You are on page 1of 3

‫[أسباب ارتكاب الناس للمعاصي في رمضان رغم تقييد الشياطين فيه]‬

‫هناك إشكال يدور في رءوس كثير من الناس من قوله عليه الصالة والسالم‪( :‬وصفدت‬

‫الشياطين)‪ ،‬يعني‪ :‬سلسلت وقيدت وربطت‪ ،‬فالشبهة عند الناس‪ :‬رؤيتهم لسائر أنواع‬

‫المعاصي والذنوب في رمضان‪ ،‬فيقولون‪ :‬إذا كان النبي عليه الصالة والسالم يقول‪( :‬إذا جاء‬

‫رمضان فتحت أبواب الجنة‪ ،‬وغلقت أبواب النار‪ ،‬وصفدت الشياطين)‪ ،‬فإذا كانت الشياطين‬

‫هي المصدر لهذه الذنوب والمعاصي واآلثام‪ ،‬وأن هللا تعالى صفدها وأغلها وربطها فمع ذلك‬

‫نرى هذه المعاصي؟ قبل أن نبدأ البد أن يعتقد المسلم بقلبه أن النبي عليه الصالة والسالم لما‬

‫أخبرنا بهذا الخبر كان صادقاً‪ ،‬وهذه الشبهة محلها عندي ال عند النبي عليه الصالة والسالم‪،‬‬

‫فال نرد على النبي قوله‪ ،‬وال نشك في خبر الصادق المصدوق عليه الصالة والسالم‪ ،‬فإذا‬

‫صح وحاك في نفسي معنى هذا الكالم‪ ،‬فإنما شفاء العي السؤال‪.‬‬

‫لكن كثيراً من الجهال في هذا الزمان إذا لم يستقم النص مع عقله القاصر يبادر بتكذيب هللا‬

‫عز وجل‪ ،‬ويبادر بتكذيب الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهذا ليس هو المنهج العلمي‬

‫الصحيح عند السلف‪ ،‬وإنما المنهج العلمي الصحيح عند السلف هو التلقي وسؤال العلماء عما‬
‫ال يعلمونه‪ ،‬أما مبادرتهم بالتكذيب والجحود واإلنكار وغير ذلك‪ ،‬فهذا ليس مذهبا ً صحيحا ً‬

‫لطلب العلم‪ ،‬وإنما إذا أشكل عليك أمر فيجب عليك أن تسأل فيه حتى تعلمه‪.‬‬

‫أما كون هللا عز وجل قد صفد الشياطين وغلها وسلسلها فما بالنا نرى هذه المعاصي؟‪ ‬فهناك‬

‫عدة أجوبة‪  :‬الجواب األول‪ :‬أن المردة وهم العتاة من الشياطين هم الذين يسلسلون ويصفدون‬

‫ويغلون في شهر رمضان‪ ،‬دون غيرهم من سائر الشياطين‪.‬‬


‫الجواب الثاني‪ :‬أن المعاصي ليس مصدرها فقط الشياطين‪ ،‬وإنما لها مصادر أخرى‬

‫وهي‪ :‬النفس األمارة بالسوء‪ ،‬والهوى‪ k‬أي‪ :‬اتباع الهوى‪ ،‬والغفلة وغير ذلك من األسباب‬

‫الباعثة والحاضة على ارتكاب الذنوب واآلفات والمعاصي‪.‬‬

‫الجواب الثالث في أسباب وقوع المعاصي‪ :‬أن هللا عز وجل إذا كان قدر وقوع هذه المعاصي‬

‫في شهر رمضان ومصدرها الشياطين؛‪ ‬فإنما قوله عليه الصالة والسالم‪( :‬وصفدت‬

‫الشياطين)‪  ‬إنما أراد أن يبين أن معظم المعاصي التي تقع في غير رمضان ال تقع في‬

‫رمضان‪ ،‬ولذلك لو نظرنا مثالً‪  :‬إلى الزناة أو إلى السارقين أو إلى قطاع الطرق وأصحاب‬

‫هذه الكبائر تجد الواحد منهم يقول في شهر شعبان‪ :‬هيا بنا نخرج ونعمل المعاصي والذنوب‬

‫وغير ذلك‪ ،‬فيقول‪  :‬نعملها قبل أن يهجم علينا رمضان! فيقول له قائل‪ :‬وما المضرة في‬

‫رمضان؟‪ ‬فيقول‪ :‬ال‪ ،‬إن رمضان له فضله‪ ،‬يعني‪ :‬حتى قاطع الطريق يعلم أن رمضان له‬

‫حرمة‪ ،‬فالذي يشرب سجائر وحشيشا ً وخمراً وغيرها من الباليا يكثر منه قبل رمضان؛ من‬

‫أجل أن يكون عنده رصيد يكفيه طوال رمضان‪ ،‬وإن أحب ارتكاب المعصية يجعلها في ليل‬

‫رمضان‪ ،‬مع أن األصل أن العاصي هلل عز وجل يستوي أن تقع المعصية في رمضان أو في‬

‫غيره‪ ،‬في ليل رمضان أو في نهاره‪.‬‬

‫وإذا أتيت إلى شخص مدمن على السجائر تجده يشعل سيجارة بعد سيجارة بعد سيجارة بعد‬

‫سيجارة يشرب في النهار عشرين أو ثالثين سيجارة‪ ،‬فتأتي لتنصحه بعدم التدخين‪ ،‬فيقول‬

‫لك‪  :‬ال أستطيع أن أمتنع عنها‪ ،‬إنني أشرب سجائر وأنا ابن عشر سنوات‪ ،‬واآلن أنا ابن‬

‫سبعين أو ثمانين سنة ال أستطيع تركها‪ ،‬وقد جربت وفشلت مراراً‪ ،‬وهذا الشخص في‬

‫رمضان ال يحتاج إلى وصاية تراه يمتنع مباشرة عن التدخين في نهار رمضان‪ ،‬وبالتالي‬
‫يقول‪  :‬ال أستطيع أن أتركها ساعة في غير رمضان‪ ،‬لكن في نهار رمضان يتركها ساعات؛‬

‫ألن الوازع اإليماني في قلبه دفعه إلى لزوم الطاعة في الوقت الذي أمر هللا عز وجل فيه‬

‫بطاعته‪ ،‬لكن في الليل يعود إلى شرب هذا الخبيث‪k.‬‬

‫كذلك الذي ال يملك شهوته أمام هذا البهرج النسوي يستطيع أن يكبح جماحه في نهار‬

‫رمضان‪ ،‬وإن فكر في الزنا ليالً‪ ،‬أريد أن أقول لك‪ :‬إن المعاصي عند أصحابها مرفوضة في‬

‫رمضان‪.‬‬

‫إذاً‪ :‬الجواب الثالث في تفسير قوله عليه الصالة والسالم‪( :‬وصفدت الشياطين)‪ ‬أي‪ :‬قلت‬

‫المعاصي وحُجِّ مت ال أنها انعدمت بالكلية؛ ألن هذا نتيجة تصفيد الشياطين وقلة إغوائهم‬

‫وغوايتهم ألصحاب المعاصي‪.‬‬

You might also like