؟ َأ ْي َن َأ ْص َح ُ‬‫يع ْاألَ ْر ِ ْ َ ْ َ ُ ُ َ‬ ‫ا ْل َغ ْي َث َربِ ُ‬
‫َع ِم ْل ُت ْم فِ َيها؟»(‪.)3‬‬
‫قال‬‫صان‪َ ،‬‬‫رآن إال قام بِ ِزياد ٍة َأو ُن ْق ٍ‬ ‫وقال َقتَا َد ُة‪َ :‬ل ْم ُيجال ِ ْس َأ َحدٌ َه َذا ال ُق َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َتعا َلى‪{ :‬وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِنيَ وَالَ يَزِيدُ الظَّالِمِنيَ إَ َّال‬

‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.285/1 :‬‬


‫(‪ )2‬األنعام‪.19 :‬‬
‫(‪ )3‬الزهد‪ ،‬ألحمد بن حنبل‪.259/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪36‬‬

‫واع ِ‬ ‫يث والم ِ‬ ‫األحاد ِ‬


‫ِ‬ ‫هذ ِه‬
‫وقال و َهيب بن الور ِد‪َ « :‬ن َظرنَا فِي ِ‬
‫ظ‪،‬‬ ‫خَسَاراً} ‪ْ َ ُ ُ ْ َ َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫لوب‪ ،‬وال َأ َشد استِجالبا للح ْز ِن مِن قِراءةِ ال ُقر ِ‬ ‫َف َلم ن ِ‬
‫آن‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ْ ً ُ‬ ‫َجدْ َش ْي ًئا َأ َرق لل ُق ِ َ‬ ‫ْ‬
‫رآن‪،‬‬ ‫الح َس ُن‪« :‬واهللِ َما َأ ْص َب َح اليو َم َعبْدٌ َي ْت ُلو ال ُق َ‬ ‫وقال َ‬ ‫َو َت َفه ِم ِه و َتدَ ب ِر ِه‪َ .‬‬
‫كاؤه‪ ،‬و َقل َض ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ح ُك ُه(‪ ،)2‬و َك ُث َر‬ ‫ُي ْؤم ُن بِه؛ إِال َك ُث َر ُح ْز ُن ُه‪ ،‬و َقل َف َر ُح ُه‪ ،‬و َك ُث َر ُب ُ ُ‬
‫راح ُت ُه و َب َطا َل ُت ُه»(‪.)3‬‬
‫وش ْغ ُل ُه‪ ،‬و َقل ْت َ‬
‫ن ََص ُب ُه ُ‬
‫َ ْ ُ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ َ ُ َ ْ‬
‫باآليات املتلوةِ‬
‫ِ‬ ‫الثالث‪ :‬اتصاف العب ِد احملب‬
‫الوعيد و َت ْق ِ‬
‫ِ‬ ‫الم ْت ُلوةِ‪َ ،‬ف ِعنْدَ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِّالو ِة « ْ‬
‫ييد‬ ‫يصير بِص َفة اآل َية َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫َف َت َأث ُر ال َع ْبدُ بالت َ‬
‫يموت‪ِ ،‬‬
‫وعنْدَ الت َوس ِع‬ ‫ُ‬ ‫روط؛ َيتَضا َء ُل مِ ْن ِخي َفتِ ِه‪ ،‬ك َأن ُه َيكا ُد‬
‫الم ْغ ِفر ِة بالش ِ‬
‫َ َ‬
‫وعنْدَ ِذك ِْر اهللِ تعا َلى‬ ‫وو ْع ِد الم ْغ ِفر ِة؛ يس َتب ِشر‪َ ،‬ك َأنه يطير مِن ال َفرحِ ‪ِ ،‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َْ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫وعا؛ لِجالل ِ ِه‪ ،‬واستِ ْشعارا لِع َظمتِ ِه‪ِ ،‬‬
‫وعنْدَ‬ ‫وص ِفاتِ ِه و َأ ْسمائِ ِه؛ َيتَ َط ْأ َط ُأ ُخ ُض ً‬
‫ً َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬اإلسراء‪.82 :‬‬


‫الحزْ ِن‪ ،‬ال تعارض ما جاء من اآلثار التي تفيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫(‪ )2‬هذه األحوال م ْن قلة ال َف َرحِ ‪َ ،‬‬
‫وكثرة ُ‬
‫الفرح بالقرآن؛ فإن العبد تتابع عليه األحوال باختالف ِ‬
‫الخ َط ِ‬
‫اب القرآينِّ‪ ،‬فمن القرآن‬
‫الحزْ ِن والخوف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما ُي َه ِّي ُج لواع َج ال َف َرحِ والسرور والشوق‪ ،‬ومنه ما ُي ُ‬
‫ثير كوام َن ُ‬
‫والخشية‪ ،‬وهذا معلوم لكل من تدبر كتاب اهلل تعالى‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.285/1 :‬‬
‫‪37‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫اح َبةً‪،‬‬‫َحيل ع َلى اهللِ ‪ ،‬ك َِذك ِْر ِهم هلل ‪ ‬و َلدً ا وص ِ‬ ‫ار َما َي ْست ُ‬ ‫ِذك ِْر ال ُكف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الجن ِة؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َي ُغض َص ْو َت ُه‪ ،‬و َي ْكس ُر في َباطنه؛ َحيا ًء ل ُق ْبحِ َم َقا َلت ِه ْم‪ ،‬وعنْدَ َو ْصف َ‬
‫ار؛ َت ْر َت ِعدُ َف َرائِ ُص ُه(‪)1‬؛ َخ ْو ًفا مِنْها‪.‬‬
‫ف الن ِ‬ ‫ينْب ِع ُث بِباطِن ِ ِه َشو ًقا إِ َليها‪ ،‬و ِعنْدَ وص ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ ‪ِ ‬عنْدَ تالو ِة اب ِن مس ٍ‬
‫عود ‪)2(‬؛ َو َه َذا ألَن ُم َ‬
‫شاهدَ َة‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫كما بكى َر ُس ُ‬
‫كان فِي َ ِ‬ ‫اس َت ْغ َر َق ْت َق ْل َب ُه بال ُك ِّلي ِة‪ .‬و َل َقدْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فين َم ْن َخر َم ْغش ًيا‬‫الخائ َ‬ ‫الحا َلة ْ‬ ‫ت ْل َك َ‬
‫اآليات‪َ ،‬ف ِمثْ ُل ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫مات فِي سما ِع‬ ‫عيد‪ ،‬ومِن ُْه ْم َم ْن َ‬ ‫آيات الو ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليه ِعنْدَ‬
‫ِ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬الفرائص‪ :‬جمع َفريصة‪ :‬وهي لحمة بين الكتف والصدر‪ ،‬وهما فريصتان‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫ارتعدت فرائصه‪ِ :‬‬
‫فزع‪ ،‬خاف خو ًفا شديدً ا‪ ،‬والفرائص‪ :‬العضالت الصدرية‪ ،‬وقول‪:‬‬
‫فريصته‪ :‬تألم من عضلته الصدر ّية‪ ،‬انظر‪ :‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬ألحمد‬
‫َ‬ ‫شكا‬
‫عمر‪.1/1 :‬‬
‫َن عَ ْب ِد اهللِ ْب ِن‬‫(‪ )2‬يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم يف صحيحيهما‪ ،‬ع ْ‬
‫ول اهللِ‪،‬‬ ‫آن» َق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت َيا َر ُس َ‬‫ول اهللِ ‪« :‬ا ْق َر ْأ َع َلي ا ْل ُق ْر َ‬‫ود ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال لِي َر ُس ُ‬ ‫مسع ٍ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ت الن َِّسا َء‬ ‫َأ ْق َر ُأ َع َل ْي َك‪َ ،‬وعَ َل ْي َك ُأن ِْز َل؟ َق َال‪« :‬إِنِّي َأ ْشت َِهي َأ ْن َأ ْس َم َع ُه مِ ْن غَ ْي ِري»‪َ .‬ف َق َر ْأ ُ‬

‫ْت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا ِمنْ كُلِّ أُمَّ ٍة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُالَءِ شَهِيدًا} َر َف ْع ُت‬ ‫َحتى إِ َذا َب َلغ ُ‬
‫َر ْأ ِسي‪َ ،‬أ ْو غ ََمزَ نِي َر ُج ٌل إِ َلى َجنْبِي؛ َف َر َف ْع ُت َر ْأ ِسي َف َر َأ ْي ُت ُد ُموعَ ُه َت ِس ُيل‪.‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪38‬‬

‫يكون حاكِ ًيا(‪ )1‬فِي كَالمِ ِه‪ ،‬فإذا َ‬


‫قال‪{ :‬إِنِّيَ أَخَافُ إِ ْن‬ ‫َ‬ ‫األَ ْح ِ‬
‫وال ُي ْخ ِر ُج ُه َع ْن ْ‬
‫أن‬

‫كان حاكِ ًيا‪ .‬وإذا َ‬


‫قال‪:‬‬ ‫عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(‪ ،)2‬و َل ْم َي ُك ْن خائِ ًفا؛ َ‬

‫{رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِريُ}(‪ ،)3‬و َل ْم َي ُك ْن حا ُل ُه الت َوك َل‬

‫قال‪{ :‬ولَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}(‪َ ،)4‬ف ْل َي ُك ْن حا ُل ُه‬ ‫كان حاكِ ًيا‪ .‬وإذا َ‬ ‫ِ‬
‫واإلنا َبةَ؛ َ‬
‫هبذ ِه‬
‫فإن َلم ي ُكن ِ‬
‫ِّالوة‪ْ َ ْ ْ .‬‬
‫جدَ حالو َة الت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫عليه؛ حتى َي ِ‬
‫الص ْب َر‪ ،‬أو ال َع ِز َ‬
‫يم َة‬
‫َان َحظ ُه مِ َن الت َِّال َو ِة َح َر َك َة‬ ‫ِ‬
‫الحاالت؛ ك َ‬ ‫هذ ِه‬
‫فات‪ ،‬ولم يتَردد َق ْلبه بين ِ‬
‫ْ َ َ ْ ُُ َ‬
‫الص ِ‬
‫ِّ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األحوال إِ َلى ال َق ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه‬ ‫الب‬ ‫ان‪ .‬وإِنما يراد مِن التِّالو ِة ِ‬ ‫ال ِّلس ِ‬
‫است ْج ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫اللسان بِ ُحروفِ ِه َخ ِفي َفةٌ‪ ،‬ولِذل ِ َك‬ ‫ِ‬ ‫والعم ُل بِ ِه؛ وإال فالم ُؤ َن ُة(‪ )5‬فِي َتح ِ‬
‫ريك‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫القرآن ع َلى شيخٍ لِي‪ُ ،‬ثم َر َج ْع ُت ألقر َأ َثانِ ًيا؛‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫بعض ال ُقر ِاء‪َ :‬ق َر ْأ ُ‬ ‫قال ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬يقصد بقوله‪( :‬حاك ًيا يف كالمه)‪ :‬من الحكاية‪ ،‬يعني كمن يحكي األحاديث‬
‫والقصص للت َمت ِع والس َم ِر‪ ،‬ال لِالعْت ِ ِ‬
‫بار وال َع َمل‪.‬‬
‫(‪ )2‬األنعام‪.15 :‬‬
‫(‪ )3‬الممتحنة‪.4 :‬‬
‫(‪ )4‬إبراهيم‪.12 :‬‬
‫المؤُ َن ُة‪ :‬الكلفة والمشقة‪ ،‬انظر‪ :‬معجم العين‪ ،‬للخليل‪.389/8 :‬‬
‫(‪َ )5‬‬
‫‪39‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫آن ع َلي عم ًال‪ ،‬اذهب‪ ،‬فاقر ْأ ع َلى اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫فا ْنت ََه َرنِي(‪َ ،)1‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وقال‪َ :‬ج َع ْل َت تالو َة ال ُق ْر َ َ َ‬
‫كان ُش ْغ ُل الصحا َب ِة ‪ ‬فِي‬ ‫ينهاك؟ وبِ َهذا َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬فا ْن ُظ ْر بما َذا يأ ُم ُر َك‪ ،‬وبِ َماذا‬
‫آن حق تِ َالوتِ ِه‪َ :‬أ ْن ي ْشت َِر َك فِ ِ‬
‫يه ال ِّل َس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واألعمال‪َ .‬وت َال َو ُة ا ْل ُق ْر َ‬ ‫األحوال‬
‫وف بِالت ْرتِيلِ‪َ ،‬و َحظ ا ْل َع ْق ِل‬ ‫حيح ا ْلحر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف َحظ ال ِّل َسان َت ْص ُ ُ ُ‬ ‫َوا ْل َع ْق ُل َوا ْل َق ْل ُ‬
‫ار‪،‬‬‫ار َواالئْتِ َم ِ‬ ‫اظ َوالت َأث ُر بِاالن ِْز َج ِ‬ ‫ب اال ِّت َع ُ‬ ‫َت ْف ِس ُير ا ْل َم َعانِي‪َ ،‬و َحظ ا ْل َق ْل ِ‬

‫ب َيت ِعظ»(‪.)2‬‬ ‫ان ُي َر ِّت ُل‪ ،‬وال َع ْق ُل ُيت َْر ِج ُم‪ ،‬وال َق ْل ُ‬‫َفال ِّل َس ُ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ْ ُ ِّ‬ ‫َ َ ِّ‬
‫حب بالقرآنِ‬ ‫الرابع‪ :‬ترقي العب ِد امل ِ‬
‫مع‬ ‫آن‪ ،‬بِ َأ ْن َيت ََرقى إِ َلى ْ‬‫حب التر ِّقي بال ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيكون ُ‬
‫ُ‬
‫أن َي ْس َ‬ ‫ْ‬ ‫الم ِّ َ‬ ‫حال ال َع ْبد ُ‬
‫ثالث‪َ :‬أ ْدناها‪ْ :‬‬
‫أن ُي َقدِّ َر‬ ‫ٌ‬ ‫القرا َء ِة‬
‫ات ِ‬‫ال َكال َم مِ َن اهللِ ‪ ،‬ال مِ ْن َن ْف ِس ِه‪َ « ،‬فدَ َر َج ُ‬
‫إليه‪ ،‬و ُم ْست َِم ٌع‬
‫يديه‪ ،‬و ُهو ناظِر ِ‬ ‫العبدُ َك َأنه يقر ُأه ع َلى اهللِ ‪ ،‬واقِ ًفا بين ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫السؤال‪ ،‬والت َمل ُق‪ ،‬والت َضر ُع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يكون حا ُل ُه عندَ هذا الت ْق ِ‬
‫دير‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫مِنْ ُه‪َ ،‬ف‬
‫هال‪.‬‬ ‫واال ْبتِ ُ‬
‫ِ‬
‫ناجيه‬ ‫اهلل ‪َ ‬يرا ُه‪ ،‬و ُيخاط ُب ُه ب َأ ْلطافِ ِه‪ ،‬و ُي‬ ‫ِ‬ ‫ال َّثانِ َي ُة‪ْ :‬‬
‫أن يشهدَ بِ َق ْلبِه ك َأن َ‬
‫واإل ْصغا ُء‪ ،‬وال َف ْه ُم‪.‬‬ ‫بِإِ ْنعامِ ِه وإحسانِ ِه‪َ ،‬فمقام ُه الحياء‪ ،‬والت ْعظيم‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬

‫(‪ )1‬ا ْنت ََه َر‪ :‬زَ َج َر‪ ،‬انظر‪ :‬مجمل اللغة‪ ،‬البن فارس‪.845/1 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.286/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪40‬‬
‫مات الص ِ‬ ‫أن يرى فِي ال َك َال ِم الم َتـ َك ِّلم‪ ،‬وفِي ال َكلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فات؛ فال‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الثال َث ُة‪َ َ ْ :‬‬
‫ين ُظ ُر إِ َلى َن ْف ِس ِه‪ ،‬وال إِ َلى قِ َرا َءتِ ِه‪ ،‬وال إِ َلى َت َعل ِق اإلنعا ِم بِ ِه مِ ْن ُ‬
‫حيث إِن ُه ُمنْ َع ٌم‬
‫الف ْك ِر ِ‬ ‫وف ِ‬ ‫الم َتـ َك ِّل ِم سبحا َن ُه‪َ ،‬م ْو ُق َ‬ ‫ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫اله ِّم ع َلى ُ‬ ‫يكون َم ْق َ‬
‫صور َ‬ ‫ُ‬ ‫عليه‪ ،‬بل‬
‫غير ِه‪.‬‬‫الم َتـ َك ِّل ِم َع ْن ِ‬ ‫ك َأنه مس َت ْغ ِر ٌق بِم َ ِ‬
‫شاهدَ ة ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ْ‬
‫ين‪ ،‬و َما َخ َر َج َع ْن‬ ‫أصحاب ال َي ِم ِ‬
‫ِ‬ ‫بين‪ ،‬وما قب َل ُه َد َر َج ُة‬
‫الم َقر َ‬
‫ِ ِ‬
‫َوهذه َد َر َج ُة ُ‬
‫بن ُم َحم ٍد‬ ‫ِ‬
‫وع ِن الد َر َجة ال ُع ْليا أخربَ َج ْع َف ُر ُ‬ ‫الغافلين‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫هذا؛ َف ُهو َد َر ُ‬
‫جات‬
‫اهلل ‪ ‬ل ِ َخ ْل ِق ِه فِي كالمِ ِه‪ ،‬ولكن ُه ْم ال‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬
‫قال‪ :‬واهلل َل َقدْ َت َجلى ُ‬ ‫اد ُق ‪َ ،‬‬
‫الصالة؛ حتى َخر‬ ‫ِ‬ ‫حالة لح َق ْت ُه فِي‬
‫ٍ‬ ‫وقال َأ ْي ًضا‪ ،‬و َقدْ سألو ُه َع ْن‬ ‫رون‪َ ،‬‬ ‫ُي ْب ِص َ‬
‫فقال‪َ :‬ما ِز ْل ُت ُأ َر ِّد ُد اآلي َة‬ ‫ذلك‪َ :‬‬ ‫قيل َل ُه فِي َ‬ ‫عليه‪ ،‬فلما ُس ِّر َي عن ُه َ‬ ‫ِ‬ ‫َم ْغش ًيا‬
‫فلم َي ْثبُ ْت ِج ْس ِمي ل ِ ُمعا َين َِة‬ ‫الم َتـ َك ِّل ِم بِ َها؛ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ع َلى قلبِي حتى َسم ْع ُتها م َن ُ‬
‫قال‬ ‫ناجاة‪ ،‬ول ِ َذل ِ َك َ‬ ‫ِ‬
‫الحالو ُة‪ ،‬و َلذ ُة ُ‬
‫الم‬ ‫َ‬ ‫ُقدْ َرتِه‪َ .‬ف ِفي مِ ْث ِل هذه الد َر َج ِة َت ْع ُظ ُم‬
‫ول‪ُ :‬كن ُْت َأ ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ‬ ‫اص‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‪َ ،‬و َال‬ ‫بن َث ْع َل َبةَ‪َ :‬سم ْع ُت َسال ًما ا ْل َخو َ‬ ‫أحمدُ ُ‬
‫ول اهللِ ‪،‬‬ ‫يه مِ ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ك س ِمعتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأ ِجدُ َل ُه َح َال َوةً؛ َف ُق ْل ُت لنَ ْفسي‪ :‬ا ْق َرئيه َك َأن َ ْ‬
‫َف َجا َء ْت َح َال َو ٌة َق َلي َلةٌ‪َ ،‬ف ُق ْل ُت لِنَ ْف ِسي‪ :‬ا ْق َرئِ ِيه َك َأن ِك َس ِم ْعتِ ِيه مِ ْن ِج ْب ِر َيل ‪‬‬
‫‪41‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫يه َك َأن ِ‬
‫ك‬ ‫ت ا ْلح َالو ُة‪ُ ،‬ثم ُق ْل ُت َلها‪ :‬ا ْقرئِ ِ‬ ‫ِحين ي ْخبِر بِ ِه النبِي ‪‬؛ َق َال‪َ :‬ف ْازداد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ت ا ْل َح َال َو ُة ُكل َها(‪.)2(»)1‬‬‫يه ِحين َت َكلم بِ ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فجاء ِ‬‫س ِمعتِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ ُ ُّ‬
‫آن ووعِيدِ ِه‬
‫حب بي وعدِ القر ِ‬ ‫اخلامس‪ :‬العبد امل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للصالحين‪،‬‬
‫َ‬ ‫والمدْ حِ‬
‫الو ْعد َ‬ ‫المحب هلل تعا َلى بآيات َ‬ ‫* فإذا َت َال العبدُ ُ‬
‫ف‬ ‫يقين فِيها‪ ،‬و َيت ََشو ُ‬
‫والصدِّ َ‬ ‫وقنين ِّ‬
‫َ‬ ‫الم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«فال َي ْش َهدُ َن ْف َس ُه عنْدَ ذل َك‪ْ ،‬بل َي ْش َهدُ ُ‬
‫ت‪ ،‬و َذم العصاةِ‬ ‫آيات الم ْق ِ‬
‫ِ‬ ‫اهلل ‪ ‬بِ ِه ْم‪َ ،‬وإِذا َتال‬ ‫ِ‬ ‫إِ َلى ْ‬
‫ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫أن ُي ْلح َق ُه ُ‬
‫ب خو ًفا وإِ ْشفا ًقا‪،‬‬ ‫الم َخا َط ُ‬ ‫ناك‪ ،‬و َقدر َأن ُه ُ‬ ‫رين؛ َش ِهدَ ع َلى َن ْف ِس ِه ُه َ‬ ‫والم َق ِّص َ‬ ‫ُ‬
‫ب ُق ْربِ ِه؛ فإن‬ ‫فإذا ر َأى َن ْفسه بصور ِة الت ْق ِ ِ ِ ِ‬
‫صير في الق َرا َءة؛ كان َْت ُر ْؤ َي ُت ُه َس َب َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ف إِ َلى َد َر َج ٍة ُأ ْخ َرى فِي ال ُق ْر ِ‬ ‫ب(‪)3‬؛ َي ُسو ُق ُه َ‬
‫الخ ْو ُ‬ ‫َم ْن َش ِهدَ ال ُب ْعدَ فِي ال ُق ْر ِ‬
‫الذي ي ْف ِ‬
‫ضيه إِ َلى‬ ‫وراءها‪ ،‬ومن َش ِهدَ ال ُقرب فِي البع ِد(‪)4‬؛ مكِر بِ ِه باألم ِن ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ َ‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪ ،279/8 :‬وصفة الصفوة‪ ،‬البن‬
‫الجوزي‪.415/2 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.287/1 :‬‬
‫محتاجا إلى‬
‫ً‬ ‫ب)‪ ،‬أي‪ :‬رأي نفسه بعيدً ا‬‫(ش ِهدَ ال ُب ْعدَ فِي ال ُق ْر ِ‬
‫(‪ )3‬معنى قول الغزالي‪َ :‬‬
‫القرب‪ ،‬بالرغم من قربه من اهلل تعالى‪ ،‬فهو يطمع يف قرب أكثر‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫(ش ِهدَ ال ُق ْر َب فِي ال ُب ْع ِد)‪ ،‬أي‪ :‬رأي نفسه قريبا بالرغم من بعده‬
‫(‪ )4‬معنى قول الغزالي‪َ :‬‬
‫من اهلل تعالى‪ ،‬فهو مغرور ممكور به‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪42‬‬

‫شاهدً ا َن ْف َس ُه ِ‬ ‫كان م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫بعين‬ ‫َد َر َجة ُأ ْخ َرى في ال ُب ْعد َأ ْس َف َل مما ُه َو فيه‪ ،‬و ُكلما َ ُ‬
‫فات إِ َلى نَ ْف ِس ِه(‪ ،)1‬و َل ْم‬
‫جاوز حد اال ْلتِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫صار َم ْحجو ًبا بِنَ ْف ِس ِه‪ ،‬فإذا‬
‫الرضا؛ َ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫األحوال‬ ‫وه ِذه‬‫كوت(‪َ .)2‬‬ ‫ف َله ِسر الم َل ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِِ ِ‬
‫اهلل تعا َلى في ق َرا َءته؛ ُكش َ ُ‬
‫ِ‬
‫ُيشاهدْ إِال َ‬
‫فات إِ َل ْيها وإِ َلى َهواها‪،‬‬ ‫س(‪ ،)3‬وعد ِم اال ْلتِ ِ‬
‫ون إِال بعدَ التبَ ِّري َع ِن الن ْف ِ‬‫ال َت ُك ُ‬
‫القار ِئ العابِ ِد‪َ ،‬ف ُ‬
‫حيث َي ْت ُلو‬ ‫ِ‬ ‫سب َأ ْح ِ‬
‫وال‬ ‫األحوال بِ َح ِ‬
‫ُ‬ ‫ص َه ِذ ِه‬ ‫ُثم ُت َخص ُ‬
‫الجن ِة‪،‬‬ ‫شار؛ َتنْ َك ِش ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صور ُة َ‬
‫َ‬ ‫ف َل ُه‬ ‫االستبْ ُ‬
‫ب على حاله ْ‬ ‫آيات الرجاء‪ ،‬و َي ْغلِ ُ‬
‫ف َل ُه ُص َ‬
‫ور ُة‬ ‫ف؛ َتنْ َك ِش ُ‬ ‫عليه َ‬
‫الخ ْو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫وإن َغ َل َ‬
‫ِ‬
‫فيشاهدُ ها َك َأن ُه َي َراها َع َيانًا‪ْ ،‬‬
‫أنواع َع َذابِها؛ وذل ِ َك ألن كال َم اهللِ ‪َ ‬ي ْشت َِم ُل على‬ ‫َ‬ ‫ار‪ ،‬حتى َي َرى‬ ‫الن ِ‬
‫ِ‬
‫بحسب‬ ‫وف‪ ،‬وذل ِ َك‬
‫ديد‪ ،‬والمرجو‪ ،‬والم ُخ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ ِّ‬
‫اللطيف‪ ،‬والش ِ‬
‫ِ‬ ‫الس ْه ِل‬

‫فات إِ َلى َن ْف ِس ِه)‪ ،‬أي‪ :‬لم يكن راض ًيا عن‬


‫(‪ )1‬معنى قول الغزالي‪( :‬جاوزَ حد اال ْلتِ ِ‬
‫َ‬
‫نفسه‪ ،‬معج ًبا هبا‪ ،‬ولم يرجع الفضل والتوفيق إليها‪ ،‬وتربأ من حولها وقوهتا‪ ،‬وإنما نظر‬
‫إلى اهلل تعالى‪ ،‬وأن الفضل كله له ومنه وحده سبحانه وتعالى‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫(سر الم َل ِ‬
‫كوت)‪ ،‬أي‪ :‬رأى أسرار اهلل تعالى يف خلقه وملكه‪،‬‬ ‫(‪ )2‬معنى قول الغزالي‪ِ :‬‬
‫َ‬
‫مما ال يراه إال من فتح له عين بصيرته؛ فرأى بنور اهلل تعالى من العرب والعظات‬
‫واألسرار ما ال يراه إال من وفقه اهلل تعالى لهذه الحال‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬معنى قول الغزالي‪( :‬الت َب ِّري ع ِ‬
‫َن الن ْف ِ‬
‫س)‪ ،‬أي‪ :‬يتربأ من نقصها وعجزها‬
‫وتقصيرها يف حق موالها ومن سوء صنعها‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫اهدَ ةِ‬ ‫ب ُم َش َ‬‫ف‪ ،‬واالنْتِقا ُم وال َب ْط ُش‪َ ،‬فبِ َح ْس ِ‬ ‫أوصافِ ِه‪ ،‬إ ْذ مِنْها الر ْح َم ُة والل ْط ُ‬
‫وبحسب ُك ِّل حا َل ٍة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاالت‪،‬‬ ‫فات؛ ي َت َقلب فِي اخ ِ‬
‫تالف‬ ‫َ ُ‬
‫الكلمات والص ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬

‫كون‬‫أن ت َ‬ ‫ُ‬
‫يستحيل ْ‬ ‫تلك الحا َل ِة و ُي ِ‬
‫قار ُبها؛ إ ْذ‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫منْها‪َ ،‬ي ْستَعد ل ُر ْؤ َية ما ُيناس ُ‬
‫اض‪ ،‬وكال ُم‬ ‫فيه ك ََال ُم َر ٍ‬ ‫واحدً ا‪ ،‬والمسمو ِع مختل ًفا؛ إ ْذ ِ‬ ‫حا َل ُة المست َِم ِع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ار متَكبِ ٍر‪ ،‬وكالم حن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ُ َ‬ ‫بان‪ ،‬وكال ُم ُمنْع ٍم‪ ،‬وكال ُم ُمنْتَق ٍم‪ ،‬وكال ُم َجب ٍ ُ‬ ‫َغ ْض َ‬
‫م َتع ِّط ٍ‬
‫ف»(‪.)1‬‬ ‫ُ َ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ََ ُّ ُ َ ْ ُ ِّ‬
‫خطاب القرآنِ‬
‫حب ِ‬ ‫السادس‪ :‬تأمل العب ِد امل ِ‬
‫حب ِخطاب ا ْل ُقر ِ‬
‫آن؛ َو َجدَ َملِ ًكا َل ُه ا ْل ُم ْل ُك ُكل ُه‪َ ،‬و َل ُه‬ ‫فإذا «تأم َل العابِدُ الم ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ومصدرها مِنْ ُه‪ ،‬و َم َردها إِ َل ْي ِه‪ُ ،‬م ْستَو ًيا ع َلى‬
‫ُ‬ ‫ور ك ِّل َها بِيَ ِد ِه‪،‬‬
‫ا ْل َحمدُ ُكل ُه‪َ ،‬أ ِزم ُة ْاألُ ُم ِ‬

‫س‬ ‫َالما بِ َما فِي نفو ِ‬ ‫أقطار َم ْم َل َكته‪ ،‬ع ً‬‫ِ‬ ‫َس ِر ِير ُم ْلكِ ِه‪َ ،‬ال َت ْخ َفى َع َل ْي ِه خافي ٌة فِي‬
‫الم ْم َل َك ِة‪َ ،‬ي ْس َم ُع‬ ‫ِ‬
‫بتدبير َ‬ ‫رار ِه ْم و َعالنِ َيتِ ِه ْم‪ُ ،‬منْ َفر ًدا‬
‫َبيد ِه‪ُ ،‬مطلِ ًعا ع َلى َأ ْس ِ‬ ‫ع ِ‬

‫ب‪َ ،‬و ُي ْك ِر ُم و ُيهي ُن‪ ،‬و َي ْخ ُل ُق و َي ْرزُ ُق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ثيب و ُيعاق ُ‬ ‫يمن َُع‪ ،‬و ُي ُ‬ ‫َو َي َرى‪َ ،‬و ُي ْعطي َو ْ‬
‫َاز َل ٌة مِ ْن ِعن ِْد ِه َدقِي َقها‬
‫ور‪ ،‬وأنها ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ُي ِم ُ‬
‫يت و ُي ْحيِي‪َ ،‬و ُي َقدِّ ُر َو َي ْقضي‪ ،‬و ُيدَ ِّبر ْاألُ ُم َ‬
‫وجلي َلها‪ ،‬وصاعد ٌة إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ال َتت ََحر ُك مِ ْن َذر ٍة إِال بِإِ ْذنِ ِه‪َ ،‬و َال َت ْس ُق ُط َو َر َق ٌة إِال‬ ‫َ‬
‫َيف ُي ْثنِي على َن ْف ِس ِه‪ ،‬و ُي َم ِّجدُ َن ْفس ُه‪ ،‬و َي ْحمدُ نَ ْف َس ُه‪َ ،‬وين َْص ُح‬ ‫بِ ِع ْل ِم ِه‪َ ،‬فت ََأم ُلوا ك َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.288/1 :‬‬


‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪44‬‬

‫وفالح ُه ْم‪ ،‬و ُي َر ِّغبُ ُه ْم فِ ِيه‪ ،‬و ُي َح ِّذ ُر ُه ْم مِما‬


‫ُ‬ ‫عبا َد ُه‪ ،‬و َيدُ ل ُه ْم ع َلى َما فِ ِيه سعا َد ُت ُه ْم‬
‫ب إِ َل ْي ِه ْم بِن ِ َع ِم ِه وآالئِ ِه‪،‬‬ ‫ِِ ِ ِِ‬
‫ف إِ َل ْي ِه ْم بأسمائه َوص َفاته‪ ،‬و َيت ََحب ُ‬ ‫فِ ِيه َه َال ُك ُه ْم‪ ،‬و َيتَ َعر ُ‬
‫ون بِ ِه َتما َم َها؛ و ُي َح ِّذ ُر ُه ْم مِ ْن‬ ‫ره ْم بِ َما َي ْستَوجبُ َ‬ ‫َف ُي َذك ُِّر ُه ْم بِن ِ َع ِم ِه َع َليْ ِه ْم‪َ ،‬و َي ْأ ُم ُ‬
‫نِ َق ِم ِه‪ ،‬و ُي َذك ُِّر ُه ْم بِ َما َأعَد َل ُه ْم م َن ا ْل َك َرا َم ِة؛ إِ ْن أطا ُعو ُه‪َ ،‬و َما أعد َل ُهم َم َن‬
‫َيف كَان َْت َعاقِ َب ُة‬ ‫َص ْو ُه‪ ،‬و ُي ْخبِ ُر ُه ْم بِ ُصن ِْع ِه فِي أوليائِ ِه وأعدائِ ِه‪َ ،‬وك َ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلع ُقو َبة؛ إِ ْن ع َ‬
‫أحس ِن أوصافِ ِه ْم‪ ،‬و َي ُذم‬ ‫َهؤُ َال ِء َو َهؤُ َال ِء‪ ،‬و ُي ْثني ع َلى أوليائِ ِه بِ َصالِحِ َأع َْم ِ‬
‫اله ْم َو َ‬
‫رب ْاألَ ْم َث َال‪ ،‬و ُين َِّو ُع األ َ ِدل َة‬
‫يض ُ‬‫أعدا َء ُه بِ َس ِّي ِئ َأع َْمال ِ ِه ْم‪ ،‬وقبيحِ ِصفاتِ ِه ْم‪َ ،‬و ْ‬
‫اد َق‪،‬‬ ‫والبراهين‪ ،‬ويجيب َعن ُشب ِه أعدائِ ِه أحسن ْاأل َج ِوب ِة‪ ،‬ويصدِّ ُق الص ِ‬
‫ْ َ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ول ا ْل َحق‪َ ،‬وي ْه ِدي السبِ َيل‪َ ،‬و َيدْ ُعو إِ َلى َد ِار الس َالمِ‪،‬‬ ‫اذ َب‪َ ،‬و َي ُق ُ‬ ‫وي َك ِّذب ا ْل َك ِ‬
‫ُ ُ‬
‫يمها‪ ،‬و ُي َح ِّذ ُر مِ ْن َد ِار ا ْل َب َو ِار‪َ ،‬و َي ْذ ُك ُر َع َذا َب َها‬ ‫ِ‬
‫وح ْسنَها َونَع َ‬ ‫َو َي ْذ ُك ُر أوصا َفها ُ‬
‫اجتِ ِه ْم إِ َل ْي ِه مِ ْن ُك ِّل َو ْج ٍه‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫و ُق ْب َح َها وآال َم َها‪َ .‬و ُي َذك ُِّر عبا َد ُه َف ْق َر ُه ْم إِ َل ْيه‪ ،‬وشد َة َح َ‬
‫َو َأن ُه ْم َال ِغنَى َل ُهم عَن ُه َط ْر َف َة َع ْي ٍن‪َ ،‬و َي ْذ ُك ُر ِغنَا ُه َعنْ ُه ْم‪َ ،‬و َع ْن َج ِمي ِع‬
‫قير إِ َل ْي ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْوجودات‪َ ،‬و َأن ُه ا ْل َغني بِنَفسه َع ْن ُك ِّل َما سوا ُه‪ ،‬و ُكل َما سوا ُه َف ٌ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫َفس ِه‪َ ،‬و َأن ُه َال ين َُال َأ َحدٌ َذر ًة مِ َن ا ْل َخ َبر َف َما َف ْو َق َها إِال بِ َف ْضلِ ِه َو َر ْح َمتِ ِه‪َ ،‬و َال‬
‫بِن ِ‬

‫يش َهدُ مِ ْن ِخطابِ ِه ِعتَا َب ُه ِأل َ ْحبابِ ِه‬‫وح ْك َمتِ ِه‪َ ،‬و ْ‬‫َذر ًة مِن الشر َفما َفوقها إِال بِعدْ ل ِ ِه ِ‬
‫َ‬ ‫َ ِّ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاب‪َ ،‬و َأن ُه َم َع َذلِك ُم ٌ‬
‫ف ِعت ٍ‬
‫قيم َأ ْع َ‬
‫ذار ُه ْم‪،‬‬ ‫قيل َع َثرات ِه ْم‪ ،‬و َغاف ٌر زَ الت ِه ْم‪ ،‬و ُم ٌ‬ ‫َأ َل َط َ‬
‫اص ُر َل ُه ْم‪َ ،‬وا ْل َك ِف ُيل‬ ‫ومصلِح َفساد ُهم‪ ،‬والدافِع َعنْهم‪ ،‬والمحامِي َعنْهم‪ ،‬والن ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ ٌ‬
‫‪45‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫والم ْوفِي َل ُه ْم بِ َوع ِْد ِه‪َ .‬و َأن ُه َولِي ُه ُم‬


‫ب‪ُ ،‬‬ ‫والمن َِّجي َل ُه ْم مِ ْن ُك ِّل ك َْر ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِمصالح ِه ْم‪ُ ،‬‬
‫َصير ُه ْم ع َلى َعدُ ِّو ِه ْم؛ َفن ِ ْع َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي َال َولي َل ُه ْم سوا ُه‪َ ،‬ف ُه َو َم ْو َال ُه ُم ا ْل َحق‪ ،‬ون ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‬‫يما َرح ً‬ ‫وب م َن ا ْل ُق ْرآن َمل ًكا عَظ ً‬ ‫صير‪َ ،‬فإِ َذا َش ِهدَ ت ا ْل ُق ُل ُ‬
‫ا ْل َم ْو َلى‪َ ،‬ون ْع َم الن ُ‬
‫ب مِنْ ُه‪ ،‬و ُتن ِْف ُق‬ ‫حبه‪ ،‬و ُتنَافِ ُس فِي ا ْل ُق ْر ِ‬‫كيف َال ُت ِ‬ ‫ميال َه َذا َش ْأ ُن ُه؛ َف َ‬
‫َجوا ًدا َج ً‬
‫يكون َأ َحب إِ َل ْي َها مِ ْن ُك ِّل َما ِسوا ُه‪َ ،‬و َ‬
‫رضا ُه آ َث َر‬ ‫ُ‬ ‫ْفاس َها فِي الت َود ِد إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و‬
‫َأن َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ْدها مِ ْن ِر َضا ُك ِّل َما ِسوا ُه؟ َوك َ‬ ‫ِعن َ‬
‫َيف َال َت ْل َه ُج بِذك ِْره‪َ ،‬و ُ‬
‫يصير ُحب ُه‪ ،‬والش ْو ُق‬
‫إِ َل ْي ِه‪ ،‬واألُن ُْس بِ ِه ُه َو ِغ َذاؤُ ها‪ ،‬و ُق ْو ُتها‪ ،‬و َد َواؤُ ها‪ ،‬بِ َح ْي ُث إِ ْن َف َقدَ ْت َذل ِ َك؛‬
‫َف َسدَ ْت َو َه َل َك ْت‪َ ،‬و َل ْم َتنْت َِف ْع بِ َحياتِ َها»(‪.)1‬‬
‫تبار َك‬ ‫ِ‬ ‫حب هللِ تعا َلى ِعنْدَ تِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوة كال ِم اهلل َ‬ ‫َ‬ ‫الم ِّ‬ ‫ف حال العبد ُ‬ ‫هذا َو ْص ُ‬
‫بحسب ُش ِ‬
‫هود‬ ‫ِ‬ ‫ب مِ َن اهللِ تعا َلى‬ ‫الم َحب ِة والش ْو ِق وال ُق ْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وتعا َلى‪ ،‬ول ْل َع ْبد م َن َ‬
‫اج ٍة إِ َلى‬ ‫ِ ِ‬
‫كان َل ُه َح ٌّظ م ْن ذل َك؛ كان َْت َم َحبتُ ُه بِ َح َ‬ ‫فم ْن َ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫َذل َك عنْدَ تالوته؛ َ‬
‫جأ إِ َلى اهللِ تعا َلى أ ْن‬ ‫الح ِقي َق ِة؛ و ْل َي ْل ْ‬ ‫ِ‬
‫أقر ُب منْ ُه إِ َلى َ‬ ‫راج َعة؛ َو ُه َو إِ َلى الزع ِْم َ‬
‫ٍ‬
‫ُم َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن قيم الجوزية‪.29-28/1 :‬‬


‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪46‬‬

‫وخاص ِة َأ ْحبابِ ِه؛ وإال َف ُه َو َم ْخ ٌ‬


‫ذول‬ ‫ح ُق ُه بِزُ ْم َر ِة أوليائِ ِه‪َ ،‬‬
‫يرزُ َقه مِن َذل ِ َك؛ ما ي ْل ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َْ ُ ْ‬
‫َم ْغ ٌ‬
‫بون(‪!)1‬‬

‫‪ ‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫دوع َخاس ٌر‪ ،‬وال َغ ْب ُن في الر ْأ ِي والبيعِ‪ :‬أن ُي ْخدَ َع فيه‪َ ،‬ف ُيؤْ َخ َذ منه َ‬
‫أكثر‬ ‫(‪َ )1‬مغ ٌ‬
‫ْبون‪َ :‬م ْخ ٌ‬
‫مِما أعطى‪ ،‬والمقصود هنا الخسارة‪ ،‬انظر‪ :‬غريب الحديث‪ ،‬إلبراهيم الحربي‪:‬‬
‫‪.29/1‬‬
‫‪47‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫تاسعًا‪ :‬مَشَاهِدُ مِنْ عِبَادَةِ أَهْلِ القُرْآنِ‬

‫ون بِ ِم ْث ِل‬ ‫ون‪ ،‬وال َف ِر َح ال َف ِر ُح َ‬ ‫الم َت َل ِّذ ُذ َ‬


‫وال َت َلذ َذ ُ‬ ‫ون‪َ ،‬‬ ‫المتَن ِعم َ‬
‫َما َتنَع َم ُ‬
‫ب‬ ‫وب فِي َق ْل ِ‬ ‫الم ْحبُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َس َما ِع كَال ِم َأ ْحبابِ ِه ْم‪ ،‬و ُم َطا َل َعة َر َسائل ِه ْم‪ ،‬فإن ل َكال ِم َ‬
‫وه َذا معلوم ِعنْدَ الم ِ‬ ‫حب من ال ّلذ ِة والح ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ِّبي َن‬ ‫ُ‬ ‫ف َأ َث ًرا‪ٌ ْ َ َ ،‬‬ ‫وص ُ‬ ‫الوة َما ال ُي َ‬ ‫َ َ‬ ‫الم ِّ‬ ‫ُ‬
‫اع كَال ِم َم ْحبوبِ ِه‪َ ،‬فإِ َذا َما‬ ‫ب إِال َو ُه َو َي ْشت َِهي َس َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َأ ْه ِل الدنْيا‪َ ،‬ف َما م ْن ُمح ٍّ‬
‫ِ‬
‫ول ال ِّل ِ‬ ‫ب َم ِزيدَ السماعِ‪ ،‬و ُط َ‬ ‫َس ِم َع ُه؛ َأ ْس َعدَ ُه َ‬
‫قاء؛ وال‬ ‫ذلك و َأ ْب َه َج ُه‪ ،‬و َط َل َ‬
‫اض‬‫يه ْم‪ ،‬وان ِْف َض ِ‬ ‫صال َم َع َم ْحبوبِ ِ‬‫الو ِ‬ ‫حبين من ان ِْقطا ِع ِ‬ ‫الم َ‬ ‫َش ْي َء َأ ْث َق ُل َع َلى ُ‬
‫يه ْم‪،‬‬ ‫عليه ْم ُخ ْل َو َت ُه ْم بِ َم ْحبوبِ ِ‬
‫ِ‬ ‫لم َجا َل َس ِة َل ُه ْم؛ َف ْأ َب ُغ ْض َش ْي ِء َل ُه ْم‪َ ،‬م ْن ُي ْف ِسدُ‬
‫ا ُ‬
‫بوب‬ ‫حال ُك ِّل َم ْح ٍ‬ ‫كان َهذا َ‬ ‫و َي ْق َط ُع َع َل ْي ِه ْم َو ْص َل ُه ْم‪ ،‬و َي ُفض َم َجال ِ َس ُه ْم‪َ .‬فإِذا َ‬
‫باب اهللِ تعا َلى َم َع كَالمِ ِه؟!‬ ‫مِ ْن َأ ْه ِل الدنْيا َم َع َم ْحبوبِ ِه؛ َف َما الظن بِ َأ ْح ِ‬

‫فاألمر كما أخرب اهلل تعالى‪{ :‬وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُ ْم‬
‫اد الم ِ‬
‫بار العب ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ِّبي َن‬ ‫كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} ‪َ ،‬و َل َقدْ جا َء م ْن َأ ْخ ِ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬البقرة‪.165 :‬‬


‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪48‬‬

‫سب‬‫اء ‪-‬بِ َح ِ‬ ‫ف والرج ِ‬


‫َ‬
‫والخو ِ‬
‫َْ‬ ‫والح ْز ِن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َاب اهللِ َتعا َلى مِ َن ال َف َرحِ‬ ‫َم َع كِت ِ‬

‫فيكون َل َها َأ َشد‬‫ُ‬ ‫َأ ْحوال ِ ِه ْم‪َ -‬ما َي ْم ُق ُت َأ َحدُ نا َأ ْه َل َز َمانِ ِه‪ُ ،‬ث ِّم يعو ُد لِنَ ْف ِس ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫شاهدُ مِ ْن‬
‫وه ِذ ِه م ِ‬ ‫قيل‪ :‬إِ َذا ُذكِ َر الس َل ُ‬
‫صالة‬ ‫ف؛ َم َقتْنَا َأ ْن ُف َسنَا‪َ َ ،‬‬ ‫َم ْقتًا‪ ،‬ك ََما َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َم ْش َهدً ا‪َ ،‬ي ْقدُ ُم ُه ْم َس ِّيدُ ُه ْم‬ ‫حبين َجا َء ْت في َس ْب َعة وع ْش ِر َ‬ ‫الم َ‬ ‫إِ ْن َفاق ُ‬
‫ول اهللِ ‪:‬‬
‫وإِ َما ُم ُه ْم و ُقدْ َو ُت ُه ْم‪َ ،‬ر ُس ُ‬

‫هلل ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫األول‪ :‬مَشاهِ ُد رَسو ِل ا ِ‬
‫ريم‪ ،‬إِ ْذ ُه َو َم ْن ُأن ِْز َل‬ ‫رسول اهللِ ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬
‫آن ال َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعظيم ٌة ِهي م ِ‬
‫شاهدُ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫آن َع ْن َر ِّب ِه َت َب َار َك و َت َعا َلى‪ُ ،‬‬
‫وه َو َأ ْع َل ُم ال َب َش ِر بِ َما‬ ‫آن‪ ،‬و َم ْن َبل َغ ال ُق ْر َ‬ ‫ِ‬
‫عليه ال ُق ْر ُ‬
‫فات؛ َفكان َْت‬ ‫ماء والص ِ‬ ‫بار واألَس ِ‬ ‫عيد واألَ ْخ ِ‬ ‫رآن مِن الو ْع ِد والو ِ‬ ‫فِي ال ُق ِ‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫رآن َأ ْو َس ِم َع ُه‬ ‫حال‪ ،‬و َأكْرم ٍ‬
‫حال؛ إِ َذا َتال ال ُق َ‬ ‫َ َ‬
‫حال‪ ،‬و َأ ْع َظم ٍ‬
‫َ‬
‫حا ُل ُه ‪َ ‬أكْم َل ٍ‬
‫َ‬
‫آن؛ فعن َع َط ٍ‬
‫اء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬د َخ ْل ُت َأنَا َو ُع َب ْيدُ‬ ‫غير ِه‪َ ،‬ف َأما حا ُله ِعنْدَ تِالوةِ ال ُقر ِ‬ ‫مِ ْن ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ورنَا‪ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ْب ُن ُع َم ْي ٍر‪َ ،‬ع َلى َعائِ َش َة‪َ ،‬ف َقا َل ْت ل ِ ُع َب ْي ِد ْب ِن ُع َم ْي ٍر‪َ :‬قدْ َ‬
‫آن َل َك َأ ْن َت ُز َ‬
‫ول َيا ُأم ْه ك ََما َق َال ْاألَو ُل‪ُ :‬ز ْر ِغ ًّبا؛ َت ْز َد ْد ُح ًّبا(‪َ ،)1‬ق َال‪َ :‬ف َقا َل ْت‪َ :‬د ُعونَا مِ ْن‬
‫َأ ُق ُ‬

‫(‪ِ )1‬غ ًّبا أصله أن يرد اإلبل الماء يو ًما ويدعه يو ًما‪ ،‬فالمراد‪ :‬زر أخاك وقتا بعد وقت؛‬
‫(تزدد) عنده (ح ًبا)؛ وذلك ألن اإلكثار من الزيارة ُي ِمل‪ ،‬انظر‪ :‬التنوير شرح الجامع‬
‫الصغير‪ ،‬للصنعاين‪.314/6 :‬‬
‫‪49‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫ول اهللِ‬ ‫ب َشي ٍء ر َأ ْيتِ ِه مِ ْن رس ِ‬ ‫ِ (‪ِ ِ )1‬‬
‫َ ُ‬ ‫َر َطانَت ُك ْم َهذه‪َ ،‬ق َال ا ْب ُن ُع َميْ ٍر‪َ :‬أ ْخبِ ِرينَا بِ َأ ْع َج ِ ْ َ‬
‫َان َل ْي َل ٌة مِ َن الل َيالِي‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬يا َعائِ َش ُة‬ ‫‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َس َكت َْت‪ُ ،‬ثم َقا َل ْت‪َ :‬لما ك َ‬
‫َذ ِرينِي َأ َت َعبدُ الل ْي َل َة ل ِ َر ِّبي» ُق ْل ُت‪َ :‬واهللِ إِنِّي َألُ ِحب ُق ْر َب َك‪َ ،‬و ُأ ِحب َما َسر َك‪،‬‬
‫َقا َل ْت‪َ :‬ف َقا َم َف َت َطه َر‪ُ ،‬ثم َقا َم ُي َص ِّلي‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬ف َل ْم َي َز ْل َي ْبكِي َحتى َبل ِح ْج َر ُه‪،‬‬
‫َقا َل ْت‪ُ :‬ثم َب َكى‪َ ،‬ف َل ْم َي َز ْل َي ْبكِي َحتى َبل ل ِ ْح َي َت ُه‪َ ،‬قا َل ْت‪ُ :‬ثم َب َكى َف َل ْم َي َز ْل‬
‫َي ْبكِي َحتى َبل ْاألَ ْر َض‪َ ،‬ف َجا َء بِ َال ٌل ُي ْؤ ِذ ُن ُه بِالص َال ِة‪َ ،‬ف َلما َرآ ُه َيبْكِي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬يا‬
‫اهلل َل َك َما َت َقد َم َو َما َت َأخ َر؟‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ َف َال‬ ‫ِ‬ ‫رس َ ِ ِ‬
‫ول اهلل‪ ،‬ل َم َت ْبكي‪َ ،‬و َقدْ َغ َف َر ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ورا‪َ ،‬ل َقدْ ن ََز َل ْت َع َلي الل ْي َل َة آ َيةٌ‪َ ،‬و ْي ٌل ل ِ َم ْن َق َر َأ َها َو َل ْم َي َت َفك ْر‬ ‫َأ ُك ُ‬
‫ون َع ْبدً ا َش ُك ً‬
‫فِ َيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَ ْرضِ‪.)2(»}...‬‬

‫هور‪ ،‬وال َع َر ُب َت ُخص‬


‫الج ْم ُ‬ ‫(‪ )1‬الر َطا َن ُة بفتح الراء وكسرها‪ ،‬والترا ُط ُن‪ :‬كال ٌم ال ُ‬
‫يفهم ُه ُ‬
‫بِ َها غال ًبا كال َم ال َع َج ِم‪ ،‬والمقصود هنا‪ :‬الكالم الذي ال فائدة منه‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫النهاية يف غريب الحديث واألثر‪ ،‬البن األثير‪.233/2 :‬‬
‫ان بِ َأن ا ْلمرء َع َلي ِه إِ َذا َت َخلى ُلزُ وم ا ْلب َك ِ‬
‫اء‬ ‫)‪ (2‬أخرجه ابن حبان يف صحيحه‪ِ ،‬ذكْر ا ْلبي ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫ُ ََ‬
‫ان ِضدِّ َها‪،387/2 :‬‬ ‫جدًّ ا فِي إِ ْتي ِ‬‫َان َبائِنًا َعن َْها م ِ‬ ‫َع َلى ما ار َت َكب مِن ا ْلحوب ِ‬
‫ات‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َْ‬
‫رقم‪ ،)620( :‬وصححه شعيب‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪50‬‬

‫رسول اهللِ ‪ ‬عند تالوة القرآن‪ ،‬حتى َبل ِح ْج َر ُه‪ ،‬و َبل‬ ‫ِ‬ ‫فانظر ُبكا َء‬
‫ْ‬
‫وتعلم َع َظ َم َة حال ِ ِه‬
‫ْ‬
‫كان َعي ُشه مع ال ُق ِ‬
‫رآن‪،‬‬ ‫كيف َ ْ ُ َ َ‬ ‫ل ِ ْح َي َت ُه‪ ،‬وبل األَ ْر َض؛ َت ْع َل ْم َ‬
‫ظات وم ٍ‬
‫عان و َأ ْخ ٍ‬
‫بار!‬ ‫فيه مِن ِعب ٍر و ِع ٍ‬
‫آن‪ ،‬و َت ُفكره لِما ِ‬ ‫‪ ‬مع ال ُقر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ان إِ َذا َمر بِآ َي ِة َر ْح َم ٍة؛‬
‫وع ْن ُح َذ ْي َف َة ‪َ « ،‬أن النبِي ‪َ ‬صلى‪َ ،‬ف َك َ‬ ‫* َ‬
‫است ََج َار‪َ ،‬وإِ َذا َمر بِآ َي ٍة فِ َيها َتن ِْزي ٌه هللِ؛ َسب َح»(‪.)1‬‬
‫اب؛ ْ‬‫َس َأ َل‪َ ،‬وإِ َذا َمر بِآ َي ِة َع َذ ٍ‬
‫اجةَ‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا َذ ٍّر ‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬قا َم‬ ‫ِ‬
‫وع ْن َج ْس َر َة بِنْت َد َج َ‬ ‫* َ‬

‫النبِي ‪ ‬بِآ َي ٍة َحتى َأ ْص َب َح ُي َر ِّد ُد َها َو ْاآل َي ُة‪{ :‬إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُ ْم‬

‫فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(‪.)3(»)2‬‬


‫دادها الل ْي َل ُكل ُه؛ ُه َو أن‬ ‫والسر فِي وقوفِ ِه ‪ِ ‬عنْدَ َه ِذ ِه اآلي ِة َط ِو ًيال‪ ،‬و َتر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ون ل ِ ُعصاةِ ُأمتِ ِه‪ ،‬و َت َذك َر يو َم ُي ْس َأ َل‬
‫هذ ِه اآل َي ِة‪ ،‬وما َس َي ُك ُ‬
‫النبِي ‪َ ‬ت َفكر ما يف ِ‬
‫َ َ‬

‫)‪ (1‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬باب ما جاء يف القراءة يف صالة الليل‪ ،429/1 :‬رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)1351‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫)‪ (2‬المائدة‪.118 :‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬باب ما جاء يف القراءة يف صالة الليل‪ ،429/1 :‬رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)1350‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫فيجيب كَما‬‫َ‬ ‫القيا َم ِة عن ُأمتِ ِه؛‬ ‫ون َعن ُأم ِم ِهم؛ َف َأ ْش َف َق مِن َأ ْن يس َأ َل يوم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫النبي َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫يسى ‪!‬‬ ‫جاب ع َ‬ ‫َأ َ‬
‫* وأما حاله ‪ ‬عند سماع القرآن من غيره؛ فعن َعب ِد اهللِ ب ِن مسعودٍ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ول اهللِ ‪ :‬ا ْق َر ْأ َع َلي‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬أ ْق َر ُأ َع َل ْي َك َو َع َليْ َك‬ ‫‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ت الن َِّسا َء َحتى إِ َذا‬ ‫ُأن ِْز َل؟! َق َال‪ :‬إِنِّي َأ ْشت َِهي َأ ْن َأ ْس َم َع ُه مِ ْن َغ ْي ِري‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َر ْأ ُ‬

‫َب َل ْغ ُت‪{ :‬فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ‪ ،‬وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُالَءِ شَهِيدًا}(‪َ ،)1‬ق َال‬
‫ان»(‪.)2‬‬ ‫لِي‪ُ :‬كف‪َ ،‬أو َأم ِس ْك‪َ ،‬فر َأي ُت َعي َني ِه َت ْذ ِر َف ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ابن مسعودٍ ‪َ « :‬ر َف ْع ُت َر ْأ ِسي‪َ ،‬أ ْو َغ َم َزنِي‬ ‫قال ُ‬ ‫لمسلم‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رواية‬ ‫ويف‬
‫َر ُج ٌل إِ َلى َجنْبِي؛ َف َر َف ْع ُت َر ْأ ِسي َف َر َأ ْي ُت ُد ُمو َع ُه َت ِس ُيل»(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪.41 :‬‬


‫)‪ (2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬باب الب َك ِ‬
‫اء ِعنْدَ قِراء ِة ال ُقر ِ‬
‫آن‪ ،167/6 :‬رقم‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫(‪.)5055‬‬
‫الستِ َما ِع‬‫ِ ِِ ِ‬ ‫آن‪ ،‬و َط َل ِ ِ ِ ِ‬
‫ب ا ْلق َرا َءة م ْن َحافظه ل ْ‬ ‫َ‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم‪ ،‬باب َف ْض ِل استِما ِع ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫وا ْلب َك ِ‬
‫اء ِعنْدَ ا ْل ِق َرا َء ِة َوالتدَ ب ِر‪ ،551/1 :‬رقم‪.)800( :‬‬ ‫َ ُ‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪52‬‬

‫والسر فِي ُب َكائِ ِه ‪ِ ‬عنْدَ سما ِع َه ِذ ِه اآل َي ِة؛ ُه َو أن النبِي ‪َ ‬ت َفك َر َما يف‬ ‫ِّ‬
‫ون مِ ْن َشها َدتِ ِه ع َلى ُأمتِ ِه؛ َف َأ ْش َف َق ع َلى ُأمتِ ِه مِ ْن َأ ْن َي ْأتِ َي‬ ‫هذ ِه اآل َي ِة‪ ،‬وما َس َي ُك ُ‬
‫ِ‬

‫القيا َم ِة!‬
‫عليهم يوم ِ‬
‫َش ِهيدً ا ِ ْ َ‬

‫الثاني‪ :‬مَشاهِدُ عُثْما َن بنِ عَفَّا َن ‪َ ‬م َع القرآنِ‬


‫ور ْي ِن‪ُ ،‬ذو ا ْل ِه ْج َر َت ْي ِن‪،‬‬ ‫الجليل‪ ،‬ثال ِ ُث ُ ِ‬ ‫وهذا الصحابِي‬
‫الخ َلفاء‪ُ ،‬ذو الن َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫عفان‬ ‫بن‬ ‫ُ‬
‫عثمان ُ‬ ‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬ولرسولِه ‪،‬‬ ‫وا ْلمص ِّلي إِ َلى ا ْل ِقب َل َتي ِن‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ان ْب ِن َع ْب ِد الر ْح َم ِن‬ ‫لتالوتِ ِه؛ ف َع ْن ُع ْث َم َ‬
‫َ‬ ‫للقرآن‪ ،‬مح ًبا‬‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫كان َخدينًا‬ ‫‪َ ،‬‬
‫الت ْي ِم ِّي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َأبِي‪َ « :‬ألَ ْغلِ َبن الل ْي َل َة َع َلى ا ْل ُم َقامِ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َلما َصل ْينَا‬
‫يه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َبيْنَا َأنَا َقائِ ٌم إِ َذا َر ُج ٌل‬‫ا ْلعتْمةَ‪َ ،‬ت َخلص ُت إِ َلى ا ْلم َقامِ‪ ،‬حتى ُقم ُت فِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫فتنحيت َعنْ ُه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ان‪ ،‬وهو خليفة‪،‬‬ ‫ان ْب ُن َعف َ‬ ‫َو َض َع َيدَ ُه َب ْي َن كَتِ َفي‪َ ،‬فإِ َذا ُه َو ُع ْث َم ُ‬
‫آن‪َ ،‬ف َرك ََع َو َس َجدَ ‪ُ ،‬ثم َأ َخ َذ َن ْع َل ْي ِه‪،‬‬‫آن‪َ ،‬ف َق َر َأ َحتى َخت ََم ا ْل ُق ْر َ‬‫َق َال‪َ :‬ف َبدَ َأ بِ ُأ ِّم ا ْل ُق ْر َ‬
‫َف َال َأ ْد ِري‪َ ،‬صلى َق ْب َل َذل ِ َك َشيْئًا ُأ ْم َال»(‪.)2‬‬

‫)‪ (1‬الخدين‪ ،‬والخدن‪ :‬الصديق‪ ،‬والصاحب‪َ ،‬وجمع خدين‪ :‬خدناء‪َ ،‬وجمع خدن‪:‬‬
‫أخدان‪ ،‬انظر‪ :‬جمهرة اللغة‪ ،‬البن دريد‪ ،581/1 :‬والنهاية يف غريب الحديث واألثر‪،‬‬
‫البن األثير‪.15/2 :‬‬
‫(‪ )2‬معرفة الصحابة‪ ،‬ألبي نعيم‪ ،71/1 :‬وتاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪.233/39 :‬‬
‫‪53‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫ف فِي ِحج ِر ِه؛ فعن َأبِي س ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عيد‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫* و َل َقدْ ُقت َل ‪ ‬يو َم ُقت َل ُ‬
‫والم ْص َح ُ‬
‫ف بين ِ‬
‫يديه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َم ْو َلى َأبِي ُأ َس ْي ٍد‪َ ،‬‬
‫الم ْص َح َ َ‬ ‫الباب‪َ ،‬و َو َض َع ُ‬
‫َ‬ ‫عثمان‬ ‫فتح‬
‫قال‪َ « :‬‬
‫فخرج و َت َر َك ُه‪ُ ،‬ثم‬
‫َ‬ ‫كتاب اهللِ تعالى‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وقال بينِي وبين ََك‬ ‫عليه َر ُج ٌل‪َ ،‬‬ ‫َفدَ َخ َل ِ‬
‫ِ‬
‫بالسيف‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬بينِي وبين ََك كتاب اهللِ تعالى‪ ،‬ف َأ ْهوى ِ‬
‫إليه‬ ‫آخ ُر‪َ ،‬‬ ‫د َخ َل ِ‬
‫عليه َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فقال‪ :‬أما واهللِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فاتقا ُه بيده‪َ ،‬ف َق َط َعها‪َ ،‬فال َأ ْد ِري َأ َبانَها أ ْم َق َط َعها‪ ،‬و َل ْم ُيبِنْها‪َ َ ،‬‬
‫الم َفصل(‪.)1(»)1‬‬ ‫ِ‬ ‫إِنها ألَو ُل ك ٍّ‬
‫َف َخطت ُ‬

‫ِ‬
‫القرآن ثالث َة أقسامٍ‪:‬‬ ‫اص َط َل َح العلما ُء عَ َلى َت ْق ِ‬
‫سيم‬ ‫(‪ )1‬خطت‪ :‬كتبت القرآن المفصل‪ْ ،‬‬
‫وس ِّم َي ْت‬ ‫مائة ٍ‬
‫آية أو ُت ِ‬ ‫ون‪ :‬وهي السور التِي تزيدُ آيا ُتها َع َلى ِ‬ ‫األو ُل‪ِ :‬‬
‫الم ُئ َ‬
‫قار ُبها‪ُ .‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫المائة ٍ‬
‫آية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بــ(المئون)؛ ألن آياتِها تزيدُ ع َلى‬
‫ِ‬

‫وه َي الس َور التي آيا ُتها‬ ‫ِ‬


‫اآليات‪ِ .‬‬ ‫المئِي َن فِي عَ دَ ِد‬
‫الثاين‪ :‬الم َثانِي‪ :‬وهي التِي َتلِي ِ‬
‫َ‬
‫الم ُئ َ‬
‫ون‬ ‫آية؛ وسمي ْت بالمثانِي؛ ألنها ُت ْثنَى‪ ،‬أي‪ُ :‬ت َكرر أكثر مِما ُت ْثنَى ِ‬ ‫مائة ٍ‬
‫أقل مِن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ َ‬ ‫ْ‬
‫الطِ ُ‬
‫وال‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم َفص ُل‪:‬‬
‫بالم َفص ِل؛ ل َك ْث َرة ال َف ْص ِل َ‬
‫بين‬ ‫يت ُ‬ ‫وس ِّم ْ‬
‫وهي أواخ ُر القرآن‪ُ .‬‬
‫َ‬ ‫الث‪ُ :‬‬ ‫الث ُ‬
‫القرآن)‪ ،‬وهي ُم َقسم ٌة ع َلى‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(آخر‬ ‫السور مِ ْن‪( :‬ق) إلى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُس َو ِره بال َب ْس َم َلة‪ُ .‬‬
‫والم َفص ُل من‬
‫الم َف َّص ِل‪ :‬مِ َن (عَم) إلى‬ ‫ُ‬
‫وأوساط ُ‬ ‫الم َف َّص ِل‪ :‬مِ ْن (ق) إلى (عم)‪.‬‬
‫وال ُ‬‫حو اآليت‪ :‬طِ ُ‬‫الن ِ‬
‫ِ‬ ‫الم َفص ُل‬ ‫الم َف َّص ِل‪ :‬مِ َن (الض َحى) إلى (الن ِ‬ ‫ِ‬
‫بأربعة‬ ‫اس)‪ .‬و ُت َقد ُر ُ‬ ‫(الض َحى)‪ .‬وق َص ُار ُ‬
‫أقوال كثيرةٍ‪ ،‬انظر‪ :‬مناهل‬ ‫ٍ‬ ‫الم َفص ِل على‬ ‫ِ‬
‫تقسيم ُ‬ ‫ذلك فِي‬‫وش ْي ٍء‪ .‬وقيل َغ ْي ُر َ‬ ‫ٍ‬
‫أجزاء َ‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪54‬‬
‫مان‪َ ،‬ضربوه بالسي ِ‬
‫ف‬ ‫ون(‪ )2‬ع َلى ُعثْ َ‬ ‫قال‪« :‬لما د َخ َل ِ‬
‫الم ْص ِري َ‬ ‫وعنْ ُه‪َ ،‬‬
‫* َ‬
‫ْ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬

‫ع َلى َي ِد ِه؛ َف َو َق َع ْت ع َلى قول ِ ِه تعا َلى‪{ :‬فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(‪،)3‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الم َفص ِل»(‪.)4‬‬ ‫فقال‪ :‬واهلل إِنها ألَو ُل َيد َخطت ُ‬ ‫َف َمد يدَ َه‪َ ،‬‬
‫س ا ْل َعدَ ِوي ِة‪َ ،‬قا َل ْت‪َ « :‬خ َر ْج ُت َم َع َعائِ َش َة ‪-‬‬ ‫ْت َق ْي ٍ‬‫وعن َعمر َة بِن ِ‬
‫* َ ْ َْ‬
‫ان ‪ ‬إِ َلى َمكةَ‪َ ،‬ف َم َر ْرنَا بِا ْل َم ِدين َِة‪َ ،‬ف َر َأ ْينَا‬ ‫اهلل‪َ -‬سنَ َة ُقتِ َل ُع ْث َم ُ‬ ‫ِ‬
‫َرح َم َها ُ‬
‫ت مِ ْن َدمِ ِه‬ ‫ف ال ِذي ُقتِ َل َو ُه َو فِي ِح ْج ِر ِه‪َ ،‬ف َكان َْت َأو ُل َق ْط َرةٍ ُقطِ َر ْ‬ ‫ا ْل ُم ْص َح َ‬

‫َع َلى َه ِذ ِه ْاآل َي ِة‪{ :‬فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(‪َ ،)5‬قا َل ْت َع ْم َر ُة‪َ :‬ف َما‬
‫ات مِن ُْه ْم(‪َ )6‬ر ُج ٌل َس ِو ًّيا»(‪.)1‬‬
‫َم َ‬

‫العرفان يف علوم القرآن‪ ،‬للز ْرقاين‪ ،352/1 :‬واإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬للسيوطي‪:‬‬
‫‪ ،222/1‬وانظر‪ :‬موسوعة الفقه اإلسالمي‪ ،‬للتويجري‪.457/2 :‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪.411/39 :‬‬
‫الم ِدين َِة مِ ْن مِ ْص َر؛ حيث استجاب أهل الفتنة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ون‪َ :‬أ ْه ُل الف ْتنَة مم ْن َوفدَ إِ َلى َ‬
‫(‪ِ )2‬‬
‫الم ْص ِري َ‬
‫من مصر لدعوة عبد اهلل بن سبأ للثورة على عثمان ‪.‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.137 :‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪.414/39 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.137 :‬‬
‫(‪ )6‬منهم‪ :‬يعني من َق َت َل ِة عثمان ‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫آن مِ ْن‬ ‫يعيش مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬


‫والخلي َف َة الراشدَ ‪ْ َ َ ُ ،‬‬
‫َِ‬ ‫العظيم‪،‬‬
‫َ‬
‫ا ْن ُظر هذا ِ‬
‫اإلما َم‬ ‫ْ‬
‫كان َخلي َفةً‪َ ،‬ل ْم َت ْش َغ ْل ُه‬
‫الو ْح ِي‪ ،‬و َلما َ‬‫اب َ‬ ‫فكان مِ ْن ُكت ِ‬
‫َ‬ ‫َأو ِل يو ٍم َأس َلم ِ‬
‫فيه؛‬ ‫ْ َ‬
‫الفتْن َِة‪ُ ،‬ي ْقت َُل َو ُه َو‬
‫بالقرآن‪ ،‬ويوم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫فكان يقو ُم َ‬
‫الليل ُكل ُه‬ ‫َ‬ ‫الخال َف ُة َع ِن ال ُقر ِ‬
‫آن‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬

‫ف‪.‬‬ ‫اهر ع َلى المصح ِ‬


‫ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫تاب اهللِ تعا َلى‪ ،‬و َي ُ‬
‫سيل َد ُم ُه الط ُ‬ ‫ُم ْم ِس ٌك بِكِ ِ‬

‫هلل بنِ مَسْعو ٍد ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫الثالث‪ :‬مَشاهِ ُد عب ِد ا ِ‬
‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬ولرسولِه ‪َ ،‬ع ْبدُ اهللِ ْب ُن‬ ‫وهذا الصحابِي ال َكبير‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ك مِ َن‬ ‫اج ِرين‪ ،‬ا ْلمعروفِين بِالنس ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ين ا ْل ُم َه ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْس ُعود‪« ،‬م ْن َط َب َقة السابِق َ‬
‫ٍ‬

‫ار ُئ ا ْل ُم َلق ُن‪َ ،‬وا ْل ُغ َال ُم ا ْل ُم َع ِّل ُم‪َ ،‬وا ْل َف ِقي ُه ا ْل ُم َفه ُم»(‪)2‬؛ َف َع ْن‬
‫ين‪ ،‬ا ْل َق ِ‬
‫ا ْل ُم َع ِّم ِر َ‬
‫رسول اهللِ‬
‫ِ‬ ‫قال‪َ « :‬أو ُل من جهر بال ُقر ِ‬
‫آن بِ َمك َة بعدَ‬ ‫بن الزبي ِر‪َ ،‬عن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ََ‬ ‫أبيه‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُع ْر َو َة ِ َ ْ‬
‫‪ ‬عبدُ اهللِ بن مس ٍ‬
‫عود ‪.)3(»‬‬ ‫ُ َ ْ‬
‫ِ‬
‫بالقرآن‬ ‫كان أو ُل َم ْن َأ ْف َشى‬
‫قال‪َ « :‬‬ ‫ِ‬
‫الرحمن‪َ ،‬‬ ‫بن ِ‬
‫عبد‬ ‫ِ‬
‫القاس ِم ِ‬ ‫وع ِن‬‫* َ‬
‫بن مسعودٍ ‪.)4(»‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِ َمك َة مِ ْن فِ ِّي‬
‫رسول اهلل ‪ ‬عبدُ اهلل ُ‬

‫(‪ )1‬الزهد‪ ،‬ألحمد بن حنبل‪.105 :‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.124/1 :‬‬
‫(‪ )3‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.466/1 :‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪.75/33 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪56‬‬

‫كتاب اهللِ تعا َلى َع ْن َظ ْه ِر‬‫ِ‬ ‫قال‪َ « :‬أو ُل َم ْن قر َأ آي ًة مِ ْن‬ ‫وع ْن َعلِي ‪َ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫* َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫مسعود ‪.)2(»‬‬ ‫بن‬‫َق ْلبِه عبدُ اهلل ُ‬
‫َان َأو َل من جهر بِا ْل ُقر ِ‬
‫آن‬ ‫يه‪َ ،‬ق َال‪« :‬ك َ‬ ‫وعن ُعرو َة ب ِن الزبي ِر‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫* َ ْ ْ َ ْ‬
‫ول اهللِ ‪،‬‬ ‫اب رس ِ‬
‫اجت ََم َع َي ْو ًما َأ ْص َح ُ َ ُ‬
‫ٍ‬
‫ول اهلل ‪ ‬ا ْب ُن َم ْس ُعود‪ْ ،‬‬
‫بِمك َة بعدَ رس ِ ِ‬
‫َ َْ َ ُ‬
‫آن ُي ْج َه ُر َل َها بِ ِه َقط‪َ ،‬ف َم ْن َر ُج ٌل‬ ‫َف َقا ُلوا‪َ :‬واهللِ َما َس ِم َع ْت ُق َر ْي ٌش َه َذا ا ْل ُق ْر َ‬
‫ِ‬
‫اه ْم َع َليْ َك‪،‬‬ ‫ُي ْس ِم ُع ُه ْم؟ َف َق َال َع ْبدُ اهلل ْب ُن َم ْس ُعودٍ ‪َ :‬أنَا‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬إِنا ن َْخ َش ُ‬
‫إِن َما ُن ِريدُ َر ُج ًال َل ُه َع ِش َيرةٌ؛ َت ْمنَ ُع ُه مِ َن ا ْل َق ْو ِم إِ ْن َأ َرا ُدو ُه(‪َ ،)3‬ف َق َال‪َ :‬د ُعونِي‪،‬‬
‫اهلل َس َي ْمنَ ُعنِي‪َ ،‬ف َغدَ ا َع ْبدُ اهللِ ‪َ ‬حتى َأ َتى ا ْل َم َقا َم فِي الض َحى‪َ ،‬و ُق َر ْي ٌش‬
‫َفإِن َ‬
‫فِي َأن ِْد َيتِ َها‪َ ،‬حتى َقا َم ِعنْدَ ا ْل َم َقامِ‪َ ،‬ف َق َال َرافِ ًعا َص ْو َت ُه‪{ :‬بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ ِن‬

‫الرَّحِيمِ * الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ} ‪َ ،‬ف ْ‬


‫اس َت ْق َب َل َها‪َ ،‬ف َق َر َأ بِ َها‪َ ،‬ف َت َأم ُلوا‪َ ،‬ف َج َع ُلوا‬ ‫(‪)4‬‬

‫(‪َ )1‬ع ْن َظ ْه ِر َق ْلبِ ِه‪ ،‬أي‪ :‬قرأ من حفظه‪ ،‬حف ًظا قو ًيا متقنًا‪ ،‬انظر‪ :‬معجم اللغة العربية‬
‫المعاصرة‪ ،‬ألحمد عمر‪.523/1 :‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪.75/33 :‬‬
‫(‪ )3‬أرادوه‪ :‬يعني أرادوه بسوء‪ :‬من ضرب أو قتل أو أذية‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرحمن‪.2،1 :‬‬
‫‪57‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ول ا ْب ُن ُأ ِّم َع ْب ٍد(‪)1‬؟ ُثم َقا ُلوا‪ :‬إِن ُه َل َي ْت ُلو َب ْع َض َما َجا َء بِ ِه ُم َحمدٌ ؛‬
‫ون‪َ :‬ما َي ُق ُ‬
‫َي ُقو ُل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َقاموا‪َ ،‬فجع ُلوا ي ْض ِرب َ ِ‬
‫ون في َو ْج ِهه‪َ ،‬و َج َع َل َي ْق َر ُأ‪َ ،‬حتى َب َل َغ من َْها َما َشا َء ُ‬
‫اهلل‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ف إِ َلى َأ ْص َحابِ ِه َو َقدْ َأث ُروا بِ َو ْج ٍه؛ َف َقا ُلوا‪َ :‬ه َذا ال ِذي‬ ‫َأ ْن َي ْب ُل َغ‪ُ ،‬ثم ان َْص َر َ‬
‫اآلن‪َ ،‬و َلئِ ْن‬‫َان َأ ْعدَ ا ُء اهللِ َقط َأ ْه َو َن َع َلي مِن ُْه ُم َ‬ ‫َخ ِشينَا َع َليْ َك‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما ك َ‬
‫ون»(‪.)2‬‬ ‫ِش ْئ ُت ْم َغا َد ْي ُت ُه ْم بِ ِم ْثلِ َها َغدً ا؟ َق َال‪َ :‬ح ْسبُ َك‪َ ،‬قدْ َأ ْس َم ْع َت ُه ْم َما َي ْك َر ُه َ‬
‫ول اهللِ ‪َ ‬و َأنَا َم َع ُه َو َأ ُبو‬ ‫اب ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬مر َر ُس ُ‬ ‫وع ْن ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخط ِ‬ ‫* َ‬
‫ود ‪َ ،‬و ُه َو َي ْق َر ُأ‪َ ،‬ف َقا َم َفت ََسم َع قِ َرا َء َت ُه‪ُ ،‬ثم‬ ‫ب ْك ٍر ‪َ ،‬ع َلى َعب ِد اهللِ ب ِن مسع ٍ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ول اهللِ ‪َ :‬س ْل ُت ْع َط ْه‪َ ،‬س ْل‬ ‫َرك ََع َع ْبدُ اهللِ ‪َ ،‬و َس َجدَ ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ ‪َ ‬و َق َال‪َ :‬م ْن َسر ُه َأ ْن َي ْق َر َأ ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن َغ ًّضا‬ ‫ُت ْع َط ْه‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ثم َم َضى َر ُس ُ‬
‫كَما ُأن ِْز َل‪َ ،‬ف ْلي ْقر ْأه مِن اب ِن ُأم َعب ٍد‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأد َلج ُت(‪ )3‬إِ َلى َعب ِد اهللِ ب ِن مسعودٍ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ ُ َ ْ ِّ ْ‬ ‫َ‬
‫اب ‪َ -‬أ ْو َق َال ‪:‬‬ ‫‪‬؛ ِألُب ِّشره بِما َق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ف َلما َض َر ْب ُت ا ْل َب َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َُ َ‬

‫(‪ )1‬ابن أم عبد‪ :‬عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬كان يعرف بذلك؛ ِألَن أمه أم عبد بنت ِ‬
‫عبد ُو ِّد بن‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫َس َواء‪ ،‬انظر‪ :‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬لبدر الدين العيني‪.237/16 :‬‬
‫(‪ )2‬أسد الغابة‪ ،‬البن األثير‪.381/3 :‬‬
‫إدالجا إِذا َس ُاروا الل ْيل ُكله فهم ُمدْ ل ِ ُج َ‬
‫ون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )3‬اإلدالج‪ :‬سير ال ّليل‪َ ،‬أ ْد َل َج ا ْل َق ْوم‬
‫مبكرا بالليل‪ ،‬انظر‪ :‬هتذيب اللغة‪ ،‬لألزهري‪.345/10 :‬‬
‫والمقصود هنا أن ذهب إليه ً‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪58‬‬

‫اعةَ؟ ُق ْل ُت‪ِ :‬ج ْئ ُت ِألُ َب ِّش َر َك‬ ‫َلما َس ِم َع َص ْوتِي‪َ ،-‬ق َال‪َ :‬ما َجا َء بِ َك َه ِذ ِه الس َ‬
‫اق‬‫ول اهللِ ‪َ .‬ق َال‪َ :‬قدْ َس َب َق َك َأ ُبو َب ْك ٍر‪ُ .‬ق ْل ُت‪ :‬إِ ْن َي ْف َع ْل َفإِن ُه َسب ٌ‬ ‫بِ َما َق َال َر ُس ُ‬
‫اس َتـ َب ْقنَا َخ ْي ًرا َقط إِال َس َب َقنَا إِ َل ْي َها َأ ُبو َب ْك ٍر»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫بِا ْل َخ ْي َرات‪َ ،‬ما ْ‬
‫ود ‪َ « :‬واهللِ ال ِذي َال إِ َل َه‬ ‫وق‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َعبدُ اهللِ بن مسع ٍ‬
‫ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫وع ْن مسر ٍ‬
‫* َ َ ْ ُ‬
‫َاب اهللِ تعالى إِال َأنَا َأ ْع َل ُم َأ ْي َن ُأن ِْز َل ْت‪َ ،‬و َال‬
‫ور ٌة مِ ْن كِت ِ‬
‫َغ ْي ُر ُه‪َ ،‬ما ُأن ِْز َل ْت ُس َ‬
‫يم ُأن ِْز َل ْت‪َ ،‬و َل ْو َأ ْع َل ُم َأ َحدً ا َأ ْع َل َم مِنِّي‬ ‫ِ‬ ‫ُأن ِْز َلت آي ٌة مِن كِت ِ ِ‬
‫َاب اهلل إِال َأنَا َأ ْع َل ُم ف َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫اإلبِ ُل؛ َل َركِبْ ُت إِ َل ْي ِه»(‪.)2‬‬
‫يه ْ ِ‬‫َاب اهللِ ُتب ِّل ُغن ِ ِ‬
‫بِكِت ِ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫ود ‪َ ،‬ق َال‪« :‬ينْب ِغي لِحامِ ِل ا ْل ُقر ِ‬
‫آن َأ ْن ُي ْع َر َ‬ ‫وعن َعب ِد اهللِ ب ِن مسع ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫* َ ْ ْ‬
‫ِِ‬ ‫اس ُم ْفطِ ُر َ‬ ‫ون‪ ،‬وبِنَه ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫ون‪ ،‬وبِ ُح ْزنه إِ َذا الن ُ‬ ‫اره إِ َذا الن ُ‬ ‫اس نَائ ُم َ َ َ‬ ‫بِ َل ْيلِه إِ َذا الن ُ‬
‫اس ُي ْخطِ ُئ َ‬
‫ون‪،‬‬ ‫ِِ‬
‫ون‪ ،‬وبِ َص ْمته إِ َذا الن ُ‬ ‫اس َي ْض َح ُك َ‬ ‫ِِ‬
‫ون‪َ ،‬وبِ ُب َكائه إِ َذا الن ُ‬ ‫َي ْف َر ُح َ‬
‫ون َباكِ ًيا‬ ‫ون‪ ،‬وينْب ِغي لِحامِ ِل ا ْل ُقر ِ‬
‫آن َأ ْن َي ُك َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اس َي ْختَا ُل َ َ َ َ‬
‫ِِ‬
‫َوبِ ُخ ُشوعه إِ َذا الن ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند عمر بن الخطاب ‪ ،372/1 :‬رقم‪)265( :‬‬
‫وصححه شعيب األرنؤوط‪.‬‬
‫اب ال ُقر ِاء مِ ْن َأ ْص َح ِ‬
‫اب النبِ ِّي ‪ ،187/6 :‬رقم‪:‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪َ ،‬ب ُ‬
‫(‪.)5002‬‬
‫‪59‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ون َجافِ ًيا‪َ ،‬و َال‬


‫آن َأ ْن َي ُك َ‬ ‫مح ُزونًا حلِيما سكِينًا‪ ،‬و َال ينْب ِغي لِحامِ ِل ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ً َ‬ ‫َ ْ‬
‫احا‪َ ،‬و َال َح ِديدً ا»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َغاف ًال‪َ ،‬و َال َصخا ًبا‪َ ،‬و َال َصي ً‬
‫الش ْع ِر‪،‬‬
‫ود ‪َ ،‬ق َال‪« :‬ال هتذوا ا ْل ُق ْرآن َهذ ِّ‬ ‫وعن َعب ِد اهللِ ب ِن مسع ٍ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫* َ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وال َي ُك ْن‬
‫وب‪َ ،‬‬ ‫وح ِّر ُكوا بِه ا ْل ُق ُل َ‬
‫َو َال َتنْ ُث ُرو ُه َن ْث َر الد ْقلِ‪ ،‬وق ُفوا عنْدَ َع َجائبِه‪َ ،‬‬
‫ور ِة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهم َأ َحد ُك ْم آخ َر الس َ‬

‫ب ‪ ‬م َع القُرْآ ِن‬


‫َي ب ِن كَ ْع ٍ‬
‫الرابع‪ :‬مَشاهِ ُد أُب ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ‪ ،‬ال َعال ِ ُم ال َق ِ‬ ‫بن َك ْع ٍ‬
‫المحب هلل َتعا َلى‪ُ ،‬‬
‫الم َسمى‬ ‫ار ُئ‪ُ ،‬‬ ‫َو َهذا ُأ َبي ُ‬
‫رسول اهللِ ‪‬؛ ف َع ْن َأن ٍ‬
‫َس ‪َ ،‬ع ِن النبِ ِّي ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بالع ْل ِم مِ ْن‬
‫ماء‪ ،‬المهن ُأ ِ‬
‫َُ‬
‫فِي الس ِ‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪ ،130/1 :‬وصفة الصفوة‪ ،‬البن‬
‫الجوزي‪.156/1 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي شيبة يف مصنفه‪ ،‬باب يف قراءة القرآن‪ ،256/2 :‬رقم‪،)8733( :‬‬
‫ٍ‬
‫رواية يف‬ ‫اب َت ْرتِي ِل ا ْل ِق َرا َء ِة‪ ،20/3 :‬رقم‪ ،)4716( :‬ويف‬‫والبيهقي يف السنن الكربى‪َ ،‬ب ُ‬
‫ب ا ْل ُقر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫آن‪َ ،‬و َفزِّ ُعوا‬ ‫عَن ا ْب ِن َم ْس ُعود ‪َ ،‬أن ُه َق َال‪« :‬ق ُفوا عَ َلى عَ َجائ ِ ْ‬
‫اآلثار ألبي يوسف‪ِ :‬‬

‫ور ِة َأ ْن َي ْف ُر َغ مِن َْها»‪ ،‬انظر‪ :‬اآلثار‪ ،‬ألبي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ون َهم َأ َحد ُك ْم آخ ُر الس َ‬ ‫بِ ِه ُق ُلو َب ُك ْم‪َ ،‬و َال َي ُك ُ‬
‫يوسف‪.46/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪60‬‬

‫آن‪َ ،‬ق َال ُأ َب ٌّي‪:‬‬ ‫ب ‪َ « :‬أ َم َرنِي َر ِّبي َأ ْن َأ ْق َر َأ َع َليْ َك ا ْل ُق ْر َ‬ ‫َق َال ِألُ َبي ْب ِن َك ْع ٍ‬
‫ِّ‬
‫َأ َو َسمانِي َل َك؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم؛ َف َب َكى ُأ َب ٌّي» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َر َباحٍ ‪َ ،‬ع ْن ُأ َب ٍّي‪َ :‬أن النبِي ‪َ ‬س َأ َل ُه‪َ « :‬أي آ َي ٍة فِي‬ ‫* َ‬
‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ف َرد َد َها مِ َر ًارا‪ُ ،‬ثم َق َال ُأ َب ٌّي‪ :‬آ َي ُة‬ ‫كِت ِ ِ‬
‫َاب اهلل َأ ْع َظ ُم؟» َق َال‪ُ :‬‬
‫ا ْل ُك ْر ِس ِّي؛ َق َال‪« :‬ل ِ َي ْهن ِ َك ا ْل ِع ْل ُم َأ َبا ا ْل ُمن ِْذ ِر‪َ ،‬وال ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه إِن َل َها ل ِ َسانًا‬
‫ش»(‪.)2‬‬ ‫اق ا ْل َع ْر ِ‬‫َو َش َف َت ْي ِن‪ُ ،‬ت َقدِّ ُس ا ْلملِ َك ِعنْدَ س ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ب‪« ،‬أن ُه َ‬
‫كان‬ ‫بن َك ْع ٍ‬ ‫ب‪َ ،‬ع ْن ُأ َبي ِ‬
‫ِّ‬ ‫وع ْن َأبِي قال َبةَ‪َ ،‬ع ْن َأبِي ُ‬
‫الم َهل ِ‬ ‫* َ‬
‫تميم الداري َي ْختِ ُم ُه فِي َس ْب ٍع»(‪.)3‬‬ ‫وكان ٌ‬ ‫َ‬ ‫مان ٍ‬
‫ليال‪،‬‬ ‫القرآن فِي َث ِ‬ ‫َ‬ ‫َي ْختِ ُم‬
‫الو ِصيةَ؛ ف َع ْن َأبِي‬ ‫ِ‬ ‫آن َو ِصي َة َك ْع ٍ‬
‫ب ‪ ‬ل َم ْن َس َأ َل ُه َ‬ ‫كان ال ُق ْر ُ‬ ‫* و َل َقدْ َ‬
‫خ ْذ كِتَاب اهللِ‬ ‫ب‪َ :‬أو ِصنِي‪َ ،‬ق َال‪ :‬ات ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ا ْل َعال َية َق َال‪َ « :‬ق َال َر ُج ٌل ألُ َب ِّي ْب ِن َك ْع ٍ ْ‬
‫ف فِي ُك ْم َر ُسو َل ُك ْم‬ ‫است َْخ َل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تعالى إِ َما ًما‪َ ،‬و ْار َض بِه َقاض ًيا َو َح َك ًما‪َ ،‬فإِن ُه الذي ْ‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند أنس بن مالك ‪ ،395/19 :‬رقم‪،)12403( :‬‬
‫وصححه شعيب األرنؤوط‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬حديث المشايخ عن أبي بن كعب ‪،200/35 :‬‬
‫رقم‪ ،)21278( :‬وصححه شعيب األرنؤوط‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪.74/11 :‬‬
‫‪61‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫يه ِذك ُْر ُك ْم َو ِذك ُْر َم ْن َق ْب َل ُك ْم‪َ ،‬و ُح ْك ُم َما‬


‫اهدٌ َال يتهم‪ ،‬فِ ِ‬
‫ُ َ ُ‬
‫‪َ ،‬ش ِفيع م َطاع‪ ،‬و َش ِ‬
‫ٌ ُ ٌ َ‬
‫َب ْينَ ُك ْم‪َ ،‬و َخ َبـ ُر ُك ْم َو َخ َبـ ُر َما َب ْعدَ ُك ْم»(‪.)1‬‬

‫اخلامس‪ :‬مَشاهِ ُد عرو َة ب ِن الزُّ َبيْ ِر ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫حب‬ ‫وهذا ُعرو ُة بن الزبي ِر ب ِن ا ْلعوا ِم‪ ،‬ا ْلمجت َِهدُ ا ْلم َتعبدُ الصوام‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ ُ َْ ْ‬
‫َان ُع ْر َو ُة َي ْق َر ُأ‬
‫ب‪ ،‬قال‪« :‬ك َ‬ ‫يم؛ ف َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َش ْو َذ ٍ‬‫هللِ تعا َلى‪ ،‬ولِكِتابِ ِه ال َك ِر ِ‬
‫ف َن َظ ًرا‪َ ،‬و َي ُقو ُم بِ ِه الليْ َل‪َ ،‬ف َما َت َر َك ُه إِال َل ْي َل َة‬‫آن ُكل يو ٍم فِي ا ْلمصح ِ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ربع ا ْل ُقر ِ‬
‫َُْ ْ‬
‫َان َو َق َع فِ َيها األَ َك َل ُة(‪)2‬؛ َفن ََش َر َها»(‪.)3‬‬
‫ُقطِ َع ْت ِر ْج ُل ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫يد ْب ِن‬‫ب‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ق ِدم ُعرو ُة بن الزبي ِر َع َلى ا ْلول ِ ِ‬ ‫ار ٍ‬ ‫وع ْن َم ْس َل َم َة ْب ِن ُم َح ِ‬ ‫* َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َْ‬
‫ك‪َ ،‬و َم َع ُه ا ْبنُ ُه ُم َحمدُ ْب ُن ُع ْر َو َة‪َ ،‬فدَ َخ َل ُم َحمدُ بْ ُن ُع ْر َو َة َد َار‬ ‫َعب ِد ا ْلملِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اب َف َض َر َب ْت ُه َدابةٌ؛ َف َخر َف ُح ِم َل َم ِّيـتًا َو َو َق َع ْت فِي ِر ْج ِل ُع ْر َو َة ْاألَكِ َل ُة‪،‬‬ ‫الد َو ِّ‬
‫َو َل ْم َيدَ ْع تِ ْل َك الل ْي َل ِة ِو ْر َد ُه‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ا ْل َولِيدُ ‪ :‬ا ْق َط ْع َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال‪َ ،‬فن ََز َق ْت إِ َلى‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.253/1 :‬‬


‫(‪ )2‬األكلة‪ :‬داء يقع يف العضو؛ فيأتكل منه‪ .‬وتأكل الرجل‪ ،‬وتسمى اليوم‪:‬‬
‫(الغرغرينا)‪ ،‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.22/11 :‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪ ،259/40 :‬وسير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪،426/4 :‬‬
‫وتاريخ اإلسالم‪ ،‬للذهبي‪.1141/2 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪62‬‬

‫ت َع َليْ َك َج َسدَ َك؛ َف ُقطِ َع ْت‬ ‫َساقِ ِه‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ا ْل َولِيدُ ‪ :‬ا ْق َط ْع َها َوإِال َأ ْف َسدَ ْ‬
‫ار َو ُه َو َش ْي ٌخ َكبِ ٌير‪َ ،‬ف َل ْم ُي ْم ِس ْك ُه َأ َحدٌ ‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬ل َقدْ َل ِقينَا مِ ْن َس َف ِرنَا َه َذا‬
‫بِا ْل ِمن َْش ِ‬

‫ن ََص ًبا»(‪.)1‬‬
‫يد ب ِن َعب ِد ا ْلملِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫* َ ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫وع ْن ه َشا ِم ْب ِن ُع ْر َوةَ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬خ َر َج َأبِي إِ َلى ا ْل َول ْ ْ َ‬
‫َف َو َق َع فِي ِر ْجلِ ِه ْاألَكِ َل ُة‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ا ْل َولِيدُ ‪َ :‬يا َأ َبا َع ْب ِد اهللِ َأ َرى َل َك َق ْط َع َها‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫َف ُقطِ َع‪َ ،‬وإِن ُه َل َصائِ ٌم؛ َف َما َت َضو َر(‪َ )2‬و ْج ُه ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َد َخ َل ا ْب ٌن َل ُه َأ ْكبَ ُر َو َل ِد ِه‬
‫اب َف َر َف َس ْت ُه َداب ُت ُه‪َ ،‬ف َق َت َل ْت ُه َف َما ُس ِم َع مِ ْن َأبِي فِي َذل ِ َك َش ْي ٌء‬ ‫اص َط ْب َل الد َو ِّ‬‫ْ‬
‫تو ِ‬ ‫َان لِي َأ ْط َر ٌ‬
‫اللهم إِن ُه ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احدً ا‪،‬‬ ‫اف َأ ْر َب َعةٌ‪َ ،‬ف َأ َخ ْذ َ َ‬ ‫َحتى َقد َم ا ْل َمدينَةَ‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬‬
‫ون َأربعةٌ‪َ ،‬ف َأ َخ ْذ َت و ِ‬ ‫و َأب َقي َت َث َال َثةً؛ َف َل َك ا ْلحمدُ ‪ ،‬وك َ ِ‬
‫احدً ا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َان لي َبنُ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫َو َأ ْب َق ْي َت لِي َث َال َثةً؛ َف َل َك ا ْل َح ْمدُ ‪َ ،‬وا ْي ُم اهللِ َلئِ ْن َأ َخ ْذ َت‪َ ،‬ل َقدْ َأ ْب َق ْي َت‪َ ،‬و َلئِ ْن‬
‫َأ ْب َل ْي َت‪َ ،‬طا َل َما َعا َف ْي َت»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.178/2 :‬‬

‫(‪َ )2‬ت َضو َر‪َ :‬ت َلوى و َت َقل َ‬


‫ب‪ ،‬والمعنى‪ :‬ما تغي َر َو ْج ُه ُه‪ ،‬انظر‪ :‬التيسير بشرح الجامع‬
‫الصغير‪ ،‬للمناوي‪.242/2 :‬‬
‫(‪ )3‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.179/2 :‬‬
‫‪63‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫وع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن ُم َحم ِد ْب ِن ُع َب ْي ٍد‪ ،‬قال‪َ « :‬ل ْم َيت ُْر ْك ُع ْر َو ُة ْب ُن الز َب ْي ِر‬
‫* َ‬
‫ات َم ْع ِن ْب ِن‬ ‫ِورده إِال فِي اللي َل ِة التِي ُقطِع ْت فِيها ِرج ُله‪َ ،‬ق َال‪ :‬و َتمث َل بِ َأبي ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َُ‬
‫َأ ْو ٍ‬
‫س‪:‬‬
‫اح َش ٍة ِر ْجـ ِلــي‬‫ت َكـ ِّفي لِرِيــبــ ٍة *** و ََل حم َلتْن ِــي نَحو َف ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َل َع ْم ُر َك َما َأ ْهـ َو ْي ُ‬
‫َو ََل َقا َدنِي َس ْم ِعي َو ََل َب َصرِي َلـ َها *** َو ََل َد َّلن ِــي َر ْأيِــي َع َل ْيــ َها َو ََل َع ْق ِلي‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫ت َفتًى َقبْلي‬ ‫اع َل ْم َأنِّي َل ْم ت ُِص ْبني ُم ِصي َبــة *** ِم َن الدَّ ْهرِ إِ ََّل َقدْ َأ َصا َب ْ‬‫َو ْ‬

‫ِي ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫ت ال ُبنَان ِّ‬
‫السادس‪ :‬مَشاهِدُ ثا ِب ٍ‬
‫حب هللِ َتعا َلى‪ ،‬التالِي كِتاب اهللِ‬ ‫اهدُ ال َقانِ ُت‪ ،‬الم ِ‬
‫وهذا العابِدُ الز ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬س ِم ْع ُت َثابِتًا‬ ‫َتعا َلى‪َ ،‬ثابِ ٌت ال ُبنَانِي ‪ ،‬فعن َج ْع َف ِر ْب ِن ُس َل ْي َم َ‬
‫ج ِد ا ْل َجامِ ِع َس ِ‬
‫ار َي ًة إِال َو َقدْ َخت َْم ُت ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن‬ ‫ْت فِي مس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ول‪َ :‬ما َت َرك ُ‬‫ا ْل ُبنَانِي‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ِعنْدَ َها َو َب َك ْي ُت ِعنْدَ َها»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.178/2 :‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.321/2 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪64‬‬

‫ت ال ُبنَانِي َ‬
‫قال‪َ :‬ذ َه ْب ُت ُأ َل ِّق ُن‬ ‫قال‪َ « :‬أ ْخبرنا محمدُ بن ثابِ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫وع ْن َج ْع َف ٍر‪َ ،‬‬
‫* َ‬
‫ت‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬يا َأب ِ‬‫َأبِي و ُهو فِي المو ِ‬
‫فقال‪ :‬يا ُبنَي‬ ‫اهلل)‪َ ،‬‬ ‫(ال إِل َه إِال ُ‬ ‫ت‪ُ ،‬ق ْل‪َ :‬‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫س َأ ِو السابِ ِع»(‪.)1‬‬‫اد ِ‬‫َخ ِّل َعنِّي؛ َفإِنِّي فِي ِور ِدي الس ِ‬
‫ْ‬

‫ض ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬
‫ضيْلِ بنِ عِيا ٍ‬
‫السابع‪ :‬مَشاهِ ُد ال ُف َ‬
‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬التالِي‬ ‫اهدُ العابِدُ الو ِرع‪ ،‬الم ِ‬
‫َ ُ ُ‬
‫و َهذا عابِدُ الحرمي ِن‪ ،‬الز ِ‬
‫ََ َْ‬ ‫َ‬
‫إبراهيم‪ ،‬قال‪« :‬كَان َْت قِ َرا َءة ال ُف َض ْي ِل َح ِزينَ ًة‬ ‫َ‬ ‫إسحاق ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫لِكِتابِ ِه ‪‬؛ ف َع ْن‬
‫َان إِ َذا َمر بِآ َي ٍة فِ َيها ِذك ُْر ا ْل َجن ِة؛‬
‫ب إِن َْسا ًنا‪َ ،‬وك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َش ِهي ًة َبطي َئ ًة ُمت ََر ِّس َل ًة‪َ ،‬ك َأن ُه ُي َخاط ُ‬
‫ج ِد ِه‬
‫َترد َد فِ َيها َوس َأ َل‪َ .‬وكَان َْت َص َال ُت ُه بِالل ْيلِ‪ُ ،‬ت ْل َقى َل ُه َح ِصير فِي مس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اع ًة َحتى َت ْغلِ َب ُه َع ْينُ ُه‪َ ،‬ف ُي ْل ِقي َن ْف َس ُه َع َلى ا ْل َح ِص ِير‪،‬‬
‫َف ُي َص ِّلي مِ ْن َأو ِل الليْ ِل َس َ‬
‫َف َينَا ُم َقلِ ًيال‪ُ ،‬ثم َي ُقو ُم‪َ ،‬فإِ َذا َغ َل َب ُه الن ْو ُم‪ ،‬نَا َم ُثم َي ُقو ُم‪َ ،‬ه َك َذا َحتى ُي ْصبِ َح‪،‬‬
‫ون َه َك َذا»(‪.)2‬‬‫ان َد ْأ ُب ُه إِ َذا َن َع َس َأ ْن َينَا َم‪َ ،‬و ُي َق ُال‪َ :‬أ َشد ا ْل ِع َبا َد ِة َما َي ُك ُ‬
‫َو َك َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫وع ْن َع ْب ِد الص َم ِد ْب ِن َي ِزيدَ َم ْر َد َو ْي ِه‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬س ِم ْع ُت ا ْل ُف َضيْ َل‪َ ،‬ي ُق ُ‬‫* َ‬
‫اإل ْس َال ِم؛ َال َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َي ْل ُغ َو َم َع َم ْن َي ْل ُغو‪َ ،‬و َال‬
‫آن َحامِ ُل را َي ِة ْ ِ‬
‫َ‬
‫حامِ ُل ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬صفة الصفوة‪ ،‬البن الجوزي‪.155/2 :‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪ ،86/8 :‬وصفة الصفوة‪ ،‬البن‬
‫الجوزي‪.428/1 :‬‬
‫‪65‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫َأ ْن ي ْلهو مع من ي ْلهو‪ ،‬و َال يسهو مع من يسهو‪ ،‬وينْب ِغي لِحامِ ِل ا ْل ُقر ِ‬
‫آن َأ ْن َال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ َ َ ْ َ ُ َ َْ ُ َ َ َ ْ َْ ُ ََ َ‬
‫ون َله إِ َلى ا ْل َخ ْل ِق حاج ٌة‪َ ،‬ال إِ َلى ا ْل ُخ َل َف ِ‬
‫اء‪َ ،‬ف َم ْن ُدون َُه ْم‪َ ،‬و َينْبَ ِغي َأ ْن َي ُك َ‬
‫ون‬ ‫َ َ‬ ‫َي ُك َ ُ‬
‫َح َوايِ ُج ا ْل َخ ْل ِق إِ َل ْي ِه»(‪.)1‬‬
‫اهلل فِي َصدْ ِر ِه‬ ‫َان ُ‬‫ث‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ما َر َأ ْي ُت َأ َحدً ا ك َ‬‫يم ب ِن ْاألَ ْشع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وع ْن إ ْب َراه ِ ْ‬‫* َ‬
‫آن؛‬ ‫اهلل تعالى‪َ ،‬أ ْو ُذكِ َر ِعنْدَ ُه‪َ ،‬أ ْو َس ِم َع ا ْل ُق ْر َ‬ ‫َأ ْع َظ َم مِ َن ا ْل ُف َض ْي ِل‪ ،‬ك َ‬
‫َان إِ َذا َذك ََر َ‬
‫اض ْت َع ْينَا ُه‪َ ،‬و َب َكى َحتى َي ْر َح َم ُه َم ْن‬ ‫ف َوا ْل َح َز ِن‪َ ،‬و َف َ‬ ‫َظهر بِ ِه مِن ا ْل َخو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِح ْضرتِ ِه‪ ،‬وك َ ِ‬
‫اهلل تعا َلى‬ ‫َان َدائ َم ا ْل ُح ْزن‪َ ،‬شديدَ ا ْلف ْك َرة‪َ ،‬ما َر َأ ْي ُت َر ُج ًال ُي ِريدُ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫بِ ِع ْل ِم ِه َو َأ ْخ ِذ ِه َوإِ ْع َطائِ ِه َو َمن ِْع ِه َو َب ْذل ِ ِه َو ُب ْغ ِض ِه َو ُح ِّب ِه َو ِخ َصال ِ ِه ُك ِّل َها َغ ْي َر ُه»(‪.)2‬‬
‫قال‪َ « :‬ق ِد َم علينا َس ْعدُ ب ُن ُز ْن ُب ٍ‬
‫ور‪َ ،‬ف َأ َت ْينا ُه‪،‬‬ ‫بن َس ْه ٍل‪َ ،‬‬ ‫وع ْن أحمدَ ِ‬ ‫* َ‬
‫ياض‪ ،‬فاس َت ْأ َذنا ِ‬ ‫باب ال ُف َضي ِل ِ ِ‬
‫عليه‪َ ،‬ف َل ْم ُي ْؤ َذ ْن‬ ‫بن ع ٍ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َف َحد َثنَا‪ ،‬قال‪ُ :‬كنا َع َلى ِ‬

‫وكان َم َعنَا َر ُج ٌل‬


‫َ‬ ‫َلنَا‪َ ،‬ف ِق َيل َلنَا‪ :‬إِن ُه ال َي ْخ ُر ُج إلي ُك ْم َأ ْو َي ْس َم ُع ال ُق ْر َ‬
‫آن‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬

‫وكان َص ِّيتًا؛ َف ُق ْلنا َل ُه اقرأ‪{ :‬أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}(‪َ ،)3‬و َر َفع بِ َها َص ْو َت ُه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُم َؤ ِّذ ٌن‪،‬‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.92/8 :‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.84/8 :‬‬
‫(‪ )3‬التكاثر‪.1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪66‬‬

‫ف َع َل ْينا ال ُف َض ْي ُل‪َ ،‬و َقدْ َب َكى َحتى َبل ل ِ ْح َي َت ُه بالدموعِ‪ ،‬و َم َع ُه ِخ ْر َق ٌة‬ ‫َف َأ ْش َر َ‬
‫موع مِ ْن َعيْنَ ْي ِه‪ ،‬و َأن َْش َأ َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ف بِ َها الد َ‬ ‫ُين َِّش ُ‬
‫ين َأ ْو ُحـزْ ُتــهـا *** َف َمــا َذا ُأؤَ ِّمـ ُل ْأو َأ ْن َتــظِـ ْر؟‬ ‫َب َلغ ُ‬
‫ْت ال َّثمانـ َ‬
‫مانين َما ُينْ َتـ َظ ْر؟‬ ‫ِِ‬ ‫َأ َتـى لِـي َثمان َ ِ‬
‫ُون م ْن َم ْولدي *** و َب َعدَ ال َّث َ‬ ‫َ‬
‫وكان َم َعنَا َعلِي ُ‬
‫بن َخ ْش َرمٍ‪َ ،‬ف َأ َتم ُه َلنَا َف َق َال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ُ :‬ثم َخنَ َق ْت ُه ال َع ْب َر ُة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ت ِع َظ ِامي َوك ََّل البَ َصــ ْر‬ ‫ون َفــ َأ ْبل َينَن ِــي *** َف َر َّق ْ‬ ‫الســـنــ َ‬ ‫ِ‬
‫َع َلتْنــي ِّ‬

‫ض ‪َ ‬معَ القُرْآنِ‬
‫ضيْ ِل بنِ عِيا ٍ‬
‫ِي ب ِن ال ُف َ‬
‫الثامن‪ :‬مَشاهِدُ َعل ِّ‬
‫حب هللِ‬ ‫ياض ‪ ،‬العابِدُ ال َقانِ ُت‪ ،‬الم ِ‬ ‫بن ِع ٍ‬
‫ُ‬ ‫َو َهذا َعلِي ُ‬
‫بن ال ُف َض ْي ِل ِ‬
‫بن ِع ٍ‬
‫ياض ال َعابِدُ ‪،‬‬ ‫بن ال ُف َض ْي ِل ِ‬ ‫ابن ِحب َ‬
‫ان‪َ « :‬علِ ٌّي ُ‬ ‫قال ُ‬ ‫آن؛ َ‬ ‫تيل ال ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫تعا َلى‪َ ،‬ق ُ‬
‫مات َقب َل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بيه فِي َ ِ‬ ‫كان ي َقدم ع َلى َأ ِ‬ ‫كان مِن َ ِ‬
‫أبيه‪،‬‬ ‫الخ ْوف والعبا َدة‪ْ َ ،‬‬ ‫فين‪ُ ُ َ ،‬‬ ‫الخائ َ‬ ‫َ َ‬
‫آن فِي مِ ْحرابِ ِه؛ َف َأ ْص َب َح َم ِّيتًا فِي‬ ‫ب َم ْوتِ ِه َأن ُه َ‬
‫بات َي ْت ُلو ال ُق ْر َ‬ ‫َ‬
‫وكان َس َب ُ‬
‫مِ ْحرابِ ِه»(‪.)2‬‬
‫ين َم َع َعلِ ِّي ْب ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ْن ُم َحمد ْب ِن بِ ْش ٍر ا ْل َم ِّك ِّي‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬كنا َي ْو ًما َماض َ‬ ‫* َ‬
‫ِ‬ ‫س بنِي ا ْلح ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ارث ا ْل َم ْخ ُزوم ِّي‪َ ،‬و ُم َع ِّل ٍم ُي َع ِّل ُم ِّ‬
‫الص ْب َي َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل ُف َض ْيلِ‪َ ،‬ف َم َر ْرنَا بِ َم ْجل ِ َ‬

‫(‪ )1‬صفة الصفوة‪ ،‬البن الجوزي‪.429/1 :‬‬


‫(‪ )2‬الثقات‪ ،‬البن حبان‪.464/8 :‬‬
‫‪67‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫َق َال‪َ :‬و َي ْق َر ُأ‪{ :‬لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}(‪،)1‬‬
‫َف َش ِه َق ا ْب ُن ُف َض ْي ٍل َش ْه َق ًة؛ َخر َم ْغ ِش ًّيا َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َجا َء ا ْل ُف َض ْي ُل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬بِ َأبِي َقتِ َيل‬
‫آن‪ُ ،‬ثم ُح ِم َل‪َ ،‬ف َحد َثنِي َب ْع ُض َم ْن َح َم َل ُه‪َ ،‬أن ا ْل ُف َض ْي َل َأ ْخ َب َر ُه‪َ ،‬أن َعلِ ًّيا‬ ‫ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫ا ْبنَ ُه َل ْم ُي َص ِّل َذل ِ َك ا ْليَ ْو َم الظ ْه َر‪َ ،‬و َال ا ْل َع ْص َر‪َ ،‬و َال ا ْل َم ْغ ِر َب‪َ ،‬و َال ا ْل ِع َشا َء‪،‬‬
‫اق»(‪.)2‬‬ ‫ف الل ْي ِل َأ َف َ‬ ‫َان فِي جو ِ‬ ‫َف َلما ك َ‬
‫َ ْ‬
‫اض ما سبب مو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ت‬ ‫وع ْن َج ْع َف ِر ْب ِن ُم َحمد‪َ ،‬ق َال‪ :‬ق َيل ل ُف َضيْ ِل ْب ِن ع َي ٍ َ َ َ ُ َ ْ‬ ‫* َ‬
‫آن َف َأ ْص َب َح فِي مِ ْح َرابِ ِه َم ِّيتًا»(‪.)3‬‬
‫ات َي ْت ُلو ا ْل ُق ْر َ‬ ‫ا ْبن ِ َك َعلِ ٍّي؟ َق َال‪َ « :‬ب َ‬
‫اب‬ ‫ت‪َ ،‬ما َأ ْح َلى ك ََال َم َأ ْص َح ِ‬ ‫يه‪« :‬يا َأب ِ‬ ‫* و َق َال َعلِي بن ا ْل ُف َضي ِل ِألَبِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ت‪َ ،‬ق َال‪ِ :‬ألَن ُه ْم‬ ‫محم ٍد ‪َ ،‬ق َال‪ :‬يا بنَي‪ ،‬و َتدْ ِري لِم ح َال؟ َق َال‪َ :‬ال يا َأب ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫َأ َرا ُدوا بِه َ‬
‫اهلل َت َب َار َك َو َت َعا َلى»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬النجم‪.31 :‬‬


‫(‪ )2‬شعب اإليمان‪ ،‬للبيهقي‪.303/3 :‬‬
‫(‪ )3‬شعب اإليمان‪ ،‬للبيهقي‪.303/3 :‬‬
‫(‪ )4‬شعب اإليمان‪ ،‬للبيهقي‪.301/3 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪68‬‬

‫التاسع‪ :‬مَشاهِدُ َعبْ ِد اهللِ بنِ مُ َحيْري ٍز ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫حب هللِ تعا َلى‪،‬‬ ‫اهدُ الو ِرع‪ ،‬الم ِ‬
‫َ ُ ُ‬
‫وه َذا عبدُ اهللِ بن محي ِر ٍيز‪ ،‬العابِدُ الز ِ‬
‫ُ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َ ِ َ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ابن َأبِي َزك َِريا َي ْقدُ ُم ف َل ْس َ‬
‫طين‪،‬‬ ‫كان ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫اعي‪َ ،‬‬
‫ولكتابه العزيز‪ ،‬ف َعن األ ْو َز ِّ‬
‫َقاص ُر إِ َل ْي ِه َن ْف ُس ُه(‪)1‬؛ ل ِ َما َي َرى مِ ْن َف ْض ِل ا ْب ِن‬ ‫بن ُم َح ْي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ريز‪َ ،‬ف َتت َ‬ ‫َف َي ْل َقى عبدَ اهلل َ‬
‫كان َجدِّ ي َي ْختِ ُم فِي‬
‫ريز‪َ « :‬‬ ‫بن ُم َح ْي ٍ‬ ‫حمن ِ‬ ‫عبد الر ِ‬ ‫وقال َعمرو بن ِ‬
‫ريز‪ُ ُ ْ َ .‬‬ ‫ُم َح ْي ٍ‬

‫عليه»(‪.)2‬‬ ‫ُك ِّل جمع ٍة‪ ،‬وربما َفر ْشنَا َله‪َ ،‬ف َلم ينَم ِ‬
‫ُ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ‬

‫ِي ‪ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫العاشر‪ :‬مَشاهِ ُد أبي عب ِد الرَّحْم ِن السُّـَلم ِّ‬
‫الم ْق ِر ُئ‪ ،‬ال َعابِدُ القانِ ُت‪،‬‬ ‫ار ُئ ُ‬ ‫الرحمن الس َل ِمي‪ ،‬ال َق ِ‬
‫ِ‬ ‫وهذا أبو ِ‬
‫عبد‬
‫حب هللِ ‪‬؛ َف َع ْن َع ْل َق َم َة‬ ‫مساج ِد رب العالمين َتبار َك وتعا َلى‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ َ ِّ‬ ‫حبيب‬
‫ُ‬
‫مان ‪،‬‬ ‫القرآن مِ ْن ُع ْث َ‬
‫َ‬ ‫حمن الس َل ِمي َتعل َم‬‫عبد الر ِ‬‫بن مر َث ٍد‪« :‬أن أبا ِ‬
‫ِ َْ‬
‫َو َع َر َض ُه ع َلى َعلِ ٍّي ‪.»‬‬
‫ِ‬ ‫بن ٍ‬
‫ثابت‪َ ،‬ف َق َر ْأ ُت‬ ‫من‪َ « :‬أ ْق َب ْل ُت على زيد ِ‬ ‫قال أبو ِ‬
‫عبد الر ْح ِ‬
‫عليه‬ ‫* َ ُ‬
‫َ‬
‫ثالث َع ْش َر َة َسنَ ًة»(‪.)3‬‬ ‫ال ُق ْر َ‬
‫آن‬

‫(‪ )1‬يعني َي ْست َِقل َن ْف َس ُه‪ ،‬ويستحقر عملها؛ مما يرى من اجتهاد ابن محيريز‪.‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.495/4 :‬‬
‫(‪ )3‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.29/1 :‬‬
‫‪69‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫اس فِي‬ ‫رئ الن َ‬ ‫من الس َل ِمي ُي ْق ُ‬ ‫كان أبو ِ‬


‫عبد الر ْح ِ‬ ‫حاق‪َ « :‬‬ ‫قال أ ُبو إِ ْس َ‬ ‫* َ‬
‫أربعين َسنَ ًة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ج ِد األَ ْع َظ ِم‬‫المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫قال‪:‬‬‫ان ‪ ،‬أن النبِي ‪َ ‬‬ ‫بن َعف َ‬ ‫من‪َ ،‬ع ْن ُع ْث َ‬‫عبد الر ْح ِ‬ ‫* وعن أبي ِ‬
‫مان َ‬
‫الذي‬ ‫فذل ِ َك ِ‬ ‫من‪َ « :‬‬ ‫عبد الر ْح ِ‬‫قال أبو ِ‬ ‫وعل َم ُه»(‪َ .)1‬‬ ‫آن َ‬ ‫خير ُك ْم َم ْن َت َعل َم ال ُق ْر َ‬‫« ُ‬
‫ِ‬
‫الم ْق َعدَ »‪.‬‬‫َأ ْق َعدَ ني َهذا َ‬
‫َ‬
‫القرآن َع ْن‬ ‫قال‪َ :‬أ َخ ْذنَا‬ ‫ِ‬
‫الرحمن َ‬ ‫ب‪ ،‬أن أبا ِ‬
‫عبد‬ ‫بن السائِ ِ‬‫عطاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫* َو َع ْن‬
‫وهن إِ َلى ال َع ْش ِر‬ ‫جاو ُز ُ‬ ‫قومٍ‪َ ،‬أ ْخبرونا َأنهم كا ُنوا إِ َذا َتعلموا َع ْشر ٍ‬
‫آيات‪َ ،‬ل ْم ُي ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َُ‬
‫آن وال َع َم َل بِ ِه‪.‬‬ ‫األُ َخ ِر‪ ،‬حتى َي ْع َل ُموا ما فِ ِ‬
‫يهن‪َ ،‬ف ُكنا َن َت َعل ُم ال ُق ْر َ‬
‫من الس َل ِمي‬
‫عبد الر ْح ِ‬ ‫خالد‪« :‬كان أبو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بن َأبِي‬ ‫ُ‬
‫إسماعيل ُ‬ ‫* َ‬
‫وقال‬
‫آيات َخمس ٍ‬ ‫آن َخمس ٍ‬
‫آيات»(‪.)2‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ُي َع ِّل ُمنا ال ُق ْر َ ْ َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬باب‪َ :‬خ ْي ُر ُك ْم َم ْن َت َعل َم ال ُق ْر َ‬


‫آن َوعَل َم ُه‪،192/6 :‬‬
‫رقم‪.)5027( :‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.270/4 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪70‬‬

‫احلادي عشر‪ :‬مَشاهِدُ قَتَا َدةَ بنِ دَعامَةَ السَّدُوسِيِّ ‪ ‬مَعَ القُرْآنِ‬
‫الو ِة كِتَابِ ِه؛‬‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َه َذا العابِدُ ال َقانِ ُت‪ ،‬ال َق ِ‬
‫المحب هلل َتعا َلى‪ ،‬ولت َ‬ ‫ار ُئ العابِدُ ‪ُ ،‬‬
‫كان َقتَا َد ُة‬
‫قال‪َ « :‬‬ ‫بن َأبِي ُمطيعٍ‪َ ،‬‬ ‫وسي ‪‬؛ َف َع ْن َسال ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫بن َدعا َم َة السدُ ٌّ‬ ‫َقتَا َد ُة ُ‬
‫ٍ‬
‫ثالث‪َ ،‬فإِ َذا جا َء‬ ‫ضان‪َ ،‬خت ََم فِي ُك ِّل‬‫آن فِي َس ْبعٍ‪ ،‬وإِ َذا جا َء َر َم َ‬ ‫يختِ ُم ال ُق ْر َ‬
‫ال َع ْش ُر‪َ ،‬خت ََم ُكل لي َل ٍة»(‪.)1‬‬

‫ت ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬
‫الثاني عشر‪ :‬مَشاهِدُ َحمْ َز َة الزَّيَّا ِ‬
‫الم ْق ِر ُئ‪َ ،‬ح ْم َز ُة‬ ‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬ال َق ِ‬
‫ار ُئ ُ‬
‫وهذا العابِدُ الو ِرع ال َقانِ ُت‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫تاب اهللِ تعالى‪َ ،‬قانِتًا هللِ ‪،‬‬ ‫كان إِما ًما َق ِّي ًما لِكِ ِ‬
‫ات‪ ،‬قال الذ َهبِي‪َ « :‬‬ ‫الزي ُ‬
‫الذك ِْر‪ ،‬عالِما بالح ِد ِ‬ ‫رفيع ِّ‬
‫يث»(‪.)2‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫الو َرعِ‪َ ،‬‬ ‫َث َ‬
‫خين َ‬
‫قال‪َ « :‬ن َظر ُت فِي المصح ِ‬ ‫وع ْن َح ْم َزةَ‪َ ،‬‬
‫ب‬‫أن َي ْذ َه َ‬
‫شيت ْ‬ ‫ف؛ حتى َخ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫* َ‬
‫ف ا ْب ِن الز َب ْي ِر»‪.‬‬‫اء مصح ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َب ِص ِري‪َ ،‬‬
‫وكان ُم ْص َح ُف ُه ع َلى ه َج ُ ْ َ‬
‫َ‬ ‫قال‪:‬‬
‫آن؛ حتى َي َت َفر َق‬ ‫كان َح ْم َز ُة ُي ْق ِر ُئ ال ُق ْر َ‬
‫وسى‪َ « :‬‬ ‫ِ‬ ‫* َ‬
‫بن ُم َ‬ ‫وقال عبدُ اهلل ُ‬
‫بين الظ ْه ِر وال َع ْص ِر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫اس‪ ،‬ثم َين َْه ُض‪َ ،‬ف ُي َص ِّلي َأ ْربَ َع َركَعات‪ُ ،‬ثم ُي َص ِّلي ما َ‬
‫الن ُ‬

‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.276/5 :‬‬


‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.90/7 :‬‬
‫‪71‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫بعض جيرانِ ِه َأن ُه ال َينَا ُم الليْ َل‪ ،‬وأن ُه ْم‬


‫وحد َثنِي ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الم ْغ ِر ِ‬
‫ب والعشاء‪َ .‬‬ ‫بين َ‬ ‫وما َ‬
‫يسمعون قِ َرا َء َت ُه‪ُ ،‬ي َر ِّت ُل ال ُق ْر َ‬
‫آن»(‪.)1‬‬ ‫َ‬

‫الثالث عشر‪ :‬مَشاهِدُ أبي جَعْفَرٍ القَارِئِ‪ ،‬يَزيدَ بنِ القَعْقا ِع‬
‫‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬
‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬ولِكِتابِ ِه ال َع ِز ِيز‪ ،‬أبو َج ْع َف ٍر‬ ‫ار ُئ‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫وهذا العابِدُ ال َق ِ‬

‫ار ُئ َمدَ نِ ٌّي‬


‫قال الذ َهبِي‪« :‬أبو َج ْع َف ٍر ال َق ِ‬ ‫بن ال َق ْعقا ِع ‪‬؛ َ‬ ‫ار ُئ‪َ ،‬يزيدُ ُ‬ ‫ال َق ِ‬

‫بن َأبِي‬ ‫اش ِ‬‫بن َعي ِ‬ ‫عبد اهللِ ِ‬ ‫القرآن‪ ،‬على مواله ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫الذك ِْر‪َ ،‬ق َر َأ‬
‫رفيع ِّ‬‫ُ‬ ‫َم ْش ٌ‬
‫هور‪،‬‬
‫س‬‫وابن َعبا ٍ‬ ‫أيضا ع َلى َأبِي هرير َة ِ‬ ‫واح ٍد‪َ :‬ق َر َأ ً‬
‫وقال غير ِ‬
‫الم ْخزوم ِّي‪ُ َ .‬‬
‫ِ‬
‫َربِي َع َة َ‬
‫ب ‪َ ،‬و َصلى ِ‬
‫بابن ُع َم َر‪،‬‬ ‫بن َك ْع ٍ‬‫اهلل َعنْهما‪َ ،‬ع ْن قِ َرا َءتِ ِه ْم ع َلى ُأ َبي ِ‬ ‫َرض َي ُ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الحديث‪،‬‬ ‫وه َو ُ‬
‫قليل‬ ‫هلل َعنْهما‪ُ ،‬‬ ‫وابن َعب ٍ ِ‬ ‫ث َع ْن َأبِي ُه َرير َة ِ‬ ‫وحد َ‬
‫اس َرض َي ا ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫القرآن َد ْه ًرا»(‪.)2‬‬ ‫إل ْق ِ‬
‫راء‬ ‫َت َصدى ِ‬

‫كان ُي ْق ِر ُئ فِي‬
‫أخ َب َرنِي َأ ُبو َج ْع َف ٍر َأن ُه َ‬ ‫بن ُم ْسلِ ٍم‪َ ،‬‬
‫قال‪ْ « :‬‬ ‫سليمان ِ‬
‫َ‬ ‫وع ْن‬
‫* َ‬
‫ِّين‪َ .‬و َأ ْخ َب َرنِي َأن ُه َ‬
‫كان َي ْملِ ُك‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ج ِد‬
‫مس ِ‬
‫رسول اهلل ‪َ ‬ق ْب َل َسنَة ثالث َوست َ‬ ‫َ ْ‬
‫وكان مِن َأ ْقرأِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫بن َأبِي َربِي َعةَ‪،‬‬ ‫اش ِ‬ ‫بن َعي ِ‬‫عبد اهللِ ِ‬
‫ف على مواله ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫الم ْص َح َ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.42/1 :‬‬


‫(‪ )2‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.40/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪72‬‬

‫ت عنْ ُه قِرا َء َت ُه‪ ،‬و َأ ْخربَنِي أبو‬ ‫اس‪ ،‬قال‪َ :‬و ُكن ُْت َأ َرى ُكل َما َي ْق َر ُأ‪َ ،‬و َأ َخ ْذ ُ‬ ‫الن ِ‬

‫صغير‪َ ،‬ف َم َس َح ْت ع َلى َر ْأ ِس ِه‪َ ،‬و َد َع ْت َل ُه‬


‫ٌ‬ ‫َج ْع َف ٍر أنه ُأتِ َي بِ ِه إلى أ ِّم َس َل َم َة ُ‬
‫وه َو‬
‫بال َب َرك َِة»(‪.)1‬‬
‫كان َأ ُبو َج ْع َف ٍر يقو ُم الل ْي َل‪َ ،‬فإِذا َأ ْص َب َح‪َ ،‬ج َل َس‬ ‫قال‪َ « :‬‬ ‫وع ْن نافِ ٍع‪َ ،‬‬ ‫* َ‬
‫َ‬
‫القرآن»(‪.)2‬‬ ‫اس‬ ‫ُي ْق ِر ُئ الن َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫قال‬ ‫بن َأ ْس َل َم‪َ ،‬‬ ‫قال‪َ « :‬حد َثنَا اب ُن َز ْي ِد ِ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫بن َو ْه ٍ‬ ‫عبد اهللِ ِ‬ ‫وعن ِ‬
‫* َ ْ‬
‫وكان فِي دِين ِ ِه َف ِق ًيها‪َ ،‬وفِي ُدنْيا ُه َأ ْب َل َه‪َ :‬هنِيئًا َل َك َما َأ َ‬
‫تاك‬ ‫َ‬ ‫َر ُج ٌل ِألَبِي َج ْع َف ٍر‪،‬‬
‫آن»(‪.)3‬‬ ‫مِن ال ُقر ِ‬
‫َ ْ‬
‫قال‪َ « :‬س ِم ْع ُت َأ َبا َج ْع َف ٍر َي ْحكِي‬ ‫ماز‪َ ،‬‬‫بن َج ٍ‬ ‫بن ُم ْسلِ ِم ِ‬ ‫سليمان ِ‬
‫َ‬ ‫وع ْن‬‫* َ‬
‫َلنَا قِراء َة َأبِي هرير َة ‪ ،‬فِي (إِ َذا الشمس ُكور ْت)‪ ،‬يح ِّز ُنها ِشبه الر ِ‬
‫ثاء»(‪.)4‬‬ ‫ْ َ ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ُ ِّ َ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ َ‬
‫قال‪َ « :‬ش ِهدْ ُت أبا‬ ‫بن ُم ْسلِ ٍم‪َ ،‬‬
‫ليمان ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مهران‪َ ،‬ع ْن ُس‬ ‫وع ْن ُق َت ْي َب َة ِ‬
‫بن‬ ‫* َ‬
‫األعرج‪ ،‬و َم ْش َي َخ ٌة َم َع ُه مِ ْن‬
‫ُ‬ ‫َج ْع َف ٍر حي َن َح َض َر ْت ُه الوفا ُة‪ ،‬جا َء ُه َأ ُبو ِ‬
‫حاز ٍم‬

‫(‪ )1‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.40/1 :‬‬


‫(‪ )2‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.41/1 :‬‬
‫(‪ )3‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.41/1 :‬‬
‫(‪ )4‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.41/1 :‬‬
‫‪73‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫قال َش ْي َب ُة ‪َ -‬‬
‫وكان َخ ْتنَ ُه‬ ‫ون بِ ِه‪َ ،‬ف َلم ُي ِ‬
‫ج ْب ُه ْم‪َ ،‬‬ ‫ج َلسائِ ِه‪َ ،‬ف َأكَبوا ِ‬
‫عليه‪َ ،‬ي ْص ُر ُخ َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬
‫ف َع ْن‬ ‫ع َلى ا ْبن َِة َأبِي َج ْع َف ٍر‪َ :-‬أ َال ُأري ُك ْم مِنْ ُه َع َج ًبا؟ قا ُلوا‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ف َك َش َ‬
‫حاز ٍم وأصحابه‪ :‬ه َذا واهللِ‬ ‫فقال َأ ُبو ِ‬ ‫دوار ٌة بيضا ُء مِثْ ُل الل َب ِن‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ُُ َ‬ ‫َصدْ ِره؛ َفإِذا َ‬
‫ليمان‪َ :‬ف َقا َل ْت لِي ُأم َو َل ِد ِه َب ْعدَ َما َ‬
‫مات َأ ُبو َج ْع َف ٍر‪ :‬بعدَ َما‬ ‫ُ‬ ‫قال ُس‬‫آن‪َ .‬‬ ‫ُنور ال ُقر ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫صار َذل ِ َك‬
‫عينيه»(‪.)1‬‬ ‫البياض ُغر ًة َ‬
‫بين‬ ‫ُ‬ ‫مات َ‬ ‫َ‬
‫بين ن َْح ِر ِه إِ َلى‬
‫قال‪« :‬لما ُغ ِّسل َأ ُبو َج ْع َف ٍر‪َ ،‬ن َظ ُروا َما َ‬ ‫* َو َع ْن نافِعٍ‪َ ،‬‬
‫حضره َأنه نور ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫آن»(‪.)2‬‬ ‫الم ْص َحف‪َ ،‬ف َما َشك َم ْن َ َ ُ ُ ُ ْ‬ ‫ُف َؤاده ك ََو َر َقة ُ‬

‫ش ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬
‫الرابع عشر‪ :‬مَشاهِ ُد أَبِي بَكْ ِر بنِ عَيَّا ٍ‬
‫الم ْكثِ ُر‪،‬‬
‫ار ُئ ُ‬ ‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬ال َق ِ‬ ‫اش‪ ،‬العابِدُ الم ِ‬
‫ُ‬ ‫بن عي ٍ َ‬ ‫وهذا َأ ُبو َب ْك ِر ِ‬
‫ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫قال َس ِم ْع ُت ُه‬ ‫بن حاتِ ٍم‪َ ،‬‬ ‫هارون ِ‬
‫َ‬ ‫تاب اهللِ َتعا َلى؛ َف َع ْن‬‫حب لِكِ ِ‬ ‫الم ِ‬
‫ُ‬
‫عاص ٍم‪،‬‬ ‫ات ع َلى ِ‬ ‫ثالث مر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫« ُولِدْ ُت َسنَ َة‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫وتسعين‪َ ،‬و َق َرأ‬‫َ‬ ‫خمس‬

‫(‪ )1‬تاريخ دمشق‪ ،‬البن عساكر‪ ،360/65 :‬ومعرفة القراء الكبار على الطبقات‬
‫واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.42/1 :‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪ ،288/5 :‬ومعرفة القراء الكبار على الطبقات‬
‫واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.42/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪74‬‬

‫المن ِ‬ ‫بن السائِ ِ‬ ‫أيضا ع َلى َع ِ‬


‫طاء ِ‬
‫ْقر ِّي‪َ ،‬و ُع ِّم َر‬ ‫ب‪ ،‬و َأ ْس َل َم َ‬ ‫آن ً‬‫وع َر َض ال ُق ْر َ‬
‫َ‬
‫َد ْه ًرا»(‪.)1‬‬
‫قال لِي َأبو ب ْك ٍر‪« :‬تعلم ُت مِن ِ‬
‫عاص ٍم‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫بن آ َد َم‪َ ،‬‬ ‫وع ْن َي ْح َيى ِ‬
‫* َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َع ِّل ِم‪َ ،‬ف َلق َي منِّي شدةً‪َ ،‬فما ُأ ْحس ُن َ‬
‫غير‬ ‫آن‪ ،‬ك ََما َي َت َعل ُم الصبِي م َن ُ‬
‫ال ُق ْر َ‬
‫ِ‬
‫عاص ٍم‬ ‫آن إِن َما َت َعل ْم ُت ُه مِ ْن‬
‫الذي َأ ْخبر ُت َك بِ ِه مِن ال ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫قِراءتِ ِه‪ ،‬و َهذا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َت َعل ًما»(‪.)2‬‬
‫ب قِ َرا َء ٍة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ش صاح ُ‬ ‫قال‪َ « :‬أ ُبو َب ْك ِر ُ‬
‫بن عيا ٍ‬ ‫بن َحنْ َبلٍ‪َ ،‬‬ ‫وع ْن أحمدَ ِ‬
‫* َ‬
‫بار ِك‪َ :‬ما َر َأ ْي ُت َأ َحدً ا َأ ْس َر َع إِ َلى السن ِة مِ ْن َأبِي َب ْك ِر ِ‬
‫بن‬ ‫الم َ‬
‫ابن ُ‬ ‫وخ ْي ٍر‪َ .‬‬
‫وقال ُ‬ ‫َ‬
‫َعي ٍ‬
‫اش»(‪.)3‬‬

‫قال‪َ « :‬لما َح َض َر ْت َأ َبا َب ْك ٍر َ‬


‫الو َفا ُة؛ َب َك ْت‬ ‫الحمانِي‪َ ،‬‬
‫وع ْن َي ْحيى َ ِّ‬ ‫* َ‬
‫وك فِيها‬‫اوي ِة‪َ ،‬ف َقدْ َختَم َأ ُخ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فقال َل َها‪َ :‬ما ُي ْبكيك؟ انْ ُظ ِري إِ َلى ت ْل َك الز ِ َ‬ ‫ُأ ْخ ُت ُه‪َ ،‬‬
‫ف ِخت َْم ًة»(‪.)4‬‬
‫َث َمانِ َي َة َع َش َر َأ ْل َ‬

‫(‪ )1‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.80/1 :‬‬


‫(‪ )2‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.82/1 :‬‬
‫(‪ )3‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.81/1 :‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬للذهبي‪ ،1263/4 :‬وسير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.504/8 :‬‬
‫‪75‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫س ‪ ‬معَ القُرْآنِ‬
‫هلل ب ِن ِإ ْدرِي َ‬
‫اخلامس عشر‪ :‬مَشاهِ ُد َعبْ ِد ا ِ‬
‫الم ْق ِر ُئ‪ ،‬ال َقانِ ُت العابِدُ ‪ ،‬الت ِقي‬ ‫ار ُئ ُ‬ ‫حب هللِ َتعا َلى‪ ،‬ال َق ِ‬ ‫وه َذا العبدُ الم ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬
‫الم ْق ِر ُئ‪،‬‬
‫قال الذ َهبِي‪« :‬اإل َما ُم‪ ،‬الحاف ُظ‪ُ ،‬‬ ‫يس ‪‬؛ َ‬ ‫بن إِ ْد ِر َ‬ ‫الخفي‪ ،‬عبدُ اهلل ُ‬
‫وقال َأ ُبو حاتِ ٍم‪ُ :‬ه َو‬
‫شيخ اإلسالمِ‪َ ،‬أ ُبو ُم َحم ٍد‪ ،‬األَ ْو ِدي‪ ،‬ال ُكوفِي‪َ ،‬‬ ‫ال ُقدْ َو ُة‪ُ ،‬‬
‫وقيل‪َ :‬ل ْم َي ُك ْن بال ُكو َف ِة َأ َحدٌ َأ ْع َبدَ هللِ مِن‬ ‫مين‪َ ،‬‬ ‫الم ْسلِ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ُحجةٌ‪ ،‬إِ َما ٌم م ْن َأئمة ُ‬
‫ابن َع َر َفةَ‪َ :‬ل ْم َأ َر بال ُكو َف ِة َأ ْف َض َل مِنْ ُه»‪.‬‬
‫وقال ُ‬ ‫يس‪َ ،‬‬ ‫ا ْب ِن إِ ْد ِر َ‬
‫ُ‬
‫هارون‬ ‫قال لِي‬ ‫قال‪َ « :‬‬ ‫إبراهيم‪َ ،‬ع ِن الكِسائِي‪َ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫إسحاق ِ‬
‫بن‬ ‫َ‬ ‫* َو َع ْن‬
‫ِ‬
‫قال‪ُ :‬ثم َم ْن؟ ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫يس‪َ ،‬‬ ‫بن إِ ْد ِر َ‬
‫اس؟ َف ُق ْل ُت‪َ :‬ع ْبدُ اهلل ُ‬ ‫الرشيدُ ‪َ :‬م ْن َأ ْق َر ُأ الن ِ‬

‫آخ ُر»‪.‬‬ ‫قال‪ُ :‬ثم َم ْن؟ ُق ْل ُت‪َ :‬ر ُج ٌل َ‬ ‫الج ْع ِفي‪َ .‬‬ ‫ُثم ُح َس ْي ٌن ُ‬
‫الم ْو ُت؛ َب َك ْت‬
‫ريس َ‬ ‫بابن إِ ْد َ‬
‫قال‪« :‬لما ن ََز َل ِ‬ ‫سين ال َعنْ َق ِز ِّي‪َ ،‬‬
‫* َو َع ْن ُح ِ‬

‫ف‬‫البيت َأربع َة َآال ِ‬


‫ِ‬ ‫آن فِي َه َذا‬
‫فقال‪ :‬ال َت ْبكِي يا ُبنَـي ُة؛ َف َقدْ َخت َْم ُت ال ُق ْر َ‬
‫بِنْ ُت ُه‪َ .‬‬
‫َََ‬
‫خت َْم ٍة»‪.‬‬
‫الخلي َف ِة إِ َلى‬
‫تاب َ‬ ‫ِ‬ ‫ورانِي‪َ ،‬‬
‫قال‪ُ « :‬ق ِر َئ ك ُ‬ ‫* َو َع ِن َ ِ ِ‬
‫الح َسن بن الربي ِع البُ َ ِّ‬
‫عبد اهللِ‬
‫أمير الم ْؤمنين‪ ،‬إِ َلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ريس و َأنَا حاض ٌر‪ :‬م ْن عبد اهلل‪ ،‬هارون ِ ُ‬ ‫ابن إِ ْد َ‬‫ِ‬

‫وس َق َط بعدَ الظ ْه ِر‪َ ،‬ف ُق ْمنا إِ َلى‬ ‫قال‪َ :‬ف َش َه َق اب ُن إِ ْد َ‬


‫ريس َش ْه َقةً‪َ ،‬‬ ‫ريس‪َ ،‬‬ ‫بن إِ ْد َ‬
‫ِ‬
‫عليه الما َء‪َ ،‬‬ ‫ب‪ ،‬و َقدْ صببنا ِ‬ ‫الم ْغ ِر ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ال َع ْص ِر ُ‬
‫قال‪:‬‬ ‫َ َْ‬ ‫وه َو ع َلى حاله‪ ،‬وا ْن َتـ َب َه ُق َب ْي َل َ‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪76‬‬

‫ب إِ َلي‪َ ،‬أي َذن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ْب َب َل َغ بِي‬ ‫إِنا هلل‪ ،‬وإِنا إِ َل ْيه راج ُعو َن‪َ ،‬‬
‫صار َي ْع ِر ُفني؛ حتى َي ْكتُ َ‬
‫َه َذا؟!»(‪.)1‬‬

‫السادس عشر‪ :‬مَشاهِدُ يَحْيى بنِ وَثَّابٍ ا َألسَدِيِّ الكُوفِيِّ ‪ ‬مَعَ القُرْآنِ‬
‫حب هللِ‬ ‫ار ُئ العابِدُ ‪ ،‬الم ِ‬ ‫اب األَ َس ِدي ال ُكوفِي‪ ،‬ال َق ِ‬
‫بن َوث ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وهذا َي ْحيى ُ‬
‫راء؛ َفعن ِ‬
‫عاص ٍم‪َ ،‬‬
‫قال‪« :‬تعل َم‬ ‫واإل ْق ِ‬
‫بالقراء ِة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعا َلى‪ ،‬الم ِ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َاب َر ِّبه ‪َ َ ‬‬ ‫الز ُم كت َ‬ ‫ُ‬
‫ارئًا»‪َ ،‬‬
‫وقال‬ ‫وكان واهللِ َق ِ‬‫َ‬ ‫عبيد ِ‬
‫بن نضي َلةَ‪ ،‬آ َيةً‪ ،‬آ َيةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اب مِ ْن‬
‫بن َوث ٍ‬ ‫يحيى ُ‬
‫كان ُم ْق ِر َئ ال ُكو َف ِة فِي َز َمانِ ِه»‪.‬‬
‫اب َ‬ ‫بن َوث ٍ‬ ‫جرير الط َب ِري‪َ « :‬ي ْحيَى ُ‬
‫ٍ‬ ‫بن‬
‫ُم َحمدُ ُ‬
‫ث‬‫قضى الصالةَ‪َ ،‬م َك َ‬ ‫اب إِ َذا َ‬ ‫بن َوث ٍ‬ ‫كان َي ْح َيى ُ‬ ‫قال‪َ « :‬‬ ‫وع ِن األَ ْع َم ِ‬
‫ش‪َ ،‬‬ ‫* َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما شاء اهلل تعالى‪َ ،‬تع ِر ُ ِ‬
‫وسى‪َ « :‬‬
‫كان‬ ‫ف فيه كآ َب َة الصالة»‪ ،‬و َق َال ُع َب ْيدُ اهلل ُ‬
‫بن ُم َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫بال ع َلى ُت ٍ‬
‫راب»‪.‬‬ ‫اب َأ ْق َر ُأ َم ْن َ‬
‫بن َوث ٍ‬ ‫األَ ْع َم ُش ُ‬
‫يقول‪َ :‬ي ْح َيى ُ‬
‫قر َأ َي ْح َيى ع َلى َع ْل َق َمةَ‪ ،‬و َق َر َأ َع ْل َق َم ُة‬‫قال‪َ « :‬‬ ‫بن صالحٍ ‪َ ،‬‬ ‫وع ْن َح َس ِن ِ‬ ‫* َ‬
‫عود‪َ ،‬ف َأي قِراء ْة َأ ْف َض ُل مِن ِ‬ ‫ابن مس ٍ‬
‫هذه؟»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع َلى ِ َ ْ‬
‫اس قِ َرا َءةً‪،‬‬‫اب مِ ْن َأ ْح َس ِن الن ِ‬ ‫بن َوث ٍ‬ ‫كان َي ْحيى ُ‬ ‫قال‪َ « :‬‬ ‫ش‪َ ،‬‬ ‫وع ِن األ ْع َم ِ‬ ‫* َ‬
‫وكان إِ َذا َق َر َأ؛ َل ْم ُي َحس فِي‬ ‫َ‬ ‫بيل َر ْأ ِس ِه ل ِ ُح ْس ِن قِ َرا َءتِ ِه‪،‬‬
‫وربما ْاشت ََه ْي ُت َت ْق َ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.46/9 :‬‬


‫‪77‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ج ِد َأ َحدٌ »‪َ ،‬‬


‫وقال األَ ْع َم ُش‪ُ « :‬كن َْت إِ َذا‬ ‫ج ِد َحر َكةٌ‪َ ،‬ك َأن َل ْي َس فِي المس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫المس ِ‬
‫َ ْ‬
‫ساب»‪.‬‬ ‫ف ِ‬
‫للح ِ‬ ‫َر َأ ْي َت ُه؛ ُق ْل َت‪َ :‬ه َذا َقدْ َو َق َ‬
‫َبير ال َقدْ ِر»(‪.)1‬‬ ‫كان يحيى بن وث ٍ ِ‬
‫اب ث َقةً‪ ،‬إِ َما ًما ك ُ‬ ‫قال الذ َهبِي‪ُ « :‬ق ْل ُت‪َ ُ َ ْ َ َ :‬‬ ‫* َ‬

‫السابع عشر‪ :‬مَشاهِ ُد دَا ُو َد الطَّائِيِّ ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫لتالوة كتابِ ِه؛‬
‫ِ‬ ‫حب‬ ‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬الم ِ‬ ‫وهذا العابدُ الزاهدُ الورع‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫َقا َل ْت َدا َي ُة َد ُاو َد الطائِ ِّي لداود‪َ « :‬أ َما َت ْشت َِهي ا ْل ُخبْ َز؟ َف َق َال‪َ :‬بيْ َن َم ْض ِغ ا ْل ُخبْ ِز‬
‫ِ‬ ‫و ُشر ِ ِ ِ ِ‬
‫ب ا ْل َفتيت ق َرا َء ُة َخ ْمس َ‬
‫ين آ َي ًة»(‪.)2‬‬ ‫َ ْ‬
‫ص ْب ِن ُع َم َر ا ْل ُج ْع ِف ِّي‪َ ،‬ق َال‪ْ « :‬اش َتـ َكى َد ُاو ُد الطائِي َأيا ًما‪،‬‬ ‫وع ْن َح ْف ِ‬ ‫* َ‬
‫ار‪َ ،‬ف َكر َر َها مِ َر ًارا فِي َل ْي َلتِ ِه‪َ ،‬ف َأ ْص َب َح‬
‫ب ِعلتِ ِه َأن ُه َمر بِآ َي ٍة فِ َيها ِذك ُْر الن ِ‬ ‫َوك َ‬
‫َان َس َب َ‬
‫اب الد ِار َو َد َخ َل‬ ‫ٍ‬ ‫َم ِر ً‬
‫ات‪َ ،‬و َر ْأ ُس ُه َع َلى َلبِنَة‪َ ،‬ف َفت َُحوا َب َ‬ ‫يضا‪َ ،‬ف َو َجدُ و ُه َقدْ َم َ‬
‫اك‪َ ،‬ف َلما َن َظ َر إِ َلى َر ْأ ِس ِه‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫انه‪ ،‬ومعهم ابن السم ِ‬
‫َ ََُ ُ ْ ُ‬
‫نَاس مِن إِ ْخوانِ ِه و ِجير ِ‬
‫ٌ ْ َ َ َ‬
‫َيا َد ُاو ُد‪َ ،‬ف َض ْح َت ا ْل ُقرا َء‪َ ،‬ف َلما َح َم ُلو ُه إِ َلى َق ْب ِر ِه‪َ ،‬خ َر َج فِي َجن ََازتِ ِه َخ ْل ٌق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كَث ٌير‪َ ،‬ف َق َال ا ْب ُن السماك‪َ :‬يا َد ُاو ُد‪َ ،‬س َجن َْت َن ْف َس َك َق ْب َل َأ ْن ُت ْس َج َن‪َ ،‬و َح َ‬
‫اس ْب َت‬
‫اب َما ُكن َْت َت ْر ُجو‪َ ،‬و َل ُه ُكن َْت‬
‫ب‪َ ،‬فا ْل َي ْو َم َت َرى َث َو َ‬ ‫َن ْف َس َك َقبْ َل َأ ْن ُت َح َ‬
‫اس َ‬

‫(‪ )1‬معرفة القراء الكبار على الطبقات واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.34 :‬‬


‫(‪ )2‬حفظ العمر‪ ،‬البن الجوزي‪.46/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪78‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اش َو ُه َو َع َلى َشف ِير ا ْل َق ْب ِر‪ُ :‬‬
‫اللهم َال‬ ‫ب َو َت ْع َم ُل‪َ ،‬ف َق َال َأبُو َب ْك ِر ْب ُن َعي ٍ‬ ‫َتنْص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َما َق َال َأبُو َب ْك ٍر»(‪.)1‬‬
‫ب الن َ‬ ‫َتك ْل َد ُاو َد إِ َلى َع َمله‪َ ،‬ف َأ ْع َج َ‬
‫ِ‬ ‫ور‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬لما َم َ‬ ‫اق ْب ِن َمن ُْص ٍ‬ ‫وع ْن إِ ْس َح َ‬
‫اس‬ ‫ات َد ُاو ُد الطائي َشي َع الن ُ‬ ‫* َ‬
‫جن ََاز َته‪َ ،‬ف َلما دفِن َقام ابن السم ِ‬
‫اك‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َد ُاو ُد‪ُ ،‬كن َْت َت ْس َه ُر َل ْي َل َك إِ َذا‬ ‫ُ َ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اس‬ ‫ون‪َ ،‬ف َق َال ا ْل َق ْو ُم َجمي ًعا‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬و ُكن َْت َت ْر َب ُح إِ َذا الن ُ‬ ‫اس َينَا ُم َ‬ ‫الن ُ‬
‫ِ‬
‫اس‬ ‫اس َجمي ًعا‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬و ُكن َْت َت ْس َل ُم إِ َذا الن ُ‬ ‫ون‪َ ،‬ف َق َال الن ُ‬ ‫َي ْخ َس ُر َ‬
‫اس َج ِمي ًعا‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬حتى َعد َد َف َضائِ َل ُه ُكل َها‪َ ،‬ف َلما َف َر َغ‬ ‫ون‪َ ،‬ق َال الن ُ‬‫وض َ‬ ‫َي ُخ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َقدْ َقا ُلوا َما‬ ‫اهلل ُثم َق َال‪َ :‬يا َر ِّب إِن الن َ‬ ‫َقا َم َأ ُبو َب ْك ٍر الن ْه َشلي‪َ ،‬ف َحمدَ َ‬
‫اغ ِف ْر َل ُه بِ َر ْح َمتِ َك‪َ ،‬و َال َتكِ ْل ُه إِ َلى َع َملِ ِه»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫عنْدَ ُه ْم‪َ ،‬م ْب َل َغ َما َعلِ ُموا‪ ،‬ال ُ‬
‫لهم َف ْ‬
‫اس َي ْأ ُت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َه ُهنَا‬ ‫الرابِش ِّي‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت الن َ‬ ‫يسى َ‬ ‫وع ْن ُم َحمد ْب ِن ع َ‬ ‫* َ‬
‫اس ُكل ُه ْم َي ْب ُك َ‬
‫ون‬ ‫ث َل َي ٍ‬
‫ال َم َخا َف َة َأ ْن َت ُفو َت ُه ْم َجن ََاز ُة َد ُاو َد‪َ ،‬و َر َأ ْي ُت الن َ‬ ‫َث َال َ‬
‫َع َل ْي ِه‪َ ،‬ما َشب ْه ُت ُه إِال َي ْو َم ا ْل ُخ ُروجِ »(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.340/7 :‬‬


‫(‪ )2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.339/7 :‬‬
‫(‪ )3‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪.341/7 :‬‬
‫‪79‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫الثامن عشر‪ :‬مَشاهِدُ اإلما ِم الشَّافِعِيِّ ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫ار ُئ‪ُ ،‬م َحمدُ ب ُن‬ ‫العظيم‪ ،‬العال ِ ُم ال َعابِدُ ال َق ِ‬
‫ُ‬ ‫الكبير‪ ،‬والفقي ُه‬ ‫ُ‬ ‫َو َه َذا اإلما ُم‬
‫ان‬‫ريس الشافِ ِعي‪ ،‬قال ُح َس ْي ٌن ال َك َرابِ ْي ِسي‪« :‬بِت َم َع الشافِ ِعي َل ْي َلةً‪َ ،‬ف َك َ‬ ‫إِ ْد َ‬
‫ِّ‬
‫ث الل ْيلِ‪َ ،‬ف َما َر َأ ْي ُت ُه َي ِز ْيدُ َع َلى َخ ْم ِس ْي َن آ َيةً‪َ ،‬فإِ َذا أ ْكثَ َر َفمائ َِة‬ ‫يص ِّلي نَحو ُث ُل ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫اب؛ إِال َت َعو َذ‪،‬‬ ‫اهلل‪َ ،‬و َال بآ َي ِة َع َذ ٍ‬ ‫حمة؛ إِال َس َأ َل َ‬
‫َان َال يمر بآي ِة ر ٍ‬
‫آ َية‪َ ،‬وك َ َ ُ َ َ َ‬
‫ٍ‬

‫َو َك َأن َّما ُج ِم َع َل ُه الر َجا ُء َوالر ْهبَ ُة َج ِم ْي ًعا»(‪.)1‬‬


‫َان الشافِ ِعي َي ْختِ ُم‬ ‫ان مِ ْن َط ِر ْي َق ْي ِن َعنْ ُه‪َ ،‬ق َال‪« :‬ك َ‬ ‫بن ُس َل ْي َم َ‬‫وع ِن الربِ ْي ِع ِ‬ ‫* َ‬
‫ور َو َاها ا ْب ُن َأبِي َحاتِ ٍم َعنْ ُه‪َ ،‬ف َزا َد‪ُ :‬كل‬ ‫آن فِي َشه ِر رم َض َ ِ‬
‫ان س ِّت ْي َن َخت َْمةً‪َ ،‬‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ال ُق ْر َ‬
‫َذل ِ َك فِي َص َال ٍة»(‪.)2‬‬

‫التاسع عشر‪ :‬مَشاهِدُ اإلما ِم أَ ْحمَ َد بنِ َح ْنبَلٍ ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬ولِكِتابِ ِه‬ ‫المحن َِة‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وهذا إمام أه ِل السن ِة‪ ،‬الثابِ ُت أيام ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كان َأبِي‬‫بن َأ ْح َمدَ ‪َ « :‬‬ ‫ِ‬ ‫الكِ ِ‬
‫قال عبدُ اهلل ُ‬ ‫بن َحنْ َب ٍل ‪‬؛ َ‬ ‫ريم‪ ،‬اإلما ُم َأ ْح َمدُ ُ‬
‫وكان َي ْق َر ُأ فِي ُك ِّل يو ٍم ُس ُب ًعا‪َ ،‬ي ْختِ ُم فِي ُك ِّل‬
‫َ‬ ‫الو ْحدَ ِة‪،‬‬
‫اس ع َلى َ‬ ‫َأ ْص َبـ َر الن ِ‬
‫َ‬
‫وكان‬ ‫يال‪ِ ،‬س َوى صالةِ الن ِ‬
‫هار‪،‬‬ ‫س ْب َع ِة أيامٍ‪ ،‬وكَان َْت َل ُه َختْم ٌة فِي ُك ِّل س ْب ِع َل ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.36/10 :‬‬


‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.36/10 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪80‬‬

‫اآلخ َرةَ‪ ،‬ينا ُم ن َْو َم ًة َخ ِفي َفةً‪ُ ،‬ثم يقو ُم إِ َلى الصباحِ ُي َص ِّلي‬
‫العشاء ِ‬
‫َ‬
‫اع َة يص ِّلي ِ‬
‫َس َ ُ َ‬
‫و َيدْ ُعو»(‪.)1‬‬

‫ِي ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫العشرون‪ :‬مَشاهِدُ أمح َد ب ِن َنصْ ٍر اخلُزَاع ِّ‬
‫حب هللِ تعا َلى‪ِ ،‬‬
‫القار ُئ‬ ‫المحن َِة‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وهذا العالِم العامِ ُل العابِدُ ‪َ ،‬شهيدُ ِ‬
‫ُ‬
‫بن ُم َحم ٍد‬ ‫فعن َج ْع َف ِر ِ‬
‫الخ َزاعي ‪‬؛ ْ‬
‫للقرآن بعدَ موتِ ِه‪ ،‬أحمدُ بن نَص ٍر ُ ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َْ َْ‬
‫ِ‬

‫وس ِم َع ُأ ُذنِي‪ ،‬وإال َف ُصم َتا؛ َأ ْح َمدَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قال‪َ « :‬ب َص َر َع ْيني‪ ،‬وإال َف َعم َيتَا‪َ ،‬‬ ‫الصائِ ِغ‪َ ،‬‬
‫الخ َز ِ‬
‫يقول َر ْأ ُس ُه‪( :‬ال إل َه إِال ُ‬
‫اهلل)»(‪.)2‬‬ ‫حيث ُض ِر َب ْت ُعنُ ُق ُه‪ُ ،‬‬
‫اعي ُ‬ ‫ْب َن ن َْص ٍر ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْر َو ِذ ِّي‪َ ،‬‬
‫بن‬‫قال‪َ « :‬سم ْع ُت َأ َبا عبد اهلل‪ ،‬يعني أحمدَ َ‬ ‫وع ْن َأبِي َب ْك ٍر َ‬
‫* َ‬
‫كان َأ ْسخا ُه؛ َل َقدْ جا َد‬
‫اهلل؛ َما َ‬ ‫ِ‬ ‫َحنْ َبلٍ‪ ،‬و َذك ََر َأ ْح َمدَ ْب َن ن َْص ٍر‪َ ،‬‬
‫فقال‪َ :‬رح َم ُه َ‬
‫بِنَ ْف ِس ِه»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬هتذيب الكمال يف أسماء الرجال‪ ،‬للمزي‪ ،459/1 :‬وسير أعالم النبالء‪،‬‬
‫للذهبي‪.215/11 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،385/5 :‬والبداية والنهاية‪ ،‬البن كثير‪:‬‬
‫‪.336/10‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،385/5 :‬والبداية والنهاية‪ ،‬البن كثير‪:‬‬
‫‪.336/10‬‬
‫‪81‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫ف‪َ « :‬لما ُقتِ َل َأ ْح َمدُ ْب ُن ن َْص ٍر فِي‬ ‫اع َيل ب ِن َخ َل ٍ‬


‫ْ‬
‫اهيم بن إِسم ِ‬ ‫ِ‬
‫قال إِ ْب َر ُ ْ ُ ْ َ‬‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫آن‪َ ،‬ف َم َضيِ ُت‪َ ،‬فبِت‬ ‫وصلِ َ‬
‫ب َر ْأ ُس ُه‪ُ ،‬أ ْخبِ ْر ُت أن الر ْأ َس َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬ ‫الم ْحنَة‪ُ ،‬‬
‫وكان ِعنْدَ ُه ِر َجا َل ٌة و ُف ْر ٌ‬
‫سان َي ْحفظو َن ُه‪َ ،‬ف َلما‬ ‫َ‬ ‫س‪ُ ،‬م ْش ِر ًفا عليها‪،‬‬ ‫بِ ُق ْر ِ‬
‫ب الر ْأ ِ‬

‫العيون‪َ ،‬س ِم ْع ُت الر ْأ َس ُ‬


‫يقول‪{ :‬امل * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا‬ ‫ُ‬ ‫َهدَ ِ‬
‫أت‬

‫آمَنَّا وَهُمْ ال يفتنون}(‪)1‬؛ فا ْق َش َعر ِج ْل ِدي»(‪.)2‬‬


‫قال‪ُ « :‬ح ِم َل َأ ْح َمدُ ْب ُن ن َْص ٍر مِ ْن‬ ‫اضي‪َ ،‬‬ ‫وعن َأحمد ب ِن كامِ ٍل ال َق ِ‬
‫* َ ْ ْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫س‬ ‫ب َر ْأ َس ُه بِ َب ْغدا َد َع َلى َر ْأ ِ‬ ‫بغدا َد إِ َلى َسر َم ْن َر َأي‪َ ،‬ف َق َت َل ُه الواث ُق ون ََص َ‬
‫س وال ِّل ْح َي ِة‪ ،‬و َأ ْخ َب َر أن ُه‬
‫أبيض الر ْأ ِ‬
‫وكان َش ْي ًخا َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الج ْس ِر‪ ،‬و َأ ْخ َب َر َأن ُه رآ ُه‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫الم َوك َل بِ ِه َذك ََر‬ ‫س الج ْس ِر‪ ،‬وأن ُ‬
‫ب بِر ْأ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وك َل بِ َر ْأسه َم ْن َي ْح َف ُظ ُه‪ ،‬بعدَ َأ ْن ُنص َ َ‬
‫القب َل ِة بِوج ِه ِه‪َ ،‬في ْقر ُأ سور َة (يس) بِلِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سان‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َأن ُه َيرا ُه باللي ِل َي ْستَد ُير إِ َلى ْ‬
‫َطلِ ِق»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬العنكبوت‪.2-1 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،385/5 :‬والبداية والنهاية‪ ،‬البن كثير‪:‬‬
‫‪.336/10‬‬
‫(‪ )3‬طبقات الحنابلة‪ ،‬البن أبي يعلى‪.82/1 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪82‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ُعنُ ِق َأ ْح َمدَ ِ‬
‫أمير المؤمني َن‬ ‫بن ن َْص ٍر‪ ،‬أن الواث َق باهلل‪َ ،‬‬ ‫ضر ِ‬‫ب ْ‬ ‫َ‬
‫وكان َس َب ُ‬
‫للم ْحن َِة؛ َف َض َر َب الواثِ ُق‬ ‫آن؛ فأبى ذل ِ َك‪ ،‬و َثب َت ِ‬
‫َ‬
‫دعاه إِ َلى ال َقو ِل بِ َخ ْل ِق ال ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس(‪.)1‬‬ ‫ب َر ْأ َس ُه؛ ل َي ْع َتبِ َر بِه الن ُ‬ ‫ُعنُ َق ُه‪ ،‬ون ََص َ‬
‫يس الثامِ ِن‬ ‫رأس ُه َمنْصو ًبا مِ ْن َي ْو ِم ا ْل َخ ِم ِ‬
‫* َق َال ابن كثير‪« :‬و َل ْم َي َز ُل ُ‬
‫ين َومِا َئ َت ْي ِن‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا ْل ِع ْش ِرين مِن َشعب َ ِ ِ ِ‬
‫ان م ْن َهذه السنَة ‪َ -‬أ ْعني َسنَ َة إِ ْحدَ ى َو َث َالث َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫ين َومِا َئ َت ْي ِن‪َ ،‬ف ُج ِم َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫إِ َلى َب ْعد عيد ا ْلف ْط ِر بِ َي ْو ٍم َأ ْو َي ْو َم ْي ِن م ْن َسنَة َس ْب ٍع َو َث َالث َ‬
‫ب الش ْرقِ ِّي مِ ْن َب ْغدَ ا َد بِا ْل َم ْق َب َر ِة ا ْل َم ْع ُرو َف ِة‬ ‫َب ْي َن َر ْأ ِس ِه َو ُجثتِ ِه‪َ ،‬و ُدفِ َن بِا ْل َجانِ ِ‬
‫بِا ْلمالِكِي ِة ر ِحمه اهلل؛ و َذل ِ َك بأم ِر المتَو ِّك ِل َع َلى اهللِ‪ ،‬ال ِذي ولِي ا ْل ِ‬
‫خ َال َف َة‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫يع ِألَ ْه ِل السن ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ار ا ْل ُخ َل َفاء؛ ألَن ُه َأ ْح َس َن الصن َ‬ ‫َان مِ ْن ِخ َي ِ‬‫الواثق‪َ ،‬وك َ‬ ‫ِ‬ ‫بعدَ َأ ِخ ِ‬
‫يه‬ ‫َْ‬
‫وعم ِه الم ْأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫أساؤوا إِ َلى‬ ‫ُ‬ ‫مون‪ ،‬فإن ُه ْم‬ ‫بِخ َالف َأخيه ا ْل َواث ِق‪َ ،‬و َأبِيه ا ْل ُم ْعتَص ِم‪َ ِّ َ ،‬‬
‫َأ ْه ِل السن ِة‪َ ،‬و َقر ُبوا َأ ْه َل ا ْلبِدَ ِع َوالض َال ِل مِ َن ا ْل ُم ْعت َِز َل ِة َو َغ ْي ِر ِه ْم‪َ ،‬ف َأ َم َر َأ ْن‬
‫َان ا ْلمت ََوك ُِّل ُي ْك ِرم ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َما َم‬ ‫ُ‬ ‫ُتن َْز َل ُجث ُة َأ ْح َمدَ ْب ِن ن َْص ٍر َو ُتدْ َف َن َف ُفع َل‪َ ،‬و َقدْ ك َ ُ‬
‫َأ ْح َمدَ ْب َن َحنْ َب ٍل إِك َْرا ًما َزائِدً ا ِجدًّ ا»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،386/5 :‬والبداية والنهاية‪ ،‬البن كثير‪:‬‬
‫‪.336/10‬‬
‫(‪ )2‬البداية والنهاية‪ ،‬البن كثير‪.336/10 :‬‬
‫‪83‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫جل َنيْ ِد بنِ مُ َحمَّدٍ ‪َ ‬م َع القُرْآنِ‬


‫احلادي والعشرون‪ :‬مَشْهَ ُد ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بن‬ ‫المحب هلل تعا َلى‪ُ ،‬‬
‫الجنَ ْيدُ ُ‬ ‫َو َهذا ال َع ْبدُ الزاهدُ ال َعابِدُ ال َقان ُت‪ُ ،‬‬
‫آن؛ َف َع ْن أبِي َب ْك ٍر ا ْل َع َط ِو ِّي‪ ،‬قال‪ُ « :‬كن ُْت‬
‫وه َو َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬‫يموت ُ‬
‫ُ‬ ‫ُم َحم ٍد ‪‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‪ُ ،‬ثم ا ْبتَدَ َأ م َن ا ْلبَ َق َرة‪َ ،‬ف َق َر َأ َس ْبع َ‬
‫ين آ َيةً‪،‬‬ ‫ات‪َ ،‬ف َخت ََم ا ْل ُق ْر َ‬ ‫عنْدَ ا ْل ُجنَ ْيد ح َ‬
‫ين َم َ‬
‫اهلل»(‪.)1‬‬ ‫ُثم م َ ِ‬
‫ات َرح َم ُه ُ‬ ‫َ‬

‫الثاني والعشرون‪ :‬مَشْهَدُ أَ ْحمَدُ بنُ مُ َحمَّدِ بنِ عبدِ اهللِ بنِ زِيادٍ‬
‫‪ ‬م َع القُرْآنِ‬
‫بن ِ‬ ‫بن ُم َحم ِد ِ‬ ‫ارئ لِكِ ِ ِ‬
‫عبد‬ ‫تاب اهلل َتعا َلى‪َ ،‬أ ْح َمدُ ُ‬ ‫وه َذا ال َع ْبدُ ال َقائِ ُم ال َق ِ ُ‬
‫َ‬
‫قال‪« :‬ما َر َأ ْي ُت َأ ْح َس َن‬ ‫ان‪َ ،‬‬ ‫ياد ‪‬؛ ف َع ْن َأبِي َع ْب ِد اهللِ ِ‬
‫بن بِ ْش ٍر ال َقط ِ‬ ‫بن ِز ٍ‬ ‫اهللِ ِ‬
‫بن ِز ٍ‬ ‫آن مِ ْن َأبِي َس ْه ِل ِ‬‫آي ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫انْتِ َز ً ِ‬
‫َ‬
‫وكان‬ ‫َ‬
‫وكان َج َارنَا‪،‬‬ ‫ياد‪،‬‬ ‫اعا ل َما َأ َرا َد م ْن ِ ْ‬
‫بين َع ْينَ ْي ِه»(‪.)2‬‬
‫آن َك َأن ُه َ‬‫صار ال ُق ْر ُ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ديم َصال َة اللي ِل والت َِّال َوةَ‪َ ،‬فل َك ْث َرة َد ْرسه؛ َ‬ ‫ُي ُ‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬ألبي نعيم‪ ،264/10 :‬وتاريخ اإلسالم‪،‬‬
‫للذهبي‪.927/6 :‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.521/15 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪84‬‬

‫هلمَذَانِيِّ العَطَّا ِر‬


‫الثالث والعشرون‪ :‬مَشْهَدُ أبي العَالءِ ا َ‬
‫املُقْرِئِ ‪ ‬م َع القُرْآنِ‬
‫اله َم َذانِي‬ ‫ِ‬
‫الم ْق ِر ُئ‪ ،‬أبو ال َعالء َ‬ ‫ار ُئ ُ‬ ‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬ال َق ِ‬ ‫وهذا العبدُ الم ِ‬
‫َْ ُ‬
‫بن ب َنيم َ ِ‬
‫ب‪ ،‬قال‪َ « :‬ر َأ ْي ُت َأ َبا‬ ‫ان األَد ْي َ‬ ‫الم ْق ِر ُئ ‪‬؛ َف َع ْن أبي ال َف ْضل ِ ُ ْ َ‬ ‫ال َعط ُار ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج‬ ‫ال َع َالء ال َعطار في َم ْسجد م ْن َم َساجد َب ْغدَ اد َيكتب َو ُه َو َقائ ٌم؛ ألَن ِّ‬
‫الس َر َ‬
‫َان ليمر‬ ‫َان َعال ِ ًيا‪ ،...‬إِ َلى َأ ْن َق َال(‪َ ،)1‬فعظم َش ْأنه فِي ال ُق ُل ْوب‪َ ،‬حتى إِ ْن ك َ‬ ‫ك َ‬
‫ِ‬
‫الص ْب َيان َوال َي ُه ْود‪،‬‬ ‫في َه َم َذان‪َ ،‬ف َال َي ْب َقى َأ َحدٌ َرآ ُه إِال َقا َم‪َ ،‬و َد َعا َل ُه َحتى ِّ‬
‫مضي إِ َلى بلدَ ة ُم ْش َك َ‬ ‫َان ي ِ‬
‫لها‬ ‫الج ُم َعة‪َ ،‬فيتل َقا ُه َأ ْه َ‬‫ان ُي َص ِّلي بِ َها ُ‬ ‫َو ُرب َما ك َ َ‬
‫الم ْسلِ ُم ْو َن َع َلى ِحدَ ٍة‪َ ،‬وال َي ُه ْو ُد َع َلى ِحدَ ٍة‪َ ،‬يد ُع ْو َن َل ُه‪ ،‬إِ َلى َأ ْن‬ ‫َخ ِ‬
‫ار َج ال َب َلد‪ُ ،‬‬
‫َيدخل ال َب َلدَ ‪.‬‬
‫َان ي ْق ِر ُئ نِصف نَهاره الح ِديث‪ ،‬ونِصفه ال ُقرآن و ِ‬
‫الع ْلم‪َ ،‬و َال َي َ‬
‫غشى‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َوك َ ُ‬
‫الس َالطِ ْين‪َ ،‬و َال َت ْأ ُخ ُذ ُه فِي اهللِ ُل ْو َمة َالئِم‪َ ،‬و َال ُيم ِّكن َأ َحدً ا فِي محلته َأ ْن‬
‫فت ال ُق ُل ْو ُب َع َلى‬‫َان ين َِّز ُل ُك ّل إِنْسان من ِْزل َته‪ ،‬حتى َت َأل ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْكرا‪َ ،‬وك َ ُ‬ ‫َيفعل ُمن ً‬

‫(‪ )1‬قال‪ :‬من ال َقيلولة‪ :‬وهي نَو َم ُة نصف الن َهار‪َ ،‬و ِهي القائلة‪ ،‬انظر‪ :‬هتذيب اللغة‪،‬‬
‫لألزهري‪.232/9 :‬‬
‫‪85‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫الذك ُْر َل ُه فِي اآل َفاق البعيدَ ة‪َ ،‬حتى َأ ْهل ُخ َو ِار ْزم ال ِذ ْي َن ُهم‬ ‫حس َن ِّ‬ ‫ِِ‬
‫َم َحبته‪َ ،‬و ُ‬
‫الحنْ َب َل ِة‪.‬‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ُم ْعت َِز َلة َم َع شدته في َ‬
‫َان َح َس َن الص َالة‪َ ،‬ل ْم َأ َر َأ َحدً ا مِ ْن َم َشايِخنَا َأ ْح َس َن َص َال ًة مِنْ ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫َان‬ ‫َوك َ‬
‫اعتِ َقا ًدا َوفِ ْع ًال»(‪.)1‬‬
‫َت السن ُة ش َع َار ُه َو ِد َث َار ُه ْ‬
‫مت ََشدِّ دا فِي َأم ِر ال ّطهار ِة‪ ،‬وكَان ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬

‫الرابع والعشرون‪ :‬مشهَدُ ابنِ عطية األَنْدَلُسِيِّ املُحَارِبِيِّ ‪‬‬


‫م َع القُرْآنِ‬
‫اإلمام‪ ،‬الحافِ ُظ‪ ،‬الناقِدُ ‪ ،‬المجود‪َ ،‬أبو ب ْك ٍر َغالِب بن ِ‬
‫عبد‬ ‫وهذا ِ‬
‫ُ ْ ُ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الغ ْرنَاطِي‪،‬‬ ‫اربِي‪ ،‬األَنْدَ ُل ِسي‪ِ ،‬‬ ‫الم َح ِ‬ ‫بن َتما ِم ِ ِ‬
‫بن َعطي َة ُ‬ ‫بن َغال ِ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫من ِ‬
‫الر ْح ِ‬

‫الم ْؤثِ ُر َل ُه َع َلى َما ِسوا ُه‪َ ،‬ينْ َقطِ ُع لِتَ ْف ِس ِير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتفسير القرآن‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫المشتغل‬ ‫المالِكِي‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫جيز َفي َت ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫سير‬ ‫الو ُ‬ ‫(الم َحر ُر َ‬ ‫ظيم‪ُ :‬‬‫سير ُه ال َع َ‬ ‫ب َت ْف َ‬ ‫ال ُق ْرآن‪ ،‬و َي ْك ُت ُ‬
‫ِ‬
‫تفسيره‪:‬‬ ‫ابن َعطِي َة يف ُم َقدِّ َم ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زيز)‪ ،‬و َي ْج َع ُل ُه ُعد َت ُه يو َم َينْ َف ِر ُد في َق ْب ِره؛ قال ُ‬ ‫ال َع ِ‬

‫أنواره ل ِ ُظ َل ِم َر ْم ِسي(‪،)2‬‬
‫َ‬ ‫وأنظر يف ِع ْل ٍم ُأ ِعد‬
‫َ‬ ‫لنفسي‪،‬‬ ‫أن أختار ِ‬
‫َ‬ ‫ت ْ‬ ‫«فلما َأ َر ْد ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪ ،289/15 :‬ومعرفة القراء الكبار على الطبقات‬
‫واألعصار‪ ،‬للذهبي‪.297/1 :‬‬
‫(‪ )2‬يقال لما ُي ْح َثى من الرتاب على القرب‪ :‬رمس‪ .‬والقرب نفسه‪ :‬رمس‪ ،‬انظر‪ :‬لسان‬
‫العرب‪ ،‬البن منظور‪.101/6 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪86‬‬

‫ف‬‫الع ْل ِم على َقدْ ِر َشر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وعلِ ْم ُت أن َش َر َ‬ ‫سيم‪َ ،‬‬ ‫َس َب ْر ُتها(‪ )1‬بالتنوي ِع والت ْق ِ‬
‫َ‬
‫آثارا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باال‪ ،‬و َأ ْر َس َخها ج َب ًاال‪ ،‬و َأ ْج َم َلها ً‬ ‫فوجدت َأ ْم َتنَها ِح ً‬ ‫ُ‬ ‫المعلومِ؛‬
‫الذي‬ ‫أسماؤه‪ِ -‬‬ ‫ُ‬ ‫كتاب اهللِ ‪-‬جل ْت ُقدْ َر ُته‪ ،‬و َت َقد َس ْت‬ ‫ِ‬ ‫أنوارا‪ِ ،‬ع ْل ُم‬
‫و َأ ْس َط َعها ً‬
‫يم ح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بين َيدَ ْي ِه وال مِ ْن َخ ْل ِفه‪،‬‬
‫الباطل مِ ْن ِ‬ ‫ال يأتِ ِ‬
‫ميد‪،‬‬ ‫من َحك ٍ َ‬ ‫تنزيل ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫يه‬
‫ِ‬ ‫أكثر ُع ُم ِر ِه‬ ‫ورجو ُت أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يحرم على ِ ِ‬
‫ومعانيه‪،‬‬ ‫كرا َع َم ْر ُته َ‬ ‫النار ف ً‬ ‫ُ َ ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫زت براع َة رص ِف ِه(‪ )3‬ومب ِ‬
‫انيه‪،‬‬ ‫ولِسانًا مر َن على آياتِه ومثانِ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫ونفسا َمي ْ َ‬ ‫ً‬ ‫يه(‪،)2‬‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫مر»(‪.)5‬‬ ‫الف َك ِر‪ ،‬وجعل ُته فائد َة ال ُع ِ‬ ‫عنان الن َظ ِر(‪ ،)4‬و َأ ْق َطع ُته جانب ِ‬ ‫نيت ِ‬
‫إليه َ‬ ‫َف َث ُ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬

‫(‪ )1‬السرب‪ :‬التجربة‪ .‬وسرب الشيء سربًا‪َ :‬حزَ َره وخربه‪ .‬والسرب‪ :‬استخراج كنه األمر‪،‬‬
‫انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.430/4 :‬‬
‫(‪َ )2‬مثانِ َي‪ ،‬أي‪ :‬تثني فيه األنباء والقصص‪ ،‬وذكر الثواب والعقاب‪ ،‬انظر‪ :‬غريب‬
‫القرآن البن قتيبة‪ ،‬سورة‪.330 :‬‬
‫(‪ )3‬الرصف‪ :‬ضم الشيء بعضه إلى بعض ونظمه‪ ،‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪:‬‬
‫‪.101/6‬‬
‫(‪ )4‬العنان‪ :‬ما عن لك منها إذا نظرت إليه‪ ،‬انظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬للرازي‪.19/4 :‬‬
‫(‪ )5‬المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪ ،‬مقدمة التفسير‪.34/1 :‬‬
‫‪87‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫اخلامس والعشرون‪ :‬مشاهِدُ ابنِ قُدَا َمةَ املَقْ ِدسِيِّ ‪ ‬معَ القُرْآنِ‬
‫ار ُئ؛‬ ‫حب هللِ تعا َلى‪ ،‬العال ِ ُم العامِ ُل‪ ،‬ال َقائِ ُم العابِدُ ‪ ،‬ال َق ِ‬ ‫وه َذا العبدُ الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال الذ َهبِي‪« :‬ك َ‬
‫َان‬ ‫الم ْق ِد ِسي ‪‬؛ َ‬ ‫بن ُقدَ ا َم َة َ‬ ‫بن ُم َحم ٍد ِ‬ ‫أح َمدَ ِ‬ ‫بن ْ‬‫ُم َحمدُ ُ‬
‫اش ًعا‪ُ ،‬م ْخلِ ًصا‪َ ،‬ع ِد ْي َم‬ ‫ُقدْ وةً‪ ،‬صالِحا‪َ ،‬عابِدً ا‪َ ،‬قانِتًا هللِ تعالى‪ ،‬ربانِيا‪َ ،‬خ ِ‬
‫َ ًّ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬
‫ات‬‫الذك ِْر‪ ،‬والمروءةِ وال ُفتو ِة والص َف ِ‬ ‫اد َو ِّ‬‫النظِي ِر‪َ ،‬كبِير ال َقدْ ِر‪ ،‬كَثِير األَور ِ‬
‫َ ُ ُ ْ َ َ ّ َ ِّ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫َان ُرب َما َت َهجدَ ‪َ ،‬فإِ ْن َن َع َس َض َر َب‬ ‫ون مِ ْث َل ُه‪ .‬قِ ْي َل‪ :‬ك َ‬
‫الح ِم ْيدَ ِة‪َ ،‬قل َأ ْن َت َرى ال ُع ُي ُ‬‫َ‬
‫ب حتى يطِير النعاس‪ .‬وك َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص َيا َم‪َ ،‬و َال َي َكا ُد‬
‫َان ُي ْكث ُر ِّ‬ ‫َع َلى ِر ْج َل ْيه بِ َقض ْي ٍ َ َ ْ َ َ ُ َ‬
‫اد إِال َخ َر َج فِ ْي ِه‪،‬‬
‫ض إِال َعاده‪ ،‬و َال ِجه ٍ‬
‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َي ْس َم ُع بِ َجن ََاز ٍة إِال َش ِهدَ َها‪َ ،‬و َال َم ِر ْي ٍ‬

‫ار ُسب ًعا َبيْ َن الص َال َت ْين‪،‬‬ ‫َو َي ْت ُلو ُكل َل ْي َل ٍة ُسب ًعا ُم َرت ًال فِي الص َالةِ‪َ ،‬وفِي الن َه ِ‬

‫الواقِ َع َة َو َت َب َار َك‪ُ ،‬ثم ُي ْق ِر ُئ‬


‫س َويس َو َ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫الح ْر‬ ‫ِ‬
‫َوإِ َذا َصلى ال َف ْج َر‪َ ،‬ت َال آ َيات َ‬
‫ار‪ُ ،‬ثم ُي َص ِّلي الض َحى‪َ ،‬ف ُيطِيْل‪َ ،‬و ُي َص ِّلي َط ِو ْي ًال َب ْي َن‬ ‫َو ُي َل ِّق ُن إِ َلى ْارت َفا ِع الن َه ِ‬

‫الج ُم َع ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫ين‪َ ،‬و ُي َص ِّلي َص َال َة الت ْسبِ ْيحِ ُكل َل ْي َلة ُج ُم َعة‪َ ،‬و ُي َص ِّلي َي ْو َم ُ‬
‫الع َشا َء ِ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬لعله أراد بآيات الحرس‪ ،‬آيات سورة الجن التي فيها‪{ :‬وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا‬

‫مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} [الجن‪ ،]8 :‬واهلل أعلم‪.‬‬


‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪88‬‬

‫َر ْك َع َت ْي ِن بِمائ َِة {قُلْ هُوَ اهللُ أَحَدٌ}‪َ ،‬ف ِقيْ َل‪ :‬كَان َْت ن ََوافِ ُل ُه فِي ُك ِّل َي ْو ٍم َو َلي َل ٍة‬
‫ا ْثنَ َت ْي ِن َو َس ْب ِع ْي َن َر ْك َع ًة»(‪.)1‬‬

‫السادس والعشرون‪ :‬مشاهِدُ شيخِ اإلسالمِ ابنِ َتيْ ِميَّ َة ‪ ‬معَ القرآنِ‬
‫اهلل َتعا َلى‪ ،‬ال َعال ِ ُم العامِ ُل ال َعابِدُ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫شيخ اإلسال ِم ِ ِ‬
‫بن َتيْمي َة َرح َم ُه ُ‬ ‫َوهذا ُ‬
‫شيخ ِ‬
‫اإل ْسال ِم‬ ‫شيخنَا َ‬ ‫َ‬ ‫الج ْو ِزي ِة‪َ « :‬س ِم ْع ُت‬
‫ابن َق ِّي ِم َ‬
‫آن؛ َق َال ُ‬ ‫يس ُه ال ُق ْر َ‬ ‫َ ِ‬
‫كان َأن ُ‬
‫ول‪ :‬إِن فِي الدنْيا َجنةً‪َ ،‬م ْن‬ ‫وح ُه‪ ،‬ونَو َر َض ِر َ‬
‫يح ُه‪َ -‬ي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ا ْب َن َت ْيمي َة ‪َ -‬قد َس ُ‬
‫اهلل ُر َ‬
‫اآلخ َر ِة‪َ .‬ق َال‪َ :‬و َق َال لِي َمرةً‪َ :‬ما يصن َُع أعدائِي‬ ‫َلم يدْ ُخ ْلها؛ َلم يدْ ُخ ْل جن َة ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫فار ُقنِي‪َ ،‬أنَا‬
‫أين ُر ْح ُت َف ِهي َم ِعي‪َ ،‬ال ُت ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫بِي؟ أنا َجنتي و ُب ْستاني في َصدْ ِري‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫حب ِسي ُخ ْلوةٌ‪ .‬و َقتْلِي َشهادةٌ‪ ،‬وإِ ْخ ِ ِ ِ ِ‬
‫راجي م ْن َب َلدي س َ‬
‫ياحةٌ‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫هذ ِه ال َق ْل َع ِة َذ َه ًبا ما‬
‫ول‪َ :‬لو ب َذ ْل ُت مِ ْلء ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وكان في َح ْبسه في ال َق ْل َعة َي ُق ُ ْ َ‬
‫َ ِ‬

‫يه من‬ ‫َعدَ َل ِعن ِْدي ُش ْكر َه ِذ ِه النِّعم ِة َأو َق َال‪ :‬ما ج َزي ُتهم ع َلى ما َتسبـبوا فِ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬
‫الخير ون َْح َو َه َذا‪.‬‬
‫بوس‪ :‬الل ُهم َأ ِعنِّي َع َلى ِذك ِْر َك‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ُ ِ‬
‫يقول في ُس ُجوده‪َ ،‬و ُه َو َم ْح ٌ‬ ‫َ‬
‫وكان‬
‫ِ ِ‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫وش ْك ِر َك‪ُ ،‬‬
‫وح ْس ِن عبا َدت َك‪َ ،‬ما شا َء ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪.7/22 :‬‬


‫‪89‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫َ‬
‫تبارك وتعا َلى‪،‬‬ ‫بوس َم ْن ُحبِ َس َق ْل ُب ُه َع ْن َر ِّب ِه‬ ‫َو َق َال مرة‪َ :‬‬
‫الم ْح ُ‬
‫أس َر ُه َهوا ُه‪.‬‬ ‫والم ْأ ُ‬
‫سور َم ْن َ‬ ‫َ‬
‫ورها َن َظر إِ َل ْي ِه َو َق َال‪:‬‬ ‫سجن ال َق ْلع ِة‪ ،‬وصار ِ‬
‫داخ َل ُس ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ولما َد َخ َل إِ َلى‬

‫{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ‪ ،‬بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ‪ ،‬وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}(‪.)1‬‬
‫يه مِ َن‬
‫َان فِ ِ‬
‫أطيب َع ْي ًشا مِنْ ُه َقط‪َ ،‬م َع َما ك َ‬ ‫َ‬ ‫رأيت َأ َحدً ا‬‫ُ‬ ‫اهلل َما‬
‫وعل َم ُ‬
‫َق َال‪ِ َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س والته ِ‬
‫س َعيْ ًشا‪،‬‬ ‫ب النا ِ‬ ‫واإل ْرجاف‪َ ،‬و ُه َو َم َع َذل َك َأ ْط َي ُ‬ ‫ديد‬ ‫ْ‬ ‫الح ْب ِ‬
‫َ‬
‫لوح ن َْض َر ُة الن ِ‬
‫عيم َع َلى‬ ‫واه ْم َق ْل ًبا‪ ،‬و َأ َسرهم َن ْف ًسا‪َ ،‬ت ُ‬ ‫و َأ ْش َر ُح ِه ْم َصدْ ًرا‪ ،‬و َأ ْق ُ‬
‫وضا َق ْت بِنَا‬ ‫نون‪َ ،‬‬ ‫وساءت بِنَا الظ َ‬ ‫ْ‬ ‫الخوف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َو ْج ِه ِه‪ ،‬و ُكنا إِ َذا ْاشتَد بِنَا‬
‫ب َعنا َذل ِ َك ُكل ُه‪،‬‬ ‫األَ ْر ُض‪َ :‬أتينا ُه‪َ ،‬ف َما ُه َو إال َأن نَرا ُه‪ ،‬ون َْس َم ُع كال َم ُه‪ْ ،‬‬
‫فيذ َه ُ‬
‫ِ‬
‫قبل‬‫فسبحان َم ْن َأ ْش َهدَ عبا َد ُه َجنتَ ُه َ‬
‫َ‬ ‫احا َو ُقو ًة و َيقينًا و ُط َم ْأنينَ ًة‪.‬‬ ‫و َينْ َقلِ ُ‬
‫ب انْش َر ً‬
‫َسيمها وطِيبِها‬
‫وحها ون ِ‬
‫تاهم مِن ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫لقائه‪ ،‬و َفت ََح َل ُه ْم َأ ْبوا َب َها في َد ِار ال َع َملِ‪َ ،‬ف َأ ُ ْ ْ َ‬
‫والمسا َب َق ِة إِ َل ْيها»(‪.)2‬‬ ‫ما اس َت ْفر َغ ُق ُ ِ‬
‫واه ْم ل َط َلبِها‪ُ ،‬‬ ‫َ ْ َ‬

‫(‪ )1‬الحديد‪.13 :‬‬


‫ُ‬
‫الوابل الص ِّيب من الكلم الطيب‪ ،‬البن قيم الجوزية‪ ،48/11 :‬وذيل طبقات‬ ‫(‪)2‬‬
‫الحنابلة‪ ،‬البن رجب الحنبلي‪.520/4 :‬‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪90‬‬

‫آن‬‫ابن َتيْ ِمي َة ا ْل ُق ْر َ‬


‫لحنْ َبلِي‪َ « :‬خت ََم ُ‬
‫بن أحمدَ ا َ‬ ‫قال َش ْم ُس الدِّ ِ‬
‫ين ُم َحمدُ ُ‬ ‫َ‬
‫آخ ِر خت َْم ٍة‬ ‫مد َة إِ َقامتِ ِه بال َق ْلع ِة َثمانِين َأو إِحدَ ى و َثمانِين ختمةً‪ ،‬ا ْنتَهى فِي ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫آخ ِر قول ِ ِه تعا َلى‪{ :‬إِنَّ الْمُتَّقِنيَ فِي جَنَّاتٍ ونَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ‬
‫إِ َلى ِ‬

‫مُقْتَدِرٍ}(‪ ،)1‬ثم ُك ِّم َل ْت َع َل ْي ِه بعدَ َو َفاتِ ِه‪َ ،‬و ُه َو ُم َسجى‪.‬‬


‫جز ٍاء‪َ ،‬ي ْختِ ُم فِي َع ْش َرةِ َأيامٍ‪َ ،‬ه َك َذا َأ ْخربنِي‬ ‫َان كل َي ْوم ي ْق َرأ َث َال َث َة َأ َ‬ ‫وك َ‬
‫اس َما‬ ‫ْثر الن ِ‬ ‫رين َي ْو ًما‪َ ،‬وأك ُ‬
‫عش َ‬ ‫َأ ُخو ُه َز ْي ُن الدِّ ين‪َ .‬وكَان َْت ُمد َة َم َر ِض ِه بِ ْض َع ًة َو ْ‬
‫ف َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َكثُ َر‬‫اشتَد الت َأ َس ُ‬‫علموا بِ َم َر ِض ِه‪َ ،‬ف َل ْم َي ْف َج َأ ا ْل َخ ْل َق إِال َن ْع ُي ُه؛ َف ْ‬
‫ُ‬
‫اب‬‫خلق ع َلى َب ِ‬ ‫واز َد َح َم ا ْل ُ‬ ‫والح ْز ُن‪َ ،‬و َد َخ َل إِ َل ْي ِه َأ َق ِ‬
‫ار ُب ُه َو َأ ْص َحا ُب ُه‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ا ْل ُبكا ُء‬
‫وصلوا َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُح ِم َل ع َلى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َق ْل َعة وال ُط ُرقات‪ ،‬وا ْمت ََألَ َجام ُع د َم ْش َق‪َ ،‬‬
‫اهلل‪َ ،‬و َر ِض َي َعن ُه»(‪.)2‬‬ ‫الرؤو ِ ِ‬
‫س َرح َم ُه ُ‬

‫ت سِريينَ َم َع القُرْآنِ‬
‫السابع والعشرون‪ :‬مشاهِدُ حَ ْفصَ َة ِب ْن ِ‬
‫وح ْف ًظا ِ‬
‫وع ْل ًما َ‬
‫وع َم ًال َما‬ ‫رآن‪ :‬تالو ًة ِ‬‫حظ من ال ُق ِ‬ ‫كان للن ِ‬
‫ِّساء ٌّ‬ ‫و َل َق ِد َ‬
‫سيرين ُ‬
‫تقول لنا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ان‪َ ،‬‬
‫قال‪« :‬كان َْت َح ْف َص ُة ُ‬
‫بنت‬ ‫بن َحس َ‬ ‫للر ِ‬
‫جال؛ َف َع ْن هشا ِم ِ‬ ‫ِّ‬

‫(‪ )1‬القمر‪.55-54 :‬‬


‫(‪ )2‬العقود الدرية من مناقب شيخ اإلسالم أحمد بن تيمية‪ ،‬لشمس الدين الحنبلي‪:‬‬
‫‪.384/1‬‬
‫‪91‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬

‫َ‬
‫العمل إال‬ ‫رأيت‬
‫شباب؛ فإنِّي ما ُ‬ ‫ٌ‬ ‫باب ُخ ُذوا مِ ْن أن ُف ِس ُكم و َأ ْنتُم‬ ‫معشر الش ِ‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫رآن وهي ابنَ ُة اثنتِي َع ْشر َة سنَةً‪ ،‬وما َت ْت ِ‬ ‫قال‪َ :‬قر َأ ِ‬ ‫يف الش ِ‬
‫وه َي‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ت ال ُق َ‬ ‫باب‪َ َ ،‬‬
‫قال‪َ « :‬م َك َث ْت َح ْف َص ُة فِي ُم َص ّالها‬
‫يمون‪َ ،‬‬ ‫بن م ٍ‬ ‫ِ‬
‫وع ْن َم ْهدي ِ َ‬ ‫تسعين»‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫ابنَ ُة‬
‫ابن ِسيري َن‬ ‫لحاجة أو ل ِ َقائِلة»‪ِ َ ،‬‬
‫وع ْن هشا ٍم‪« ،‬أن َ‬
‫ٍ‬ ‫تخرج إال‬ ‫ُ‬ ‫ثالثي َن َسنَ ًة ال‬
‫قال‪ :‬ا ْذهبُوا َف َس ُلوا َح ْف َص َة َ‬
‫كيف‬ ‫الق َرا َءةِ‪َ ،‬‬
‫عليه َشيء مِن ِ‬
‫ْ ٌ َ‬
‫ِ‬ ‫كان إذا َأ ْش َك َل‬‫َ‬
‫َت ْق َر ُأ»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬صفة الصفوة‪ ،‬البن الجوزي‪.241/2 :‬‬


‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪92‬‬

‫‪1‬‬ ‫ات الم ِ‬


‫ح ِّبي َن‪................................................‬‬ ‫ِس ْل ِس َل ُة ِعباد ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫‪2‬‬ ‫يم‪..........................................................‬‬ ‫ال َق ِ‬
‫ار ُئ ال َك ِر ُ‬
‫‪4‬‬ ‫ُم َقدِّ َمةٌ‪..................................................................‬‬
‫‪9‬‬ ‫َلو ِة كََل ِم اهَّللِ َت َعا َلى‪.............................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب إلى اهَّلل تعا َلى بِت َ‬ ‫الت ََّحب ُ‬
‫‪10‬‬ ‫بات‪................................‬‬ ‫آن مِن َأعْ َظ ِم ال ُقر ِ‬ ‫أوَل‪ :‬الت َقرب بال ُقر ِ‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪11‬‬ ‫آن خاص ُة أه ِل اهللِ تعا َلى‪..................................‬‬ ‫أهل ال ُقر ِ‬
‫ثان ًيا‪ْ ُ :‬‬
‫‪12‬‬ ‫الجن ِة‪..............................‬‬ ‫ِ ِ‬
‫راج ال َع ْبد في َ‬
‫ِ‬
‫آن ال َك ُ‬
‫ريم م ْع ُ‬ ‫ثال ًثا‪ :‬ال ُق ْر ُ‬
‫‪13‬‬ ‫رآن َأ ْه ُل ال َك َرا َم ِة‪..........................................‬‬ ‫رابعا‪َ :‬أ ْه ُل ال ُق ِ‬
‫ً‬
‫‪14‬‬ ‫المحبين‪............................‬‬ ‫َ‬ ‫أمراض ُقلوب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫القرآن دوا ُء‬ ‫خامسا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪23‬‬ ‫آن‪.........................................‬‬ ‫حبين بال ُقر ِ‬ ‫سادسا‪ :‬و ِصي ُة الم ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ‬
‫‪25‬‬ ‫الحين‪.........................................‬‬ ‫َ‬ ‫آن َو ِصي ُة الص‬ ‫ساب ًعا‪ :‬ال ُق ْر ُ‬
‫‪31‬‬ ‫آن‪............................‬‬ ‫حب هللِ َتعا َلى مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثامنًا‪ُ :‬‬
‫َ َ ْ‬ ‫الم ِّ‬ ‫حال ال َع ْبد ُ‬
‫‪31‬‬ ‫َاب اهللِ َت َعا َلى بِ َق ْلبِ ِه َو َقا َلبِ ِه‪............‬‬
‫ب َع َلى كِت ِ‬ ‫ِ‬
‫المح ِّ‬
‫ِ‬
‫األول‪ :‬إِ ْق َب ُال ال َع ْبد ُ‬
‫‪33‬‬ ‫ين‪...................................‬‬ ‫ِ‬ ‫طاب ُق ِ‬ ‫الثاين‪ :‬ال ُقر ُ ِ‬
‫المح ِّب َ‬
‫لوب ُ‬ ‫آن خ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪36‬‬ ‫الم ْت ُلوة‪..........................‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الثالث‪ :‬ا ِّت َص ُ‬
‫المحب باآليات َ‬ ‫ِّ‬ ‫اف ال َع ْبد‬
‫‪93‬‬ ‫تَلوة المحبين (مشاهد وأحوال)‬
‫حب بال ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪39‬‬ ‫آن‪......................................‬‬ ‫ْ‬ ‫الم ِّ‬‫الرابع‪َ :‬ت َر ِّقي ال َع ْبد ُ‬
‫‪41‬‬ ‫يد ِه‪........................‬‬
‫آن وو ِع ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بين َوعْد ال ُق ْر َ َ‬
‫المحب َ‬
‫ِ‬
‫الخامس‪ :‬ال َع ْبدُ ُ‬
‫حب ِخطاب ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪43‬‬ ‫آن‪............................‬‬ ‫َ ْ‬ ‫الم ِّ‬ ‫السادس‪َ :‬ت َأم ُل ال َع ْبد ُ‬
‫‪47‬‬ ‫آن‪.....................................‬‬ ‫اهدُ مِن ِعباد ِة َأ ْه ِل ال ُقر ِ‬ ‫تاسعا‪ :‬م َش ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ً َ‬
‫‪48‬‬ ‫آن‪.................................‬‬ ‫سول اهللِ ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫شاهدُ ر ِ‬ ‫األول‪ :‬م ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪52‬‬ ‫ان ‪َ ‬م َع القرآن‪............................‬‬ ‫ِ‬ ‫بن عَف َ‬ ‫مان ِ‬ ‫شاهدُ ُع ْث َ‬ ‫الثاين‪ :‬م ِ‬
‫َ‬
‫عود ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫بن مس ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪55‬‬ ‫آن‪........................‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫الثالث‪َ :‬مشاهدُ عبد اهلل ِ َ ْ‬
‫‪59‬‬ ‫آن‪..............................‬‬ ‫ب ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫بن َك ْع ٍ‬ ‫شاهدُ ُأ َبي ِ‬ ‫الرابع‪ :‬م ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫بن الزبي ِر ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪61‬‬ ‫آن‪.........................‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫الخامس‪َ :‬مشاهدُ عرو َة ِ َ ْ‬
‫‪63‬‬ ‫آن‪............................‬‬ ‫ت البنَانِي ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫شاهدُ ثابِ ٍ‬ ‫السادس‪ :‬م ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫‪64‬‬ ‫آن‪........................‬‬ ‫ياض ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫بن ِع ٍ‬ ‫شاهدُ ال ُف َض ْي ِل ِ‬ ‫السابع‪ :‬م ِ‬
‫َ‬
‫‪66‬‬ ‫آن‪................‬‬ ‫ياض ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫بن ِع ٍ‬ ‫بن ال ُف َض ْي ِل ِ‬ ‫شاهدُ عَ لِي ِ‬ ‫الثامن‪ :‬م ِ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫‪68‬‬ ‫آن‪.......................‬‬ ‫ريز ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫بن ُم َح ْي ٍ‬ ‫شاهدُ َع ْب ِد اهللِ ِ‬ ‫التاسع‪ :‬م ِ‬
‫َ‬
‫‪68‬‬ ‫آن‪................‬‬ ‫من السـ َل ِمي ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫عبد الر ْح ِ‬ ‫شاهدُ أبي ِ‬ ‫العاشر‪ :‬م ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫وسي ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬
‫‪70‬‬ ‫آن‪..........‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫الحادي عشر‪َ :‬مشاهدُ قتَا َد َة بن َدعا َم َة السدُ ِّ‬
‫‪70‬‬ ‫آن‪.........................‬‬ ‫ات ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫شاهدُ حمزَ َة الزي ِ‬ ‫الثاين عشر‪ :‬م ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪71‬‬ ‫بن ال َق ْعقا ِع ‪َ ‬م َع ال ُق ْرآ ِن‪..‬‬ ‫ار ِئ‪َ ،‬يزيدَ ِ‬ ‫شاهدُ أبي َج ْع َف ٍر ال َق ِ‬ ‫الثالث عشر‪ :‬م ِ‬
‫َ‬
‫‪73‬‬ ‫آن‪....................‬‬ ‫اش ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫بن عَي ٍ‬ ‫شاهدُ َأبِي َب ْك ِر ِ‬ ‫الرابع عشر‪ :‬م ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫بن إِد ِريس ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪75‬‬ ‫آن‪................‬‬ ‫َ ْ‬ ‫الخامس عشر‪َ :‬مشاهدُ عَ ْبد اهلل ِ ْ َ‬
‫محبة رب العالمين منتهى غايات المقربين‬ ‫‪94‬‬

‫‪76‬‬ ‫اب األَس ِدي ال ُكوفِي ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬


‫آن‪..‬‬ ‫بن َوث ٍ‬ ‫السادس عشر‪ :‬م ِ‬
‫شاهدُ َي ْحيى ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ‬
‫‪77‬‬ ‫آن‪.........................‬‬ ‫شاهدُ داود الطائِي ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫السابع عشر‪ :‬م ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪79‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاهدُ اإلما ِم الشافع ِّي ‪َ ‬م َع ال ُق ْرآن‪......................‬‬ ‫الثامن عشر‪ :‬م ِ‬
‫َ‬
‫بن حنْب ٍل ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪79‬‬ ‫آن‪...............‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫التاسع عشر‪َ :‬مشاهدُ اإلما ِم َأ ْح َمدَ ِ َ َ‬
‫‪80‬‬ ‫آن‪................‬‬ ‫اعي ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ ٍ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫العشرون‪َ :‬مشاهدُ أحمدَ بن ن َْصر الخزَ ِّ‬
‫بن محم ٍد ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪83‬‬ ‫آن‪..............‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫الجنَ ْيد ِ ُ َ‬ ‫الحادي والعشرون‪َ :‬م ْش َهدُ ُ‬
‫ٍ‬
‫بن ِزياد ‪َ ‬‬
‫مع‬ ‫عبد اهللِ ِ‬ ‫بن ِ‬ ‫الثاين والعشرون‪َ :‬م ْش َهدُ َأ ْح َمدُ ب ُن ُم َحم ِد ِ‬

‫‪85‬‬ ‫ال ُق ْرآ ِن‪..................................................................‬‬


‫اله َم َذانِي ال َعط ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْق ِر ِئ ‪َ ‬‬
‫مع‬ ‫ار ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الثالث والعشرون‪َ :‬م ْش َهدُ أبي ال َعالء َ‬
‫‪84‬‬ ‫ال ُق ْرآ ِن‪..................................................................‬‬
‫الم َح ِ‬ ‫ِ‬
‫‪85‬‬ ‫اربِ ِّي ‪َ ‬‬
‫مع ال ُق ْرآن‪...‬‬ ‫ابن عطية األَنْدَ ُلس ِّي ُ‬ ‫مشهدُ ِ‬‫الرابع والعشرون‪َ :‬‬
‫ابن ُقدَ ام َة الم ْق ِد ِسي ‪ ‬مع ال ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪87‬‬ ‫آن‪.........‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫الخامس والعشرون‪ :‬مشاهدُ ِ َ َ‬
‫ِ‬ ‫مشاهدُ شيخِ اإلسال ِم ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪88‬‬ ‫القرآن‪......‬‬ ‫ابن َت ْيمي َة ‪َ ‬‬
‫مع‬ ‫السادس والعشرون‪:‬‬
‫‪90‬‬ ‫آن‪................‬‬ ‫ْت ِسيرين مع ال ُقر ِ‬ ‫مشاهدُ ح ْفص َة بِن ِ‬
‫ِ‬ ‫السابع والعشرون‪:‬‬
‫َ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫‪92‬‬ ‫َاب‪......................................................‬‬ ‫ات الكِت ِ‬
‫ُم ْحت ََو َي ُ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

You might also like