You are on page 1of 6

‫في سوسيولوجيا القيم‪:‬قراءة تحليلية لقيم الفرد و الجماعة‬

‫تعد القيم من بين أهم املواضيع التي اهتمت بها مختلف العلوم اإلنسانية ‪ ،‬وهذا راجع من جهة إلى اختالف‬
‫مواضيعها ‪ ،‬ثم إلى تعدد مقارباتها من جهة ثانية ‪ ،‬وهذا ال يعني البتة أن موضوع القيم موضوعا سهال‬
‫ومتناوال للغاية‪ ، I‬بل أن القيم تبقى من أهم التيمات الفكرية غموضا رغم تعدد دراساتها و تعدد مناهجها و‬
‫مقارباتها ‪ ،‬وذلك يعود من وجهة نظرنا – على األقل ‪ -‬إلى نقطتين اثنتين هما ‪ :‬أوال أن القيم ال ترتبط بأي‬
‫مجتمع بصفة نهائية ؛ ألن بعض القيم مشتركة بين الجميع و نطلق عليها اسم القيم اإلنسانية الكونية ‪ ،‬و‬
‫أخرى قيم جزئية ترتبط بمجتمع دون غيره و خصوصا بجانبها الديني ‪ ،‬إال أن هذا يبقى أمرا نسبيا ‪ ،‬ثانيا أن‬
‫القيمة‪ I‬مهما كانت يصعب حصرها و بالتالي يصعب ملسها ولو فكريا ألنها تعبر عن سلوك وجداني و نفسي‬
‫عميق جدا ُي عبر عنه من خالل سلوكياتنا اليومية املعيشية ‪ ،‬لذلك تبقى مشكلة القيم مطروحة أمامنا بشكل‬
‫يومي ‪ ،‬ومعالجتها تتطلب فكرا أعمق ونظرة أشمل ‪.‬‬
‫وأهم ما يمكن أن تقوم به القيم ؛ هي أنها تصقل كل الجوانب املتعلقة باإلنسان مما يجعلها مقياسا لتصحيح‬
‫املسارات اليومية ؛ أي تصبح بمثابة‪ I‬مقياس لتحديد الصواب من الخطأ ‪ ،‬وذلك يجعلها بشكل مباشر قوانين‬
‫للمعامالت‪ I‬و أجهزة لضبط العالقات‪ I‬االجتماعية‪ ، I‬سواء في الشارع أو داخل األسرة كأصغر مؤسسة من‬
‫مؤسسات املجتمع إلى أن تكبر الدائرة لتشمل التنظيم‪ I‬االجتماعي بشكل عام ‪ ،‬وملا كانت كذلك ‪ ،‬فإنه ينبغي في‬
‫دراساتنا للقيم أن نكون ملمين بمختلف الجوانب التي يتحرك داخلها اإلنسان ‪ ،‬سواء كانت جوانب سياسية‪I‬‬
‫أو اجتماعية أو اقتصادية بل حتى ثقافية و روحية و تربوية و أخالقية إلى غيرها من املجاالت التي ّ‬
‫تكون‬
‫الحياة اليومية لإلنسان ‪.‬‬
‫وليس هناك أدل من أن تقوم به القيم من وظائف تلعب الدور املتميز‪ I‬في حياة كل من الفرد و الجماعة‪ ،‬فهي‬
‫تلعب نفس الدور تقريبا ؛ فإذا كانت تمد الفرد بآليات ملواجهة الواقع ‪ ،‬فإن مجموع األفراد التي أمدتهم بتلك‬
‫اآلليات ‪ ،‬يكونون في النهاية نسقا تنظيميا‪ I‬جمعيا نطلق عليه املجتمع ‪ ،‬و هذه الدورة تحكمها مجموع القيم‬
‫املكونة لهؤالء األفراد في النهاية ‪ ،‬لذلك فإننا سنركز في هذه املداخلة على الوظائف التي تؤديها القيم ‪ ،‬سواء في‬
‫حياة الفرد من جهة ‪ ،‬أو في حياة املجتمع من جهة ثانية ‪ ،‬ولتوضيح هذه الوظائف سنقسم هذه الورقة إلى‬
‫محورين صغيرين ‪ ،‬يتكلف األول بوظائف القيم في حياة الفرد ‪ ،‬و الثاني‪ I‬بوظائف القيم في حياة الجماعة ‪،‬‬
‫على أن نخرج بخالصة تشمل هذه الوظائف مجتمعة‪ I‬وتوضح ما للدور الذي تقوم به القيم في املجتمع بشكل‬
‫أشمل ‪ ،‬وللوصول إلى هذا املبتغى نطرح جملة من األسئلة تنويرا للبحث وتعزيزا للمعنى من قبيل ‪:‬‬
‫• ما هي الوظائف التي تقوم بها القيم في حياة الفرد ؟‬
‫• ما هي الوظائف األساسية التي تقوم بها القيم في حياة املجتمع ؟‬
‫• وهل تشترك هذه الوظائف ما بين الفرد واملجتمع أم تختلف ؟‬
‫• وعلى أي أساس يمكن أن نقول بأن للقيم بصفة عامة وظائف تؤديها من أجل الفرد و الجماعة ؟‬

‫‪ -1‬القيم في حياة الفرد‬

‫قبل أن نتحدث عن الوظائف املهمة التي تؤديها القيم في حياة الفرد ‪ ،‬البد من اإلشارة أن الذات الفردية‬
‫الحاملة لهذه القيم تخضع لقواعد مهمة ‪ ،‬من خاللها تتكون الشخصية طبقا للصيرورات املجتمعية‪ I‬املتفق‬
‫عليها من طرف الجماعة ‪ ،‬إذ على الفرد أن يستبطن هذه القواعد قصد الوفاق و التعايش في الجماعة التي‬
‫ينتمي إليها ‪ ،‬لذلك ال يمكن أن نتصور بتاتا فردا بعينه‪ ، I‬أنه قادر على العيش ضمن جماعة ال يتقاسم معها‬
‫ابسط املقومات االجتماعية‪ I‬التي تمنحه‪ I‬هوية املجتمع ‪ ،‬وهي التي نطلق عليها هنا القيم ‪ ،‬فكيف إذا سيحدد‬
‫هذا الفرد املعايير و القواعد االجتماعية‪ I‬التي تعاش في جماعته ما لم يكن حامال لثقافتها ‪ ،‬قيمها ‪ ،‬قواعدها ‪،‬‬
‫معاييرها ‪ ،‬ضوابطها ‪ ...‬الخ ؟ ‪.‬‬
‫هنا تظهر لنا أول وظيفة ‪ ،‬والتي نعتبرها من األهمية‪ I‬بمكان في بناء الشخصية الفردية داخل الكيان املجتمعي‪، I‬‬
‫وهي أن القيم بقواعدها تمنح الفرد سهولة االندماج في الجماعة التي ينتمي‪ I‬إليها ‪ ،‬مما يجعل معامالته و‬
‫تصرفاته خاضعة للقواعد الكلية للمجتمع و التي على أساسها يكتسب معايير للفرز و الفعل‪ I.‬وهنا البد من‬
‫القول أن هذا االندماج بين القيمة و الشخصية يخضع بدوره لعمليات معقدة تفتح عددا من املجاالت التي‬
‫ترتبط بالقيم و عالقتها ببعض متغيرات الشخصية الفردية ؛ أهمها الجنس و الديانة و التخصص أو الدور و‬
‫املستوى العلمي‪ I‬أو الثقافي ‪ ،‬وكذلك بعالقتها بالقدرات املعرفية‪ I‬و ارتقاء القيم و تغيرها‪ I‬عبر العمر ‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن العمر من املتغيرات‪ I‬املهمة و املسئولة عن إحداث تغيرات في قيم األفراد ‪.‬‬
‫وهنا البد من أن نتحدث على ما يسميه الباحثون بحيز القيم لدى الفرد و الذي يختلف من عمر ألخر ومن‬
‫مجتمع ألخر ‪ ،‬فهو نتاج ثقافي‪-‬اجتماعي ‪ ،‬ولهذا يميز الباحثون بين عملية اكتساب القيم و ارتقاء القيم أو‬
‫تغيرها‪ ، I‬فلو أن العملية‪ I‬تظهر على أنها بناء معرفي محض ‪ ،‬إال أنها تتيح لنا معرفة الوظائف الرئيسة التي‬
‫تكونها القيم في حياة الفرد الواحد و من تم في إطار الجماعة ؛ فاألولى ‪ -‬اكتساب القيم – تعني انضمام قيم‬
‫جديدة إلى نسق القيم األصلية أو التنازل عنها و اكتساب قيم جديدة ‪ ،‬أما الثانية؛ فيقصد بها تغير‪ I‬وضع‬
‫القيمة‪ I‬على هذا املتصل‪ ( I‬التبني‪ – I‬التخلي ) داخل النسق القيمي ‪ ،‬و االكتساب و االرتقاء يحدثان معا في وقت‬
‫واحد و من الصعب الفصل التام بينهما ‪.‬‬
‫ويقسم " موريس " بهذا الصدد ثالث فئات أساسية تحددها القيم بالنسبة للفرد ‪ ،‬وهي محددات البد من أن‬
‫تلعب دورا مهما في عالقات الفرد منها ‪:‬‬
‫‪ -‬أن القيم تتأثر باملحددات البيئية‪ I‬و االجتماعية ‪ ،‬حيث يمكن تفسير أوجه التشابه واالختالف بين األفراد في‬
‫ضوء اختالفات املؤثرات البيئية و االجتماعية‪ I‬؛ مما يعني أن من وظائف القيم بالنسبة للفرد أنها تحدد لنا‬
‫أوجه الشبه و االختالف من خالل البيئة و الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬املحددات السيكولوجية وتتضمن العديد من الجوانب كسمات الشخصية ودورها في تحديد التوجهات‬
‫القيمية‪ I‬لألفراد ‪ ،‬بمعنى أن القيم تلعب وظيفة بنيوية تتحكم إلى حد ما في بناء سمات الشخصية ‪.‬‬
‫‪ -‬املحددات البيولوجية و تشتمل على املالمح و الصفات الجسمية و التغيرات في هذه املالمح وما يصاحبها من‬
‫تغيرات‪ I‬في القيم ‪.‬‬
‫ولقد توصلت بهذا الصدد " فلورانس كلوكهون " أن لكل ثقافة من الثقافات نسقا من التوجهات القيمية‬
‫الخاصة بها ‪ ،‬وتحاول من خالل التنشئة االجتماعية أن تغرسه‪ I‬في أفرادها ‪ ،‬وذكرت أن هناك خمسة أنواع من‬
‫التوجهات القيمية‪: I‬‬
‫‪ -1‬التوجه الطبيعي أو الفطري للبشر؛‬
‫‪ -2‬توجه الفرد على مدى الزمن؛‬
‫‪ -3‬توجه نشاط الفرد؛‬
‫‪ -4‬توجه الفرد في عالقاته بالطبيعة؛‬
‫‪ -5‬توجه العالقات‪ I‬بين األفراد؛‬
‫لذلك يمكن القول بأن أهم وظيفة للقيم أنها تحدد لنا ضوابط التنشئة اإلجتماعية ‪ ،‬من خالل التوجهات‬
‫القيمية‪ I‬التي تعيد إنتاجها في األفراد ‪ ،‬وإلى جانب هذه التنشئة ‪ ،‬البد للقيم أن تلعب دور املراقب ‪ ،‬ألنها تحدد‬
‫لنا معايير االختيار ‪ ،‬مما يجعلها في النهاية ضابط اجتماعي يخطط للعالقات‪ I‬و ينظم األدوار داخل نسق املجتمع‪I‬‬
‫‪ ،‬وتقيس هذه الضوابط و العالقات األفراد بالدرجة األولى ‪ ،‬ألنهم يتواجدون ضمن فاعلية جماعية و فردية‬
‫تخضع لجدلية التأثير‪ I‬و التأثر داخل دينامكية و حركية املجتمع‪ ، I‬و إلى جانب املراقبة و الضبط و تنظيم‬
‫العالقات‪ I‬فإنها تمكن الفرد من خلق جسور التفاهم و التسامح و التضامن مع بني جنسه داخل املجتمع ‪،‬‬
‫وتحضر هنا قيم التعاقد بالدرجة األولى‪.‬‬
‫تؤثر القيم من جهة أخرى بشكل كبير على سلوك األفراد و اتجاهاتهم وعالقاتهم ‪ ،‬وهي بذلك توفر إطارا مهما‬
‫لتوجيه سلوك األفراد و الجماعات ‪ ،‬فهي تقوم بدور املراقب الداخلي الذي يراقب أفعال الفرد و تصرفاته ‪،‬‬
‫لذلك ال يمكن إغفال دراسة القيم الشخصية عند تحليل السلوك اإلنساني ‪ ،‬وبالتالي فهم السلوك فيما يحيط‬
‫بطبيعته و دوافعه و اتجاهاته‪I.‬‬
‫وإذا كان مفهوم الشخصية قد عرف منحنيات عدة في املقاربة و البناء ‪ ،‬مما يعني أن الشخصية في تكونها‬
‫ترجع إلى عوامل الوراثة و البيئة ‪ ،‬فإن القيم أضافت عامل أخر بدأ االهتمام‪ I‬به يسود مجموعة من‬
‫الدراسات الحديثة اليوم وهو املوقف كعامل من عوامل تكون الشخصية ‪ ،‬وفي هذه النقطة يمكن القول بأن‬
‫القيم تلعب الوظيفة الكبرى في ذلك ‪ ،‬ألنها تتيح لإلنسان في مراحل تربيته من اكتساب مواقف معينة تظل‬
‫عنده معيارية بالدرجة األولى ‪ ،‬ألن وظيفة القيم من جانب أنها تغرس أنماط معينة من العملية التربوية ‪،‬‬
‫باإلضافة على تكون مواقف مهمة في قضايا الحياة تكون مصدر تعلمه‪ I‬الذاتي‪ I‬وبالتالي تكون البيئة و الوراثة و‬
‫املوقف عوامل تساعد الفرد على اكتساب قيم تساعده على التفاعل داخل مجاله املعيشي ‪.‬‬
‫وللقيم تأثير مباشر على أداء الفرد في عمله ‪ ،‬فمتى ما التزم الفرد بقيم شخصية معينة ظهرت تلك القيم و‬
‫اتسق مضمونها مع األداء الجماعي و العكس صحيح‪.‬‬
‫وقد اتسعت صفات قراءة و تحليل القيم الفردية ‪ ،‬فعلم النفس االجتماعي يبحث في هذا الجانب ‪ ،‬في نتائج‬
‫التحوالت االجتماعية‪ I‬و أثرها و تداعياتها من زاوية القيم و األعراف على شخصية الفرد و أبعادها املختلفة ‪،‬‬
‫فيرى أن القيم الشخصية هي مجموع حاالت ادراكية واقعية توجه سلوك الفرد في مختلف املواقف ‪ ،‬أي أنها‬
‫ترتبط بثقافة املجتمع التي تقع ضمن إطاره و خالل تفاعله معه‪.‬‬
‫وفي نفس اإلطار يرى علماء النفس أن وظيفة القيم تظهر في سلوك اإلنسان الظاهري ‪ ،‬بل حتى في اإلدراك‬
‫الباطني وكل اتجاه للعمل أو السلوك يمكن مالحظته أو رصده ‪ ،‬وبالتالي فإن القيم هي مكون أساسي من‬
‫مكونات الشخصية‪ .‬والقيم الشخصية الفردية هي في إطار تصنيفها تعتمد‪ I‬على الوسيلة أو الغاية كما قسمها "‬
‫روكيش ‪ 1973‬م " ‪ ،‬فاالختالف بين األفراد ليس اختالفا في محتوى القيم بل اختالف في هرمية التركيب‪.‬‬
‫ومفهوم القيم الشخصية هي منظومة القيم التي يتبناها افرد باختياره ويحرص على تمثيلها في سلوكياته سواء‬
‫تضمنت ما اتفق مع األنساق القيمية األخرى كقيم الجماعة التي ينتمي إليها أو ما اختلف ‪ ،‬فدور القيم‬
‫ووظيفتها هي تحديد مراجع السلوك ‪.‬‬
‫كما تيهئ القيم للفرد خيارات معينة ‪ ،‬فتكون لديه امكانية االختيار و االستجابة‪ I‬ملوقف معين ‪ ،‬كما تلعب دورا‬
‫هاما في بناء شخصيته ‪ ،‬ويمكن للقيم أيضا أن تعطي للفرد إمكانية القيام بما هو مطلوب منه كفرد داخل‬
‫املجتمع‪ ، I‬وال يمكن للفرد أن يتكيف في أدواره داخل األفراد اآلخرين بدون قيم ‪ ،‬فهذه األخيرة تتيح له‬
‫اإلحساس باألمان ألنها تقويها على مواجهة ضعف النفس ‪ ،‬كما تساعد القيم بالنسبة للفرد على تحسين‬
‫أفكاره و تصحيح معتقداته ‪ ،‬كما تساعده على فهم اآلخرين من حوله ‪ ،‬زد على ذلك أنها توسع من دائرة‬
‫عالقاته مع اآلخرين وتزيد من دقة معامالته معهم ‪ ،‬و القيم لها وظيفة إصالح الفرد اجتماعيا وأخالقيا و‬
‫نفسيا و فكريا و ثقافيا ‪ ،‬فهي بالنسبة للكائن الفرد وسيلة عالجية ووقائية ‪ ،‬و القيم بمختلف مجاالتها تجعل‬
‫الفرد يضبط نزواته و شهواته و مطامعه‪.‬‬
‫تعد الذات القاطع الرئيسي في خماسي تحليل القيم حيث ال يمكن أن تكون للمجتمع‪ I‬قيم بال ذات ‪ ،‬ولذلك تدل‬
‫الذاتية على التمسك بانطباعات املجتمع وقيمه التي تميزه عن غيره من املجتمعات‪ I‬األخرى ‪ ،‬ولهذا ال يمكن أن‬
‫يكون اإلنسان ذاتيا ما لم تتجسد قيم املجتمع في أفعاله و سلوكياته ‪ ،‬ويدل هذا على أن الذاتية يمكن أن‬
‫تكون على مستوى الفرد ‪ ،‬ويمكن أن تكون حتى على مستوى الجماعة وحتى على املجتمع‪ I‬بأسره‪.‬‬
‫ومن الوظائف التي تلعبها القيم أنها تحقق املوضوعية الذاتية من خالل ‪:‬‬
‫‪ -‬تجرد القيم من رغبات األنا و أطماعه و مصالحه الشخصانية؛‬
‫‪ -‬تأدية األفعال الواجبة؛‬
‫‪ -‬تقيم األنا و الذات و األخر بمنظور قياسي؛‬
‫‪ -‬تستبطن السلوك و األفعال الحضارية املتماثلة‪ I‬مع الثقافة املستوعبة لكل خصوصية؛‬
‫‪ -‬االعتراف بوجوبية أخد الحقوق؛‬
‫‪ -‬االعتراف بأحقية أداء الواجبات؛‬
‫‪ -‬االعتراف بأهمية تحمل املسؤوليات؛‬

‫‪ -2‬القيم في حياة املجتمع‬

‫نتيجة للتنوع و التناقض‪ I‬بين الثقافة السائدة و الثقافات الفرعية و الثقافة املضادة ‪ ،‬ونتيجة لاللتقاء مع‬
‫الثقافات األخرى ‪ ،‬و للتحديات و املشاكل و التناقضات‪ I‬واالختراقات و االكتشافات الداخلية و الخارجية‬
‫تتغير‪ I‬الثقافة باستمرار‪ ، I‬فال يجوز النظر إليها على أنها في حالة ركود وتبات ‪ ،‬إنها في حالة صيرورة مستمرة‬
‫ديناميكية ‪ ،‬بفعل تحرك القيم داخل هذه الثقافة ‪ ،‬وكما للقيم وظائف معينة في حياة الفرد ‪ ،‬فإن لها وظائف‬
‫تندرج في إطار الجماعة أو املجتمع ‪ ،‬و هي الوظائف تتكامل فيما بينها ‪ ،‬ألن القيم التي تغرس في األفراد تصبح‬
‫في النهاية قيم جماعية‪ I‬تلعب تقريبا نفس األدوار ‪ ،‬بحيث تحافظ القيم على تماسك املجتمع و تساعده على‬
‫مواجهة التغيرات التي تحدث ‪ ،‬وتقوم بوظائف أكثر نبال منها أنها تربط بين أجزاء الثقافة في املجتمع ألنها‬
‫تعطي‪ I‬للمجتمع في النهاية نظاما اجتماعيا‪ I‬و أساسيا عقليا ‪ ،‬و القيم تحمي املجتمع من األنانية و الدونية ‪ ،‬كما‬
‫تحسن القيم سلوك الجماعة و تجعله‪ I‬منطبقا وفق قواعد معينة تتيح له إمكانية تبادل الخبرات مع املجتمعات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫و القيم يتوجه سلوك اإلنسان و تنظم عالقاته باآلخرين و الواقع و الزمن و نفسه داخل املجتمع ‪ ،‬وأهم‬
‫وظيفة تلعبها أنها تحدث عالقة بالواقع املعاش مما يجعل الكائن البشري ذا قدرة على العيش وسط الجماعة ‪،‬‬
‫وقد تحث القيم األفراد داخل املجتمع على السعي و الجهاد في سبيل السيطرة على الواقع او تغيره أو على‬
‫العكس ‪ ،‬كما أنها تمنح األفراد معنى التعاقد اإلجتماعي ال على مستوى السلوك وال على مستوى املمارسات ‪،‬‬
‫وبالتالي تجعل كل فرد ملتزم التزاما تعاقديا جزئيا أو كليا‪.‬‬
‫و التنظيم االجتماعي يجري طبقا لقواعد ومقاييس وهي في حقيقتها قيم خلقية لم ينتجها ‪ ،‬ولكنها تنظم نشاطه‬
‫في سبيل غايته ‪ ،‬وكلما حدث إخالل بالقانون الخلقي في مجتمع معين حدث تمزق في شبكة العالقات التي تتيح‬
‫له أن يصنع تاريخه ‪ ،‬لذلك كانت وظائف القيم داخل املجتمع من أهم لبنات تكونه واستمراره ككيان ثقافي ‪،‬‬
‫وبالتالي تكون القيم تؤدي وظيفة التنظيم القانوني و التعاقد الجماعي في مختلف املمارسات‪ I‬و العالقات‪I.‬‬
‫ولكن الطاقة الحيوية قد تهدم املجتمع ما لم يسبق تكيفها ‪ ،‬أعني ما لم تكن خادعة لنظام دقيق تمليه فكرة‬
‫عليا تعيد تنظيم هذه الطاقة ‪ ،‬وتعيد توجيهها فتحولها من طاقة ذات وظائف بيولوجية خالصة في املقام األول‬
‫– حيث تشترك في حفظ النوع ‪ -‬إلى طاقات ذات وظائف اجتماعية يؤديها اإلنسان ‪ ،‬حيث يسهم في النشاط‬
‫املشترك ملجتمع ما والبد في هذه الناحية للقيم أن تحفظ هذه الطاقة في إطار ما نسميه بالتربية االجتماعية ‪،‬‬
‫وهذه الوظيفة تجعلنا أمام جانبين األول نفسي و الثاني اجتماعي لتكون في األخر – القيم – نقطة التقاء بين‬
‫ما هو روحي و ما هو اجتماعي‪.‬‬
‫وكما نذهب إلى أن بعض األنظمة األخالقية خير من أنظمة أخرى ‪ ،‬يجب علينا أن نعترف بأن بعض الضمائر‬
‫خير من غيرها ‪ ،‬إال إذا كنا قد بلغنا من الجهل حدا ال ندرك معه أن الضمائر تختلف ‪ ،‬ومن تم يجب أن يكون‬
‫هناك معيار غير الضمير يمكن على ضوئه أن نحدد أن هذا سلوكا مرغوبا فيه ‪ ،‬وال يمكن أن نستمد هذا‬
‫املعيار من قواعد السلوك " ال تقتل " أو " ال تسرق " ‪ ،‬ألنه كما رأينا ليس هناك اتفاق عام على مثل هذه‬
‫القواعد‪ ، .‬وربما كان الضمير هنا معقل تطبيق القيم ‪ ،‬ألنها تبقى في الفعل قابلة أو غير قابلة للتطبيق‪ ، I‬لذلك‬
‫تمثل‪ I‬القيم وظيفة التعقل‪ I‬و تربية الضمائر‪ I‬في املجتمع‪ I‬الواحد‪.‬‬
‫فالقيم اإلنسانية من مسلمات الطبع اإلنساني السوي في كل عصر و ثقافة ‪ ،‬ومع هذا فهي تشكل كل حياة‬
‫اإلنسان في حالتي وعيه أو ال وعيه ؛ أي أنها من الخطورة في البناء الشخصي و االجتماعي و الحضاري ‪ ،‬بحيث‬
‫يغدو البحث فيها من أشد القضايا ضرورة و إلحاحا في أمة نابهة ‪ ،‬و القيمة هي نموذج ذهني نسبي من‬
‫املعتقدات و التصورات اإليجابية أو السلبية ‪ ،‬منسوبة حول شيء أو معنى أو نمط سلوكي يتحكم في نفوس‬
‫الناس و طرائق تفكيرهم و أحكامهم و اختياراتهم و مواقفهم و تصرفاتهم ‪ ،‬وذلك بصيغة‪ I‬مستمرة نسبيا ‪،‬‬
‫وتترتب عليه نظرة املجتمع اإليجابية أو السلبية إلى أفراده ‪ ،‬ومن ثم فإنه يسهل في تنظيم شبكة العالقات‪I‬‬
‫الحيوية التي تحدد هوية اإلنسان و معنى وجوده وغاياته فيما بينه و بين نفسه ثم بينه وبين اآلخرين و‬
‫املؤسسات و الواقع العام ‪ ،‬مكانا و زمانا‪.‬‬
‫إذن هي مبدأ سلوكي تمليه‪ I‬الرقابة الذاتية‪ I‬و االجتماعية ‪ ،‬ال تمسه القوانين وال تحاسب عليه ‪ ،‬ومن هنا فإنه‬
‫يختلف عن املعيار القانوني ‪ ،‬وال خالف على ذلك ‪ ،‬وسواء أكانت القيم وقائع اجتماعية‪ I‬أو حاجات نفسية ‪،‬‬
‫وسواء قيل ‪ :‬أن الدين هو محرك القيم لو أضيف إلى الدين أو االقتصاد ‪ ،‬فلقد باتت القيم تدرس في العصر‬
‫الحديث على أنها مثالية مجردة ‪ ،‬بل على أنها حقائق اجتماعية تقوم على أصول سلوكية مشتركة في املجتمع‬
‫كما تجلى ذلك في فينومينولوجيا القيم عند ماكس شلر أو علم اجتماع املعرفة‪ I‬عند كارل منهايم على سبيل‬
‫املثال ‪.‬‬

‫البد إذن من معرفة أساسية مفادها أن القيم سواء تعلقت بالفرد أو بالجماعة فهي لبنة مهمة إلدماج املجتمع‬
‫ً‬
‫والفرد في السيرورة الطبيعية‪ I‬لألفعال األخالقية والثقافية واالجتماعية والسياسية أيضا‪ ،‬فأينما غابة القيم‬
‫زاد الفرد عدوانية وأصبح بذلك املجتمع مجتمعا دون معنى‪ ،‬مجتمع منحل على تصادم عوض أن يكون منفتح‬
‫على التكامل‪ ،‬ما يخلق في ذات الوقت أزمة في العالقات‪ I‬والروابط االجتماعية‪ ،‬وكلما كان ذلك واردا تصدرت‬
‫أزمة القيم موقع الصدارة‪.‬‬

‫مراجع ومصادر‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد هللا بن أحمد سالم الزهراتي ‪ " ،‬نموذج مفتوح للتوافق بين القيم الشخصية و القيم التنظيمية‪I‬‬
‫بمؤسسات التعليم العالي السعودية ‪ :‬دراسة تحليلية‪ ، " I‬جامعة أم القرى ‪ -‬مكة املكرمة ‪ ،‬طبعة ‪ 1430‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -2‬عبد اللطيف‪ I‬محمد خليفة " ارتقاء القيم "‪.‬‬
‫‪ -3‬الطويل هاني ‪ " ،‬التقييم و املساءلة كمدخل إلدارة النظم التربوية " ‪ ،‬ضمن مؤتمر الهيئة اللبنانية‪ I‬للعلوم‬
‫التربوية‪ – I‬لبنان ‪ ،‬سنة ‪ 2001‬م ‪.‬‬
‫‪ - 4‬بطاح أحمد " قضايا معاصرة في اإلدارة التربوية " ‪ ،‬دار الشرق للنشر و التوزيع ‪ ،‬عمان – األردن ‪ ،‬الطبعة‪I‬‬
‫األولى ‪ 2005‬م ‪.‬‬
‫‪ - 5‬بالنكارد كينيتك ونور ‪ " ،‬األخالق الحديثة لإلدارة ‪ :‬اإلدارة بالقيم " ‪ ،‬ترجمة عدنان سليمان ‪ ،‬دار الرضا‬
‫للنشر ‪ ،‬دمشق – سوريا ‪ ،‬طبعة ‪.1999‬‬
‫‪ -6‬مجموعة من املؤلفين " القيم وطرق تعلمها‪ I‬و تعليمها " ‪.‬‬
‫‪ -7‬عقيل الحسين العقيل ‪ " ،‬خماسي تحليل القيم ‪ :‬قراءة جديدة في تحليل العالئق‪ I‬اإلجتماعية‪ I‬واإلنسانية " ‪،‬‬
‫دار الكتاب الجديد املتحدة ‪ ،‬بيروث – لبنان ‪ ،‬الطبعة األولى كانون الثاني‪ I/‬يناير ‪.2004‬‬
‫‪ -8‬حليم بركات " املجتمع‪ I‬العربي املعاصر ‪ :‬بحث استطالعي‪ I‬اجتماعي " ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬‬
‫بيروت – لبنان‪ ، I‬الطبعة األولى نيسان ‪ /‬أبريل ‪.1984‬‬
‫‪ -9‬مالك بن نبي " ميالد املجتمع‪ : I‬شبكة العالقات‪ I‬االجتماعية‪ ، " I‬ترجمة عبد الصبور شاهين ‪ ،‬دار الفكر ‪،‬‬
‫دمشق – سوريا ‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1046 I‬هـ ‪ 1986 /‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬برترند راسل " املجتمع البشري في األخالق و السياسة " ‪ ،‬ترجمة عبد الكريم أحمد ‪ ،‬مراجعة محمود‬
‫حسن ‪ ،‬مكتبة اإلنجلو املصرية للطبع و النشر ‪ ،‬القاهرة – مصر ‪ ،‬طبعة ‪.1997‬‬
‫‪ -11‬عبد هللا الفيفي " نقد القيم ‪ :‬مقاربات تخطيطية‪ I‬ملنهاج علمي جديد " ‪ ،‬اإلنشاء العربي ‪ ،‬بيروت – لبنان‪، I‬‬
‫الطبعة‪ I‬األولى ‪.2006‬‬

You might also like