You are on page 1of 30

‫قبس من نور الصحابة والتابعني‬

‫د‪ .‬محمود جيالني‬

‫السيدة عائشة‬

‫‪1‬‬
‫‪T‬‬
‫مقدمة‪3 ............................................................................................‬‬
‫سن السيدة عائشة عند الزواج‪4 .................................................‬‬
‫عائشة اختيار هللا لرسوله‪6 ..........................................................‬‬
‫عائشة العاقلة‪7 ..............................................................................‬‬
‫عائشة المباركة‪9 .............................................................................‬‬
‫عائشة البليغة ‪12 .................... ................................‬‬
‫عائشة حبيبة رسول هللا ‪14 ........................................‬‬
‫بين الرضا والغضب ‪17 .............. ................................‬‬
‫غيرة عائشة ‪18 ....................... ................................‬‬
‫حادثة االفك ‪20 ....................... ................................‬‬
‫سب أ َّم المؤمنين عائشة ‪24 ...............‬‬
‫َّ‬ ‫فيمن‬
‫حكم اإلسالم َ‬
‫ُ‬
‫هل كان هناك عداوة بين عائشة وعلى ؟ ‪25 ....................‬‬
‫بيت عائشة ‪28 ....................... ................................‬‬
‫عائشة الزاهدة‪29 ...........................................................................‬‬
‫وفاة عائشة‪30 ................................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬
‫كانت عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق اختيا ار إلهيا لرسوله‬
‫ولألمة اإلسالمية كلها‪ ...‬فهى لم تعقل الدنيا إال وأبواها مسلمان فنشأت‬
‫مسلمة في بيت مسلم‪ ،‬ثم انتقلت لبيت النبوة تتشرب من علم النبوة‪.‬‬
‫وينتقل عليه السالم إلى الرفيق األعلى لتبقى هي من بعده في قمة‬
‫الشباب وموفور العقل‪ ،‬متفرغة لحمل أمانة التبليغ عن رسول هللا‬
‫‪ 2‬حتى السنة الثامنة والخمسين من الهجرة‪ ،‬حتى قالوا إن‬
‫ربع األحكام الشرعية جاءت عن عائشة‪.‬‬

‫قال الصحابي الجليل أبو موسى األشعري ‪:‬‬


‫ٌ َ ُّ َ ََ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ ْ َّ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ما أشكل على أصحاب رسول لله ‪2‬حدِيث قط فسألنا عنه‬
‫َ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ً‬
‫عائِشة‪ ،‬إَّل وجدنا عِندها مِنه عِلما صحيح الترمذى‬

‫لقد كانت حياتها صورة صادقة لحياة المرأة المسلمة كما أرادها اإلسالم‬
‫حقا‪ ،‬وال نجاوز الحد إذا قلنا إن السيدة عائشة هي أبرز امرأة في تاريخنا‬
‫الفكري واالجتماعي والسياسي؛ وأنها أفقه نساء األمة على اإلطالق‪،‬‬
‫وروى عنها خلق ال يحصون من علماء األمة ورواتها‪ .‬قال الحافظ‬
‫الذهبي‪ :‬م ْسند عائشة (أي األحاديث التي روتها) يبلغ أْلفين ومائتين‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومسلم لها على مائة وأربعة وسبعين‬ ‫وعشرة أحاديث؛ اتَّفق البخار ُّي‬
‫ٌ‬
‫بعة وخمسين‪ ،‬وانفرد مسِلم ِبتسعة ِ‬
‫وستين‪.‬‬ ‫حديثًا‪ ،‬وانفرد البخار ُّي بأر ٍ‬
‫ٌ‬

‫‪3‬‬
‫سن السيدة عائشة عند الزواج‬
‫وعائشة ولدت مسلمة ألبوين مسلمين‪ ،‬وهى الوحيدة من أمهات‬
‫المؤمنين التي أبوها وجدها صحابيان‪ ،‬ولم يتزوج النبي امرأة أبواها‬
‫مهاجران سواها‪ ،‬ولم يتزوج النبي ِب ْك اًر غيرها‪ ،‬وال أحب امرأة حبها‪ .‬قال‬
‫اإلمام الذهبي شيخ المؤرخين‪:‬‬

‫وَّل أعلم يف أمة حممد وَّل يف النساء مطلقا امرأة أعلم منها‬

‫تزوجها رسول هللا ‪ 2‬في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة‬


‫بدر‪ ،‬وسنها على األرجح بين ‪ 17-14‬عام‪ ،‬وهذا هو األصح رغم ما‬
‫يشاع من أنه تزوجها وعمرها تسع سنوات وخطبها وعمرها ستة أعوام!!‬
‫ولألسف ورد هذا الكالم في رواية للبخاري‪ ،‬إال أن هذه الرواية تتعارض‬
‫مع روايات أخرى كثيرة‪ ،‬بعضها في البخاري أيضا (ويمكن الرجوع إليها‬
‫في األبحاث الخاصة بعمر السيدة عائشة)‪.‬‬

‫الناس ع ِن‬ ‫فمن ذلك حديث أنس بن مالك قال‪ :‬ل َّما كان ي ْوم أح ٍد‪ْ ،‬انهزم َّ‬
‫وسلم‪ ،‬ولق ْد أرْيت ع ِائشة ْبنت أِبي ب ْك ٍر‪ ،‬وأ َّم سل ْي ٍم‬ ‫النبي صَّلى هللا عليه َّ‬ ‫ِ‬
‫القرب‬ ‫ان‪ ،‬ت ْنقال ِن ِ‬ ‫(وهي أم أنس بن مالك راوى الحديث) و َّإنهما لمش ِمرت ِ‬
‫ان فت ْمَلِنها‪ ،‬ث َّم‬ ‫على ظهورهما‪ ،‬ث َّم تْف ِرغ ِان ِه في أ ْفو ِاه الق ْومِ‪ ،‬ث َّم ت ْرِجع ِ‬
‫ان فتْف ِرغ ِانها في أ ْفو ِاه الق ْو ِم‪ .‬رواه البخارى‪ .‬وقد رد الرسول ‪2‬‬ ‫ت ِجيئ ِ‬
‫يوم بدر ويوم أحد شبابا من أصحابه كانوا في سن الرابعة عشر‪ ،‬فهل‬
‫رد ‪ 2‬هؤالء الشباب وسمح لعائشة وهى بنت ‪ 10‬سنين في‬

‫‪4‬‬
‫زعمهم أن تخرج يوم أحد مع الجيش بعد زواجه منها بسنة واحدة؟ هذا‬
‫بالتأكيد ال يعقل‪ ،‬وهذا ما يؤكد ما ذكره الكثيرون من أن عمرها يوم أحد‬
‫كان ال يقل عن ‪ 17‬عاما‪.‬‬

‫وقياساً على عمر أختها أسماء بنت أبي بكر‪ ،‬والتي هي أسن منها‬
‫بعشر سنين‪ ،‬وقد توفيت أسماء عام ‪73‬هـ وعمرها ‪ 100‬عام فيكون‬
‫سن أسماء عام الهجرة ‪ 27‬سنة‪ ،‬وسن عائشة عام الهجرة ‪ 17‬سنة‪،‬‬
‫أي أنه ‪ 2‬تزوج عائشة بالمدينة وعمرها ‪ 18‬سنة‪.‬‬

‫ونشير أيضا إلى أنها كانت مخطوبة البن المطعم بن عدى قبل أن‬
‫يخطبها رسول هللا ‪ ،2‬فأتى أبو بكر المطعم بن عدي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما تق ْول ِفي أ ْم ِر هِذِه الج ِاري ِة؟ فسأل المطعم زوجته‪ ،‬فقالت ألبي بكر‪:‬‬
‫دخله ِفي ِد ْيِنك الذي أنت عل ْي ِه‪ ،‬فرأى‬
‫لعَّلنا ِإن أ ْنكحنا هذا الفتى ِإليك ت ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اء لذمته من خطبة المطعم لعائشة‪ .‬فهل كانت‬ ‫أبو بكر في ذلك إبر ً‬
‫مخطوبة البن المطعم بن عدى وعمرها أقل من أربع سنوات مثال؟ هذا‬
‫بالطبع ال يقبله عقل‪.‬‬

‫وبالتالي تصبح رواية البخارى التي ذكرت أن الرسول تزوجها وعمرها‬


‫‪ 9‬سنوات رواية مرفوضة متناً ومضطربة حتى لو صحت سندا‪ ،‬وهذا‬
‫ال يقدح في قيمة صحيح البخاري‪ ،‬لكنه ليس قرآنا والخطأ فيه وارد من‬
‫قبل بعض الرواة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫عائشة اختيار اهلل لرسوله‬
‫ضراء إلى‬ ‫ير خ ْ‬‫أن جبريل جاء ِبصورِتها في قطعة ح ِر ٍ‬
‫روى الترمذى َّ‬
‫وسلم فقال هذه زوجتك في الدنيا واآلخ ِ‬
‫رة‪ .‬رواه‬ ‫صلى هللا ِ‬
‫عليه َّ‬ ‫النبي َّ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫البخاري بلفظ قريب‪.‬‬

‫وعائشة لم تتميز فقط بكونها الزوجة الِبكر الوحيدة كما قالت‪ :‬لَقَ ْد‬
‫غي ِْري‪ ،‬بل هي أيضا الوحيدة التي رأت‬
‫ت َزَ َّو َجنِي ِب ْك ًرا َو َما تَزَ َّو َج ِب ْك ًرا َ‬
‫جبريل عليه السالم مباشرة‪ ،‬فعن مسروق (مولى عائشة) قال‪ :‬قالت لي‬
‫عائشة رضى هللا عنها‪ :‬لقد رأيت جبريل واقفا في حجرتي على فرس‪،‬‬
‫ورسول هللا ‪ 2‬يناجيه‪ ،‬فلما دخل قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬من هذا‬
‫شب ِ‬
‫هته؟"‬ ‫الذي رأيتك تناجيه؟ قال‪" :‬وهل ر ِ‬
‫أيته؟" قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪" :‬فبمن َّ‬
‫كثيرا‪ ،‬ذاك جبريل"‪ .‬قالت‪:‬‬
‫خير ً‬
‫قلت‪ :‬بدحية الكلبي‪ .‬قال‪" :‬لقد رأيت ًا‬
‫يسير حتى قال‪:‬‬
‫فما لبثت إال ًا‬

‫"يا عائشة‪ ،‬هذا جربيل يقرأ عليك السالم"‪ .‬قلت‪ :‬وعليه‬


‫ً‬
‫السالم‪ ،‬جزاه اهلل من دخيلٍ خريا" متفق عليه‬

‫ولما كانت عائشة هي الِبكر الوحيدة بين نساءه فكانت تتدلل بذلك أمام‬
‫رسول هللا في بالغة وأدب رفيع المستوي‪ ،‬حيث تقول‪ :‬يا رسول هللا‪:‬‬
‫أريت لو ن ْزلت و ِاديا وف ِ‬
‫يه شجرةٌ ْقد أ ِكل منها‪ ،‬ووج ْدت شج ًار ل ْم ي ْؤك ْل‬ ‫ً‬ ‫أْ‬
‫منها‪ ،‬في ِأيها ك ْنت ت ْرِتع ب ِعيرك؟ قال‪ :‬في الذي ل ْم ي ْرت ْع منها قالت‪" :‬‬
‫فأنا هي" صحيح البخاري‪ ،‬تعني أنه ليس من زوجاته إال من تزوجت قبله‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫عائشة العاقلة‬
‫كان أبرز ما يميز السيدة عائشة أنها كانت عاقلة حكيمة‪ ،‬وكان من‬
‫شيئا ال تقتنع به عقال َّإال راجع ْت فيه‬
‫كمال عقلها أنها كان ْت ال ت ْسمع ً‬
‫الرسول حتَّى ت ْع ِرفه ويفسره لها‪ ،‬فحين ذكر الرسول يوما أمامها أنه ليس‬
‫أحٌد يحاسب َّإال هلك‪ ،‬لم تستطع أن تقبل ذلك بعقلها بسهولة‪ ،‬فراجعت‬
‫َّللا َّ‬
‫عز‬ ‫َّللاِ جعلِني َّ‬
‫َّللا ِفداءك‪ ،‬أليس يقول َّ‬ ‫النبي بأدب وقالت‪ :‬يا رسول َّ‬
‫وجل‪ :‬ﱩ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﱨ‬
‫َّ‬
‫فقال ‪ :2‬ذاك العرض يعرضون ‪ ،‬ومن نوِقش ِ‬
‫الحساب هلك‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يعنى أنه في مرحلة العرض يأخذ كل إنسان مؤمن كتابه‬ ‫رواه البخاري‬

‫بيمينه‪ ،‬ويعرض عليه ما فيه بحساب يسير ليطمئن أن كل عمل عمله‬


‫في الدنيا مسجل ومدون‪ ،‬ثم في مرحلة الحقة إذا نوقش في تفاصيل‬
‫كتابه فهنا يعذب‪.‬‬

‫وحين سمعت عائشة رضى هللا عنها الرسول ‪ 2‬يقول‪ :‬من‬


‫كره لقاء هللاِ ِ‬
‫كره هللا لقاءه‪ ،‬قالت‬ ‫أح َّب لقاء هللاِ أح َّب هللا لقاءه ومن ِ‬
‫بي‬
‫الن ُّ‬‫بعفوية‪َّ :‬إنا نكره الموت فهل هذا يعنى أننا نكره لقاء هللاِ؟ فقال َّ‬
‫ضو ِان ِه‬ ‫وسلم‪ :‬ال‪ ،‬ول ِك َّن اْلمؤ ِمن ِإذا ب ِشر ِبرحم ِة َّ ِ‬
‫َّللا وِر ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صلى هللا عليه َّ‬ ‫َّ‬
‫اب‬‫ِن اْلك ِافر ِإذا ب ِشر ِبعذ ِ‬ ‫َّللاِ‪ ،‬فأح َّب َّ‬
‫َّللا لِقاءه‪ ،‬وإ َّ‬ ‫وجَّنِت ِه‪ ،‬أح َّب لِقاء َّ‬
‫َّللاِ‪ ،‬وك ِره َّ‬
‫َّللا لِقاءه‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫َّللاِ وسخ ِط ِه‪ ،‬ك ِره لِقاء َّ‬
‫َّ‬

‫‪7‬‬
‫وهناك مواقف كثيرة تثبت كمال عقل عائشة وهى تسأل‪ ،‬وكمال عقلها‬
‫وهى تراجع الرسول في أقواله لتسأل وتفهم‪ ،‬وال تستحى أن تجادل‬
‫وتناقش‪.‬‬

‫كما كانت عائشة جريئة ذات شخصية مستقلة ال تنتظر من يوجهها‪،‬‬


‫وكان هذا شيء ملفتا في بيئتها‪ ،‬فتحكى عائشة موقف لها في غزوة‬
‫اس‪ ،‬فهى تريد أن‬ ‫الن ِ‬
‫الخندق‪ ،‬فتقول‪ :‬خر ْجت ي ْوم اْلخ ْند ِق أ ْقفو أثر َّ‬
‫تعرف أخبار رسول هللا وأخبار المسلمين في الحصار‪ ،‬تقول‪ :‬فا ْقتحمت‬
‫َّللا‬
‫ضي َّ‬ ‫اب ر ِ‬ ‫يهم عمر بن اْلخ َّ‬
‫ط ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫حديق ًة‪ ،‬فإذا فيها نفٌر من اْلم ْسلمين ف ْ‬
‫َّللاِ ِإَّن ِك لج ِريئةٌ‪ ،‬ما ي ْؤ ِمن ِك‬
‫ع ْنه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وْيح ِك ما جاء ِب ِك لع ْمرِي و َّ‬
‫أ ْن يكون هناك بالء أو خطر‪ ،‬قال ْت‪ :‬فما زال يلومِني حتَّى تمَّن ْيت أ َّن‬
‫َّللاِ (وهو‬ ‫ْاأل ْرض ق ِد ْانشَّق ْت فدخْلت ِفيها‪ ،‬فما أسكته إال طْلحة ْبن عب ْي ِد َّ‬
‫زوج أم كلثوم بنت أبي بكر‪ ،‬أخت عائشة) فقال مدافعا عن عائشة‪:‬‬
‫َّللاِ؟‪ .‬أي أن‬
‫وْيحك يا عمر‪ِ ،‬إَّنك ق ْد أ ْكث ْرت اْلي ْوم‪ ،‬وأ ْين اْلِفرار ِإ َّال ِإلى َّ‬
‫المؤمن حتى مع الحذر‪ ،‬يجب أن يؤمن أنه ال فرار من قدر هللا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫عائشة املباركة‬
‫من بركة السيدة عائشة أن هنالك الكثير من أحكام اإلسالم ارتبطت‬
‫في أسبابها بالسيدة عائشة‪ ،‬فمن ذلك أن المسلمين خرجوا في غزوة‬
‫وهى معهم ‪ ،‬فانقطع عقدها‪ ،‬فأقام الرسول يلتمسه حتى طلع الفجر‬
‫وليس معهم ماء للوضوء‪ .‬تقول السيدة عائشة‪ :‬فلقيت من أبي ما هللا‬
‫به عليم من التعنيف‪ ،‬وقال‪ :‬في كل سفر للمسلمين منك عناء وبالء‬
‫(يشير إلى ما كان منها في حادث اإلفك) فأنزل هللا في هذه الغزوة‬

‫رخصة التيمم في قوله تعالى في سورة النساء‪ :‬ﱩ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬


‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﱨ فقال أبو بكر لعائشة بعد نزول هذه الرخصة للمسلمين‪:‬‬

‫واهلل ما علمت يا بنية إنك ملباركة‪،‬‬

‫إذ جعل هللا للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر‪ .‬وكان أسيد‬
‫بن حضير يقول لها‪ :‬جزاكِ هللا ً‬
‫خيرا‪ ،‬فوهللا ما نزل بك أمر قط إال‬
‫جعل هللا لكِ منه مخر ًجا‪ ،‬وجعل للمسلمين فيه بركة" متفق عليه‪.‬‬

‫ومن بركة السيدة عائشة أن النساء كن يأتين إليها يشتكين أزواجهن‬


‫لترفع شكواهن للرسول فينزل الوحي في حجرتها بحل المشكلة‪ ،‬كما‬
‫حدث في مشكلة تعدد مرات الطالق‪ ،‬حيث جاءت امرأة إليها تقول إن‬

‫‪9‬‬
‫زوجها قال لها‪ " :‬وهللا ال أطلقك فتتزوجين بعدى وال أ ِ‬
‫ويك" ‪ ،‬فقالت‬
‫عائشة‪ :‬وكيف له ذلك؟ قالت المرأة‪ :‬يطلقنی حتی إذا قربت ِ‬
‫العدة يردني‬
‫ثم يطلقني وهكذا‪ .‬ولم تكن اآلية التي تحدد عدد مرات الطالق قد نزلت‬
‫بعد‪ ،‬فنزلت في حجرة عائشة آيات من سورة البقرة‪ :‬ﱩ ﮦ ﮧﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﯺ ﱨ ‪ ،‬فلم يعد ممكنا للرجل أن يطلق امرأته‬
‫ثم يردها‪ ،‬ثم يطلقها‪ ،‬ثم يردها إلى ما النهاية‪.‬‬

‫كما ارتبط أيضا بعائشة حكم الظهار (وهو أن يقول الرجل لزوجته أنت‬
‫على كظهر أمي وال يطلقها)‪ ،‬فقد جاءت خولة بنت ثعلبة إلى‬‫محرَّم ٌة َّ‬
‫َّللاِ‪ ،‬أكل شبابي‪ ،‬ونثرت له‬
‫بيت عائشة تشكو زوجها وتقول‪ :‬يا رسول َّ‬
‫بطني (بمعنى أنجبت له الكثير من األوالد)‪ ،‬حتَّى إذا كبر ْت ِسِني‪،‬‬
‫مني (أي حرم على نفسه معاشرتها)‪ .‬ثم توجهت‬ ‫وانقطع ولدي‪ ،‬ظاهر ِ‬
‫هم ِإني أشكو إليك‪ .‬فما قامت من مجلسها‬ ‫إلى هللا بالدعاء فقالت‪َّ :‬‬
‫الل َّ‬
‫في حجرة عائشة حتَّى نزل ِجبرائيل بآيات سورة المجادلة وفيها تحريم‬
‫هذا الفعل‪ .‬ﱩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭿ ﱨ صحيح ابن ماجة‬ ‫ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬

‫ِ‬
‫الحديث تقول أ ُّم المؤمنين عائشة رضى هللا عنها‪:‬‬ ‫وفي هذا‬

‫‪10‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ َ َّ‬
‫بنت‬
‫ِ‬ ‫ولة‬ ‫خ‬ ‫كالم‬ ‫ع‬ ‫ألمس‬ ‫ي‬ ‫إن‬ ‫‪،‬‬ ‫يء‬
‫ٍ‬ ‫ش‬ ‫كل‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫مس‬ ‫ع‬ ‫وس‬
‫ِ‬ ‫ذي‬ ‫"تبارك ال‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫البيت‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ناحية‬
‫ِ‬ ‫يف‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫بعض‬ ‫علي‬ ‫فى‬ ‫خ‬ ‫وي‬ ‫علبة‬ ‫ث‬

‫وقد مسعها اهلل من فوق سبع مسوات‬

‫وهنا يظهر جليا الحس اإليماني المرهف من للسيدة عائشة وهى تنبه‬
‫إلى قدرة هللا سبحانه الذى سمع المرأة من فوق سبع سماوات بينما‬
‫عائشة تجلس بجوارها في الغرفة وال تكاد تتبين كالمها‪ ،‬فسبحان من‬
‫وسع سمعه كل شيء‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫عائشة البليغة‬
‫وكانت رضى هللا عنها فصيحة بليغة أديبة‪ ،‬ونورد هنا فقط إشارات‬
‫بسيطة لعمق ثقافة السيدة عائشة‪ ،‬فقد روى أنه لما قتل أخوها مح َّمد‬
‫صغار‪ ،‬ف ْأرسلت عائشة أخاها عبد‬
‫ا‬ ‫بن أبي بكر في مصر‪ ،‬ترك أوالدا‬
‫َّحمن (وهو شقيقها الوحيد أما وأبا) إلى مصر فجاء بأبناء أخيه‬ ‫الر ْ‬
‫الصغار من مصر‪ ،‬ثم أخذتهم عنه ع ِائشة فربتهم ِإلى أن كبروا (وكان‬
‫من ضمن هؤالء اليتامى القاسم بن محمد بن أبي بكر الذى صار أحد‬
‫ثم دعت بعد سنين‬
‫الفقهاء السبعة بعد ذلك وهو ربيب عمته عائشة)‪َّ ،‬‬
‫َّحمن ال ت ِجد ِفي نفسك (ال تغضب)‬
‫َّحمن فقالت‪ :‬يا عبد الر ْ‬
‫أخاها عبد الر ْ‬
‫من أخذي بني أ ِخيك دونك‪ ،‬ولكنه ْم كانوا صبيانا‪ ،‬فخ ِشيت أن تتأفف‬
‫بهم نساؤك‪ ،‬فكنت ألطف بهم وأصبر عل ْي ِهم‪ ،‬فخذهم اآلن ِإل ْيك‪ ،‬وكن‬
‫لهم كما كان حجية بن المضرب لبني أ ِخيه معدان‪.‬‬
‫وحجية بن المضرب هذا الذى تستشهد به عائشة في كالمها هو ش ِ‬
‫اعر‬
‫ارس‪ ،‬ذكروا من قصته أنه كان ج ِالسا ذات ي ْوم ِبفناء بيته‬‫يم ف ٌ‬ ‫جاهلي كر ٌ‬
‫يه بقايا لبن‪ ،‬فقال لها‪ :‬أ ْين تريدين‬ ‫فخرجت ج ِارية ِبقع ٍب مكسور ِف ِ‬
‫ْ‬
‫لشدة اْلحزن لما رأى‬ ‫بالقعب؟ فقالت بني أ ِخيك اْليتامى‪ ،‬فوجم وأطرق َّ‬
‫أبناء أخيه اليتامى يشربون من هذا اإلناء المكسور‪ ،‬وأمر من يومه أال‬
‫تدخل األبل عند رجوعها من المرعى إلى بيته قبل أن تذهب أوال إلى‬

‫‪12‬‬
‫بيت أبناء أخيه اليتامى‪ .‬فهذا ما قصدته عائشة‪ ،‬وهى تنصح أخاها‬
‫عبد الرحمن بحسن رعاية أبناء أخيه محمد‪.‬‬

‫وبلغ من فصاحة عائشة أن قال األحنف بن قيس في حقها ‪:‬‬


‫َ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫َ ُ َ َ ْ ْ َ َّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ُ ُ ْ َََ‬
‫ن‬
‫سمِعت خطبة أبِي بكرٍ الصديقِ‪ ،‬وعمر بنِ الخطابِ‪ ،‬وعثمان ب ِ‬
‫َ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ ََُ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ِّ ْ َ‬
‫معت‬ ‫مي هذا‪ ،‬فما س ِ‬ ‫اء ِإلى يو ِ‬
‫ب والخلف ِ‬ ‫ال ٍ‬
‫ن أ ِبي ط ِ‬ ‫عفان‪ ،‬وع ِلي ب ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُْ ْ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ ُْ‬
‫ائشة‪.‬‬
‫من ِفي ع ِ‬
‫منه ِ‬ ‫وق‪ ،‬أفخم‪ ،‬وَّل أحسن ِ‬ ‫م مخ ل ٍ‬ ‫من ف ِ‬ ‫الكالم ِ‬

‫واألحنف بن قيس هو سيد قبيلة تميم‪ ،‬وهي من أكبر قبائل العرب‪،‬‬


‫وكان يضرب به المثل في الحلم‪ ،‬وكان من سؤدده ومكانته في قومه‬
‫أن قال عنه معاوية بن أبي سفيان‪ :‬هذا الذي إذا غضب َغ َضب له‬
‫مئة ألف ال يدرون فيم َغ ِضب!! ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫عائشة حبيبة رسول اهلل‬
‫ولم يكن رسول هللا ‪ 2‬يخفي حبه لعائشة‪ ،‬بل كان يعلنه أمام‬
‫الجميع رجاال ونساء‪ ..‬فقد سأله يوما عمرو بن العاص‪ ":‬أي الناس‬
‫أحب إليك يا رسول هللا؟ فقال بدون تردد‪ :‬عائشة‪ .‬قال عمرو‪ :‬فمن‬
‫صحيح ابن ماجة‬ ‫الرجال؟ قال‪ :‬أبوها "‪.‬‬

‫وقال أنس بن مالك‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫" أول حب كان يف اإلسالم حب النبي لعائشة "‬

‫وبهذا الوصف الرائع يمكن تخيل حياة عائشة مع الرسول‪.‬‬


‫وكان ابن عباس يقول لها‪ِ :‬‬
‫كنت أحب نساء رسول هللا إليه‪ ،‬ولم يكن‬
‫يحب إال طيبا‪.‬‬

‫وكان حب رسول هللا ‪ 2‬لعائشة من األمور المعلومة والظاهرة‬


‫لدى المسلمين جميعا‪ ،‬األمر الذي كان يجعل المسلمين في المدينة‬
‫يتحرون بهداياهم يوم عائشة ؛ قالت عائشة‪ :‬فاجتمعن صواحبي إلى أم‬ ‫َّ‬
‫أن ي ْه ِدي‬ ‫الناس‪ ،‬فيقول‪ :‬من أراد ْ‬ ‫َّللاِ يكلِم َّ‬
‫سلمة‪ ،‬فقلن لها‪ :‬كلِ ِمي رسول َّ‬
‫وت ِنس ِائ ِه‪ ،‬فكَّلم ْته أ ُّم‬
‫َّللاِ ه ِدَّي ًة‪ ،‬فْليه ِدِه إلي ِه حيث كان ِمن بي ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫إلى ر ِ‬
‫سول َّ‬
‫شيئا‪ ،‬وكررت ذلك مرتين‪ ،‬فقال لها‪ :‬ال‬ ‫سلمة بما قْلن‪ ،‬فل ْم يق ْل لها ً‬
‫َّللاِ‪.‬‬
‫َّللاِ ِمن أذاك يا رسول َّ‬
‫ت ْؤِذ ِيني في ع ِائشة‪ ،‬قال ْت‪ :‬فقال ْت‪ :‬أتوب إلى َّ‬
‫صحيح البخاري‬

‫‪14‬‬
‫سول هللاِ‪ .‬تقول عائشة‪:‬‬‫اطمة ْبنت ر ِ‬ ‫النبي ‪ 2‬ف ِ‬ ‫ثم أ ْرسل أ ْزواج ِ‬
‫ضط ِج ٌع م ِعي في ِم ْر ِطي (كساء يشبه الشال يمكن‬ ‫استأْذن ْت عليه وهو م ْ‬
‫فْ‬
‫فأذن لها‪ ،‬فقال ْت‪ :‬يا رسول هللاِ‪َّ ،‬‬
‫إن أ ْزواجك‬ ‫لبسه داخل وخارج البيت)‪ِ ،‬‬
‫أرسْلنِني إليك يسأْلنك الع ْدل في ابن ِة أِبي قحافة‪ ،‬وأنا س ِ‬
‫اكت ٌة‪ ،‬فقال لها‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫رسول هللاِ ‪ :2‬أ ْي بنيَّة أل ْس ِت ت ِحِبين ما أ ِح ُّب؟ فقال ْت‪ :‬بلى‪،‬‬
‫سول هللاِ‬
‫اطمة ِحين س ِمع ْت ذلك ِمن ر ِ‬ ‫هذه‪ .‬فقامت ف ِ‬ ‫قال فأ ِحِبي ِ‬
‫ْ‬
‫ِال ِذي‬
‫بال ِذي قال ْت‪ ،‬وب َّ‬
‫فأخبرْته َّن َّ‬
‫النبي‪ْ ،‬‬
‫اج ِ‬ ‫‪ ،2‬فرجع ْت إلى أ ْزو ِ‬
‫قال لها رسول هللاِ ‪ ،2‬فقْلن لها‪ :‬ما نر ِ‬
‫اك أ ْغن ْي ِت عَّنا ِمن‬
‫إن أ ْزواجك ي ْنش ْدنك الع ْدل في‬ ‫سول هللاِ فقولِي له‪َّ :‬‬ ‫شيء‪ ،‬فارِج ِعي إلى ر ِ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫َّللاِ ال أكِلمه ِفيها أب ًدا‪.‬‬
‫اطمة‪ :‬و َّ‬ ‫ابن ِة أِبي قحافة فقالت ف ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ش‪ ،‬زْوج‬ ‫النبي ‪ 2‬زْينب ْبنت ج ْح ٍ‬ ‫فأرسل أ ْزواج ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ْت عائشة‪ْ ،‬‬
‫النبي (وهى ابنة عمته ‪ 2‬أميمة بنت عبد المطلب)‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬
‫سول هللاِ ‪ ،‬ولم أر ام أرة ق ُّ‬
‫ط‬ ‫منهن في الم ْن ِزل ِة ِع ْند ر ِ‬‫ام ِيني َّ‬
‫َّالتي كان ْت تس ِ‬
‫ْ ً‬ ‫ْ‬
‫صدق ح ِديثًا‪ ،‬وأ ْوصل لِ َّلرِحمِ‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫خي ار في ِ‬
‫الد ِ ِ‬
‫ين من زْينب‪ .‬وأ ْتقى َّّلِل وأ ْ‬ ‫ًْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأ ْعظم صدق ًة‪ ،‬ما عدا شيء من ح َّدة كان ْت فيها‪ ،‬سرعان ما كانت‬
‫سول هللاِ‪ ،‬ورسول هللاِ ‪ 2‬مع‬ ‫تتجاوزها‪ ،‬قال ْت‪ :‬فاستأْذن ْت على ر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ع ِائشة في ِم ْر ِطها‪ ،‬على الحالة التي دخل ْت فاطمة عل ْيها وهو بها‪ ،‬فأذن‬
‫إن أ ْزواجك أ ْرسْلنِني‬ ‫لها رسول هللاِ ‪ .2‬فقال ْت‪ :‬يا رسول هللاِ‪َّ ،‬‬
‫استطال ْت‬ ‫ِ ِ‬
‫إل ْيك ي ْسأْلنك الع ْدل في ْابنة أبي قحافة‪ ،‬قال ْت‪ :‬ث َّم وقع ْت بي‪ ،‬ف ْ‬
‫هل يأْذن لي ِفيها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عل َّي (أهانتنى)‪ ،‬وأنا أ ْرقب رسول هللا‪ ،‬وأ ْرقب ط ْرفه‪ْ ،‬‬

‫‪15‬‬
‫أن رسول هللاِ ال ي ْكره أن أ ْنت ِ‬
‫صر وآخذ‬ ‫قال ْت‪ :‬فل ْم ت ْبرْح زْينب حتَّى عرْفت َّ‬
‫ْ‬
‫حقى‪ ،‬قال ْت‪ :‬فل َّما وق ْعت بها ل ْم أ ْنش ْبها حتَّى أ ْنح ْيت عل ْيها(أي لم أمهلها‬
‫لحظات حتى انتصرت منها فأسكتها بأقل الكلمات) فتب َّسم رسول هللاِ‬
‫‪ 2‬معجبا بفصاحتها وقال‪:‬‬

‫رواه مسلم‬ ‫إنها ابنة أبي بكر‬

‫وكما كان من الزوج المحب الودود‪ ،‬كانت عائشة أيضا الزوجة المحبة‬
‫دائما‪ ،‬تقول عائشة‪ :‬كنت أغزل والنبي يخيط نعله فجعل جبينه يعرق‬
‫وجعل عرقه يشع نو ار فقلت‪ :‬ولو رآك أبو كبير الهذلي (شاعر جاهلى‬
‫بش ْعره أولي حيث يقول‪:‬‬‫كبير) لعلم أنك ِ‬

‫ض اْل ُم َت َهلِ ِل‬


‫َبَرَق ْت َكَبْر ِق اْل َع ِار ِ‬ ‫َسَّرِة َو ْج ِه ِه‬
‫ظر َت ِإَلى أ ِ‬
‫َوِإ َذا َن َْ‬
‫وقام ِإل َّي فقبَّل‬ ‫َّللا عل ْي ِه وسَّلم ما كان ِفي ي ِدِه‪،‬‬
‫َّللاِ صَّلى َّ‬
‫فوضع رسول َّ‬
‫ِمِني كسرورِي‬ ‫َّللا يا ع ِائشة خ ْي ًار ما س ِرْر ِت‬
‫اك َّ‬ ‫ما بين عين َّي وقال‪ :‬جز ِ‬
‫ْ ْ‬
‫ِم ْن ِ‬
‫ك‪ .‬رواه أبو نعيم في حلية األولياء‬

‫‪16‬‬
‫بني الرضا والغضب‬
‫ولكن‪ ،‬وكأي حياة زوجية‪ ،‬كان بين النبي وعائشة حاالت من الرضا‬
‫النِب ِي صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم‬
‫استأْذن على َّ‬ ‫والغضب‪ ،‬فمن ذلك أن أبا ب ْك ٍر ْ‬
‫ول هللاِ ‪ ،2‬فل َّما دخل‬ ‫فس ِمع ع ِائشة و ِهي رِافع ٌة صوتها على رس ِ‬
‫ْ‬
‫َّللا‪ .‬فجعل‬ ‫ِ‬ ‫ول َّ‬ ‫تناولها ِليْل ِطمها‪ ،‬وقال‪ :‬ال أراك ترفعين صوتك على رس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫النِب ُّي صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم ي ْح ِجزه‪ ،‬وخرج أبو ب ْك ٍر م ْغضًبا‪ ،‬فقال َّ‬
‫النِب ُّي‬ ‫َّ‬
‫صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم ِحين خرج أبو ب ْك ٍر‪ :‬ك ْيف أرْيِتِني أ ْنق ْذت ِك ِمن‬
‫َّللاِ صَّلى هللا‬ ‫ول َّ‬‫الرَّج ِل؟ قال‪ :‬فمكث أبو ب ْك ٍر أيَّاما‪ ،‬ث َّم استأْذن على رس ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اصطلحا‪ ،‬فقال لهما‪ :‬أ ْدخالني في سْلمكما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫عل ْيه وسلم‪ ،‬فوجدهما قد ْ‬
‫النِب ُّي صَّلى هللا عل ْي ِه وسَّلم‪ :‬ق ْد‬
‫كما أ ْدخْلتم ِاني ِفي ح ْربِكما!!‪ .‬فقال َّ‬
‫صححه األلباني‬ ‫فعْلنا‪ ،‬ق ْد فعْلنا‪.‬‬
‫وكان ‪ 2‬يقول لعائشة‪ِ :‬إني ألعلم إذا ك ْن ِت عِني ر ِ‬
‫اضي ًة‪ ،‬وإذا‬ ‫ْ‬
‫ضبى قال ْت‪ :‬فقلت‪ِ :‬من ْأين ت ْع ِرف ذلك؟ فقال‪َّ :‬‬
‫أما إذا‬ ‫ِ‬
‫ك ْنت عل َّي غ ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اضي ًة‪ِ َّ ،‬‬ ‫ك ْن ِت عِني ر ِ‬
‫ضبى‪،‬‬ ‫فإنك تقولِين‪ :‬ال ور ِب مح َّمد‪ ،‬وإذا ك ْنت عل َّي غ ْ‬
‫وَّللاِ يا رسول‬
‫اهيم‪ .‬فترد عائشة في ذوق رفيع‪ :‬أج ْل َّ‬ ‫قْل ِت‪ :‬ال ور ِب إبر ِ‬
‫ْ‬
‫إال اسمك‪ .‬رواه البخاري‬ ‫أهجر َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َّللا‪ ،‬وما ْ‬

‫‪17‬‬
‫غرية عائشة‬
‫حين يتأمل الواحد منا حجم العاطفة بين الرسول وبين عائشة فال شك‬
‫سيأخذه اإلشفاق الشديد على السيدة عائشة‪ ،‬إذ يحق لمثل عائشة أن‬
‫تغار على مثل سيدنا محمد‪ ،‬وقد عبَّرت عن ذلك بقولها له‪" :‬وما ِلي‬
‫ال يغار ِم ْثلِي على ِم ْثِلك" رواه مسلم‪ .‬ومن طريف هذا التأمل أن نعرف‬
‫أن كل ما روي عن غيرتها رضى هللا عنها على رسول هللا وأخطائها‬
‫بسبب الغيرة قد وصل إلينا من خاللها هي نفسها‪.‬‬

‫فمن ذلك أنه كان عند رسول هللا ضيوف وهم في بيت عائشة فعلمت‬
‫أم المؤمنين صفية وهى إحدى زوجات النبي بذلك فأرسلت طعاما من‬
‫عندها إلى بيت عائشة‪ ،‬فأخذت عائشة غيرة شديدة ألن السيدة صفية‬
‫صفي َة‪ ،‬فما‬
‫َّ‬ ‫مثل‬
‫طعاما َ‬
‫ً‬ ‫أيت صانع ًة‬
‫كما وصفتها عائشة نفسها‪ :‬ما ر ُ‬
‫تمالكت عائشة نفسها من الغيرة فكسرت الطبق أمام الضيوف‪ ،‬فعالج‬
‫النبي األمر بحكمة النبوة‪ ،‬فنظر ‪ 2‬لضيوفه فقال‪ " :‬غارت‬
‫"‪ .‬رواه البخاري‬ ‫أمكم‬

‫وفى ذلك حكمة بليغة من رسول هللا ‪ 2‬حتى ال يفكر أحد‬


‫منهم في االمتعاض من تصرفها فذكرهم أنها أمهم‪ ،‬وهل يمتعض الرجل‬
‫من تصرفات أمه؟!!‪ ،‬ثم أمرها الرسول أن تكفر عن هذا الخطأ فقال‪:‬‬
‫وطعام كطعا ٍم‪ ،‬أي أرسلي إليها بديال عن طعامها وإنائها‪.‬‬ ‫إناء ٍ‬
‫كإناء‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫‪18‬‬
‫وانتهى األمر بحكمة النبي‪ .‬وكما يقال‪ِ :‬إ َّن اْلغيرى ال تب ِ‬
‫صر أ ْسفل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اْلو ِادي ِم ْن أ ْعاله‪.‬‬

‫ومن شدة غيرة عائشة رضى هللا عنها أنها كانت تغار من السيدة‬
‫خديجة رضى هللا عنها‪ ،‬رغم أن خديجة ماتت قبل زواج رسول هللا منها‬
‫بسنين إال أن الرسول ‪ 2‬كان ي ْكثر ِذ ْكرها‪ ،‬وكانت عائشة‬
‫وسلم‪َّ ،‬إال على خِديجة‬‫َّللا عليه َّ‬ ‫تقول‪ :‬ما ِغ ْرت على ِنس ِاء ِ‬
‫النبي صَّلى َّ‬
‫وسلم إذا ذبح‬ ‫و ِإني ل ْم أ ْد ِرْكها‪ .‬قال ْت‪ :‬وكان رسول هللاِ صَّلى َّ‬
‫َّللا عليه َّ‬

‫صِدق ِاء خ ِديجة قال ْت‪ْ :‬‬


‫فأغض ْبته ي ْو ًما‪،‬‬ ‫الشاة يقول‪ :‬أ ْرِسلوا بها إلى أ ْ‬
‫َّ‬
‫وسلم ِإني ْقد‬ ‫فقلت‪ :‬خ ِديجة خ ِديجة !!‪ ،‬فقال‪ :‬رسول هللاِ صَّلى َّ‬
‫َّللا عليه َّ‬
‫رواه مسلم‬ ‫رِزْقت حبَّها‪.‬‬

‫حتى قالت عائشة له يوما وقد أخذتها غيرة شديدة‪ :‬كأن لم تكن في‬
‫الدنيا امرأة إال خديجة‪ .‬وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء‬
‫الشدقين (تصفها بأنها عجوز سقطت أسنانها لكبر سنها حتى ظهرت‬
‫الحمرة في فكيها)‪ ،‬هلكت في الدهر‪ ،‬فأبدلك هللا خي ار منها " تقصد‬
‫نفسها‪ ".‬فغضب الرسول ‪ 2‬وقال‪:‬‬
‫َ َ َ َ َّ ُ‬ ‫ْ َ ََ ْ َ َ ْ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ ً‬ ‫َ َ ْ ََ‬
‫حني كفر الناس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫د‬‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‪،‬‬‫ه‬ ‫ن‬‫م‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ه‬‫الل‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ما أبدل ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫َ َ َّ َ ْ‬
‫وصدقتنِي حِني كذبنِي الناس‪ ،‬وأشركتنِي فِي مالِها حِني‬
‫ََ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫حرمنِي الناس‪ ،‬ورزقنِي الله منها الولد مسند اإلمام أحمد‬

‫َّللاِ ال أع ِاتبك ِفيها ب ْعد اْلي ْو ِم‪.‬‬


‫فقالت عائشة‪ :‬و َّ‬

‫‪19‬‬
‫حادثة االف ك‬
‫هذه القصة وردت في صحيح البخاري وغيره‪:‬‬

‫تحکی عائشة قصة حادثة اإلفك فتقول‪ :‬خرجت مع رسول هللا‬


‫َّللاِ ِمن غ ْزوِت ِه ِتلك وآذن‬‫‪ 2‬في غزوة‪ ،‬حتَّى إذا فرغ رسول َّ‬
‫يل‪ ،‬فق ْمت أقضى حاجة فمشيت حتَّى جاوْزت الج ْيش‪ ،‬فل َّما‬ ‫ليل ًة بالرِ‬
‫َّح ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قض ْيت شأْني أ ْقبْلت إلى ر ْحلي‪ ،‬فلم ْست ص ْدري‪ ،‬فإذا عْقٌد لي قد ْانقطع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّهط َّال ِذين كانوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فرج ْعت فاْلتم ْست عْقدي فحبسني ْابتغاؤه‪ ،‬وأ ْقبل الرْ‬
‫يه‪،‬‬‫يرِحلوِني‪ ،‬فاحتملوا هود ِجي فرحلوه على ب ِعيرِي‪ ،‬وهم يح ِسبون ِأني ِف ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫منهم دا ٍع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ووج ْدت عْقدي ب ْعد ما سار الج ْيش‪ ،‬فج ْئت منازله ْم وليس بها ْ‬
‫يب‪ ،‬فتي َّم ْمت م ْن ِزلِي الذي ك ْنت به‪ ،‬وظن ْنت َّأنه ْم سيْف ِقدوِني‬ ‫وال م ِج ٌ‬
‫في ْرِجعون إل َّي‪ ،‬ف ْبينا أنا ج ِالس ٌة في م ْن ِزلِي‪ ،‬غلب ْتِني ع ْيِني فِن ْمت‪ ،‬وكان‬
‫ش‪ ،‬فعرفِني ِحين رِآني‪،‬‬ ‫السل ِم ُّي ِمن ورِاء الج ْي ِ‬
‫ط ِل ُّ‬ ‫صْفوان بن المع َّ‬
‫اع ِه (أي قوله إنا هلل وإنا إليه راجعون)‪ ،‬فغطيت‬ ‫ظت باسِترج ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫است ْيق ْ‬
‫فْ‬
‫َّللاِ ما تكَّل ْمنا بكِلم ٍة‪ ،‬وال س ِم ْعت منه كِلم ًة غير‬ ‫وج ِهي ب ِجْلباِبي‪ ،‬وو َّ‬ ‫ْ‬
‫اعه‪ ،‬فأناخ ار ِحلته فرِكبتها‪ ،‬ف ْانطلق يقود بي الر ِ‬
‫َّاحلة حتَّى أت ْينا‬ ‫ِ‬ ‫اسِترج ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ‬
‫َّللا بن أب ٍي‬ ‫الج ْيش فهلك من هلك‪ ،‬وكان الذي توَّلى ِك ْبر اإل ْف ِك عبد َّ‬
‫ابن سلول‪.‬‬

‫اشتك ْيت ِحين ق ِد ْمت ش ْه ًرا‪ ،‬و َّ‬


‫الناس‬ ‫قال ْت ع ِائشة‪ :‬فق ِد ْمنا الم ِدينة‪ ،‬ف ْ‬
‫أع ِرف ِمن ر ِ‬
‫سول‬ ‫ٍ ِ‬
‫أشعر بشيء من ذلك‪ ،‬وال ْ‬ ‫ي ِفيضون في ق ْو ِل اإل ْف ِك‪ ،‬وال ْ‬

‫‪20‬‬
‫أشت ِكي‪َّ ،‬إنما ي ْدخل فيسلِم‪ ،‬ث َّم يقول‪:‬‬
‫طف الذي ك ْنت أرى منه ِحين ْ‬ ‫َّللاِ ُّ‬
‫الل ْ‬ ‫َّ‬
‫كيف ِتيك ْم‪ ،‬ث َّم ي ْنص ِرف‪.‬‬

‫ضي‪ ،‬فقلت‬ ‫تقول عائشة‪ :‬فلما علمت باألمر ْازد ْدت مرضا على مر ِ‬
‫ً‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس؟ قال ْت‪ :‬يا بنيَّة‪ ،‬ه ِوني عل ْيك‪ ،‬فو َّ‬ ‫ِأل ِمي‪ :‬يا أ َّمتاه‪ ،‬ماذا يتح َّدث َّ‬
‫وضيئ ًة ِع ْند رج ٍل ي ِحبُّها‪ ،‬لها ضرِائر‪َّ ،‬إال كثَّ ْرن‬ ‫ط ِ‬ ‫لقَّلما كان ِت ام أرةٌ ق ُّ‬
‫ْ‬
‫الناس بهذا؟ قال ْت‪ :‬فبك ْيت‬ ‫ِ‬
‫َّللا‪ ،‬أو ق ْد تح َّدث َّ‬
‫عل ْيها‪ ،‬قال ْت‪ :‬فقلت‪ :‬س ْبحان َّ‬
‫أصب ْحت ال ي ْرقأ لي د ْم ٌع وال أ ْكت ِحل بن ْو ٍم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫تلك اللْيلة حتى ْ‬
‫َّللاِ ‪ 2‬عل ْينا فسَّلم ث َّم جلس‪ ،‬قال ْت‪ :‬ول ْم ي ْجِل ْس‬ ‫ثم دخل رسول َّ‬
‫وقد لِبث ش ْه ًار ال يوحى إل ْي ِه في شأِْني‬ ‫عندي م ْنذ قيل ما قيل قْبلها‪ْ ،‬‬
‫ِِ‬
‫أما ب ْعد‪ ،‬يا ع ِائشة‪َّ ،‬إنه بلغِني ع ْن ِك‬ ‫َّللاِ ث َّم قال‪َّ :‬‬‫بشيء‪ ،‬فتش َّهد رسول َّ‬ ‫ٍ‬
‫إن ك ْن ِت أْلم ْم ِت بذ ْن ٍب‪،‬‬ ‫َّللا‪ ،‬و ْ‬ ‫فإن ك ْن ِت ب ِريئ ًة‪ ،‬فسيب ِرئ ِك َّ‬ ‫كذا وكذا‪ْ ،‬‬
‫َّللا عليه‪،‬‬ ‫اعترف ث َّم تاب‪ ،‬تاب َّ‬ ‫فإن العْبد إذا ْ‬ ‫َّللا وتوبِي إل ْي ِه‪َّ ،‬‬ ‫است ْغِفرِي َّ‬
‫فْ‬
‫َّللاِ مقالته قلص د ْم ِعي حتَّى ما أ ِح ُّس منه‬ ‫قال ْت‪ :‬فل َّما قضى رسول َّ‬
‫وَّللاِ ما‬
‫َّللاِ عِني ِفيما قال‪ ،‬فقال أِبي‪َّ :‬‬ ‫طرًة‪ ،‬فقلت ألِبي‪ :‬أ ِج ْب رسول َّ‬ ‫قْ‬
‫َّللاِ ِفيما قال‪ ،‬قال ْت‬ ‫أجيِبي رسول َّ‬ ‫َّللاِ‪ ،‬فقلت ِأل ِمي‪ِ :‬‬ ‫سول َّ‬‫ْأدرِي ما أقول لِر ِ‬
‫اري ٌة ح ِديثة ِ‬
‫الس ِن‬ ‫َّللاِ‪ ،‬فقلت‪ :‬وأنا ج ِ‬ ‫سول َّ‬ ‫وَّللاِ ما ْأدرِي ما أقول لِر ِ‬ ‫أ ِمي‪َّ :‬‬
‫آن كِث ًيرا‪:‬‬‫ال أ ْق أر ِمن الق ْر ِ‬
‫ْ ُ ُ ْ َ َّ ْ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫سكم وصدقتم‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫أن‬ ‫يف‬ ‫ر‬‫ق‬ ‫ت‬ ‫اس‬ ‫ى‬ ‫حت‬ ‫يث‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫احل‬ ‫هذا‬ ‫معتم‬ ‫لقد س ِ‬
‫ْ َ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ُ َ ُ ْ ِّ َ َ ٌ‬
‫ن اعترفت‬ ‫وني‪ ،‬ول ِئ ِ‬ ‫به‪ ،‬فل ِئن قلت لكم‪ :‬إني ب ِريئة‪َّ ،‬ل تصدق ِ‬

‫‪21‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ َ ٌ َ ُ َ ِّ ُ ِّ‬ ‫َّ ُ َ ْ َ ُ ِّ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ‬
‫لكم بأم ٍر‪ ،‬والله يعلم أني منه ب ِريئة‪ ،‬لتصدقني‪ ،‬فوالل ِه َّل‬
‫َّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ َ َ ْ ٌ َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ً َّ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ميل والله‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ني‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫وس‬‫ي‬ ‫ا‬‫أب‬ ‫إَّل‬ ‫ال‬‫ث‬ ‫م‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ول‬ ‫يل‬ ‫أجد‬
‫ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫صفون‪.‬‬ ‫املستعان على ما ت ِ‬
‫وحًيا ي ْتلى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّللا م ْن ِزٌل في شأْني ْ‬ ‫وَّللاِ ما ك ْنت أظ ُّن َّ‬
‫أن َّ‬ ‫تقول عائشة‪َّ :‬‬
‫َّللاِ‬
‫َّللا بها‪ ،‬فو َّ‬ ‫َّللاِ في َّ‬
‫الن ْو ِم رْؤيا يب ِرئِني َّ‬ ‫أن يرى رسول َّ‬ ‫ِ‬
‫ولك ْن ك ْنت ْأرجو ْ‬
‫َّللاِ م ْجلِسه‪ ،‬حتى نزل عليه الوحى بآيات سورة النور‬ ‫ما غادر رسول َّ‬
‫التي بدأت بقوله تعالى‪ :‬ﱩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬
‫َّللاِ ‪2‬‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱨ‪ .‬قال ْت‪ :‬فسرِي عن ر ِ‬
‫سول َّ‬
‫ٍ َّ‬
‫ضحك‪ ،‬فكان ْت َّأول كلِمة تكلم بها ْ‬
‫أن قال‪:‬‬ ‫وهو ي ْ‬

‫أبشري يا عائشة‪ ..‬أما اهلل فقد برآك‬

‫فقال لي أبواي‪ :‬قومي إلى رسول هللا فقلت‪:‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واهلل َّل أقوم إليه‪ ،‬وَّل أمحده‪ ،‬وَّل أمحدكما‪ ،‬ولكني أمحد اهلل‬
‫الذي أنزل براءتي "‪.‬‬

‫وانقضى فصل رهيب في حياة السيدة عائشة تحملته صابرة راضية‬


‫بقضاء هللا مؤملة فيه وحده سبحانه‪ .‬لتعطي الدرس لكل مبتلى أن‬
‫الرجاء والفرج هو من عند هللا وحده‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ولألسف‪ ،‬كان ممن وقع في القول فيها في هذه الحادثة حسان بن ثابت‬
‫الشاعر المعروف بدفاعه عن رسول هللا ‪ ،2‬ثم ندم أشد الندم‬
‫بعد ذلك‪ ،‬ودخل يوما على عائشة فأنشدها قصيدة اعتذاره التي يقول‬
‫في مطلعها‪:‬‬

‫َوُتص ِب ُح َغرثى ِمن ُلحومِ ال َغو ِاف ِل‬ ‫ان ما ُت ِز ُّن ِب َ‬


‫ريبة‬ ‫صان َرز ٌ‬
‫َح ٌ‬
‫ومعنى تزن أي ال تتهم‪ ،‬ومعنى غرثى ِمن لحو ِم الغو ِاف ِل أى تصبح‬
‫جائعة من عدم أكل لحم الناس في غيبتهم والوقوع في أعراضهم‪ ،‬فقالت‬
‫عائشة بأدب وحسرة عليه‪ :‬ل ِكَّنك ل ْست كذلك (تقصد أنه وقع في‬
‫ِ‬
‫وق (مولى عائشة)‪ :‬فقلت لها‪ :‬لِم تأْذنين له ْ‬
‫أن‬ ‫عرضها)‪ .‬قال م ْسر ٌ‬
‫َّللا تعالى‪ :‬ﱩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ي ْدخل عل ْي ِك ْ‬
‫وقد قال َّ‬
‫اب أش ُّد ِمن العمى؟ ثم قال ْت له مبررة سماحها له‬
‫ﭱ ﱨ فقال ْت‪ :‬وأ ُّي عذ ٍ‬
‫بالدخول وصفحها عنه‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫رواه البخاري‬ ‫سول الل ِه ‪2‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫عن‬ ‫ح‬‫اف‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫كان‬ ‫ه‬ ‫إن‬

‫فعائشة العظيمة تتسامح معه وهو الذى خاض في عرضها من أجل‬


‫ماضيه في الدفاع عن رسول هللا ‪ 2‬ومن أجل ندمه أيضا‬
‫خاصة بعد أن ابتاله هللا بالعمى آخر حياته ‪ ،‬وهذه الرواية تعطيك‬
‫صورة واضحة عن نقاء سريرة السيدة عائشة وسمو خلقها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫حُكم اإلسالم في مَن س بَّ أ مَّ املؤمنني عائشة‬
‫سب‬
‫أن من َّ‬ ‫السَّنة والجماعة على َّ‬ ‫أجمع علماء اإلسالم قاطب ًة ِمن أهل ُّ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫َّأم المؤمنين عائشة رضى هللا عنها ورماها بما برَّأها هللا منه أنه كافٌر‪،‬‬
‫بكر وعمر جلِد‪،‬‬
‫مالك ‪َّ R‬أنه قال‪ :‬من س َّب أبا ٍ‬ ‫وروي عن اإلمام ِ‬
‫ومن س َّب عائشة قِتل‪ ،‬قيل له‪ِ :‬لم يقتل في عائشة؟ قال مالك‪ :‬من‬
‫فقد خالف القرآن‪ ،‬ومن خالف القرآن قِتل‪.‬‬
‫رماها ْ‬
‫صحيح‪ ،‬وهي ِرَّدة َّ‬
‫تامة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حزم ‪ :R‬قول مالك هذا‬ ‫قال اإلمام ابن ْ‬
‫النووي ‪:R‬‬ ‫ُّ‬ ‫ط ِعه ببراءتها‪ .‬وقال اإلمام‬
‫وتكذيب هلل تعالى في ق ْ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫براءة عائشة رضى هللا عنها من اإل ْفك‪ ،‬براءةٌ قطعية بنص القرآن‬
‫كافر مر ًّتدا‬
‫إنسان ‪ -‬والعياذ باّلِل ‪ -‬صار ًا‬
‫ٌ‬ ‫العزيز‪ ،‬فلو ت َّ‬
‫شكك فيها‬
‫بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪24‬‬
‫هل كان هناك عداوة بني عائشة وعلى ؟‬
‫تمتلئ لألسف المراجع التاريخية بروايات عقيمة تؤكد على وجود عداوة‬
‫كبيرة بين السيدة عائشة واإلمام علي‪ ،‬وبعض هذه الروايات أحقر من‬
‫أن يرد عليها لفضوح كذبها‪ ،‬كالروايات التي تبرر تلك العداوة المزعومة‬
‫بسبب الغيرة بين فاطمة وعائشة ألن عائشة لم ترزق بأوالد مثل فاطمة‪،‬‬
‫أو أن عائشة تسببت في منع انتقال الخالفة لعلي وسهلت نقلها ألبيها‪،‬‬
‫إلى غير ذلك من التفاهات التي ال تحتاج لرد‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬والحق يقال‪ ،‬أرى أنه كان بين السيدة عائشة واإلمام علي نوع من‬
‫العتاب وليس نوع من العداوة‪ ،‬وفى ظني أن السبب يرجع إلى موقف‬
‫اإلمام علي في حادثة اإلفك‪ ،‬فإنه لما تأخر نزول الوحي في تبيان ما‬
‫َّللاِ صَّلى‬
‫حدث‪ ،‬تقول السيدة عائشة في رواية البخاري‪ :‬فدعا رسول َّ‬
‫َّللا عل ْي ِه وسَّلم علِ َّي ْبن أِبي طالِ ٍب وأسامة ْبن زْي ٍد‪ ،‬ي ْسألهما وي ْست ِشيرهما‬ ‫َّ‬
‫َّللاِ ِب َّال ِذي ي ْعلم ِم ْن براء ِة‬ ‫اق أ ْهلِ ِه‪ ،‬فأ َّما أسامة فأشار على رس ِ‬
‫ول َّ‬ ‫ِفي ِفر ِ‬
‫ِال ِذي ي ْعلم له ْم ِفي نْف ِس ِه‪ ،‬وقال‪ :‬ال ن ْعلم ِإ َّال خ ْي ًار‪ ،‬وأ َّما علِ ٌّي‬
‫أهلِ ِه‪ ،‬وب َّ‬
‫ْ‬
‫ير‪ ،‬وس ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا‪ ،‬ل ْم يضِي ِق َّ‬
‫َّللا عل ْيك‪ ،‬والنساء سواها كث ٌ‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول َّ‬
‫َّللا عل ْي ِه وسَّلم ب ِريرة‪ ،‬فقال‪ :‬أ ْي‬ ‫َّللاِ صَّلى َّ‬
‫صد ْقك‪ ،‬فدعا رسول َّ‬ ‫الج ِارية ت ْ‬
‫ب ِريرة‪ ،‬ه ْل أرْي ِت ِم ْن شي ٍء ي ِريب ِك؟ قال ْت ب ِريرة‪ :‬و َّال ِذي بعثك ِبالح ِق‪ ،‬ما‬
‫ْ‬
‫َّللا عل ْي ِه وسَّلم ِم ْن‬
‫َّللاِ صَّلى َّ‬ ‫ط أ ْغ ِمصه‪ .‬فقام رسول َّ‬ ‫أريت عليها أم ار ق ُّ‬
‫ْ ًْ‬ ‫ْ‬
‫ي ْو ِمه فقال‪ :‬يا م ْعشر الم ْسلِ ِمين‪ ،‬م ْن ي ْع ِذرِني ِم ْن رج ٍل ق ْد بلغِني ع ْنه‬ ‫ِ‬

‫‪25‬‬
‫باختصار من صحيح‬ ‫َّللاِ ما علِ ْمت على أ ْهلِي ِإ َّال خ ْي ًار‪.‬‬
‫أذاه ِفي أ ْهلِي‪ ،‬و َّ‬
‫البخاري‬

‫وكان موقف علي في هذه المشورة مناسبا لطبيعة أقارب الزوج في‬
‫مثل هذه األحوال‪ ،‬فقد فضل ما ظن أن فيه مصلحة النبي حتى لوكان‬
‫ذلك على حساب عائشة‪ .‬وموقفه هذا موقف إنساني قد يختلف الناس‬
‫في تفسيره وتبريره وقبوله أو رفضه‪ ،‬لكن لن يختلفوا في أن علي لم‬
‫يسيء إلى السيدة عائشة ولم يتهمها بسوء‪ ،‬هو فقط أراد بطريقته أن‬
‫يريح النبي من هذا الغم والهم الشديد دون أن يتهم عائشة بشيء‪.‬‬

‫ولكن عائشة‪ ،‬وبالتأكيد‪ ،‬كانت تتوقع منه أفضل من ذلك‪ ،‬وكانت تتوقع‬
‫منه شهادة واضحة فى حقها‪ ،‬على األقل كما دافع أسامة بن زيد‪ .‬أو‬
‫كما دافع عمر وهو والد حفصة إحدى زوجات النبي المنافسات لعائشة‬
‫في المكانة فإن عمر لما رأى حزن النبي وقت هذه األحداث‪ ،‬جاء فسأل‬
‫النبي فقال‪ :‬من زوجها لك يا رسول هللا؟ فقال ‪ :2‬هللا‪ .‬قال‬
‫عمر‪ :‬أفتظن أن هللا دلس عليك فيها!!‪ ،‬يقصد أن هللا الذى اختارها لك‬
‫‪ ،‬وال يمكن أن يختار لك إال طاهرة مطهرة‪ .‬وغير ذلك من الشهادات‬
‫من الصحابة‪ ،‬ولذلك نقول أنه كان في قلب عائشة نوع من العتاب‬
‫نحو اإلمام علي‪ ،‬وليس نوع من العداوة‪.‬‬

‫ولعل أصدق رد على من زعموا بوجود عداوة بينهما تلك الرواية في‬
‫الطبري التي تصف ما حدث بعد انتهاء معركة الجمل‪ :‬ففي يوم رحيلها‬
‫(رحيل عائشة) جاءها على‪ ،‬ومعه وجهاء الناس‪ ،‬فخرجت عائشة‬

‫‪26‬‬
‫عليهم‪ ،‬وودعوها‪ ،‬وودعتهم‪ ،‬وقالت‪ :‬يا بنى‪ ،‬تعتَّب بعضنا على بعض‬
‫(أي كان بيننا نوع من العتاب)‪ ،‬إنه وهللا ما كان بينى وبين على فى‬
‫القديم إال ما يكون بين المرأة وأحمائها (أقارب الزوج)‬

‫وإنه على معتبىت له ملن األخيار‪.‬‬

‫وقال على‪:‬‬
‫َ ّ ْ‬
‫أيها الناس‪ ،‬صدقت واهلل وبرت‪ ،‬ما كان بيىن وبينها إَّل ما‬
‫قالت‪ ،‬وإنها لزوجة نبيكم فى الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وهذا هو القول الفصل في هذه العالقة التي شابها بعض ما يكون بين‬
‫المرأة وأقارب زوجها‪ ،‬وليس أكثر من ذلك‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫بيت عائشة‬
‫عاشت عائشة رضى هللا عنها مع رسول هللا ‪ 2‬في تناغم‬
‫وحب ومودة ‪ ،‬في منزل من حجرة واحدة مبنية من جريد النخل مستورة‬
‫بشعر الغنم‪ ،‬ويمكن للداخل أن يلمس سقفها بيده!!!‪.‬‬

‫وقد أوضحت عائشة تواضع حال هذه الحجرة وهى تصف كيف كان‬
‫‪ 2‬يقوم من الليل يصلى في الظلمة وعائشة نائمة أمامه‪ .‬تقول‬
‫َّللا عل ْي ِه‬
‫َّللاِ صَّلى َّ‬
‫ول َّ‬ ‫عائشة‪ :‬ك ْنت أنام ب ْين يدي رس ِ‬
‫ْ‬
‫وسَّلم وِر ْجالي ِفي ِقْبلِت ِه‪ ،‬فِإذا سجد غمزني (بسبب ضيق المكان)‪،‬‬
‫ِ‬
‫طتهما‪ ،‬قال ْت‪ :‬والبيوت ي ْومِئ ٍذ ل ْيس ِفيها‬
‫ضت ِر ْجل َّي‪ ،‬فِإذا قام بس ْ‬‫فقب ْ‬
‫مصاِبيح‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬

‫وكان التابعى الجليل سعيد بن المسيب من أشد المعارضين لتوسعة‬


‫المسجد النبوى زمن الوليد بن عبد الملك من خالل هدم حجرات نساء‬
‫النبي وكان يرى أنه يجب تركها على حالها ليرى الناس كيف كان‬
‫يعيش النبي وأزواجه ومفاتيح الدنيا بيديه‪.‬‬

‫ودفن النبي ‪ 2‬في حجرة عائشة‪ ،‬وكانت رضى هللا عنها قد‬
‫رأت في منامها كأن ثالثة أقمار سقطن في حجرتها‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬يا‬
‫اك ي ْدفن ِفي ب ْيِت ِك خ ْير أ ْه ِل األ ْر ِ‬
‫ض ثالث ٌة‪ ،‬فلما‬ ‫ع ِائشة‪ِ ،‬إن تصدق رؤي ِ‬
‫ْ ْ ْ ْ‬
‫ك المستدرك على‬‫مات النبي قال لها أبو بكر‪ :‬يا ع ِائشة‪ ،‬هذا خير أْقم ِارِ‬
‫ْ‬
‫الصحيحين‪ .‬ثم دفن أبو بكر وعمر وسقطت في حجرتها األقمار الثالثة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫عائشة الزاهدة‬
‫اهدة في الدنيا‪ ،‬والروايات الواردة في سعة‬
‫كانت أم المؤمنين عائشة ز ً‬‫و ْ‬
‫إنفاقها كثيرة‪ ،‬فقد كان الخلفاء وكبار الصحابة يتنافسون في إكرام أمهات‬
‫المؤمنين‪ ،‬وعلى رأسهم عائشة‪ ،‬فكان يأتيها مال وفير‪ ،‬لكنها سرعان ما‬
‫قت يوما بس ْب ِعين ألًفا; و َّإنها لترِقع‬ ‫َّ‬
‫تصد ْ‬ ‫كانت تتصدق به‪ ،‬حتى أنها‬
‫جلبابها‪.‬‬

‫ولما بعث عبد هللا بن الزبير إلى خالته عائشة ٍ‬


‫بمال كثير يزيد عن مائة‬
‫لت تقسم المال في الناس بالطبق دون عد‪َّ ،‬‬
‫فلما‬ ‫أْلف‪ ،‬دع ْت بطبق‪ ،‬فجع ْ‬
‫أصبحت‪ ،‬قالت لجاريتها‪ِ :‬‬
‫هاتي فطوري‪ ،‬فقالت الجارية‪ :‬يا َّأم المؤمنين‪،‬‬
‫لحما ِبد ْرهم من هذا المال؟! قالت‪ :‬ال‬ ‫ِ‬
‫أما استطعت أن تشتري لنا ً‬
‫تِ‬
‫عنفيني‪ ،‬لو ذ ِ‬
‫كرتني لفعلت‪.‬‬

‫وتشعر ببساطة السيدة عائشة وعفويتها في الرد‪ ،‬فهى ال تدعى الزهد‬


‫المطلق‪ ،‬لكنها فقط "نسيت" أن تشترى لنفسها ولجاريتها لحما بدرهم‬
‫من المائة ألف درهم!!‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وفاة عائشة‬
‫نالت السيدة عائشة شرف خدمة النبی ‪ 2‬وتمريضه في أيامه‬
‫األخيرة‪ ،‬فمات رسول هللا ‪ 2‬ورأسه على صدرها‪ ..‬وكان آخر‬
‫شيء دخل جوفه هو ريقها رضى هللا عنها‪ ،‬فإنه أحب أن يتسوك وكان‬
‫السواك شديدا فقالت‪ :‬ألينه لك؟ فأشار برأسه نعم‪ ،‬فلينته بريقها ووضعته‬
‫في فمه ‪ .‬ثم عاشت أم المؤمنين بعد رسول هللا ما يقرب من نصف‬
‫قرن‪ ،‬كانت فيها المعلمة والفقيهة والراوية لحديث رسول هللا‪.‬‬

‫كانت تقريبا تصوم َّ‬


‫الد ْهر‪ ،‬ولذا‬ ‫كانت أ ُّم المؤمنين كثيرة الصيام‪ ،‬فقد ْ‬
‫و ْ‬
‫فقد ضعفت صحتها السيما في أواخر أيامها‪ ،‬حتى توفيت رضى هللا‬
‫عنها في السابع عشر من رمضان سنة ‪58‬ه في خالفة معاوية‪.‬‬

‫ودفنت رضى هللا عنها في نفس الليلة التي ماتت فيها‪ ،‬وصلى عليها‬
‫أبو هريرة‪ ،‬ونزل في قبرها خمسة من أبناء أخوتها‪ :‬عبد هللا وعروة ابنا‬
‫الزبير (ابنا أختها أسماء بنت أبي بكر)‪ ،‬والقاسم بن أخيها محمد بن‬
‫أبى بكر (وهو من نشأ يتيما في حجرها وورث علمها فكان فقيه‬
‫المدينة)‪ ،‬وعبد هللا بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬وعبد هللا بن عبد الرحمن بن‬
‫أبي بكر رضي هللا عنهم أجمعين‪ .‬ونزل أهل العوالي وجاء أهل األماكن‬
‫البعيدة ليشهدوا جنازتها‪ ،‬فلم تر ليلة أكثر ناسا منها‪ ..‬كيف ال‪ ..‬وهم‬
‫يودعون أمهم أم المؤمنين حبيبة رسول هللا وزوجته في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪30‬‬

You might also like