Professional Documents
Culture Documents
Scholar 04775
Scholar 04775
أما إذا كان التعليم لالستعداد واالحتياط فيجب على قيادة الطيران أو
القيادة الحربية العامة إعفاء الطالب من التعليم في شهر رمضان
تعظيما ً له واحتراما ً لفريضة الصوم ،وصيانة له من الجناية عليه
بإفطار ليس ضرورياً ،وال يجوز للعلماء التساهل في حقوق هللا
بجانب ما يسمى حق الوطن أو الشعب أو حق الع َلم (بفتح الالم) فإن
هللا جعل في الصيام تربية روحية عظيمة تفوق ما يحصل عليه
.الطالب من التربية المادية أضعاف األضعاف
وأما قوله سبحانه( :وال يريد بكم العسر) فهذا أيضا ً من إرادته
الشرعية ورحمته بعباده أن بنى شريعته على اليسر الموصل إليه
ولطف بعباده عن التشريع العسير الذي يفظعهم من الوصول إليه أو
ينقص من درجاتهم لديه ،وهذا كقوله تعالى( :وما جعل عليكم في
الدين من حرج) ،وقوله( :ال يكلف هللا نفسا ً إال وسعها) .وقوله صلى
.هللا عليه وسلم( :يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا) .إلخ
وقوله تعالى( :ولتكملوا العدة) بتخفيف الميم على قراءة األكثرين ،أو
تشديدها على قراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عياش ،فالمقصود
بها التكميل على القراءتين والالم للتعليل ،فهي معطوفة على التعليل
السابق المستفاد من قوله تعالى( :يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم
العسر) يعني أن ما حصل من التخفيف عليكم في أمر الصيام هو
ألجل أن تكملوا العدة ،فمن لم يكملها أداء في وقتها قام بتكميلها قضاء
من أيام أخرى ،فيكون إكمالكم لها في حالة يسر واطمئنان وانشراح
صدر ،فتحصلوا على بركة الصيام وخيراته المعنوية من تهذيب
النفس وتربيتها بما يزكيها وينفعها ،ومن تحصيل األجور العظيمة عند
.هللا بهذا اإلكمال الميسر ،وال يفوتكم شيء من بركاته وال من أجوره
وهذه نعمة عظيمة من نعم هللا عليكم بتيسير التكليف وتوفيقكم إلى
فعله والخروج منه ببراءة ذمة وإحسان في العمل ،ولهذا قال سبحانه
وتعالى( :لعلكم تشكرون) ،ألن أداء الصوم على ما يقتضيه الشرع،
.كما أسلفنا تفصيله ،يربي على تحقيق الشكر والقيام به
ومن مبادئ الشكر تكبير هللا ،ولذا جاءت به اآلية قبله في قوله:
(ولتكبروا هللا على ما هداكم) أي تكبروه بجميع معاني التكبير على ما
هداكم لإليمان به ،ويسر عليكم شرائع دينه ،ووفقكم لطاعته ،فإن
تيسير التشريع من هللا معونة على طاعته ،فهي نعمة عظيمة يستحق
عليها الشكر الذي من موجباته التكبير الصادق ،وهو الذي يصدر من
القلب قبل اللسان ،وتصدقه الجوارح ،وليس التكبير مجرد النطق
باللسان من ذكر وحمد وتعظيم ،وإنما التكبير المطلوب النافع هو
تكبير هللا بالحب والتعظيم في القلب ،بأن ينحشي من حب هللا
وتعظيمه ،فال يكون فيه محل وال فراغ لحب فالن وعالن ،وال
يشاركه فيه حب شهوة أو معشوق ،بل تقوده محبة هللا إلى محبة كل
ما يحبه هللا من شخص أو عمل ،وبغض ما يبغضه هللا من شخص أو
عمل ،والتلذذ بطاعته والتشرف بتنفيذ أوامره ،والمسارعة فيما
يرضيه .فالتكبير القلبي يتكون من التكبير العملي ،ثم التكبير القولي
بالحمد والتسبيح ،فيكون لسان المؤمن رطبا ً من ذكر هللا ،وقلبه
.منطبعا ً بتكبير هللا تكبير محبة وتعظيم
بحيث ال يرى أحداً أكبر من هللا سبحانه وال أعظم .وبهذا ال يخشى إال
هللا ،وال يرهب من سواه أبداً مهما كان ،فيكون قلبه مصدقا ً لما ينطق
به لسانه ،وبذلك يكون صلبا ً في عقيدته ،قويا ً في إرادته ،وإال فما
الفائدة من التكبير؟ نعم ما الفائدة من التكبير المقصور على اللسان
تقليداً موروثاً؟ ينبغي للمسلمين أن يكبروا تكبيراً قلبيا ً صحيحا ً تتفجر
به طاقاتهم في العمل المرضي هلل من حمل رسالته وتوزيع هدايته،
وبذل النفس والنفيس للدفع برسالة هللا إلى األمام بصدق وإخالص،
:وطهارة قلوب وجوارح
وهنالك يصعقون عدوهم بالتكبير ،ويزلزلونه من حصونه ،فيقيمون
حكم هللا في جميع أصقاع األرض ،بدالً من حالتهم التعيسة اآلن،
عليهم أن يرعوا أمانة هللا حق رعايتها ،وأن ال يبدلوا نعمة الرسالة
كفراً باالنصراف عنها إلى غيرها من المبادئ األرضية والمذاهب
.المادية
ولهذا جاء األسلوب القرآني بهذا التغيير لإلشارة إلى أن هذا المطلوب
بمنـزلة المرجو لقوة األسباب المتآخذة في حصوله .ففي آخر هذه اآلية
الكريمة نوع من اللف لطيف المسلك ق َّل من يهتدي إليه ،ولهذا قال
.بعضهم عن الواو إنها زائدة
نذ ّكر بأن الكاتب ـ رحمه هللا ـ قد توفي عام 1399هـ وقد كتب ][1
هذه المادة ضمن كتابه ..الصوم ..مدرسة ُتربيّ الروح وتقوي اإلرادة
طبع عام 1404هـ .والذي ُ
.سورة البقرة[2] 152: