Professional Documents
Culture Documents
السيدة عائشة
السيدة عائشة
السيدة عائشة
1
T
مقدمة3 ............................................................................................
سن السيدة عائشة عند الزواج4 .................................................
عائشة اختيار هللا لرسوله6 ..........................................................
عائشة العاقلة7 ..............................................................................
عائشة المباركة9 .............................................................................
عائشة البليغة 12 .................... ................................
عائشة حبيبة رسول هللا 14 ........................................
بين الرضا والغضب 17 .............. ................................
غيرة عائشة 18 ....................... ................................
حادثة االفك 20 ....................... ................................
سب أ َّم المؤمنين عائشة 24 ...............
َّ فيمن
حكم اإلسالم َ
ُ
هل كان هناك عداوة بين عائشة وعلى ؟ 25 ....................
بيت عائشة 28 ....................... ................................
عائشة الزاهدة29 ...........................................................................
وفاة عائشة30 ................................................................................
2
مقدمة
كانت عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق اختيا ار إلهيا لرسوله
ولألمة اإلسالمية كلها ...فهى لم تعقل الدنيا إال وأبواها مسلمان فنشأت
مسلمة في بيت مسلم ،ثم انتقلت لبيت النبوة تتشرب من علم النبوة.
وينتقل عليه السالم إلى الرفيق األعلى لتبقى هي من بعده في قمة
الشباب وموفور العقل ،متفرغة لحمل أمانة التبليغ عن رسول هللا
2حتى السنة الثامنة والخمسين من الهجرة ،حتى قالوا إن
ربع األحكام الشرعية جاءت عن عائشة.
لقد كانت حياتها صورة صادقة لحياة المرأة المسلمة كما أرادها اإلسالم
حقا ،وال نجاوز الحد إذا قلنا إن السيدة عائشة هي أبرز امرأة في تاريخنا
الفكري واالجتماعي والسياسي؛ وأنها أفقه نساء األمة على اإلطالق،
وروى عنها خلق ال يحصون من علماء األمة ورواتها .قال الحافظ
الذهبي :م ْسند عائشة (أي األحاديث التي روتها) يبلغ أْلفين ومائتين ُّ
ٍ ٍ
ومسلم لها على مائة وأربعة وسبعين وعشرة أحاديث؛ اتَّفق البخار ُّي
ٌ
بعة وخمسين ،وانفرد مسِلم ِبتسعة ِ
وستين. حديثًا ،وانفرد البخار ُّي بأر ٍ
ٌ
3
سن السيدة عائشة عند الزواج
وعائشة ولدت مسلمة ألبوين مسلمين ،وهى الوحيدة من أمهات
المؤمنين التي أبوها وجدها صحابيان ،ولم يتزوج النبي امرأة أبواها
مهاجران سواها ،ولم يتزوج النبي ِب ْك اًر غيرها ،وال أحب امرأة حبها .قال
اإلمام الذهبي شيخ المؤرخين:
وَّل أعلم يف أمة حممد وَّل يف النساء مطلقا امرأة أعلم منها
الناس ع ِن فمن ذلك حديث أنس بن مالك قال :ل َّما كان ي ْوم أح ٍدْ ،انهزم َّ
وسلم ،ولق ْد أرْيت ع ِائشة ْبنت أِبي ب ْك ٍر ،وأ َّم سل ْي ٍم النبي صَّلى هللا عليه َّ ِ
القرب ان ،ت ْنقال ِن ِ (وهي أم أنس بن مالك راوى الحديث) و َّإنهما لمش ِمرت ِ
ان فت ْمَلِنها ،ث َّم على ظهورهما ،ث َّم تْف ِرغ ِان ِه في أ ْفو ِاه الق ْومِ ،ث َّم ت ْرِجع ِ
ان فتْف ِرغ ِانها في أ ْفو ِاه الق ْو ِم .رواه البخارى .وقد رد الرسول 2 ت ِجيئ ِ
يوم بدر ويوم أحد شبابا من أصحابه كانوا في سن الرابعة عشر ،فهل
رد 2هؤالء الشباب وسمح لعائشة وهى بنت 10سنين في
4
زعمهم أن تخرج يوم أحد مع الجيش بعد زواجه منها بسنة واحدة؟ هذا
بالتأكيد ال يعقل ،وهذا ما يؤكد ما ذكره الكثيرون من أن عمرها يوم أحد
كان ال يقل عن 17عاما.
وقياساً على عمر أختها أسماء بنت أبي بكر ،والتي هي أسن منها
بعشر سنين ،وقد توفيت أسماء عام 73هـ وعمرها 100عام فيكون
سن أسماء عام الهجرة 27سنة ،وسن عائشة عام الهجرة 17سنة،
أي أنه 2تزوج عائشة بالمدينة وعمرها 18سنة.
ونشير أيضا إلى أنها كانت مخطوبة البن المطعم بن عدى قبل أن
يخطبها رسول هللا ،2فأتى أبو بكر المطعم بن عدي ،فقال:
ما تق ْول ِفي أ ْم ِر هِذِه الج ِاري ِة؟ فسأل المطعم زوجته ،فقالت ألبي بكر:
دخله ِفي ِد ْيِنك الذي أنت عل ْي ِه ،فرأى
لعَّلنا ِإن أ ْنكحنا هذا الفتى ِإليك ت ِ
ْ ْ
اء لذمته من خطبة المطعم لعائشة .فهل كانت أبو بكر في ذلك إبر ً
مخطوبة البن المطعم بن عدى وعمرها أقل من أربع سنوات مثال؟ هذا
بالطبع ال يقبله عقل.
5
عائشة اختيار اهلل لرسوله
ضراء إلى ير خ ْأن جبريل جاء ِبصورِتها في قطعة ح ِر ٍ
روى الترمذى َّ
وسلم فقال هذه زوجتك في الدنيا واآلخ ِ
رة .رواه صلى هللا ِ
عليه َّ النبي َّ
ِ
ْ
البخاري بلفظ قريب.
وعائشة لم تتميز فقط بكونها الزوجة الِبكر الوحيدة كما قالت :لَقَ ْد
غي ِْري ،بل هي أيضا الوحيدة التي رأت
ت َزَ َّو َجنِي ِب ْك ًرا َو َما تَزَ َّو َج ِب ْك ًرا َ
جبريل عليه السالم مباشرة ،فعن مسروق (مولى عائشة) قال :قالت لي
عائشة رضى هللا عنها :لقد رأيت جبريل واقفا في حجرتي على فرس،
ورسول هللا 2يناجيه ،فلما دخل قلت :يا رسول هللا ،من هذا
شب ِ
هته؟" الذي رأيتك تناجيه؟ قال" :وهل ر ِ
أيته؟" قلت :نعم .قال" :فبمن َّ
كثيرا ،ذاك جبريل" .قالت:
خير ً
قلت :بدحية الكلبي .قال" :لقد رأيت ًا
يسير حتى قال:
فما لبثت إال ًا
ولما كانت عائشة هي الِبكر الوحيدة بين نساءه فكانت تتدلل بذلك أمام
رسول هللا في بالغة وأدب رفيع المستوي ،حيث تقول :يا رسول هللا:
أريت لو ن ْزلت و ِاديا وف ِ
يه شجرةٌ ْقد أ ِكل منها ،ووج ْدت شج ًار ل ْم ي ْؤك ْل ً أْ
منها ،في ِأيها ك ْنت ت ْرِتع ب ِعيرك؟ قال :في الذي ل ْم ي ْرت ْع منها قالت" :
فأنا هي" صحيح البخاري ،تعني أنه ليس من زوجاته إال من تزوجت قبله.
6
عائشة العاقلة
كان أبرز ما يميز السيدة عائشة أنها كانت عاقلة حكيمة ،وكان من
شيئا ال تقتنع به عقال َّإال راجع ْت فيه
كمال عقلها أنها كان ْت ال ت ْسمع ً
الرسول حتَّى ت ْع ِرفه ويفسره لها ،فحين ذكر الرسول يوما أمامها أنه ليس
أحٌد يحاسب َّإال هلك ،لم تستطع أن تقبل ذلك بعقلها بسهولة ،فراجعت
َّللا َّ
عز َّللاِ جعلِني َّ
َّللا ِفداءك ،أليس يقول َّ النبي بأدب وقالت :يا رسول َّ
وجل :ﱩ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﱨ
َّ
فقال :2ذاك العرض يعرضون ،ومن نوِقش ِ
الحساب هلك. ْ ْ
يعنى أنه في مرحلة العرض يأخذ كل إنسان مؤمن كتابه رواه البخاري
7
وهناك مواقف كثيرة تثبت كمال عقل عائشة وهى تسأل ،وكمال عقلها
وهى تراجع الرسول في أقواله لتسأل وتفهم ،وال تستحى أن تجادل
وتناقش.
8
عائشة املباركة
من بركة السيدة عائشة أن هنالك الكثير من أحكام اإلسالم ارتبطت
في أسبابها بالسيدة عائشة ،فمن ذلك أن المسلمين خرجوا في غزوة
وهى معهم ،فانقطع عقدها ،فأقام الرسول يلتمسه حتى طلع الفجر
وليس معهم ماء للوضوء .تقول السيدة عائشة :فلقيت من أبي ما هللا
به عليم من التعنيف ،وقال :في كل سفر للمسلمين منك عناء وبالء
(يشير إلى ما كان منها في حادث اإلفك) فأنزل هللا في هذه الغزوة
إذ جعل هللا للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر .وكان أسيد
بن حضير يقول لها :جزاكِ هللا ً
خيرا ،فوهللا ما نزل بك أمر قط إال
جعل هللا لكِ منه مخر ًجا ،وجعل للمسلمين فيه بركة" متفق عليه.
9
زوجها قال لها " :وهللا ال أطلقك فتتزوجين بعدى وال أ ِ
ويك" ،فقالت
عائشة :وكيف له ذلك؟ قالت المرأة :يطلقنی حتی إذا قربت ِ
العدة يردني
ثم يطلقني وهكذا .ولم تكن اآلية التي تحدد عدد مرات الطالق قد نزلت
بعد ،فنزلت في حجرة عائشة آيات من سورة البقرة :ﱩ ﮦ ﮧﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﯺ ﱨ ،فلم يعد ممكنا للرجل أن يطلق امرأته
ثم يردها ،ثم يطلقها ،ثم يردها إلى ما النهاية.
كما ارتبط أيضا بعائشة حكم الظهار (وهو أن يقول الرجل لزوجته أنت
على كظهر أمي وال يطلقها) ،فقد جاءت خولة بنت ثعلبة إلىمحرَّم ٌة َّ
َّللاِ ،أكل شبابي ،ونثرت له
بيت عائشة تشكو زوجها وتقول :يا رسول َّ
بطني (بمعنى أنجبت له الكثير من األوالد) ،حتَّى إذا كبر ْت ِسِني،
مني (أي حرم على نفسه معاشرتها) .ثم توجهت وانقطع ولدي ،ظاهر ِ
هم ِإني أشكو إليك .فما قامت من مجلسها إلى هللا بالدعاء فقالتَّ :
الل َّ
في حجرة عائشة حتَّى نزل ِجبرائيل بآيات سورة المجادلة وفيها تحريم
هذا الفعل .ﱩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭿ ﱨ صحيح ابن ماجة ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ِ
الحديث تقول أ ُّم المؤمنين عائشة رضى هللا عنها: وفي هذا
10
َ َ َ َ ُ ِّ َّ َ َ ْ ُ َ َ َّ
بنت
ِ ولة خ كالم ع ألمس ي إن ، يء
ٍ ش كل ه ع مس ع وس
ِ ذي "تبارك ال
ِّ ُ َّ َ َ ْ َ
البيت،
ِ ناحية
ِ يف ي أن و ه بعض علي فى خ وي علبة ث
وهنا يظهر جليا الحس اإليماني المرهف من للسيدة عائشة وهى تنبه
إلى قدرة هللا سبحانه الذى سمع المرأة من فوق سبع سماوات بينما
عائشة تجلس بجوارها في الغرفة وال تكاد تتبين كالمها ،فسبحان من
وسع سمعه كل شيء.
11
عائشة البليغة
وكانت رضى هللا عنها فصيحة بليغة أديبة ،ونورد هنا فقط إشارات
بسيطة لعمق ثقافة السيدة عائشة ،فقد روى أنه لما قتل أخوها مح َّمد
صغار ،ف ْأرسلت عائشة أخاها عبد
ا بن أبي بكر في مصر ،ترك أوالدا
َّحمن (وهو شقيقها الوحيد أما وأبا) إلى مصر فجاء بأبناء أخيه الر ْ
الصغار من مصر ،ثم أخذتهم عنه ع ِائشة فربتهم ِإلى أن كبروا (وكان
من ضمن هؤالء اليتامى القاسم بن محمد بن أبي بكر الذى صار أحد
ثم دعت بعد سنين
الفقهاء السبعة بعد ذلك وهو ربيب عمته عائشة)َّ ،
َّحمن ال ت ِجد ِفي نفسك (ال تغضب)
َّحمن فقالت :يا عبد الر ْ
أخاها عبد الر ْ
من أخذي بني أ ِخيك دونك ،ولكنه ْم كانوا صبيانا ،فخ ِشيت أن تتأفف
بهم نساؤك ،فكنت ألطف بهم وأصبر عل ْي ِهم ،فخذهم اآلن ِإل ْيك ،وكن
لهم كما كان حجية بن المضرب لبني أ ِخيه معدان.
وحجية بن المضرب هذا الذى تستشهد به عائشة في كالمها هو ش ِ
اعر
ارس ،ذكروا من قصته أنه كان ج ِالسا ذات ي ْوم ِبفناء بيتهيم ف ٌ جاهلي كر ٌ
يه بقايا لبن ،فقال لها :أ ْين تريدين فخرجت ج ِارية ِبقع ٍب مكسور ِف ِ
ْ
لشدة اْلحزن لما رأى بالقعب؟ فقالت بني أ ِخيك اْليتامى ،فوجم وأطرق َّ
أبناء أخيه اليتامى يشربون من هذا اإلناء المكسور ،وأمر من يومه أال
تدخل األبل عند رجوعها من المرعى إلى بيته قبل أن تذهب أوال إلى
12
بيت أبناء أخيه اليتامى .فهذا ما قصدته عائشة ،وهى تنصح أخاها
عبد الرحمن بحسن رعاية أبناء أخيه محمد.
13
عائشة حبيبة رسول اهلل
ولم يكن رسول هللا 2يخفي حبه لعائشة ،بل كان يعلنه أمام
الجميع رجاال ونساء ..فقد سأله يوما عمرو بن العاص ":أي الناس
أحب إليك يا رسول هللا؟ فقال بدون تردد :عائشة .قال عمرو :فمن
صحيح ابن ماجة الرجال؟ قال :أبوها ".
14
سول هللاِ .تقول عائشة:اطمة ْبنت ر ِ النبي 2ف ِ ثم أ ْرسل أ ْزواج ِ
ضط ِج ٌع م ِعي في ِم ْر ِطي (كساء يشبه الشال يمكن استأْذن ْت عليه وهو م ْ
فْ
فأذن لها ،فقال ْت :يا رسول هللاَِّ ،
إن أ ْزواجك لبسه داخل وخارج البيت)ِ ،
أرسْلنِني إليك يسأْلنك الع ْدل في ابن ِة أِبي قحافة ،وأنا س ِ
اكت ٌة ،فقال لها ْ ْ ْ ْ
رسول هللاِ :2أ ْي بنيَّة أل ْس ِت ت ِحِبين ما أ ِح ُّب؟ فقال ْت :بلى،
سول هللاِ
اطمة ِحين س ِمع ْت ذلك ِمن ر ِ هذه .فقامت ف ِ قال فأ ِحِبي ِ
ْ
ِال ِذي
بال ِذي قال ْت ،وب َّ
فأخبرْته َّن َّ
النبيْ ،
اج ِ ،2فرجع ْت إلى أ ْزو ِ
قال لها رسول هللاِ ،2فقْلن لها :ما نر ِ
اك أ ْغن ْي ِت عَّنا ِمن
إن أ ْزواجك ي ْنش ْدنك الع ْدل في سول هللاِ فقولِي لهَّ : شيء ،فارِج ِعي إلى ر ِ
ْ
ٍ
َّللاِ ال أكِلمه ِفيها أب ًدا.
اطمة :و َّ ابن ِة أِبي قحافة فقالت ف ِ
ْ ْ
ش ،زْوج النبي 2زْينب ْبنت ج ْح ٍ فأرسل أ ْزواج ِ ِ
قال ْت عائشةْ ،
النبي (وهى ابنة عمته 2أميمة بنت عبد المطلب) ،وهي ِ
سول هللاِ ،ولم أر ام أرة ق ُّ
ط منهن في الم ْن ِزل ِة ِع ْند ر ِام ِيني َّ
َّالتي كان ْت تس ِ
ْ ً ْ
صدق ح ِديثًا ،وأ ْوصل لِ َّلرِحمِ، ِِ خي ار في ِ
الد ِ ِ
ين من زْينب .وأ ْتقى َّّلِل وأ ْ ًْ
ِ ٍ ِ ِ
وأ ْعظم صدق ًة ،ما عدا شيء من ح َّدة كان ْت فيها ،سرعان ما كانت
سول هللاِ ،ورسول هللاِ 2مع تتجاوزها ،قال ْت :فاستأْذن ْت على ر ِ
ْ
ِ ِ َّ ِ
ع ِائشة في ِم ْر ِطها ،على الحالة التي دخل ْت فاطمة عل ْيها وهو بها ،فأذن
إن أ ْزواجك أ ْرسْلنِني لها رسول هللاِ .2فقال ْت :يا رسول هللاَِّ ،
استطال ْت ِ ِ
إل ْيك ي ْسأْلنك الع ْدل في ْابنة أبي قحافة ،قال ْت :ث َّم وقع ْت بي ،ف ْ
هل يأْذن لي ِفيها، ِ
عل َّي (أهانتنى) ،وأنا أ ْرقب رسول هللا ،وأ ْرقب ط ْرفهْ ،
15
أن رسول هللاِ ال ي ْكره أن أ ْنت ِ
صر وآخذ قال ْت :فل ْم ت ْبرْح زْينب حتَّى عرْفت َّ
ْ
حقى ،قال ْت :فل َّما وق ْعت بها ل ْم أ ْنش ْبها حتَّى أ ْنح ْيت عل ْيها(أي لم أمهلها
لحظات حتى انتصرت منها فأسكتها بأقل الكلمات) فتب َّسم رسول هللاِ
2معجبا بفصاحتها وقال:
وكما كان من الزوج المحب الودود ،كانت عائشة أيضا الزوجة المحبة
دائما ،تقول عائشة :كنت أغزل والنبي يخيط نعله فجعل جبينه يعرق
وجعل عرقه يشع نو ار فقلت :ولو رآك أبو كبير الهذلي (شاعر جاهلى
بش ْعره أولي حيث يقول:كبير) لعلم أنك ِ
16
بني الرضا والغضب
ولكن ،وكأي حياة زوجية ،كان بين النبي وعائشة حاالت من الرضا
النِب ِي صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم
استأْذن على َّ والغضب ،فمن ذلك أن أبا ب ْك ٍر ْ
ول هللاِ ،2فل َّما دخل فس ِمع ع ِائشة و ِهي رِافع ٌة صوتها على رس ِ
ْ
َّللا .فجعل ِ ول َّ تناولها ِليْل ِطمها ،وقال :ال أراك ترفعين صوتك على رس ِ
ِ ِ ِ
ْ ْ
النِب ُّي صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم ي ْح ِجزه ،وخرج أبو ب ْك ٍر م ْغضًبا ،فقال َّ
النِب ُّي َّ
صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم ِحين خرج أبو ب ْك ٍر :ك ْيف أرْيِتِني أ ْنق ْذت ِك ِمن
َّللاِ صَّلى هللا ول َّالرَّج ِل؟ قال :فمكث أبو ب ْك ٍر أيَّاما ،ث َّم استأْذن على رس ِ
ْ ً
ِ ِ ِ ِ ِ
اصطلحا ،فقال لهما :أ ْدخالني في سْلمكما، ِ ِ َّ
عل ْيه وسلم ،فوجدهما قد ْ
النِب ُّي صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم :ق ْد
كما أ ْدخْلتم ِاني ِفي ح ْربِكما!! .فقال َّ
صححه األلباني فعْلنا ،ق ْد فعْلنا.
وكان 2يقول لعائشةِ :إني ألعلم إذا ك ْن ِت عِني ر ِ
اضي ًة ،وإذا ْ
ضبى قال ْت :فقلتِ :من ْأين ت ْع ِرف ذلك؟ فقالَّ :
أما إذا ِ
ك ْنت عل َّي غ ْ
ِ ٍ اضي ًةِ َّ ، ك ْن ِت عِني ر ِ
ضبى، فإنك تقولِين :ال ور ِب مح َّمد ،وإذا ك ْنت عل َّي غ ْ
وَّللاِ يا رسول
اهيم .فترد عائشة في ذوق رفيع :أج ْل َّ قْل ِت :ال ور ِب إبر ِ
ْ
إال اسمك .رواه البخاري أهجر َّ َّ ِ
ْ َّللا ،وما ْ
17
غرية عائشة
حين يتأمل الواحد منا حجم العاطفة بين الرسول وبين عائشة فال شك
سيأخذه اإلشفاق الشديد على السيدة عائشة ،إذ يحق لمثل عائشة أن
تغار على مثل سيدنا محمد ،وقد عبَّرت عن ذلك بقولها له" :وما ِلي
ال يغار ِم ْثلِي على ِم ْثِلك" رواه مسلم .ومن طريف هذا التأمل أن نعرف
أن كل ما روي عن غيرتها رضى هللا عنها على رسول هللا وأخطائها
بسبب الغيرة قد وصل إلينا من خاللها هي نفسها.
فمن ذلك أنه كان عند رسول هللا ضيوف وهم في بيت عائشة فعلمت
أم المؤمنين صفية وهى إحدى زوجات النبي بذلك فأرسلت طعاما من
عندها إلى بيت عائشة ،فأخذت عائشة غيرة شديدة ألن السيدة صفية
صفي َة ،فما
َّ مثل
طعاما َ
ً أيت صانع ًة
كما وصفتها عائشة نفسها :ما ر ُ
تمالكت عائشة نفسها من الغيرة فكسرت الطبق أمام الضيوف ،فعالج
النبي األمر بحكمة النبوة ،فنظر 2لضيوفه فقال " :غارت
" .رواه البخاري أمكم
18
وانتهى األمر بحكمة النبي .وكما يقالِ :إ َّن اْلغيرى ال تب ِ
صر أ ْسفل ْ ْ
اْلو ِادي ِم ْن أ ْعاله.
ومن شدة غيرة عائشة رضى هللا عنها أنها كانت تغار من السيدة
خديجة رضى هللا عنها ،رغم أن خديجة ماتت قبل زواج رسول هللا منها
بسنين إال أن الرسول 2كان ي ْكثر ِذ ْكرها ،وكانت عائشة
وسلمَّ ،إال على خِديجةَّللا عليه َّ تقول :ما ِغ ْرت على ِنس ِاء ِ
النبي صَّلى َّ
وسلم إذا ذبح و ِإني ل ْم أ ْد ِرْكها .قال ْت :وكان رسول هللاِ صَّلى َّ
َّللا عليه َّ
حتى قالت عائشة له يوما وقد أخذتها غيرة شديدة :كأن لم تكن في
الدنيا امرأة إال خديجة .وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء
الشدقين (تصفها بأنها عجوز سقطت أسنانها لكبر سنها حتى ظهرت
الحمرة في فكيها) ،هلكت في الدهر ،فأبدلك هللا خي ار منها " تقصد
نفسها ".فغضب الرسول 2وقال:
َ َ َ َ َّ ُ ْ َ ََ ْ َ َ ْ َّ ُ َ َ ْ ً َ َ ْ ََ
حني كفر الناس، ِ ي ب
ِ ت ن آم دق ل ا،ه نم
ِ ا ر ي خ اه ب
ِ هالل ي ن
ما أبدل ِ
َ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ َ ْ
وصدقتنِي حِني كذبنِي الناس ،وأشركتنِي فِي مالِها حِني
ََ َ َّ ُ َّ ُ َ َ َ َ َ َ َ
حرمنِي الناس ،ورزقنِي الله منها الولد مسند اإلمام أحمد
19
حادثة االف ك
هذه القصة وردت في صحيح البخاري وغيره:
20
أشت ِكيَّ ،إنما ي ْدخل فيسلِم ،ث َّم يقول:
طف الذي ك ْنت أرى منه ِحين ْ َّللاِ ُّ
الل ْ َّ
كيف ِتيك ْم ،ث َّم ي ْنص ِرف.
ضي ،فقلت تقول عائشة :فلما علمت باألمر ْازد ْدت مرضا على مر ِ
ً
َّللاِ ِ ِ
الناس؟ قال ْت :يا بنيَّة ،ه ِوني عل ْيك ،فو َّ ِأل ِمي :يا أ َّمتاه ،ماذا يتح َّدث َّ
وضيئ ًة ِع ْند رج ٍل ي ِحبُّها ،لها ضرِائرَّ ،إال كثَّ ْرن ط ِ لقَّلما كان ِت ام أرةٌ ق ُّ
ْ
الناس بهذا؟ قال ْت :فبك ْيت ِ
َّللا ،أو ق ْد تح َّدث َّ
عل ْيها ،قال ْت :فقلت :س ْبحان َّ
أصب ْحت ال ي ْرقأ لي د ْم ٌع وال أ ْكت ِحل بن ْو ٍم. َّ َّ ِ
تلك اللْيلة حتى ْ
َّللاِ 2عل ْينا فسَّلم ث َّم جلس ،قال ْت :ول ْم ي ْجِل ْس ثم دخل رسول َّ
وقد لِبث ش ْه ًار ال يوحى إل ْي ِه في شأِْني عندي م ْنذ قيل ما قيل قْبلهاْ ،
ِِ
أما ب ْعد ،يا ع ِائشةَّ ،إنه بلغِني ع ْن ِك َّللاِ ث َّم قالَّ :بشيء ،فتش َّهد رسول َّ ٍ
إن ك ْن ِت أْلم ْم ِت بذ ْن ٍب، َّللا ،و ْ فإن ك ْن ِت ب ِريئ ًة ،فسيب ِرئ ِك َّ كذا وكذاْ ،
َّللا عليه، اعترف ث َّم تاب ،تاب َّ فإن العْبد إذا ْ َّللا وتوبِي إل ْي ِهَّ ، است ْغِفرِي َّ
فْ
َّللاِ مقالته قلص د ْم ِعي حتَّى ما أ ِح ُّس منه قال ْت :فل َّما قضى رسول َّ
وَّللاِ ما
َّللاِ عِني ِفيما قال ،فقال أِبيَّ : طرًة ،فقلت ألِبي :أ ِج ْب رسول َّ قْ
َّللاِ ِفيما قال ،قال ْت أجيِبي رسول َّ َّللاِ ،فقلت ِأل ِميِ : سول َّْأدرِي ما أقول لِر ِ
اري ٌة ح ِديثة ِ
الس ِن َّللاِ ،فقلت :وأنا ج ِ سول َّ وَّللاِ ما ْأدرِي ما أقول لِر ِ أ ِميَّ :
آن كِث ًيرا:ال أ ْق أر ِمن الق ْر ِ
ْ ُ ُ ْ َ َّ ْ ُ ْ ْ َ َ َّ َ َّ َ َ ْ َ ْ ُ ْ
سكم وصدقتم ِ ف أن يف رق ت اس ى حت يث د
ِ احل هذا معتم لقد س ِ
ْ َ َْ ُ َ ُ َ ِّ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ ِّ َ َ ٌ
ن اعترفت وني ،ول ِئ ِ به ،فل ِئن قلت لكم :إني ب ِريئةَّ ،ل تصدق ِ
21
َ َ َّ َ َ ٌ َ ُ َ ِّ ُ ِّ َّ ُ َ ْ َ ُ ِّ َ ُ ْ َ ْ
لكم بأم ٍر ،والله يعلم أني منه ب ِريئة ،لتصدقني ،فوالل ِه َّل
َّ ُ ٌ َ َ َ َ ْ ٌ َ َ ُ ْ َ َ ً َّ َ ُ ُ َ ُ
ميل والله ِ ج ر ب ص ف : قال ني ح
ِ ف وسي اأب إَّل الث م مك ول يل أجد
ِ
َ ُ َ ُ ْ َ َ ُ َ
صفون. املستعان على ما ت ِ
وحًيا ي ْتلى، ِ
َّللا م ْن ِزٌل في شأْني ْ وَّللاِ ما ك ْنت أظ ُّن َّ
أن َّ تقول عائشةَّ :
َّللاِ
َّللا بها ،فو َّ َّللاِ في َّ
الن ْو ِم رْؤيا يب ِرئِني َّ أن يرى رسول َّ ِ
ولك ْن ك ْنت ْأرجو ْ
َّللاِ م ْجلِسه ،حتى نزل عليه الوحى بآيات سورة النور ما غادر رسول َّ
التي بدأت بقوله تعالى :ﱩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ
ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ
َّللاِ 2 ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱨ .قال ْت :فسرِي عن ر ِ
سول َّ
ٍ َّ
ضحك ،فكان ْت َّأول كلِمة تكلم بها ْ
أن قال: وهو ي ْ
22
ولألسف ،كان ممن وقع في القول فيها في هذه الحادثة حسان بن ثابت
الشاعر المعروف بدفاعه عن رسول هللا ،2ثم ندم أشد الندم
بعد ذلك ،ودخل يوما على عائشة فأنشدها قصيدة اعتذاره التي يقول
في مطلعها:
23
حُكم اإلسالم في مَن س بَّ أ مَّ املؤمنني عائشة
سب
أن من َّ السَّنة والجماعة على َّ أجمع علماء اإلسالم قاطب ًة ِمن أهل ُّ
ْ
ِ
َّأم المؤمنين عائشة رضى هللا عنها ورماها بما برَّأها هللا منه أنه كافٌر،
بكر وعمر جلِد،
مالك َّ Rأنه قال :من س َّب أبا ٍ وروي عن اإلمام ِ
ومن س َّب عائشة قِتل ،قيل لهِ :لم يقتل في عائشة؟ قال مالك :من
فقد خالف القرآن ،ومن خالف القرآن قِتل.
رماها ْ
صحيح ،وهي ِرَّدة َّ
تامة، ٌ حزم :Rقول مالك هذا قال اإلمام ابن ْ
النووي :R ُّ ط ِعه ببراءتها .وقال اإلمام
وتكذيب هلل تعالى في ق ْ
ٌ
ِ ِ
براءة عائشة رضى هللا عنها من اإل ْفك ،براءةٌ قطعية بنص القرآن
كافر مر ًّتدا
إنسان -والعياذ باّلِل -صار ًا
ٌ العزيز ،فلو ت َّ
شكك فيها
بإجماع المسلمين.
ِ
24
هل كان هناك عداوة بني عائشة وعلى ؟
تمتلئ لألسف المراجع التاريخية بروايات عقيمة تؤكد على وجود عداوة
كبيرة بين السيدة عائشة واإلمام علي ،وبعض هذه الروايات أحقر من
أن يرد عليها لفضوح كذبها ،كالروايات التي تبرر تلك العداوة المزعومة
بسبب الغيرة بين فاطمة وعائشة ألن عائشة لم ترزق بأوالد مثل فاطمة،
أو أن عائشة تسببت في منع انتقال الخالفة لعلي وسهلت نقلها ألبيها،
إلى غير ذلك من التفاهات التي ال تحتاج لرد.
لكن ،والحق يقال ،أرى أنه كان بين السيدة عائشة واإلمام علي نوع من
العتاب وليس نوع من العداوة ،وفى ظني أن السبب يرجع إلى موقف
اإلمام علي في حادثة اإلفك ،فإنه لما تأخر نزول الوحي في تبيان ما
َّللاِ صَّلى
حدث ،تقول السيدة عائشة في رواية البخاري :فدعا رسول َّ
َّللا عل ْي ِه وسَّلم علِ َّي ْبن أِبي طالِ ٍب وأسامة ْبن زْي ٍد ،ي ْسألهما وي ْست ِشيرهما َّ
َّللاِ ِب َّال ِذي ي ْعلم ِم ْن براء ِة اق أ ْهلِ ِه ،فأ َّما أسامة فأشار على رس ِ
ول َّ ِفي ِفر ِ
ِال ِذي ي ْعلم له ْم ِفي نْف ِس ِه ،وقال :ال ن ْعلم ِإ َّال خ ْي ًار ،وأ َّما علِ ٌّي
أهلِ ِه ،وب َّ
ْ
ير ،وس ِل ِ ِ ِ ِ
َّللا ،ل ْم يضِي ِق َّ
َّللا عل ْيك ،والنساء سواها كث ٌ فقال :يا رسول َّ
َّللا عل ْي ِه وسَّلم ب ِريرة ،فقال :أ ْي َّللاِ صَّلى َّ
صد ْقك ،فدعا رسول َّ الج ِارية ت ْ
ب ِريرة ،ه ْل أرْي ِت ِم ْن شي ٍء ي ِريب ِك؟ قال ْت ب ِريرة :و َّال ِذي بعثك ِبالح ِق ،ما
ْ
َّللا عل ْي ِه وسَّلم ِم ْن
َّللاِ صَّلى َّ ط أ ْغ ِمصه .فقام رسول َّ أريت عليها أم ار ق ُّ
ْ ًْ ْ
ي ْو ِمه فقال :يا م ْعشر الم ْسلِ ِمين ،م ْن ي ْع ِذرِني ِم ْن رج ٍل ق ْد بلغِني ع ْنه ِ
25
باختصار من صحيح َّللاِ ما علِ ْمت على أ ْهلِي ِإ َّال خ ْي ًار.
أذاه ِفي أ ْهلِي ،و َّ
البخاري
وكان موقف علي في هذه المشورة مناسبا لطبيعة أقارب الزوج في
مثل هذه األحوال ،فقد فضل ما ظن أن فيه مصلحة النبي حتى لوكان
ذلك على حساب عائشة .وموقفه هذا موقف إنساني قد يختلف الناس
في تفسيره وتبريره وقبوله أو رفضه ،لكن لن يختلفوا في أن علي لم
يسيء إلى السيدة عائشة ولم يتهمها بسوء ،هو فقط أراد بطريقته أن
يريح النبي من هذا الغم والهم الشديد دون أن يتهم عائشة بشيء.
ولكن عائشة ،وبالتأكيد ،كانت تتوقع منه أفضل من ذلك ،وكانت تتوقع
منه شهادة واضحة فى حقها ،على األقل كما دافع أسامة بن زيد .أو
كما دافع عمر وهو والد حفصة إحدى زوجات النبي المنافسات لعائشة
في المكانة فإن عمر لما رأى حزن النبي وقت هذه األحداث ،جاء فسأل
النبي فقال :من زوجها لك يا رسول هللا؟ فقال :2هللا .قال
عمر :أفتظن أن هللا دلس عليك فيها!! ،يقصد أن هللا الذى اختارها لك
،وال يمكن أن يختار لك إال طاهرة مطهرة .وغير ذلك من الشهادات
من الصحابة ،ولذلك نقول أنه كان في قلب عائشة نوع من العتاب
نحو اإلمام علي ،وليس نوع من العداوة.
ولعل أصدق رد على من زعموا بوجود عداوة بينهما تلك الرواية في
الطبري التي تصف ما حدث بعد انتهاء معركة الجمل :ففي يوم رحيلها
(رحيل عائشة) جاءها على ،ومعه وجهاء الناس ،فخرجت عائشة
26
عليهم ،وودعوها ،وودعتهم ،وقالت :يا بنى ،تعتَّب بعضنا على بعض
(أي كان بيننا نوع من العتاب) ،إنه وهللا ما كان بينى وبين على فى
القديم إال ما يكون بين المرأة وأحمائها (أقارب الزوج)
وقال على:
َ ّ ْ
أيها الناس ،صدقت واهلل وبرت ،ما كان بيىن وبينها إَّل ما
قالت ،وإنها لزوجة نبيكم فى الدنيا واآلخرة.
وهذا هو القول الفصل في هذه العالقة التي شابها بعض ما يكون بين
المرأة وأقارب زوجها ،وليس أكثر من ذلك.
27
بيت عائشة
عاشت عائشة رضى هللا عنها مع رسول هللا 2في تناغم
وحب ومودة ،في منزل من حجرة واحدة مبنية من جريد النخل مستورة
بشعر الغنم ،ويمكن للداخل أن يلمس سقفها بيده!!!.
وقد أوضحت عائشة تواضع حال هذه الحجرة وهى تصف كيف كان
2يقوم من الليل يصلى في الظلمة وعائشة نائمة أمامه .تقول
َّللا عل ْي ِه
َّللاِ صَّلى َّ
ول َّ عائشة :ك ْنت أنام ب ْين يدي رس ِ
ْ
وسَّلم وِر ْجالي ِفي ِقْبلِت ِه ،فِإذا سجد غمزني (بسبب ضيق المكان)،
ِ
طتهما ،قال ْت :والبيوت ي ْومِئ ٍذ ل ْيس ِفيها
ضت ِر ْجل َّي ،فِإذا قام بس ْفقب ْ
مصاِبيح .رواه البخاري.
ودفن النبي 2في حجرة عائشة ،وكانت رضى هللا عنها قد
رأت في منامها كأن ثالثة أقمار سقطن في حجرتها .قال أبو بكر :يا
اك ي ْدفن ِفي ب ْيِت ِك خ ْير أ ْه ِل األ ْر ِ
ض ثالث ٌة ،فلما ع ِائشةِ ،إن تصدق رؤي ِ
ْ ْ ْ ْ
ك المستدرك علىمات النبي قال لها أبو بكر :يا ع ِائشة ،هذا خير أْقم ِارِ
ْ
الصحيحين .ثم دفن أبو بكر وعمر وسقطت في حجرتها األقمار الثالثة.
28
عائشة الزاهدة
اهدة في الدنيا ،والروايات الواردة في سعة
كانت أم المؤمنين عائشة ز ًو ْ
إنفاقها كثيرة ،فقد كان الخلفاء وكبار الصحابة يتنافسون في إكرام أمهات
المؤمنين ،وعلى رأسهم عائشة ،فكان يأتيها مال وفير ،لكنها سرعان ما
قت يوما بس ْب ِعين ألًفا; و َّإنها لترِقع َّ
تصد ْ كانت تتصدق به ،حتى أنها
جلبابها.
29
وفاة عائشة
نالت السيدة عائشة شرف خدمة النبی 2وتمريضه في أيامه
األخيرة ،فمات رسول هللا 2ورأسه على صدرها ..وكان آخر
شيء دخل جوفه هو ريقها رضى هللا عنها ،فإنه أحب أن يتسوك وكان
السواك شديدا فقالت :ألينه لك؟ فأشار برأسه نعم ،فلينته بريقها ووضعته
في فمه .ثم عاشت أم المؤمنين بعد رسول هللا ما يقرب من نصف
قرن ،كانت فيها المعلمة والفقيهة والراوية لحديث رسول هللا.
ودفنت رضى هللا عنها في نفس الليلة التي ماتت فيها ،وصلى عليها
أبو هريرة ،ونزل في قبرها خمسة من أبناء أخوتها :عبد هللا وعروة ابنا
الزبير (ابنا أختها أسماء بنت أبي بكر) ،والقاسم بن أخيها محمد بن
أبى بكر (وهو من نشأ يتيما في حجرها وورث علمها فكان فقيه
المدينة) ،وعبد هللا بن محمد بن أبي بكر ،وعبد هللا بن عبد الرحمن بن
أبي بكر رضي هللا عنهم أجمعين .ونزل أهل العوالي وجاء أهل األماكن
البعيدة ليشهدوا جنازتها ،فلم تر ليلة أكثر ناسا منها ..كيف ال ..وهم
يودعون أمهم أم المؤمنين حبيبة رسول هللا وزوجته في الدنيا واآلخرة.
30