You are on page 1of 17

‫الثبات بعد رمضان‬

‫ها هو رمضان قد فارقنا بعد أن حل ضيفاً عزيزاً غالي اً علينا ملدة شهر كامل‪ ،‬ولكن هل تركنا رمضان‬
‫وهو راض عنا؟ أم رحل وهو يبكي حسرة علينا وعلى أحوالنا؟‬
‫إن شهر رمضان قد قوض خيامه وفك أطنابه‪ ،‬وقد أودعناه ما شاء اهلل أن نودع من األعمال واألفعال‬
‫دعون هبا ي وم‬ ‫حِل‬ ‫حِل‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫زائن حافظ ةٌ ألعم الكم‪ ،‬تُ َ‬
‫واألق وال‪ ،‬حس نها وس ي ها‪ ،‬ص ا ها وطا ه ا‪ ،‬واألي ُام خ ُ‬
‫ت ِم ْن َخ ْي ٍر ُّم ْح َ‬
‫ض َراً‪( .‬آل عمران‪.)30:‬‬ ‫القيامة‪َ  ‬ي ْو َم تَ ِج ُد ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س َّما َع ِملَ ْ‬
‫ينادي ربكم‪(( :‬يا عبادي‪ ،‬إنما هي أعم!!الكم أحص!!يها لكم ثم أوفِّيكم إياه!!ا‪ ،‬فمن! وج!!د خ!!يراً فليحم!!د‬
‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫يلومن إال نفسه))‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اهلل‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فال‬
‫فح ىت ال يض يع من ا رمض ان مث ل ك ل ع ام ويك ون جمرد حلظ ات مجيل ة نقض يها على مدى ش هر مثَّ بعدها‬
‫ومعاتبة مع النفس‪ ،‬ونضع خطة إميانية لكي نستمر على‬
‫ينتهي األمر‪ ،‬وجب علينا أن نقف وقفة حماسبة ُ‬
‫الطاعات بعد رمضان‪ ،‬ونرى حالنا بعد رمضان‪ .‬وذلك من خالل هذه العناصر الرئيسية التالية‪:‬‬
‫أحوال الناس بعد رمضان‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫هل قبل منا رمضان أم ال؟‬ ‫‪-2‬‬
‫عالمات القبول‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وسائل تعني على الثبات على الطاعة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫مثرات الثبات على الطاعة‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫اخلامتة‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫أوالً‪ :‬أحوال الناس بعد رمضان‪:‬‬
‫لقد انقضى رمضان‪ ،‬وانقسم الناس بعده إىل ثالثة أحوال‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الح!!!ال األول‪ :‬ق وم ك انوا على خ ري وطاع ة‪ ،‬فلم ا ج اء رمض ان مشروا عن س واعدهم‪ ،‬وض اعفوا من‬
‫جه دهم‪ ،‬وجعل وا رمض ان غنيم ة رباني ة‪ ،‬ومنح ة إهلي ة‪ ،‬اس تكثروا من اخلريات‪ ،‬وتعرض وا للرمحات‪،‬‬
‫وتداركوا ما فات‪ ،‬فما انقضى رمضان إال وقد علت رتبهم عند الرمحن‪ ،‬وارتفعت درجاهتم يف اجلنات‪،‬‬
‫وابتعدت ذواهتم عن النريان‪ .‬نسأل اهلل تعاىل أن جيعلنا منهم‪.‬‬
‫الحال الث!اني‪ :‬قوم كانوا قبل رمضان يف إعراض وغفلة‪ ،‬فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة والعبادة‪،‬‬
‫ود َمعت عيوهنم وخشعت قلوهبم‪ ،‬ولكن‪ ،‬ما إن وىل رمضان حىت‬
‫صاموا وقاموا‪ ،‬قرؤوا القران وتصدقوا‪َ ،‬‬
‫عادوا إىل ما كانوا عليه‪ ،‬عادوا إىل غفلتهم‪ ،‬عادوا إىل ذنوهبم‪.‬‬
‫فلهؤالء نقول‪ :‬من ك ان يعبد رمض ان ف إن رمض ان قد م ات وف ات‪ ،‬ومن ك ان يعب د اهلل ف إن اهلل حي ال‬
‫ميوت‪.‬‬
‫فيا من عدت إىل ذنوبك ومعاصيك‪ ،‬اعلم أن الذي أمرك بالعبادة يف رمضان هو الذي أمرك هبا يف غري‬
‫رمضان‪ .‬كيف تعود إىل املعاصي وقد حماها اهلل من صحيفتك؟‬
‫فتعود إليها؟‬ ‫ِ‬
‫أيُعت ُقك اهلل من النار ُ‬
‫تسو ُدها؟‬
‫أيبيض اهلل صحيفتك من األوزار وأنت ِّ‬
‫ُ‬
‫وي ا من ص ام لس انه يف رمض ان عن الغيب ة والنميم ة والك ذب‪ ،‬واص ل مس ريتك وج ّد يف الطلب‪ .‬وي ا من‬
‫غض طرفك ما بقيت‪ِ ،‬‬
‫يورث اهلل قلبَك حالوة اإلميان ما حييت‪.‬‬ ‫صامت عينه يف رمضان عن النظر احملرم‪َّ .‬‬
‫ي ا من كنت تص وم م ع الص ائمني‪ ،‬وتق وم مع الق ائمني‪ ،‬إي اك أن تك ون ك اليت نقض ت غزهلا من بع د ق ٍ‬
‫وة‬
‫أنكاثاً‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وتذكر قول اهلل تعاىل‪ :‬إن اهلل ال يغير م!ا بق!وم ح!تى يغ!يروا م!ا بأنفس!هم‪ .‬فغرِّي من حالك‪ ،‬وتب من‬
‫ذنوب ك‪ ،‬وأقب ل على رب ك‪ ،‬فإن ك واهلل ال ت دري م ىت متوت‪ ،‬ال ت دري م ىت تغ ادر ه ذه ال دنيا‪ .‬فم ا أقبح‬
‫القطيعة بعد الوصال! وما أقبح اهلجر بعد الود!‬
‫الحال الثالث‪ :‬قوم دخل رمضان وخرج رمضان‪ ،‬وحاهلم كحاهلم‪ ،‬مل يتغري منهم شيء‪ ،‬ومل يتبدل فيهم‬
‫أمر‪ ،‬بل رمبا زادت آثامهم‪ ،‬وعظمت ذنوهبم‪ ،‬واسودت صحائفهم‪.‬‬
‫((ور ِغ َم أن!!ف رج!!ل دخ!!ل علي!!ه رمض!!ان ثم انس!!لخ قب!!ل أن‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ :‬‬
‫يغفر له))‪ .‬رواه الرتمذي‪.‬‬

‫وتدارك ما بقي من أعمارهم‪.‬‬


‫ُ‬ ‫أولئك هم اخلاسرون حقاً‪ .‬وليس أمامهم إال التوبةُ إىل رهبم‪،‬‬
‫قال احلسن البصري ‪-‬رمحه اهلل‪( :-‬إن اهلل جعل رمضان ِمضماراً خللقه؛ يتسابقون فيه بطاعته‪ ،‬فسبق قوم‬
‫ففازوا‪ ،‬وختلف آخرون فخابوا‪ .‬فالعجب من الالعب الضاحك يف اليوم الذي يفوز فيه احملسنون وخيسر‬
‫ون)‪.‬‬ ‫املبطل‬
‫ثانياً‪ :‬هل قُبِ َل منا رمضان أم ال؟‬
‫فم ِن املقبول منا فنهنئه‪،‬‬
‫حنمد اهلل تعاىل أن وفقنا لبلوغ رمضان وصيامه وقيام ه‪ ،‬ولكن ال نغرت بعبادتنا‪َ .‬‬
‫ومن احملروم منا فنعزيه‪ ،‬أيها املقبول هنيئاً لك‪ ،‬أيها املردود جرب اهلل مصيبتك‪.‬‬
‫كان حال الصاحلني عند وداع رمضان يف خوف ودعاء‪ ،‬خوف من رد العمل‪ ،‬ودعاء بالقبول من ذي‬
‫!وب ُه ْ!م َو ِجلَ ! !ةٌ‪( .‬أي‪ :‬يعمل ون‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ُيْؤ تُ! !!و َن َم! !!ا آَت! ! ْ!وا َو ُقلُ! ! ُ‬
‫اجلود والك رم‪ ،‬يق ول املوىل ع ز وج ل‪َ  :‬والذ َ‬
‫األعمال الصاحلة وقلوهبم خائفة أال تقبل منهم)‪.‬‬
‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫تق ول أم املؤم نني عائش ة ‪-‬رض ي اهلل عنه ا‪ :-‬س َألْت رس َ ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ ‬ع ْن َه ذه اآْل يَ ة‪َ  :‬والذ َ‬
‫ين ُيْؤ تُ!!و َن َم!!ا‬ ‫َ ُ َُ‬
‫ت‬‫ال ‪(( :‬ال يَ !!ا بِْن َ‬ ‫ين يَ ْش َربُو َن اخْلَ ْم َر َويَ ْس ِرقُو َن؟ ف َق َ‬ ‫آَت!!وا و ُقلُ !!وبه !م و ِجلَ !ةٌ‪ ،‬قَ الَت عاِئش ةُ‪َ :‬أهم الَّ ِ‬
‫ذ‬
‫ْ َ َ ُُ َ‬ ‫ْ َ ُُ ْ َ‬

‫‪3‬‬
‫ِّيق‪ ،‬ولَ ِكنَّهم الَّ ِذين يصومو َن ويصلُّو َن ويتَص! َّدقُو َن وهم ي َخ!!افُو َن َأ ْن ال ي ْقب!!ل ِم ْنهم‪ُ ،‬أولَِئ َ َّ ِ‬
‫ين‬
‫ك الذ َ‬ ‫ُ َ َ ُْ‬ ‫َُْ َ‬ ‫الصد ِ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ِّ‬
‫يسا ِرعُو َن فِي الْ َخ ْير ِ‬
‫ات َو ُه ْم لَ َها َسابُِقو َن))‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫وكان سلف هذه األمة عند خروج رمضان يدعون اهلل ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان‪ ،‬خوفاً من رده‪.‬‬
‫روي عن علي بن أيب طالب ‪ ‬قول ه‪( :‬كونوا لقبول العم ل أشد اهتمام اً منكم بالعم ل‪ ،‬أمل تسمعوا اهلل‬
‫ين‪.)‬‬‫‪ ‬يقول‪ِ :‬إنَّ َما َيَت َقبَّ ُل اللَّهُ ِم َن ال ُْمت َِّق َ!‬
‫ويقول احلافظ ابن رجب ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف ذلك‪" :‬السلف الصاحل جيتهدون يف إمتام العمل وإكماله وإتقانه‬
‫ين ُيْؤ تُ!!و َن َم!!ا آَت! ْ!وا‬ ‫َّ ِ‬
‫مث يهتم ون بع د ذل ك بقبول ه‪ ،‬وخيافون من رده‪ ،‬وه ؤالء ال ذين ق ال اهلل عنهم‪َ  :‬والذ َ‬
‫وب ُه ْ!م َو ِجلَةٌ‪.‬‬‫َو ُقلُ ُ‬
‫وقال ابن دينار‪" :‬اخلوف على العمل أن ال يتقبل أشد من العمل"‪.‬‬
‫اهلم‪ ،‬أيُقبَ ل‬
‫وق ال عب د العزي ز بن أيب رواد‪" :‬أدركتهم جيته دون يف العم ل الص احل‪ ،‬ف إذا فعل وه وق ع عليهم ُّ‬
‫منهم أم ال؟"‪.‬‬
‫فهذا حال سلفنا يف وداع هذا الشهر‪ ،‬ولنتفكر عند رحيله سرعة مرور األيام‪ ،‬وانقضاء األعوام‪ ،‬ودنو‬
‫اآلجال‪ ،‬فإن يف مرورها وسرعتها عربة للمعتربين‪ ،‬وعظة للمتعظني‪.‬‬
‫روي عن علي ‪ ‬أنه كان ينادي يف آخر ليلة من شهر رمضان‪( :‬يا ليت شعري َم ْن هذا املقبول فنهنيه‪،‬‬
‫وم ْن هذا احملروم فنعزيه)‪.‬‬
‫َ‬
‫(م ْن هذا املقبول منا فنهنيه‪ ،‬ومن هذا احملروم منا‬
‫وكان عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬يقول عند رحيل الشهر‪َ :‬‬
‫فنعزيه‪ ،‬أيها املقبول هنيئاً لك‪ ،‬أيها املردود جرب اهلل مصيبتك)‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬عالمات القبول‪:‬‬
‫إن لكل شيء عالمة‪ ،‬فما عالمات قبول العمل؟‬

‫‪4‬‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ام َك َم!!ا ُكت َ‬
‫ص !يَ ُ‬
‫ب َعلَْي ُك ُم ال ِّ‬
‫آمنُ!!واْ ُكت َ‬
‫ين َ‬
‫تحق!!ق ه!!دف الص!!يام‪ :‬ق ال اهلل تع اىل‪ :‬يَ!!ا َُّأي َه!!ا الذ َ‬ ‫‪-1‬‬
‫ين ِمن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُق! !!و َن‪( .‬البق رة‪ .)183 :‬فاهلدف من الص وم ه و التق وى‪ ،‬ف إذا‬ ‫َّ ِ‬
‫َعلَى الذ َ‬
‫حتققت في ك التق وى م ع هناي ة الش هر‪ ،‬وراقبت اهلل يف الس ر والعالني ة‪ ،‬واس تيقظ الض مري يف‬
‫نفسك‪ ،‬فهذا عالمة القبول بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫حال العبد بعد العمل خرياً منه قبل العمل‪ ،‬فاحكم أنت على‬
‫المداومة على العمل‪ :‬أن يكون ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫ول أم م ردود؟ ولئن انقض ى رمض ان‪ ،‬ف إن عم ل املؤمن ال ينقض ي ح ىت‬
‫ص يامك‪ .‬ه ل ه و مقب ٌ‬
‫املوت‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين‪ .‬ها هو سيد العابدين وإمام املتقني ‪،‬‬
‫ب َأ ْن يُ َدا ِو َم َعلَْي َه ا‪َ ،‬و َك ا َن ِإ َذا‬ ‫َأح َّ‬
‫ص اَل ًة َ‬ ‫ص لَّى َ‬ ‫كان كما تقول عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ِ( :-‬إ َذا َ‬
‫َّها ِر ثِْنيَت ْ َع ْش َر َة َر ْك َع ةً)‪ .‬رواه مسلم‪ .‬وكان يقول كما‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫صلَّى م ْن الن َ‬ ‫َغلَبَهُ َن ْو ٌم َْأو َو َج ٌع َع ْن قيَام اللَّْي ِل َ‬
‫ِّدوا َوقَ!!ا ِربُوا‪َ ،‬وا ْعلَ ُم!!وا َأ ْن لَ ْن يُ! ْد ِخ َل‬ ‫يف حديث عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬املتفق عليه‪َ (( :‬س!د ُ‬
‫!ل))‪ .‬وانظر إىل الصحابة ‪‬‬ ‫ال ِإلَى اللَّ ِه َأ ْد َو ُم َه!ا َوِإ ْن قَ َّ‬
‫ب اَأْل ْعم ِ‬
‫َ‬ ‫َأح َّ‬
‫َأن َ‬ ‫ْجنَّةَ‪َ ،‬و َّ‬
‫َأح َد ُك ْم َع َملُهُ ال َ‬
‫َ‬
‫كيف تلقوا هذا اهلدي النبوي‪ ،‬وداوموا عليه‪ ،‬وطبقوه يف شؤون حياهتم‪ .‬ففي الصحيحني عن‬
‫ت النَّيِب َّ ‪ ‬تَ ْش ُكو ِإلَْي ِه َم ا َت ْل َقى يِف يَ ِد َها ِم ْن ال َّر َحى‪،‬‬ ‫َأن فَاط َم ةَ ‪-‬رض ي اهلل عنه ا‪َ -‬أتَ ْ‬
‫علِي ‪ِ َّ ‬‬
‫َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َأخَبَرتْ هُ َعاِئ َش ةُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫وبلَغَه ا َأنَّه ج اءه رقِيق‪َ .‬فلَم تُص ِادفْه فَ َذ َكرت َذل َ ِ ِئ‬
‫ِك ل َعا َش ةَ‪َ ،‬فلَ َّما َج اءَ ‪ْ ‬‬ ‫َ َ َ ُ َ َُ َ ٌ ْ َ ُ َ ْ‬
‫((علَى َم َكانِ ُك َما))‪ ،‬فَ َج اءَ َف َق َع َد َبْييِن َو َبْيَن َه ا‬ ‫فَجاءنَا وقَ ْد َأخ ْذنَا م ِ‬
‫وم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫ضاج َعنَا‪ ،‬فَ َذ َهْبنَا َن ُق ُ‬‫ََ َ َ َ َ‬
‫َأدلُّ ُك َم!!ا َعلَى َخ ْي ! ٍر ِم َّما َس !َألْتُ َما؟ ِإذَا َأ َخ! ْذتُ َما‬‫ال‪َ(( :‬أاَل ُ‬ ‫ت َب ْر َد قَ َد َمْي ِه َعلَى بَطْيِن ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َحىَّت َو َج ْد ُ‬
‫ين‪َ ،‬و َكِّب َرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِ ِ‬ ‫مَ ِ‬
‫اح َم! َدا ثَاَل ثً !!ا َوثَاَل ث َ‬
‫ين‪َ ،‬و ْ‬ ‫س !بِّ َحا ثَاَل ثً !!ا َوثَاَل ث َ‬
‫ض !اج َع ُك َما َْأو ََأو ْيتُ َم!!ا لَى ف َراش ! ُك َما فَ َ‬ ‫َ‬
‫ال َعلِ ٌّي‪( :‬فَ َم ا َت َر ْكُت ُه َّن‬ ‫ادٍم))‪ .‬ويف زيادة عند أيب داود‪ :‬قَ َ‬ ‫َأربعا وثَاَل ثِين‪َ ،‬فهو َخير لَ ُكما ِمن َخ ِ‬
‫ًَْ َ َ َُ ٌْ َ ْ‬

‫‪5‬‬
‫ِّني فَ ِإيِّن ذَ َك ْر ُت َه ا ِم ْن آخِ ِر اللَّْي ِل َف ُق ْلُت َه ا)‪ .‬هك ذا‬ ‫ِ‬ ‫مْن ُذ مَسِ عُته َّن ِمن رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه ‪ِ ‬إاَّل لَْيلَ ةَ ص ف َ‬ ‫ُْ َُْ‬ ‫ُ‬
‫كانت حمافظتهم على األعمال الصاحلة‪ ،‬حىت يف أحلك الظروف‪ ،‬وأشد األزمات‪.‬‬
‫زب من ش باب الص حابة‪ ،‬كي ف ك ان ثبات ه ومداومت ه على العم ل‬ ‫اب األع ِ‬ ‫وانظ ر إىل ه ذا الش ِ‬
‫الر ُج ُل يِف َحيَ ِاة النَّيِب ِّ ‪‬‬ ‫ال‪َ :‬ك ا َن َّ‬ ‫‪-‬ر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه َم ا‪ -‬قَ َ‬ ‫الصاحل‪ ،‬ففي الصحيحني َع ْن ابْ ِن ُع َمَر َ‬
‫ت غُاَل م اً‬ ‫ص َها َعلَى النَّيِب ِّ ‪َ ،‬و ُكْن ُ‬ ‫ت َأ ْن ََأرى ُرْؤ يَ ا َأقُ ُّ‬ ‫ص َها َعلَى النَّيِب ِّ ‪َ ،‬فتَ َمنَّْي ُ‬ ‫ِإ َذا َرَأى ُرْؤ يَ ا قَ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأن َملَ َكنْي ِ َ‬
‫َأخ َذايِن‬ ‫ت يِف الْ َمنَ ِام َك َّ‬ ‫ت َأنَ ُام يِف الْ َم ْسج ِد َعلَى َع ْه د النَّيِب ِّ ‪َ ،‬ف َرَأيْ ُ‬ ‫ب‪َ ،‬و ُكْن ُ‬ ‫َأعَز َ‬
‫َشابّاً ْ‬
‫ِ ِإ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِإ‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ِإ‬
‫اس قَ ْد‬ ‫فَ َذ َهبَا يِب ىَل النَّا ِر‪ ،‬فَ َذا ه َي َمطْ ِويَّةٌ َكطَ ِّي الْبْئ ِر‪َ ،‬و َذا هَلَا َق ْرنَ ان َك َق ْريَنْ الْبْئ ِر‪َ ،‬و َذا ف َيه ا نَ ٌ‬
‫ال يِل ‪:‬‬ ‫آخ ُر َف َق َ‬
‫ك َ‬ ‫ول‪َ :‬أعُوذُ بِاللَّ ِه ِم ْن النَّا ِر‪َ ،‬أعُوذُ بِاللَّ ِه ِم ْن النَّا ِر‪َ ،‬فلَ ِقَي ُه َما َملَ ٌ‬ ‫ت َأقُ ُ‬ ‫َعَر ْفُت ُه ْم‪ ،‬فَ َج َع ْل ُ‬
‫!ل َع ْب!! ُد‬ ‫ال‪(( :‬نِ ْع َم َّ‬
‫الر ُج! ُ‬ ‫ص ةُ َعلَى النَّيِب ِّ ‪َ ‬ف َق َ‬ ‫ص ْت َها َح ْف َ‬ ‫ص ةَ‪َ ،‬ف َق َّ‬‫ص ُت َها َعلَى َح ْف َ‬ ‫صْ‬ ‫اع‪َ .‬ف َق َ‬ ‫لَ ْن ُت َر َ‬
‫ال َسامِلٌ‪ :‬فَ َكا َن َعْب ُد اللَّ ِه اَل َينَ ُام ِم ْن اللَّْي ِل ِإاَّل قَلِياًل ‪.‬‬ ‫صلِّي بِاللَّْي ِل))‪ .‬قَ َ‬
‫اللَّه‪ ،‬لَ ْو َكا َن يُ َ‬
‫ِ‬
‫ومتض ي الس نون‪ .‬وال ي زال يف األم ة مناذج رائع ة‪ .‬فه ا ه و الس لطان العثم اين حمم د الف اتح يفتح‬
‫وم أع َّز اهلل في ه اإلس الم وأهل ه‪ .‬وق د روي أهنم أرادوا أن يص لوا ركع تني هلل‬ ‫القس طنطينية يف ي ٍ‬

‫رجل ما فاتته ص الُة‬


‫الناس إال ٌ‬
‫شكراً على هذا الفتح املبني‪ ،‬فأمر اخلليفة حممد الفاتح أن ال يؤم َ‬
‫الفجر يف مجاعة منذ أن عقل‪.‬‬
‫القضاة‪ ،‬وال الوزرا ِء وال ِ‬
‫القادة‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫حبثوا يف اجليش‪ ،‬فلم جيدوا أحداً ينطبق عليه الشرط‪ ،‬ال من‬
‫بقي ِة اجليش‪ .‬فتق دَّم الس لطان حمم د الف اتح فص لَّى هبم ص الة الش كر‪ ،‬مث ق ال بع د الص الة‪ :‬أم ا‬
‫وجدمت من فيه هذا الشرط من املسلمني؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل لوال خويف أن ال تقام الصالة يف‬
‫اإلسالم وأهلَ ه ملا أخربتكم‪ ،‬فقد أحببت أن ُأبقي هذا سراً بيين وبني خالقي‪،‬‬
‫َ‬ ‫يوم أعز اهلل فيه‬
‫وواهلل ما فاتتين صالة الفج ِر يف مجاعة منذ أن عقلت‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫اهلل أك رب‪ .‬هك ذا واهلل تعل و اهلمم‪ ،‬وتنتص ر األمم‪ .‬وإذا خض ع س لطان األرض‪ ،‬نص ر جب ار‬
‫السماوات واألرض‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬وسائل تعين على الثبات على الطاعة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العزيمة الصادقة‪ ،‬والثبات عليها‪:‬‬
‫يقول اإلمام ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪" :-‬كمال العبد بالعزمية والثبات‪ ،‬فمن مل يكن له عزمية فهو ناقص‪ ،‬ومن‬
‫كانت له عزمية ولكن ال ثبات له عليها فهو ناقص‪ ،‬فإذا انضم الثبات إىل العزمية أمثر كل مقام شريف‪،‬‬
‫وحال كامل"‪ ،‬وقد كان من دعائه ‪(( :‬اللهم إني أسألك الثب!ات في األم!ر‪ ،‬والعزيم!ة على الرش!د))؛‬
‫يق ول ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪" :-‬وهات ان الكلمت ان مها مجاع الفالح‪ ،‬وم ا أيت العب د إال من تض ييعهما‪ ،‬أو‬
‫تض ييع أح دمها‪ ،‬فم ا ُأيت أح د إال من ب اب العجل ة والطيش‪ ،‬واس تفزاز الب داءآت ل ه‪ ،‬أو من ب اب الته اون‬
‫والتماوت‪ ،‬وتضييع الفرصة بعد مواتاهتا‪ ،‬فإذا حصل الثبات أوالً‪ ،‬والعزمية ثانياً؛ أفلح كل الفالح"‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬االهتمام بإصالح القلب‪:‬‬
‫ك ص لحت اجلوارح‪ ،‬وإذا فس د القلب فس دت‬
‫القلب ه و امللِك‪ ،‬واجلوارح هي اجلُن ود‪ ،‬ف إذا ص لح املل ُ‬
‫ف ُ‬
‫يب ‪ ‬كم ا يف‪ ‬الص حيحني‪ ‬من ح ديث النُّعم ان ‪(( :‬أالَ َّ‬
‫وإن في الجس!!د مض!!غةً إذا‬ ‫اجلوارح؛ يق ول الن ُّ‬
‫ت ص!!لح الجس!!د كلُّه‪ ،‬وإذا فس!!دت فس!!د الجس!!د كلُّه‪ ،‬أال وهي القلب))‪ ،‬وإص الح القلب ُّ‬
‫يتم‬ ‫!لح ْ‬
‫ص! َ‬
‫بشيئني‪:‬‬
‫األول‪ :‬عمارته باألعمال الطيِّبة؛ كالشُّكر‪ ،‬واخلوف من اهلل‪ ،‬وحمبَّة اهلل‪ ،‬واإلخالص‪...‬‬
‫َّ‬
‫والغل والتعلُّق بغري اهلل‪ ...‬وغري ذلك‪.‬‬
‫كالرياء واحلقد‪ِّ ،‬‬
‫الثاني‪ :‬تنقية القلب من األخالق السيِّئة؛ ِّ‬
‫ثالثاً‪ :‬االقتصاد في العبادة والمداومة عليها‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫ع دم اإلثق ال على النفس بأعم ال ت ؤدي إىل املش قة‪ ،‬وتفض ي إىل الس آمة واملل ل من العب ادة‪ ،‬فق د ج اء يف‬
‫الصحيحني عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬أن النيب ‪ُ ‬س ِئ َل‪ :‬أي األعمال أحب إىل اهلل؟ قال‪(( :‬أدومه!!ا‬
‫قل))‪ ،‬وقال ‪(( :‬أكلَفوا من األعمال ما تطيقون))‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وإن َّ‬
‫الغلو والتشدُّد‪ ،‬فجاء عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إن الدين يس!ر‪ ،‬ولن‬ ‫َّ‬
‫وحذر ‪ ‬من ِّ‬
‫يش ! َّ‬
‫!اد ال !!دين أح !!د إال غلب !!ه‪ ،‬فس !!ددوا وق !!اربوا وأبش !!روا‪ ،‬واس !!تعينوا بالغ !!دوة والروح !!ة‪ ،‬وش !!يء من‬
‫اري‪.‬‬ ‫رواه البخ‬ ‫الدلج! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !!ة))‪.‬‬
‫فعلى املرء املس لم أن تكون عبادته قصداً ال إفراط وال تفريط‪ ،‬بل تكون على وفق سنة رسول اهلل ‪‬؛‬
‫فقد قال النيب ‪ ‬لعبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪-‬رضي اهلل عنهما‪(( :-‬لكل عم!!ل ش!!رة‪ ،‬ثم ف!ترة‪ ،‬فمن‬
‫ضل‪ ،‬ومن كانت فترته إلى سنَّة فقد اهتدى))‪.‬‬ ‫كانت فترته إلى بدعة فقد َّ‬
‫قليل من الشر أ ْن جيتَنِبَ ه؛‬
‫قليل من اخلري َأ ْن يأتِيَه‪ ،‬وال يف ٍ‬
‫للم ْرء أال َي ْزهد يف ٍ‬
‫يقول اإلمام ابن حجر‪( :‬فينبغي َ‬
‫فإنَّه ال يَعلم احلسنة اليت يرمحه اهلل هبا‪ ،‬وال السيِّئة اليت يَ ْسخط عليه هبا)‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬معلق اً على هذا احلديث‪" :‬قال له ذلك حني أمره باالقتصاد يف العمل‪ ،‬فكل‬
‫اخلري يف اجتهاد باقتصاد‪ ،‬وإخالص مقرون باالتباع‪ ،‬كما قال بعض الصحابة‪( :‬اقتصاد يف سبيل وسنة‪،‬‬
‫خ ري من اجته اد يف خالف س بيل وس نة)‪ ،‬فاحرص وا أن تك ون أعم الكم على منه اج األنبي اء ‪-‬عليهم‬
‫السالم‪ -‬وسنتهم"‪.‬‬
‫وملا دخل ‪ ‬املسجد رأى حبالً ممدوداً بني ساريتني‪ ،‬فقال‪(( :‬ما هذا الحب!ل؟)) قالوا‪ :‬هذا حبل لزينب‪،‬‬
‫رواه البخ اري‬ ‫ليصل أحدكم نشاطه‪ ،‬فإذا فتر فليقع!!د))‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫فإذا فرتت تعلَّقت به‪ ،‬فقال النيب ‪(( :‬ال‪..‬حلُّوه‪،‬‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫انظ ر إىل التش ريع‪(( :‬ليص!!ل أح!!دكم نش!!اطه‪ ،‬ف!!إذا ف!!تر فليرق!!د)) ألن ه الب د للنفس من ف رتات لل رتويح‪،‬‬
‫وليس ذلك باملعصية كما يظن كثري من الناس فيقول‪ :‬ساعة وس اعة‪ .‬أي‪ :‬ساعة لقلبك وساعة لربك‪،‬‬
‫وإذا قلت ل ه‪ :‬م اذا تقصد بس اعة لقلب ك؟ يق ول‪ :‬أهلو وأمسر وأقض ي ال وقت أم ام املسلس الت املس لية وإن‬
‫كانت يف املعاصي!! ال طبعاً!‬
‫وإمنا ساعة وساعة تفهم من حديث حنظلة ‪( :‬ملا قابل الصديق ‪ ،‬وقال له‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬قال‪ :‬ومم‬
‫ذاك؟ قال‪ :‬نكون عند رسول اهلل ‪ ‬فيذكرنا باجلنة والنار حىت كأهنا رأي عني‪ ،‬فإذا عدنا إىل األوالد أو‬
‫إىل ال بيوت عافس نا األزواج واألوالد والض يعات ونس ينا كث رياً‪ ،‬فق ال أب و بك ر‪ :‬واهلل إين ألج د م ا جتد‪،‬‬
‫فانطلقا إىل احلبيب ‪ ،‬وقال حنظلة‪ :‬نافق حنظلة يا رسول اهلل! قال‪(( :‬مم ذاك؟)) فأخربه مبا قال أليب‬
‫بكر ‪ ،‬فقال املصطفى‪(( :‬ي!!ا حنظل!!ة! وال!!ذي نفس!!ي بي!!ده ل!!و ت!!دومون على الحال!!ة ال!!تي تكون!!ون به!!ا‬
‫عن!!دي‪ ،‬لص!!افحتكم المالئك!!ة على فرش!!كم وفي الطرق!!ات‪ ،‬ولكن س!!اعة وس!!اعة!))‪ .‬أي‪ :‬ساعة تبكي‬
‫فيه ا العي ون‪ ،‬وختض ل فيه ا اللحى‪ ،‬وس اعة ع ودوا فيه ا إىل األزواج ف داعبوا الزوج ات وداعب وا األوالد‬
‫والبنني والبنات‪ ،‬واهتموا بالضيعات أي‪ :‬بالتجارة واألعمال‪ ،‬وال مانع من ذلك على اإلطالق‪ .‬هذا هو‬
‫معىن احلديث‪(( :‬ساعة وساعة) ) أي‪ :‬ساعة للرب جل وعال‪ .‬لآلخرة‪ ،‬وساعة للدنيا‪ ،‬أما أن يقال‪ :‬ساعة‬
‫لقلبك وساعة لربك‪ ،‬وأن تقضي ساعة القلب يف معصية اهلل فهذا ال يرضي اهلل جل وعال‪.‬‬
‫فيجب علينا املداومة على الطاعات ومنها‪:‬‬
‫المحافظ!!ة على الص!!لوات الخمس جماع!!ة وخصوص!!ا ص!!الة الفج!!ر‪ :‬فنحن أثبتن ا ألنفس نا يف‬ ‫‪.1‬‬
‫رمض ان أنن ا ق ادرون على أداء ص الة اجلماع ة يف املس جد وق ادرون على ص الة الفج ر يومي اً‪،‬‬
‫فلنحافظ بعد رمضان على الصلوات يف املسجد قدر استطاعتنا‪ ،‬فإن مل نستطع فلتكن يف أول‬

‫‪9‬‬
‫الوقت مع السنن الراتب ة يف أي مكان أنت فيه‪ ،‬حاول أال تؤخرها وال تدع فرصة للشيطان‪،‬‬
‫ُأثبُت على ذلك‪.‬‬
‫القرآن‪ :‬ال تكن ممن يقرأ القرآن يف رمضان فقط‪ ،‬فالقرآن ُأنزل لنتلوه يف رمضان وغري رمضان‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ ...‬فأنت استطعت أن تقرأ كل يوم جزءاً أو جزئني أو ثالث واجتهدت يف ذلك وخصصت‬
‫وقتاً لذلك من يومك‪ ،‬فحاول أن جتعل لنفسك ورداً يومي اً ثابت اً من القرآن ولو صفحةً واحد ًة‬
‫يومياً (وَأثبت للشيطان أنك فعالً تغريت)‪.‬‬
‫ذكر اهلل‪ :‬اجتهد بعد رمضان على أن حتافظ على أذكار الصباح واملساء وأذكار النوم‪ ،‬وأذكار‬ ‫‪.3‬‬
‫اخلروج من املنزل‪ ،‬استغل وقت فراغك يف العمل أو ذهابك إليه بذكر اهلل‪.‬‬
‫قيام الليل‪ :‬كما ال حترم نفسك أيض اً من قيام الليل ولو يوم اً واحداً يف األسبوع وملعرفة فضل‬ ‫‪.4‬‬
‫قيام الليل وأثره طالع أحد الكتب أو قم بزيارة املواقع اإلسالمية واحبث عن فضل قيام الليل‪.‬‬
‫الصوم‪ :‬أيض اً هناك صيام االثنني واخلميس واأليام البيض من كل شهر هجري‪ ،‬اخرت لنفسك‬ ‫‪.5‬‬
‫ث تغي رياً يف حيات ك بع د رمض ان إىل األحس ن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫م ا تس تطيع فعل ه من الطاع ات املهم أن حُت د َ‬
‫وانتصر على نفسك وشيطانك‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬قراءة القرآن بتدبر وتعقل‪:‬‬
‫فإن القرآن يهدي لليت هي أقوم‪ ،‬وهو وسيلة من وسائل الثبات والتثبيت على املداومة على العمل الصاحل‪،‬‬
‫وه و ال ذي رىب األم ة وأدهبا‪ ،‬وزكى منه ا النف وس‪ ،‬وص فى الق رائح‪ ،‬وأعلى اهلمم‪ ،‬وغ رس اإلميان يف‬
‫األفئدة‪ ،‬ويف قراءت ه تث بيت لقلب الق ارئ املت دبر ملا يق رأ؛ ألن ه يق رأ آي ات ال رتغيب يف العم ل الص احل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫!ول‬
‫ت َفَي ُق! َ‬ ‫والرتهيب من ترك ه كقول ه تع اىل‪َ  :‬وَأنف ُق!!وا من َّما َر َزقْنَ!!ا ُكم ِّمن َق ْب! ِ!ل َأن يَ!ْأت َي َ‬
‫َأح! َد ُك ُم ال َْم! ْ!و ُ‬
‫َأص َّد َق وَأ ُكن ِّمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س!ا ِإ َذا َج!!اء َ‬
‫َأجلُ َه!!ا‬ ‫ين * َولَن ُيَؤ خ َّ‬
‫ِّر اللهُ َن ْف ً‬
‫َ‬ ‫الصالح َ‬ ‫َ‬ ‫يب فَ َّ َ‬ ‫ب لَ ْواَل َأخ َّْرتَني ِإلَى َ‬
‫َأج ٍل قَ ِر ٍ‬ ‫َر ِّ‬

‫‪10‬‬
‫افقون‪.)11-10:‬‬ ‫(املن‬ ‫!ير بِ َ!م ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !!ا َت ْع َملُ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !!و َن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َواللَّهُ َخب! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ٌ‬
‫ِ‬
‫الموت‪:‬‬ ‫خامساً‪ :‬اإلكثار من تذكر‬
‫فقد أرشد النيب ‪ ‬إىل اإلكثار من ذكر املوت فقال‪(( :‬أكثروا من ذكر ِ‬
‫هاذم الل!!ذات)) أي املوت‪ ،‬فمن‬ ‫َ‬
‫أكثر من ذكر املوت نَ َش ط يف عمله‪ ،‬ومل يغرت بطول أمله؛ بل يبادر باألعمال قبل نزول أجله‪ ،‬وحيذر من‬
‫الركون إىل الدنيا‪ .‬فإنك إذا علمت أن أقرب غائب تنتظره هو املوت حرصت على أن تستغل كل ساعة‬
‫من عم رك يف طاع ة املل ك ج ل وعال‪ ،‬ف ذكر نفس ك أيه ا احلبيب هبذا الغ ائب الق ريب‪ ،‬وق ل لنفس ك‪ :‬ي ا‬
‫نفس قد أزف الرحيل وأظلك اخلطب اجلليل‪ ،‬فتأهيب يا نفس ال يلعب بك األمل الطويل‪ ،‬فلتنزلن مبنزل‬
‫ينسى اخلليل به اخلليل‪ ،‬ولريكنب عليك فيه من الثرى محل ثقيل‪ ،‬قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز وال الذليل‪،‬‬
‫د‪( .‬ق‪.)19:‬‬ ‫ت ِم ْنهُ تَ ِحي ُ‬ ‫ْح ِّق ذَلِ َ‬
‫ك َما ُك ْن َ‬ ‫ِ‬
‫ت َس ْك َرةُ ال َْم ْوت بِال َ‬
‫اء ْ‬
‫‪َ ‬و َج َ‬
‫لقي الفضيل بن عياض رجالً فسأله الفضيل عن عمره‪ :‬كم عمرك؟ قال‪ :‬ستون سنة‪ ،‬قال الفضيل‪ :‬إذاً‬
‫أنت منذ ستني سنة تسري إىل اهلل توشك أن تصل‪ ،‬فقال له الرجل‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬فقال الفضيل‪:‬‬
‫ي ا أخي! ه ل ع رفت معناه ا؟ ق ال‪ :‬نعم‪ .‬ع رفت أين هلل عب د وأين إىل اهلل راج ع‪ .‬فق ال الفض يل‪ :‬ي ا أخي!‬
‫فمن عرف أنه هلل عبد وأنه إىل اهلل راجع‪ ،‬عرف أنه موقوف بني يديه‪ ،‬ومن عرف أنه موقوف عرف أنه‬
‫مس ؤول‪ ،‬ومن عرف أنه مسؤول فليُ َّ‬
‫عِد للسؤال جواب اً‪ ،‬فبكى الرجل وقال‪ :‬يا فضيل! وما احليلة؟ قال‬
‫الفضيل‪ :‬يسرية‪ ،‬قال‪ :‬ما هي يرمحك اهلل؟ قال‪ :‬أن تتقي اهلل فيما بقي‪ ،‬يغفر اهلل لك ما قد مضى وما قد‬
‫بقي‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬الدعاء وسؤال اهلل الثبات‪ ،‬واالستمرار على العمل الصالح‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫إن من أعظم األسباب اليت تعينك على املداومة على العمل الصاحل‪ :‬أن تستعني بامللك جل وعال‪ ،‬فإن من‬
‫أعانه اهلل فهو املعان‪ ،‬ومن خذله اهلل فهو املخذول‪ ،‬فاطلب العون من اهلل أن يسددك وأن يؤيدك ويوفقك‬
‫للعمل الصاحل الذي يرضيه‪.‬‬
‫وبنَ!ا‬
‫غ ُقلُ َ‬
‫فإن اهلل ‪ ‬قد أثىن على الراسخني يف العلم أهنم يسألون رهبم الثبات على اهلداية‪َ  :‬ر َّبنَ!ا الَ تُ! ِز ْ‬
‫َّاب‪( .‬آل عمران‪.)8 :‬‬
‫َأنت ال َْوه ُ‬
‫ك َ‬ ‫ب لَنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك َر ْح َمةً ِإنَّ َ‬ ‫َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيَتنَا َو َه ْ‬
‫وكان ‪ ‬يكثر يف دعاءه أن يقول‪(( :‬يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))‪.‬‬
‫وأوصى ‪ ‬معاذ بن جبل ‪ ‬بأن يدعو بعد كل صالة أن يعينه ربه على ذكره وشكره‪ ،‬فعن معاذ بن‬
‫جب ل ‪ ‬أن رس ول اهلل ‪ ‬أخ ذ بي ده وق ال‪(( :‬ي!!ا مع!!اذ واهلل إني ألحب!!ك‪ ،‬واهلل إني ألحب!!ك))‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫!دع َّن في دب!!ر ك!!ل ص!!الة تق!!ول‪ :‬اللهم أعنِّي على ذك!!رك‪ ،‬وش!!كرك‪ ،‬وحس!!ن‬
‫((أوص!!يك ي!!ا مع!!اذ‪ :‬ال ت! َ‬
‫عبادتك))‪.‬‬
‫علي‪،‬‬
‫علي‪ ،‬وانص !!رني وال تنص !!ر َّ‬
‫وعن ابن عب اس أن رس ول اهلل ‪ ‬ك ان ي دعو‪(( :‬رب أعنِّي وال تعن َّ‬
‫علي))‪.‬‬
‫وامكر لي وال تمكر َّ‬
‫فالتوفيق والعون من اهلل وحده‪ ،‬وقد أحسن من قال‪:‬‬
‫فأول ما جيين عليه اجتهاده‬ ‫إذا مل يكن عون من اهلل للفىت‬
‫فاطلب العون من اهلل‪ ،‬وقل له‪ :‬اللهم أعين على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‪ ،‬واطرح قلبك بني يدي‬
‫اهلل‪ ،‬واعرتف له بفقرك وضعفك وعجزك وتقصريك‪ ،‬وقل‪ :‬يا رب! لو ختليت عين بفضلك ورمحتك طرفة‬
‫عني هللكت وضللت‪ ،‬ال حول يل وال قوة يل إال حبولك وقوتك وصولك ومددك‪ .‬فإن من أعانه اهلل فهو‬
‫املعان‪ ،‬ومن خذله اهلل فهو املخذول‪ ،‬فاطلب من اهلل أن يعينك على العمل الصاحل الذي يرضيه‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وهناك الكثري من اآليات واألحاديث يف فضل الدعاء ومكانته فاحرص بعد رمضان على الدعاء‪ ،‬أم ليس‬
‫لك عند اهلل حاجة بعد رمضان‪ ،‬فكلنا فقراء إىل اهلل وهو الغين احلميد‪ ،‬فخصص وقت اً للدعاء يومي اً ولو‬
‫لدقيقتني بعد أي صالة أو اجعله يف آخر يومك‪ ،‬املهم أن ال مير يوم دون أن تدعو‪ ،‬واسأل اهلل أن يثبتك‬
‫على الطاعة‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬البعد عن المعاصي‪:‬‬
‫فإن املعصية جتر إىل أختها‪ ،‬ومن عقوباهتا أهنا‪ :‬حترم العبد لذة العبادة‪ ،‬فتكون مدعاة لرتك العمل‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬الصحبة الصالحة‪:‬‬
‫يق ول الن يب ‪(( :‬الم !!رء على دين خليل !!ه‪ ،‬فلْيَنظ !!ر أح ! ُدكم َمن يُخال !!ل))؛ فالص حبة الص احلة من أعظم‬
‫العوامل املؤثِّرة يف الثبات على الطَّاعة‪.‬‬
‫ف اخرت من يعين ك على طاع ة اهلل‪ ،‬ف املرء على دين خليل ه واألخالء بعض هم يومئذ لبعض ع دو إال املتقني‪،‬‬
‫حذرك ودلَّك‬
‫بعض ه بعض اً‪ ،‬فاخرت صاحباً إذا رأى منك معصية َّ‬ ‫واملؤمن للمؤمن كالبنيان املرصوص ُّ‬
‫يشد ُ‬
‫يشد على يديه‪ ،‬فان ِو‬
‫حسن اخلُلُق فصدي ُقك يريد أيض اً صاحباً ُّ‬
‫على طريق اخلري‪ ،‬وكما تريد أنت صديقاً َ‬
‫اخلري يف نفسك لتنال ما تريد‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬ثمرات المداومة على العمل الصالح‪:‬‬
‫من احملفزات اليت تدفع املسلم إىل املداومة والثبات على الطاعة ما يلي‪:‬‬
‫أنها سبب لدخول الجنة وحسن الخاتمة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫َأن النَّيِب َّ ‪ ‬قَ َ‬
‫ال‬ ‫ه ا ه و بالل ‪ ‬بني ي دي الن يب ‪ ‬يف اجلن ة‪ .‬ج اء يف الص حيحني عن أيب هري رة ‪َّ ‬‬

‫ص اَل ِة الْ َف ْج ِر‪(( :‬يَ !!ا بِاَل ُل َح! ِّ!دثْنِي بِ!! َْأر َجى َع َم! ٍ!ل َع ِملْتَ !!هُ فِي اِإْل ْس!!اَل ِم‪ ،‬فَ!!ِإ نِّي َس!! ِم ْع ُ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ف‬‫ت َد َّ‬ ‫لبِاَل ل عْن َد َ‬
‫ت َع َمالً َْأر َجى ِعْن ِدي َأيِّن مَلْ َأتَطَ َّه ْر‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬م ا َعم ْل ُ‬ ‫ْجن َِّة))‪ .‬قَ َ‬
‫ي في ال َ‬
‫ك [أي‪ :‬حتريك نعليك] بين ي َد َّ ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َن ْعلَْي َ‬

‫‪13‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طُه وراً يِف س ِ‬
‫ُأص لِّ َي‪ .‬ويف رواي ة ص حيحة‬ ‫ك الطُّ ُه و ِر َم ا ُكت َ‬
‫ب يِل َأ ْن َ‬ ‫ص لَّْي ُ‬
‫ت بِ َذل َ‬ ‫اعة لَْي ٍل َْأو َن َه ا ٍر ِإاَّل َ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫قط إال صليت ركعتني‪ ،‬وما أصابين حدث قط إال توضأت عندها‬ ‫نت ُّ‬
‫للرتمذي‪ :‬أن بالالً قال‪ :‬ما أذَّ ُ‬
‫علي ركعتني‪.‬‬
‫ورأيت أن هلل َّ‬
‫وق د أف اد احلديث‪ :‬أن اهلل تع اىل حيب املداوم ة على العم ل الص احل وإن ك ان قليالً‪ ،‬وأن ه جيزي عامل ه‬
‫بدخول اجلنة‪ .‬فإن املؤمن مىت ما اشتدت عزميته على فعل اخلريات‪ ،‬واالنكفاف عن السيئات‪ ،‬وفقه اهلل‬
‫!اة ال! ُّ!د ْنيَا َوفِي ِ!‬
‫اآلخ َر ِة‬ ‫ت فِي الْحي! ِ‬
‫ََ‬
‫ت اللَّهُ الَّ ِذين آمنُوا بِالْ َقو ِل الثَّابِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫حلسن اخلامتة‪ ،‬كما قال تعاىل‪ُ  :‬يثَبِّ ُ‬
‫ين َو َي ْف َع ُل اللَّهُ َما يَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫شاءُ‪( .‬إبراهيم‪.)27:‬‬ ‫َويُض ُّل اللَّهُ الظَّالم َ‬
‫ويقول رسول اهلل ‪(( :‬إنما األعمال بالخواتيم))‪.‬‬
‫يقول احلافظ ابن كثري‪ :‬لقد أجرى اهلل الكرمي عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه‪ ،‬ومن‬
‫مات على شيء بعث عليه؛ فإن عشت على طاعة وعلى عمل صاحل اقتضى عدل اهلل أن يتوفاك على‬
‫ذات الطاعة ونفس العمل الصاحل‪ ،‬فإن مت على هذه الطاعة بعثت على ذات الطاعة؛ لقول النيب ‪‬‬
‫يف صحيح مسلم من حديث جابر ‪(( :‬يبعث كل عب!د على م!ا م!ات علي!ه))‪ .‬ويقول احلبيب ‪:‬‬
‫((إذا أراد اهلل بعبد خ!يراً اس!!تعمله)) قيل‪ :‬كيف يستعمله يا رسول اهلل؟ قال‪(( :‬يوفق!!ه لعم!!ل ص!الح‬
‫ثم يقبض !!ه علي !!ه))‪ .‬اللهم اس تعملنا لطاعت ك ي ا رب الع املني! ه ذا ه و االس تعمال‪ :‬إذا وفقت للعم ل‬
‫الصاحل وداومت عليه‪ ،‬قبضت على هذا العمل الصاحل وعلى نفس الطاعة‪ ،‬وبعثت على نفس الطاعة‪.‬‬
‫سبب لمحبة اهلل تعالى للعبد‪ ،‬وكفى بها ثمرةً وكرامة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ال‪ :‬من ع ِ ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ْح ْر ِ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ِ(( :‬إ َّن اللَّهَ قَ َ َ ْ َ َ‬
‫ادى لي َوليًّا َف َق ْد آذَ ْنتُهُ بِ!!ال َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫فع ْن َأيِب ُهَر ْيَرةَ ‪ ‬قَ َ‬‫َ‬
‫َّوافِ! ِ!ل‬ ‫ال َع ْب! ِ!دي َيَت َق! َّ!ر ُ ِ‬ ‫ت َعلَْي ِه‪َ ،‬و َما َي! َ!ز ُ‬ ‫ب ِإلَ َّي ِم َّما ا ْفَت َر ْ‬ ‫وما َت َق َّرب ِإلَي عب ِدي بِ َ ٍ‬
‫ب ِإلَ َّي بالن َ‬ ‫ضُ‬ ‫َأح َّ‬
‫ش ْيء َ‬ ‫َ َّ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ش بِ َه!!ا‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َرهُ الَّذي ُي ْبص ُر بِه‪َ ،‬ويَ َدهُ الَّتي َي ْبط ُ‬ ‫ت َس ْم َعهُ الَّذي يَ ْس َم ُع بِه‪ ،‬وبَ َ‬ ‫َحتَّى ُأحبَّهُ‪ ،‬فَِإ َذا ْ‬
‫َأحبَْبتُهُ ُك ْن ُ‬

‫‪14‬‬
‫ت َع ْن َش! ْي ٍء َأنَ!!ا‬ ‫و ِرجلَ!!ه الَّتِي يم ِش!ي بِه!!ا‪ ،‬وِإ ْن س!َألَنِي ُأَل ْع ِطينَّه‪ ،‬ولَِئن اس!تعاذَنِي ِ‬
‫ُأَلعي َذنَّهُ‪َ ،‬و َم!!ا َت! َ!ر َّد ْد ُ‬ ‫َ ُ َ ْ ْ ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫اءتَهُ))‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ت َوَأنَا َأ ْك َرهُ َم َ‬
‫سَ‬ ‫س ال ُْمْؤ ِم ِن‪ ،‬يَ ْك َرهُ ال َْم ْو َ‬ ‫ُّدي َع ْن َن ْف ِ‬ ‫َ‬
‫فَ ِ‬
‫اعلُهُ َترد ِ‬

‫ُأحبَّهُ)) دلي ل على أن املداوم ة‬ ‫ال عب! ! ! ِ!دي يت َق! ! ! َّ!رب ِإلَ َّي بِالنَّوافِ! ! ! ِ!ل حتَّى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫((و َم! ! !!ا َي! ! ! َ!ز ُ َ ْ‬
‫ويف قول ه ‪َ :‬‬
‫سبب حملبة اهلل تعاىل للعبد‪.‬‬
‫واالستمرار على العمل الصاحل‪ٌ ،‬‬
‫أنها سبب لتكفير الخطايا واآلثام‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫َأح ِد ُك ْم َي ْغتَ ِس ُل‬
‫اب َ‬‫َأن َن ْهرا بِبَ ِ‬
‫((َأر َْأيتُ ْم لَ ْو َّ ً‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ‬قَ َ‬ ‫ففي الصحيحني عن أيب هريرة ‪َّ ‬‬
‫َأن َر ُس َ‬
‫نِه َش ْيءٌ‪.‬‬ ‫وسخ ِه] َشيء؟)) قَالُوا‪ :‬اَل يب َقى ِمن در ِ‬ ‫ات‪ ،‬هل يب َقى ِمن َدرنِِه [أي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِم ْنهُ ُك َّل يوٍم َخمس م َّر ٍ‬
‫ْ ََ‬ ‫َْ‬ ‫ٌْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ْ َ َ‬
‫س‪ ،‬يَ ْم ُحو اللَّهُ بِ ِه َّن الْ َخطَايَا))‪.‬‬ ‫الصلَو ِ‬
‫ات الْ َخ ْم ِ‬ ‫ال‪(( :‬فَ َذلِ َ‬
‫ك َمثَ ُل َّ َ‬ ‫قَ َ‬
‫وعن أيب هري رة ‪ ‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪(( :‬من ق!!ال‪ :‬س!!بحان اهلل وبحم!!ده في ي!!وم مائ!!ة م!!رة‪،‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫ُحطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))‪.‬‬
‫أنها سبب للنجاة من الكرب والشدائد في الدنيا واآلخرة‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ول اللَّ ِه ‪‬‬
‫ف رس ِ‬
‫ت َخ ْل َ َ ُ‬ ‫ثبت عند أمحد والرتمذي من حديث ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ُ :‬كْن ُ‬
‫اح َف ْظ اللَّهَ تَ ِج ْدهُ تُ َج َ‬ ‫اح َف ْظ اللَّهَ يَ ْح َفظ َ‬ ‫ك َكلِم ٍ‬ ‫ال‪(( :‬يَا غُاَل ُم ِإنِّي َ‬
‫ك …))‪.‬‬ ‫اه َ‬ ‫ْك‪ْ ،‬‬ ‫ات‪ْ ،‬‬ ‫ُأعلِّ ُم َ َ‬ ‫َي ْوماً َف َق َ‬
‫ويف زيادة صحيحة عند أمحد‪(( :‬تعرف إلى اهلل في الرخاء يعرفك في الشدة))‪.‬‬
‫ومعىن هذا‪ :‬أن العبد املؤمن مبداومته على العمل الصاحل يف حال الرخاء تكون بينه وبني اهلل تعاىل صلة‬
‫ومعرفة‪ ،‬تنفعه وتنجيه مىت ما وقع يف شيء من الشدائد‪.‬‬
‫فها هو يونس ‪ ‬خيرج من بني قومه بعد أن يئس منهم‪ ،‬ويركب البحر‪ ،‬فتضطرب األمواج‪ ،‬ويستهم‬
‫القوم ليلقوا أحدهم يف البحر‪ ،‬فكلما أجروا القرعة خرجت على يونس‪ ،‬فألقوه يف البحر‪ ،‬فريسل اهلل‬

‫‪15‬‬
‫احلوت فيلتقم ه‪ ،‬ويتلفت ي ونس ف إذا ه و وحي ٌد يف بطن احلوت‪ :‬فن!!ادى في الظلم!!ات أن ال إل!!ه إال‬
‫أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‪.‬‬
‫نق ل ابن كث ري يف تفس ريه‪ :‬من طري ق ابن أيب ح امت عن أنس ‪( :‬أن ي ونس ملا ق ال‪ :‬فن! !!ادى في‬
‫ف بالعرش‪،‬‬
‫الظلمات أن ال إله إال أنت س!!بحانك إني كنت من الظ!!المين‪ ،‬أقبلت هذه الدعوة حَتُ ُّ‬
‫فقالت املالئكة‪ :‬يا رب‪ ،‬صوت ضعيف معروف‪ ،‬من بالد غريبة؟ فقال‪ :‬أما تعرفون ذاك؟ قالوا‪ :‬ال يا‬
‫ربن ا‪ ،‬ومن ه و؟ ق ال‪ :‬عب دي ي ونس‪ .‬ق الوا‪ :‬عب دك ي ونس ال ذي مل ي زل يَرف ُع ل ه عمالً متقبالً‪ ،‬ودع و ًة‬
‫فَأمَر‬
‫جمابة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رب أفال ترحم ما كان يصنع يف الرخاء‪ ،‬فتنجيَ ه يف البالء؟ قال‪ :‬بلى‪َ ،‬‬
‫احلوت فطرحه يف العراء)‪.‬‬
‫َ‬
‫قال تعاىل‪ :‬فلوال أنه كان من المس!بحين! للبث في بطن!ه إلى ي!!وم يبعث!!ون‪ .‬واملعىن‪ :‬لوال ما تقدم‬
‫له من العمل يف الرخاء‪ ،‬كما اختاره ابن جرير‪.‬‬
‫كرات املوت ليس ت مبض مونة‪ ،‬والقيام ةَ فيه ا‬‫وأنت اآلن يف الرخ اء‪ ،‬ت ذكر أن ال دنيا غ ري مأمون ة‪ ،‬وس ِ‬
‫النفوس مغبونة‪ .‬فاعمل يف الرخاء ما ينجيك من الش ّد ِة ويكفيك املؤونة بعد رمحة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫األمن من الحسرة عند المرض أو السفر‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫رض أو س فر‪ُ ،‬كتِب ل ه م ا ك ان‬
‫إن العبد إذا ك ان يداوم على العم ل الص احل‪ ،‬مث عرض ل ه ع ذر من م ٍ‬
‫يعمل حال صحته وإقامته‪.‬‬
‫فقد روى البخاري عن أيب موسى األشعري ‪ ‬قال‪ :‬قال رس ول اهلل ‪(( :‬إذا مرض العبد أو س!!افر‬
‫ُكتِب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً))‪.‬‬
‫فمنِع منها‪ ،‬وكانت نيَّتُه لوال املانع أن يدوم عليها‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬هذا يف حق من كان يعمل طاعةً ُ‬

‫‪16‬‬
‫وعن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬ما من امرىء تكون ل!!ه ص!!الةٌ بلي!!ل‪ ،‬فغَلَبَ!!ه‬
‫رواه أبو داود والنسائي‪.‬‬ ‫ب اهلل له أجر صالته‪ ،‬وكان نومه صدقةً عليه))‪.‬‬
‫عليها نوم‪ ،‬إال َكتَ َ‬
‫وعمل يداوم‬
‫ٌ‬ ‫ورد حيافظ عليه‪،‬‬
‫وهذا الفضل من اهلل تعاىل‪ ،‬إمنا يكون هذا أيها األحبة‪ ،‬فيمن كان له ٌ‬
‫عليه‪.‬‬
‫فيا من عرفت الطريق الصحيح يف رمضان‪ ،‬فال تتنكب الطريق‪ ،‬عرفت فالزم‪ ،‬ذقت احلالوة فالزم‪ ،‬من‬
‫ذاق عرف‪ ،‬ومن عرف اغرتف‪ ،‬فاقرتب من اخلري واقرتب من الفضل‪ .‬فالعمر قصري واملوت قريب‪.‬‬
‫ولئن كنا ودعنا مومساً عظيماً من مواسم الطاعة والعبادة‪ ،‬فإن اهلل تعاىل شرع لنا من النوافل والقربات‬
‫ما هتنأ به نفوسنا‪ ،‬وتقر به عيوننا‪ ،‬ويزيد يف أجورنا وقربنا من ربنا‪ .‬كصيام الست من شوال‪ ،‬وقيام‬
‫الليل وصالة الوتر‪ ،‬واملداومة على السنن الرواتب قبل الصالة وبعدها‪ ،‬وقراءة القرآن الكرمي‪ ،‬واحملافظة‬
‫على األوراد واألذكار‪.‬‬
‫وب األنص اري ‪ ‬أن الن يب ‪ ‬ق ال‪(( :‬من ص !!ام‬
‫روى اإلم ام مس لم يف ص حيحه من ح ديث أيب أي َ‬
‫رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر))‪.‬‬
‫أعانن ا اهلل وإي اكم على الطاع ات‪ ،‬وختم أعمارن ا بالباقي ات الص احلات‪ ،‬ومجعن ا يف أع ايل اجلن ات‪ ،‬إن ه‬
‫جواد كرمي‪.‬‬

‫‪17‬‬

You might also like