You are on page 1of 4

‫بشأن النموذج التنموي الجديد للمغرب‬

‫عبد العزيز اسماعيلي‬

‫موظف بعمالة إقليم جرادة‬


‫هسبريس‬

‫تعتبر مهمة بلورة تصور بشأن نموذج تنموي جديد لأي بلد كان‪ ،‬واحدة‬
‫من أصعب المهام‪ ،‬باعتبار أنها تقوم على مغامرة‪ ،‬قد تفكك أسس النمط‬
‫القائم نحو آخر لا تعرف عواقبه‪ ،‬والأمر على هذا النحو‪ ،‬لا يعني عدم‬
‫خوض هاته المغامرة‪ ،‬ولكن التحرك بمنطق علمي يترك مساحة مهمة‬
‫لتدبير المخاطر التي قد تنجم عن اقتراح بدائل غير ناجعة‪.‬‬
‫ولعل من دوافع طرح هاته التوطئة‪ ،‬ما أفرزته بعض النماذج التنموية‬
‫التي راح ضحيتها ملايين من البشر‪ ،‬نتيجة تقديرات خاطئة‪ ،‬كالتجربة‬
‫الستالينية التي راهنت على التجميع الفلاحي (السوفخوزات‬
‫والكولخوزات) مما أدى إلى وفاة ‪ 13‬مليون نسمة رغم ايجابيات بعض‬
‫المخططات الصناعية على الإنتاج الصناعي‪ ،‬كما نذكر تجربة الصين في‬
‫عهد ماوتسي تونغ من خلال نموذجه التنموي الذي رفع شعار "القفزة‬
‫العظمى إلى الأمام"‪ ،‬والذي راهن على تحويل المجتمع الصيني من نمط‬
‫زراعي نحو آخر صناعي خاصة صناعة الحديد‪ ،‬مما أفرغ الحقول من‬
‫الفلاحين وراكم أطنانا من الحديد ضمن بنية الاقتصاد الوطني‪ ،‬فحصلت‬
‫المجاعة الكبرى نتيجة النقص الحاد في الإنتاج الفلاحي سنتي ‪1960‬‬
‫و‪ ، 1961‬إذ تقول بعض الإحصائيات أن عدد الوفيات تجاوز ‪ 50‬مليون‬
‫نسمة‪.‬‬
‫إن الخوض في موضوع النموذج التنموي‪ ،‬يتجاوز آليات إعداد‬
‫المخططات التنموية القائمة على تشخيص الحالة‪ ،‬و تجميع عناصر القوة‬
‫والضعف‪ ،‬ومن ثم استشراف الآفاق المستقبلية عبر خطاطة استراتيجية‬
‫تقوم على أهداف وتضم عدة برامج مع تقسيم البرامج لمشاريع‬
‫والمشاريع لأنشطة‪ ،‬فالأمر على هذا النحو‪ ،‬لا يعدو أن يكون مجرد‬
‫ص ياغة لبرنامج تنموي غالبا ما يكون ترابيا ومحدودا في الزمان والمكان‪،‬‬
‫بينما الرهان على نموذج تنموي‪ ،‬يبقى خيارا استراتيجيا يرهن حاضر‬
‫الأجيال الراهنة ومستقبل الأجيال القادمة على المنظور البعيد‪ ،‬كما أنه‬
‫يتجاوز المعطى الترابي‪ ،‬نحو التفاعل مع المحيط الإقليمي‪ ،‬في ظل‬
‫الانفتاح الذي يتطلبه تنزيل أوراش هذا النموذج التنموي‪ ،‬بالإضافة إلى‬
‫قيامه على فلسفة عقائدية (بالمعنى السياسي) تعطي فكرة عن الخط‬
‫الإيديولوجي الذي يحكم الدولة من خلال خياراتها واختياراتها‪.‬‬

‫أية آلية لاشتغال لجنة النموذج التنموي الجديد؟‬


‫أمام الزيارات الميدانية التي يقوم بها وفد اللجنة لمناطق نائية بالمغرب‪،‬‬
‫يثار السؤال حول ما إذا كانت جلسات الاستماع هاته‪ ،‬تشكل إحدى آليات‬
‫اشتغال اللجنة‪ ،‬ولعل مثار السؤال والحالة هاته‪ ،‬ينطلق من الإضافة‬
‫النوعية التي يمكن أن تعول عليها اللجنة في جولاتها وهي بصدد بلورة‬
‫خطوط هذا النمو ذج‪ ،‬إذ بالنظر إلى أهميته وانعكاسه على استقرار‬
‫واستمرار البلد‪ ،‬يحق الوقوف على ما إذا كانت مقترحات الساكنة ذات‬
‫الطابع المطلبي مفيدة في بلورة تصور يفترض أنه يجيب على إشكالات‬
‫أكبر من مجرد إعمال المقاربة التشاركية‪ ،‬أو استقبال مقترحات مشاريع‪.‬‬
‫فالأرضية التي تجعله ا اللجنة منطلقا لأشغالها‪ ،‬تتوفر في مختلف‬
‫إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬وفي قراءات المركز المغربي‬
‫للظرفية الاقتصادية‪ ،‬والمركز المغربي لتحليل السياسات العامة‪ ،‬وتقارير‬
‫المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومن أهمها الإحالة الواردة عليه‬
‫من طرف مجلس النواب بخصوص بلورة مقاربة نيابية حول النموذج‬
‫التنموي للمغرب‪ ،‬ناهيك عن استثمار بعض الخلاصات التي شكلت جهدا‬
‫محترما لتشخيص واقع الحال بالبلد كتقرير الخمسينية‪.‬‬
‫قد تكون دوافع اللقاءات التي تقوم بها اللجنة المكلفة ببلورة مشروع‬
‫النموذج التنموي أكبر مما نتصور‪ -‬وهذا ما نتمناه‪ -‬وأنها تندرج في سياق‬
‫التأسيس لمسار يخترق البنية الحالية لعلاقة الجماهير بالمؤسسات‬
‫الرسمية‪ ،‬كنتيجة حتمية لضعف المشروعية السياسية للنخب السياسية‪،‬‬
‫بدليل تجاوز كل الأحزاب و القوى الفاعلة وكذا المؤسسات المختصة‪ ،‬نحو‬
‫تشكيل لجنة تعنى بشؤون بلورة الاختيارات التي تحكم النموذج التنموي‬
‫المراد‪ ،‬وفي حال صدق هذا التصور‪ ،‬فهي مصالحة أخرى مبطنة‪ ،‬تقر‬
‫باعتراف الدولة الضمني بإفشالها للحقل الحزبي‪ ،‬و رهانها على بث ثقافة‬
‫سياسية جديدة قائمة على إعطاء الفرصة ودون وساطة لعموم الجماهير‬
‫بالمشاركة في ورش صنع السياسة العامة عبر "تقدير الافراد لذواتهم‪،‬‬
‫باعتبارهم قادرين على لعب دور فعال في الحياة السياسية‪ ،‬سواء من‬
‫خلال التأييد أو العارضة"‪.‬‬

‫رهانات تنتظر اللجنة ‪:‬‬


‫من الرهانات التي تنتظر اللجنة‪ ،‬هو توافق أعضائها رغم تشعبات‬
‫تكوينهم على نموذج تنموي موحد‪ ،‬تذوب فيه النزعة الذاتية التي تشكل‬
‫قناعة كل واحد منهم‪ ،‬إذ من الطبيعي أن يكون للنموذج التنموي الجديد ‪-‬‬
‫كما تم ذكره سابقا – خط عقائدي إيديولوجي معين‪ ،‬وهو ما لا يعبر‬
‫بالضرورة على قناعة كل فرد من أفراد اللجنة‪ ،‬كما أن باقي الرهانات‪،‬‬
‫تتمثل في بناء نسق يشكل المادة اللاحمة لكل محاور هذا النموذج‪ ،‬وعلى‬
‫جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية‪ ،‬طالما‬
‫أنها كلها محاور يفترض أن ترد ضمن هذا النموذج‪ ،‬مع استحضار رهان‬
‫يتعلق بالمعطى الإقليمي والدولي الذي يفرض انفتاحا أكبر في ظل‬
‫انكماش نسق الصادرات الذي لا يتجاوز ‪ 50‬دولة‪ ،‬ولعل واحدا من أهم‬
‫الرهانات‪ ،‬هو تملك أفراد اللجنة‪ ،‬لأهمية اللقاءات التي عليها أن تسعى‬
‫من خلالها‪ ،‬إلى إعادة الثقة من جديد بين الدولة والمجتمع‪ ،‬عبر تجاوز ما‬
‫يعرف بـ"الكوربوراتية" المغلقة نحو تكريس كوربوراتية منفتحة "المؤدية‬
‫إلى مزيد من الانفتاح على مستوى تغذية النظام بالنخب السياسية‬
‫ومحترفي السياسة" في شخص كل مكونات المجتمع المدني‪.‬‬

‫مقترحات بشأن ورش النموذج التنموي ‪:‬‬


‫مما لا شك فيه‪ ،‬أن التنمية وبخلاف النمو‪ ،‬تبقى تلك التحولات التي‬
‫تمس كل الميادين الثقافية منها والسياسية والاجتماعية وحتى التقنية‪،‬‬
‫مما يطرح على لجنة النموذج التنموي ضرورة الرهان على الأفق البعيد‬
‫القائم على تنزيل برنامج يتدرج عبر الحقب وليس مجرد خلاصة تعرض‬
‫على أنظار المؤسسة الملكية قصد التبني‪ ،‬فالنموذج التنموي يحتاج‬
‫بدوره نموذجا تنمويا في الصياغة‪ ،‬يلامس جوانب التحليل والمخرجات‬
‫اللازمة‪ ،‬ولعل أهم محاور الاشتغال الكفيلة بوضع مشروع له قابلية‬
‫للتنفيذ تتعلق بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬على مستوى التصور الفكري ‪ :‬انفتاح اللجنة على الجامعات ومراكز‬
‫البحث بغاية مقاربة النموذج الحالي الذي تم الاعتراف بفشله بغيره من‬
‫النماذج التي يعرفها العالم‪ ،‬وذلك باستحضار مآلات أجيال النماذج‬
‫التنموية وعلى رأسها الجيل الأول الذي تميز بمعالجة العالم كوحدة‬
‫واحدة (مساهمات فورستر وميدوز‪ ،‬ثم نموذج العالم الثالث الذي تم‬
‫اعتماده في إعداد تقرير نادي روما "حدود النمو")‪ ،‬ثم الجيل الثاني الذي‬
‫اهتم بتقسيم العالم إلى عدة مناطق ( مساهمات ميزاروفيتش متعدد‬
‫المستويات‪ ،‬ونموذج أمريكا اللاتينية للعالم الذي أنجز في مؤسسة‬
‫أوريليوبيتشي‪ ،‬الأرجنتين) ونموذج الأمم المتحدة للعالم الذي أنجز تحت‬
‫إشراف ليونتييف‪.‬‬

‫‪ -‬على المستوى السياسي ‪ :‬إقناع الدولة بالإفراج على كل معتقلي‬


‫الرأي العام‪ ،‬واعتبار الصفح السياسي مدخلا لكل بناء تنموي‪.‬‬
‫‪ -‬صك تعاقد بين الدولة والأحزاب السياسية‪ ،‬يقضي بانسحاب كل‬
‫"المعمرين" بالأحزاب وترك المجال لتدبير الشباب‪ ،‬لتجاوز الأوليغارشية‬
‫الحزبية‪ ،‬وضخ منسوب مهم من النشاط في الحقل السياسي عبر كسب‬
‫هامش مهم من المشاركة السياسية‪.‬‬

‫‪ -‬على المستوى الاقتصادي ‪ :‬اقتراح تأميم بعض القطاعات المهمة‬


‫وعلى رأسها المحروقات‪ ،‬وإعادة النظر في إشكالية تدبير أراضي الجموع‬
‫عبر الانفت اح على القطاع الخاص ضمن إصلاح زراعي شامل‪ ،‬يرفع الناتج‬
‫الداخلي الخام ويؤثر على الدخل الفردي‪.‬‬
‫‪ -‬إعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر‪ ،‬بالانفتاح على أسواق جديدة‬
‫تدعم التصدير وتنعش بعض القطاعات الواعدة (مخطط المغرب‬
‫الأخضر‪ ،‬ومخطط التسريع الصناعي)‪.‬‬

‫‪ -‬كما يجب أفقيا ‪ :‬توسيع هامش التدبير الترابي‪ ،‬وإقرار منطق‬


‫"الصفح مقابل الاستثمار" عوضا عن منطق "عفا هللا عما سلف"‪،‬‬
‫بتوظيف أموال الاختلاسات في تنمية المناطق العميقة‪ ،‬تحت طائلة‬
‫العقاب في حال العود‪.‬‬

You might also like