Professional Documents
Culture Documents
تعد القيم من بين أهم املواضيع التي اهتمت بها مختلف العلوم اإلنسانية ،وهذا راجع من جهة إلى اختالف
مواضيعها ،ثم إلى تعدد مقارباتها من جهة ثانية ،وهذا ال يعني البتة أن موضوع القيم موضوعا سهال
ومتناوال للغاية ، Iبل أن القيم تبقى من أهم التيمات الفكرية غموضا رغم تعدد دراساتها و تعدد مناهجها و
مقارباتها ،وذلك يعود من وجهة نظرنا – على األقل -إلى نقطتين اثنتين هما :أوال أن القيم ال ترتبط بأي
مجتمع بصفة نهائية ؛ ألن بعض القيم مشتركة بين الجميع و نطلق عليها اسم القيم اإلنسانية الكونية ،و
أخرى قيم جزئية ترتبط بمجتمع دون غيره و خصوصا بجانبها الديني ،إال أن هذا يبقى أمرا نسبيا ،ثانيا أن
القيمة Iمهما كانت يصعب حصرها و بالتالي يصعب ملسها ولو فكريا ألنها تعبر عن سلوك وجداني و نفسي
عميق جدا ُي عبر عنه من خالل سلوكياتنا اليومية املعيشية ،لذلك تبقى مشكلة القيم مطروحة أمامنا بشكل
يومي ،ومعالجتها تتطلب فكرا أعمق ونظرة أشمل .
وأهم ما يمكن أن تقوم به القيم ؛ هي أنها تصقل كل الجوانب املتعلقة باإلنسان مما يجعلها مقياسا لتصحيح
املسارات اليومية ؛ أي تصبح بمثابة Iمقياس لتحديد الصواب من الخطأ ،وذلك يجعلها بشكل مباشر قوانين
للمعامالت Iو أجهزة لضبط العالقات Iاالجتماعية ، Iسواء في الشارع أو داخل األسرة كأصغر مؤسسة من
مؤسسات املجتمع إلى أن تكبر الدائرة لتشمل التنظيم Iاالجتماعي بشكل عام ،وملا كانت كذلك ،فإنه ينبغي في
دراساتنا للقيم أن نكون ملمين بمختلف الجوانب التي يتحرك داخلها اإلنسان ،سواء كانت جوانب سياسيةI
أو اجتماعية أو اقتصادية بل حتى ثقافية و روحية و تربوية و أخالقية إلى غيرها من املجاالت التي ّ
تكون
الحياة اليومية لإلنسان .
وليس هناك أدل من أن تقوم به القيم من وظائف تلعب الدور املتميز Iفي حياة كل من الفرد و الجماعة ،فهي
تلعب نفس الدور تقريبا ؛ فإذا كانت تمد الفرد بآليات ملواجهة الواقع ،فإن مجموع األفراد التي أمدتهم بتلك
اآلليات ،يكونون في النهاية نسقا تنظيميا Iجمعيا نطلق عليه املجتمع ،و هذه الدورة تحكمها مجموع القيم
املكونة لهؤالء األفراد في النهاية ،لذلك فإننا سنركز في هذه املداخلة على الوظائف التي تؤديها القيم ،سواء في
حياة الفرد من جهة ،أو في حياة املجتمع من جهة ثانية ،ولتوضيح هذه الوظائف سنقسم هذه الورقة إلى
محورين صغيرين ،يتكلف األول بوظائف القيم في حياة الفرد ،و الثاني Iبوظائف القيم في حياة الجماعة ،
على أن نخرج بخالصة تشمل هذه الوظائف مجتمعة Iوتوضح ما للدور الذي تقوم به القيم في املجتمع بشكل
أشمل ،وللوصول إلى هذا املبتغى نطرح جملة من األسئلة تنويرا للبحث وتعزيزا للمعنى من قبيل :
• ما هي الوظائف التي تقوم بها القيم في حياة الفرد ؟
• ما هي الوظائف األساسية التي تقوم بها القيم في حياة املجتمع ؟
• وهل تشترك هذه الوظائف ما بين الفرد واملجتمع أم تختلف ؟
• وعلى أي أساس يمكن أن نقول بأن للقيم بصفة عامة وظائف تؤديها من أجل الفرد و الجماعة ؟
قبل أن نتحدث عن الوظائف املهمة التي تؤديها القيم في حياة الفرد ،البد من اإلشارة أن الذات الفردية
الحاملة لهذه القيم تخضع لقواعد مهمة ،من خاللها تتكون الشخصية طبقا للصيرورات املجتمعية Iاملتفق
عليها من طرف الجماعة ،إذ على الفرد أن يستبطن هذه القواعد قصد الوفاق و التعايش في الجماعة التي
ينتمي إليها ،لذلك ال يمكن أن نتصور بتاتا فردا بعينه ، Iأنه قادر على العيش ضمن جماعة ال يتقاسم معها
ابسط املقومات االجتماعية Iالتي تمنحه Iهوية املجتمع ،وهي التي نطلق عليها هنا القيم ،فكيف إذا سيحدد
هذا الفرد املعايير و القواعد االجتماعية Iالتي تعاش في جماعته ما لم يكن حامال لثقافتها ،قيمها ،قواعدها ،
معاييرها ،ضوابطها ...الخ ؟ .
هنا تظهر لنا أول وظيفة ،والتي نعتبرها من األهمية Iبمكان في بناء الشخصية الفردية داخل الكيان املجتمعي، I
وهي أن القيم بقواعدها تمنح الفرد سهولة االندماج في الجماعة التي ينتمي Iإليها ،مما يجعل معامالته و
تصرفاته خاضعة للقواعد الكلية للمجتمع و التي على أساسها يكتسب معايير للفرز و الفعل I.وهنا البد من
القول أن هذا االندماج بين القيمة و الشخصية يخضع بدوره لعمليات معقدة تفتح عددا من املجاالت التي
ترتبط بالقيم و عالقتها ببعض متغيرات الشخصية الفردية ؛ أهمها الجنس و الديانة و التخصص أو الدور و
املستوى العلمي Iأو الثقافي ،وكذلك بعالقتها بالقدرات املعرفية Iو ارتقاء القيم و تغيرها Iعبر العمر ،على
اعتبار أن العمر من املتغيرات Iاملهمة و املسئولة عن إحداث تغيرات في قيم األفراد .
وهنا البد من أن نتحدث على ما يسميه الباحثون بحيز القيم لدى الفرد و الذي يختلف من عمر ألخر ومن
مجتمع ألخر ،فهو نتاج ثقافي-اجتماعي ،ولهذا يميز الباحثون بين عملية اكتساب القيم و ارتقاء القيم أو
تغيرها ، Iفلو أن العملية Iتظهر على أنها بناء معرفي محض ،إال أنها تتيح لنا معرفة الوظائف الرئيسة التي
تكونها القيم في حياة الفرد الواحد و من تم في إطار الجماعة ؛ فاألولى -اكتساب القيم – تعني انضمام قيم
جديدة إلى نسق القيم األصلية أو التنازل عنها و اكتساب قيم جديدة ،أما الثانية؛ فيقصد بها تغير Iوضع
القيمة Iعلى هذا املتصل ( Iالتبني – Iالتخلي ) داخل النسق القيمي ،و االكتساب و االرتقاء يحدثان معا في وقت
واحد و من الصعب الفصل التام بينهما .
ويقسم " موريس " بهذا الصدد ثالث فئات أساسية تحددها القيم بالنسبة للفرد ،وهي محددات البد من أن
تلعب دورا مهما في عالقات الفرد منها :
-أن القيم تتأثر باملحددات البيئية Iو االجتماعية ،حيث يمكن تفسير أوجه التشابه واالختالف بين األفراد في
ضوء اختالفات املؤثرات البيئية و االجتماعية I؛ مما يعني أن من وظائف القيم بالنسبة للفرد أنها تحدد لنا
أوجه الشبه و االختالف من خالل البيئة و الحياة االجتماعية.
-املحددات السيكولوجية وتتضمن العديد من الجوانب كسمات الشخصية ودورها في تحديد التوجهات
القيمية Iلألفراد ،بمعنى أن القيم تلعب وظيفة بنيوية تتحكم إلى حد ما في بناء سمات الشخصية .
-املحددات البيولوجية و تشتمل على املالمح و الصفات الجسمية و التغيرات في هذه املالمح وما يصاحبها من
تغيرات Iفي القيم .
ولقد توصلت بهذا الصدد " فلورانس كلوكهون " أن لكل ثقافة من الثقافات نسقا من التوجهات القيمية
الخاصة بها ،وتحاول من خالل التنشئة االجتماعية أن تغرسه Iفي أفرادها ،وذكرت أن هناك خمسة أنواع من
التوجهات القيمية: I
-1التوجه الطبيعي أو الفطري للبشر؛
-2توجه الفرد على مدى الزمن؛
-3توجه نشاط الفرد؛
-4توجه الفرد في عالقاته بالطبيعة؛
-5توجه العالقات Iبين األفراد؛
لذلك يمكن القول بأن أهم وظيفة للقيم أنها تحدد لنا ضوابط التنشئة اإلجتماعية ،من خالل التوجهات
القيمية Iالتي تعيد إنتاجها في األفراد ،وإلى جانب هذه التنشئة ،البد للقيم أن تلعب دور املراقب ،ألنها تحدد
لنا معايير االختيار ،مما يجعلها في النهاية ضابط اجتماعي يخطط للعالقات Iو ينظم األدوار داخل نسق املجتمعI
،وتقيس هذه الضوابط و العالقات األفراد بالدرجة األولى ،ألنهم يتواجدون ضمن فاعلية جماعية و فردية
تخضع لجدلية التأثير Iو التأثر داخل دينامكية و حركية املجتمع ، Iو إلى جانب املراقبة و الضبط و تنظيم
العالقات Iفإنها تمكن الفرد من خلق جسور التفاهم و التسامح و التضامن مع بني جنسه داخل املجتمع ،
وتحضر هنا قيم التعاقد بالدرجة األولى.
تؤثر القيم من جهة أخرى بشكل كبير على سلوك األفراد و اتجاهاتهم وعالقاتهم ،وهي بذلك توفر إطارا مهما
لتوجيه سلوك األفراد و الجماعات ،فهي تقوم بدور املراقب الداخلي الذي يراقب أفعال الفرد و تصرفاته ،
لذلك ال يمكن إغفال دراسة القيم الشخصية عند تحليل السلوك اإلنساني ،وبالتالي فهم السلوك فيما يحيط
بطبيعته و دوافعه و اتجاهاتهI.
وإذا كان مفهوم الشخصية قد عرف منحنيات عدة في املقاربة و البناء ،مما يعني أن الشخصية في تكونها
ترجع إلى عوامل الوراثة و البيئة ،فإن القيم أضافت عامل أخر بدأ االهتمام Iبه يسود مجموعة من
الدراسات الحديثة اليوم وهو املوقف كعامل من عوامل تكون الشخصية ،وفي هذه النقطة يمكن القول بأن
القيم تلعب الوظيفة الكبرى في ذلك ،ألنها تتيح لإلنسان في مراحل تربيته من اكتساب مواقف معينة تظل
عنده معيارية بالدرجة األولى ،ألن وظيفة القيم من جانب أنها تغرس أنماط معينة من العملية التربوية ،
باإلضافة على تكون مواقف مهمة في قضايا الحياة تكون مصدر تعلمه Iالذاتي Iوبالتالي تكون البيئة و الوراثة و
املوقف عوامل تساعد الفرد على اكتساب قيم تساعده على التفاعل داخل مجاله املعيشي .
وللقيم تأثير مباشر على أداء الفرد في عمله ،فمتى ما التزم الفرد بقيم شخصية معينة ظهرت تلك القيم و
اتسق مضمونها مع األداء الجماعي و العكس صحيح.
وقد اتسعت صفات قراءة و تحليل القيم الفردية ،فعلم النفس االجتماعي يبحث في هذا الجانب ،في نتائج
التحوالت االجتماعية Iو أثرها و تداعياتها من زاوية القيم و األعراف على شخصية الفرد و أبعادها املختلفة ،
فيرى أن القيم الشخصية هي مجموع حاالت ادراكية واقعية توجه سلوك الفرد في مختلف املواقف ،أي أنها
ترتبط بثقافة املجتمع التي تقع ضمن إطاره و خالل تفاعله معه.
وفي نفس اإلطار يرى علماء النفس أن وظيفة القيم تظهر في سلوك اإلنسان الظاهري ،بل حتى في اإلدراك
الباطني وكل اتجاه للعمل أو السلوك يمكن مالحظته أو رصده ،وبالتالي فإن القيم هي مكون أساسي من
مكونات الشخصية .والقيم الشخصية الفردية هي في إطار تصنيفها تعتمد Iعلى الوسيلة أو الغاية كما قسمها "
روكيش 1973م " ،فاالختالف بين األفراد ليس اختالفا في محتوى القيم بل اختالف في هرمية التركيب.
ومفهوم القيم الشخصية هي منظومة القيم التي يتبناها افرد باختياره ويحرص على تمثيلها في سلوكياته سواء
تضمنت ما اتفق مع األنساق القيمية األخرى كقيم الجماعة التي ينتمي إليها أو ما اختلف ،فدور القيم
ووظيفتها هي تحديد مراجع السلوك .
كما تيهئ القيم للفرد خيارات معينة ،فتكون لديه امكانية االختيار و االستجابة Iملوقف معين ،كما تلعب دورا
هاما في بناء شخصيته ،ويمكن للقيم أيضا أن تعطي للفرد إمكانية القيام بما هو مطلوب منه كفرد داخل
املجتمع ، Iوال يمكن للفرد أن يتكيف في أدواره داخل األفراد اآلخرين بدون قيم ،فهذه األخيرة تتيح له
اإلحساس باألمان ألنها تقويها على مواجهة ضعف النفس ،كما تساعد القيم بالنسبة للفرد على تحسين
أفكاره و تصحيح معتقداته ،كما تساعده على فهم اآلخرين من حوله ،زد على ذلك أنها توسع من دائرة
عالقاته مع اآلخرين وتزيد من دقة معامالته معهم ،و القيم لها وظيفة إصالح الفرد اجتماعيا وأخالقيا و
نفسيا و فكريا و ثقافيا ،فهي بالنسبة للكائن الفرد وسيلة عالجية ووقائية ،و القيم بمختلف مجاالتها تجعل
الفرد يضبط نزواته و شهواته و مطامعه.
تعد الذات القاطع الرئيسي في خماسي تحليل القيم حيث ال يمكن أن تكون للمجتمع Iقيم بال ذات ،ولذلك تدل
الذاتية على التمسك بانطباعات املجتمع وقيمه التي تميزه عن غيره من املجتمعات Iاألخرى ،ولهذا ال يمكن أن
يكون اإلنسان ذاتيا ما لم تتجسد قيم املجتمع في أفعاله و سلوكياته ،ويدل هذا على أن الذاتية يمكن أن
تكون على مستوى الفرد ،ويمكن أن تكون حتى على مستوى الجماعة وحتى على املجتمع Iبأسره.
ومن الوظائف التي تلعبها القيم أنها تحقق املوضوعية الذاتية من خالل :
-تجرد القيم من رغبات األنا و أطماعه و مصالحه الشخصانية؛
-تأدية األفعال الواجبة؛
-تقيم األنا و الذات و األخر بمنظور قياسي؛
-تستبطن السلوك و األفعال الحضارية املتماثلة Iمع الثقافة املستوعبة لكل خصوصية؛
-االعتراف بوجوبية أخد الحقوق؛
-االعتراف بأحقية أداء الواجبات؛
-االعتراف بأهمية تحمل املسؤوليات؛
نتيجة للتنوع و التناقض Iبين الثقافة السائدة و الثقافات الفرعية و الثقافة املضادة ،ونتيجة لاللتقاء مع
الثقافات األخرى ،و للتحديات و املشاكل و التناقضات Iواالختراقات و االكتشافات الداخلية و الخارجية
تتغير Iالثقافة باستمرار ، Iفال يجوز النظر إليها على أنها في حالة ركود وتبات ،إنها في حالة صيرورة مستمرة
ديناميكية ،بفعل تحرك القيم داخل هذه الثقافة ،وكما للقيم وظائف معينة في حياة الفرد ،فإن لها وظائف
تندرج في إطار الجماعة أو املجتمع ،و هي الوظائف تتكامل فيما بينها ،ألن القيم التي تغرس في األفراد تصبح
في النهاية قيم جماعية Iتلعب تقريبا نفس األدوار ،بحيث تحافظ القيم على تماسك املجتمع و تساعده على
مواجهة التغيرات التي تحدث ،وتقوم بوظائف أكثر نبال منها أنها تربط بين أجزاء الثقافة في املجتمع ألنها
تعطي Iللمجتمع في النهاية نظاما اجتماعيا Iو أساسيا عقليا ،و القيم تحمي املجتمع من األنانية و الدونية ،كما
تحسن القيم سلوك الجماعة و تجعله Iمنطبقا وفق قواعد معينة تتيح له إمكانية تبادل الخبرات مع املجتمعات
األخرى.
و القيم يتوجه سلوك اإلنسان و تنظم عالقاته باآلخرين و الواقع و الزمن و نفسه داخل املجتمع ،وأهم
وظيفة تلعبها أنها تحدث عالقة بالواقع املعاش مما يجعل الكائن البشري ذا قدرة على العيش وسط الجماعة ،
وقد تحث القيم األفراد داخل املجتمع على السعي و الجهاد في سبيل السيطرة على الواقع او تغيره أو على
العكس ،كما أنها تمنح األفراد معنى التعاقد اإلجتماعي ال على مستوى السلوك وال على مستوى املمارسات ،
وبالتالي تجعل كل فرد ملتزم التزاما تعاقديا جزئيا أو كليا.
و التنظيم االجتماعي يجري طبقا لقواعد ومقاييس وهي في حقيقتها قيم خلقية لم ينتجها ،ولكنها تنظم نشاطه
في سبيل غايته ،وكلما حدث إخالل بالقانون الخلقي في مجتمع معين حدث تمزق في شبكة العالقات التي تتيح
له أن يصنع تاريخه ،لذلك كانت وظائف القيم داخل املجتمع من أهم لبنات تكونه واستمراره ككيان ثقافي ،
وبالتالي تكون القيم تؤدي وظيفة التنظيم القانوني و التعاقد الجماعي في مختلف املمارسات Iو العالقاتI.
ولكن الطاقة الحيوية قد تهدم املجتمع ما لم يسبق تكيفها ،أعني ما لم تكن خادعة لنظام دقيق تمليه فكرة
عليا تعيد تنظيم هذه الطاقة ،وتعيد توجيهها فتحولها من طاقة ذات وظائف بيولوجية خالصة في املقام األول
– حيث تشترك في حفظ النوع -إلى طاقات ذات وظائف اجتماعية يؤديها اإلنسان ،حيث يسهم في النشاط
املشترك ملجتمع ما والبد في هذه الناحية للقيم أن تحفظ هذه الطاقة في إطار ما نسميه بالتربية االجتماعية ،
وهذه الوظيفة تجعلنا أمام جانبين األول نفسي و الثاني اجتماعي لتكون في األخر – القيم – نقطة التقاء بين
ما هو روحي و ما هو اجتماعي.
وكما نذهب إلى أن بعض األنظمة األخالقية خير من أنظمة أخرى ،يجب علينا أن نعترف بأن بعض الضمائر
خير من غيرها ،إال إذا كنا قد بلغنا من الجهل حدا ال ندرك معه أن الضمائر تختلف ،ومن تم يجب أن يكون
هناك معيار غير الضمير يمكن على ضوئه أن نحدد أن هذا سلوكا مرغوبا فيه ،وال يمكن أن نستمد هذا
املعيار من قواعد السلوك " ال تقتل " أو " ال تسرق " ،ألنه كما رأينا ليس هناك اتفاق عام على مثل هذه
القواعد ، .وربما كان الضمير هنا معقل تطبيق القيم ،ألنها تبقى في الفعل قابلة أو غير قابلة للتطبيق ، Iلذلك
تمثل Iالقيم وظيفة التعقل Iو تربية الضمائر Iفي املجتمع Iالواحد.
فالقيم اإلنسانية من مسلمات الطبع اإلنساني السوي في كل عصر و ثقافة ،ومع هذا فهي تشكل كل حياة
اإلنسان في حالتي وعيه أو ال وعيه ؛ أي أنها من الخطورة في البناء الشخصي و االجتماعي و الحضاري ،بحيث
يغدو البحث فيها من أشد القضايا ضرورة و إلحاحا في أمة نابهة ،و القيمة هي نموذج ذهني نسبي من
املعتقدات و التصورات اإليجابية أو السلبية ،منسوبة حول شيء أو معنى أو نمط سلوكي يتحكم في نفوس
الناس و طرائق تفكيرهم و أحكامهم و اختياراتهم و مواقفهم و تصرفاتهم ،وذلك بصيغة Iمستمرة نسبيا ،
وتترتب عليه نظرة املجتمع اإليجابية أو السلبية إلى أفراده ،ومن ثم فإنه يسهل في تنظيم شبكة العالقاتI
الحيوية التي تحدد هوية اإلنسان و معنى وجوده وغاياته فيما بينه و بين نفسه ثم بينه وبين اآلخرين و
املؤسسات و الواقع العام ،مكانا و زمانا.
إذن هي مبدأ سلوكي تمليه Iالرقابة الذاتية Iو االجتماعية ،ال تمسه القوانين وال تحاسب عليه ،ومن هنا فإنه
يختلف عن املعيار القانوني ،وال خالف على ذلك ،وسواء أكانت القيم وقائع اجتماعية Iأو حاجات نفسية ،
وسواء قيل :أن الدين هو محرك القيم لو أضيف إلى الدين أو االقتصاد ،فلقد باتت القيم تدرس في العصر
الحديث على أنها مثالية مجردة ،بل على أنها حقائق اجتماعية تقوم على أصول سلوكية مشتركة في املجتمع
كما تجلى ذلك في فينومينولوجيا القيم عند ماكس شلر أو علم اجتماع املعرفة Iعند كارل منهايم على سبيل
املثال .
البد إذن من معرفة أساسية مفادها أن القيم سواء تعلقت بالفرد أو بالجماعة فهي لبنة مهمة إلدماج املجتمع
ً
والفرد في السيرورة الطبيعية Iلألفعال األخالقية والثقافية واالجتماعية والسياسية أيضا ،فأينما غابة القيم
زاد الفرد عدوانية وأصبح بذلك املجتمع مجتمعا دون معنى ،مجتمع منحل على تصادم عوض أن يكون منفتح
على التكامل ،ما يخلق في ذات الوقت أزمة في العالقات Iوالروابط االجتماعية ،وكلما كان ذلك واردا تصدرت
أزمة القيم موقع الصدارة.
مراجع ومصادر:
-1عبد هللا بن أحمد سالم الزهراتي " ،نموذج مفتوح للتوافق بين القيم الشخصية و القيم التنظيميةI
بمؤسسات التعليم العالي السعودية :دراسة تحليلية ، " Iجامعة أم القرى -مكة املكرمة ،طبعة 1430هـ .
-2عبد اللطيف Iمحمد خليفة " ارتقاء القيم ".
-3الطويل هاني " ،التقييم و املساءلة كمدخل إلدارة النظم التربوية " ،ضمن مؤتمر الهيئة اللبنانية Iللعلوم
التربوية – Iلبنان ،سنة 2001م .
- 4بطاح أحمد " قضايا معاصرة في اإلدارة التربوية " ،دار الشرق للنشر و التوزيع ،عمان – األردن ،الطبعةI
األولى 2005م .
- 5بالنكارد كينيتك ونور " ،األخالق الحديثة لإلدارة :اإلدارة بالقيم " ،ترجمة عدنان سليمان ،دار الرضا
للنشر ،دمشق – سوريا ،طبعة .1999
-6مجموعة من املؤلفين " القيم وطرق تعلمها Iو تعليمها " .
-7عقيل الحسين العقيل " ،خماسي تحليل القيم :قراءة جديدة في تحليل العالئق Iاإلجتماعية Iواإلنسانية " ،
دار الكتاب الجديد املتحدة ،بيروث – لبنان ،الطبعة األولى كانون الثاني I/يناير .2004
-8حليم بركات " املجتمع Iالعربي املعاصر :بحث استطالعي Iاجتماعي " ،مركز دراسات الوحدة العربية ،
بيروت – لبنان ، Iالطبعة األولى نيسان /أبريل .1984
-9مالك بن نبي " ميالد املجتمع : Iشبكة العالقات Iاالجتماعية ، " Iترجمة عبد الصبور شاهين ،دار الفكر ،
دمشق – سوريا ،الطبعة الثالثة1046 Iهـ 1986 /م.
-10برترند راسل " املجتمع البشري في األخالق و السياسة " ،ترجمة عبد الكريم أحمد ،مراجعة محمود
حسن ،مكتبة اإلنجلو املصرية للطبع و النشر ،القاهرة – مصر ،طبعة .1997
-11عبد هللا الفيفي " نقد القيم :مقاربات تخطيطية Iملنهاج علمي جديد " ،اإلنشاء العربي ،بيروت – لبنان، I
الطبعة Iاألولى .2006