Professional Documents
Culture Documents
الحديث الشريف
لم تعرف اإلنسانية على مر العصور مثل التراث العربي وما حواه من كنوز أدبية نادرة وبديعة
جادت بها أذهان أصحابها رجاًال ونساًء ،ولنا في حديث أم زرع خير مثال؛
فهو نص بليغ في لغته ،قوي في ألفاظه ،قد يبدو ألول وهلة حديث سمر ممتع فحسب
،
لكن المتأمل فيه يدرك جيدًا ما تضمنه من إرشادات توجيهية وإصالحية لتحسين العالقات الزوجية
،
فهو ُي سلط الضوء على ما تنجذب له المرأة وما تنفر منه من صفات في شريك حياتها
استنادًا إلى واقع حياة أحد عشر امرأة ،ولهذا فإننا في السطور القادمة سنستعرض سويًا
حديث أم زرع كامل مع الشرح والتفسير وبيان أهم الفوائد المستخلصة منه.
[
عرض
] المحتويات
وال شك أن ما نملكه من تراث إسالمي وأدبي خصيب من شأنه أن يساعدنا فيما أصبحنا في حاجة ماسة إليه
،
وهو أن نضع أيدينا على موطن الداء الذي أصاب معظم بيوت المسلمين
،
فقد أصبحنا ال نجد بيتًا سعيدًا إال فيما ندر ،وأضحت البيوت تفتقد إلى الدفء والهناء
،
وباتت متصدعًة وهشة ،يتمنى أحد الزوجين أو كالهما لو استطاع أن يفارق صاحبه لوال وجود األبناء.
ومن هذا التراث حديث أم زرع الطويل الذي روته أمنا عائشة رضي اهلل عنها بتمامه
،
حيث قصت على نبينا صلى اهلل عليه وسلم ما كان من خبر إحدى عشرة امرأة
تجمعن ذات يوم واتفقن على أن يصفن طبيعة عالقتهن بأزواجهن وأال يخفين شيئًا منها
،
فاسترعت هذه القصة انتباه الرسول وعَّلق عليها في نهايتها.
ونال الحديث شهرة كبيرة خاصًة وقد رواه كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما
،
ومن ثم تناوله علماؤنا إلى يومنا هذا بالشرح والتفسير واإليضاح ،وحملوا على عاتقهم
مهمة استنباط ما فيه من درر وفوائد فقهية وأدبية ولغوية وشرعية وتهذيبية.
وُس ِّم ي حديث أم زرع بهذا االسم نسبًة إلى المرأة الحادية عشر ،فهي أكثر من َم َد َح ت زوجها
وأثنت عليه مقارنًة بباقي النسوة ،وأكثر َم ن تكلمت من بينهن ،كما أننا ال نعرف من أسماءهن
أو أسماء أزواجهن إال اسم أم زرع فقط.
كما أخرجه اإلمام النسائي في كتابه “السنن الكبرى” ضمن كتاب (ِع ْش َر ة النساء) ورقمه ( ،)9138وَبَّو ب له بعنوان :باب شكر المرأة لزوجها
،
وأخرجه أيضًا كل من اإلمام الطبراني في “المعجم الكبير” ورقمه ( ،)5/354()265وابن حبان برقم (.)7104
وقد يفيدك كذلك :حديث الرسول صلى اهلل عليه وسلم مع جبريل عن اإلسالم واإليمان واإلحسان
هي زوج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وحبيبته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية
،
ُت َلَّق ب بالِّص ِّد يقة ،وكنيتها أم عبد اهلل ،ولدت في اإلسالم قبل تسع سنواٍت من الهجرة
،
وتزوجها النبي وهي ابنة تسع سنوات ،وتوفي عنها وعمرها 20عامًا
،
وتوفيت رضي اهلل عنها في خالفة معاوية سنة 58هـ عن سٍت وستين سنة.
تميزت بالعلم الغزير ،حتى ُو صَف ت بأنها أفقه نساء األمة وأعلمهن ،ولما ال وقد نشأت
في بيت معلم البشرية صلى اهلل عليه وسلم منذ نعومة أظفارها ،فاستقت العلم واألدب
من منبعه األصيل ،باإلضافة لما تميزت به من ذكاء وقوة حفظ وفصاحة وطالقة لسان.
وكان الصحابة يستشيرونها في كثير من المسائل ،وبلغ عدد ما روته من أحاديث عن الرسول 2210حديثًا
،
وتخرج من مدرستها الكثير من مشاهير التابعين ،ومنهم عروة بن الزبير ومسروق بن األجدع.
وقالت الثانية :زوجي ال أثير خبره ،إني أخاف أن ال أَذ َر ُه ،إن أذكره أذكْر ُع َج ره وُب َج ره .وقـالت الثالثة :زوجي الَع َش ّنق ،إن أْن ِط ْق ُأ طَّلق ،وإن
أسكت ُأ َع َّلق .وقالت الرابعة :زوجي َكَلْي ِل تهامَة ،ال َح َّر وال َق َّر ،وال مخافة وال سآمة .وقالـت الخامسة :زوجي إن دخل َف ِه َد ،وإن خرج أِس َد ،وال
يسأل عما َع ِه َد .
وقالت السادسة :زوجي إن أكل َلف ،وإن َش ِر َب اْش َت َّف ،وإن اضطجع التَّف ،وال يولُج الكَّف ِل َي علَم الَب َّث .وقالـت السابعة :زوجي َع ياياُء (أو
غياياُء ) طباقاء ،كُّل داٍء له داءَ ،ش َّج ِك أو َف َّلِك ،أو جمع ُكًال َلِك .وقالت الثامنة :زوجي المُّس مُّس أرنب ،والريح ريح َز ْر َن ْب .
وقالـت التاسعة :زوجي رفيُع العماد ،طويل الِّن جاد ،عظيُم الِّر ماد ،قريُب البيت من الناد .وقالت العاشرة :زوجي مالٌك ،وما ماِل ك؟ مالٌك خير من
ذلك ،له إبٌل كثيراُت المبارك ،قليالت المسارح ،إذا سمعن صوت الِم ْز َهر أيقَّن أنهَّن َهوالك.
وقالـت الحادية عشر :زوجي أبو َز ْر ع ،وما أبو َز ْر ع؟ أناَس من ُح لِّي ُأُذ َن َّي ،ومأل من َش ْح ٍم َع ُض دَّي ،وَبَّج َح ني فَب َج ْح ُت إلَّي نفسي ،وجدني في
أهل ُغ نيمٍة َب َش ٍق ،فجعلني في أهل َص هيٍل وَأ طيٍط ،وداِئٍس وُم َن ٍّق ،فعنده أقوُل فال ُأَق َّب ُح ،وأرقُد فأتصّب ُح ،وأشرُب فأتَق َّم ُح ،أم أبي زرع فما أُّم أبي
زرع؟ُ :ع كوُم ها َر َد اٌح ،وبيُت ها َف َس اح.
ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ :مضجعه كمسِّل َش ْط بٍة ،وُت ْش ِب ُع ُه ِذ راُع الَج فَر ِة ،بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟َ :ط وُع أبيها وَط وُع أمها ،وملُء
كسائها ،وَغ يُظ جارتها ،جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟ :ال َت بُّث حديثنا تبثيثًا ،وال َت ْن ُق ُث ميرَت نا تنقيثًا ،وال َت مأل بيتنا تعشيشًا.
قالت خرج أبو زرع واألوطاب ُت ْم َخ ُض َ ،ف لقي امرأًة معها ولدان لها كالفهدين ،يلعبان من تحت َخ ْص رها برَّم انتين ،فطَّلقني ونكحها ،فنكْح ُت بعده
رجًال َس رَّي ًاَ ،رِك َب َش ريًا ،وأخذ َخ ِط َّي ًا ،وأراح علَّي َن َع مًا َث ِر يًا ،وأعطاني من كل رائحٍة زوجًا ،وقال :كلي أم زرع! وميري أهلك ،فلو جمعُت كل شيء
أعطانيه ما َب َلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة رضي اهلل عنها :فقال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم“ :كنُت لِك كأبي زرٍع ألم زرٍع ” ،وزاد النسائي في روايته“ :ولكِّن ي ال
أطلقك”.
على الرغم مما يتحمله من مشاق الدعوة وما يتكبده من أعباء ،ولم يكتف بمجرد السماع
،
بل أظهر تفاعله مع حكاية زوجته بأن عّق ب عليها بعد أن انتهت قائًال ” :كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع”
.
بداية القصة
اجتمعت إحدى عشر امرأة في مجلس لهن ،ويبدو أنه كانت تربطهن عالقة قوية
،
فقد “تعاهدن وتعاقدن” أي :قطعن على أنفسهن عهدًا الزمًا ،وعقدن العزم على البوح بمكنونات صدورهن بصدق
،
“وأال يكتمن” أي ال ُي خفين شيئًا فيما يتعلق بأزواجهن مما يميزهم أو يعيبهم من صفات.
إال أنه موضوٌع على قمة “جبل وعر” أي يصعب تسلقه ،فال يستحق أن ُي كلف أحد نفسه صعوبة تسلقه
،
ثم قالت“ :وال سمين فينتقل” أي :يأخذه الناس إلى بيوتهم كي ينتفعوا به بعد ما عانوه من صعوبة الوصول إليه.
وهي تريد بهذا الوصف إظهار ما تقاسيه مع زوجها من سوء معاملته لها وتكبره عليها
بالرغم من أنه ليس له ميزة ُت ذكر؛ فهو بخيل وسيء الخلق وسيء المعشر
،
وحتى أنها إذا أرادت أن ترضيه تكون كمن يتكبد مشقة صعود جبل عاٍل غير ممهد
ثم يعود صفر اليدين ،وهذه الصفة المذمومة ملموسة واقعًا في بعض األزواج.
خبر المرأة الثانية
أما المرأة الثانية في حديث أم زرع فقالت“ :زوجي ال أثير خبره” أي :ال أفشي خبره وال أظهر صفته
،
وعللت ذلك بقولها“ :إني أخاف أال أذره” أي أنها تخشى أن تسترسل في الكالم عنه إن هي بدأت فيه؛
لما يحمله من صفات سيئة كثيرة يطول ذكرها ،وقال بعض العلماء أن (ال) زائدة
،
واكتفت باإلشارة إلى معايبه بقولها“ :إن أذكره أذكر عجره وبجره” أي أنها إن كانت والبد فاعلة
فإنها ستذكر فقط هاتين الصفتين ،و”العجر” هو بروز أعصاب الجسم وعروقه الظاهرة من شدة تعقدها
،
والمراد أن زوجها مليء بالمعايب ،منها ما هو ظاهر وجلي للعيان يراه أي أحد بسهولة
،
ومنها ما هو مستتر وخفي ال تميزه إال المرأة فقط ،وهذا رأي اإلمام ابن حجر
،
بينما قال الخطاب أثناء تعرضه لشرح حديث أم زرع أن المعنى المقصود هو
أن زوجها كان مستورًا ظاهرًا ،ولكنها كانت مطلعة على رداءة باطنه.
وقال األصمعي أنها إنما أرادت ذَّم ه بأنه ال يوجد لديه ما يوصف به إال طوله الُم ْس َت كَر ه
،
والذي كانت العرب تعتبره دليًال على السفه وقلة العقل.
ثم قالت“ :إن أنطق أطلق ،وإن أسكت أعلق” وفي رواية أخرى“ :وأنا معه على حد السنان المذلق” أي على حافة الهاوية
،
بينما قال آخرون أنها بهذه الكلمات تصف سوء وضعها لدى زوجها ،وأنها ال تجد األمان في كنفه؛
فهو ال يتحمل كالمها معه إن أرادت أن تبثه بعض همومها ،ولن يختلف الوضع كثيرًا إن هي سكتت
ولم ُت فصح له عما يعتمل في صدرها جَّر اء سوء خلقه معها؛ فهو في كل األحوال ال يعاشرها بالمعروف.
وقد يتساءل البعض عن سبب استمرار المرأة في العيش مع من هو بِم ثل هذا السوء؟
وفيما يبدو أن هذه المرأة في حديث أم زرع إنما تسكت وتصبر لعدم رغبتها في فراقه؛
إما لحبها له أو بسبب حاجتها إليه كي ُي طعمها.
والواقع مليء بمثل هذا؛ فكم من فتاة تقبل زواج أول من يطرق بابها -وإن لم تكن ترتضيه
-
لمجرد الفرار من بيت أهلها وضيق الحال وقلة ذات اليد ،فإذا بها تصطدم بسوء عشرته ودناءة ُخ ُلقه
،
فال تجد ُبدًا من تحمله لكي ال تعود إلى ما فَّر ت منه.
أ
خبر المرأة الرابعة
أما الرابعة فقد خالفت صاحباتها فمدحت زوجها وأثنت عليه ثناًء جميًال ،فقالت
:
“زوجي َكَلْي ل ُت َه امة” أي أنها لم تر منه أي سوء أو أذى ،ووصفته بهذا ألن
ليل تهامة مشهور باللطف والصفاء ،وأنه معتدل ليس باردًا وال حارًا وال يمّله أحد
،
وهو ما أوضحته بقولها“ :ال حر وال قر وال سآمة”.
والُم راد أنها تريد إظهار حسن معاشرته لها ولطفه معها ،فهو رفيق بهاَ ،لِّي ن الطبع
،
ليس فيه شدة ،وأيضًا ليس باردًا عديم اإلحساس ،ال تخشى منه سوءًا حتى وإن أخطأت
،
وال تمّل صحبته وال الحديث معه وال هو يَم ُّلها كذلك ،فهي معه في راحة ومأمن ولذة عيش.
ونريد أن ُن شير هنا إلى أن أفضل الرجال هو من تأنس معه زوجته وتجد في صحبته الطمأنينة واألمان
،
وليس أفضل مثال على هذا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؛ حيث كان ُي جالس زوجاته
ويستمع إلى قصصهن وشكاويهن ،ويحل ما يحدث بينهن من مناوشات وإشكاالت بهدوء وحكمة ولطف.
“كاَن النبُّي َص َّلى اُهلل عليه وسَّلَم ِع ْنَد َبْع ِض ِن َس اِئِه ،فأْر َس َلْت إْح َد ى ُأ َّم َه اِت الُم ْؤ ِم ِن يَن بَص ْح َف ٍة ِف يَه ا َط َع اٌم َ ،ف َض َر َبِت اَّلتي النبُّي َص َّلى اُهلل عليه وسَّلَم
في َب ْي ِت َه ا َي َد الَخ اِد ِم َ ،ف َس َق َط ِت الَّص ْح َف ُة َف اْنَف َلَق ْت َ ،ف َج مع النبُّي َص َّلى اُهلل عليه وسَّلَم ِف َلَق الَّص ْح َف ِة ُ ،ث َّم َج َع َل َي ْج َم ُع ِف يَه ا الَّط َع اَم الذي كاَن في
الَّص ْح َف ِة ،ويقوُل َ :غ اَر ْت ُأ ُّم ُكْم ُث َّم َح َب َس الَخ اِد َم حَّت ى ُأ ِت َي بَص ْح َف ٍة ِم ن ِع نِد اَّلتي هو في َب ْي ِت َه اَ ،ف َد َف َع الَّص ْح َف َة الَّص ِح يَح َة إلى اَّلتي ُكِس َر ْت
هكذا ُت حّل مثل هذه المشكالت ،ال كما يفعل بعض األزواج من التلويح بالطالق
في كل خالف صغيرًا كان أو كبيرًا ،فتظل زوجته معه في قلق وترقب مستمر
.
وينبغي أن يعلم كل زوج أن زوجته أسيرة لديه ،لذا أوصى الرسول صلى اهلل عليه وسلم
بالمرأة في خطبة حجة الوداع قائًال“ :اسَت وصوا بالِّن ساِء خيًر ا فإَّن هَّن عنَد ُكم َع واٍن ” ،أي :أسيرات.
ولهذا فإن أكثر ما ترغب المرأة في أن تشعر به مع زوجها هو دفء األمان في كنفه
،
وحينها ستعامله بأفضل مما يعاملها به وتعطيه دون حساب ،أما إذا ما افتقدت لهذا الشعور
إما لبخل أو لسوء خلق فإنها تتوقف عن العطاء ،وتبدأ في األخذ من مال زوجها دون علمه
خوفًا من أن يغدر بها في أي وقت ،وتكذب عليه خشية أال يقبل منها عذر.
فمن حملوه على الذم قالوا أن معنى “إذا دخل فِه د” أنه إذا دخل البيت كان غليظ الطبع معها
،
أو أنه يكثر من النوم فال تكاد تجالسه أو تحادثه“ ،وإذا خرج أِس د” أي :أي أصبح نشيطًا شجاعًا مقدامًا
،
“وال يسأل عما عهد” أي أنه ال يتفقد حالها إذا عاد إلى البيت وال يعرف إن كانت مريضة أو بها حاجة ونحو ذلك.
لكن األشهر أن هذا الوصف محمول على المدح؛ فقد شبهته في بيته بالفهد كناية عن كثرة
تغافله عن عيوبها أو تقصيرها ،فال ُي علق على كل شاردة وواردة ،ولكنه في الوقت ذاته
إذا خرج إلى الرجال يكون رجًال ُم هابًا بينهم“ ،وال يسأل عما عهد” كناية عن كرمه معها
،
وقد حث النبي صلى اهلل عليه وسلم الرجال على أن يتحلوا بخلق التغافل في عالقتهن بأزواجهن
،
وأال ُي قوُم وَن هن في كل صغيرة وكبيرة طالما لم يقترفن إثمًا ،فعن ُس مرة بن جندب رضي اهلل عنه قال
:
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم“ :إَّن المرأَة ُخ ِل قْت ِم ن ِض َلٍع ،فإْن أَق ْم َت ها كَس ْر َت ها ،فَد اِرها تِع ْش بها” [صحيح ابن حبان]
،
وُس ئل أعرابي عن أعقل الناس فقال“ :الفطن المتغافل”.
فلقد فطر اهلل المرأة وفيها عوج وضعف ،وهو ما يجذب الرجل إليها ابتداًء
،
فإذا ما حاول أن يقيم هذا العوج فإنه سيكسرها ،وكسرها طالقها
،
ولذا فإن الرجل مطالب بتقبلها بالحال التي ُخ لقت عليها ،بل وأن ينزل
إلى مستواها في بعض األحيان ،فيالعبها أو يسابقها مثلما كان يفعل نبينا
المصطفى صلى اهلل عليه وسلم ،وهذا ال ُي نقص من الرجولة أو القوامة شيئًا
،
بل يرفع من رصيد المحبة والتآلف في قلب الزوجة تجاه زوجها.
حيث قالت“ :زوجي إذا أكل لّف ” أي أنه يدور على كل أصناف الطعام فال ُي بقي وال يذر
،
فهو َن ِه م أكول ،وكانت العرب قديمًا تذم الرجل وتعيبه بكثرة أكله وشربه
،
“وإذا اضطجع التف” أي أنه إذا أراد أن ينام نام في ركن قصي عنها فال يقربها
،
“ال يولج الكف ليعلم البث” أي أنه ال يهتم ألمرها وال لسماع شكواها أو ما يؤرقها ويحزنها
،
فالبث يطلق على الحزن والمرض والشكوى ،وقد يطلق على الحب أيضًا.
وهذه المرأة بمقالتها تلك إنما تشكو زوجها أكثر من كونها تذمه؛
فكلمة “إذا أكل لف” ُي حتمل أنها تشير إلى مهارتها في إعداد الطعام وأنها تطهو له ما لذ وطاب
،
ثم يكون جزاؤها منه أن ينام مبتعدًا عنها وال يهتم ألمرها وال يحنو عليها ولو بأن يربت على كتفها!
فكل امرأة تحتاج في نهاية يومها الطويل الذي تمضيه ما بين أعباء المنزل ومتاعب األبناء
أن تسمع كلمة طيبة تهون عليها ما تالقيه ،وتكون دافعًا لها على مواصلة عطائها الالمحدود بكل حب ورضا.
ولنا في رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم خير أسوة؛ فقد كان حريصُا على تفقد أحوال زوجاته والتلطف معهن
،
وسماع شكواهن ،والتسرية عنهن ،حتى أن عائشة رضي اهلل عنها لّم ا حَّد َث ت بما كان من أمر الرسول معها
في حادثة اإلفك قالت“ :بكيت ثالثة أيام بلياليهن حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي”
من مرض أصابها بعد عودتها من غزوة بني المصطلق حين شاع أمر حادثة األفك
،
فكان النبي ال يزيد على أن يدخل عليها فيقول“ :كيف تيكم” أي كيف حال هذه؟ ثم ينصرف.
ولم تكن عائشة سمعت شيئًا بعُد مما يتداوله الناس عنها ،فارتابت من هذه المعاملة الجافة
التي لم تعتد عليها من النبي حال مرضها أو تألمها فإذا به ال يرق لحالها هذه المرة وال يتلطف معها
،
تقول“ :وكان يريبني أني ال أجد اللطف الذي كنت أجده منه حين أشتكي” .وهذا هو محل الشاهد.
إال أن زوج هذه المرأة هو أكثرهم سوءًا ؛ فتقول“ :زوجي َع ياياء” من الِع ي ،أي :العجز عن إتيان النساء
،
أو “َغ ياياء” من الغي وهو الظلمة والضالل ،فهو كالظل الكثيف المعتم الذي ال يتخلله ضوء.
أما “طباقاء” فهو :األحمق الذي ُت طبق عليه شؤونه ،أو هو َم ن ال ُي حسن الكالم فينطبق فمه
،
أو “جَم َع كًال لِك ” أي يجمع بين جرح الوجه والرأس وتكسير األعضاء والجروح.
ويتضح من وصفها أن هذا الرجل بلغ من السوء مبلغًا عظيمًا؛ فهو غير قادر على أن يقضي وطرها
ومع ذلك يؤذيها أشد ما يكون األذى ،ويسيء عشرتها أيما إساءة ،فيضربها ضربًا شديدًا
إن هي أغضبته أو حتى مازحته ،وكل هذا يتعارض تعارضًا كبيرًا مع هدي اإلسالم في معاملة الزوجات
،
بل حتى مع شيم الرجال ذوي الفطرة السليمة.
فاهلل عز وجل ما شرع ضرب الزوجات بقوله {َو اْض ِر ُبوُه َّن } [النساء ]34 :إال في حاالت النشوز بهدف التقويم والعالج
،
وجعل قبله مرحلتين ال يجب تجاوزهن ،وقيدته السنة بضوابط شرعية إذا خالفها الزوج حَّق لزوجته أن تقتص منه
،
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم“ :فاضربوهن ضربًا غير مبرح” [صحيح مسلم]
،
أي غير مؤٍذ ،ضرب ُم حب يبتغي اإلصالح ال ضرب من يريد االنتقام.
واألرنب :حيوان لِّي ن الملمس ،يتميز بنعومة وبره الشديدة ،والزرنب :نبات ذو رائحة طيبة محببة للنفس.
فإما أنها هنا تمتدح لين جسده ونعومته من شدة ما يهتم بنفسه
،
أو أن هذا الوصف كنايًة عن حسن معاشرته لها ولين جانبه ورفقه بها
،
كما امتدحت طيب رائحة عرقه؛ إما كنايًة عن شدة نظافته وكثرة تطيبه
وهذا من األدب الذي تفتقر إليه بعض بيوت المسلمين؛ حيث ُي ستحب لكال الزوجين
أن يتجمل لزوجه وأن يهتم بنظافته؛ كي ال يصدر منه ما ينفر الطرف اآلخر
،
فعن شريح بن هانئ قال :سألت عائشة رضي اهلل عنها“ :بأي شيء كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت :بالسواك” [رواه
مسلم]
،
وهذا من شدة حرصه على تطهير فمه والتخلص من أي رائحة كريهة قد تصدر منه.
كما كان صلى اهلل عليه وسلم يحب الطيب ،بل ويأمر أصحابه به
،
وفي هذا روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة -رضي اهلل عنهما
-
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مسح خده ،قال“ :فوجدت ليده بردًا وريحًا كأنما أخرجها من جؤنة عطار” ،من كثرة تطيبه.
وعن أنس بن مالك -رضي اهلل عنه -قال“ :كان لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمُ س كة يتطيب منها” [صحيح أبي داود]
،
العماد :هو عمود البيت الذي يدعمه ويقويه ،والمراد أن عمود بيته مرتفع
حتى يتمكن من رؤيته الضيف أو الغريب أو َم ن له حاجة ،وهي بهذا الوصف تكِّن ي عن شرفه وكرمه ورفعته.
ولكن هذا الرجل طوله محمود بخالف الَع َش َّنق ،وطول النجاد إشارة إلى الشجاعة واإلقدام وقوة البأس في الحروب
،
ثم دَّللت على جوده بأن قالت“ :قريب البيت من الناْد ” والناِد هو النادي ولكن ُح ذفت الياء لموافقة السجع
،
وهو مجلس القوم ومنتداهم ،وُي حتمل أن يكون المقصود أنه لرفعته له رأي مسموع في قومه
،
أو أنه اتخذ بيته قريبًا من الناس حتى يسهل عليهم لقاؤه إذا ما احتاجوا إليه في مشورة ونحوه.
والكرم من أكثر الصفات التي كان العرب يحرصون على التحلي بها ويمدحون عليها
،
فهو يستر كل عيب ،أما البخل فال ُي رى لصاحبه حسنة؛ من سوء ما اتصف به
،
وقد ذم اهلل البخل وأهله في كتابه فقال{ :اَّلِذ يَن َي ْب َخ ُلوَن َو َي ْأ ُم ُر وَن الَّناَس ِب اْلُب ْخ ِل } [النساء
،]37 :
وكان النبي صلى اهلل عليه وسلم أبعد ما يكون عن البخل ،بل إنه كان َأ ْج َو د من الريح المرسلة.
قد يهمك أيًض ا :أحاديث عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم في مواضيع مختلفة
“وما مالك!” تريد تعظيم زوجها وإجالله من خالل استخدام االستفهام التعجبي وتكرار اسمه
،
ثم قالت“ :مالك خير من ذلك” أي أن زوجها أفضل بكثير من كل ما ستصفه به؛
“له إبل كثيرات الَم َب اِرك” المبارك جمع ِم بَر ك ،وهو مكان بروك اإلبل ونزولها
،
ثم قالت“ :إذا سمعن صوت الِم زَهر” قيل هو العود ،أو آلة تصدر صوتًا كان يستخدمها
إذا أتى ضيف إظهارًا للفرح بقدومه ،وقيل هو آلة توقد بها النار للشوي
،
“أيقَّن أنهن َهواِل ك” أي إذا سمعت اإلبل هذا الصوت عرفن أن ضيفًا قد آتي ،وأن إحداهن في طريقها للذبح.
خبر أم زرع
نأتي إلى خبر َم ن ُن ِس ب حديث أم زرع إليها ،وهي أم زرع بنت ُأ كيمل بن ساعدة
،
قالت“ :زوجي أبو زرع ،فما أبو زرع!” أي ما الذي تعرفونه عن أبي زرع
،
وحيث أنكم ال تعرفونه فسأخبركم عنه“ ،أناس من ُح لٍي ُأ ذَن َّي ” أناس من النوس أي الحركة
،
والمعنى أنه مأل أذنيها بالحلي التي تضطرب وتتحرك مع تحركها
،
ثم قالت“ :ومَأل ِم ن شحٍم عُض َد َّي ” أي أنه تزوجها نحيلة فسِم نت عنده من شدة كرمه معها وكثرة ما يطعمها
،
“َو َبَج حني َف َب َج حْت إلَّي َن فسي” أي أنه أكَث َر من تعظيمها وإكرامها حتى صّد قته وصارت ترى نفسها بعينه
،
كل هذا على الرغم من أنه“ :وَج َد ني في أهِل ُغ َنيمٍة ِب َش ٍّق ” أي أنه أخذها من بيت فقير
،
حيث كان أهلها يرعون الغنم في شق جبل.
ثم قالت“ :فجعَلني في أهِل َص هيٍل وَأ طيٍط ” الصهيل صوت الخيل ،واألطيط صوت اإلبل
،
أي أنه كان غنيًا شريفًا ،فاإلبل والخيل كانت من أنفس الدواب عند العرب
،
“وداِئ س” هو من يدوس الزروع إلخراج الحب من سنابله ،كناية على أن أهله ُز َّر اع
،
وكل هذا إشارة إلى أنه نقلها من حياة الضيق في بيت أهلها إلى رغٍد من العيش ورفاهية وترف.
ثم قالت“ :فعنَد ه أقوُل فال ُأ قَّب ُح ” أي ال ُي رد لها قول؛ فمكانتها من مكانِت ه وِع ّز ها من عِز ه
،
“وأرقُد فَأ تصَّب ُح ” أي تنام إلى وقت الضحى ،وفيه كناية عن كثرة الخدم حولها يكفونها حاجتها ومئونتها
،
لم تكتِف أم زرع بمدح زوجها ،بل َث َّنت بالثناء على أمه أيضَا فقالت
:
“ُع ُكوُم ها َر داٌح ” العكوم هي ما ُي جمع فيه المتاع والطعام ،ورداح أي كبيرة واسعة
،
وفي هذا كناية عن كثرة الخير في بيتها ورغد العيش“ ،وبيُت ها فساٌح ” أي واسع ممتد.
ثم امتدحت ابن أبي زرع قائلةَ“ :م ضجُع ه كِم َس ِّل َش طبٍة ” شَّب هت مكان نومه بجريد النخل المشطوب –أي الذي ُأ زيل سعفه
،-
وفي هذا الوصف تشبيه البن أبي زرع بالسيف المسلول ،أي أنه كان نحيفًا وقويًا في الوقت ذاته؛ كنايًة عن رشاقته وخفته
.
ثم قالت“ :وُي شبُع ه ذراُع الجفرِة ” أي يكفيه من الطعام الِر جل األمامية ألنثى الماعز الصغيرة.
لم تغَف ل أم زرع عن مدح ابنة أبي زرع أيضًا فقالت“ :طوُع أبيها ،وطوُع أِّم ها” أي أنها ذات أدب
،
بارة بأبيها وأمها ،فتطيعهما وال تكسر لهما كلمة“ ،وملُء ِك ساِئ ها” أي أنها كانت ممتلئة الجسم
،
وكان هذا مما ًت مدح به المرأة دون الرجل“ ،وغيُظ جارِت ها” أي تثير غيط ضرتها؛ من حسنها وأدبها وطيب أصلها.
لم تكتِف أم زرع بالثناء على أهل زوجها ،بل أثنت على جاريته أيضًا؛ من شدة حبها له
،
فقالت“ :ال َت بُّث حديَث نا َت بثيًث ا” أي أنها أمينة ال ُت فشي لهم سرًا ،وال تنقل ألحد ما يدور في البيت من أحداث أو أحاديث
،
“وال َت نقُّث ِم يرتنا تنقيًث ا” أي أنها ُم َد ِّب رة ال ُت هدر الطعام وال ُت بِّذ ر فيه ،وال تأخذ منه بغير حق
،
“وال تمُأل بيَت نا تعشيًش ا” أي أنها ُت صلح البيت وتنظفه ،وال تترك القمامة بداخله في أركانه كاألعشاش.
طالق أم زرع
تكمل أم زرع حديثها قائلة“ :خرَج أبو زرٍع واألوطاُب ُت مخُض ” األوطاب هي آنية اللبن
،
وتمخض أي ُت رج لُي ستخرج منها الُز بد ،وقولها هذا يدل على أنه خرج مبكرًا
،
باإلضافة ألنها أعجبته ،فقد كان الولدان “يلعبان من تحت خصرها برمانتين”
أي يلهوان تحت وسطها ويلعبان بثدييها الصغيرين ،والتشبيه بالرمان كناية عن حسنهما
.
فما كان منه إال أن طلق أم زرع وتزوج من هذه المرأة.
وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر في شرح حديث أم زرع في كتاب فتح الباري
أنها في رواية أخرى قالتَ“ :ف َأ ْع َج َب ْت ُه َف َط َّلَق ِن ي” ،أي جعلت سبب تطليقه لها هو أنها أعجبته
وأحبها فمألت عليه قلبه فزهد في أم زرع ،وهناك تفسير آخر أتى ذكره في لفظ الحديث
من طريق أبي معاوية ،وهوَ“ :ف َخ َط َب َه ا َأ ُبو َز ْر ٍع َ ،ف َت َز َّو َج َه اَ ،ف َلْم َتَز ْل ِب ِه َح َّت ى َط َّلَق ُأ َّم َز ْر ع”
،
أي أن المرأة تمكنت من قلبه حتى جعلته يطلق أم زرع.
قالت“ :فَنكحُت بعَد ه رجاًل سِر ًّي ا” أي تزوجت رجًال ثريًا من أشراف الناس وكبرائهم
،
“رِك َب شِر ًّي ا” أي فرسًا فائقًا سريعًا يمشي ُق ُد مًا في طريقه بال كلل
،
“وأَخ َذ خِّط ًّي ا” أي كان يحمل معه رمحًا أثناء ركوبه جواده؛ زيادة في الهيبة والتفاخر،
“وأراَح علَّي نعًم ا ثِر ًّي ا” أي أنه أغدق عليها نعمًا كثيرة وخيرًا وفيرًا ،أو أنه وهبها الكثير من اإلبل.
ثم تقول“ :وأعطاني ِم ن كِّل رائحٍة زوًج ا” أي أعطاها من كل ما يروح ويأتي من اإلبل واألبقار واألغنام وغيرها اثنين أو صنفين
،
“وقال ليُ :كلي أم زرع وِم يري أهَلِك ” أي ال تحرمي نفسك شيئًا واهدي أهلك وأوسعي عليهم مما تشائين من الطعام.
ثم بعد كل ما وصفته به من جاه ،وكبرياء ،وشجاعة ،وكرم ،وتَف ُّض ل على أهلها زيادًة في إكرامه لها
،
إذا بها تختتم حديثها قائلًة أن أصغر آنية أبي زرع أعظم وأحب إليها من كل ما منحها إياه؛
كناية عن شدة محبتها ألبي زرع ،فقد كان أول أزواجها واستوطنت محبته شغاف قلبها
،
ويحتمل أن أبي زرع كان حنونًا ورفيقًا بها ،فوجدت في كنفه المحبة والحنان والدفء بخالف الزوج الثاني.
ومعلوم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أفضل َم ن وطء الثرى بقدميه
،
ولكن وجه التشابه هنا هو في اإلكرام وحسن المعاشرة واأللفة والمحبة؛
فالتشبيه ليس ُم لِز َم ًا بأن يتساوى المشَّب ه مع الُم شَّب ه به في كل صفاته وأحواله.
حسن مؤانسة الزوج لزوجته ومجالستها ومسامرتها بما ال يشتمل على إثم.
جواز ذكر عيوب الغير بغرض التنفير منها ،وال يدخل هذا في الغيبة ما دام صاحب العيب غير معروفًا بعينه أو باسمه.
الحب يجبر اإلساءة ويسترها ،فبالرغم مما فعله أبو زرع ألم زرع من تطليقه لها إال أنها مدحته أشد ما يكون المدح ،وبالغت في الثناء عليه.
جواز أن تصف المرأة لزوجها ُح سن امرأة أخرى ما دامت مجهولة له وال يمكنه االستدالل على شخصها.
جمال المرأة وقوتها في ضعفها ،وقد فطرها اهلل على أن تأنس بالرجل ،فإذا لم تجد األنس معه غلب عليها الحزن والكآبة.
قد تصبر المرأة على فقر زوجها وال تشتكي ،خاصًة مع إحسانه لها ،لكنها َق َّل أن تصبر على سوء ُخ ُلقه معها.
على الزوج تفقد أحوال زوجته دائمًا ،وأن يشاركها في أفراحها وأحزانها وأن يستمع لشكواها.
كثرة متطلبات الزوج فيما يخص الطعام واإلسراف فيه من مكدرات الحياة الزوجية ،وهو ما يستفاد من خبر المرأة السادسة التي ذمت
عادات زوجها فيما يتعلق باألكل والشراب.
وفي هذا يقول الخبراء أن عدم تبادل أطراف الحديث بين الزوجين
،
أو عدم تعبير كل منهما عن مشاعره لشريكه يضر بالعالقات الزوجية ويعوق تطورها.
يشير حديث أم زرع إلى أحد مشكالت الطالق المتعلقة بنفسية المرأة المطلقة
،
وهي تعلقها بطليقها وحنينها إلى أيامها معه ،وعقدها لمقارنات بين طليقها وزوجها الثاني
،
خاصًة إذا كان يحسن عشرتها ومعاملتها وكان طالقها منه بغير جريرة منها.
ويظهر من خبر المرأة الرابعة أنها مدحت زوجها بأنه ذو شخصية معتدلة ،ال فرق بين ظاهره وباطنه
،
ال هو بالمتجهم ،وال بالضعيف المهزوم ،وهذا االعتدال تحبه المرأة؛ ألنه يمنحها األمان األسري
.
كما ذكرت أن من عوامل سعادتها مع زوجها أنها ال تجد في صحبته مكانًا للشعور بالملل
،
فالملل أحد نواقض السعادة الزوجية ،لذلك البد أن يعمل الزوجان على إحداث تغيير في نمط حياتهم المعتاد من وقت آلخر.
كما ُي ظهر حديث أم زرع طبيعة بعض األزواج المضطربين الذين يبطشون بزوجاتهم ويضربونهن ضربًا أليمًا مبرحًا
،
مما ينتج عنه انتفاء الغاية من الزواج وهي تحقيق السكن والمودة والرحمة
،
بل إن ميثاق الزواج يتحول إلى حبل غليظ في رقبة الزوجة ال ُي فارقها إلى أن تموت أو يقضي اهلل أمرًا كان مفعوًال.
وفنونًا أدبية رفيعة ،وهذا مما يفيد في تنمية الذكاء اللغوي ،وتهذيب النفوس وترقيقها
،
فعلم اللغة من العلوم الهامة التي ال غنى لطالب العلم عنها.
وتحديد مواطن ضعفهم وقوتهم ،لذا يمكن وصف الزوجة بأنها مرآة زوجها
،
فمن المهم أن يتم تغيير أفهام كثير من الناس تجاه المرأة ومنحها التقدير والثقة في إمكاناتها وقدراتها العقلية.
الخاتمة
إن من الصعب حصر كافة األخالقيات الحسنة التي ورد ذكرها في حديث أم زرع الطويل
وإيضاح مدى فائدتها في استقرار الحياة الزوجية وإنعاش السعادة األسرية وتحسين العالقة بين الزوجين.
ولكن يمكننا تلخيص ما سبق في أن الحديث تضمن الثناء على خلق الكرم ،واعتدال طباع الزوج
،
وعدم المبالغة في التطلب ،وإكرام الرجل لزوجته وأهلها ،والتجمل والتزين لها
،
وعدم االعتداء عليها قوًال وفعًال ،والرفق بها ،ومؤانستها.
وكل هذه الخصال مما أرساه الشرع الحنيف وحث عليه فيما يخص حسن الخلق مع الزوجة
،