You are on page 1of 5

‫خطبة‪" :‬خيركم خيركم ألهله"‬

‫د‪ .‬عبدالعزيز حمود التويجري‬

‫مقاالت متعلقة‬

‫تاريخ اإلضافة‪ 3/6/2022 :‬ميالدي ‪ 3/11/1443 -‬هجري‬

‫الزيارات‪18575 :‬‬

‫خيركم خيُر كم ألهله‬

‫الخطبة األولى‬

‫الحمد هلل العلِّي األعلى‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له األسماء الحسنى‪ ،‬والصفات العال‪ ،‬وأشهد‬
‫أن محمًد ا عبده ورسوله‪ ،‬ذو الُخ لق األسمى‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى‪ ،‬وسلم تسليًم ا‬
‫كثيًر ا؛ أما بعد‪:‬‬

‫﴿ َيا َأ ُّي َه ا اَّلِذ يَن آَم ُن وا اَّتُق وا اَهَّلل َو ُق وُلوا َق ْو اًل َس ِد يًد ا * ُي ْص ِل ْح َلُكْم َأ ْع َم اَلُكْم َو َي ْغ ِف ْر َلُكْم ُذ ُن وَب ُكْم َو َم ْن ُي ِط ِع اَهَّلل‬
‫َو َر ُس وَلُه َف َق ْد َف اَز َف ْو ًز ا َع ِظ يًم ا ﴾ [األحزاب‪.]71 ،70 :‬‬

‫أخرج اإلمام مسلم عن سعد بن هشام‪ ،‬قال‪(( :‬دخلت على عائشة رضي اهلل عنهافقلت‪ :‬يا أم المؤمنين‪ ،‬أنبئيني‬
‫عن ُخ ُلِق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قالت‪ :‬ألسَت تقرأ القرآن؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قالت‪ :‬فإن ُخ ُلَق نبِّي اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم كان القرآن))؛ قال ربنا عز وجل‪َ ﴿ :‬و ِإ َّن َك َلَع َلى ُخ ُلٍق َع ِظ يٍم ﴾ [القلم‪.]4 :‬‬

‫يخُز ن لسانه إال فيما يعنيه‪ ،‬وُي كِر م كريم كل قوم ويوليه‪ُ ،‬ي حسن الحسن ويقويه‪ ،‬وُي قبح القبيح ويوهيه‪.‬‬

‫شريف َم نيف سرُب ُه‬ ‫َأ ريحٌّي‬ ‫َز ِك ٌّي‬ ‫نبٌّي‬


‫مهمِل‬ ‫غيُر‬ ‫مهذٌب‬

‫وأوَلى الناس بُخ ُلِق ه العظيم وإحسانه الكريم أقربهم إليه‪ :‬زوجاته وأهل بيته؛ وكان يقول‪(( :‬خيُر كم خيُر كم‬
‫ألهله‪ ،‬وأنا خيُر كم ألهلي))‪.‬‬
‫ولما َح َكْت عائشة رضي اهلل عنها عن أِّم َز ْر ٍع في زوجها حين قالت‪(( :‬زوجي أبو زرع‪ ،‬فما أبو زرع؟ أَن اَس من‬
‫ُح ِّلٍّي ُأ ُذ نَّي ‪ ،‬ومأل من َش ْح ٍم َع ُض َد َّي ‪ ،‬وبَّج حني فَب ِج حْت إلَّي نفسي‪ ،‬وجدني في أهل غنيمة بَش ٍّق ‪ ،‬فجعلني في أهل‬
‫َص ِه يٍل وأِط يٍط وداِئٍس وَم نٍّق ‪ ،‬فعنده أقول فال ُأ قَّب ح‪ ،‬وأرقد فأتصَّب ح‪ ،‬وأشرب فأتقَّن ح‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم لعائشة‪ :‬كنت لِك كأبي زرع ألِّم زرع))‪.‬‬

‫بل هو عليه الصالة والسالم أفضل من أبي زرع وأكرم؛ فقد كان في بيته أفضَل األزواج‪ ،‬دائم السرور واالبتهاج‪،‬‬
‫يمأل البيت ُأ نًس ا ومزاحا‪ ،‬وِب شًر ا وأفراًح ا‪ ،‬طيب الشذى‪ ،‬عديم األذى‪ ،‬لطيف المحَش ِر ‪ ،‬جميل المظهر‪ ،‬طيب المخبر‪،‬‬
‫ال يعاتب وال يغاضب‪ ،‬وال يطالب وال يضارب‪ ،‬يؤِث ر الَّص ْف َح على العتاب‪ ،‬والِح لم على الِّس باب‪ ،‬ومن حبه للبنات‪،‬‬
‫وعطفه على الضعيفات‪ ،‬يحمل أمامة‪ ،‬وهو في اإلمامة‪ ،‬فإذا سجد وضعها‪ ،‬وإذا قام رفعها‪ ،‬وكان يقوم لفاطمة‬
‫الزهراء‪ ،‬والدرة الغراء‪ ،‬وُي جلسها مكانه‪ ،‬ويطأ لها أركاَن ه‪ ،‬فكأَّن سرور الحياة ُص َّب عليها‪ ،‬وكأن الدنيا ُو ضعت بين‬
‫يديها‪.‬‬

‫وكم الن لذي جهل‬ ‫يلين لكِّل ذي ضعٍف‬


‫َف اَل نا‬ ‫وعجٍز‬
‫ويجعل عاتَق يه لهم‬ ‫رسوٌل يحِم ل األطفاَل‬
‫ِح َص انا‬ ‫لطًف ا‬
‫والموَّف ق من‬ ‫صبٌّي‬ ‫القراءة‬ ‫ويختِص ر‬
‫أالنا‬ ‫يبكي‬ ‫حين‬
‫األهَل يغُم رهم‬ ‫يِع ُّف‬ ‫يالِط ف أهَله أكِر م‬
‫حنانا‬ ‫بزوٍج‬
‫ويخُد مهم فَكْم َو َض َع‬ ‫متاعَب هم‬ ‫يقاِس مهم‬
‫الِج فانا‬ ‫معيًن ا‬
‫شمائُل‬ ‫وقدوُت نا‬ ‫وعزُت نا بغير الدين ذٌّل‬
‫مصطفانا‬

‫أال فاستوصوا بالنساء خيًر ا‪ ،‬فإنما هن َع وان عندكم‪ ،‬وقد أخذتموهن بأمان اهلل‪ ،‬وإن من حكمة الرجل وأناته أن‬
‫يحلم حين تجهل عليه المرأة أو تصخب‪ ،‬فإنما ُخ لقت من ضلع‪ ،‬وإن أعوج ما في الضلع أعاله‪ ،‬فإن ذهبت تقيمه‬
‫كسرته‪ ،‬وإن تركته لم َي َز ْل أعوَج ‪.‬‬

‫واألب قوام األسرة ومنه تتلقى القدوة والتربية‪ ،‬فالبيت من بنين وبنات ترتقب أفعاله‪ ،‬وتستُّن بأخالقه‪ ،‬وما‬
‫تصنعه من تعامل وأخالق مع الزوجة سيخلق طابًع ا لهم بعد الزواج‪ ،‬فلتكن أخالقنا مرآَت نا‪ ،‬وقيمنا تنُب ع من‬
‫تعامالتنا‪(( :‬وما كان الرفق في شيء إال زانه‪ ،‬وال ُي نَز ع من شيء إال َش اَن ُه ))‪.‬‬
‫﴿ َو َع اِش ُر وُه َّن ِب اْلَم ْع ُر وِف َف ِإ ْن َكِر ْه ُت ُم وُه َّن َف َع َس ى َأ ْن َت ْكَر ُه وا َش ْي ًئ ا َو َي ْج َع َل اُهَّلل ِف يِه َخ ْي ًر ا َكِث يًر ا ﴾ [النساء‪.]19 :‬‬

‫وما جعل اهلل الِق وامة للرجل؛ إال ِل ما فيه التعُّق ل وضبط النفس‪ ،‬وعدم مؤاخذة المرأة حين تراجعه أو تقاطعه؛‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪(( :‬كنا ‪ -‬معشَر قريش ‪ -‬قوًم ا نغِل ب النساء‪ ،‬فلما قِد منا المدينة‪ ،‬وجدنا قوًم ا‬
‫تغِل بهم نساؤهم‪ ،‬فطِف ق نساؤنا يتعلْم َن من نسائهم‪ ،‬قال‪ :‬فتغضبت يوًم ا على امرأتي‪ ،‬فإذا هي تراِج عني‪ ،‬فأنكرُت‬
‫أن تراجعني‪ ،‬فقالت‪ :‬ما تنِك ر أن أراِج َع ك‪ ،‬فواهلل إن أزواج النبي صلى اهلل عليه وسلم َلُي راِج ْع َن ه‪ ،‬وتهُج ره إحداهن‬
‫اليوم إلى الليل))؛ [متفق عليه]‪.‬‬

‫منها‬ ‫الِّس ِّر‬ ‫في‬ ‫قمٌر تسلسَل من ُذ ؤابة‬


‫األمجِد‬ ‫والصريح‬ ‫هاشٍم‬

‫ُل‬
‫والرج الَّش ْه ُم ال ينتظر رضاه باعتذار زوجته‪ ،‬بل ﴿ اْد َف ْع ِب اَّلِت ي ِه َي َأ ْح َس ُن َف ِإ َذ ا اَّلِذ ي َب ْي َن َك َو َب ْي َن ُه َع َد اَو ٌة َكَأَّن ُه َو ِل ٌّي‬
‫َح ِم يٌم ﴾ [فصلت‪.]34 :‬‬

‫والتغاُف ُل سْت ُر البيوت‪ ،‬والتناُص ح ِق وام األسر‪ ،‬واألبوان أركان البيت‪ ،‬فمتى ما كانا متماسَكيِن متعاوَن يِن تجَّم لت‬
‫وتعَّط فت وبَّر ت أروقته من بنين وبنات‪ ،‬ودام عُّز ها وبقَي ذخُر ها‪.‬‬

‫إنه ال يستفيد من تزعُز ِع األسرة والبيت إال اإلعالم الذي ينتظر هاربات البيوت؛ ليصنعهن خنجًر ا في خاصرة‬
‫المجتمع‪ ،‬لينزف ما بقَي من حيائه وَغ يرته وقوامته‪.‬‬

‫توجهات تنشطت في قلب الِق َي م‪ ،‬وَع ْكِس المفاهيم‪ ،‬وتحويل العالقات العائلية إلى وظيفة رتيبة أشبه بمحاِض َن‬
‫تفريخ‪َ ،‬ع َز َف الرجال عن الزواج لوجود الُّس ُب ِل المحرمة‪ ،‬وتشويه سمعة الرجل ليكن الزواج شبًح ا أمام البنت‪،‬‬
‫بينما يريها اإلعالم الخادع أن تأمين مستقبلها‪ ،‬وأمان حياتها‪ ،‬هي وحدتها‪ ،‬والعيش من كِّد يدها‪ ،‬وإرهاق حياتها‪،‬‬
‫فال سكن للمرأة إال بزوج تأوي إليه‪َ ﴿ :‬و ِم ْن آَياِتِه َأ ْن َخ َلَق َلُكْم ِم ْن َأْنُف ِس ُكْم َأْز َو اًج ا ِل َت ْس ُكُن وا ِإ َلْي َه ا َو َج َع َل َب ْي َن ُكْم‬
‫َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة ِإ َّن ِف ي َذ ِل َك آَل َياٍت ِل َق ْو ٍم َيَت َف َّكُر وَن ﴾ [الروم‪.]21 :‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة‪ ،‬وأستغفر اهلل لي ولكم وللمسلمين‬
‫والمسلمات؛ فاستغفروه؛ إن ربي رحيم ودود‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬

‫الحمد هلل رِّب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيد المرسلين‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد‪:‬‬

‫فعن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬قال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إني ألعلم إذا كنت عني راضيًة ‪ ،‬وإذا كنت علَّي‬
‫َغ ضبى‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ومن أين تعرف ذلك؟ قال‪ :‬أما إذا كنت عني راضيًة ‪ ،‬فإنك تقولين‪ :‬ال ورِّب محمد‪ ،‬وإذا كنت‬
‫غضبى‪ ،‬قلت‪ :‬ال ورب إبراهيم‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬أجل‪ ،‬واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬ما أهُج ر إال اسمك))‪.‬‬

‫ما أكرمها وأكرم منِط قها! حين تطيب النفوس تطيب معها األقوال والِف عال‪.‬‬

‫إلى‬ ‫الِف عاَل‬ ‫إن‬ ‫طابْت منابُت ها فطاَب‬


‫ُت نَس ُب‬ ‫المنابت‬ ‫صنيُع ها‬

‫فحين ُي ؤَم ر الرجل بالتغاُف والِح لم واألناة عن أهل بيته‪ ،‬ويطاَلب بحسن المعشر والرفق واإلنفاق‪َ ﴿ ،‬و َلُه َّن ِم ْث ُل‬
‫ِل‬
‫اَّلِذ ي َع َلْي ِه َّن ِب اْلَم ْع ُر وِف ﴾ [البقرة‪.]228 :‬‬

‫فإن المرأة الحصيفة الرزينة َم ن تدِر ك عناء زوجها‪ ،‬وكَّد ه‪ ،‬وعمله؛ من أجل أن يفُر َش ألسرته ِب ساط العيش‬
‫والعزة والكرامة‪ ،‬فتنِط ق في الغضب كما نطقت الِّص ِّد يقة‪ ،‬فال تهُج ر إال اسمه‪ ،‬وال تعيره بما يرِّو جه األسافل‪.‬‬

‫متى قدرت المرأة تحمل زوجها ديون من أجل مسكن وافر يُكُّن ها‪ ،‬وعيش طيب رغيد؛ فإنها ال تخاصمه إذا أَم َر ‪،‬‬
‫وال تنازعه إذا َق َّر ر؛ تدرك ِس َّر قول اهلل عز وجل‪ ﴿ :‬الِّر َج اُل َق َّو اُم وَن َع َلى الِّن َس اِء ِب َم ا َف َّض َل اُهَّلل َبْع َض ُه ْم َع َلى َبْع ٍض‬
‫َو ِب َم ا َأْنَف ُق وا ِم ْن َأ ْم َو اِل ِه ْم ﴾ [النساء‪.]34 :‬‬

‫المرأة الوفَّي ة َم ن تمسح عناء شقاء الحياة من جبين زوجها بلطيف قولها‪ ،‬وجميل منطقها‪.‬‬

‫ا على جدران‬ ‫المرأة الوفية من تشُكر نعمة ربها‪ ،‬وال َت ُم ُّد عينها إلى خارج أسوار بيتها‪ ،‬وتَق ُّر في بيتها؛ حفاًظ‬
‫الَّص اَل َة َو آِت يَن‬ ‫مسكنها أن يتصدع؛ ممتثلًة قول ربها‪َ ﴿ :‬و َق ْر َن ِف ي ُب ُي وِت ُكَّن َو اَل َت َب َّر ْج َن َت َب ُّر َج اْلَج اِه ِل َّي ِة اُأْلوَلى َو َأ ِق ْم َن‬
‫َج َع َل َلُكْم ِم ْن‬ ‫الَّز َكاَة َو َأ ِط ْع َن اَهَّلل َو َر ُس وَلُه ﴾ [األحزاب‪ ،]33 :‬والبيت سكن واستقرار‪ ،‬وعيش وهناء؛ ﴿ َو اُهَّلل‬
‫ُب ُي وِت ُكْم َس َكًن ا ﴾ [النحل‪.]80 :‬‬
‫المرأة الحصينة العفيفة من َتَغ اُر على نفسها أن تختلط بالرجال‪ ،‬أو ُت ذهب حياءها من أجل نزهة أو مجاراة في‬
‫محل مأكل أو مشرب‪ ،‬ترى قدوَت ها أسماَء بنت أبي بكر رضي اهلل عنهما‪ ،‬في فعلها حين قالت‪" :‬كنت أنُق ل الَّن وى‬
‫على رأسي‪ ،‬فمر بي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومعه نفر من األنصار‪ ،‬فأناخ بعيًر ا ليحِم َلني‪ ،‬فاستْح َي ْي ُت أن‬
‫أسير مع الرجال‪ ،‬وذكرُت َغ يرة الزبير فوَّليُت ‪ ،‬وكان أْغ يَر الناس"‪.‬‬

‫تنِط ق بالخلود‬ ‫غراَء‬ ‫قْف أيها التاريُخ سِّج ل‬


‫صفحًة‬
‫الكامِل‬

‫اللهم أصِل ح قلوبنا وأعمالنا وذرَّي اتنا‪ ،‬وَه ْب لنا من لدنك رحمة وعلًم ا‪ ،‬واجَم ْع نا بصحابة نبيك مع النبيين‬
‫والصديقين‪ ،‬والشهداء والصالحين‪.‬‬

You might also like