Professional Documents
Culture Documents
ها هو رمضان قد فارقنا بعد أن حل ضيفاً عزيزاً غالي اً علينا ملدة شهر كامل ،ولكن هل تركنا رمضان
وهو راض عنا؟ أم رحل وهو يبكي حسرة علينا وعلى أحوالنا؟
إن شهر رمضان قد قوض خيامه وفك أطنابه ،وقد أودعناه ما شاء اهلل أن نودع من األعمال واألفعال
دعون هبا ي وم حِل حِل ِئ ِ
زائن حافظ ةٌ ألعم الكم ،تُ َ
واألق وال ،حس نها وس ي ها ،ص ا ها وطا ه ا ،واألي ُام خ ُ
ت ِم ْن َخ ْي ٍر ُّم ْح َ
ض َراً( .آل عمران.)30: القيامةَ ي ْو َم تَ ِج ُد ُك ُّل َن ْف ٍ
س َّما َع ِملَ ْ
ينادي ربكم(( :يا عبادي ،إنما هي أعم!!الكم أحص!!يها لكم ثم أوفِّيكم إياه!!ا ،فمن! وج!!د خ!!يراً فليحم!!د
رواه مسلم. يلومن إال نفسه)).
َّ اهلل ،ومن وجد غير ذلك فال
فح ىت ال يض يع من ا رمض ان مث ل ك ل ع ام ويك ون جمرد حلظ ات مجيل ة نقض يها على مدى ش هر مثَّ بعدها
ومعاتبة مع النفس ،ونضع خطة إميانية لكي نستمر على
ينتهي األمر ،وجب علينا أن نقف وقفة حماسبة ُ
الطاعات بعد رمضان ،ونرى حالنا بعد رمضان .وذلك من خالل هذه العناصر الرئيسية التالية:
أحوال الناس بعد رمضان. -1
هل قبل منا رمضان أم ال؟ -2
عالمات القبول. -3
وسائل تعني على الثبات على الطاعة. -4
مثرات الثبات على الطاعة. -5
اخلامتة. -6
أوالً :أحوال الناس بعد رمضان:
لقد انقضى رمضان ،وانقسم الناس بعده إىل ثالثة أحوال:
1
الح!!!ال األول :ق وم ك انوا على خ ري وطاع ة ،فلم ا ج اء رمض ان مشروا عن س واعدهم ،وض اعفوا من
جه دهم ،وجعل وا رمض ان غنيم ة رباني ة ،ومنح ة إهلي ة ،اس تكثروا من اخلريات ،وتعرض وا للرمحات،
وتداركوا ما فات ،فما انقضى رمضان إال وقد علت رتبهم عند الرمحن ،وارتفعت درجاهتم يف اجلنات،
وابتعدت ذواهتم عن النريان .نسأل اهلل تعاىل أن جيعلنا منهم.
الحال الث!اني :قوم كانوا قبل رمضان يف إعراض وغفلة ،فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة والعبادة،
ود َمعت عيوهنم وخشعت قلوهبم ،ولكن ،ما إن وىل رمضان حىت
صاموا وقاموا ،قرؤوا القران وتصدقواَ ،
عادوا إىل ما كانوا عليه ،عادوا إىل غفلتهم ،عادوا إىل ذنوهبم.
فلهؤالء نقول :من ك ان يعبد رمض ان ف إن رمض ان قد م ات وف ات ،ومن ك ان يعب د اهلل ف إن اهلل حي ال
ميوت.
فيا من عدت إىل ذنوبك ومعاصيك ،اعلم أن الذي أمرك بالعبادة يف رمضان هو الذي أمرك هبا يف غري
رمضان .كيف تعود إىل املعاصي وقد حماها اهلل من صحيفتك؟
فتعود إليها؟ ِ
أيُعت ُقك اهلل من النار ُ
تسو ُدها؟
أيبيض اهلل صحيفتك من األوزار وأنت ِّ
ُ
وي ا من ص ام لس انه يف رمض ان عن الغيب ة والنميم ة والك ذب ،واص ل مس ريتك وج ّد يف الطلب .وي ا من
غض طرفك ما بقيتِ ،
يورث اهلل قلبَك حالوة اإلميان ما حييت. صامت عينه يف رمضان عن النظر احملرمَّ .
ي ا من كنت تص وم م ع الص ائمني ،وتق وم مع الق ائمني ،إي اك أن تك ون ك اليت نقض ت غزهلا من بع د ق ٍ
وة
أنكاثاً.
2
وتذكر قول اهلل تعاىل :إن اهلل ال يغير م!ا بق!وم ح!تى يغ!يروا م!ا بأنفس!هم .فغرِّي من حالك ،وتب من
ذنوب ك ،وأقب ل على رب ك ،فإن ك واهلل ال ت دري م ىت متوت ،ال ت دري م ىت تغ ادر ه ذه ال دنيا .فم ا أقبح
القطيعة بعد الوصال! وما أقبح اهلجر بعد الود!
الحال الثالث :قوم دخل رمضان وخرج رمضان ،وحاهلم كحاهلم ،مل يتغري منهم شيء ،ومل يتبدل فيهم
أمر ،بل رمبا زادت آثامهم ،وعظمت ذنوهبم ،واسودت صحائفهم.
((ور ِغ َم أن!!ف رج!!ل دخ!!ل علي!!ه رمض!!ان ثم انس!!لخ قب!!ل أن
عن أيب هريرة قال :قال رسول اهلل َ :
يغفر له)) .رواه الرتمذي.
3
ِّيق ،ولَ ِكنَّهم الَّ ِذين يصومو َن ويصلُّو َن ويتَص! َّدقُو َن وهم ي َخ!!افُو َن َأ ْن ال ي ْقب!!ل ِم ْنهمُ ،أولَِئ َ َّ ِ
ين
ك الذ َ ُ َ َ ُْ َُْ َ الصد ِ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ ِّ
يسا ِرعُو َن فِي الْ َخ ْير ِ
ات َو ُه ْم لَ َها َسابُِقو َن)). َ َُ
وكان سلف هذه األمة عند خروج رمضان يدعون اهلل ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان ،خوفاً من رده.
روي عن علي بن أيب طالب قول ه( :كونوا لقبول العم ل أشد اهتمام اً منكم بالعم ل ،أمل تسمعوا اهلل
ين.) يقولِ :إنَّ َما َيَت َقبَّ ُل اللَّهُ ِم َن ال ُْمت َِّق َ!
ويقول احلافظ ابن رجب -رمحه اهلل -يف ذلك" :السلف الصاحل جيتهدون يف إمتام العمل وإكماله وإتقانه
ين ُيْؤ تُ!!و َن َم!!ا آَت! ْ!وا َّ ِ
مث يهتم ون بع د ذل ك بقبول ه ،وخيافون من رده ،وه ؤالء ال ذين ق ال اهلل عنهمَ :والذ َ
وب ُه ْ!م َو ِجلَةٌ.َو ُقلُ ُ
وقال ابن دينار" :اخلوف على العمل أن ال يتقبل أشد من العمل".
اهلم ،أيُقبَ ل
وق ال عب د العزي ز بن أيب رواد" :أدركتهم جيته دون يف العم ل الص احل ،ف إذا فعل وه وق ع عليهم ُّ
منهم أم ال؟".
فهذا حال سلفنا يف وداع هذا الشهر ،ولنتفكر عند رحيله سرعة مرور األيام ،وانقضاء األعوام ،ودنو
اآلجال ،فإن يف مرورها وسرعتها عربة للمعتربين ،وعظة للمتعظني.
روي عن علي أنه كان ينادي يف آخر ليلة من شهر رمضان( :يا ليت شعري َم ْن هذا املقبول فنهنيه،
وم ْن هذا احملروم فنعزيه).
َ
(م ْن هذا املقبول منا فنهنيه ،ومن هذا احملروم منا
وكان عبد اهلل بن مسعود يقول عند رحيل الشهرَ :
فنعزيه ،أيها املقبول هنيئاً لك ،أيها املردود جرب اهلل مصيبتك).
ثالثاً :عالمات القبول:
إن لكل شيء عالمة ،فما عالمات قبول العمل؟
4
ب ِ ِ َّ ِ
ام َك َم!!ا ُكت َ
ص !يَ ُ
ب َعلَْي ُك ُم ال ِّ
آمنُ!!واْ ُكت َ
ين َ
تحق!!ق ه!!دف الص!!يام :ق ال اهلل تع اىل :يَ!!ا َُّأي َه!!ا الذ َ -1
ين ِمن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُق! !!و َن( .البق رة .)183 :فاهلدف من الص وم ه و التق وى ،ف إذا َّ ِ
َعلَى الذ َ
حتققت في ك التق وى م ع هناي ة الش هر ،وراقبت اهلل يف الس ر والعالني ة ،واس تيقظ الض مري يف
نفسك ،فهذا عالمة القبول بإذن اهلل تعاىل.
حال العبد بعد العمل خرياً منه قبل العمل ،فاحكم أنت على
المداومة على العمل :أن يكون ُ -2
ول أم م ردود؟ ولئن انقض ى رمض ان ،ف إن عم ل املؤمن ال ينقض ي ح ىت
ص يامك .ه ل ه و مقب ٌ
املوت ،قال تعاىل :واعبد ربك حتى يأتيك اليقين .ها هو سيد العابدين وإمام املتقني ،
ب َأ ْن يُ َدا ِو َم َعلَْي َه اَ ،و َك ا َن ِإ َذا َأح َّ
ص اَل ًة َ ص لَّى َ كان كما تقول عائشة -رضي اهلل عنهاِ( :-إ َذا َ
َّها ِر ثِْنيَت ْ َع ْش َر َة َر ْك َع ةً) .رواه مسلم .وكان يقول كما ِ ِِ
صلَّى م ْن الن َ َغلَبَهُ َن ْو ٌم َْأو َو َج ٌع َع ْن قيَام اللَّْي ِل َ
ِّدوا َوقَ!!ا ِربُواَ ،وا ْعلَ ُم!!وا َأ ْن لَ ْن يُ! ْد ِخ َل يف حديث عائشة -رضي اهلل عنها -املتفق عليهَ (( :س!د ُ
!ل)) .وانظر إىل الصحابة ال ِإلَى اللَّ ِه َأ ْد َو ُم َه!ا َوِإ ْن قَ َّ
ب اَأْل ْعم ِ
َ َأح َّ
َأن َ ْجنَّةََ ،و َّ
َأح َد ُك ْم َع َملُهُ ال َ
َ
كيف تلقوا هذا اهلدي النبوي ،وداوموا عليه ،وطبقوه يف شؤون حياهتم .ففي الصحيحني عن
ت النَّيِب َّ تَ ْش ُكو ِإلَْي ِه َم ا َت ْل َقى يِف يَ ِد َها ِم ْن ال َّر َحى، َأن فَاط َم ةَ -رض ي اهلل عنه اَ -أتَ ْ
علِي ِ َّ
َ
ال: َأخَبَرتْ هُ َعاِئ َش ةُ ،قَ َ وبلَغَه ا َأنَّه ج اءه رقِيقَ .فلَم تُص ِادفْه فَ َذ َكرت َذل َ ِ ِئ
ِك ل َعا َش ةََ ،فلَ َّما َج اءَ ْ َ َ َ ُ َ َُ َ ٌ ْ َ ُ َ ْ
((علَى َم َكانِ ُك َما)) ،فَ َج اءَ َف َق َع َد َبْييِن َو َبْيَن َه ا فَجاءنَا وقَ ْد َأخ ْذنَا م ِ
ومَ ،ف َق َالَ : ضاج َعنَا ،فَ َذ َهْبنَا َن ُق ََُ َ َ َ َ
َأدلُّ ُك َم!!ا َعلَى َخ ْي ! ٍر ِم َّما َس !َألْتُ َما؟ ِإذَا َأ َخ! ْذتُ َماالَ(( :أاَل ُ ت َب ْر َد قَ َد َمْي ِه َعلَى بَطْيِن َ ،ف َق َ
َحىَّت َو َج ْد ُ
ينَ ،و َكِّب َرا ِ ِ ِإ ِ ِ مَ ِ
اح َم! َدا ثَاَل ثً !!ا َوثَاَل ث َ
ينَ ،و ْ س !بِّ َحا ثَاَل ثً !!ا َوثَاَل ث َ
ض !اج َع ُك َما َْأو ََأو ْيتُ َم!!ا لَى ف َراش ! ُك َما فَ َ َ
ال َعلِ ٌّي( :فَ َم ا َت َر ْكُت ُه َّن ادٍم)) .ويف زيادة عند أيب داود :قَ َ َأربعا وثَاَل ثِينَ ،فهو َخير لَ ُكما ِمن َخ ِ
ًَْ َ َ َُ ٌْ َ ْ
5
ِّني فَ ِإيِّن ذَ َك ْر ُت َه ا ِم ْن آخِ ِر اللَّْي ِل َف ُق ْلُت َه ا) .هك ذا ِ مْن ُذ مَسِ عُته َّن ِمن رس ِ ِ
ول اللَّه ِ إاَّل لَْيلَ ةَ ص ف َ ُْ َُْ ُ
كانت حمافظتهم على األعمال الصاحلة ،حىت يف أحلك الظروف ،وأشد األزمات.
زب من ش باب الص حابة ،كي ف ك ان ثبات ه ومداومت ه على العم ل اب األع ِ وانظ ر إىل ه ذا الش ِ
الر ُج ُل يِف َحيَ ِاة النَّيِب ِّ الَ :ك ا َن َّ -ر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه َم ا -قَ َ الصاحل ،ففي الصحيحني َع ْن ابْ ِن ُع َمَر َ
ت غُاَل م اً ص َها َعلَى النَّيِب ِّ َ ،و ُكْن ُ ت َأ ْن ََأرى ُرْؤ يَ ا َأقُ ُّ ص َها َعلَى النَّيِب ِّ َ ،فتَ َمنَّْي ُ ِإ َذا َرَأى ُرْؤ يَ ا قَ َّ
ِ ِ
َأن َملَ َكنْي ِ َ
َأخ َذايِن ت يِف الْ َمنَ ِام َك َّ ت َأنَ ُام يِف الْ َم ْسج ِد َعلَى َع ْه د النَّيِب ِّ َ ،ف َرَأيْ ُ بَ ،و ُكْن ُ َأعَز َ
َشابّاً ْ
ِ ِإ ِ ِ ِ ِإ ِإ ِ ِإ
اس قَ ْد فَ َذ َهبَا يِب ىَل النَّا ِر ،فَ َذا ه َي َمطْ ِويَّةٌ َكطَ ِّي الْبْئ ِرَ ،و َذا هَلَا َق ْرنَ ان َك َق ْريَنْ الْبْئ ِرَ ،و َذا ف َيه ا نَ ٌ
ال يِل : آخ ُر َف َق َ
ك َ ولَ :أعُوذُ بِاللَّ ِه ِم ْن النَّا ِرَ ،أعُوذُ بِاللَّ ِه ِم ْن النَّا ِرَ ،فلَ ِقَي ُه َما َملَ ٌ ت َأقُ ُ َعَر ْفُت ُه ْم ،فَ َج َع ْل ُ
!ل َع ْب!! ُد ال(( :نِ ْع َم َّ
الر ُج! ُ ص ةُ َعلَى النَّيِب ِّ َ ف َق َ ص ْت َها َح ْف َ ص ةََ ،ف َق َّص ُت َها َعلَى َح ْف َ صْ اعَ .ف َق َ لَ ْن ُت َر َ
ال َسامِلٌ :فَ َكا َن َعْب ُد اللَّ ِه اَل َينَ ُام ِم ْن اللَّْي ِل ِإاَّل قَلِياًل . صلِّي بِاللَّْي ِل)) .قَ َ
اللَّه ،لَ ْو َكا َن يُ َ
ِ
ومتض ي الس نون .وال ي زال يف األم ة مناذج رائع ة .فه ا ه و الس لطان العثم اين حمم د الف اتح يفتح
وم أع َّز اهلل في ه اإلس الم وأهل ه .وق د روي أهنم أرادوا أن يص لوا ركع تني هلل القس طنطينية يف ي ٍ
6
اهلل أك رب .هك ذا واهلل تعل و اهلمم ،وتنتص ر األمم .وإذا خض ع س لطان األرض ،نص ر جب ار
السماوات واألرض.
رابعاً :وسائل تعين على الثبات على الطاعة:
أوالً :العزيمة الصادقة ،والثبات عليها:
يقول اإلمام ابن القيم -رمحه اهلل" :-كمال العبد بالعزمية والثبات ،فمن مل يكن له عزمية فهو ناقص ،ومن
كانت له عزمية ولكن ال ثبات له عليها فهو ناقص ،فإذا انضم الثبات إىل العزمية أمثر كل مقام شريف،
وحال كامل" ،وقد كان من دعائه (( :اللهم إني أسألك الثب!ات في األم!ر ،والعزيم!ة على الرش!د))؛
يق ول ابن القيم -رمحه اهلل" :-وهات ان الكلمت ان مها مجاع الفالح ،وم ا أيت العب د إال من تض ييعهما ،أو
تض ييع أح دمها ،فم ا ُأيت أح د إال من ب اب العجل ة والطيش ،واس تفزاز الب داءآت ل ه ،أو من ب اب الته اون
والتماوت ،وتضييع الفرصة بعد مواتاهتا ،فإذا حصل الثبات أوالً ،والعزمية ثانياً؛ أفلح كل الفالح".
ثانياً :االهتمام بإصالح القلب:
ك ص لحت اجلوارح ،وإذا فس د القلب فس دت
القلب ه و امللِك ،واجلوارح هي اجلُن ود ،ف إذا ص لح املل ُ
ف ُ
يب كم ا يف الص حيحني من ح ديث النُّعم ان (( :أالَ َّ
وإن في الجس!!د مض!!غةً إذا اجلوارح؛ يق ول الن ُّ
ت ص!!لح الجس!!د كلُّه ،وإذا فس!!دت فس!!د الجس!!د كلُّه ،أال وهي القلب)) ،وإص الح القلب ُّ
يتم !لح ْ
ص! َ
بشيئني:
األول :عمارته باألعمال الطيِّبة؛ كالشُّكر ،واخلوف من اهلل ،وحمبَّة اهلل ،واإلخالص...
َّ
والغل والتعلُّق بغري اهلل ...وغري ذلك.
كالرياء واحلقدِّ ،
الثاني :تنقية القلب من األخالق السيِّئة؛ ِّ
ثالثاً :االقتصاد في العبادة والمداومة عليها:
7
ع دم اإلثق ال على النفس بأعم ال ت ؤدي إىل املش قة ،وتفض ي إىل الس آمة واملل ل من العب ادة ،فق د ج اء يف
الصحيحني عن عائشة -رضي اهلل عنها -أن النيب ُ س ِئ َل :أي األعمال أحب إىل اهلل؟ قال(( :أدومه!!ا
قل)) ،وقال (( :أكلَفوا من األعمال ما تطيقون)) .رواه البخاري.
وإن َّ
الغلو والتشدُّد ،فجاء عن أيب هريرة قال :قال رسول اهلل (( :إن الدين يس!ر ،ولن َّ
وحذر من ِّ
يش ! َّ
!اد ال !!دين أح !!د إال غلب !!ه ،فس !!ددوا وق !!اربوا وأبش !!روا ،واس !!تعينوا بالغ !!دوة والروح !!ة ،وش !!يء من
اري. رواه البخ الدلج! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !!ة)).
فعلى املرء املس لم أن تكون عبادته قصداً ال إفراط وال تفريط ،بل تكون على وفق سنة رسول اهلل ؛
فقد قال النيب لعبد اهلل بن عمرو بن العاص -رضي اهلل عنهما(( :-لكل عم!!ل ش!!رة ،ثم ف!ترة ،فمن
ضل ،ومن كانت فترته إلى سنَّة فقد اهتدى)). كانت فترته إلى بدعة فقد َّ
قليل من الشر أ ْن جيتَنِبَ ه؛
قليل من اخلري َأ ْن يأتِيَه ،وال يف ٍ
للم ْرء أال َي ْزهد يف ٍ
يقول اإلمام ابن حجر( :فينبغي َ
فإنَّه ال يَعلم احلسنة اليت يرمحه اهلل هبا ،وال السيِّئة اليت يَ ْسخط عليه هبا).
يقول ابن القيم -رمحه اهلل -معلق اً على هذا احلديث" :قال له ذلك حني أمره باالقتصاد يف العمل ،فكل
اخلري يف اجتهاد باقتصاد ،وإخالص مقرون باالتباع ،كما قال بعض الصحابة( :اقتصاد يف سبيل وسنة،
خ ري من اجته اد يف خالف س بيل وس نة) ،فاحرص وا أن تك ون أعم الكم على منه اج األنبي اء -عليهم
السالم -وسنتهم".
وملا دخل املسجد رأى حبالً ممدوداً بني ساريتني ،فقال(( :ما هذا الحب!ل؟)) قالوا :هذا حبل لزينب،
رواه البخ اري ليصل أحدكم نشاطه ،فإذا فتر فليقع!!د)).
ِّ فإذا فرتت تعلَّقت به ،فقال النيب (( :ال..حلُّوه،
ومسلم.
8
انظ ر إىل التش ريع(( :ليص!!ل أح!!دكم نش!!اطه ،ف!!إذا ف!!تر فليرق!!د)) ألن ه الب د للنفس من ف رتات لل رتويح،
وليس ذلك باملعصية كما يظن كثري من الناس فيقول :ساعة وس اعة .أي :ساعة لقلبك وساعة لربك،
وإذا قلت ل ه :م اذا تقصد بس اعة لقلب ك؟ يق ول :أهلو وأمسر وأقض ي ال وقت أم ام املسلس الت املس لية وإن
كانت يف املعاصي!! ال طبعاً!
وإمنا ساعة وساعة تفهم من حديث حنظلة ( :ملا قابل الصديق ،وقال له :نافق حنظلة ،قال :ومم
ذاك؟ قال :نكون عند رسول اهلل فيذكرنا باجلنة والنار حىت كأهنا رأي عني ،فإذا عدنا إىل األوالد أو
إىل ال بيوت عافس نا األزواج واألوالد والض يعات ونس ينا كث رياً ،فق ال أب و بك ر :واهلل إين ألج د م ا جتد،
فانطلقا إىل احلبيب ،وقال حنظلة :نافق حنظلة يا رسول اهلل! قال(( :مم ذاك؟)) فأخربه مبا قال أليب
بكر ،فقال املصطفى(( :ي!!ا حنظل!!ة! وال!!ذي نفس!!ي بي!!ده ل!!و ت!!دومون على الحال!!ة ال!!تي تكون!!ون به!!ا
عن!!دي ،لص!!افحتكم المالئك!!ة على فرش!!كم وفي الطرق!!ات ،ولكن س!!اعة وس!!اعة!)) .أي :ساعة تبكي
فيه ا العي ون ،وختض ل فيه ا اللحى ،وس اعة ع ودوا فيه ا إىل األزواج ف داعبوا الزوج ات وداعب وا األوالد
والبنني والبنات ،واهتموا بالضيعات أي :بالتجارة واألعمال ،وال مانع من ذلك على اإلطالق .هذا هو
معىن احلديث(( :ساعة وساعة) ) أي :ساعة للرب جل وعال .لآلخرة ،وساعة للدنيا ،أما أن يقال :ساعة
لقلبك وساعة لربك ،وأن تقضي ساعة القلب يف معصية اهلل فهذا ال يرضي اهلل جل وعال.
فيجب علينا املداومة على الطاعات ومنها:
المحافظ!!ة على الص!!لوات الخمس جماع!!ة وخصوص!!ا ص!!الة الفج!!ر :فنحن أثبتن ا ألنفس نا يف .1
رمض ان أنن ا ق ادرون على أداء ص الة اجلماع ة يف املس جد وق ادرون على ص الة الفج ر يومي اً،
فلنحافظ بعد رمضان على الصلوات يف املسجد قدر استطاعتنا ،فإن مل نستطع فلتكن يف أول
9
الوقت مع السنن الراتب ة يف أي مكان أنت فيه ،حاول أال تؤخرها وال تدع فرصة للشيطان،
ُأثبُت على ذلك.
القرآن :ال تكن ممن يقرأ القرآن يف رمضان فقط ،فالقرآن ُأنزل لنتلوه يف رمضان وغري رمضان .2
...فأنت استطعت أن تقرأ كل يوم جزءاً أو جزئني أو ثالث واجتهدت يف ذلك وخصصت
وقتاً لذلك من يومك ،فحاول أن جتعل لنفسك ورداً يومي اً ثابت اً من القرآن ولو صفحةً واحد ًة
يومياً (وَأثبت للشيطان أنك فعالً تغريت).
ذكر اهلل :اجتهد بعد رمضان على أن حتافظ على أذكار الصباح واملساء وأذكار النوم ،وأذكار .3
اخلروج من املنزل ،استغل وقت فراغك يف العمل أو ذهابك إليه بذكر اهلل.
قيام الليل :كما ال حترم نفسك أيض اً من قيام الليل ولو يوم اً واحداً يف األسبوع وملعرفة فضل .4
قيام الليل وأثره طالع أحد الكتب أو قم بزيارة املواقع اإلسالمية واحبث عن فضل قيام الليل.
الصوم :أيض اً هناك صيام االثنني واخلميس واأليام البيض من كل شهر هجري ،اخرت لنفسك .5
ث تغي رياً يف حيات ك بع د رمض ان إىل األحس ن، ِ
م ا تس تطيع فعل ه من الطاع ات املهم أن حُت د َ
وانتصر على نفسك وشيطانك.
رابعاً :قراءة القرآن بتدبر وتعقل:
فإن القرآن يهدي لليت هي أقوم ،وهو وسيلة من وسائل الثبات والتثبيت على املداومة على العمل الصاحل،
وه و ال ذي رىب األم ة وأدهبا ،وزكى منه ا النف وس ،وص فى الق رائح ،وأعلى اهلمم ،وغ رس اإلميان يف
األفئدة ،ويف قراءت ه تث بيت لقلب الق ارئ املت دبر ملا يق رأ؛ ألن ه يق رأ آي ات ال رتغيب يف العم ل الص احل،
ِ ِ ِ
!ول
ت َفَي ُق! َ والرتهيب من ترك ه كقول ه تع اىلَ :وَأنف ُق!!وا من َّما َر َزقْنَ!!ا ُكم ِّمن َق ْب! ِ!ل َأن يَ!ْأت َي َ
َأح! َد ُك ُم ال َْم! ْ!و ُ
َأص َّد َق وَأ ُكن ِّمن َّ ِ ِ ِ
س!ا ِإ َذا َج!!اء َ
َأجلُ َه!!ا ين * َولَن ُيَؤ خ َّ
ِّر اللهُ َن ْف ً
َ الصالح َ َ يب فَ َّ َ ب لَ ْواَل َأخ َّْرتَني ِإلَى َ
َأج ٍل قَ ِر ٍ َر ِّ
10
افقون.)11-10: (املن !ير بِ َ!م ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !!ا َت ْع َملُ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! !!و َن. ِ
َواللَّهُ َخب! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ! ٌ
ِ
الموت: خامساً :اإلكثار من تذكر
فقد أرشد النيب إىل اإلكثار من ذكر املوت فقال(( :أكثروا من ذكر ِ
هاذم الل!!ذات)) أي املوت ،فمن َ
أكثر من ذكر املوت نَ َش ط يف عمله ،ومل يغرت بطول أمله؛ بل يبادر باألعمال قبل نزول أجله ،وحيذر من
الركون إىل الدنيا .فإنك إذا علمت أن أقرب غائب تنتظره هو املوت حرصت على أن تستغل كل ساعة
من عم رك يف طاع ة املل ك ج ل وعال ،ف ذكر نفس ك أيه ا احلبيب هبذا الغ ائب الق ريب ،وق ل لنفس ك :ي ا
نفس قد أزف الرحيل وأظلك اخلطب اجلليل ،فتأهيب يا نفس ال يلعب بك األمل الطويل ،فلتنزلن مبنزل
ينسى اخلليل به اخلليل ،ولريكنب عليك فيه من الثرى محل ثقيل ،قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز وال الذليل،
د( .ق.)19: ت ِم ْنهُ تَ ِحي ُ ْح ِّق ذَلِ َ
ك َما ُك ْن َ ِ
ت َس ْك َرةُ ال َْم ْوت بِال َ
اء ْ
َ و َج َ
لقي الفضيل بن عياض رجالً فسأله الفضيل عن عمره :كم عمرك؟ قال :ستون سنة ،قال الفضيل :إذاً
أنت منذ ستني سنة تسري إىل اهلل توشك أن تصل ،فقال له الرجل :إنا هلل وإنا إليه راجعون ،فقال الفضيل:
ي ا أخي! ه ل ع رفت معناه ا؟ ق ال :نعم .ع رفت أين هلل عب د وأين إىل اهلل راج ع .فق ال الفض يل :ي ا أخي!
فمن عرف أنه هلل عبد وأنه إىل اهلل راجع ،عرف أنه موقوف بني يديه ،ومن عرف أنه موقوف عرف أنه
مس ؤول ،ومن عرف أنه مسؤول فليُ َّ
عِد للسؤال جواب اً ،فبكى الرجل وقال :يا فضيل! وما احليلة؟ قال
الفضيل :يسرية ،قال :ما هي يرمحك اهلل؟ قال :أن تتقي اهلل فيما بقي ،يغفر اهلل لك ما قد مضى وما قد
بقي.
سادساً :الدعاء وسؤال اهلل الثبات ،واالستمرار على العمل الصالح:
11
إن من أعظم األسباب اليت تعينك على املداومة على العمل الصاحل :أن تستعني بامللك جل وعال ،فإن من
أعانه اهلل فهو املعان ،ومن خذله اهلل فهو املخذول ،فاطلب العون من اهلل أن يسددك وأن يؤيدك ويوفقك
للعمل الصاحل الذي يرضيه.
وبنَ!ا
غ ُقلُ َ
فإن اهلل قد أثىن على الراسخني يف العلم أهنم يسألون رهبم الثبات على اهلدايةَ :ر َّبنَ!ا الَ تُ! ِز ْ
َّاب( .آل عمران.)8 :
َأنت ال َْوه ُ
ك َ ب لَنَا ِمن لَّ ُد َ
نك َر ْح َمةً ِإنَّ َ َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيَتنَا َو َه ْ
وكان يكثر يف دعاءه أن يقول(( :يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)).
وأوصى معاذ بن جبل بأن يدعو بعد كل صالة أن يعينه ربه على ذكره وشكره ،فعن معاذ بن
جب ل أن رس ول اهلل أخ ذ بي ده وق ال(( :ي!!ا مع!!اذ واهلل إني ألحب!!ك ،واهلل إني ألحب!!ك)) ،فق ال:
!دع َّن في دب!!ر ك!!ل ص!!الة تق!!ول :اللهم أعنِّي على ذك!!رك ،وش!!كرك ،وحس!!ن
((أوص!!يك ي!!ا مع!!اذ :ال ت! َ
عبادتك)).
علي،
علي ،وانص !!رني وال تنص !!ر َّ
وعن ابن عب اس أن رس ول اهلل ك ان ي دعو(( :رب أعنِّي وال تعن َّ
علي)).
وامكر لي وال تمكر َّ
فالتوفيق والعون من اهلل وحده ،وقد أحسن من قال:
فأول ما جيين عليه اجتهاده إذا مل يكن عون من اهلل للفىت
فاطلب العون من اهلل ،وقل له :اللهم أعين على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ،واطرح قلبك بني يدي
اهلل ،واعرتف له بفقرك وضعفك وعجزك وتقصريك ،وقل :يا رب! لو ختليت عين بفضلك ورمحتك طرفة
عني هللكت وضللت ،ال حول يل وال قوة يل إال حبولك وقوتك وصولك ومددك .فإن من أعانه اهلل فهو
املعان ،ومن خذله اهلل فهو املخذول ،فاطلب من اهلل أن يعينك على العمل الصاحل الذي يرضيه.
12
وهناك الكثري من اآليات واألحاديث يف فضل الدعاء ومكانته فاحرص بعد رمضان على الدعاء ،أم ليس
لك عند اهلل حاجة بعد رمضان ،فكلنا فقراء إىل اهلل وهو الغين احلميد ،فخصص وقت اً للدعاء يومي اً ولو
لدقيقتني بعد أي صالة أو اجعله يف آخر يومك ،املهم أن ال مير يوم دون أن تدعو ،واسأل اهلل أن يثبتك
على الطاعة.
سابعاً :البعد عن المعاصي:
فإن املعصية جتر إىل أختها ،ومن عقوباهتا أهنا :حترم العبد لذة العبادة ،فتكون مدعاة لرتك العمل.
ثامناً :الصحبة الصالحة:
يق ول الن يب (( :الم !!رء على دين خليل !!ه ،فلْيَنظ !!ر أح ! ُدكم َمن يُخال !!ل))؛ فالص حبة الص احلة من أعظم
العوامل املؤثِّرة يف الثبات على الطَّاعة.
ف اخرت من يعين ك على طاع ة اهلل ،ف املرء على دين خليل ه واألخالء بعض هم يومئذ لبعض ع دو إال املتقني،
حذرك ودلَّك
بعض ه بعض اً ،فاخرت صاحباً إذا رأى منك معصية َّ واملؤمن للمؤمن كالبنيان املرصوص ُّ
يشد ُ
يشد على يديه ،فان ِو
حسن اخلُلُق فصدي ُقك يريد أيض اً صاحباً ُّ
على طريق اخلري ،وكما تريد أنت صديقاً َ
اخلري يف نفسك لتنال ما تريد.
خامساً :ثمرات المداومة على العمل الصالح:
من احملفزات اليت تدفع املسلم إىل املداومة والثبات على الطاعة ما يلي:
أنها سبب لدخول الجنة وحسن الخاتمة: -1
َأن النَّيِب َّ قَ َ
ال ه ا ه و بالل بني ي دي الن يب يف اجلن ة .ج اء يف الص حيحني عن أيب هري رة َّ
ص اَل ِة الْ َف ْج ِر(( :يَ !!ا بِاَل ُل َح! ِّ!دثْنِي بِ!! َْأر َجى َع َم! ٍ!ل َع ِملْتَ !!هُ فِي اِإْل ْس!!اَل ِم ،فَ!!ِإ نِّي َس!! ِم ْع ُ ِ ٍ ِ
فت َد َّ لبِاَل ل عْن َد َ
ت َع َمالً َْأر َجى ِعْن ِدي َأيِّن مَلْ َأتَطَ َّه ْر ِ
الَ :م ا َعم ْل ُ ْجن َِّة)) .قَ َ
ي في ال َ
ك [أي :حتريك نعليك] بين ي َد َّ ِ
َْ َ َ َن ْعلَْي َ
13
ِ ِ طُه وراً يِف س ِ
ُأص لِّ َي .ويف رواي ة ص حيحة ك الطُّ ُه و ِر َم ا ُكت َ
ب يِل َأ ْن َ ص لَّْي ُ
ت بِ َذل َ اعة لَْي ٍل َْأو َن َه ا ٍر ِإاَّل َ
َ َ ُ
قط إال صليت ركعتني ،وما أصابين حدث قط إال توضأت عندها نت ُّ
للرتمذي :أن بالالً قال :ما أذَّ ُ
علي ركعتني.
ورأيت أن هلل َّ
وق د أف اد احلديث :أن اهلل تع اىل حيب املداوم ة على العم ل الص احل وإن ك ان قليالً ،وأن ه جيزي عامل ه
بدخول اجلنة .فإن املؤمن مىت ما اشتدت عزميته على فعل اخلريات ،واالنكفاف عن السيئات ،وفقه اهلل
!اة ال! ُّ!د ْنيَا َوفِي ِ!
اآلخ َر ِة ت فِي الْحي! ِ
ََ
ت اللَّهُ الَّ ِذين آمنُوا بِالْ َقو ِل الثَّابِ ِ
ْ َ َ حلسن اخلامتة ،كما قال تعاىلُ :يثَبِّ ُ
ين َو َي ْف َع ُل اللَّهُ َما يَ َ ِِ ِ
شاءُ( .إبراهيم.)27: َويُض ُّل اللَّهُ الظَّالم َ
ويقول رسول اهلل (( :إنما األعمال بالخواتيم)).
يقول احلافظ ابن كثري :لقد أجرى اهلل الكرمي عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه ،ومن
مات على شيء بعث عليه؛ فإن عشت على طاعة وعلى عمل صاحل اقتضى عدل اهلل أن يتوفاك على
ذات الطاعة ونفس العمل الصاحل ،فإن مت على هذه الطاعة بعثت على ذات الطاعة؛ لقول النيب
يف صحيح مسلم من حديث جابر (( :يبعث كل عب!د على م!ا م!ات علي!ه)) .ويقول احلبيب :
((إذا أراد اهلل بعبد خ!يراً اس!!تعمله)) قيل :كيف يستعمله يا رسول اهلل؟ قال(( :يوفق!!ه لعم!!ل ص!الح
ثم يقبض !!ه علي !!ه)) .اللهم اس تعملنا لطاعت ك ي ا رب الع املني! ه ذا ه و االس تعمال :إذا وفقت للعم ل
الصاحل وداومت عليه ،قبضت على هذا العمل الصاحل وعلى نفس الطاعة ،وبعثت على نفس الطاعة.
سبب لمحبة اهلل تعالى للعبد ،وكفى بها ثمرةً وكرامة: -2
ال :من ع ِ ِ
ب، ْح ْر ِ ول اللَّ ِه ِ(( :إ َّن اللَّهَ قَ َ َ ْ َ َ
ادى لي َوليًّا َف َق ْد آذَ ْنتُهُ بِ!!ال َ ال َر ُس ُ
ال :قَ َ فع ْن َأيِب ُهَر ْيَرةَ قَ ََ
َّوافِ! ِ!ل ال َع ْب! ِ!دي َيَت َق! َّ!ر ُ ِ ت َعلَْي ِهَ ،و َما َي! َ!ز ُ ب ِإلَ َّي ِم َّما ا ْفَت َر ْ وما َت َق َّرب ِإلَي عب ِدي بِ َ ٍ
ب ِإلَ َّي بالن َ ضُ َأح َّ
ش ْيء َ َ َّ َ ْ ََ
ش بِ َه!!ا، ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ص َرهُ الَّذي ُي ْبص ُر بِهَ ،ويَ َدهُ الَّتي َي ْبط ُ ت َس ْم َعهُ الَّذي يَ ْس َم ُع بِه ،وبَ َ َحتَّى ُأحبَّهُ ،فَِإ َذا ْ
َأحبَْبتُهُ ُك ْن ُ
14
ت َع ْن َش! ْي ٍء َأنَ!!ا و ِرجلَ!!ه الَّتِي يم ِش!ي بِه!!ا ،وِإ ْن س!َألَنِي ُأَل ْع ِطينَّه ،ولَِئن اس!تعاذَنِي ِ
ُأَلعي َذنَّهَُ ،و َم!!ا َت! َ!ر َّد ْد ُ َ ُ َ ْ ْ ََ َ َ َ َْ َ ْ ُ
اءتَهُ)) .رواه البخاري.
ت َوَأنَا َأ ْك َرهُ َم َ
سَ س ال ُْمْؤ ِم ِن ،يَ ْك َرهُ ال َْم ْو َ ُّدي َع ْن َن ْف ِ َ
فَ ِ
اعلُهُ َترد ِ
ُأحبَّهُ)) دلي ل على أن املداوم ة ال عب! ! ! ِ!دي يت َق! ! ! َّ!رب ِإلَ َّي بِالنَّوافِ! ! ! ِ!ل حتَّى ِ
َ َ ََ ُ ((و َم! ! !!ا َي! ! ! َ!ز ُ َ ْ
ويف قول ه َ :
سبب حملبة اهلل تعاىل للعبد.
واالستمرار على العمل الصاحلٌ ،
أنها سبب لتكفير الخطايا واآلثام: -3
َأح ِد ُك ْم َي ْغتَ ِس ُل
اب ََأن َن ْهرا بِبَ ِ
((َأر َْأيتُ ْم لَ ْو َّ ً
الَ : ول اللَّ ِه قَ َ ففي الصحيحني عن أيب هريرة َّ
َأن َر ُس َ
نِه َش ْيءٌ. وسخ ِه] َشيء؟)) قَالُوا :اَل يب َقى ِمن در ِ ات ،هل يب َقى ِمن َدرنِِه [أي ِ
ْ َ ِم ْنهُ ُك َّل يوٍم َخمس م َّر ٍ
ْ ََ َْ ٌْ ْ َ َْ َْ ْ َ َ
س ،يَ ْم ُحو اللَّهُ بِ ِه َّن الْ َخطَايَا)). الصلَو ِ
ات الْ َخ ْم ِ ال(( :فَ َذلِ َ
ك َمثَ ُل َّ َ قَ َ
وعن أيب هري رة ق ال :ق ال رس ول اهلل (( :من ق!!ال :س!!بحان اهلل وبحم!!ده في ي!!وم مائ!!ة م!!رة،
متفق عليه. ُحطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).
أنها سبب للنجاة من الكرب والشدائد في الدنيا واآلخرة: -4
ول اللَّ ِه
ف رس ِ
ت َخ ْل َ َ ُ ثبت عند أمحد والرتمذي من حديث ابن عباس -رضي اهلل عنهما -قالُ :كْن ُ
اح َف ْظ اللَّهَ تَ ِج ْدهُ تُ َج َ اح َف ْظ اللَّهَ يَ ْح َفظ َ ك َكلِم ٍ ال(( :يَا غُاَل ُم ِإنِّي َ
ك …)). اه َ ْكْ ، اتْ ، ُأعلِّ ُم َ َ َي ْوماً َف َق َ
ويف زيادة صحيحة عند أمحد(( :تعرف إلى اهلل في الرخاء يعرفك في الشدة)).
ومعىن هذا :أن العبد املؤمن مبداومته على العمل الصاحل يف حال الرخاء تكون بينه وبني اهلل تعاىل صلة
ومعرفة ،تنفعه وتنجيه مىت ما وقع يف شيء من الشدائد.
فها هو يونس خيرج من بني قومه بعد أن يئس منهم ،ويركب البحر ،فتضطرب األمواج ،ويستهم
القوم ليلقوا أحدهم يف البحر ،فكلما أجروا القرعة خرجت على يونس ،فألقوه يف البحر ،فريسل اهلل
15
احلوت فيلتقم ه ،ويتلفت ي ونس ف إذا ه و وحي ٌد يف بطن احلوت :فن!!ادى في الظلم!!ات أن ال إل!!ه إال
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
نق ل ابن كث ري يف تفس ريه :من طري ق ابن أيب ح امت عن أنس ( :أن ي ونس ملا ق ال :فن! !!ادى في
ف بالعرش،
الظلمات أن ال إله إال أنت س!!بحانك إني كنت من الظ!!المين ،أقبلت هذه الدعوة حَتُ ُّ
فقالت املالئكة :يا رب ،صوت ضعيف معروف ،من بالد غريبة؟ فقال :أما تعرفون ذاك؟ قالوا :ال يا
ربن ا ،ومن ه و؟ ق ال :عب دي ي ونس .ق الوا :عب دك ي ونس ال ذي مل ي زل يَرف ُع ل ه عمالً متقبالً ،ودع و ًة
فَأمَر
جمابة؟ قال :نعم ،قالوا :يا رب أفال ترحم ما كان يصنع يف الرخاء ،فتنجيَ ه يف البالء؟ قال :بلىَ ،
احلوت فطرحه يف العراء).
َ
قال تعاىل :فلوال أنه كان من المس!بحين! للبث في بطن!ه إلى ي!!وم يبعث!!ون .واملعىن :لوال ما تقدم
له من العمل يف الرخاء ،كما اختاره ابن جرير.
كرات املوت ليس ت مبض مونة ،والقيام ةَ فيه اوأنت اآلن يف الرخ اء ،ت ذكر أن ال دنيا غ ري مأمون ة ،وس ِ
النفوس مغبونة .فاعمل يف الرخاء ما ينجيك من الش ّد ِة ويكفيك املؤونة بعد رمحة اهلل تعاىل.
األمن من الحسرة عند المرض أو السفر: -5
رض أو س فرُ ،كتِب ل ه م ا ك ان
إن العبد إذا ك ان يداوم على العم ل الص احل ،مث عرض ل ه ع ذر من م ٍ
يعمل حال صحته وإقامته.
فقد روى البخاري عن أيب موسى األشعري قال :قال رس ول اهلل (( :إذا مرض العبد أو س!!افر
ُكتِب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)).
فمنِع منها ،وكانت نيَّتُه لوال املانع أن يدوم عليها.
قال ابن حجر :هذا يف حق من كان يعمل طاعةً ُ
16
وعن عائشة -رضي اهلل عنها -أن رسول اهلل قال(( :ما من امرىء تكون ل!!ه ص!!الةٌ بلي!!ل ،فغَلَبَ!!ه
رواه أبو داود والنسائي. ب اهلل له أجر صالته ،وكان نومه صدقةً عليه)).
عليها نوم ،إال َكتَ َ
وعمل يداوم
ٌ ورد حيافظ عليه،
وهذا الفضل من اهلل تعاىل ،إمنا يكون هذا أيها األحبة ،فيمن كان له ٌ
عليه.
فيا من عرفت الطريق الصحيح يف رمضان ،فال تتنكب الطريق ،عرفت فالزم ،ذقت احلالوة فالزم ،من
ذاق عرف ،ومن عرف اغرتف ،فاقرتب من اخلري واقرتب من الفضل .فالعمر قصري واملوت قريب.
ولئن كنا ودعنا مومساً عظيماً من مواسم الطاعة والعبادة ،فإن اهلل تعاىل شرع لنا من النوافل والقربات
ما هتنأ به نفوسنا ،وتقر به عيوننا ،ويزيد يف أجورنا وقربنا من ربنا .كصيام الست من شوال ،وقيام
الليل وصالة الوتر ،واملداومة على السنن الرواتب قبل الصالة وبعدها ،وقراءة القرآن الكرمي ،واحملافظة
على األوراد واألذكار.
وب األنص اري أن الن يب ق ال(( :من ص !!ام
روى اإلم ام مس لم يف ص حيحه من ح ديث أيب أي َ
رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)).
أعانن ا اهلل وإي اكم على الطاع ات ،وختم أعمارن ا بالباقي ات الص احلات ،ومجعن ا يف أع ايل اجلن ات ،إن ه
جواد كرمي.
17