You are on page 1of 15

‫شرح حديث أم زرع واستخالص ما تضمنه من فوائد وعبر‬

‫‪ ‬الحديث الشريف‬

‫لم تعرف اإلنسانية على مر العصور مثل التراث العربي وما حواه من كنوز أدبية نادرة وبديعة

‫جادت بها أذهان أصحابها رجاًال ونساًء ‪ ،‬ولنا في حديث أم زرع خير مثال؛

‫فهو نص بليغ في لغته‪ ،‬قوي في ألفاظه‪ ،‬قد يبدو ألول وهلة حديث سمر ممتع فحسب‪
،‬‬

‫لكن المتأمل فيه يدرك جيدًا ما تضمنه من إرشادات توجيهية وإصالحية لتحسين العالقات الزوجية‪
،‬‬
‫فهو ُي سلط الضوء على ما تنجذب له المرأة وما تنفر منه من صفات في شريك حياتها

‫استنادًا إلى واقع حياة أحد عشر امرأة‪ ،‬ولهذا فإننا في السطور القادمة سنستعرض سويًا

‫حديث أم زرع كامل مع الشرح والتفسير وبيان أهم الفوائد المستخلصة منه‪.‬‬

‫[
عرض
]‬ ‫المحتويات‬

‫مدخل إلى حديث أم زرع‬


‫إن العالقة بين الزوجين هي اللبنة األولى واألهم في بناء أي مجتمع‪
،‬‬
‫وكلما انضبط جوهر الحياة الزوجية باآلداب والقيم الكريمة نتج عن ذلك ُن بل سلوكيات أطرافها‪
،‬‬
‫مما يؤثر بشكل كبير في المحصلة النهائية للنسيج المجتمعي العام‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وإن تأملنا في حقيقة الحياة الزوجية لوجدناها تتضمن عالقاٍت متداخلٍة هائلة‪
،‬‬
‫ولذا تحدث عنها الوحي مشيرًا إلى أنها أحد آيات اهلل التي تستوجب النظر والتأمل والتفكر‪
،‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و ِم ْن آَي اِتِه َأ ْن َخ َلَق َلُكم ِّم ْن َأ نُف ِس ُكْم َأ ْز َو اجًا ِّلَت ْس ُكُنوا ِإ َلْي َه ا َو َج َع َل َب ْي َن ُكم َّم َو َّد ًة َو َرْح َم ًة ِإ َّن ِف ي َذ ِلَك آلَي اٍت ِّلَق ْو ٍم َي َت َف َّكُر وَن } [الروم‪.]21 :‬‬

‫وال شك أن ما نملكه من تراث إسالمي وأدبي خصيب من شأنه أن يساعدنا فيما أصبحنا في حاجة ماسة إليه‪
،‬‬
‫وهو أن نضع أيدينا على موطن الداء الذي أصاب معظم بيوت المسلمين‪
،‬‬
‫فقد أصبحنا ال نجد بيتًا سعيدًا إال فيما ندر‪ ،‬وأضحت البيوت تفتقد إلى الدفء والهناء‪
،‬‬
‫وباتت متصدعًة وهشة‪ ،‬يتمنى أحد الزوجين أو كالهما لو استطاع أن يفارق صاحبه لوال وجود األبناء‪.‬‬

‫ومن هذا التراث حديث أم زرع الطويل الذي روته أمنا عائشة رضي اهلل عنها بتمامه‪
،‬‬
‫حيث قصت على نبينا صلى اهلل عليه وسلم ما كان من خبر إحدى عشرة امرأة

‫تجمعن ذات يوم واتفقن على أن يصفن طبيعة عالقتهن بأزواجهن وأال يخفين شيئًا منها‪
،‬‬
‫فاسترعت هذه القصة انتباه الرسول وعَّلق عليها في نهايتها‪.‬‬

‫ونال الحديث شهرة كبيرة خاصًة وقد رواه كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما‪
،‬‬
‫ومن ثم تناوله علماؤنا إلى يومنا هذا بالشرح والتفسير واإليضاح‪ ،‬وحملوا على عاتقهم

‫مهمة استنباط ما فيه من درر وفوائد فقهية وأدبية ولغوية وشرعية وتهذيبية‪.‬‬

‫وُس ِّم ي حديث أم زرع بهذا االسم نسبًة إلى المرأة الحادية عشر‪ ،‬فهي أكثر من َم َد َح ت زوجها

‫وأثنت عليه مقارنًة بباقي النسوة‪ ،‬وأكثر َم ن تكلمت من بينهن‪ ،‬كما أننا ال نعرف من أسماءهن

‫أو أسماء أزواجهن إال اسم أم زرع فقط‪.‬‬

‫تخريج حديث أم زرع‬


‫جاء تخريج حديث أم زرع كامل مع الشرح والتفسير في أكثر من كتاب من ُكتب أمهات السنة؛

‫فأخرجه اإلمام البخاري في صحيحه ضمن كتاب (النكاح) ورقمه (‪ ،)4893‬وَبَّو ب له بابًا بعنوان‪ :‬حسن المعاشرة مع األهل‪
،‬‬
‫أما اإلمام مسلم فأورده في صحيحه ضمن كتاب (فضائل الصحابة) ورقمه (‪ ،)2448‬باب‪ :‬ذكر حديث أم زرع‪.‬‬

‫كما أخرجه اإلمام النسائي في كتابه “السنن الكبرى” ضمن كتاب (ِع ْش َر ة النساء) ورقمه (‪ ،)9138‬وَبَّو ب له بعنوان‪ :‬باب شكر المرأة لزوجها‪
،‬‬
‫وأخرجه أيضًا كل من اإلمام الطبراني في “المعجم الكبير” ورقمه (‪ ،)5/354()265‬وابن حبان برقم (‪.)7104‬‬

‫وقد يفيدك كذلك‪ :‬حديث الرسول صلى اهلل عليه وسلم مع جبريل عن اإلسالم واإليمان واإلحسان‪ ‬‬

‫التعريف براوية الحديث عائشة رضي اهلل عنها‬

‫‪‬‬
‫هي زوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وحبيبته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية‪
،‬‬
‫ُت َلَّق ب بالِّص ِّد يقة‪ ،‬وكنيتها أم عبد اهلل‪ ،‬ولدت في اإلسالم قبل تسع سنواٍت من الهجرة‪
،‬‬
‫وتزوجها النبي وهي ابنة تسع سنوات‪ ،‬وتوفي عنها وعمرها ‪ 20‬عامًا
‪،‬‬
‫وتوفيت رضي اهلل عنها في خالفة معاوية سنة ‪58‬هـ عن سٍت وستين سنة‪.‬‬

‫تميزت بالعلم الغزير‪ ،‬حتى ُو صَف ت بأنها أفقه نساء األمة وأعلمهن‪ ،‬ولما ال وقد نشأت

‫في بيت معلم البشرية صلى اهلل عليه وسلم منذ نعومة أظفارها‪ ،‬فاستقت العلم واألدب

‫من منبعه األصيل‪ ،‬باإلضافة لما تميزت به من ذكاء وقوة حفظ وفصاحة وطالقة لسان‪.‬‬

‫وكان الصحابة يستشيرونها في كثير من المسائل‪ ،‬وبلغ عدد ما روته من أحاديث عن الرسول ‪ 2210‬حديثًا
‪،‬‬
‫وتخرج من مدرستها الكثير من مشاهير التابعين‪ ،‬ومنهم عروة بن الزبير ومسروق بن األجدع‪.‬‬

‫متن حديث أم زرع‬


‫َع ْن َع اِئ َش َة ‪َ-‬رِض َي اُهَّلل َع ْنَه ا‪َ -‬ق اَلْت ‪“ :‬جلست إحدى عشر امرأة‪ ،‬فتعاَهْد َن وتعاقدن أن ال يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا‪ .‬فقالت األولى‪ :‬زوجي‬
‫لحم َج مٍل َغ ّث ‪ ،‬على رأس جبل وعر‪ ،‬ال سهٌل فيرتقى‪ ،‬وال سميٌن فينتقل‪.‬‬

‫وقالت الثانية‪ :‬زوجي ال أثير خبره‪ ،‬إني أخاف أن ال أَذ َر ُه‪ ،‬إن أذكره أذكْر ُع َج ره وُب َج ره‪ .‬وقـالت الثالثة‪ :‬زوجي الَع َش ّنق‪ ،‬إن أْن ِط ْق ُأ طَّلق‪ ،‬وإن‬
‫أسكت ُأ َع َّلق‪ .‬وقالت الرابعة‪ :‬زوجي َكَلْي ِل تهامَة ‪ ،‬ال َح َّر وال َق َّر ‪ ،‬وال مخافة وال سآمة‪ .‬وقالـت الخامسة‪ :‬زوجي إن دخل َف ِه َد ‪ ،‬وإن خرج أِس َد ‪ ،‬وال‬
‫يسأل عما َع ِه َد ‪.‬‬

‫وقالت السادسة‪ :‬زوجي إن أكل َلف‪ ،‬وإن َش ِر َب اْش َت َّف ‪ ،‬وإن اضطجع التَّف ‪ ،‬وال يولُج الكَّف ِل َي علَم الَب َّث ‪ .‬وقالـت السابعة‪ :‬زوجي َع ياياُء (أو‬
‫غياياُء ) طباقاء‪ ،‬كُّل داٍء له داء‪َ ،‬ش َّج ِك أو َف َّلِك ‪ ،‬أو جمع ُكًال َلِك ‪ .‬وقالت الثامنة‪ :‬زوجي المُّس مُّس أرنب‪ ،‬والريح ريح َز ْر َن ْب ‪.‬‬

‫وقالـت التاسعة‪ :‬زوجي رفيُع العماد‪ ،‬طويل الِّن جاد‪ ،‬عظيُم الِّر ماد‪ ،‬قريُب البيت من الناد‪ .‬وقالت العاشرة‪ :‬زوجي مالٌك ‪ ،‬وما ماِل ك؟ مالٌك خير من‬
‫ذلك‪ ،‬له إبٌل كثيراُت المبارك‪ ،‬قليالت المسارح‪ ،‬إذا سمعن صوت الِم ْز َهر أيقَّن أنهَّن َهوالك‪.‬‬

‫وقالـت الحادية عشر‪ :‬زوجي أبو َز ْر ع‪ ،‬وما أبو َز ْر ع؟ أناَس من ُح لِّي ُأُذ َن َّي ‪ ،‬ومأل من َش ْح ٍم َع ُض دَّي ‪ ،‬وَبَّج َح ني فَب َج ْح ُت إلَّي نفسي‪ ،‬وجدني في‬

‫أهل ُغ نيمٍة َب َش ٍق ‪ ،‬فجعلني في أهل َص هيٍل وَأ طيٍط ‪ ،‬وداِئٍس وُم َن ٍّق ‪ ،‬فعنده أقوُل فال ُأَق َّب ُح ‪ ،‬وأرقُد فأتصّب ُح ‪ ،‬وأشرُب فأتَق َّم ُح ‪ ،‬أم أبي زرع فما أُّم أبي‬
‫‪‬‬
‫زرع؟‪ُ :‬ع كوُم ها َر َد اٌح ‪ ،‬وبيُت ها َف َس اح‪.‬‬

‫ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟‪ :‬مضجعه كمسِّل َش ْط بٍة ‪ ،‬وُت ْش ِب ُع ُه ِذ راُع الَج فَر ِة ‪ ،‬بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟‪َ :‬ط وُع أبيها وَط وُع أمها‪ ،‬وملُء‬
‫كسائها‪ ،‬وَغ يُظ جارتها‪ ،‬جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟‪ :‬ال َت بُّث حديثنا تبثيثًا‪ ،‬وال َت ْن ُق ُث ميرَت نا تنقيثًا‪ ،‬وال َت مأل بيتنا تعشيشًا‪.‬‬

‫قالت خرج أبو زرع واألوطاب ُت ْم َخ ُض ‪َ ،‬ف لقي امرأًة معها ولدان لها كالفهدين‪ ،‬يلعبان من تحت َخ ْص رها برَّم انتين‪ ،‬فطَّلقني ونكحها‪ ،‬فنكْح ُت بعده‬

‫رجًال َس رَّي ًا‪َ ،‬رِك َب َش ريًا‪ ،‬وأخذ َخ ِط َّي ًا‪ ،‬وأراح علَّي َن َع مًا َث ِر يًا‪ ،‬وأعطاني من كل رائحٍة زوجًا‪ ،‬وقال‪ :‬كلي أم زرع! وميري أهلك‪ ،‬فلو جمعُت كل شيء‬
‫أعطانيه ما َب َلغ أصغر آنية أبي زرع‪.‬‬

‫قالت عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬فقال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪“ :‬كنُت لِك كأبي زرٍع ألم زرٍع ”‪ ،‬وزاد النسائي في روايته‪“ :‬ولكِّن ي ال‬
‫أطلقك”‪.‬‬

‫تابع كذلك‪ :‬أحاديث نبوية وقدسية عن التوبة واالستغفار مع الشرح والتوضيح‬

‫شرح حديث أم زرع‬


‫يتميز حديث أم زرع بفصاحته وجزالة ألفاظه‪ ،‬وعلى الرغم من طول هذه القصة

‫إال أن النبي صلى اهلل عليه وسلم جلس بين يدي زوجه عائشة منصتًا لحديثها

‫على الرغم مما يتحمله من مشاق الدعوة وما يتكبده من أعباء‪ ،‬ولم يكتف بمجرد السماع‪
،‬‬
‫بل أظهر تفاعله مع حكاية زوجته بأن عّق ب عليها بعد أن انتهت قائًال‪ ” :‬كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع”‪
.‬‬

‫وفيما يلي بيان حديث أم زرع كامل مع الشرح والتفسير والفوائد‪.‬‬

‫بداية القصة‬
‫اجتمعت إحدى عشر امرأة في مجلس لهن‪ ،‬ويبدو أنه كانت تربطهن عالقة قوية‪
،‬‬

‫فقد “تعاهدن وتعاقدن” أي‪ :‬قطعن على أنفسهن عهدًا الزمًا‪ ،‬وعقدن العزم على البوح بمكنونات صدورهن بصدق‪
،‬‬
‫“وأال يكتمن” أي ال ُي خفين شيئًا فيما يتعلق بأزواجهن مما يميزهم أو يعيبهم من صفات‪.‬‬

‫خبر المرأة األولى‬


‫ابتدأت المرأة األولى الكالم قائلًة ‪“ :‬زوجي لحم جبل غّث ” أي‪ :‬لحم جمٍل هزيل رديء‪
،‬‬
‫وتقصد المبالغة في إظهار عدم رغبتها فيه وأنه ال نفع منه‪ ،‬وعلى الرغم من رداءته

‫إال أنه موضوٌع على قمة “جبل وعر” أي يصعب تسلقه‪ ،‬فال يستحق أن ُي كلف أحد نفسه صعوبة تسلقه‪
،‬‬
‫ثم قالت‪“ :‬وال سمين فينتقل” أي‪ :‬يأخذه الناس إلى بيوتهم كي ينتفعوا به بعد ما عانوه من صعوبة الوصول إليه‪.‬‬

‫وهي تريد بهذا الوصف إظهار ما تقاسيه مع زوجها من سوء معاملته لها وتكبره عليها

‫بالرغم من أنه ليس له ميزة ُت ذكر؛ فهو بخيل وسيء الخلق وسيء المعشر‪
،‬‬

‫وحتى أنها إذا أرادت أن ترضيه تكون كمن يتكبد مشقة صعود جبل عاٍل غير ممهد

‫ثم يعود صفر اليدين‪ ،‬وهذه الصفة المذمومة ملموسة واقعًا في بعض األزواج‪.‬‬

‫‪‬‬
‫خبر المرأة الثانية‬
‫أما المرأة الثانية في حديث أم زرع فقالت‪“ :‬زوجي ال أثير خبره” أي‪ :‬ال أفشي خبره وال أظهر صفته‪
،‬‬

‫وعللت ذلك بقولها‪“ :‬إني أخاف أال أذره” أي أنها تخشى أن تسترسل في الكالم عنه إن هي بدأت فيه؛

‫لما يحمله من صفات سيئة كثيرة يطول ذكرها‪ ،‬وقال بعض العلماء أن (ال) زائدة‪
،‬‬

‫والمقصود أنها تخاف إن هي تكلمت وبلغه كالمها عنه أن يذرها ويطلقها‪.‬‬

‫واكتفت باإلشارة إلى معايبه بقولها‪“ :‬إن أذكره أذكر عجره وبجره” أي أنها إن كانت والبد فاعلة

‫فإنها ستذكر فقط هاتين الصفتين‪ ،‬و”العجر” هو بروز أعصاب الجسم وعروقه الظاهرة من شدة تعقدها‪
،‬‬

‫و”البجر” نفس المعنى ولكن ُت ختص بها عروق البطن فقط‪.‬‬

‫والمراد أن زوجها مليء بالمعايب‪ ،‬منها ما هو ظاهر وجلي للعيان يراه أي أحد بسهولة‪
،‬‬

‫ومنها ما هو مستتر وخفي ال تميزه إال المرأة فقط‪ ،‬وهذا رأي اإلمام ابن حجر‪
،‬‬
‫بينما قال الخطاب أثناء تعرضه لشرح حديث أم زرع أن المعنى المقصود هو

‫أن زوجها كان مستورًا ظاهرًا ‪ ،‬ولكنها كانت مطلعة على رداءة باطنه‪.‬‬

‫خبر المرأة الثالثة‬


‫أما الثالثة فكانت من أكثرهن بؤسًا‪ ،‬تقول‪“ :‬زوجي العشَّنق” أي فارع الطول بال نفع أو فائدة‪
،‬‬

‫وقال األصمعي أنها إنما أرادت ذَّم ه بأنه ال يوجد لديه ما يوصف به إال طوله الُم ْس َت كَر ه‪
،‬‬
‫والذي كانت العرب تعتبره دليًال على السفه وقلة العقل‪.‬‬

‫ثم قالت‪“ :‬إن أنطق أطلق‪ ،‬وإن أسكت أعلق” وفي رواية أخرى‪“ :‬وأنا معه على حد السنان المذلق” أي على حافة الهاوية‪
،‬‬

‫فسرها بعض العلماء بأنها إن هي تكلمت عنه بمساوئه‪  ‬فسيطلقها‪


،‬‬
‫وإن هي سكتت فهي لديه كالمعلقة‪ ،‬أي ال هي أيم وال ذات زوج‪.‬‬

‫بينما قال آخرون أنها بهذه الكلمات تصف سوء وضعها لدى زوجها‪ ،‬وأنها ال تجد األمان في كنفه؛‬
‫فهو ال يتحمل كالمها معه إن أرادت أن تبثه بعض همومها‪ ،‬ولن يختلف الوضع كثيرًا إن هي سكتت

‫ولم ُت فصح له عما يعتمل في صدرها جَّر اء سوء خلقه معها؛ فهو في كل األحوال ال يعاشرها بالمعروف‪.‬‬

‫وقد يتساءل البعض عن سبب استمرار المرأة في العيش مع من هو بِم ثل هذا السوء؟

‫والجواب أن النساء عادًة يتَخ وفن من الطالق ويحسبن له ألف حساب‪


،‬‬
‫فربما يصبرن على سوء المعاملة لمجرد أن يُكَّن في كنف رجل‪
،‬‬

‫وفيما يبدو أن هذه المرأة في حديث أم زرع إنما تسكت وتصبر لعدم رغبتها في فراقه؛

‫إما لحبها له أو بسبب حاجتها إليه كي ُي طعمها‪.‬‬

‫والواقع مليء بمثل هذا؛ فكم من فتاة تقبل زواج أول من يطرق بابها ‪-‬وإن لم تكن ترتضيه‪
-‬‬

‫لمجرد الفرار من بيت أهلها وضيق الحال وقلة ذات اليد‪ ،‬فإذا بها تصطدم بسوء عشرته ودناءة ُخ ُلقه‪
،‬‬
‫فال تجد ُبدًا من تحمله لكي ال تعود إلى ما فَّر ت منه‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أ‬
‫خبر المرأة الرابعة‬

‫أما الرابعة فقد خالفت صاحباتها فمدحت زوجها وأثنت عليه ثناًء جميًال‪ ،‬فقالت‪
:‬‬
‫“زوجي َكَلْي ل ُت َه امة” أي أنها لم تر منه أي سوء أو أذى‪ ،‬ووصفته بهذا ألن

‫ليل تهامة مشهور باللطف والصفاء‪ ،‬وأنه معتدل ليس باردًا وال حارًا وال يمّله أحد‪
،‬‬
‫وهو ما أوضحته بقولها‪“ :‬ال حر وال قر وال سآمة”‪.‬‬

‫والُم راد أنها تريد إظهار حسن معاشرته لها ولطفه معها‪ ،‬فهو رفيق بها‪َ ،‬لِّي ن الطبع‪
،‬‬

‫ليس فيه شدة‪ ،‬وأيضًا ليس باردًا عديم اإلحساس‪ ،‬ال تخشى منه سوءًا حتى وإن أخطأت‪
،‬‬
‫وال تمّل صحبته وال الحديث معه وال هو يَم ُّلها كذلك‪ ،‬فهي معه في راحة ومأمن ولذة عيش‪.‬‬

‫ونريد أن ُن شير هنا إلى أن أفضل الرجال هو من تأنس معه زوجته وتجد في صحبته الطمأنينة واألمان‪
،‬‬
‫وليس أفضل مثال على هذا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؛ حيث كان ُي جالس زوجاته

‫ويستمع إلى قصصهن وشكاويهن‪ ،‬ويحل ما يحدث بينهن من مناوشات وإشكاالت بهدوء وحكمة ولطف‪.‬‬

‫فروى البخاري في صحيحيه عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪


:‬‬

‫“كاَن النبُّي َص َّلى اُهلل عليه وسَّلَم ِع ْنَد َبْع ِض ِن َس اِئِه ‪ ،‬فأْر َس َلْت إْح َد ى ُأ َّم َه اِت الُم ْؤ ِم ِن يَن بَص ْح َف ٍة ِف يَه ا َط َع اٌم ‪َ ،‬ف َض َر َبِت اَّلتي النبُّي َص َّلى اُهلل عليه وسَّلَم‬
‫في َب ْي ِت َه ا َي َد الَخ اِد ِم ‪َ ،‬ف َس َق َط ِت الَّص ْح َف ُة َف اْنَف َلَق ْت ‪َ ،‬ف َج مع النبُّي َص َّلى اُهلل عليه وسَّلَم ِف َلَق الَّص ْح َف ِة ‪ُ ،‬ث َّم َج َع َل َي ْج َم ُع ِف يَه ا الَّط َع اَم الذي كاَن في‬
‫الَّص ْح َف ِة ‪ ،‬ويقوُل ‪َ :‬غ اَر ْت ُأ ُّم ُكْم ُث َّم َح َب َس الَخ اِد َم حَّت ى ُأ ِت َي بَص ْح َف ٍة ِم ن ِع نِد اَّلتي هو في َب ْي ِت َه ا‪َ ،‬ف َد َف َع الَّص ْح َف َة الَّص ِح يَح َة إلى اَّلتي ُكِس َر ْت‬

‫َص ْح َف ُت َه ا‪ ،‬وَأ ْم َس َك الَم ْكُس وَر َة في َب ْي ِت اَّلتي َكَس َر ْت ”‪.‬‬

‫هكذا ُت حّل مثل هذه المشكالت‪ ،‬ال كما يفعل بعض األزواج من التلويح بالطالق

‫في كل خالف صغيرًا كان أو كبيرًا ‪ ،‬فتظل زوجته معه في قلق وترقب مستمر‪
.‬‬

‫وينبغي أن يعلم كل زوج أن زوجته أسيرة لديه‪ ،‬لذا أوصى الرسول صلى اهلل عليه وسلم

‫بالمرأة في خطبة حجة الوداع قائًال‪“ :‬اسَت وصوا بالِّن ساِء خيًر ا فإَّن هَّن عنَد ُكم َع واٍن ”‪ ،‬أي‪ :‬أسيرات‪.‬‬

‫ولهذا فإن أكثر ما ترغب المرأة في أن تشعر به مع زوجها هو دفء األمان في كنفه‪
،‬‬

‫وحينها ستعامله بأفضل مما يعاملها به وتعطيه دون حساب‪ ،‬أما إذا ما افتقدت لهذا الشعور

‫‪‬‬
‫إما لبخل أو لسوء خلق فإنها تتوقف عن العطاء‪ ،‬وتبدأ في األخذ من مال زوجها دون علمه

‫خوفًا من أن يغدر بها في أي وقت‪ ،‬وتكذب عليه خشية أال يقبل منها عذر‪.‬‬

‫خبر المرأة الخامسة‬


‫اختلف ُش َّر اح حديث أم زرع فيما إذا كان وصف المرأة الخامسة لزوجها محمول على المدح أم الذم‪
،‬‬

‫فمن حملوه على الذم قالوا أن معنى “إذا دخل فِه د” أنه إذا دخل البيت كان غليظ الطبع معها‪
،‬‬

‫أو أنه يكثر من النوم فال تكاد تجالسه أو تحادثه‪“ ،‬وإذا خرج أِس د” أي‪ :‬أي أصبح نشيطًا شجاعًا مقدامًا
‪،‬‬

‫“وال يسأل عما عهد” أي أنه ال يتفقد حالها إذا عاد إلى البيت وال يعرف إن كانت مريضة أو بها حاجة ونحو ذلك‪.‬‬

‫لكن األشهر أن هذا الوصف محمول على المدح؛ فقد شبهته في بيته بالفهد كناية عن كثرة

‫تغافله عن عيوبها أو تقصيرها‪ ،‬فال ُي علق على كل شاردة وواردة‪ ،‬ولكنه في الوقت ذاته

‫إذا خرج إلى الرجال يكون رجًال ُم هابًا بينهم‪“ ،‬وال يسأل عما عهد” كناية عن كرمه معها‪
،‬‬

‫فبإمكانها أن تأخذ من متاعه وماله كما تريد بدون أن يراجعها أو يحاسبها‪.‬‬

‫وقد حث النبي صلى اهلل عليه وسلم الرجال على أن يتحلوا بخلق التغافل في عالقتهن بأزواجهن‪
،‬‬

‫وأال ُي قوُم وَن هن في كل صغيرة وكبيرة طالما لم يقترفن إثمًا‪ ،‬فعن ُس مرة بن جندب رضي اهلل عنه قال‪
:‬‬

‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪“ :‬إَّن المرأَة ُخ ِل قْت ِم ن ِض َلٍع ‪ ،‬فإْن أَق ْم َت ها كَس ْر َت ها‪ ،‬فَد اِرها تِع ْش بها” [صحيح ابن حبان]‪
،‬‬
‫وُس ئل أعرابي عن أعقل الناس فقال‪“ :‬الفطن المتغافل”‪.‬‬

‫فلقد فطر اهلل المرأة وفيها عوج وضعف‪ ،‬وهو ما يجذب الرجل إليها ابتداًء ‪
،‬‬
‫فإذا ما حاول أن يقيم هذا العوج فإنه سيكسرها‪ ،‬وكسرها طالقها‪
،‬‬

‫ولذا فإن الرجل مطالب بتقبلها بالحال التي ُخ لقت عليها‪ ،‬بل وأن ينزل

‫إلى مستواها في بعض األحيان‪ ،‬فيالعبها أو يسابقها مثلما كان يفعل نبينا

‫المصطفى صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهذا ال ُي نقص من الرجولة أو القوامة شيئًا
‪،‬‬
‫بل يرفع من رصيد المحبة والتآلف في قلب الزوجة تجاه زوجها‪.‬‬

‫خبر المرأة السادسة‬


‫أما المرأة السادسة في حديث أم زرع فال خالف بين العلماء على أنها ذمت زوجها‪
،‬‬

‫حيث قالت‪“ :‬زوجي إذا أكل لّف ” أي أنه يدور على كل أصناف الطعام فال ُي بقي وال يذر‪
،‬‬
‫فهو َن ِه م أكول‪ ،‬وكانت العرب قديمًا تذم الرجل وتعيبه بكثرة أكله وشربه‪
،‬‬

‫و”إذا شرب اشتف” أي يشرب ما في اإلناء آلخر قطرة فيه‪.‬‬

‫“وإذا اضطجع التف” أي أنه إذا أراد أن ينام نام في ركن قصي عنها فال يقربها‪
،‬‬

‫“ال يولج الكف ليعلم البث” أي أنه ال يهتم ألمرها وال لسماع شكواها أو ما يؤرقها ويحزنها‪
،‬‬

‫ويحتمل أن يكون المقصود أنه ال يعطيها الفرصة لتعبر له عن حبها له‪


،‬‬

‫فالبث يطلق على الحزن والمرض والشكوى‪ ،‬وقد يطلق على الحب أيضًا‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وهذه المرأة بمقالتها تلك إنما تشكو زوجها أكثر من كونها تذمه؛

‫فكلمة “إذا أكل لف” ُي حتمل أنها تشير إلى مهارتها في إعداد الطعام وأنها تطهو له ما لذ وطاب‪
،‬‬
‫ثم يكون جزاؤها منه أن ينام مبتعدًا عنها وال يهتم ألمرها وال يحنو عليها ولو بأن يربت على كتفها!

‫فكل امرأة تحتاج في نهاية يومها الطويل الذي تمضيه ما بين أعباء المنزل ومتاعب األبناء

‫أن تسمع كلمة طيبة تهون عليها ما تالقيه‪ ،‬وتكون دافعًا لها على مواصلة عطائها الالمحدود بكل حب ورضا‪.‬‬

‫ولنا في رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خير أسوة؛ فقد كان حريصُا على تفقد أحوال زوجاته والتلطف معهن‪
،‬‬

‫وسماع شكواهن‪ ،‬والتسرية عنهن‪ ،‬حتى أن عائشة رضي اهلل عنها لّم ا حَّد َث ت بما كان من أمر الرسول معها

‫في حادثة اإلفك قالت‪“ :‬بكيت ثالثة أيام بلياليهن حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي”

‫من مرض أصابها بعد عودتها من غزوة بني المصطلق حين شاع أمر حادثة األفك‪
،‬‬

‫فكان النبي ال يزيد على أن يدخل عليها فيقول‪“ :‬كيف تيكم” أي كيف حال هذه؟ ثم ينصرف‪.‬‬

‫ولم تكن عائشة سمعت شيئًا بعُد مما يتداوله الناس عنها‪ ،‬فارتابت من هذه المعاملة الجافة

‫التي لم تعتد عليها من النبي حال مرضها أو تألمها فإذا به ال يرق لحالها هذه المرة وال يتلطف معها‪
،‬‬

‫تقول‪“ :‬وكان يريبني أني ال أجد اللطف الذي كنت أجده منه حين أشتكي”‪ .‬وهذا هو محل الشاهد‪.‬‬

‫خبر المرأة السابعة‬


‫على الرغم مما مر علينا من صفات سيئة في أزواج معظم نسوة حديث أم زرع سالفات الذكر؛

‫إال أن زوج هذه المرأة هو أكثرهم سوءًا ؛ فتقول‪“ :‬زوجي َع ياياء” من الِع ي‪ ،‬أي‪ :‬العجز عن إتيان النساء‪
،‬‬

‫أو “َغ ياياء” من الغي وهو الظلمة والضالل‪ ،‬فهو كالظل الكثيف المعتم الذي ال يتخلله ضوء‪.‬‬

‫أما “طباقاء” فهو‪ :‬األحمق الذي ُت طبق عليه شؤونه‪ ،‬أو هو َم ن ال ُي حسن الكالم فينطبق فمه‪
،‬‬

‫كنايًة عن أنه ال ُي حسن أن يتفاهم معها بالكالم‪


،‬‬
‫“كل داء له داء” أي أن جميع عيوب الناس ومساوئهم اجتمعت فيه‪.‬‬

‫إذًا ما هي طريقته في التفاهم؟ الطريقة الوحيدة التي ُي حسنها هي الضرب المبرح‪،‬‬


‫فهو إما “شَّج ِك ” أي جَر ح وجهها أو رأسها‪ ،‬أو “فَّلِك ” أي‪ :‬كَس َر عضو من جسدها أو عظامها أو جرح جلدها وشَّق ه‪
،‬‬

‫أو “جَم َع كًال لِك ” أي يجمع بين جرح الوجه والرأس وتكسير األعضاء والجروح‪.‬‬

‫ويتضح من وصفها أن هذا الرجل بلغ من السوء مبلغًا عظيمًا؛ فهو غير قادر على أن يقضي وطرها

‫ومع ذلك يؤذيها أشد ما يكون األذى‪ ،‬ويسيء عشرتها أيما إساءة‪ ،‬فيضربها ضربًا شديدًا

‫إن هي أغضبته أو حتى مازحته‪ ،‬وكل هذا يتعارض تعارضًا كبيرًا مع هدي اإلسالم في معاملة الزوجات‪
،‬‬
‫بل حتى مع شيم الرجال ذوي الفطرة السليمة‪.‬‬

‫فاهلل عز وجل ما شرع ضرب الزوجات بقوله {َو اْض ِر ُبوُه َّن } [النساء‪ ]34 :‬إال في حاالت النشوز بهدف التقويم والعالج‪
،‬‬
‫وجعل قبله مرحلتين ال يجب تجاوزهن‪ ،‬وقيدته السنة بضوابط شرعية إذا خالفها الزوج حَّق لزوجته أن تقتص منه‪
،‬‬
‫‪‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪“ :‬فاضربوهن ضربًا غير مبرح” [صحيح مسلم]‪
،‬‬
‫أي غير مؤٍذ ‪ ،‬ضرب ُم حب يبتغي اإلصالح ال ضرب من يريد االنتقام‪.‬‬

‫خبر المرأة الثامنة‬


‫امتدحت هذه المرأة زوجها بإيجاز شديد فقالت‪“ :‬زوجي المس مس أرنب‪ ،‬والريح ريح زرنب”‪
،‬‬

‫واألرنب‪ :‬حيوان لِّي ن الملمس‪ ،‬يتميز بنعومة وبره الشديدة‪ ،‬والزرنب‪ :‬نبات ذو رائحة طيبة محببة للنفس‪.‬‬

‫فإما أنها هنا تمتدح لين جسده ونعومته من شدة ما يهتم بنفسه‪
،‬‬

‫أو أن هذا الوصف كنايًة عن حسن معاشرته لها ولين جانبه ورفقه بها‪
،‬‬
‫كما امتدحت طيب رائحة عرقه؛ إما كنايًة عن شدة نظافته وكثرة تطيبه

‫بالجميل من العطور‪ ،‬أو كنايًة عن حسن حديثه‪.‬‬

‫وهذا من األدب الذي تفتقر إليه بعض بيوت المسلمين؛ حيث ُي ستحب لكال الزوجين

‫أن يتجمل لزوجه وأن يهتم بنظافته؛ كي ال يصدر منه ما ينفر الطرف اآلخر‪
،‬‬

‫وفي هذا اقتداء بخير الورى صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫فعن شريح بن هانئ قال‪ :‬سألت عائشة رضي اهلل عنها‪“ :‬بأي شيء كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت‪ :‬بالسواك” [رواه‬

‫مسلم]‪
،‬‬

‫وهذا من شدة حرصه على تطهير فمه والتخلص من أي رائحة كريهة قد تصدر منه‪.‬‬

‫كما كان صلى اهلل عليه وسلم يحب الطيب‪ ،‬بل ويأمر أصحابه به‪
،‬‬
‫وفي هذا روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة ‪-‬رضي اهلل عنهما‪
-‬‬

‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مسح خده‪ ،‬قال‪“ :‬فوجدت ليده بردًا وريحًا كأنما أخرجها من جؤنة عطار”‪ ،‬من كثرة تطيبه‪.‬‬

‫وعن أنس بن مالك ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪“ :‬كان لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ُ  ‬س كة يتطيب منها” [صحيح أبي داود]‪
،‬‬

‫والُس كة ‪ :‬هي خليط من العطور‪ ،‬أو وعاء خاص بالطيب‪.‬‬

‫خبر المرأة التاسعة‬


‫مدحت هذه المرأة زوجها بالجود والكرم والسيادة والشرف‪ ،‬فقالت‪“ :‬زوجي رفيُع العماِد ”

‫العماد‪ :‬هو عمود البيت الذي يدعمه ويقويه‪ ،‬والمراد أن عمود بيته مرتفع

‫حتى يتمكن من رؤيته الضيف أو الغريب أو َم ن له حاجة‪ ،‬وهي بهذا الوصف تكِّن ي عن شرفه وكرمه ورفعته‪.‬‬

‫“طويل النجاد” النجاد هو ما ُي حَم ل فيه السيف‪ ،‬كنايًة عن طول قامته‪


،‬‬

‫ولكن هذا الرجل طوله محمود بخالف الَع َش َّنق‪ ،‬وطول النجاد إشارة إلى الشجاعة واإلقدام وقوة البأس في الحروب‪
،‬‬

‫وقولها‪“ :‬عظيم الرماد” أي أن نار داره ال تنطفئ من كثرة ما ُي قري األضياف‪.‬‬

‫ثم دَّللت على جوده بأن قالت‪“ :‬قريب البيت من الناْد ” والناِد هو النادي ولكن ُح ذفت الياء لموافقة السجع‪
،‬‬

‫وهو مجلس القوم ومنتداهم‪ ،‬وُي حتمل أن يكون المقصود أنه لرفعته له رأي مسموع في قومه‪
،‬‬ ‫‪‬‬
‫أو أنه اتخذ بيته قريبًا من الناس حتى يسهل عليهم لقاؤه إذا ما احتاجوا إليه في مشورة ونحوه‪.‬‬

‫والكرم من أكثر الصفات التي كان العرب يحرصون على التحلي بها ويمدحون عليها‪
،‬‬
‫فهو يستر كل عيب‪ ،‬أما البخل فال ُي رى لصاحبه حسنة؛ من سوء ما اتصف به‪
،‬‬

‫وقد ذم اهلل البخل وأهله في كتابه فقال‪{ :‬اَّلِذ يَن َي ْب َخ ُلوَن َو َي ْأ ُم ُر وَن الَّناَس ِب اْلُب ْخ ِل } [النساء‪
،]37 :‬‬

‫وكان النبي صلى اهلل عليه وسلم أبعد ما يكون عن البخل‪ ،‬بل إنه كان َأ ْج َو د من الريح المرسلة‪.‬‬

‫قد يهمك أيًض ا‪ :‬أحاديث عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم في مواضيع مختلفة‬

‫خبر المرأة العاشرة‬


‫كذلك امتدحت المرأة العاشرة في حديث أم زرع زوجها بصفة الكرم‪ ،‬فقالت‪“ :‬زوجي مالك” هذا اسمه‪
،‬‬

‫“وما مالك!” تريد تعظيم زوجها وإجالله من خالل استخدام االستفهام التعجبي وتكرار اسمه‪
،‬‬
‫ثم قالت‪“ :‬مالك خير من ذلك” أي أن زوجها أفضل بكثير من كل ما ستصفه به؛

‫تريد المبالغة في تعظيمه والثناء عليه‪.‬‬

‫“له إبل كثيرات الَم َب اِرك” المبارك جمع ِم بَر ك‪ ،‬وهو مكان بروك اإلبل ونزولها‪
،‬‬

‫والمراد بأنها “قليالت المسارح” أي ال تخرج للرعي إال قليًال


‪،‬‬

‫كنايًة عن استعداده إلكرام الضيفان في أي وقت يأتونه فيه‪.‬‬

‫ثم قالت‪“ :‬إذا سمعن صوت الِم زَهر” قيل هو العود‪ ،‬أو آلة تصدر صوتًا كان يستخدمها

‫إذا أتى ضيف إظهارًا للفرح بقدومه‪ ،‬وقيل هو آلة توقد بها النار للشوي‪
،‬‬
‫“أيقَّن أنهن َهواِل ك” أي إذا سمعت اإلبل هذا الصوت عرفن أن ضيفًا قد آتي‪ ،‬وأن إحداهن في طريقها للذبح‪.‬‬

‫خبر أم زرع‬
‫نأتي إلى خبر َم ن ُن ِس ب حديث أم زرع إليها‪ ،‬وهي أم زرع بنت ُأ كيمل بن ساعدة‪
،‬‬

‫قالت‪“ :‬زوجي أبو زرع‪ ،‬فما أبو زرع!” أي ما الذي تعرفونه عن أبي زرع‪
،‬‬

‫وحيث أنكم ال تعرفونه فسأخبركم عنه‪“ ،‬أناس من ُح لٍي ُأ ذَن َّي ” أناس من النوس أي الحركة‪
،‬‬
‫والمعنى أنه مأل أذنيها بالحلي التي تضطرب وتتحرك مع تحركها‪
،‬‬

‫وأول ما ابتدأت به هو ذكر الحلي؛ ألن النساء شغوفات بالذهب والحلي‪.‬‬

‫ثم قالت‪“ :‬ومَأل ِم ن شحٍم عُض َد َّي ” أي أنه تزوجها نحيلة فسِم نت عنده من شدة كرمه معها وكثرة ما يطعمها‪
،‬‬

‫“َو َبَج حني َف َب َج حْت إلَّي َن فسي” أي أنه أكَث َر من تعظيمها وإكرامها حتى صّد قته وصارت ترى نفسها بعينه‪
،‬‬

‫كل هذا على الرغم من أنه‪“ :‬وَج َد ني في أهِل ُغ َنيمٍة ِب َش ٍّق ” أي أنه أخذها من بيت فقير‪
،‬‬
‫حيث كان أهلها يرعون الغنم في شق جبل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ثم قالت‪“ :‬فجعَلني في أهِل َص هيٍل وَأ طيٍط ” الصهيل صوت الخيل‪ ،‬واألطيط صوت اإلبل‪
،‬‬

‫أي أنه كان غنيًا شريفًا‪ ،‬فاإلبل والخيل كانت من أنفس الدواب عند العرب‪
،‬‬
‫“وداِئ س” هو من يدوس الزروع إلخراج الحب من سنابله‪ ،‬كناية على أن أهله ُز َّر اع‪
،‬‬

‫“وُم َن ّق ” وهو الَم ْن ُخ ل‪ ،‬أي ما يستخدم في تنقية الطعام من الشوائب والقشور‪


،‬‬

‫وكل هذا إشارة إلى أنه نقلها من حياة الضيق في بيت أهلها إلى رغٍد من العيش ورفاهية وترف‪.‬‬

‫ثم قالت‪“ :‬فعنَد ه أقوُل فال ُأ قَّب ُح ” أي ال ُي رد لها قول؛ فمكانتها من مكانِت ه وِع ّز ها من عِز ه‪
،‬‬

‫“وأرقُد فَأ تصَّب ُح ” أي تنام إلى وقت الضحى‪ ،‬وفيه كناية عن كثرة الخدم حولها يكفونها حاجتها ومئونتها‪
،‬‬

‫“وأشرُب َف أتقَّنُح ” أي تشرب حد االرتواء إلى أن تزهد فيه من شدة شبعها‪.‬‬

‫وصف أم أبي زرع‬

‫لم تكتِف أم زرع بمدح زوجها‪ ،‬بل َث َّنت بالثناء على أمه أيضَا فقالت‪
:‬‬

‫“ُع ُكوُم ها َر داٌح ” العكوم هي ما ُي جمع فيه المتاع والطعام‪ ،‬ورداح أي كبيرة واسعة‪
،‬‬

‫وفي هذا كناية عن كثرة الخير في بيتها ورغد العيش‪“ ،‬وبيُت ها فساٌح ” أي واسع ممتد‪.‬‬

‫وصف ابن أبي زرع‬

‫ثم امتدحت ابن أبي زرع قائلة‪َ“ :‬م ضجُع ه كِم َس ِّل َش طبٍة ” شَّب هت مكان نومه بجريد النخل المشطوب –أي الذي ُأ زيل سعفه‪
،-‬‬
‫وفي هذا الوصف تشبيه البن أبي زرع بالسيف المسلول‪ ،‬أي أنه كان نحيفًا وقويًا في الوقت ذاته؛ كنايًة عن رشاقته وخفته‪
.‬‬

‫ثم قالت‪“ :‬وُي شبُع ه ذراُع الجفرِة ” أي يكفيه من الطعام الِر جل األمامية ألنثى الماعز الصغيرة‪.‬‬

‫وصف بنت أبي زرع‬

‫لم تغَف ل أم زرع عن مدح ابنة أبي زرع أيضًا فقالت‪“ :‬طوُع أبيها‪ ،‬وطوُع أِّم ها” أي أنها ذات أدب‪
،‬‬
‫بارة بأبيها وأمها‪ ،‬فتطيعهما وال تكسر لهما كلمة‪“ ،‬وملُء ِك ساِئ ها” أي أنها كانت ممتلئة الجسم‪
،‬‬

‫وكان هذا مما ًت مدح به المرأة دون الرجل‪“ ،‬وغيُظ جارِت ها” أي تثير غيط ضرتها؛ من حسنها وأدبها وطيب أصلها‪.‬‬

‫وصف جارية أبي زرع‬

‫لم تكتِف أم زرع بالثناء على أهل زوجها‪ ،‬بل أثنت على جاريته أيضًا؛ من شدة حبها له‪
،‬‬

‫فقالت‪“ :‬ال َت بُّث حديَث نا َت بثيًث ا” أي أنها أمينة ال ُت فشي لهم سرًا ‪ ،‬وال تنقل ألحد ما يدور في البيت من أحداث أو أحاديث‪
،‬‬ ‫‪‬‬
‫“وال َت نقُّث ِم يرتنا تنقيًث ا” أي أنها ُم َد ِّب رة ال ُت هدر الطعام وال ُت بِّذ ر فيه‪ ،‬وال تأخذ منه بغير حق‪
،‬‬

‫“وال تمُأل بيَت نا تعشيًش ا” أي أنها ُت صلح البيت وتنظفه‪ ،‬وال تترك القمامة بداخله في أركانه كاألعشاش‪.‬‬

‫طالق أم زرع‬

‫تكمل أم زرع حديثها قائلة‪“ :‬خرَج أبو زرٍع واألوطاُب ُت مخُض ” األوطاب هي آنية اللبن‪
،‬‬

‫وتمخض أي ُت رج لُي ستخرج منها الُز بد‪ ،‬وقولها هذا يدل على أنه خرج مبكرًا ‪
،‬‬

‫فإذا به يلقى امرأة مع ولدين لها “َكالَف ِه ديِن ” أي رشيقين‪


،‬‬
‫واهتمت بذكر وصفهما للتنبيه إلى أحد األسباب التي دفعت أبو زرع للزواج منها‪
،‬‬
‫وهو رغبته في أن يكون له أوالد من امرأة منجبة‪.‬‬

‫باإلضافة ألنها أعجبته‪ ،‬فقد كان الولدان “يلعبان من تحت خصرها برمانتين”

‫أي يلهوان تحت وسطها ويلعبان بثدييها الصغيرين‪ ،‬والتشبيه بالرمان كناية عن حسنهما‪
.‬‬
‫فما كان منه إال أن طلق أم زرع وتزوج من هذه المرأة‪.‬‬

‫ولكن قد يتساءل البعض‪ :‬ما سبب تطليقه لها؟


‫وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر في شرح حديث أم زرع في كتاب فتح الباري

‫أنها في رواية أخرى قالت‪َ“ :‬ف َأ ْع َج َب ْت ُه َف َط َّلَق ِن ي”‪ ،‬أي جعلت سبب تطليقه لها هو أنها أعجبته

‫وأحبها فمألت عليه قلبه فزهد في أم زرع‪ ،‬وهناك تفسير آخر أتى ذكره في لفظ الحديث

‫من طريق أبي معاوية‪ ،‬وهو‪َ“ :‬ف َخ َط َب َه ا َأ ُبو َز ْر ٍع ‪َ ،‬ف َت َز َّو َج َه ا‪َ ،‬ف َلْم َتَز ْل ِب ِه َح َّت ى َط َّلَق ُأ َّم َز ْر ع”‪
،‬‬
‫أي أن المرأة تمكنت من قلبه حتى جعلته يطلق أم زرع‪.‬‬

‫صفات الزوج الثاني‬

‫قالت‪“ :‬فَنكحُت بعَد ه رجاًل سِر ًّي ا” أي تزوجت رجًال ثريًا من أشراف الناس وكبرائهم‪
،‬‬
‫“رِك َب شِر ًّي ا” أي فرسًا فائقًا سريعًا يمشي ُق ُد مًا في طريقه بال كلل‪
،‬‬

‫“وأَخ َذ خِّط ًّي ا” أي كان يحمل معه رمحًا أثناء ركوبه جواده؛ زيادة في الهيبة والتفاخر‪،‬‬
‫“وأراَح علَّي نعًم ا ثِر ًّي ا” أي أنه أغدق عليها نعمًا كثيرة وخيرًا وفيرًا ‪ ،‬أو أنه وهبها الكثير من اإلبل‪.‬‬

‫ثم تقول‪“ :‬وأعطاني ِم ن كِّل رائحٍة زوًج ا” أي أعطاها من كل ما يروح ويأتي من اإلبل واألبقار واألغنام وغيرها اثنين أو صنفين‪
،‬‬

‫“وقال لي‪ُ :‬كلي أم زرع وِم يري أهَلِك ” أي ال تحرمي نفسك شيئًا واهدي أهلك وأوسعي عليهم مما تشائين من الطعام‪.‬‬

‫ثم بعد كل ما وصفته به من جاه‪ ،‬وكبرياء‪ ،‬وشجاعة‪ ،‬وكرم‪ ،‬وتَف ُّض ل على أهلها زيادًة في إكرامه لها‪
،‬‬
‫إذا بها تختتم حديثها قائلًة أن أصغر آنية أبي زرع أعظم وأحب إليها من كل ما منحها إياه؛

‫كناية عن شدة محبتها ألبي زرع‪ ،‬فقد كان أول أزواجها واستوطنت محبته شغاف قلبها‪
،‬‬

‫ويحتمل أن أبي زرع كان حنونًا ورفيقًا بها‪ ،‬فوجدت في كنفه المحبة والحنان والدفء بخالف الزوج الثاني‪.‬‬

‫تعليق النبي على حديث أم زرع‬


‫‪‬‬
‫بعد أن انتهت عائشة رضي اهلل عنها من قص حديث أم زرع على النبي‪ ،‬عَّلق صلى اهلل عليه وسلم قائًال‪
:‬‬
‫“كنُت لِك كأبي َز رٍع ُألِّم زرٍع ”‪ ،‬وذكر الهيثم بن عدي في روايته زيادة وهي‪“ :‬في األلفة والوفاء ال في الفرقة والجالء”‪
،‬‬

‫وجاء في رواية أخرى‪ ” :‬إال أنه طلقها وإني ال أطلقك”‪


،‬‬
‫وأورد كل من الطبراني والنسائي في روايتيهما أن عائشة قالت‪“ :‬يا رسول اهلل بل أنت خير من أبي زرع”‪.‬‬

‫ومعلوم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أفضل َم ن وطء الثرى بقدميه‪
،‬‬
‫ولكن وجه التشابه هنا هو في اإلكرام وحسن المعاشرة واأللفة والمحبة؛‬

‫فالتشبيه ليس ُم لِز َم ًا بأن يتساوى المشَّب ه مع الُم شَّب ه به في كل صفاته وأحواله‪.‬‬

‫فوائد من حديث أم زرع‬


‫بعد أن عرضنا حديث أم زرع كامل مع الشرح والتفسير أعاله‪
،‬‬
‫يلزمنا هنا أن نذكر أهم ما استنبطه العلماء من فوائد وعبر‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫حسن مؤانسة الزوج لزوجته ومجالستها ومسامرتها بما ال يشتمل على إثم‪.‬‬

‫جواز الحديث عن أحوال األمم السابقة وأخبارهم ونوادرهم‪.‬‬

‫جواز ذكر عيوب الغير بغرض التنفير منها‪ ،‬وال يدخل هذا في الغيبة ما دام صاحب العيب غير معروفًا بعينه أو باسمه‪.‬‬

‫الحب يجبر اإلساءة ويسترها‪ ،‬فبالرغم مما فعله أبو زرع ألم زرع من تطليقه لها إال أنها مدحته أشد ما يكون المدح‪ ،‬وبالغت في الثناء عليه‪.‬‬

‫جواز أن تصف المرأة لزوجها ُح سن امرأة أخرى ما دامت مجهولة له وال يمكنه االستدالل على شخصها‪.‬‬

‫جمال المرأة وقوتها في ضعفها‪ ،‬وقد فطرها اهلل على أن تأنس بالرجل‪ ،‬فإذا لم تجد األنس معه غلب عليها الحزن والكآبة‪.‬‬

‫أهمية الكلمة الطيبة في التخفيف عن المرأة وتطييب خاطرها‪.‬‬

‫المرأة تحب من يكرمها وال يبخل عليها بشيء‪.‬‬

‫أهمية تقدير الزوج لكالم زوجته وعدم التسفيه منه أو تحقيره‪.‬‬

‫قد تصبر المرأة على فقر زوجها وال تشتكي‪ ،‬خاصًة مع إحسانه لها‪ ،‬لكنها َق َّل أن تصبر على سوء ُخ ُلقه معها‪.‬‬

‫على الزوج تفقد أحوال زوجته دائمًا‪ ،‬وأن يشاركها في أفراحها وأحزانها وأن يستمع لشكواها‪.‬‬
‫‪‬‬
‫كثرة متطلبات الزوج فيما يخص الطعام واإلسراف فيه من مكدرات الحياة الزوجية‪ ،‬وهو ما يستفاد من خبر المرأة السادسة التي ذمت‬
‫عادات زوجها فيما يتعلق باألكل والشراب‪.‬‬

‫المضامين التربوية في حديث أم زرع‬


‫أوًال‪ :‬المضمون النفسي‬
‫تميل النفس البشرية إلى مشاركة الخبرات مع األحبة‪ ،‬وكشف مكنونات األسرار لهم‪
،‬‬
‫وهذا جائز شرعًا ما دام ال يتجاوز حدود األدب الشرعي‪ ،‬وال يفضح ما ستره اهلل من خبايا ال يجوز كشفها‪
،‬‬

‫وفي هذا يقول الخبراء أن عدم تبادل أطراف الحديث بين الزوجين‪
،‬‬
‫أو عدم تعبير كل منهما عن مشاعره لشريكه يضر بالعالقات الزوجية ويعوق تطورها‪.‬‬

‫يشير حديث أم زرع إلى أحد مشكالت الطالق المتعلقة بنفسية المرأة المطلقة‪
،‬‬
‫وهي تعلقها بطليقها وحنينها إلى أيامها معه‪ ،‬وعقدها لمقارنات بين طليقها وزوجها الثاني‪
،‬‬

‫خاصًة إذا كان يحسن عشرتها ومعاملتها وكان طالقها منه بغير جريرة منها‪.‬‬

‫ويظهر من خبر المرأة الرابعة أنها مدحت زوجها بأنه ذو شخصية معتدلة‪ ،‬ال فرق بين ظاهره وباطنه‪
،‬‬
‫ال هو بالمتجهم‪ ،‬وال بالضعيف المهزوم‪ ،‬وهذا االعتدال تحبه المرأة؛ ألنه يمنحها األمان األسري‪
.‬‬

‫كما ذكرت أن من عوامل سعادتها مع زوجها أنها ال تجد في صحبته مكانًا للشعور بالملل‪
،‬‬
‫فالملل أحد نواقض السعادة الزوجية‪ ،‬لذلك البد أن يعمل الزوجان على إحداث تغيير في نمط حياتهم المعتاد من وقت آلخر‪.‬‬

‫كما ُي ظهر حديث أم زرع طبيعة بعض األزواج المضطربين الذين يبطشون بزوجاتهم ويضربونهن ضربًا أليمًا مبرحًا
‪،‬‬
‫مما ينتج عنه انتفاء الغاية من الزواج وهي تحقيق السكن والمودة والرحمة‪
،‬‬

‫بل إن ميثاق الزواج يتحول إلى حبل غليظ في رقبة الزوجة ال ُي فارقها إلى أن تموت أو يقضي اهلل أمرًا كان مفعوًال‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬المضمون التعليمي‬


‫اشتمل حديث أم زرع على قائمة كبيرة من الكلمات العربية الجزلة‪ ،‬وأساليب بالغية بديعة‪
،‬‬

‫وفنونًا أدبية رفيعة‪ ،‬وهذا مما يفيد في تنمية الذكاء اللغوي‪ ،‬وتهذيب النفوس وترقيقها‪
،‬‬
‫فعلم اللغة من العلوم الهامة التي ال غنى لطالب العلم عنها‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬المضمون االجتماعي‬


‫يبين حديث أم زرع ما للنساء من قدرة فائقة في رصد تفاصيل الرجال ودقائقهم‪
،‬‬

‫وتحديد مواطن ضعفهم وقوتهم‪ ،‬لذا يمكن وصف الزوجة بأنها مرآة زوجها‪
،‬‬
‫فمن المهم أن يتم تغيير أفهام كثير من الناس تجاه المرأة ومنحها التقدير والثقة في إمكاناتها وقدراتها العقلية‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫إن من الصعب حصر كافة األخالقيات الحسنة التي ورد ذكرها في حديث أم زرع الطويل

‫وإيضاح مدى فائدتها في استقرار الحياة الزوجية وإنعاش السعادة األسرية وتحسين العالقة بين الزوجين‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ولكن يمكننا تلخيص ما سبق في أن الحديث تضمن الثناء على خلق الكرم‪ ،‬واعتدال طباع الزوج‪
،‬‬

‫وعدم المبالغة في التطلب‪ ،‬وإكرام الرجل لزوجته وأهلها‪ ،‬والتجمل والتزين لها‪
،‬‬
‫وعدم االعتداء عليها قوًال وفعًال‪ ،‬والرفق بها‪ ،‬ومؤانستها‪.‬‬

‫وكل هذه الخصال مما أرساه الشرع الحنيف وحث عليه فيما يخص حسن الخلق مع الزوجة‪
،‬‬

‫وهو ما مارسه النبي صلى اهلل عليه وسلم عمليًا مع زوجاته‪


،‬‬
‫فحري بكل زوٍج أن يقتدي به وأن يهتدي بهديه؛ حتى يعود للبيوت دفؤها وسعادتها المنشودة‪.‬‬

‫‪‬‬

You might also like