You are on page 1of 75

1

2
‫مقدمة‬
‫ِك َف ْل َي ْف َر ُحوا )) !!‬
‫(( َف ِب َذل َ‬

‫احلمد هلل الذي جعل الصيام ُج َّنة ‪..‬‬


‫ً‬
‫موصال إىل ا َ‬
‫جل َّنة ‪..‬‬ ‫ً‬
‫وسببا‬
‫ورياض ًة للنفوس املطمئنة ‪..‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ،‬وأن حممداً عبده ورسوله ‪..‬‬
‫صل عليه وعلى آله وصحبه أمجعني ‪...‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫أما بعد‪...‬‬
‫جاء رمضان !!!‬
‫ما أعذبها من كلمة !! وما أر ّقها من عبارة !!‬
‫جاء رمضان !!!‬
‫يعجز عن التعبري البيان ‪ ،‬وختالط القلب عربات الوجدان !!‬
‫ت ُع الصدر سكينة وحبوراً !!‬
‫القلب فرح ًة وسروراً !! و ُي رَْ‬
‫ُ‬ ‫يطري‬
‫ي َم ُع َ‬
‫ون }‬ ‫ما جَْ‬
‫ي مِ َّ‬ ‫وصدق الكريم ‪ُ { :‬ق ْل ِب َف ْض ِل اللهَِّ َو ِب َر مْ َ‬
‫ح ِت ِه َف ِب َذ ِل َك َف ْل َي ْف َر ُحوا ُه َو َخ رٌْ‬
‫[ سورة يونس‪.. ]58:‬‬
‫نعم ‪ُ ..‬ح َّق لكل مؤمن أن يفرح كل الفرح ‪ ،‬وأن يعيش حلظات هانئة سعيدة ‪..‬‬
‫كيف ال !! وها قد أقبل عليه اخلري من كل مكان ‪ ..‬وأتاه الفضل من امللك‬
‫الد ّيان ؟!!‬
‫وإني أدعوك أخي ‪ ..‬بكل احلب والوفاء ‪ ..‬واألخوة والصفاء ‪..‬‬
‫أن تعيد النظر يف برنامج حياتك ‪ ..‬ومسرية يومك وليلتك ‪..‬‬
‫أدعوك‪ ..‬إىل تأمل أوضاعك ‪ ..‬ومراجعة نفسك قبل أن تفوتك الفرصة ‪..‬‬
‫فال تنتبه إال وقدانقضت أيام شهرك ‪..‬‬

‫‪3‬‬
‫وتؤخر ُأخرى ‪ ..‬مل تفعل ً‬
‫شيئا مما كنت‬ ‫ال ّ‬ ‫وأنت تراوح مكانك ‪ ..‬تقدم ر ْج ً‬
‫ِ‬
‫تأمله من اخلريات ‪ ..‬ومل تقدم ً‬
‫شيئا مما كنت ترجوه من القربات ‪..‬‬
‫ً‬
‫وعونا لك على ما ترجوه من‬ ‫أردت من خالل هذه الرسالة أن أكون سنداً‬
‫وقد ُ‬
‫استغالل شهر رمضان املبارك ‪ ..‬الذي وفقك اهلل وأطال يف عمرك حتى أدركته‬
‫وبلغته‪..‬‬
‫وحكم منشورات ‪ ..‬وآللئ‬
‫ٍ‬ ‫ري مقتطفات ‪..‬‬
‫عبارات خمتصرات ‪ ..‬وأزاه َ‬
‫ٍ‬ ‫وقد جعلتها‬
‫منثورات ‪ ..‬حتى تستمتع بها ‪ ..‬شاكراً لك اطالعك عليها ‪ ..‬وإصغاءك إليها ‪..‬‬

‫أسأل اهلل مبنه وكرمه أن جيعل شهرنا هذا شاهداً لنا ال علينا ‪..‬‬
‫وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ‪..‬‬
‫ِّ‬
‫وصل اللهم وسلم على عبدك وحبيبك حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪..‬‬
‫حمبكم‪ :‬حممد بن سليمان احمليسين ‪..‬‬

‫‪4‬‬
‫أتدري ماذا يعني بلوغك‬

‫؟!!‬
‫أخي الغالي ‪...‬‬
‫يوما فضل من أدرك (( شهر رمضان )) ؟!‬ ‫أما خطر ببالك ً‬
‫يوما يف ِع َظم ثواب من قدَّر اهلل له إدراك هذا الشهر املبارك ؟!‬ ‫أما تفكرت ً‬
‫ولتكتمل فرحتك إن كنت من املدركني أتركك مع هذه القصة ‪..‬‬
‫اس ُت ْش ِه َد‬ ‫َو ْ‬ ‫ب‬ ‫اع َة َأ ْسلَ َما َم َع َّ‬
‫الن يِ ِّ‬ ‫ض َ‬ ‫ان َر ُجلاَ ِن ِم ْن َبلِ ٍّي ِم ْن ُق َ‬
‫كَ‬ ‫ال ‪َ « :‬‬ ‫عن أبي هريرة َق َ‬
‫يت الجْ َ َّن َة َف َر َأ ْي ُت ِفي َها المُْ َؤ َّخ َر‬
‫ال َط ْل َح ُة ْب ُن ُع َب ْي ِد اللهَِّ َف ُأ ِر ُ‬‫َأ َح ُد ُه َما َو ُأ ِّخ َر الآْ َخ ُر َس َن ًة َق َ‬
‫َأ ْو‬ ‫ك ْر ُت َذ ِل َك ِل َر ُس ِ‬
‫ول اللهَِّ‬ ‫يد َف َع ِج ْب ُت ِل َذ ِل َك َف َأ ْص َب ْح ُت َف َذ َ‬ ‫الش ِه ِ‬‫ْخ َل َق ْب َل َّ‬ ‫ِم ْن ُه َما ُأد ِ‬
‫صلَّى‬ ‫ان َو َ‬ ‫ضَ‬ ‫صا َم َب ْع َد ُه َر َم َ‬ ‫س َق ْد َ‬ ‫َأ َل ْي َ‬ ‫ول اللهَِّ‬‫ال َر ُس ُ‬ ‫َف َق َ‬ ‫ك َر َذ ِل َك ِل َر ُس ِ‬
‫ول اللهَِّ‬ ‫ُذ ِ‬
‫الس َن ِة» {رواه أمحد وغريه‪ ،‬وصححه‬ ‫صلاَ َة َّ‬ ‫ك َع ًة َ‬ ‫ك َذا َر ْ‬ ‫ك َذا َو َ‬ ‫ك َع ٍة َأ ْو َ‬‫ِس َّت َة آلاَ ِف َر ْ‬
‫األلباني وأمحد شاكر}‪.‬‬
‫واآلن ‪ ..‬أتدري ماذا يعين بلوغك (( شهر رمضان )) ؟!!‬
‫يعين بلوغك (( شهر رمضان ))‪:‬‬
‫أياما من عمرك وأبواب اجلنة مفتوحة!! وأبواب النار مغلقة !!‬ ‫أنك ستعيش ً‬
‫بل !! ومردة الشياطني ُم َغلَّة !!‬
‫يعين بلوغك (( شهر رمضان )) ‪:‬‬
‫أنك ستعيش أيام نزول الرمحات والنفحات‪ ،‬والعتق من النار !!‬
‫فما أعظم فضل اهلل عليك !! وما أكث َر ِن َع َم ُه لديك !!!‬
‫رمضان مضى ‪ ،‬وهم اآلن يتوسدون القبور ؟!!‬ ‫ٍ‬ ‫فكم من إخوة لنا كانوا معنا يف‬
‫نسأل اهلل هلم الرمحة والغفران ‪..‬‬
‫بل ‪ ...‬كم من إخوة لنا جاءتهم هذه األيام وهم يف شهواتهم غارقون ؟!!‪..‬‬
‫‪5‬‬
‫ويف هلوهم سادرون ؟!!‪..‬‬
‫ً‬
‫هياما بالكرة‬ ‫منهم من افتنت بالفضائيات واملسلسالت !!‪ ..‬ومنهم من زاغ عقله‬
‫واملباريات !!‪..‬‬
‫فذهبت أيام شبابه هدراً ‪ ..‬وامتأل قلبه ظلمة وكدراً !!‬
‫ودخل عليه الشهر وخرج ‪ ..‬وما ترقى يف الفضائل وال درج !!‬
‫فيا أيها السعيد حبلول ضيفك ! سل نفسك ‪ :‬كيف ستستقبله ؟!‬
‫وبأي شيء ستقضي أيامه ولياليه ؟!‬
‫بلَّغين اهلل وإياك رمضان سنني عديدة ‪..‬‬
‫وأحيانا به وبالصاحلات حياة سعيدة ‪..‬‬

‫‪6‬‬
‫مرحبًا‬

‫حبيبــا زارنـا يف ِّ‬


‫كــل عـــا ْم‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وسهال بالصيا ْم *** يا‬ ‫مرحبا ً‬
‫أهال‬ ‫ً‬
‫حب يف سوى املوىل حرا ْم‬ ‫كل ٍّ‬‫ُّ‬ ‫ــــــم ***‬
‫حبـب ُمـفـعـَ ٍ‬
‫قد لقينـــــاك ٍّ‬
‫أخي احلبيب ‪...‬‬
‫يا لفرحة املسلمني بتلك األيام اليت تتكرر عليهم يف كل عام !!‬
‫ً‬
‫فرحا !!‬ ‫ً‬
‫اشتياقا !! ويهيمون بها‬ ‫فيذوبون هلا‬
‫بل ‪ ..‬وي ْفدونها بأرواحهم وأنفسهم !!‬
‫أخي ‪ ..‬أليس من نعمة اهلل على املسلم أن مت ّر به يف كل عام أيام ‪..‬‬
‫حييا فيها مع نفسه حياة ختتلف عن تلك األيام اليت تعودها يف بقية أيامه ؟!‬
‫الفرحة‪ ..‬بهذه األيام اجلميلة (( أيام شهر رمضان )) ليست فرحة خاصة بالكبار‬
‫وحدهم ‪..‬‬
‫حيسون بتلك الفرحة !!‬
‫بل‪ ..‬حتى أولئك الصغار الذين مل ُيفرض عليهم الصيام ّ‬
‫أخي‪ ..‬إن (( أيام شهر رمضان )) أيا ٌم هلا طعمها اخلاص ‪ ..‬ونكهتها اخلاصة ‪..‬‬
‫ً‬
‫سائغا ‪..‬‬ ‫ً‬
‫شهيا ‪..‬‬ ‫ويومها ستجد طعم هذه األيام يف مذاقك ‪ ..‬حلواً ‪ ..‬لذيذاً ‪..‬‬
‫أيا ٌم تتكرر ‪ ..‬وشهور تتواىل ‪ ..‬وسنني تتعاقب ‪..‬‬
‫ويف كلها جتد هذا الشهر املبارك ينشر عبريه يف األيام ‪ ..‬وهذه الشهور ‪ ..‬والسنني ‪..‬‬
‫وإن شئت فقل ‪ :‬ويف اإلنسان !!‬

‫‪7‬‬
‫ذاك هو (( شهر رمضان )) ‪ ..‬شهر الصرب ‪ ..‬شهر القرآن ‪ ..‬شهر التوبة ‪..‬‬
‫شهر الرمحة ‪ ..‬شهر الغفران ‪ ..‬شهر اإلحسان ‪ ..‬شهر الدعاء ‪..‬‬
‫شهر العتق من النريان ‪..‬‬
‫فهل أعـددت فرحة بقـدوم شهـر القـرآن ؟!‬
‫أخي الغالي ‪...‬‬
‫ها هي األيام تبعث بالبشرى بقدوم الشهر املبارك ‪ ..‬وتنثر بني يديه أنواع الزهور ‪..‬‬
‫لتقول للعباد‪ :‬أتاكم شهر الرمحة والغفران فماذا أعددمت له ؟!‬

‫‪8‬‬
‫يهنئ أصحابه !!‬

‫أخي احلبيب ‪ ...‬هناك ‪...‬‬


‫ويف مدينة النيب صلى اهلل عليه وسلم !! ويف كل عام !!‬
‫ُت َز ُّف البشرى ألولئك األطهار من الصحابة (رضي اهلل عنهم) ‪..‬‬
‫ما أعذبها من حلظة تلك حينما ُيعلن عن رؤية هالل (( شهر رمضان )) !!‬
‫وما أسعدها من ساعة حينما تهنئ غريك أو يهنئك غريك ببلوغ رمضان‪..‬‬
‫ألصحابه ‪..‬‬ ‫فها هي املنحة اإلهلية ‪ ..‬والبشرى النبوية ‪ ..‬يزفها النيب‬
‫ويهنئهم بقوله ‪:‬‬
‫(( أتاكم رمضان ‪ ..‬شهر مبارك ‪ ..‬فرض اهلل عليكم صيامه ‪ ..‬تفتح فيه أبواب السماء‬
‫! وتغلق فيه أبواب اجلحيم ! و ُت َغ ُّل فيه مردة الشياطني ! هلل فيه ليلة خري من ألف شهر !‬
‫ريها فقد ُحرم ! )) ‪[ ..‬رواه النسائي والبيهقي ‪ :‬صحيح الرتغيب ‪. ])985( :‬‬ ‫من ُحرم خ َ‬
‫قال اإلمام ابن رجب (رمحه اهلل) ‪:‬‬
‫ً‬
‫بعضا بشهر رمضان ‪..‬‬ ‫( هذا احلديث ٌ‬
‫أصل يف تهنئة الناس بعضهم‬
‫املؤمن بفتح أبواب اجلنان ؟!‬
‫ُ‬ ‫كيف ال يـَُب َّشر‬
‫املذنب بغلق أبواب النريان ؟!‬
‫ُ‬ ‫كيف ال يـَُب َّشر‬
‫ُ‬
‫العاقل بوقت يغل فيه الشياطني ؟!) ‪..‬‬ ‫كيف ال يـَُب َّشر‬

‫‪9‬‬
‫أخي ‪ ...‬تلك هي البشرى اليت عمل هلا العاملون ‪ّ ..‬‬
‫ومشر هلا املشمرون ‪..‬‬
‫وفرح بقدومها املؤمنون ‪ ..‬وتنافس فيها املتنافسون ‪..‬‬
‫وع ُظم سروره بقدوم شهر رمضان ‪..‬‬‫‪َ ..‬‬ ‫اشتد فرح النيب‬
‫أخي ‪ ...‬لقد َّ‬
‫فأعلَ َن فرحه بقدومه ألصحابه ‪ّ ..‬‬
‫وبشرهم وه ّنأهم بقدوم ِه ‪..‬‬
‫ّ‬
‫وذكرهم مبيزاته وفضائله ‪..‬‬
‫أخي ‪ ...‬فأين فرحتك ؟!‬
‫أين ابتسامتك واستبشارك وأنت ترى األيام تدنو منك رويداً ‪ ..‬رويداً ‪..‬‬
‫لتضع بني يديك فرحة كل مسلم ‪ ..‬إنه ‪ (( ..‬شهر رمضان )) ؟!‬
‫يا له من شهر مبارك !!‬
‫حتن ‪..‬‬
‫(قلوب املتقني إىل هذا الشهر ُّ‬
‫ومن أمل فراقه تئن !! ) ‪ [ ...‬اإلمام ابن رجب ] ‪..‬‬

‫‪10‬‬
‫(( واسألوا اهلل من فضله )) !!‬
‫أخي املسلم ‪...‬‬
‫يا لبشرى املدركني لشهر الغفران ‪..‬‬
‫يا لبشرى املشتاقني لشهر القرآن ‪..‬‬
‫يا لبشرى املستبشرين بشهر الرمحات ‪..‬‬
‫يا لبشرى الفرحني مبوسم الطاعات ‪..‬‬
‫ً‬
‫ومجاال ‪..‬‬ ‫أليام كساها رب العباد مهاب ًة ‪ ..‬وبها ًء ‪..‬‬
‫يا لبشرى املش ّمرين ٍ‬
‫ً‬
‫طويال ليـبلغهم (( شهر‬ ‫ً‬
‫زمانا‬ ‫أخي ‪ ..‬هل علمت أن الصاحلني كانوا يدعون اهلل‬
‫رمضان )) ؟!!‬
‫قال ُمعلّى بن الفضل (رمحه اهلل) ‪:‬‬
‫( كانوا يدعون اهلل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ! ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبله‬
‫منهم !! )‪.‬‬
‫وقال حييى بن أبي كثري (رمحه اهلل) ‪:‬‬
‫( كان من دعائهم ‪ :‬اللهم سلّمين إىل رمضان ‪ ..‬وسلّم لي رمضان ‪ ..‬وتسلّمه من‬
‫ً‬
‫متقبال ) !!‬
‫أخي ‪ ...‬وأنت ‪ ..‬فاد ُع اهلل كدعائهم ‪ ..‬واستبشر كاستبشارهم ‪..‬‬
‫واسأله سبحانه من فضله كما سألوه ‪..‬‬
‫لعله أن يشملك بنفحات رمضان ‪ ..‬فيغفر لك ذنبك ‪..‬‬
‫وخيرجك من رمضان وقد أعتقك من النار!!‬

‫‪11‬‬
‫ظ ْـر))‬ ‫الم َع َلـى َ‬
‫ش ْه ِر َنـا ا ْل ُم ْن َت َ‬ ‫((س ٌ‬
‫َ‬

‫ـب ا ْل ُقلُ ْو ِب مَِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫السـ َهــ ْر‬‫سيـْ ِر َّ‬ ‫َسـال ٌم َعلـــى َش ْه ِر َنـا المُْنـَْتظــ ْر ** َح ِب ْي ِ‬
‫كضـَـ ْو ِء ا ْلـقـَمـَـ ْر‬ ‫َســال ٌم َعلَـى لـَْيـلِــ ِه مـُ ْـذ َب َ‬
‫ـــــــدا ** محُ َ َّيـا ُه َي ْز ُه ْو َ‬
‫او ْي ِح َشهـْ ِـر ا ْل ِع َبـــ ْر‬ ‫ــر رََّ‬
‫الت ِ‬ ‫ـام ** َو َشـهـْ ِ‬‫الص َي ِ‬ ‫َف َأ ْهال َو َس ْهال ِب َش ْه ِـر ِّ‬
‫كم مخُْ لـص راكع ساجـد ** دَعـا َ‬
‫َّكـ ْر‬ ‫اهلل حِينْ َ ا ْر َع َوى َواد َ‬ ‫َ‬ ‫َف َ ْ ِ ٍ َ ِ ٍ َ ِ ِ ٍ‬
‫ـطــ ْر‬ ‫ضاهـِـي المَْ َ‬ ‫ــد ْمــع َغ ِز ْي ٍر ُي َ‬ ‫َّ‬ ‫ك ْم َخ ِ‬ ‫َو َ‬
‫الح ** ِب َ ٍ‬ ‫اش ٍع فيِ الل َيا ِلي المِْ ِ‬
‫الد َعــا ِء َي ِفـي ِبا ْلـ َو َطـــ ْر‬ ‫ــام ** َو َش ْهـ ُر ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يـام َوش ْهـ ُر ال ِق َي ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫َف َش ْه ُر ِّ‬
‫ـــر َّ‬
‫الــز َهــــ ْر‬ ‫ْ‬
‫ـــر ** َو َن ْف َح ِة ُجو ٍد َو ِعـط ِ‬ ‫ـــذا ُه ِبنـَ ْفـحــَـ ِة خـَْي ٍ‬ ‫َأ َتـا َنـــا َش َ‬
‫صــا َر َع شـَيـْ َطــا َنـ ُه فـَانـْتـَصـَـ ْر‬ ‫ك َّف َع ْـن َذ ْن ِبـ ِه ** َو َ‬ ‫ـب َ‬ ‫ك ْم ُم ْذ ِن ٍ‬ ‫َف َ‬
‫الس َحــــ ْر‬ ‫ــد اإل َزا َر َو َأ ْحيـــَـا َّ‬ ‫ـــل َه َّب ِم ْـن َر ْق َ‬
‫ــــد ٍة ** َف َش َّ‬ ‫ك ْم َغا ِف ٍ‬ ‫َو َ‬
‫ـــذ ُق فـــِـي ِآيــــ ِه َوالســـُّـ َو ْر‬ ‫صـ ْو ٍت َر ِخ ْي ٍـم ** َويــُ ْح ِ‬ ‫اب ِب َ‬ ‫ك َت َ‬ ‫َو َي ْتلُو ا ْل ِ‬
‫كـ ْر‬ ‫ضيء ا ْل ِف َ‬ ‫ك ِّل َنا ٍد ُت ِ‬ ‫ُعـــا ًء ** َو ِف ْـي ُ‬ ‫س ْعنــَـا د َ‬‫ك ِّل َب ْي ٍت مَِ‬ ‫َوفيِْ ُ‬
‫ـجـــ ْر‬‫الص ُخ ْو َر ُي ِذ ْي ُب الحْ َ َ‬ ‫ـــب ** َي ُه ُّد ُّ‬ ‫ـــت ِب َذ ْن ٍ‬ ‫إِلهَِ ْي فـَِإ ِّنـي ا ْبتــُلِــ ْي ُ‬
‫ـــت ا ْلبــَ َشــ ْر‬
‫ك ِـر ْيـــ ٌم ** َحلِ ْي ٌم َع ِظ ْيــ ٌم َه َد ْي َ‬ ‫َو َأ ْن َت َرحـِْيــ ٌم عــَ ُف ٌّ‬
‫ـــو َ‬
‫ـــد َك َي ْد ُعــــ ْو ** ِب َق ْل ٍب َخ ُش ْو ٍع َش ِديـــْ ِد الخْ َ ــــ َو ْر‬ ‫هل ْـي َف َع ْب ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ف َعف ًوا إِ ِ‬
‫ــــات َس َقـــــ ْر‬‫ــــي ُم ْو ِج َب ِ‬ ‫َف َه ْب ِل ْي ُذ ُن ْو ِب ْي َو ُج ْد ِل ْي ِب َع ْف ٍو ** جُ َ‬
‫ي ّنــُِبـــ ِن ْ‬

‫‪12‬‬
‫(( َع َز َم ِ‬
‫ات الكرام في شهر الصيام )) !!‬

‫يقول املتنيب ‪:‬‬


‫على قدر أهل العزم تأتي العزائ ُم *** وتأتي على قدر الكرام املكار ُم‬
‫ويقول آخر ‪:‬‬
‫كنت ذا رأي فكن ذا عزمي ٍة *** فإن فساد الرأي أن ترتددا‬ ‫َ‬ ‫إذا‬
‫تتقيدا‬
‫عاجال *** فإن فساد العزم أن َّ‬‫ً‬ ‫ْ‬
‫فأنفذ ُه‬ ‫عزم‬
‫كنت ذا ٍ‬
‫َ‬ ‫وإن‬
‫أخي احلبيب ‪..‬‬
‫صاف وعزم‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫كامال الستقبال (( شهر رمضان )) بقلب‬ ‫اعلم أن إعداد القلب إعداداً‬
‫صادق وقلب خملص هلل تعاىل ‪ ..‬هو عنوان النجاح ‪ ..‬ومبتدأ الفالح ‪..‬‬
‫ً‬
‫صادقا بني يدي صومك ؟!‬ ‫ً‬
‫وعزما‬ ‫فهل أعددت نية‬
‫هل حبثت يف قلبك وأنت تستقبل رمضان ‪ ..‬لتعرف عزمه وصدقه ورمضان ُي ُّ‬
‫طل‬
‫عليك ؟!‬
‫ري هم أولئك الذين يدخلون يف رمضان بغري نية صادقة !!‬
‫أخي ‪ ..‬كث ٌ‬
‫وال أعين نية الصوم !! فهذه النية ميلكها كل صائم ‪..‬‬
‫ولكن أخي ‪..‬‬
‫هل عزمت على صدق العبادة يف هذا الشهر املبارك ؟؟‬
‫هل عزمت على أن تفتح مع اهلل صفح ًة بيضاء نقية ؟؟‬
‫هل عزمت على أن تكون أقرب شيء إىل اهلل يف رمضان ؟؟‬
‫ً‬
‫مفتاحا لتغيري حياتك ؟؟‬ ‫هل عزمت أن جتعل هذا الشهر‬

‫‪13‬‬
‫هل استحضرت هذا العزم القوي قبل صومك ؟؟‬
‫أخي ‪ ..‬تفكريك يف تكاليف رمضان ‪ ..‬وإعدادك ملا يلزم من طعام ‪..‬‬
‫اهلم يشاركك فيه الكثريون !!‬
‫هذا ُّ‬
‫ولكن ‪ ..‬إعدادك لغذاء الروح وتفكريك يف تزكية نفسك واإلقبال على ربك يف‬
‫هذا الشهر املبارك ‪ ..‬هو اإلعداد النافع الستقبال شهر رمضان !!‬
‫فه ّيئ اإلخالص الصادق والعزم األكيد وأنت تستقبل شهر صومك ‪..‬‬
‫واستحضر النية اجلازمة احلازمة على التوقيع على صفحة بيضاء ناصعة ‪..‬‬
‫لتمألها باألعمال الصاحلة ‪ ..‬الصافية من شوائب املعاصي ‪..‬‬
‫تشبه صفاء ونصاعة هذا الشهر املبارك ‪ (( ..‬شهر رمضان )) ‪..‬‬

‫‪14‬‬
‫(( إخالصك في رمضان ))‬
‫(‪)1‬‬
‫أثر الصيام يف تصفية النيات !!‬
‫للهََّ‬
‫ين )) [البينة‪.. ]5:‬‬ ‫ني َل ُه ِّ‬
‫الد َ‬ ‫ص َ‬‫قال تعاىل ‪َ (( :‬و َما ُأ ِم ُروا إِ َّال ِل َي ْع ُب ُدوا ا مخُْ لِ ِ‬
‫قال ‪ :‬يقول اهلل تعاىل ‪ (( :‬كل عمل‬ ‫عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل‬
‫ت ُك َط َعا َم ُه َو َش َرا َب ُه َو َش ْه َو َت ُه ِم ْن‬
‫ابن آدم له ‪ ..‬إال الصوم ‪ ..‬فإنه لي وأنا أجزي به ‪َ ..‬ي رُْ‬
‫َأ ْجلِى )) [رواه البخاري] ‪..‬‬
‫يقول القرطيب (رمحه اهلل) ‪ ( :‬ملا كانت األعمال يدخلها الرياء‪ ،‬والصوم ال َّ‬
‫يطلع‬
‫عليه مبجرد فعله إال اهلل ‪ ،‬فأضافه اهلل إىل نفسه ‪ ..‬وهلذا قال يف هذا احلديث ‪:‬‬
‫(( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )) !!‬
‫وقال اإلمام أمحد (رمحه اهلل) ‪ ( :‬ال رياء يف الصوم ‪ ..‬فال يدخله الرياء يف فعله ‪َ ..‬من‬
‫ك ِّدر عليه ‪ ..‬و َمن أحسن يف ليله كوفئ يف نهاره ‪ ..‬ومن‬ ‫ك َّدر ُ‬
‫ص ّفي له ‪ ..‬ومن َ‬ ‫َّ‬
‫صفى ُ‬
‫أحسن يف نهاره كوفئ يف ليله ‪ ..‬وإمنا ُيكال للعبد كما كال ) !!‬
‫أجل وأعظم العبادات اليت تربي يف نفوسنا حسن‬ ‫أخي‪ ..‬ال شك أن الصيام من ّ‬
‫القصد هلل ‪ ..‬و تصحيح النية وإخالصها له سبحانه ‪ ..‬و التوجه الكامل إليه ‪..‬‬
‫فما أمجل الصيام حني جنين من مثراته اإلخالص !!‬
‫وما أمجل العبادات عندما نريد بها وجه اهلل تعاىل !!‬
‫قال أبو سليمان الداراني (رمحه اهلل)‪:‬‬
‫(إذا أخلص العبد‪ ..‬انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء)‬
‫سر النجاح ‪ ..‬وعنوان التوفيق والفالح !!‬
‫أخي ‪ ..‬إن (( اإلخالص)) ُّ‬
‫كيف ال ‪ ..‬وهو ترك النظر للمخلوقني بدوام النظر إىل اخلالق ومراقبته ؟؟‬

‫‪15‬‬
‫يقول األستاذ أبو القاسم القشريي ‪:‬‬
‫( اإلخالص‪ :‬إفراد احلق سبحانه يف الطاعة بالقصد ‪ ..‬وهو‪ :‬أنه يريد بطاعته‬
‫التقرب إىل اهلل سبحانه دون أي شيء آخر‪ِ ..‬من ُّ‬
‫تصن ٍع ملخلوق ‪ ..‬أو اكتساب محَْ َمد ٍة‬
‫مدح من اخللق ‪ ..‬أو معنى من املعاني سوى التقرب به إىل اهلل‬
‫عند الناس ‪ ..‬أو حمب ِة ٍ‬
‫تعاىل ‪ ..‬ويصح أن يقال‪ :‬اإلخالص ‪ :‬تصفي ُة الفعل من مالحظة املخلوقني ) !!‬
‫نعم أخي ‪ ..‬إنه اإلخالص الذي نعاني من فقدانه يف معظم عباداتنا ‪ ..‬ونبحث عنه يف‬
‫كل أعمالنا فال نكاد جنده !!‬
‫اإلخالص الذي هو سر بني العبد وربه ‪ ..‬ال ّ‬
‫يطلع عليه َملَك فيكتبه ‪ ..‬أو شيطان‬
‫فيفسده ‪ ..‬أو هوى ف ُيميله !!‬
‫فاحذر أن ُيلهيك الشيطان عن إخالصك يف شهر رمضان ‪..‬‬
‫فتبوء باخليبة واخلسران !!‬
‫يقول ابن القيم (رمحه اهلل) ‪ ( :‬العمل بغري إخالص وال اقتداء ‪ ..‬كاملسافر ميأل‬
‫جرابه ً‬
‫رمال ُيثقله وال ينفعه ) !!‬
‫فالعمل بال إخالص ال يستفيد منه صاحبه يف دنياه وال ُأخراه ‪ ..‬ومن خذالن اهلل له‬
‫أنه ال ُيوفقه للمداومة على العمل ‪..‬‬
‫قال ابن تيمية (رمحه اهلل) ‪ ( :‬وكل ما مل يكن هلل ال ينفع وال يدوم ) !!‬
‫إن اإلسالم يرفض الثنائية املقيتة ‪ ..‬واالزدواجية البغيضة ‪ ..‬أن يعيش املسلم بوجهني ‪:‬‬
‫وجه هلل ‪ ..‬ووجه للناس ‪ ..‬وال أن تنقسم حياته إىل شطرين ‪ :‬شطر هلل وشطر‬
‫للطاغوت!!‬
‫الش ْر ِك َم ْن َع ِم َل َع َملاً َأ ْش َر َك ِفي ِه‬
‫كا ِء َع ْن ِّ‬ ‫ال اللهَُّ َت َبا َر َك َو َت َعالىَ ‪َ (( :‬أ َنا َأ ْغ َنى ُّ‬
‫الش َر َ‬ ‫َق َ‬
‫ك ُت ُه َو ِش ْر َ‬
‫ك ُه )) [ رواه مسلم ] ‪.‬‬ ‫َم ِعي َغ رْ ِ‬
‫يي َت َر ْ‬

‫‪16‬‬
‫بل إنه سبحانه يفضح املرائي و ُيس ّمع به أمام اخلالئق ‪..‬‬
‫‪:‬‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ول اللهَِّ‬ ‫ال ‪َ :‬ق َ‬ ‫اس َق َ‬ ‫ف َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫س َع اللهَُّ ِب ِه َو َم ْن َرا َءى َرا َءى اللهَُّ ِب ِه )) ‪ [ .‬رواه مسلم ] ‪.‬‬
‫س َع مَ َّ‬‫(( َم ْن مَ َّ‬
‫واحذر أخي الشرك اخلفي ( الرياء ) !! فإن قوله تعاىل ‪ (( :‬فمن كان يرجو لقاء ربه‬
‫أحدا )) نزل فيمن يقصد بعبادته وجه اهلل‬‫حلا وال يشرك بعبادة ربه ً‬ ‫عمال صا ً‬ ‫ً‬ ‫فليعمل‬
‫ومحد الناس ً‬
‫معا !!‬

‫فكن حذ ًرا مشف ًقا‪ ..‬فإن اسم الشرك يقع على القليل والكثري منه ‪ ..‬وإن من‬
‫الشرك ما ال يشعر به صاحبه ‪ ..‬ألنه أخفى من دبيب النمل !!‬
‫فقد يظن العبد نفسه من األبرار املخلصني ‪ ..‬بينما هو من الفجار املشركني !!‬
‫ولذا كان من الدعاء النبوي ‪:‬‬
‫(( اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ‪ ..‬وأستغفرك ملا ال أعلم )) !!‬
‫نسأل اهلل أن جيرينا من الشرك خف ّيه وجل ّيه ‪ ..‬وأن يوفقنا إىل اإلخالص يف القول‬
‫والعمل ‪..‬‬

‫‪17‬‬
‫(( إخالصك في رمضان ))‬
‫(‪)2‬‬
‫اجعل بينك وبني اهلل خبيئة !!‬
‫قال الفالس ‪ ( ..‬مسعت ابن أبي عدي يقول ‪ :‬صام داود بن أبي هند أربعني سنة ال‬
‫يعلم به أهله ‪ ..‬كان خ ّزازاً ‪ ..‬حيمل غداءه معه ‪ ..‬فيتصدق به يف الطريق ويرجع‬
‫ً‬
‫عشيا فيفطر معهم ‪..‬‬
‫فيظن أهل السوق أنه قد أكل يف البيت ‪ ..‬ويظن أهله أنه قد أكل يف السوق ) !!‬
‫وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ‪ ..‬وخيفي ذلك ‪ ..‬فإذا كان عند الصبح رفع‬
‫صوته كأنه قام تلك الساعة!!‬
‫وهذا حسان بن أبي سنان تقول عنه زوجته ‪ :‬كان جييء فيدخل فراشي ثم‬
‫خيادعين كما ختادع املرأة صب ّيها‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا أبا عبداهلل‪ ..‬كم تعذب نفسك!!‬
‫أرفق بنفسك ‪..‬‬
‫ً‬
‫زمانا !!!‬ ‫وحيك !! اسكيت ‪ ..‬فيوشك أن أرقد رقدة ال أقوم منها‬‫ِ‬ ‫فقال ‪:‬‬
‫وانظر إىل إخالص زين العابدين علي بن احلسني رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫ظل فقراء املدينة عشرة سنوات جيدون طعامهم أمام بيوتهم وهم ال يدرون من الذي‬
‫يطعمهم إال يوم مات زين العابدين ‪ ..‬حيث انقطع الطعام عنهم !!‬
‫فلما أرادوا أن يغسلوا زين العابدين وجدوا يف ظهره أثر سواد ‪..‬‬
‫وكان ذلك من أثر محل الطعام على ظهره إىل بيوت الفقراء ً‬
‫ليال !!‬
‫ناس حمتاجون يف‬
‫فالحظ الفرق أخي بني هؤالء وبني من يقول لزمالئه ‪ :‬هناك ٌ‬
‫تيسر !!‬
‫ذهبت إليهم ورأيت حاهلم ‪ ..‬وأعطيتهم ما ّ‬
‫ُ‬ ‫املكان الفالني ‪ ..‬وقد‬

‫‪18‬‬
‫بل تأ ّمل إخالصهم يف اجلهاد ‪:‬‬
‫فعن عبده بن سليمان قال ‪:‬‬
‫( ُ‬
‫ك ّنا يف سر ّية مع عبد اهلل بن املبارك يف بالد الروم ‪ ..‬فصادمنا العدو ‪..‬‬
‫فلما التقى الص ّفان خرج رجل من العد ّو ‪ ..‬فدعا إىل املبارزة ‪..‬‬
‫رجل فطارده ساعة ‪ ..‬فطعنه العلج فقتله ‪ ..‬ثم آخر فقتله العلج ‪..‬‬ ‫فخرج إليه ٌ‬
‫ثم آخر فقتله العلج !!‬
‫ثم دعا إىل الرباز فخرج إليه رجل من املسلمني ‪ ..‬فطارده ساعة فطعنه املسلم فقتله ‪..‬‬
‫فازدحم الناس عليه ‪ ..‬فكنت فيمن ازدحم عليه ‪ ..‬فإذا هو ُمل ِّث ٌم وج َه ُه ُ‬
‫بك ّمه ‪..‬‬
‫فأخذت بطرف ُ‬
‫ك ّمه فمدد ُته ‪ ..‬وكشفت اللثام عن وجهه ‪..‬‬ ‫ُ‬
‫فإذا هو عبد اهلل بن املبارك !!‬
‫فقال ‪ :‬وأنت يا أبا عمر ممن ُيش ّنع علينا ؟؟ ) !!!‬
‫قال اإلمام ابن اجلوزي ‪ ( :‬فانظروا رمحكم اهلل إىل هذا السيد املخلص ‪ ..‬كيف‬
‫خاف على إخالصه برؤية الناس له ومدحهم له ‪ ..‬فسرت نفسه ) !!‬
‫ابن املبارك إال خببيئ ٍة كانت له ) !!‬ ‫ولذا قال اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ( :‬ما رفع ُ‬
‫اهلل َ‬
‫أخي ‪ ..‬إن الطاعات اليت ال يطلع عليها األنام ‪ ..‬والبكاء والتضرع يف جنح الظالم ‪..‬‬
‫هي اليت يرفع اهلل بها ذكرك ‪ ..‬و ُيعلي قدرك ‪ ..‬يف ملكوت السماء واألرض !!‬
‫ً‬
‫سبيال ‪ ..‬رمبا يكون بني‬ ‫كان الربيع ابن ُخثيم خيفي عباداته ما استطاع إىل ذلك‬
‫يديه املصحف يقرأ فيه ‪ ..‬فإذا دخل عليه أح ٌد غطاه بثوبه لئال يعلم بقراءته !!‬
‫فس َّما ُأخ ِف َي لهَُم ِمن‬
‫قال ابن كثري رمحه اهلل عند تفسري قوله تعاىل ‪َ (( :‬فلاَ َتعلَ ُم َن ٌ‬
‫ً‬
‫وفاقا ‪ ..‬فإن‬ ‫ُق َّر ِة َأعْينُ ٍ )) ‪ ( :‬لـ ّما أخفوا أعماهلم أخفى اهلل هلم من الثواب ‪ ..‬جزاء‬
‫اجلزاء من جنس العمل ) !!‬

‫‪19‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم ‪ُ (( :‬ر َّب أشعث أغرب ‪ ..‬ذي طمرين ‪ ..‬ال ُيؤ َب ُه له ‪ ..‬لو أقسم‬
‫حسن صحي ٌح أخرجه الرتمذي ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألبره ‪ ..‬منهم الرباء بن مالك ))‬
‫على اهلل َّ‬
‫أخي ‪ ..‬جدّد العزم واإلخالص بقولك ‪َّ (( :‬إي َ‬
‫اك َنع ُب ُد )) !!‬
‫اك َنس َت ِع ُ‬
‫ني )) !!‬ ‫والتربي من احلول والقوة بقولك ‪َ (( :‬و َّإي َ‬ ‫ِّ‬ ‫وجدد العج َز واالحتياج‬
‫ّ‬
‫وتحَ َّقق هلل الفضل إذ وفقك لطاعته ‪ ..‬واستخدمك لعبادته ‪ ..‬وجعلك ً‬
‫أهال ملناجاته !!‬
‫لكنت من املخذولني احملرومني !!‬
‫َ‬ ‫ولو حرمك التوفيق‬
‫وعند هذا ينبغي أن يعرق جبي ُنك من اخلجل لكثرة عصيانك ‪ ..‬وقلة طاعاتك ‪..‬‬
‫فاغتنم حلول شهر رمضان ‪..‬‬
‫واجعل بينك وبينه خبيئ ًة من عمل صاحل ال يعلم به أح ٌد إال هو سبحانه ‪..‬‬
‫وداو ْم على هذا العمل ‪ ..‬وال تحُ دّث به نفسك بعد ذلك وال أحداً من الناس ‪..‬‬
‫ِ‬
‫استطعت عليه ‪..‬‬
‫َ‬ ‫قيام ٍ‬
‫ليل ‪ ..‬أو صدق ٍة جاري ٍة ‪ ..‬أو ما‬ ‫سوا ًء من صال ٍة ‪ ..‬أو ِ‬
‫فإنك ستجده بعد ذلك فيما تراه من التسديد والتيسري‪ ..‬والسرت واإلعانة ‪ ..‬والربكة‬
‫والتوفيق ‪ ..‬يف مواجهة عقبات احلياة ‪ ..‬و الفوز برضوان اهلل وحمبته !!‬
‫ً‬
‫سبيال إىل ما ترجوه أعظم من (( اإلخالص )) !!‬ ‫واعلم ً‬
‫يقينا أنك لن جتد‬
‫الر ِّب )) !!‬
‫غضب َّ‬
‫َ‬ ‫طفئ‬ ‫ص َدق َة ِّ‬
‫السر ُت ُ‬ ‫ويف احلديث ‪َّ (( :‬‬
‫إن َ‬

‫‪20‬‬
‫(( حاسب نفسك أو ً‬
‫ال !! ))‬

‫أشد‬ ‫قال ميمون بن مهران (رمحه اهلل) ‪ ( :‬ال يكون الرجل ً‬


‫تقيا حتى يكون لنفسه َّ‬
‫حماسبة من الشريك لشريكه ‪ ..‬وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه ؟؟ ) ‪..‬‬
‫أخي ‪ ..‬وأول عنوان سيقابلك يف ملف إصالح حالك مع اهلل يف رمضان هو ‪:‬‬
‫( حاسب نفسك ً‬
‫أوال! ) ‪..‬‬
‫فإذا جنحت يف أن متأل بيانات هذا العنوان مبا يستحقه ‪ ..‬انتقلت بكل ثقة إىل‬
‫عنوان آخر‪ ( :‬التوبة إىل اهلل تعاىل ) ‪..‬‬
‫ً‬
‫برهانا على صدقك يف العنوان األول ‪..‬‬ ‫ولن تنجح يف العنوان الثاني إال إذا قدَّمت‬
‫تص ُدق ً‬
‫أوال يف حماسبة نفسك !!‬ ‫ولذا حتى تكون توبتك صادقة ‪ ..‬فال بد أن ْ‬
‫قال عمر بن اخلطاب (رضي اهلل عنه) ‪:‬‬
‫( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحُ اسبوا ‪ ..‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ‪ ..‬فإنه أهون‬
‫عليكم يف احلساب غداً أن حتاسبوا أنفسكم ) !!‬
‫وقال الفضيل بن عياض (رمحه اهلل) ‪:‬‬
‫ً‬
‫موقفا بني يدي اهلل تعاىل ‪ ..‬واملنافق يغفل عن‬ ‫( املؤمن حياسب نفسه ‪ ..‬ويعلم أن له‬
‫نفسه ‪ ..‬فرحم اهلل عبداً نظر لنفسه قبل نزول ملك املوت به ) ‪..‬‬
‫أخي ‪ ..‬رمضان شهر الغفران ‪ ..‬فهل حاسبت نفسك من اآلن ما أنت صان ٌع فيه ؟؟‬
‫سرك ‪..‬‬
‫جدي ٌر بك أخي ‪ ..‬أن حتاسب نفسك يف ِّ‬
‫وأن تتفكر يف سرعة انقضاء شهرك ‪ ..‬بل ويف تص ّرم أيام عمرك ‪..‬‬
‫جد يف زمان فراغك وصحتك ‪ ..‬لوقت حاجتك وشدّتك ‪..‬‬
‫وأن تعمل بكل ٍّ‬
‫أدركت رمضان هذا ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫من علي الكريم حتى‬ ‫هلاَّ ُق َ‬
‫لت أخي ‪ :‬لقد َّ‬

‫‪21‬‬
‫فيا ُترى ماذا سأقدم فيه من الصاحلات ؟؟‬
‫وأين مكاني يف مضمار السباق إىل اخلريات ؟؟‬
‫وحثين عليه فقال ‪:‬‬ ‫أين مكاني وقد ناداني رب األرض والسموات إىل هذا السباق َّ‬
‫ض ُأ ِع َّد ْت‬ ‫َ‬ ‫ض َها َ‬ ‫ك ْم َو َج َّن ٍة َع ْر ُ‬ ‫(( َس ِاب ُقوا إِلىَ َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن َر ِّب ُ‬
‫الس َما ِء َواأل ْر ِ‬ ‫ض َّ‬ ‫ك َع ْر ِ‬
‫يم ))‬ ‫ظ‬‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ين آ َم ُنوا ِباللهَِّ َو ُر ُسلِ ِه َذ ِل َك َف ْض ُل اللهَِّ ُي ْؤ ِتي ِه َم ْن َي َشا ُء َواللهَُّ ُذو ا ْل َف ْض ِل ا ْ‬ ‫ِللَّ ِذ َ‬
‫ِ‬
‫[احلديد‪ ]21:‬؟؟‬
‫ك ْم َو َج َّن ٍة‬ ‫ار ُعوا إِلىَ َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن َر ِّب ُ‬
‫ودعاني إىل املسارعة إىل مغفرته فقال ‪َ (( :‬و َس ِ‬
‫ني )) [آل عمران‪ ]133:‬؟؟‬ ‫ض ُأ ِع َّد ْت ِل ْل ُم َّت ِق َ‬ ‫ات َو َ‬
‫األ ْر ُ‬ ‫الس َم َو ُ‬
‫ض َها َّ‬ ‫َع ْر ُ‬
‫مر‬
‫أخي ‪ ..‬هل سبق لك أن حاسبت نفسك حماسبة صادقة بني يدي كل رمضان َّ‬
‫عليك ؟!‬
‫وص ِح ْب ُت ُهم ‪َّ ..‬‬
‫فحدثونا‬ ‫َ‬ ‫رأيت نفراً من أصحاب النيب‬
‫قال عامر بن عبد قيس ‪ُ ( :‬‬
‫ً‬
‫إميانا يوم القيامة أشدُّهم حماسبة لنفسه يف الدنيا ) ‪..‬‬ ‫أن أصفى الناس‬
‫فحاسب نفسك أخي بني يدي صومك ‪..‬‬
‫صائما ً‬
‫حقا !!‬ ‫ً‬ ‫ليصفو لك شهرك ‪ ..‬ولتكون‬
‫أي نفع ‪..‬‬
‫ولكيال ميضي رمضان من بني يديك دون ِّ‬
‫ً‬
‫سراعا !!‬ ‫متر‬
‫تشاهد أيامه ولياليه ُّ‬
‫وأنت كاملشدوه ال تدري ما تفعل ‪ ..‬وال تنتبه إال وقد َف َجأك العيد ‪..‬‬
‫أو قل ‪َ ..‬ف َجأك املوت !!‬

‫‪22‬‬
‫(( َوأَ ِني ُبوا ِإ َلى َر ِّب ُك ْ‬
‫م ))‬
‫(‪)1‬‬
‫كيف أرجع إىل ربي ؟؟؟‬
‫قلت ألبي العتاهية ‪:‬‬
‫الغنوي قال ‪ُ :‬‬‫ّ‬ ‫عن أبي سلمة‬
‫ما الذي صرفك عن قول ال َغ َز ِل إىل ِ‬
‫قول ُّ‬
‫الزهد ؟‬
‫ربك ‪:‬‬‫قال ‪ :‬إذاً واهلل ُأخ ُ‬
‫إني ملّا ُ‬
‫قلت ‪:‬‬
‫ُ‬
‫واملـالالت‬
‫ِ‬ ‫الصــــد‬
‫َّ‬ ‫َأهــْ َد ْت َ‬
‫لي‬ ‫اهلل بيـين وبــني مـــوالتـــي‬
‫فكان ُهجرا ُنها ُمكافاتــــي‬ ‫صيت‬ ‫منح ُتها ُمهجيت وخا ِل َ‬
‫جـمـيــع جـاراتـــي‬
‫ِ‬ ‫ُأحــْ ُدو َث ًة يف‬ ‫هي َمنـى ُحبـُّهـا وصــ ّيــَ َرنـــي‬
‫َّ‬

‫رأيت يف املنام يف تلك الليلة كأن ً‬


‫آتيا أتاني ‪ ..‬فقال ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وجدت أحداً ُتدخله بينك وبني ُعتب َة – اجلارية اليت كان يحُ ُّبها ‪ -‬حيك ُم لك‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫عليها باملعصي ِة إال اهلل تعاىل ؟؟؟‬
‫فانتبهت مذعوراً ‪ ..‬و ُت ُ‬
‫بت إىل اهلل تعاىل ِمن قول ال َغ َزل ِمن تلك الساعة !!‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫عازما على فعل الصاحلات ‪..‬‬ ‫تائبا ‪ً ..‬‬
‫منيبا ‪..‬‬ ‫أخي ‪ ..‬إذا استقبلت شهر صومك ‪ً ..‬‬
‫فأنت يومها الفائز ً‬
‫حقا بثمرة الصوم !!‬
‫وأنت احلائز على نفحات هذا الشهر املبارك !!‬
‫يقول ‪ -‬كما يف صحيح مسلم عن األغ ّر بن‬ ‫ها هو سيد التائبني وإمام العابدين‬
‫يسار رضي اهلل عنه ‪: -‬‬
‫اس ‪ُ ،‬تو ُبوا إِلىَ اللهَِّ ‪َ ،‬ف ِإ ِّني َأ ُت ُ‬
‫وب إِ َل ْي ِه فيِ ا ْل َي ْو ِم ِما َئ َة َم َّرة )) !!‬ ‫(( َيا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬

‫‪23‬‬
‫يتوب وقد ُغفر له ما ّ‬
‫تقدم من ذنبه وما تأخر !!‬ ‫ها هو‬
‫واحد من آالف الذنوب ؟؟‬
‫ذنب ٍ‬ ‫فأين توب ُة من مل يضمن ُغفران ٍ‬
‫واليت هلا آثارها البليغ ُة يف قسوة القلوب ؟؟‬
‫رمضان شه ُر التجلِّيات ‪ ..‬وموسم اإلنابة والقربات ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫أخي ‪..‬‬
‫رقيقا ً‬
‫تائبا من أدران املعاصي فاتـتك سفينته ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫عـد لـه ً‬
‫قلبا‬ ‫فـإذا مل ُت َّ‬
‫حمروما ‪ ..‬حسرياً ‪ ..‬كسرياً !!‬
‫ً‬ ‫فوقفت على الشاطئ وحيداً ‪..‬‬
‫عن عون بن عبد اهلل قال ‪ ( :‬جالسوا الت ّوابني ‪ ..‬فإنهم أرق الناس ً‬
‫قلوبا ) !!‬
‫وعن أمحد بن عاصم قال ‪:‬‬
‫( هذه غنيم ٌة باردة ‪ :‬أصلِ ْح فيما بقي ‪ُ ..‬يغفر لك ما قد مضى ) !!‬
‫أخي ‪ ..‬ما أظنك نسيت أن ُت ِع َّد ميزانية شهر رمضان لألكل والشرب !!‬
‫ولكن قد تكون نسيت إعداد ميزانية ‪ ( :‬التوبة ) ‪ ..‬و ( االستغفار ) ‪..‬‬
‫و ( العمل الصاحل ) ‪ ..‬و ( الندم والدعاء ) !!‬
‫ً‬
‫قريبا منك ‪..‬‬ ‫فلتص ُد ْق أخي يف هذا الشهر مع الكريم سبحانه وتعاىل‪ ..‬جتده‬‫ْ‬
‫تظن وتؤ ّمل !!‬
‫أقرب مما كنت ّ‬

‫‪24‬‬
‫(( َوأَ ِني ُبوا ِإ َلى َر ِّب ُك ْ‬
‫م ))‬
‫(‪)2‬‬
‫ولكن ذنوبي كثرية !!!‬
‫بأن عف َوك أعظ ُم‬ ‫علمت َّ‬
‫ُ‬ ‫فلقــد‬ ‫رب إن َع ُظ َم ْ‬
‫ـت ذنوبي كثر ًة‬ ‫يا ُّ‬
‫فبمن يلــو ُذ ويستجيــ ُر اجملـــر ُم‬‫ٌ‬
‫حمسـن‬ ‫إن كـان ال يرجـوك إال‬
‫رددت يدي فمن ذا يرح ُم ؟‬ ‫عا فإذا َ‬ ‫تضر ً‬ ‫أمرت ُّ‬‫رب كما َ‬ ‫أدعوك ِّ‬
‫عفـــوك ثم إ ّن َي مســلــ ُم‬ ‫ُ‬
‫ومجــيل‬ ‫مالي إليك وسيــلـ ٌة إال َّ‬
‫الــرجـــــا‬
‫ِ‬
‫بأمه‬
‫مسرعا وهو يستغيث ويبكي ‪ ..‬وإذا ِّ‬ ‫ً‬ ‫بصيب خيرج من البيت‬ ‫ٍّ‬ ‫ُفتح الباب ‪ ..‬فإذا‬
‫مكبا على وجهه ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫خلفه ‪ ..‬فلما ابتعد أغلقت الباب ودخلت البيت ‪ ..‬ومضى الصيب‬
‫مكانا خرياً من البيت الذي ُأخرج منه‬
‫ً‬ ‫يد ِر أين يذهب ؟؟ فلم جيد له‬
‫ثم توقف ومل ْ‬
‫ً‬
‫حزينا ‪ ..‬لكنه وجد الباب‬ ‫‪ ..‬وال من يقبله ويؤيه غري والدته ‪ ..‬فرجع مكسور القلب‬
‫فتوسد عتبة الباب ‪ ،‬ووضع خدّه على الرتاب ونام !!‬ ‫ً‬
‫مغلقا ‪ّ ..‬‬
‫قلب األم ‪ ..‬ففتحت الباب لتبحث عن طفلها ‪ ..‬فرأته على‬ ‫مضت اللحظات ‪َ ..‬وتحَ َّر َك ُ‬
‫تلك احلال احملزنة ‪ ..‬فانتفض فؤادُها ‪ ..‬وثارت عاطفة الرمحة من أعماقها ‪ ..‬ف َر َمت‬
‫بنفسها عليه ‪ ..‬والتزمته وض ّمته وهي ُتق ّبله وتبكي وتقول ‪ :‬يا ولدي ‪ ..‬أين تذهب‬
‫عين ؟؟ من يؤويك سواي ؟؟‬
‫بلت عليه من الرمحة بك ‪..‬‬ ‫أمل أقل لك ‪ :‬ال ختالفين ‪ ..‬وال حتملين على خالف ما ُج ُ‬
‫والشفقة عليك ‪ ..‬وإرادتي اخلري لك ؟! ثم َأ َ‬
‫خذ ْت ُه ودخلت البيت !!‬
‫أخي ‪ ..‬انتبه جيداً ‪ ..‬هل تظن أن هذه األم أرحم بولدها من رمحة اهلل بك ؟؟‬
‫وح ّب ِه اخلري لك ؟؟ وقبول ِه لتوبتك ؟؟‬
‫ُ‬
‫عرفت رمحته بك وح ّب ُه لك !!!‬
‫َ‬ ‫عرفت اهلل وال‬
‫َ‬ ‫أغفلت هذا املعنى فما‬
‫َ‬ ‫كنت قد‬
‫َ‬ ‫لئن‬

‫‪25‬‬
‫ين َأ ْس َر ُفوا َعلَى‬‫كيف ‪ ..‬وهو الغفور الودود الذي يناديك ويقول ‪ُ (( :‬ق ْل َيا ِع َبا ِد َي َّال ِذ َ‬
‫وب جمَِ ي ًعا إِ َّن ُه ُه َو ا ْل َغ ُفو ُر َّ‬
‫الر ِحي ُم‬ ‫الذ ُن َ‬‫ح ِة اللهَِّ إِ َّن اللهََّ َي ْغ ِف ُر ُّ‬ ‫َأ ْن ُف ِس ِه ْم ال َت ْق َن ُطوا ِم ْن َر مْ َ‬
‫ون ))‬ ‫ص ُر َ‬ ‫اب ُث َّم ال ُت ْن َ‬ ‫ك ْم َو َأ ْسلِ ُموا َل ُه ِم ْن َق ْب ِل َأ ْن َي ْأ ِت َي ُ‬
‫ك ُم ا ْل َع َذ ُ‬ ‫َو َأ ِني ُبوا إِلىَ َر ِّب ُ‬
‫[الزمر‪ ]54 :53 :‬؟؟؟‬
‫‪ (( :‬والذي نفسي بيده لو مل ُت ْذ ِنبوا ‪ ..‬لذهب اهلل بكم ‪..‬‬ ‫وتأمل قول رسول اهلل‬ ‫َّ‬
‫بقوم يذنبون ‪ ..‬فيستغفرون اهلل ‪ ..‬فيغفر هلم !!! )) رواه مسلم ‪.‬‬
‫وجلاء ٍ‬
‫فإياك أخي ‪ ..‬إياك أن متاطل يف الرجوع إىل موالك ‪ ..‬إياك ثم إياك ‪ ..‬فهو واهلل يفرح‬
‫بتوبتك أشد الفرح ‪ ..‬ألنه حيبك ويرمحك ويريد أن يتوب عليك !!‬
‫ون‬ ‫يد َّال ِذ َ‬
‫ين َي َّت ِب ُع َ‬ ‫ك ْم َو ُي ِر ُ‬ ‫انظر إىل قول الرمحن الرحيم ‪َ (( :‬واللهَُّ ُي ِر ُ‬
‫يد َأ ْن َي ُت َ‬
‫وب َعلَ ْي ُ‬
‫ات َأ ْن تمَِ يلُوا َميْلاً َع ِظي ًما )) [النساء‪!! ]27:‬‬ ‫َّ‬
‫الش َه َو ِ‬
‫حاديا لكل من أراد القدوم على مواله ‪ ..‬واإلنابة والرجوع إليه ‪ ..‬مهما بلغ‬ ‫ً‬ ‫جتده‬
‫تقصريه ‪ ..‬وكثرت خطاياه !!‬

‫‪26‬‬
‫(( َوأَ ِني ُبوا ِإ َلى َر ِّب ُك ْ‬
‫م ))‬
‫(‪)3‬‬
‫ولكن ‪ ..‬أخشى أن أعود إىل الذنب ؟؟‬
‫أخي ‪ ..‬قد تتساءل فتقول ‪ :‬ما لي أتوب ثم أعود ؟؟‬
‫وقعت يف الذنب مر ًة أخرى !!‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عاهدت ربي على التوبة‬ ‫وكلما‬
‫أعد ً‬
‫واثقا من توبيت !!‬ ‫أعد أدري ماذا أصنع !! مل ُ‬
‫مل ُ‬
‫عن إبراهيم بن شيبان قال ‪:‬‬
‫كان عندنا شاب عب َد َ‬
‫اهلل عشرين سنة ‪ ..‬فأتاه الشيطان ‪ ..‬فقال له ‪ :‬يا هذا أعجلت‬ ‫ٌّ َ َ‬
‫يف التوبة والعبادة ‪ ..‬وتركت لذات الدنيا ‪ ..‬فلو رجعت ‪ ..‬فإن التوبة بني يديك !!!‬
‫قال ‪ :‬فرجع إىل ما كان عليه من َّ‬
‫لذات الدنيا !!!‬
‫يوما يف منزله قاعداً يف خلوة ‪َ ..‬‬
‫فذكر أيا َمه مع اهلل ‪ ..‬فحزن عليها ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬فكان ً‬
‫وقال ‪ :‬أ ُترى إن رجعت يقبلين ربي ؟؟؟‬
‫ً‬
‫مناديا يقول ‪:‬‬ ‫قال ‪ :‬فسمع‬
‫يا هذا ‪ ..‬عبدتنا فشكرناك ‪ ..‬وعصيتنا فأمهلناك ‪ ..‬وإن رجعت إلينا قبلناك !!!‬
‫وعن عاصم بن رجاء بن حيوة قال ‪ :‬كان عمر بن عبد العزيز خيطب فيقول ‪:‬‬
‫أمل بذنب فليستغفر اهلل وليتب ‪..‬‬ ‫( أيها الناس ‪ ..‬من َّ‬
‫فإن عاد فليستغفر اهلل وليتب ‪ ..‬فإن عاد فليستغفر اهلل وليتب ‪..‬‬
‫فإمنا هي خطايا مطوقة يف أعناق الرجال ‪ ..‬وإن اهلالك كل اهلالك اإلصرار‬
‫عليها )) !!‬
‫للهََّ‬ ‫اح َش ًة َأ ْو َظلَ ُموا َأ ْن ُف َس ُه ْم َذ َ‬
‫اس َت ْغ َف ُروا ِل ُذ ُن ِ‬
‫وب ِه ْم َو َم ْن‬ ‫ك ُروا ا َف ْ‬ ‫ين إِ َذا َف َعلُوا َف ِ‬
‫(( َو َّال ِذ َ‬
‫للهَُّ‬
‫ون )) [آل عمران‪.. ]135:‬‬ ‫ص ُّروا َعلَى َما َف َعلُوا َو ُه ْم َي ْعلَ ُم َ‬ ‫وب إِلاَّ ا َولمَْ ُي ِ‬ ‫الذ ُن َ‬
‫َي ْغ ِف ُر ُّ‬

‫‪27‬‬
‫كنت قد ُت َ‬
‫بت ثم انهزمت ‪ ..‬ورجعت إىل الذنب مرة أخرى ‪ ..‬فإياك أن‬ ‫َ‬ ‫أخي ‪ ..‬إذا‬
‫تيأس ‪ ..‬وإياك أن تستسلم وتقرر االستمرار يف الطريق اخلطأ ‪ ..‬بل ثابر وكابد‬
‫يطلع على حلظة صدق منك فيكتب لك بها التوفيق والثبات‬ ‫وجاهد ‪ ..‬فلعل اهلل أن ّ‬
‫والسعادة إىل األبد !!!‬
‫وكن على يقني أن اهلل سيعينك ‪ ..‬كيف ال ‪ ..‬وهو الذي يناديك كل ليلة عند الثلث‬
‫األخري من الليل ‪ (( ..‬يا عبادي ‪ ..‬هل من تائب فأتوب عليه )) ؟؟؟‬
‫وأما إذا أردت أن تعرف فرح الكريم سبحانه بقدومك عليه ورجوعك إليه‪..‬‬
‫‪:‬‬ ‫ومغفرته ألهل الذنوب يف رمضان ‪ ..‬فقف معي أخي عند قوله‬
‫ً‬
‫واحتسابا ُغفر له ما تقدم من ذنبه ‪ ..‬ومن قام رمضان‬ ‫ً‬
‫إميانا‬ ‫(( من صام رمضان‬
‫ً‬
‫واحتسابا ُغفر‬ ‫ً‬
‫إميانا‬ ‫ً‬
‫واحتسابا ُغفر له ما تقدم من ذنبه ‪ ..‬ومن قام ليلة القدر‬ ‫ً‬
‫إميانا‬
‫له ما تقدم من ذنبه )) [رواه البخاري ومسلم] ‪..‬‬
‫بل ‪ ..‬إن له يف كل يوم عتقاء من النار يف رمضان !! أفال تريد أن تكون منهم ؟؟؟‬
‫بلى ‪ ..‬أنت إن شاء اهلل منهم ‪ ..‬بفضله سبحانه ‪ ..‬فال تقنط وال تعجز ‪..‬‬
‫ك ْم ِبا ْل َف ْح َشا ِء َواللهَُّ َي ِع ُد ُ‬
‫ك ْم َم ْغ ِف َر ًة ِم ْن ُه َو َفضْلاً‬ ‫ك ُم ا ْل َف ْق َر َو َي ْأ ُم ُر ُ‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫ان َي ِع ُد ُ‬ ‫(( َّ‬
‫اس ٌع َعلِي ٌم )) !!‬ ‫للهَُّ‬
‫َوا َو ِ‬
‫وصل لربك ركعتني ‪ ..‬وتوسل بني‬ ‫أخي ‪ُ ..‬قم اآلن وانفض عنك غبار الذنوب ‪ ..‬توضأ ِّ‬
‫يديه ‪ ..‬وأعلن توبتك إليه ‪ ..‬وابك على خطيئتك ‪ ..‬وابدأ مشوارك مع اهلل‪ ..‬فالتوبة‬
‫رفيق املؤمنني ‪ ..‬وأنيس أولياء اهلل الصاحلني ‪ ..‬ورمضان موسم الرجوع إىل أرحم‬
‫الرامحني ‪..‬‬

‫‪28‬‬
‫(( احذر ‪ ..‬لصوص رمضان )) !!‬
‫انتبه ‪ ..‬فقد أجلبوا عليك خبيلهم َو َر ِجلِهم !!‬
‫ُ‬
‫كدت أقوى على كتابة هذا املوضوع ‪ ..‬فقد كنت أتردد وأقول لنفسي ‪:‬‬ ‫ما‬
‫وأحفا َد الصحابة أن ال ُيسرق منهم (( شهر رمضان )) وهم‬ ‫أأوصي أمة حممد‬
‫الذين يعرفون قيمته وقدره ؟؟‬
‫ولكن ما إن وقفت على استفتاء وأسئلة ُطرحت على فئات من اجملتمع‬
‫ً‬
‫وطالبا ‪ ..‬عن حاهلم وعن أوقاتهم يف (( شهر رمضان ))‬ ‫ً‬
‫رجاال ونساء ‪ ..‬موظفني‬
‫فجاءت االعرتافات اليت تؤكد أننا مل خُنطئ حني اخرتنا هذه العنوان ‪..‬‬
‫(( احذر ‪ ..‬لصوص رمضان )) !!‬
‫قائل ‪ :‬أقضي الليل أمام شاشات التلفاز ‪ ..‬وأطالع القنوات الفضائية حتى طلوع‬
‫فمن ٍ‬
‫الفجر مع بعض زمالئي !!‬
‫وقائل ‪ :‬إنه حتت أضواء املالعب ضمن سلسلة مباريات مقامة يف ليالي (( شهر‬
‫رمضان )) !!‬
‫وقائل ‪ :‬على موائد البلوت والورق يف اجملالس وعلى األرصفة !!‬
‫ُّ‬
‫بالتنزه يف احلدائق تارة ‪ ..‬ويف األسواق تارة !!‬ ‫وقائل ‪ :‬أقضي األوقات‬
‫ما إن وقفت على ذاك حتى وجدت بناني ختط هذه الوصية واألسى ُي ّ‬
‫قطع نياط‬
‫القلب ‪..‬‬
‫فالتفت مين ًة ويسرة ‪ ..‬فوجدت أن لصوص رمضان قد أجلبوا خبيلهم ورجلهم ‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫بل ‪ ..‬وبلغ بهم احلد أن أغلقوا بعض القنوات قبل رمضان استعداداً لإلثارة وإغواء‬
‫املسلمني وشغلهم عن ربهم يف لرمضان !!‬

‫‪29‬‬
‫قولوا بربكم ‪ :‬ماهو موسم الفوازير ؟؟ ‪ ..‬أليس رمضان؟؟!!‬
‫ما هو موسم املسلسالت الساخرة بديننا ؟؟ ‪ ..‬أليس رمضان؟؟!!‬
‫إىل اهلل املشتكى ما الذي جرى ‪ ..‬ألسنا أحفاد هؤالء الذين حيكي لنا معلى ابن‬
‫الفضل خربهم أنهم ‪ :‬كانوا يدعون اهلل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ‪ ،‬ثم يدعونه‬
‫ستة أشهر أن ُيتق ّبل منهم رمضان ؟؟؟‬
‫ولكن ‪ ..‬حينما تقرأ يف كتاب اهلل قوله تعاىل‪:‬‬
‫ض ُز ْخ ُر َف ا ْل َق ْو ِل ُغ ُرو ًرا )) ‪..‬‬ ‫ض ُه ْم إِلىَ َب ْع ٍ‬ ‫وحي َب ْع ُ‬ ‫س َوالجِْ ِّن ُي ِ‬ ‫ني الإِْ ْن ِ‬ ‫(( َش َي ِ‬
‫اط َ‬
‫يه ْم َو ِم ْن َخ ْل ِف ِه ْم َو َع ْن َأيمْ َ ا ِن ِه ْم َو َع ْن شمَ َ ا ِئلِ ِه ْم َولاَ تجَِ ُد‬ ‫َ‬ ‫لآَ‬
‫وتقرأ ‪ُ (( ..‬ث َّم ِت َي َّن ُه ْم ِم ْن َبينِْ أ ْي ِد ِ‬
‫اك ِرين )) ‪..‬‬ ‫َأ ْ‬
‫ك َث َر ُه ْم َش ِ‬
‫تدرك حينها مدى اهلجمة اليت يواجهها هذا الشهر املبارك (( شهر رمضان )) ‪..‬‬
‫لقد أدركوا أن قوافل التائبني تنطلق من رمضان ‪..‬‬
‫صنعت يف رمضان ‪..‬‬
‫وأدركوا أن أجماد األمة ُ‬
‫وأدركوا أن الكريم يعتق الرقاب من النار يف رمضان ‪..‬‬
‫ً‬
‫واشتياقا يف قلوب املؤمنني !!‬ ‫ً‬
‫عظيما ‪ ..‬وحمبة‬ ‫وأدركوا أن لرمضان قدراً‬
‫فهل يا تراك بعد ذلك جتلس إليهم وتقع يف شراكهم ؟؟؟‬
‫إنك لتعجب واهلل من ذاكم الذي يتحرز كل احلرز يف نهار رمضان أن يصل إىل‬
‫جوفه قطرة ماء ‪ ..‬وحني تسأله ينظر إليك باستغراب نهاني اهلل عن الشرب يف نهار‬
‫ً‬
‫منهمكا بني تلك األوحال من قنوات هابطة‬ ‫رمضان‪ ..‬وما إن يقبل اليل حتى تراه‬
‫ومسلسالت ماجنة !!‬

‫‪30‬‬
‫أهذا وقت مشاهدة مثل هذه التفاهات يف شهر كان السلف يرتكون فيه حديث‬
‫؟؟‬ ‫رسول اهلل‬
‫أمل ينهك ربك عنها ؟؟؟ أمل يقل اهلل‪:‬‬
‫يث َغ رْ ِ‬
‫ي ِه‬ ‫ض َع ْن ُه ْم َح َّتى يخَ ُ ُ‬
‫وضوا فيِ َح ِد ٍ‬ ‫ون فيِ آ َيا ِت َنا َف َأ ْع ِر ْ‬
‫وض َ‬‫ين يخَ ُ ُ‬‫(( َوإِ َذا َر َأ ْي َت ا َّل ِذ َ‬
‫ك َرى َم َع ا ْل َق ْوم َّ‬
‫الظالمِِ َ‬
‫ني )) ‪..‬‬ ‫الذ ْ‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫ان َفلاَ َت ْق ُع ْد َب ْع َد ِّ‬ ‫َوإِ َّما ُي ْن ِس َي َّن َك َّ‬
‫ِ‬
‫أليس معنى قوله عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫(( من مل يدع قول الزور )) هو كل قول حم َّرم أو عمل أي فعل حم َّرم ؟؟‬
‫يا إخوتاه ‪..‬‬
‫لنتعاهد على أن جنعل شهرنا هذا هو الفراق بيننا وبني تلك القنوات اليت دمرت‬
‫البيوت واألخالق ُ‬
‫واألسر !!!‬

‫‪31‬‬
‫(( ال تنشغل بغير نفسك ))‬
‫نفس ِجدِّي ‪ ..‬فقد أقبل رمضان !!‬
‫يا ُ‬
‫رحل أبو ربيع األعرج إىل داود الطائي من مدينة واسط لرياه ويسمع منه ً‬
‫شيئا‬
‫ص ْل إليه !!‬
‫ينفعه ‪ ..‬فأقام على بابه ثالثة أيام مل َي ِ‬
‫قال ‪ :‬كان إذا مسع اإلقامة خرج للصالة ‪ ..‬فإذا سلّم اإلمام وثب فدخل منزله ‪..‬‬
‫فصليت يف مسجد آخر ‪ ..‬ثم جئت وجلست على بابه ‪ ..‬فلما جاء ليدخل من‬
‫ُ‬ ‫قال ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ضيف يرمحك اهلل ‪..‬‬ ‫قلت ‪ :‬أنا‬
‫باب الدار ُ‬
‫ً‬
‫ضيفا فادخل ‪..‬‬ ‫قال ‪ :‬إن كنت‬
‫فدخلت ‪ ..‬فأقمت عنده ثالثة أيام ال يكلمين !! فلما كان بعد ثالث ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬رمحك اهلل ‪ ..‬أتيتك من واسط ‪ ..‬وإني أحببت أن تز ّودني ً‬
‫شيئا !!‬
‫صم الدنيا ‪ ..‬واجعل فطرك املوت !!‬
‫فقال ‪ُ :‬‬
‫فقلت ‪ :‬زدني رمحك اهلل !!‬
‫قال ‪ِ :‬ف َّر من الناس كفرارك من السبع غري طاعن عليهم ‪ ..‬وال تارك جلماعتهم ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬فذهبت استزيده ‪ ..‬فوثب إىل احملراب ‪ ..‬وقال ‪ :‬اهلل أكرب !!‬
‫أخي ‪ ..‬ال بد من وقفة جادة مع النفس ‪ ..‬ال بد من مصارحة يف (( شهر رمضان )) ‪..‬‬
‫فاجلس مع نفسك جلسة حماسبة ومكاشفة ‪ ..‬اجلس لتبدأ مشوارك على تقوى من‬
‫اهلل !!‬
‫أخي ‪ ..‬إن الصوم من شأنه تقوية عزمية املؤمن ‪..‬‬
‫فه ّيا !! اغتنم الفرصة اليت ال ُتع ّوض !!‬

‫‪32‬‬
‫أخي ‪ ..‬كيف مضت أيام الشهر املاضية ؟؟ وكيف انقضت لياليه ؟؟‬
‫ها قد ذهب الثلث ‪ -‬والثلث كثري – فاسأل نفسك ‪ :‬ماذا فعلت وماذا قدمت فيما‬
‫مضى ؟؟‬
‫وهل من عملية حتسني ومضاعفة وازدياد يف العبادة فيما سيأتي ؟؟‬
‫إن كثرياً من الناس يف العادة ينشطون يف أيام رمضان األوىل ‪ ..‬وجيدون ً‬
‫شيئا من‬
‫لذة العبادة نتيجة الشعور بالتجديد يف أول الشهر ‪ ..‬ثم ما ليبث هذا الشعور أن يبدأ‬
‫يف الذبول ‪ ..‬فبعد النشاط يف التالوة ‪ ..‬والتبكري إىل الصلوات ‪ ..‬وكثرة القيام‬
‫والذكر ‪ ..‬نالحظ الرتابة والفتور عند هؤالء يف العشر األواسط !!‬
‫هل من الصحيح أن نتكاسل وأن ُنصاب بالفتور يف هذا الشهر املبارك ؟؟‬
‫أم أنه ينبغي علينا أن ال خنسر ً‬
‫شيئا من أيام رمضان ؟؟‬
‫‪:‬‬ ‫أخي ‪ ..‬إن مما يشعرك بعظمة هذا الشهر وفضله أن جربيل قال للنيب‬
‫(( من أدرك شهر رمضان ومل يغفر له فأدخله اهلل النار ‪ ..‬فأبعده اهلل ‪ ..‬قل ‪ :‬آمني ‪..‬‬
‫فقال عليه الصالة والسالم ‪ :‬آمني )) !!‬
‫وإن من أسباب النشاط ‪ :‬تنويع العبادة يف أيام الشهر ‪ ..‬من صيام ‪ ..‬وقيام ‪ ..‬وقرآن ‪..‬‬
‫وإطعام وإنفاق ‪ ..‬وحنوها ‪ ..‬فال يشغلك شيء عن ذلك ‪ ..‬وعن التفرغ لنفسك !!‬
‫أخي ‪ ..‬ال تفقد لذة مناجاتك وعبادتك يف أي جزء من هذا الشهر ‪..‬‬
‫أخي ‪ ..‬يكفي أن تتذكر سرعة انقضاء األيام السابقة بسرعة ‪ ..‬وستنقضي األيام‬
‫اآلتية هكذا !!‬
‫فقل لنفسك ‪ِ :‬جدِّي فقد اقرتب الفرج !!‬

‫‪33‬‬
‫عن ِب ْشر احلايف رمحه اهلل ‪ :‬أنه مشى مع أحد أصحابه إىل مدينة ‪ ..‬فأراد صاحبه‬
‫أن يشرب من بئر يف الطريق ‪..‬‬
‫فقال له بشر ‪ :‬سنشرب من البئر اليت تليها ‪..‬‬
‫الشرب قال له بشر ‪ :‬من البئر اليت تليها !!‬‫فكلما وجدوا بئراً وأراد صاحبه ُّ‬
‫حتى وصلوا ‪ ..‬فقال بش ٌر لصاحبه ‪ :‬هكذا ُتقطع الدنيا !!‬
‫فحاول أخي ‪ ..‬أن تتفرغ هذا الشهر ‪ ..‬وراوغ نفسك كما تراوغ الطفل ‪..‬‬
‫قل هلا ‪ :‬سنعود لكل ّ‬
‫لذة مباحة بعد أن ينقضي رمضان ‪..‬‬
‫وهكذا ‪ ..‬حتى يتم لك ما تريد من العبادة والطاعة واخلري ‪ ..‬بإذن اهلل !!‬

‫‪34‬‬
‫(( شهر القرآن ))‬
‫(‪)1‬‬
‫اربط عالقة دائمة مع القرآن ؟؟‬
‫عن أبي بكر بن عياش ( رمحه اهلل ) قال ‪:‬‬
‫لي غرف ٌة قد عجزت عن الصعود إليها ‪ ..‬وما كان مينعين من النزول منها إال أني‬
‫أختم فيها القرآن كل يوم وليلة منذ ستون سنة !!‬
‫وملا حضرته الوفاة بكت أخته ‪..‬‬
‫فقال هلا ‪ :‬ما يبكيك ؟؟ انظري إىل تلك الزاوية اليت يف البيت ‪..‬‬
‫ختمت القرآن يف هذه الزاوية مثان عشرة ألف ختمة !!‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫وملا نزل بابن إدريس ( رمحه اهلل ) املوت بكت ابنته ‪..‬‬
‫فقال ‪ :‬ال تبكي !! فقد ختمت القرآن يف هذا البيت أربعة آالف ختمة !!‬
‫ً‬
‫دائما يف كل ليلتني !!‬ ‫وكان عبد الرمحن بن مهدي ( رمحه اهلل ) خيتم القرآن‬
‫كان ورده يف كل ليلة نصف القرآن !!‬
‫أخي ‪ ..‬هذا كان حاهلم يف غري رمضان !!‬
‫أما يف رمضان فقد كان هلم مع القرآن شأن آخر ‪( ..‬وسيأتي ٌ‬
‫طرف من أخبارهم) !!‬
‫در ُهم !! عرفوا عظمة كالم اهلل تعاىل ‪ ..‬فلم يشبعوا منه !! ‪..‬‬
‫فــ هلل ُّ‬
‫كما قال عثمان رضي اهلل عنه ‪ ( :‬لو طهرت نفوسنا ما شبعت من كالم اهلل ) !!‬
‫فالقرآن ‪ ..‬هو العالج النافع والدواء الناجع لكل أمراض النفس والقلب ‪..‬‬
‫والروح والبدن ‪..‬‬
‫القرآن ‪ ..‬يشفي من الشهوات والشبهات ‪ ..‬ومن اهلموم واألحزان ‪..‬‬

‫‪35‬‬
‫أخي ‪ ..‬اعلم أن القرآن يشفي من كل مرض حسي أو معنوي !!‬
‫ألي مرض أو داء أن يقاوم كالم رب األرض والسماء ؟؟‬ ‫َّ‬
‫وأنى ِّ‬
‫الذي لو نزل على اجلبال لصدّعها !! ولو نزل على الصخور لف ّتتها !!‬
‫القرآن ‪ ..‬يكفي للمتأمل فيه قول قائله سبحانه ‪:‬‬
‫(( ُقل َُهو ِللَّ ِذ َ‬
‫ين آ َم ُنوا ُه ًدى َو ِش َفا ٌء )) ‪..‬‬
‫وطاملا ظهر اليوم أقوام مل يشبعوا من كالم اهلل ‪ ..‬ومل يقنعوا بآيات اهلل ‪..‬‬
‫فذهبوا يبحثون عن كل ما سواه فلم يفلحوا !!‬
‫فركبوا كل معصية !! وفعلوا كل فاحشة !! ومل ينالوا من اللذة ما سعوا له !!‬
‫وال حصلوا من الراحة ما أ ّملوه !! فرجعوا بال ُخ َّفي ُحنني !!‬
‫ويف أمثال هؤالء يقول ابن القيم ‪:‬‬
‫( من مل يشفه القرآن فال شفا ُه اهلل ‪ ..‬ومن مل يكفه القرآن فال كفا ُه اهلل ) !!‬
‫فافتح أخي صفحة جديدة مع كتاب اهلل تعاىل جتد عني السعادة ‪..‬‬
‫وحببوحة الراحة ‪ ..‬ولذة السكينة ‪ ..‬وحالوة الطمأنينة ‪..‬‬
‫فالفرصة ساحنة ‪ ..‬والظروف مواتية !!‬
‫اجلد ‪..‬‬
‫وما عليك إال التشمري عن ساعد ّ‬
‫فاربط عالقة قوية دائمة مع القرآن يف شهر القرآن !! عالقة تدوم بعد رمضان !!‬
‫وتصرم دهرك !!‬
‫ُّ‬ ‫لئال تندم بعد انقضاء شهرك ‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫(( شهر القرآن ))‬
‫(‪)2‬‬
‫ينافس ُه شيء !!‬
‫ُ‬ ‫القرآن فقط ‪ ..‬ال‬
‫شعبان‬
‫ِ‬ ‫ربه يف شهر‬ ‫رجب *** حتى عصى َّ‬ ‫الذنب يف ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يا ذا الذي ما كفا ُه‬
‫عـصيـان‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫أيضا شـهـ َر‬ ‫هـــا قد أظلَّك شه ُر الصوم بعدَهما *** فال تصيرّْ ُه‬
‫ــــــــــرآن‬
‫ِ‬ ‫تـرتــيـــل و ُق‬ ‫الكتاب ورتــِّــل فـيـه مـجــتــهــــداً *** فـإنه شــهـــ ُر‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اتـــل‬
‫ٍ‬
‫أخي ‪ ..‬اعلم أن بني رمضان والقرآن عالقة راسخة وطيدة ال تنفك على َم ّر الزمان ‪..‬‬
‫بل إن رمضان هو (( شهر القرآن )) !!‬
‫وحسبك لكي تدرك معنى تلك العالقة أن تقرأ قول احلق سبحانه ‪:‬‬
‫ات ِم َن الهُْ َدى َوا ْل ُف ْر َق ِ‬
‫ان ))!!‬ ‫اس َو َب ِّي َن ٍ‬ ‫ان ا َّل ِذي ُأ ْن ِز َل ِفي ِه ا ْل ُق ْر ُ‬
‫آن ُه ًدى ِلل َّن ِ‬ ‫ضَ‬ ‫(( َش ْه ُر َر َم َ‬
‫فما اهلدف من هذا التعبري القرآني ؟؟‬
‫إال بيان أن فضيلة القرآن يف رمضان ال تعدهلا فضيلة !!‬
‫فجاءت هذه اآلية لتبني لك أرجى األعمال وأحراها باملالزمة يف هذا الشهر قبل‬
‫رحيله !!‬
‫فتعيش مع كتاب اهلل تعاىل طوال شهر رمضان ‪..‬‬
‫ً‬
‫وأصيال !!‬ ‫ً‬
‫صباحا ومسا ًء !! بكر ًة‬ ‫ً‬
‫تاليا له‬
‫وهذا هو حال املو ّفق الذي َّ‬
‫امنت اهلل عليه بأن استشعر قيمة القرآن الكريم ‪..‬‬
‫ال سيما يف هذا الشهر العظيم ‪..‬‬
‫ً‬
‫عجبا‪..‬‬ ‫لذلك رأينا من أخبار أسالفنا رمحهم اهلل مع القرآن‬
‫قال اإلمام الزهري ‪ :‬شهر رمضان شهر قرآن ‪ ..‬وإطعام طعام ‪ ..‬ال ثالث هلما !!‬
‫وكان اإلمام الشافعي ‪ :‬خيتم القرآن يف رمضان ستني ختمة !!!‬

‫‪37‬‬
‫وكان اإلمام أمحد ‪ :‬إذا أقبل رمضان جلس يف بيت اهلل ‪ ..‬واعتكف على قراءة‬
‫القرآن ‪..‬‬
‫مر وقت ذهب وتوضأ ‪ ..‬ثم رجع إىل القرآن يقرؤه ويتلوه !!‬
‫وكلما َّ‬
‫وكان أبو القاسم ابن عساكر ‪ :‬له يف العشر من شهر رمضان يف كل يوم ختمة ‪..‬‬
‫هذا غري ما يقرؤه يف الصلوات ‪ ..‬وقد كان خيتم كل مجعة !!‬
‫وهذا اإلمام مالك ‪ :‬يهجر مجي َع اجملالس حتى جمالس احلديث !!‬
‫وما هو اهلدف من هذا «اهلجر!!» للسنة النبوية يف رمضان ؟؟‬
‫إنه ليعكفوا على كتاب اهلل تعاىل !!‬
‫فالقرآن عندهم ال ينافسه شيء يف رمضان ‪ ..‬وال حتى احلديث النبوي !!‬
‫إنهم أقوام أدركوا حقيقة رمضان ً‬
‫فعال ‪..‬‬
‫وفهموا اإلشارة الرتبوية يف تلك اآلية كما أراد اهلل‪(( :‬ا َّل ِذي ُأ ْن ِز َل ِفي ِه ا ْل ُق ْر ُ‬
‫آن)) !!‬
‫أخي ‪ ..‬إمنا هي أيام وليالي ‪ ..‬فاغتنمها ‪ ..‬فما يدريك لعلك ال تدركها بعد عامك‬
‫هذا ‪..‬‬
‫ً‬
‫مشفعا‪..‬‬ ‫ً‬
‫وشافعا‬ ‫اللهم نور بكتابك قلوبنا وقبورنا وبيوتنا‪ ..‬واجعله لنا شاهداً‬

‫‪38‬‬
‫(( وينتصف الشهر )) !!‬
‫فما الذي غيرَّ ت من نفسك ؟؟‬
‫باجلنات َمن َخ َدمـا‬
‫ِ‬ ‫ص بالفوز‬ ‫واخ ُت َّ‬ ‫َ‬
‫وانــهــد َمـــــا‬ ‫تنصف الشه ُر وا َ‬
‫هل َفــا ُه‬ ‫ّ‬
‫مثلـي فيا وحيـ ُه يا ُعظ َم ما ُح ِرمــــا‬ ‫ني منكسراً‬ ‫الغافل املسك ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأصبح‬
‫اهلــم والـنــدمــــا‬
‫يــحــصـــــد إال َّ‬
‫ُ‬ ‫تراه‬ ‫ـذار فـمـــا‬ ‫الب ِ‬‫من فاته الزر ُع يف وقت ِ‬
‫وبـحـبـل اهلل مـعــتـــصــمـــا‬
‫ِ‬ ‫يف شهره‬ ‫كانت التقوى بضاعــتـــُُه‬
‫ِ‬ ‫طوبى ملن‬
‫أخي ‪ ..‬ها هو شهر رمضان قد انتصف!!‬
‫فهل حاسبت نفسه فيه هلل ‪ ..‬وتأملت حالك جيداً ‪ ..‬ماذا فعلت وما الذي أجنزت ؟؟‬
‫مت حق الصيام ‪ ..‬وقمت حق القيام ؟؟‬
‫فص َ‬
‫هل غيرّ ت من نفسك كما يريد اهلل ‪ُ ..‬‬
‫هل أنت من أهل الصف األول ‪ ..‬والتدبر والتالوة ‪ ..‬والذكر والتسبيح ؟؟‬
‫هل تأملت قلبك وخشوعه وخضوعه ‪ ..‬وحمبته ورجاءه ‪ ..‬وقربه وصفائه ؟؟‬
‫هل تأملت لسانك ‪ ..‬ومسعك ‪ ..‬وبصرك ‪ ..‬وجوارحك ؟؟‬
‫أخي ‪ ..‬من فضل اهلل تعاىل عليك مثل هذه املواسم ‪ ..‬اليت تتهيأ فيها النفوس إىل عمل‬
‫الصاحلات ‪ ..‬و ُتقبل فيها القلوب على اهلل ‪ ..‬راجية جنته وعفوه ورضاه ‪ ..‬وقد شرع‬
‫اهلل تعاىل صيام رمضان لنغيرّ فيه من أنفسنا ‪..‬‬
‫فنحبسها عن الشهوات ‪ ..‬ونفطمها عن املألوفات‪..‬‬
‫وها هو شهرك يتص ّرم وينتصف ‪ ..‬وأنت من نفسك غري ُمنتصف !!‬
‫فاستعن باهلل ً‬
‫أوال وأخرياً ‪ ..‬ولتكن لك إرادة وعزمية قوية يف أن تغري من نفسك ‪..‬‬
‫واعلم أن التغيري ال بد أن يبدأ من أعماق نفسك ‪..‬‬
‫واعلم أن اهلل تعاىل ال يغري ما بقوم حتى يغريوا ما بأنفسهم ‪..‬‬
‫فد ّرب نفسك على الطاعة ‪ ..‬وعودها على اغتنام كل ساعة ‪..‬‬

‫‪39‬‬
‫واستعن باهلل عز وجل ‪ ..‬واطلب منه أن يوفقك ملا حيب ويرضى !!‬
‫أخي ‪ ..‬رمضان فرصة للغارقني يف حبور الذنوب واملعاصي ‪ ..‬ومل يستطيعوا التخلص‬
‫من أغالل العادات السيئة ‪ ..‬أن يسارعوا بالتوبة والرجوع واإلنابة هلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ..‬فهو سبحانه‪:‬‬
‫ري))‪..‬‬
‫صُ‬ ‫الط ْو ِل َال إِ َلـ َه إِ َّال ُه َو إِ َل ْي ِه المَْ ِ‬
‫يد ا ْل ِع َقاب ِذي َّ‬
‫ِ‬ ‫نب َو َق ِاب ِل َّ‬
‫الت ْو ِب َش ِد ِ‬ ‫َ‬
‫((غا ِف ِر َّ‬
‫الذ ِ‬
‫مطلقا ‪ ..‬أو تأخريها عن‬ ‫ً‬ ‫مفرطا يف صالته ‪ ..‬برتكها‬ ‫ً‬ ‫رمضان فرصة ملن كان‬
‫وقتها ‪ ..‬أو بالتخلف عن أدائها يف املسجد ‪ ..‬بأن يواظب عليها يف أوقاتها مع مجاعة‬
‫املسجد ‪..‬‬
‫ورمضان فرصة ملن استحكمت فيه عادة التدخني ‪ ..‬وأصبح يعتقد استحالة‬
‫ً‬
‫منقطعا عنها‬ ‫ً‬
‫صائما‬ ‫تركها ‪ ..‬أن يبادر برتكها ‪ ..‬ال سيما وهو يظل طوال اليوم‬
‫وعن احلالل ‪ ..‬فإذا صام عن احلالل ‪ ..‬فال ينبغي أن ُيفطر إال على احلالل ‪..‬‬
‫ورمضان فرصة ملن اعتاد الغيبة والثرثرة واإلسفاف يف الكالم ‪..‬‬
‫أن يغيرَّ من نفسه فال يتكلم إال خبري ‪ ..‬وال يقول إال خرياً ‪ ..‬و‬
‫(( من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خرياً أو ليصمت )) !!‬
‫و (( الكلمة الطيبة صدقة )) !!‬
‫ورمضان فرصة ملن هجر قراءة القرآن الكريم وحفظه والعمل مبا فيه ‪ ..‬بأن ينتهز‬
‫ً‬
‫معينا حيافظ عليه كل يوم !!‬ ‫شهر القرآن ‪ ..‬فيحدد لنفسه ورداً‬
‫ورمضان فرصة ملن اعتاد الشح والبخل أن يكثر من الصدقات ‪ ..‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يربي الصدقة لصاحبها ويضاعفها حتى تصري مثل اجلبل ‪ ..‬ويف رمضان‬
‫ُتضاعف أكثر ‪ ..‬وقد كان عليه الصالة والسالم أجود ما يكون يف رمضان ‪..‬‬

‫‪40‬‬
‫بل كان أجود من الريح املرسلة اليت تأتي بالغيث واملطر‪..‬‬
‫ورمضان فرص ٌة للغافلني عن ذكر اهلل تعاىل أن يكثروا منه ‪ ..‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ص ً‬
‫يال )) ‪..‬‬ ‫ك َر ًة َو َأ ِ‬‫ك ِثرياً َو َس ِّب ُحو ُه ُب ْ‬ ‫وا اللهََّ ِذ ْ‬
‫كراً َ‬ ‫ك ُر ْ‬ ‫ين آ َم ُن ْ‬
‫وا ا ْذ ُ‬ ‫(( َ‬
‫يأ ُّي َها َّال ِذ َ‬
‫يذك ُر اهلل على كل أحيانه ‪..‬‬ ‫وقد كان النيب‬
‫ليال )) !!‬ ‫اهلل إلاَّ َق ً‬‫ون َ‬ ‫وبخ اهلل املنافقني بأنهم ‪ (( :‬لاَ َي ُ‬
‫ذك ُر َ‬ ‫بل لقد َّ‬
‫ورمضان فرص ٌة ملن قطع رمحه أن يصلها ‪ ..‬فصلة الرحم تزيد يف الرزق ‪ ..‬وتطيل‬
‫ُ‬
‫العمر ‪ ..‬وهي مشتقة من اسم الرمحن ‪ ..‬فمن وصلها وصله اهلل ‪ ..‬ومن قطعها قطعه‬
‫اهلل تعاىل !!‬
‫أخي الكريم ‪ :‬حتى تقوم بالتغيري جيب عليك أن تواجه نفسك بأخطائها‬
‫ومعاصيها ‪ ..‬وال تتنصل من تلك األخطاء وتبحث هلا عن مربرات ‪ ..‬واعلم أنك لن‬
‫عازما بصدق على التغيري من اآلن ‪ ..‬جاداً يف ذلك دون‬
‫ً‬ ‫ُتصلح من شأنك إال إذا كنت‬
‫تأجيل أو تسويف !!‬
‫واعلم أخي ‪ ..‬أن عليك البداية وعلى اهلل التمام ‪ ..‬فإنه سبحانه شكور ‪ ..‬إن تقربت‬
‫ذراعا تق ّرب منك ً‬
‫باعا ‪ ..‬وإن مشيت إليه‬ ‫ً‬ ‫ذراعا ‪ ..‬وإن تقربت منه‬ ‫ً‬ ‫منه شرباً تق ّرب منك‬
‫ين اه َت َدوا ُه ًدى )) !!‬ ‫يد ُ‬
‫اهلل َّال ِذ َ‬ ‫أتاك هرولة ‪َ (( ..‬و َي ِز ُ‬
‫فخذ أنت يف الزيادة ‪ ..‬فإنه يوشك أن ينقضي !!‬ ‫إن شهرك قد أخذ يف النقص ‪ُ ..‬‬
‫لشهر رمضان ِمن َخلَف !!‬
‫ِ‬ ‫واعلم أن كل شهر عسى أن يكون منه َخلَف ‪ ..‬وما‬
‫نسأل اهلل أن جيعلنا ُهداة مهتدين ‪ ..‬مفاتيح للخري ‪ ..‬مغاليق للشر ‪..‬‬

‫‪41‬‬
‫(( ال تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء )) !!‬
‫مت عن احلالل ‪َ ..‬ف ُ‬
‫ص ْم عن احلرام !!‬ ‫ص َ‬‫إذا ُ‬
‫قال جابر بن عبد اهلل (رضي اهلل عنهما) ‪:‬‬
‫صم مس ُعك ‪ ..‬وبص ُرك ‪ ..‬ولسا ُنك ‪ ..‬عن الكذب ‪ ..‬واحملارم ‪ ..‬ودع‬
‫مت فل َي ُ‬
‫ص َ‬‫( إذا ُ‬
‫أذى اجلار ‪ ..‬وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ‪ ..‬وال جتعل يوم صومك ويوم‬
‫فطرك سواء ) !!‬
‫واحرص على نظافة صومك كحرصك على نظافة ثوبك ‪..‬‬
‫باجتناب اللغو والفحش ‪ ..‬ورذائل األخالق ‪..‬‬
‫بقوله ‪:‬‬ ‫وال تكن أخي من أولئك الذين وصفهم النيب‬
‫حظه من صيامه اجلوع والعطش ‪ ..‬ورب قائم ُّ‬
‫حظه من قيامه السهر ))‬ ‫(( ُر َّب صائم ُّ‬
‫ٍ‬
‫[ رواه الطرباني‪ /‬صحيح الرتغيب‪] )1070( :‬‬
‫أخي ‪ ..‬ذاك هو الذي يصوم عن الطعام والشراب وال يصوم عن احلرام والباطل !!‬
‫ذاك الذي َح َرم بطنه احلالل من الطعام ‪ ..‬ثم استغرقت جوارحه يف احلرام !!‬
‫فالعني تنظر إىل احلرام ‪ ..‬و ُتالحق الفضائيات واملسلسالت واألفالم ‪..‬‬
‫واألذن تصبح ومتسي على األنغام ‪ ..‬واللسان ال يتورع عن الغيبة والنميمة وغريها من‬
‫اآلثام ‪ ..‬وهل ّم جراً !! فحا ُله كما َ‬
‫رأيت ‪ ..‬ال ينتف ُع من صيامه وال من قيامه !!‬
‫صمت‬
‫ُ‬ ‫غض ويف منطقي‬ ‫إذا لـم يكـن يف السمـع مين تـصا ُو ٌن *** ويف بصري ٌّ‬
‫مت‬
‫ص ُ‬‫مت يومي فـما ُ‬
‫ص ُ‬ ‫فحظي إذاً من صومي اجلو ُع والظما *** فـإن ُ‬
‫قلـت إني ُ‬
‫أخي ‪ ..‬ال جتعل أيام رمضان كأيامك العادية !! بل اجعلها غرة بيضاء يف جبني أيام‬
‫عمرك !!‬

‫‪42‬‬
‫قال احلسن البصري (رمحه اهلل) ‪:‬‬
‫( إن اهلل جعل شهر رمضان مضماراً خللقه ‪ ..‬يستبقون فيه بطاعته إىل مرضاته ‪..‬‬
‫فالعجب من الالعب الضاحك يف اليوم‬
‫ُ‬ ‫فسبق قو ٌم ففازوا ‪ ..‬وختلَّف آخرون فخابوا ‪..‬‬
‫الذي يفوز فيه احملسنون ‪ ..‬وخيسر فيه املبطلون ) !!‬
‫فاجعل صيامك مضماراً للمسارعة يف اخلريات ‪ ..‬واالستكثار من الفضائل‬
‫والطاعات ‪ ..‬والتخلص من املعاصي والسيئات ‪ ..‬ومساوئ األخالق والعادات ‪ ..‬فتزيد‬
‫مراقبتك وخشيتك لربك ‪ ..‬ويزداد نشاطك ورغبتك يف أبواب اخلري ‪ ..‬وانصرافك عن‬
‫كل ما يبغض اهلل ‪ ..‬حتى إذا انقضى رمضان أحسست بالنتيجة الطيبة لصومك ‪..‬‬
‫وكنت من املنتفعني بهذا الشهر املبارك ‪ ..‬بثمرة (( املغفرة والعتق من النار )) !!‬
‫ً‬
‫مكتوبا من أهل النعيم الدائم ‪..‬‬ ‫حقا ! من خرج من صومه مغفوراً له ‪..‬‬
‫فإن السعيد ً‬
‫أخي ‪ ..‬تلك الغاية اليت من أجلها صام الصائمون ‪ ..‬وعمل العاملون ‪..‬‬
‫ّ‬
‫ومشر املش ّمرون ‪..‬‬
‫(( ويف ذلك فليتنافس املتنافسون )) !!‬

‫‪43‬‬
‫(( قيامك في رمضان ))‬
‫عن عبداهلل بن حممد بن الل ّبان ‪:‬‬
‫أنه صلى بالناس صالة الرتاويح يف مجيع الشهر ‪ ..‬وكان إذا فرغ من صالته بالناس‬
‫ً‬
‫قائما يف املسجد يصلي حتى يطلع الفجر !!‬ ‫يف كل ليلة ال يزال‬
‫ضع جنيب للنوم يف هذا الشهر ً‬
‫ليال وال نهاراً !!‬ ‫وقال ‪ :‬مل َأ َ‬
‫بعا من القرآن !!‬‫وكان ورده كل ليلة فيما يصلي لنفسه ُس ً‬
‫ِ‬
‫وكان شداد بن أوس إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه ال يأتيه النوم ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫اللهم إن النار أذهبت النوم ‪ ..‬فيقوم فيصلي حتى يصبح !!‬
‫ً‬
‫نصيبا من الليل ‪ ..‬فقد جاء يف موطأ اإلمام عن‬ ‫وكانوا يأمرون أهلهم بأن جيعلوا هلم‬
‫ابن عمر قال‪ ( :‬كان عمر يصلي يف الليل حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله‬
‫اص َطبرِْ َعلَ ْي َها لاَ َن ْس َأ ُل َك ر ْز ً‬
‫قا نحَّْ ُن َن ْر ُز ُق َك َوا ْل َعا ِق َب ُة‬ ‫ِ‬ ‫وقرأ ‪َ (( :‬و ْأ ُم ْر َأ ْهلَ َك ِب َّ‬
‫الصلاَ ِة َو ْ‬
‫ِل َّلت ْق َوى )) ‪.‬‬
‫متر دون أن يقوم أحد من أهل البيت ‪..‬‬
‫بل كانوا ال يرتكون ساعة بالليل ُّ‬
‫ً‬
‫ضيفا على أبي هريرة سبعة أيام ‪ ..‬فكان هو وزوجه‬ ‫قال أبو عثمان الن ْهدي ‪ :‬نزلت‬
‫ثلثا ‪ ..‬وأبو هريرة ً‬
‫ثلثا !!‬ ‫ثلثا وخادمه ً‬
‫أثالثا ‪ ..‬الزوجة ً‬
‫ً‬ ‫وخادمه يقتسمون الليل‬
‫ً‬
‫أثالثا !!‬ ‫وكان سليمان التيمي عنده زوجتان ‪ ..‬فكانوا يقتسمون الليل‬
‫ً‬
‫أثالثا ‪ ..‬فماتت أمه ‪ ..‬فاقتسم‬ ‫واحلسن بن صاحل كان يقتسم الليل هو وأخوه وأمه‬
‫الليل هو وأخوه ‪ ..‬فمات أخوه ‪ ..‬فقام الليل كله بنفسه !!‬
‫وكان عنده جارية قد ع ّودها على القيام ‪ ..‬فباعها إىل قوم ‪ ..‬فأيقظتهم يف الليل‬
‫للقيام ‪ ..‬فقالوا ‪ :‬هل طلع الفجر ؟‬

‫‪44‬‬
‫فقالت ‪ :‬ال ‪ ..‬أال تتهجدوا ؟ ‪ ..‬قالوا ‪ :‬ال نقوم إالإىل صالة الفجر ‪..‬‬
‫فجاءت إىل احلسن تبكي وتقول‪ُ :‬ردَّني ! لقد بعتين ألناس ال يصلون إال الفريضة‪،‬‬
‫فردّها‪.‬‬
‫أخي ‪ ..‬من ذاق لذة القيام ‪ ..‬واألنس باهلل يف جنح الظالم ‪ ..‬فإنه ال حيتمل التخلي‬
‫عنه ‪ ..‬وال يسمح حبرمان نفسه من هذا النعيم الذي ال يعادله نعيم الدنيا بأسرها !!‬
‫اإلمام أبو سليمان الداراني كان يقول ‪ ( :‬واهلل لوال قيام الليل ما أحببت الدنيا ‪،‬‬
‫وواهلل إن أهل الليل يف ليلهم ألذ من أهل اللهو يف هلوهم ‪ ،‬وإنه لتمر بالقلب ساعات‬
‫يرقص فيه ً‬
‫طربا بذكر اهلل فأقول ‪ :‬إن كان أهل اجلنة يف مثل ما أنا فيه من‬
‫النعيم إنهم لفي نعيم عظيم ) !!‬
‫وسبب لرضى رب العاملني ‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫أخي ‪ ..‬القيام واملناجاة هي مهر احلور العني ‪..‬‬
‫نفسك قالت ‪ُ :‬‬
‫اخطبين إىل ربي‬ ‫ِ‬ ‫رأى بعضهم حوراء يف نومه فقال هلا ‪ :‬زوجيين‬
‫وأمهرني ‪ ،‬قال ‪ :‬ما مه ُر ِك ؟ قالت ‪ :‬طول التهجد !!‬
‫ِ‬
‫همة لديهم عند جميء رمضان ‪ ..‬فال يؤثر فيهم صيامه‬ ‫ري أولئك الذين ال َّ‬ ‫أخي ‪ ..‬كث ٌ‬
‫يهزهم قيامه ‪ ..‬ألنهم اكتفوا باألمنيات دون عمل الصاحلات ‪ ..‬فخرجوا من‬ ‫‪ ..‬وال ُّ‬
‫شهرهم كما دخلوا فيه !!‬
‫( فدخول اجلنة والظفر مبراتبها العلية ‪ ..‬والنجاة من النار ومن دركاتها الدنية ‪..‬‬
‫ليس ذلك باألماني ‪ ..‬ولكن باإلميان الصادق والعمل الصاحل ‪ ..‬وهذا إمنا يكون‬
‫يا يف مراتب الكمال ‪..‬‬ ‫ببذل الطاقة ‪ ..‬واجلد واالجتهاد ‪ ..‬والصرب واملصابرة !! تر ّق ً‬
‫وترفعا عن دركات النقصان‬
‫َ‬ ‫يس ب َأ َما ِن ِّي ُ لاَ َ‬
‫ي َز ِب ِه ))!!‬
‫اب َمن َيع َمل ُسو ًءا جُْ‬‫الك َت ِ‬
‫هل ِ‬‫كم َو أ َما ِن ِّي أ ِ‬ ‫قال تعاىل ‪َ (( :‬ل َ ِ‬
‫[من كتاب (علو اهلمة) بتصرف يسري] !!‬

‫‪45‬‬
‫(( همسة ُقبيل العشر )) !!‬
‫بادر فقد انقضى شهرك !!‬

‫والقلـب ال شكــ ٌر وال ِذكـ ُر‬ ‫ُ‬ ‫السنون وقد مضى العم ُر ***‬ ‫ُ‬ ‫َج َر ِت‬
‫يتصر ُم العـُمـــ ُر‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ســــيــفــــا بـــه‬ ‫والغــفــلـــ ُة الص ّمـــــا ُء شـــــاهــــر ٌة ***‬
‫جـج اهلـوى َّ‬
‫إن اهلـوى بـحــــ ُر‬ ‫حـتــى مـتـى يا ُ َ ُ‬
‫قـلـب تـغـــرق فــي *** لـُ ِ‬
‫هـا قـــد حـــبــاك ُ‬
‫اهلل مــغـــفـــر ًة *** َطـ َر َق ْت رحـابـَك هـذه العـشـ ُر‬
‫أخي ‪ ..‬مضت الليالي واأليام ‪ ..‬فإذا حنن اآلن يف أفضل ليالي العام ‪..‬‬
‫التجليات والنفحات ‪ ..‬وإقال ِة العثرات ‪..‬‬
‫ِ‬ ‫عشر‬
‫العشر املباركة ‪ِ ..‬‬
‫ِ‬ ‫إنها‬
‫وعتق الرقاب املوبقات !!‬
‫واستجاب ِة الدعوات ‪ِ ..‬‬
‫أخي ‪ ..‬اهلل أكرب ‪ ..‬إنها بساتني اجلنان قد تزينت ‪ ..‬إنها نفحات الرمحن قد تن ّزلت ‪..‬‬
‫باملقصر أن ُيش ّمر !!‬
‫ّ‬ ‫فحري بالغافل أن يعاجل ‪ ..‬وجدي ٌر‬
‫ٌّ‬
‫الصاحلون‬
‫ومواس ِم الطاعات ‪ ..‬فيغت ِن ُم ّ‬
‫ِ‬ ‫اخلريات ‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ات‬
‫بنفح ِ‬
‫ربنا على عبا ِده َ‬ ‫َّ‬
‫يتفضل ُّ‬
‫أواخ َرها !!‬ ‫نفا ِئ َسها ‪ ..‬ويتدا َر ُك األ ّو َ‬
‫ابون ِ‬
‫الغين عنهم – أن جعل أفضل أيام رمضان آخره ‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫وإن من رمحة اهلل بالعباد – وهو‬
‫كما جعل أفضل الليل آخره ‪ ..‬وأفضل ساعات اجلمعة آخرها ‪ ..‬إذ النفوس تنشط‬
‫عند ُقرب النهاية ‪ ..‬وتستدرك ما فاتها رغب ًة يف التعويض !!‬
‫ً‬
‫عظيما ‪..‬‬ ‫ولذا كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حيتفي بالعشر األواخر احتفا ًء‬
‫ً‬
‫جليال ‪ ..‬و ُيعطيها عناي ًة خاصة ‪ ..‬وجيتهد يف العمل فيها أكثر‬ ‫ً‬
‫تعظيما‬ ‫ّ‬
‫ويعظمها‬

‫‪46‬‬
‫كان‬ ‫من غريها !! ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي اهلل عنها ‪ (( :‬أن النيب‬
‫جيتهد يف غريها )) !!‬
‫ُ‬ ‫جيتهد يف العشر األواخر ماال‬
‫وعنها أنه كان ‪ (( :‬إذا دخل العشر شد مئز َر ُه ‪ ،‬وأحيا ليلَ ُه ‪ ،‬وأيقظ أهله ))‬
‫ٌ‬
‫متفق عليه ‪..‬‬
‫ويف املسند عنها قالت ‪ (( :‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم خيلط العشرين بصالة‬
‫وشد املئزر )) !!‬ ‫ونوم ‪ ..‬فإذا كان العش ُر َّ‬
‫مشر ‪َّ ..‬‬
‫أخي ‪ ..‬هذا هو أعرف الناس باهلل ‪ ..‬وأخشاهم وأتقاهم له ‪ ..‬وأكثرهم معرفة مبا‬
‫ُيرضيه !!‬
‫إن من الغنب الواضح البينِّ عدم االقتداء به عليه الصالة والسالم ‪..‬‬
‫خلذالن تضييع هذه املواسم واألزمان ‪ ..‬وتفويت هذه الليالي واأليام !!‬ ‫أخي ‪ ..‬إن من ا ُ‬
‫فأي موسم نغتنم ؟؟؟‬
‫وليت شعري إن مل نغتنم هذه األيام َّ‬
‫فأي وقت نفرغه هلا ؟؟؟‬ ‫وإن مل ُن ِّ‬
‫فرغ الوقت اآلن للعبادة َّ‬
‫هج ُر املساجد و ُتعمر األسواق يف أعظم ليالي‬‫غنب وخذالن أن ُت َ‬‫أي ٍ‬ ‫سبحان اهلل ‪ُّ ..‬‬
‫السنة وأفضلها ‪ ..‬بل ويف الساعة الشريفة اليت ينزل فيها ربنا تبارك وتعاىل إىل‬
‫السماء الدنيا ليعطي السائلني ‪ ..‬ويغفر للمذنبني ‪ ..‬ويتوب على التائبني املنيبني ‪ ..‬يف‬
‫الثلث األخري من الليل !!!‬
‫لحون على اهلل ستة أشهر ألاّ حير َمهم بلو َغ رمضان‬ ‫أخي ‪ ..‬لقد كان الصاحلون ُي ُّ‬
‫حل الضيف العظيم شدّوا العزائم فى إمتام الطاعات‪ ..‬واالستكثار من‬ ‫‪ ..‬ثم إذا ّ‬
‫القربات ‪ ..‬ثم إذا اقرتب الشهر من نهايته أخذهم احلزن وعلتهم الكآبة واهلم ‪..‬‬
‫وراحوا تعلوهم اهل ّمة العالية واستفراغ اجلهد يف القرآن والصالة واإلحلاح على اهلل‬
‫تعاىل أن ال ينقضي شهرهم إال مبغفرة ذنوبهم !!‬

‫‪47‬‬
‫ً‬
‫واتباعا للهوى !!‬ ‫أخي ‪ ..‬كفى تقصرياً وغفلة‬
‫ً‬
‫إعراضا عن ذكر اهلل وشكره ‪ ..‬فقد انقضى الثلثان ‪ ..‬من شهر رمضان!‬ ‫كفى‬
‫خيال يف املنام ‪ ..‬ثم تنقضي‬
‫متر كطيف ٍ‬
‫ليال فقط ‪ُّ ..‬‬ ‫أخي ‪َّ ..‬‬
‫تذكر أنها عش ُر ٍ‬
‫كلمح البصر !!‬
‫تذكر أنها لن تعود إال بعد عام كامل ‪ ..‬ال تدري ما اهلل صان ٌع فيه ‪ ..‬وال تدري على‬
‫من تعود!!‬
‫ومد يف عمرك حتى بلغت‬
‫أخي ‪ ..‬إنها واهلل لنعمة كربى أن تفضل اهلل عليك ‪َّ ..‬‬
‫هذه العشر املباركة ‪ ..‬وإن من متام شكر هذه النعمة أن تغتنمها باالستكثار من‬
‫األعمال الصاحلة ‪..‬‬
‫همك فيما بقي من ليالي هذا الشهر املبارك أن ُت ِر َي اهلل من نفسك خرياً ‪..‬‬
‫وليكن ُّ‬
‫باالجتهاد يف الطاعات ‪ ..‬وعدم تفويت هذه الساعات ‪ ..‬فاحملروم من ُح ِر َم هذه الليالي‬
‫املباركة ‪..‬‬
‫جعلنا اهلل ممن ينال ثوابها ‪ ..‬وحيوز بركتها !!‬

‫‪48‬‬
‫جربت االعتكاف )) ؟؟‬
‫(( هل َّ‬
‫الس ّن ٌة املهجورة !!!‬
‫ُّ‬

‫أخي ‪ ..‬إن اإلقبال على طاعة اهلل والتقرب إليه مطلوب يف كل حال ‪ ..‬ولكنه يف‬
‫ً‬
‫فضال‪ ..‬وأكثر أج ًرا‪ ..‬وقد صارت سنة مهجورة ال‬ ‫العشر األواخر من رمضان أعظم‬
‫تكاد ُتعرف يف بعض البالد‪ ..‬فلذا كان إحياؤها آكد وأفضل ‪..‬‬
‫الس ّنة كلما ُهجرت كان األجر يف إحيائها أعظم !!‬
‫ألن ُ‬
‫هذا املعنى الرائق لالعتكاف ‪ ..‬وهذا اجلو الندي يف هذه الليالي العشر ‪ ..‬وهذا‬
‫اجلد و التشمري يف العبادة ‪ ..‬أصبح لألسف عند كثري من رجال اليوم ج ٌد وتشم ٌ‬
‫ري‬
‫ولكن على اللهو واللعب !!‬
‫وأصبح عند نساء اليوم ج ٌد و تشم ٌ‬
‫ري ولكن يف املطبخ لتحضري أنواع املأكوالت‬
‫واملشروبات واحللويات ‪ ..‬ويف األسواق لتتبع األزياء وشراء مالبس العيد !!‬
‫مع أن هناك ُم ّتسع من الوقت يف غري هذه األيام والليالي املباركة !!‬
‫فرمضان ال يأتي إال مرة يف كل عام ‪ ..‬والعشر األواخر إمنا هي بضعة أيام !!‬
‫ولكن يبدو أن املاديات طغت يف زماننا ومل يعد للروحانيات عندنا مكان !!‬
‫فصال ُتنا ال تعدو عن كونها ركيعات جوفاء خاوية من لذة اخلشوع !!‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫امتناعا فقط عن الطعام و الشراب ‪..‬‬ ‫وصيامنا فهمناه‬
‫مع االستغراق يف النوم طوال اليوم ‪ ..‬والسهر مع القوم !!‬
‫فأين راحة القلب ؟؟ وأين مسو الروح ؟؟ وأين لذة العبادة ؟؟‬
‫ً‬
‫وعجائبا ال يستشعر حالوتها إال من ذاقها وملس أثرها‬ ‫أخي ‪ ..‬إن لالعتكاف أسراراً‬
‫يف نفسه!!‬

‫‪49‬‬
‫قد اعتكف عليه يف العشر ُ‬
‫األ َول‪ ..‬ثم األوسط ‪ ..‬يلتمس ليلة‬ ‫لذا فإن النيب‬
‫القدر‪ ..‬ثم تبني له أنها يف العشر األخري ‪ ..‬فداوم على اعتكاف العشر األخري ومل‬
‫يرتكه حتى حلق بربه عز وجل!!‬
‫بل ترك اعتكاف العشر األخري مرة فقضاه يف شوال فاعتكف العشر األول منه !!‬
‫وملا كان العام الذي ُقبض فيه اعتكف عشرين ً‬
‫يوما !!‬
‫ان ا ْل َعام‬‫كَ‬ ‫ين َأل َّن ُه َ‬‫ك َف فيِ َذ ِل َك ا ْل َعام ِع ْش ِر َ‬ ‫قال ابن حجر رمحه اهلل‪َ ( :‬ذ ِل َك َأ َّن ُه إِنمَّ َ ا اِ ْع َت َ‬
‫ص َّح َح ُه‬ ‫الن َسا ِئ ُّي َواللَّ ْفظ َل ُه َو َأ ُبو دَا ُو َد َو َ‬
‫َّال ِذي َق ْبلَ ُه ُم َسا ِف ًرا ‪َ ..‬و َي ُد ُّل ِل َذ ِل َك َما َأ ْخ َر َج ُه َّ‬
‫كَ‬
‫ان‬ ‫صلَّى اللهَّ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َ‬ ‫ب َ‬ ‫ك ْعب « َأ َّن َّ‬
‫الن يِ ّ‬ ‫ي ُه ِم ْن َح ِديث ُأ َب ّي ْبن َ‬ ‫ان َو َغ رُْ‬‫اِ ْبن ِح َّب َ‬
‫ان ا ْل َعا ُم‬
‫كَ‬ ‫كف ‪َ ,‬فلَ َّما َ‬ ‫ضان ‪َ ,‬ف َسا َف َر َعا ًما َفلَ ْم َي ْع َت ِ‬ ‫اخ َر ِم ْن َر َم َ‬ ‫ك ُف ا ْل َع ْشر َ‬
‫األ َو ِ‬ ‫َي ْع َت ِ‬
‫ين » ) اهـ من فتح الباري ‪.‬‬ ‫ك َف ِع ْش ِر َ‬ ‫المُْ ْق ِب ُل اِ ْع َت َ‬
‫فهل أنت أخي أشد ُش ً‬
‫غال من رسولك – صلى اهلل عليه وسلم – ؟؟‬
‫ومما يؤكد أفضلية االعتكاف أن أزواج النيب –صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬اعتكفن‬
‫معه وبعده !!‬
‫حتى أن عائشة – رضي اهلل عنها – لتقول ‪ (( :‬اعتكف مع رسول اهلل –صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬امرأة مستحاضة من أزواجه – أي ‪ :‬ال يكف عنها الدم ‪ -‬فرمبا وضعنا‬
‫الطست حتتها وهي تصلي )) !!‬
‫فيا سبحان اهلل !! إذا كانت أمهات املؤمنني يعتكفن وإن كن ُمستحاضات ‪ ،‬فما‬
‫همهن ما‬
‫بال نساء اليوم يف املطابخ عاكفات ‪ ..‬وإىل األسواق غاديات رائحات ‪ُّ ..‬‬
‫يأكلن وما يلبسن !!!‬
‫بل ما بال الرجال من الشباب والكهول عن هذه العبادة راغبون ؟!!‬

‫‪50‬‬
‫ثم هم على اللهو عاكفون ؟؟‬
‫وقد يقول قائل ‪ :‬أعتمر يف العشر أفضل من أن أعتكف !!‬
‫واحلقيقة أن اجلمع بينهما أكمل‪ ..‬وإذا تعارضا فاالعتكاف أفضل‪ ..‬ألنه عليه‬
‫الصالة والسالم كان يعتكف يف العشر ومل يكن يعتمر ‪ ..‬وألن االعتكاف‬
‫حينئذ – أوىل من غريه وأفضل !!‬
‫ٍ‬ ‫مهجو ٌر يف كثري من املساجد ‪ ..‬وإحياؤه –‬
‫فمن تيسرت له هذه السنة فال حيرم نفسه هذه السنة احملمدية ‪ ..‬واخللوة الربانية ‪..‬‬
‫ف ُيكثر املُكث يف املسجد ‪ ..‬وقراءة القرآن ‪ ..‬ويشهد صالة القيام ‪ ..‬والبكاء بني‬
‫يدي امللك العلاّ م ‪ ..‬ويقطع عالقته بفضول الدنيا ‪ ..‬ويؤجل كل ما ميكن تأجيله من‬
‫ْ‬
‫وليعش يف خلوة بالكريم سبحانه !!‬ ‫احلاجات واملصاحل‪..‬‬
‫شاف للقلوب من أسقامها ‪ ..‬ودوا ٌء آلفات النفوس وآالمها!!‬
‫فإنها بلس ٌم ٍ‬

‫‪51‬‬
‫(( وما أدراك ما ُ‬
‫ليلة القدر ))‬
‫ُرة الليالي !!‬ ‫واسطة العقد ‪ ..‬ود َّ‬
‫يقول اهلل تعاىل فيها ‪ (( :‬إِ َّنا َأ ْن َز ْل َنا ُه فيِ َل ْيلَ ِة ا ْل َق ْد ِر‪َ ،‬و َما َأ ْد َر َ‬
‫اك َما َل ْيلَ ُة ا ْل َق ْد ِر‪َ ،‬ل ْيلَ ُة ا ْل َق ْد ِر‬
‫ك ِّل َأ ْم ٍر‪َ ،‬سال ٌم ِه َي‬ ‫الرو ُح ِفي َها ِب ِإ ْذ ِن َر ِّب ِه ْم ِم ْن ُ‬‫ك ُة َو ُّ‬ ‫ي ِم ْن َأ ْل ِف َش ْه ٍر‪َ ،‬ت َن َّز ُل المَْال ِئ َ‬
‫َخ رٌْ‬
‫َح َّتى َم ْطلَ ِع ا ْل َف ْج ِر)) ‪.‬‬
‫لكثر ِة ب َر َ‬
‫كتها‬ ‫كة يف هذه الليل ِة َ‬ ‫ابن كثري رمحه اهلل‪ ( :‬يك ُثر ُ‬
‫نزول املال ِئ َ‬ ‫قال ُ‬
‫عند تالو ِة القرآن‬ ‫‪ ..‬واملالئك ُة َينزلون م َع ُّ‬
‫تنزل البرََك ِة وال ّرمحة كما ينزلون َ‬
‫حبلَ ِق ّ‬
‫الذكر )!!‬ ‫وحييطيون ِ‬
‫أخي احلبيب ‪ ..‬ليلة القدر هي ليل ُة العتق واملباهاة ‪ ..‬ليل ُة القرب واملناجاة ‪ ..‬ليل ُة‬
‫عزي َزة‬
‫ربكات ‪ِ ..‬‬ ‫الرمحة والغفران‪ ..‬وتنزل القرآن ‪ ..‬ليل ٌة ِه َي ُّ‬
‫أم الليالي ‪ ..‬كثري ُة ال َ‬
‫اعف عند العليم‬ ‫ري منه َ‬
‫مض َ‬ ‫كثري ‪ ..‬والكث ُ‬ ‫من الع َم ِل فيها َ‬ ‫ُ‬
‫القليل َ‬ ‫الساعات ‪..‬‬
‫ّ‬
‫لق َعظيم من السما ِء ُ‬
‫لشهو ِدها ‪ ..‬إنهم مالئكة رب العاملني ‪..‬‬ ‫اخلبري ‪ ..‬يتنزل فيها َخ ٌ‬
‫ومعهم جربيل األمني ‪..‬‬
‫كات حتى مطلع الفجر !!‬
‫سالم و َب َر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫فهي َليل ُة‬
‫أخي ‪ ..‬إنها ليلة جليلة القدر ‪ ..‬رفيعة املكانة ‪ ..‬عظيمة الشأن عند اهلل تعاىل ‪..‬‬
‫وح ِرم ‪ ..‬العبادة فيها خري من عبادة‬
‫وغ ِنم ‪ ..‬ومن خسرها خاب ُ‬ ‫من حاز شرفها فاز َ‬
‫ألف شهر ‪ ..‬والربكة فيها تدوم سائر الدهر ‪ ..‬يكفيها قدراً أن اهلل جل شأنه أنزل‬
‫فيها خري كتبه ‪ ..‬وأفضل شرائع دينه !!‬
‫ليلة القدر ليلة ليست كبقية الليالي ‪ ..‬أجرها عظيم ‪ ..‬وفضلها جليل ‪..‬‬
‫احملروم من ُحرم أجرها ‪ ..‬ومل ينل خريها ‪..‬‬
‫ً‬
‫واحتسابا ُغفر له ما تقدم من ذنبه ‪..‬‬ ‫ً‬
‫إميانا‬ ‫من قامها‬

‫‪52‬‬
‫اح ِت َسا ًبا ُغ ِف َر َل ُه َما َت َق َّد َم ِم ْن‬ ‫كما يف احلديث ‪َ (( :‬و َم ْن َقا َم َل ْيلَ َة ا ْل َق ْد ِر إِ َ‬
‫ميا ًنا َو ْ‬
‫َذ ْن ِب ِه )) !!‬
‫على أفضل ما نقول إذا وافقنا هذه الليلة ‪ ،‬فعن أم املؤمنني‬ ‫وقد أرشدنا النيب‬
‫َعا ِئ َش َة رضي اهلل عنها أنها قالت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ :‬أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما‬
‫أقول ؟ قال ‪ :‬قولي ‪ (( :‬اللَّ ُه َّم إِ َّن َك ُع ُف ٌّو َ‬
‫ك ِري ٌم تحُِ ُّب ا ْل َع ْف َو َف ْ‬
‫اع ُف َعن )) ‪.‬‬
‫وليلة القدر تتنقل بني ليالي العشر ‪ ..‬وليالي الوتر آكد ‪ ..‬وأرجاها ليلة سبع‬
‫وعشرين ‪ ..‬وقد أخفى اهلل هذه الليلة يف العشر ليجتهد املسلم يف العبادة ‪ ..‬ومن‬
‫اجتهد يف العشر كلها فقد أدرك ليلة القدر بال شك ‪..‬‬
‫فيا حسرة من فاتته هذه الليلة يف سنواته املاضية ‪ ،‬ويا أسفى على من مل جيتهد‬
‫فيها يف الليالي القادمة ‪.‬‬
‫فاهجر لذيذ النوم ‪ ..‬واإلخالد إىل الكسل ‪ ..‬وانصب أقدامك لربك ‪ ..‬وارفع ه ّمتك ‪..‬‬
‫واد ِفن فتورك ‪ ..‬وكن ممن قال اهلل فيهم ‪ (( :‬تتجافى جنوبهم عن املضاجع يدعون‬
‫ّ‬
‫وتذكر بهذا إخوانك وأهلك وأوالدك ‪..‬‬ ‫تنس أن تأمر‬ ‫ً‬
‫وطمعا )) ‪ ..‬وال َ‬ ‫ربهم خوفا‬
‫‪.‬‬ ‫كما كان هدي احلبيب‬
‫فاالجتهاد االجتهاد يف ما بقي من أيام وليالي هذه العشر ‪ ..‬علَّك َّ‬
‫توفق فتوافق ليلة‬
‫القدر ‪ ..‬وتنال ما فيها من عظيم الثواب واألجر ‪..‬‬
‫اللهم اجعلنا ممن يوافقونها ‪ ..‬وينالون أجرها ‪..‬إنك على كل شيء قدير‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫(( أيها المعتكف ‪..‬‬
‫هذا هو مقصود االعتكاف )) !!‬
‫أخي ‪..‬‬
‫تأ ّمل هذا الكالم النفيس لطبيب القلوب ابن القيم (رمحه اهلل) حيث يقول ‪:‬‬
‫ً‬
‫متوقفا على‬ ‫( ملّا كان صال ُح القلب واستقام ُته على طريق سريه إىل اهلل تعاىل‬
‫مجعيته على اهلل تعاىل ‪ ..‬وكان فضول الطعام والشراب ‪ ..‬وفضول املخالطة ‪..‬‬
‫َّ‬
‫وفضول الكالم ‪ ..‬وفضول املنام ‪ ..‬مما يزيده ً‬
‫شعثا ويش ّتته يف كل وا ٍد ‪ ..‬ويقطعه‬
‫عن سريه إىل اهلل تعاىل أو يضعفه أو يع ّوقه ويوقفه ‪ ..‬اقتضت رمحة العزيز الرحيم‬
‫فضول َّ‬
‫الطعام والشراب ‪ ..‬وشرع هلم‬ ‫َ‬ ‫أن شرع هلم من الصوم ما ُيذهب‬ ‫بعباده ْ‬
‫عكوف القلب على اهلل تعاىل ‪ ..‬فيصري ُأ ُ‬
‫نسه‬ ‫ُ‬ ‫وروحه‬
‫االعتكاف الذي مقصودُه ُ‬
‫بدال عن ُأنس ٍه باخللق ‪ ..‬ف ُي ِعدُّه بذلك ُألنسه به يوم الوحشة يف القبور ‪ ..‬حني ال‬
‫باهلل ً‬
‫أنيس له وال ما َيفرح به سواه ‪ ..‬فهذا مقصو ُد االعتكاف األعظم ‪ ..‬وملّا كان هذا‬
‫ُ‬
‫االعتكاف يف أفضل أيام الصوم ‪ ..‬وهو‬ ‫يتم مع الصوم ‪ُ ..‬شرع هلم‬
‫املقصود إمنا ُّ‬
‫العشر األخري من رمضان ) !!‬
‫هل فهمت اآلن ما هو املقصود احلقيقي واهلدف األصلي لالعتكاف ؟؟؟‬
‫ً‬
‫واضحا يف القلب والفكر ‪ ..‬ويف صفاء الذهن ‪ ..‬ويف‬ ‫أخي ‪ ..‬إن لالعتكاف تأثرياً‬
‫إدراك األمور وفهم مسرية احلياة ‪ ..‬ويف تصحيح السلوك وتقويم اعوجاج األخالق !!‬
‫قال ابن رجب (رمحه اهلل)‪( :‬فمعنى االعتكاف وحقيقته‪:‬‬
‫قطع العالئق عن اخلالئق ‪ ..‬لالتصال خبدمة اخلالق ‪ ..‬كان بعض الصاحلني ال يزال‬
‫منفردًا يف بيته خال ًيا بربه ‪ ..‬فقيل له ‪ :‬أما تستوحش؟ قال‪ :‬كيف استوحش وهو‬
‫يقول‪« :‬أنا جليس من ذكرني»؟؟ ) ‪..‬‬

‫‪54‬‬
‫عد دورة يتعلم فيها العبد معنى التجرد هلل تعاىل ‪ ..‬تنسلخ فيه النفس‬
‫إن االعتكاف ُي ُّ‬
‫من كل شيء ‪ ..‬و يتخلص فيه القلب من كل شاغل يشغله عن مواله !!‬
‫وال حرج أن تعتكف أخي مع صاحبك أو قريبك ‪ ..‬ولكن احلرج أن يصري‬
‫االعتكاف فرصة للسمر والسهر ‪ ..‬والقيل والقال ‪ ..‬ولذلك قال ابن القيم بعدما‬
‫جل ّهال ِمن اختاذ املُع َت َ‬
‫كف موض َع ِع ْشر ٍة ‪ ..‬وجملبة للزائرين‬ ‫بعض ا ُ‬
‫أشار إىل ما يفعله ُ‬
‫‪ ..‬وأخذهم بأطراف احلديث بينهم ‪..‬‬
‫قال ‪ ( :‬فهذا لون ‪ ..‬واالعتكاف النبوي لون آخر) !!‬
‫ألن أكثر ما يفسد القلب امللهيات والشواغل اليت تصرفه عن اإلقبال على اهلل عز‬
‫وجل ‪ ..‬من شهوات املطاعم ‪ ..‬واملشارب ‪ ..‬واملناكح ‪ ..‬وفضول الكالم ‪ ..‬وفضول‬
‫النوم ‪ ..‬وفضول الصحبة ‪ ..‬وغري ذلك !!‬
‫قال ابن رجب (رمحه اهلل)‪:‬‬
‫يف هذه العشر اليت ُيطلب فيها ليلة القدر‪ ..‬قط ًعا‬
‫( وإمنا كان يعتكف النيب‬
‫ألشغاله وتفري ًغا لباله‪ ..‬وختلِّ ًيا ملناجاة ربه وذكره ودعائه‪ ..‬وكان حيتجز حص ً‬
‫ريا‬
‫يتخلى فيها عن الناس فال خيالطهم وال يشغل بهم‪ ..‬وذهب اإلمام أمحد إىل أن‬
‫املعتكف ال يستحب له خمالطة الناس حتى وال لتعليم علم وإقراء قرآن‪ ..‬بل األفضل‬
‫له االنفراد بنفسه والتخلي مبناجاة ربه وذكره ودعائه‪ ..‬وهذا االعتكاف هو‬
‫وخصوصا يف العشر األواخر منه ‪...‬‬
‫ً‬ ‫خصوصا يف شهر رمضان‪..‬‬
‫ً‬ ‫اخللوة الشرعية‪...‬‬
‫فاملعتكف قد حبس نفسه على طاعة اهلل وذكره‪ ..‬وقطع عن نفسه كل شاغل‬
‫هم سوى اهلل‬ ‫قربه منه‪ ..‬فما بقي له ٌّ‬
‫يشغله عنه‪ ..‬وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما ُي ِّ‬
‫وما يرضيه عنه)‪..‬‬
‫فمن أراد أن ينال هذا كله فإنه حباجة إىل جلسة متأنية فاحصة مع النفس ‪..‬‬

‫‪55‬‬
‫واعتزال اخللق ‪ ..‬وفراغ القلب والفكر من كل املُلهيات و الشواغل الدنيوية ‪ ..‬حتى‬
‫يتسنى للروح أن ترتقي و حتلِّق يف آفاق الكمال والنور ‪ ..‬فتتصل خبالقها !!‬
‫َّ‬
‫أخي ‪ ..‬إن االعتكاف عبادة تلتقي يف ظالهلا القلوب املؤمنة ‪ ..‬وتتجاوب األرواح‬
‫العابدة اخلاشعة ‪ ..‬فرتفرف إىل عليني ‪ ..‬وتسمو إىل جنان رب العاملني !!‬
‫والسباق يوم يقرتب من نهايته ‪ ..‬فيشتد َع ْدو املتسابقني واملسارعني إىل‬
‫جنات النعيم ‪..‬‬
‫فال حترم نفسك من اللحاق ب َر ْ‬
‫كبهم ‪ ..‬فهم القوم ال يشقى بهم جليسهم !!‬

‫‪56‬‬
‫(( اكتشف نفسك بهذا المقياس ))‬
‫شهواتك يف رمضان ؟؟‬
‫ُ‬
‫خسران ؟؟‬ ‫الربح مما فيه‬
‫أتطلب َ‬‫ُ‬ ‫يا خاد َم اجلسم كم تسعى خلدمت ِه ***‬
‫ُ‬
‫إنسان !!‬ ‫بالروح ال باجلسم‬
‫ِ‬ ‫الروح واستكمل فضائلَها *** فأنت‬
‫ِ‬ ‫أقب ْل على‬
‫ِ‬
‫جاء رمضان ‪ ...‬فمنهم من َف ِه َمه فرص ًة لألكل !!‬
‫ومنهم من َّ‬
‫ظنه فرصة لالستغراق يف النوم طوال النهار ‪..‬‬
‫والسهر والسمر طوال الليل !!‬
‫ً‬
‫خاصا بالفضائيات!!‬ ‫ً‬
‫مومسا‬ ‫ومنهم من ظنه‬
‫ٌ‬
‫وقليل َّما ُهم )) !!‬ ‫ومنهم ‪ :‬الذين فهموه كما أراد اهلل ‪(( ..‬‬
‫قال ابن رجب رمحه اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫( ملّا علم املؤمن الصائم أن رضى مواله يف ترك شهواته ‪ ..‬قدّم رضى مواله‬
‫لذته يف ترك شهوته هلل ‪..‬‬‫على هواه ‪ ..‬فصارت ّ‬
‫إلميانه ّ‬
‫باطالع اهلل عليه ‪ ..‬وإذا كان هذا فيما َح ُر َم ألجل الصوم فينبغي أن يتأكد‬
‫ذلك فيما َح ُر َم على اإلطالق ‪ ..‬كالزنا وشرب اخلمر وأخذ أموال الناس بالباطل‬
‫وهتك األعراض ‪ ..‬فإن هذا يسخط اهلل على كل حال ‪ ..‬ويف كل زمان ومكان ) !!‬
‫أخي ‪ ..‬هل تريد أن تكتشف نفسك يف رمضان ؟؟؟‬
‫افعل ذلك اآلن لتعرف حقيقة عبوديتك وقربك من موالك يف هذا الشهر املبارك ‪..‬‬
‫فأجهل الناس من جيهل حقيقة نفسه !!‬
‫أخي ‪ ..‬من أهم ما ينبغي أن تقيس نفسك عليه ‪..‬‬
‫(( شهواتك يف رمضان )) !!‬

‫‪57‬‬
‫شهوة البطن !! وشهوة النوم !!‬
‫وشهوة الكالم !! وشهوة الغضب !!‬
‫وشهوة الفضائيات واملسلسالت !!‬
‫وشهوة ا ُ‬
‫خللطة سواء عرب النت أو على الواقع !!‬
‫ً‬
‫غالبا !!‬ ‫هذه هي الشهوات الغالبة ‪..‬‬
‫هذه هي الشهوات اليت عليها مدار صالح اإلنسان أو فساده ‪ ..‬وهالكه أو جناته !!‬
‫فإن أجلمها فقد جنا وظفر ‪ ..‬وإن متلكته فقد خاب وخسر !!‬
‫قال ابن القيم ‪ ( :‬وهلذا سئل عمر بن اخلطاب ‪ :‬أميا أفضل ‪ :‬رجل مل ختطر له‬
‫الشهوات ومل متر بباله ‪ ..‬أو رجل نازعته إليها نفسه فرتكها هلل ؟؟‬
‫فكتب عمر ‪ :‬إن الذي تشتهي نفسه املعاصي ويرتكها هلل عز وجل من الذين‬
‫امتحن اهلل قلوبهم للتقوى هلم مغفرة وأجر عظيم ) !!‬
‫والصيام أخي ‪ ..‬دليل على أن يف داخلنا قوة تستطيع أن متتنع عن أي شيء !!‬
‫ً‬
‫حالال فإنه يتحول بكلمة (( اهلل أكرب)) عند طلوع الفجر إىل حرام‬ ‫حتى ولو كان‬
‫مؤقت !!‬
‫ً‬
‫وعونا لك على طغيان نفسك‬ ‫فالكريم مل يفرض عليك الصيام إال رمحة بك ‪..‬‬
‫وشهواتها ونزواتها ‪ ..‬فالصيام ُفرض تزكية وتطهرياً ‪ ..‬ال مشقة وتعسرياً !!!‬
‫فال تستسلم لشهواتك يف رمضان !!‬
‫واعلم أن الصيام فرصة لتهذيبها والتحرر من أغالهلا اليت طاملا عانيت منها أشد‬
‫املعاناة !!‬
‫فإن مل تتحرر اآلن من شهواتك ونزواتك فمتى يكون ذلك يا ُترى ؟؟؟‬

‫‪58‬‬
‫إنك إن عجزت اآلن عن املبادرة فأنت يف غري رمضان أعجز !!‬
‫وإذا عجزت اآلن عن طاعة اهلل ‪ ..‬فباهلل متى تربي نفسك على الطاعة ؟؟‬
‫أخي ‪ ..‬بادر بسرعة ‪ ..‬وحرر نفسك من قيود الشهوات ‪ ..‬فهي اآلن عليك أخف ‪..‬‬
‫ألن عد ّوك مص ّفد يف األغالل ‪..‬‬
‫وتذكر جيداً قول ابن القيم رمحه اهلل ‪ (( :‬الصيام جلام املتقني )) !!‬
‫ّ‬

‫‪59‬‬
‫(( َتع َّلم التد ّبر في رمضان ؟؟))‬

‫قال ابن القيم ( رمحه اهلل ) يف نونيته ‪:‬‬


‫الــقــرآن‬
‫ِ‬ ‫تـدب ِـر‬
‫تـحـت ُّ‬
‫َ‬ ‫إن ُر ْم َت ا ُ‬
‫هل َدى *** فالعـلـ ُم‬ ‫َ‬
‫القرآن ْ‬ ‫فتدبر‬
‫َّ‬
‫عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال ‪:‬‬
‫علي ( أي ‪ :‬القرآن ) ؟‬
‫‪ :‬اقرأ َّ‬ ‫قال لي رسول اهلل‬
‫فقلت ‪ :‬كيف أقرأ عليك وعليك ُأنزل ؟‬
‫قال ‪ :‬إني أحب (أو قال ‪ :‬إني أشتهي ) أن أمسعه من غريي!‬
‫قال ‪ :‬فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا بلغت ‪:‬‬
‫ك ِّل ُأ َّم ٍة ِب َش ِه ٍ‬
‫يد َو ِج ْئ َنا ِب َك َعلَى َه ُؤال ِء َش ِهيداً ))‬ ‫ك ْي َف إِ َذا ِج ْئ َنا ِم ْن ُ‬
‫(( َف َ‬
‫[النساء‪.. ]41:‬‬
‫قال ‪ :‬فنظرت إليه وقد اغرورقت عيناه !!‬
‫أخي ‪ ..‬حيق لنا أن نرتك اجملال يف هذا لطبيب القلوب ابن القيم ( رمحه اهلل )‬
‫ونستكثر من كالمه ‪ ..‬فتأمل يف كالمه ‪ ..‬حيث يقول ‪:‬‬
‫( وباجلملة ‪ ..‬فال شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر !!‬
‫فإنه جامع جلميع منازل السائرين ‪ ..‬وأحوال العاملني ‪ ..‬ومقامات العارفني ‪..‬‬
‫وهو الذي يورث احملبة واخلوف والرجاء واإلنابة والتوكل والرضا‬
‫والشكر والصرب ‪ ..‬وسائر األحوال اليت بها حياة القلب وكماله !!‬

‫‪60‬‬
‫وكذلك يزجر عن مجيع الصفات واألفعال املذمومة واليت بها فساد القلب‬
‫وهالكه !!‬
‫فلو علم الناس ما يف قراءة القرآن بالتدبر الشتغلوا بها عن كل ما سواها ) !!‬
‫ُّ‬
‫بتفكر حتى مر بآية وهو حمتا ٌج إليها يف شفاء‬ ‫ويقول يف قراءة القرآن ‪ ( :‬فإذا قرأه‬
‫وتفهم خري من‬
‫كررها ولو مائة مرة ‪ ..‬ولو ليلة كاملة ‪ ..‬فقراءة آية بتفكر ُّ‬
‫قلبه َّ‬
‫وتفهم ‪ ...‬وهذه كانت عادة السلف ‪ ..‬يردد أحدهم اآلية إىل‬
‫تدبر ُّ‬
‫قراءة ختمة بغري ُّ‬
‫الصباح ‪..‬‬
‫انه قام بآية يرددها حتى الصباح ‪ ..‬وهي قوله ‪ (( :‬إِن ُت َع ِّذب ُهم‬ ‫وقد ثبت عن النيب‬
‫ُّ‬
‫بالتفكر‬ ‫كي ُم )) ‪ ...‬فقراءة القرآن‬
‫حل ِ‬ ‫ُك َوإِن َتغ ِفر لهَُم َف ِإ َّن َك َأ َ‬
‫نت ال َع ِزي ُز ا َ‬ ‫َف َّإن ُهم ِع َباد َ‬
‫هي أصل صالح القلب )!!!‬
‫اع ُة‬
‫الس َ‬
‫عن القاسم بن معني أن أبا حنيفة ( رمحه اهلل ) قام ليلة بهذه اآلية (( َب ِل َّ‬
‫ْهى َو َأ َم ُّر )) يردّدها ‪ ..‬ويبكي ‪ ..‬ويتضرع !!‬ ‫اع ُة َأد َ‬ ‫َم ْو ِع ُد ُه ْم َو َّ‬
‫الس َ‬
‫ولو تساءلت عن سرعة قراءة الشافعي أو غريه أقول لك ‪ :‬الشافعي وغريه من السلف‬
‫عميقا ‪ ..‬وتدبروه غاية التدبر ‪ ..‬فكان شهر رمضان يف‬ ‫ً‬ ‫فهموا كتاب اهلل ً‬
‫فهما‬
‫حقهم فرصة لتكثري احلسنات ‪ ..‬فاملسلم يفعل األصلح لقلبه على اختالف األحوال‬
‫سواء السرعة مع التدبر ‪ ..‬أو طول التأمل يف آية أو آيات إذا رأى ذلك األصلح واألنفع‬
‫لنفسه وقلبه ‪..‬‬
‫وأنت طبيب نفسك ‪ ..‬فال تهمل عالجها يف رمضان !!‬
‫وعلّمها التد ّبر واخلشوع ‪ ..‬وع ّودها البكاء واملسكنة بني يدي الكريم سبحانه !!‬

‫‪61‬‬
‫(( شهر العفو والصفح ))‬
‫دخل عمر بن عبد العزيز املسجد ‪..‬‬
‫فعثرت ِرجله بأحد النائمني دون قصد ‪..‬‬
‫فانتبه الرجل ً‬
‫قائال ‪ :‬أجمنو ٌن أنت ؟؟‬
‫فقال عمر ‪ :‬ال !!‬
‫فهم به احلرس ‪ ..‬فقال هلم عمر ‪:‬‬
‫َّ‬
‫دعوه ‪ ..‬فإمنا سألين فأجبته !!!‬
‫ً‬
‫تواضعا هلل ‪ ..‬ثم قال ‪:‬‬ ‫ومر ًة شتمه رجل أمام الناس !! ّ‬
‫فنكس عمر رأسه‬
‫أردت أن يأخذني الشيطان بع ّز السلطان ‪..‬‬
‫يا هذا َ‬
‫فأنال منك اليوم ما تناله مين غداً ؟؟ اذهب لشأنك !!‬
‫أخي ‪ ..‬ملا كربت نفوسهم ‪ ..‬وعلت هممهم ‪ ..‬كانت أخالقهم الكرمية ‪ ..‬وصدورهم‬
‫املَُّتسعة‪ ..‬وإغضاؤهم وجتاوزهم عن زالت إخوانهم ‪ ..‬ليس يف رمضان فحسب !!‬
‫ً‬
‫وقيما راسخة طوال العام !!‬ ‫بل صار عادة ثابتة على الدوام‪..‬‬
‫فكيف كانوا يف رمضان ‪ ..‬وقد تأ ّملوا قول اهلل ‪:‬‬
‫كم و ُ‬ ‫(( َول َيع ُفوا َول َيص َف ُحوا َألاَ تحُِ ُّب َ‬
‫اهلل َغ ُفو ٌر َر ِحي ٌم )) ؟؟‬ ‫ون َأن َيغ ِف َر اهلل َل ُ َ‬
‫ً‬
‫وكرما ‪..‬‬ ‫تواضعا وعفواً‬
‫ً‬ ‫ال شك أنهم كانوا أكثر‬
‫أيضا يريدون أن يكونوا من‬ ‫ً‬ ‫ألنهم يريدون املغفرة من سيدهم وموالهم ؟؟ وهم‬
‫املسارعني واملتسابقني إىل أكرم األكرمني يف رمضان؟؟‬
‫الناس و ُ‬ ‫ني ال َغ َ‬ ‫لقد مسعوا قول اهلل ‪َ (( :‬و َ‬
‫اهلل يحُِ ُّب‬ ‫ني َع ِن َّ ِ َ‬ ‫يظ َوال َعا ِف َ‬ ‫اظ ِم َ‬
‫الك ِ‬
‫ني )) ‪..‬‬‫الحمُ ِس ِن َ‬

‫‪62‬‬
‫أخي ‪ ..‬أفال تريد أن تكون منهم يف رمضان ؟؟‬
‫فما بالك ّ‬
‫تتنكر ألخالقهم ‪ ..‬وتتنكب طريقهم ‪ ..‬وتتوانى عن سبيلهم ؟؟‬
‫إن عفوك عن أخيك يف رمضان يستجلب عفو اهلل عنك سائر األزمان ‪..‬‬
‫وإن جتاوزك عن زالت األنام يف شهر الصيام ‪ ..‬يستوجب جتاوز اهلل عن زلاّ تك‬
‫وهفواتك طوال العام ‪..‬‬
‫ثم هو أكرم منك ‪ ..‬فسيعطيك أكثر مما بذلت ومينحك أكثر مما أعطيت !!‬
‫أخي ‪ ..‬العفو معناه ‪ :‬املساحمة عما مضى من خالفات ‪ ..‬ومغفرة ما سلف من زالت ‪..‬‬
‫العفو معناه ‪ :‬تطهري القلب من احلقد والغل واحلسد وسائر املكدرات ‪..‬‬
‫العفو معناه ‪ :‬ترك الغضب من أي شيء يستفزك وأنت صائ ٌم ‪..‬‬
‫إال أن ُتنتهك ُحرمات اهلل ‪..‬‬
‫نبيك عليه الصالة والسالم مل يؤ َثر عنه أنه ضرب ً‬
‫شيئا بيده ‪..‬‬ ‫فإن َّ‬
‫ً‬
‫طفال ‪..‬‬ ‫ً‬
‫خادما وال‬ ‫ال عبداً وال أمة وال‬
‫ومل يكن يغضب إال إذا ان ُتهكت حمار ُم اهلل !!‬
‫وهكذا كان صالح الدين األيوبي ‪..‬ال يكاد يغضب على أحد من املسلمني ‪..‬‬
‫فقيل له ‪ :‬ما لك ال تغضب ؟؟‬
‫فقال ‪ :‬إني أدّخر غضيب للصليبيني !!‬
‫درهم ‪ ..‬هذه هي الرجولة احلقة ‪ ..‬والشجاعة الصادقة ‪ ..‬واالرتقاء فوق الدناءات ‪..‬‬‫هلل ُّ‬
‫الغضب‬
‫ُ‬ ‫الر َت ُب وال ُ‬
‫ينال العلى َمن طب ُع ُه‬ ‫احلقد من تعلو به ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حيمل‬ ‫ال‬
‫أخي ‪ ..‬فال جتعل شهر رمضان ذريع ًة للطيش والغضب ‪..‬‬
‫وحج ًة للسباب والشتائم !!‬
‫ُ‬
‫وال جتعل الصيام ُعذراً لضيق الصدر ‪..‬‬

‫‪63‬‬
‫وكثرة اخلالفات واخلصومات والشجارات !!‬
‫بل عليك أن تدرك أن شهر رمضان هو شهر األخالق والتواضع‪..‬‬
‫وهو سبب للرمحة والرأفة ‪ ..‬و َمدعاهٌ للحب ورقة القلب‪..‬‬
‫ٌ‬
‫وسبيل للجود والسخاء ‪ ..‬والتبسم والصفاء !!‬

‫‪64‬‬
‫(( لسا ُنك في رمضان ))‬
‫كيف يصـو ُم اللسان ؟!‬

‫مـوك ُـل‬
‫فذاك لسا ٌن بالـبـال ِء َّ‬ ‫لسان املر ِء ُأكـثــر هــَ ْـذ ُره‬
‫إذا ما ُ‬
‫ُ‬
‫وتـفـعـــل‬ ‫ومي ْز ما ُ‬
‫تقول‬ ‫فـدب ْر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫شئت أن حتيا سعيداً ُمسلَّ ً‬
‫ـمـا‬ ‫إذا َ‬
‫قال عليه الصالة والسالم ملعاذ رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫(( ُ‬
‫كف عليك هذا ‪ ..‬وأشار إىل لسانه ))‬
‫فقال معاذ ‪ :‬أو إنا مؤاخذون مبا نتكلم به يا رسول اهلل ؟‬
‫فقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫حصائد‬
‫ُ‬ ‫الناس يف النار على وجوههم إال‬
‫َ‬ ‫كب‬
‫(( ثكلتك أمك يا معاذ !! وهل َي ُّ‬
‫ألسنتهم )) !!‬
‫كان أبو بكر الصديق ( رضي اهلل عنه ) يأخذ بلسانه ويقول ‪:‬‬
‫هذا الذي أوردني املوارد ( أي ‪ :‬موارد اهلالك ) !!‬
‫هذا العضو البسيط الذي قد يرتقي به صاحبه إىل أعلى درجات اجلنان ‪ ..‬وقد‬
‫يهوي به إىل أدنى دركات النريان ‪ ..‬قد يكتب اهلل به على العبد رضاه عنه إىل يوم‬
‫القيامة ‪ ..‬وقد يكتب به سخطه عليه إىل يوم القيامة والعياذ باهلل ‪..‬‬
‫إذاً أخي ‪ ..‬احذر اللسان ‪ ..‬فإنه سالح فتاك ‪ ..‬قد يوردك موارد اهلالك ‪..‬‬
‫لذا قال ابن مسعود رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫سجن من اللسان )!!‬ ‫ٍ‬ ‫( واهلل ما شيء أحق بطول‬
‫يقول سبحانه ‪َ (( :‬ما َي ْل ِف ُظ ِمن َق ْو ٍل إِلاَّ َل َد ْي ِه َر ِق ٌ‬
‫يب َع ِتي ٌد )) ‪..‬‬

‫‪65‬‬
‫ويف البخاري عنه عليه الصالة والسالم أنه قال ‪:‬‬
‫(( من يضمن لي مابني حلييه وما بني فخذيه أضمن له اجلنة )) ‪..‬‬
‫قد يريد العبد الصاحل الكالم فيذكر تبعة الكالم ‪ ..‬ورقابة امللك العلاّ م ‪..‬‬
‫فيلوذ بالصمت !!‬
‫أخي ‪ ..‬صيانة اللسان عند الصيام أمر يف غاية األهمية ‪ ..‬لعظمة عبادة الصيام‬
‫وفضلها‪..‬‬
‫سابه أح ٌد أو قاتله‬
‫((فإذا كان يوم صوم أحدكم فال يرفث وال يصخب ‪ ..‬فإن َّ‬
‫فل َي ُقل‪ :‬إني صائم))!!‬
‫وكيف يصوم من إذا استفزه السفهاء وثب جملاراتهم ومل ميلك زمام منطقه ؟؟‬
‫كيف يصوم من استغرق طوال يومه يف الغيبة والسباب ‪ ..‬والنميمة وفاحش القول؟؟‬
‫كيف يصوم من جترأ على شهادة الزور‪ ..‬ومل يكف عن املسلمني الشرور‪ ..‬وغ ّره‬
‫باهلل الغرور؟؟‬
‫ويف احلديث‪ (( :‬املسلم من َسلِم املسلمون من لسانه ويده )) !! و‪:‬‬
‫اج ٌة فيِ َأ ْن َي َد َع َط َعا َم ُه َو َش َرا َب ُه )) !!‬ ‫ور َوا ْل َع َم َل ِب ِه ‪َ ،‬فلَ ْي َ‬
‫س للِهَِّ َح َ‬ ‫(( َم ْن لمَْ َي َد ْع َق ْو َل ُّ‬
‫الز ِ‬
‫ان َين َز ُغ َب ْي َن ُه ْم )) !!‬ ‫وا َّال ِه َي َأ ْح َس ُن إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫ُ ُْ‬ ‫ُ ِّ‬
‫وقد قال تعاىل‪َ (( :‬وقل ل ِع َبا ِدي َيقول تيِ‬
‫أخي ‪ ..‬فال تدع الشيطان يفسد عليك صومك ‪ ..‬وحيرمك رضى ربك يف شهرك ‪..‬‬
‫واعلم أن أعظم فرصة لتأديب اللسان وتهذيبه هو (( شهر رمضان )) ‪..‬‬
‫حني تضيق جماري الشيطان ‪ ..‬فتهدأ النفس ‪ ..‬وتسكن الروح ‪..‬‬
‫وهنا تتمكن من إجلام اللسان وتقييده ومراقبته بإذن اهلل‪..‬‬

‫‪66‬‬
‫(( االنتصار على الهوى في رمضان ))‬
‫إنها ‪ ..‬حقيقة املعركة !!‬
‫قال اإلمام الشافعي (رمحه اهلل) ‪:‬‬
‫والصواب‬
‫ُ‬ ‫تدر ُ‬
‫حيث اخلطأ‬ ‫إذا حا َر أمـ ُر َك يف معنـيـيــــن *** ومل ِ‬
‫ـعــــــاب‬
‫ُ‬ ‫فخالف هـواك َّ‬
‫فـإن الـهــــوى *** يـقــود النـفـوس إلـى مـا ُي‬
‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ :‬اهلوى إٍله ُيعبد من دون اهلل !! ‪ ..‬ثم قرأ ‪:‬‬
‫س ِع ِه َو َق ْل ِب ِه َو َج َع َل‬ ‫(( َأ َفر َأي َت من اتخَّ َ َذ إِلهََ ُه َهواه و َأ َ للهَُّ‬
‫ضلَّ ُه ا َعلَى ِع ْل ٍم َو َخ َت َم َعلَى مَْ‬ ‫ََُ‬ ‫َ ْ َِ‬
‫ون )) [اجلاثية‪.. ]23:‬‬ ‫ك ُر َ‬ ‫ص ِر ِه ِغ َشا َو ًة َف َم ْن َي ْه ِدي ِه ِم ْن َب ْع ِد اللهَِّ َأ َفال َت َذ َّ‬
‫َعلَى َب َ‬
‫فاحذر أخي من هواك أن يغلبك على شهرك ‪ ..‬وخيرجك منه كما دخلت ‪..‬‬
‫فإن عبودية اهلوى على القلوب املريضة بالطاعة واالنقياد إذا استفحلت قتلت ‪..‬‬
‫وأصابت صاحبها باملهانة ‪..‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬اهلوى ملك غشوم ‪ ..‬يغلب بقوة سلطانه !! واهلوى هو (( اهلوان !! )) ‪..‬‬
‫فاهلوى جيعل صاحبه للشهوات أسرياً ‪ ..‬حتى لو كان يف أعني الناس أمرياً كبرياً !!‬
‫تأم َر من سا َد يف نفس ِه *** وإن األسري أسري اهلوى !!‬
‫َّ‬
‫أخي ‪ ..‬سياسة النفوس من أكرب وسائل االنتصار على اهلوى يف رمضان ويف غريه ‪..‬‬
‫لكنها فيه آكد ‪ ..‬فال ُتغفل سرعة زوال شهرك ‪ ..‬وال تتناسى معركتك مع هواك‬
‫‪ ..‬فإن العبد ال يزال يف معركة مع هواه مادام ً‬
‫حيا ‪ ..‬وجهاد اهلوى هو رأس‬
‫كل جهاد ‪..‬‬
‫عن أبي حازم – سلمة بن دينار – قال ‪ ( :‬قاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك ) !!‬
‫ألنه من غلب هواه سهل عليه ما بعده ‪ ..‬ومن تعسر عليه التغلب على اهلوى كان ما‬
‫بعده أشد وأعسر ‪ ..‬لذا فإنك ترى أغلب الناس ينهزمون أمام اهلوى ‪..‬‬

‫‪67‬‬
‫قال احلسن ( رمحه اهلل ) ‪ ( :‬أفضل اجلهاد ‪ ..‬جهادك هواك ) !!‬
‫أخي ‪ ..‬الصيام يصنع التقوى ‪ ..‬والتقوى جلام اهلوى ‪..‬‬
‫ولذا جعلها الكريم سبحانه – وهو أعلم بنفوس عباده وما يصلحها ‪ -‬اهلدف‬
‫األمسى والثمرة املرجوة للصيام ‪ ..‬كما قال جل شأنه‪:‬‬
‫ك ْم‬ ‫ك ِت َب َعلَى َّال ِذ َ‬
‫ين ِمن َق ْبلِ ُ‬ ‫ك َما ُ‬
‫الص َيا ُم َ‬ ‫ك ِت َب َعلَ ْي ُ‬
‫ك ُم ِّ‬ ‫وا ُ‬ ‫(( َيا َأ ُّي َها َّال ِذ َ‬
‫ين آ َم ُن ْ‬
‫ون )) !!‬ ‫ك ْم َت َّت ُق َ‬ ‫َل َعلَّ ُ‬
‫يقول ابن اجلوزي (( رمحه اهلل )) ‪:‬‬
‫( اعلم أن الشيطان يرصدك ليفتنك ‪ ..‬والشباب ُشعبة من اجلنون ‪ ..‬والفنت كثرية‬
‫متنوعة ‪ ..‬فاكسر صنم اهلوى باالنهماك يف العبادة والطاعة ) !!‬
‫أخي ‪ ..‬إن انتصارك على هواك يدل على كمال جماهدتك ومتام مصابرتك ‪..‬‬
‫(( وما ُي َّ‬
‫لقاها إال الذين صربوا )) !!‬
‫معية اهلل وتوفيقه وهدايته ‪...‬‬
‫فكن منهم تنل َّ‬

‫‪68‬‬
‫(( وداعًا رمضان ))‬
‫الودا ُع املُ ّر !!‬
‫بان من ِخ ٍّل ومن ِ‬
‫جار‬ ‫ار *** واذكر ملن َ‬ ‫والــد ِ‬
‫األطـالل َّ‬
‫ِ‬ ‫دع البكا َء على‬ ‫ِ‬
‫أنــــوار‬ ‫ذات‬
‫لـيـــــال ِ‬ ‫فــــراق‬ ‫أسف *** عــلــى‬
‫ابك من ٍ‬ ‫ً‬
‫حنيبا و ِ‬ ‫َذ ِر الدمو َع‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أوزار‬
‫آثـــــــام و ِ‬
‫ٍ‬ ‫لــتــمــحــيــــص‬
‫ِ‬ ‫الصوم ما ُجعـلَ ْ‬
‫ـت *** إال‬ ‫ِ‬ ‫لشهر‬
‫ِ‬ ‫ليال‬
‫على ٍ‬
‫القاري‬ ‫ُ‬
‫والشمل جمتم ٌع *** م ّنـَا املصلِّي و َّ‬
‫القانت ِ‬ ‫ُ‬ ‫منا‬ ‫ما كان أحسننا‬
‫أزهــــار‬
‫ِ‬ ‫املصابيح تزهو مثل‬
‫ُ‬ ‫ويف الرتاويـح للـراحــات جــامــعــ ٌة *** فيها‬
‫النار‬
‫حصة ِ‬ ‫عتق اهلل الـعـصـــا َة وقـــد *** َأ ْش َفوا على ُج ُر ٍف من ّ‬
‫شه ٌر به ُي ُ‬

‫قال احلسن البصري (رمحه اهلل) ‪ ( :‬إن اهلل جعل رمضان ِمضماراً خللقه ‪..‬‬
‫يتسابقون فيه بطاعته ‪ ..‬فسبق قوم ففازوا ‪ ..‬وختلف آخرون فخابوا ‪ ..‬فالعجب من‬
‫الالعب الضاحك ‪ ..‬يف اليوم الذي يفوز فيه احملسنون ‪ ..‬وخيسر املبطلون ) !!‬
‫أخي احلبيب ‪..‬‬
‫بليغا حيكي مرور (( شهر رمضان )) بهذه السرعة العجيبة ‪..‬‬ ‫وصفا ً‬
‫ً‬ ‫حاولت أن أجد‬
‫ُ‬
‫أياما معدودات )) ‪..‬‬‫فلم أجد أبلغ من قول احلق سبحانه ‪ً (( :‬‬
‫مرت بأسرع مما كنا نظن ‪ ..‬وأعجل مما كنا نتصور !!‬ ‫نعم واهلل !! إنها أيا ٌم َّ‬
‫منا ف ُنه ّنيه ‪ ..‬و َمن املردود ف ُن ِّ‬
‫عزيه !!‬ ‫فيا ليت شعري َمن املقبول َّ‬
‫ميضي رمضان وقد نال فيه أقوام العتق من النريان ‪ ..‬وفازوا مبغفرة امللك الديان ‪..‬‬
‫هنيئا ملن خرج يف ختام رمضان بصفحة بيضاء نقية !!‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫هنيئا ملن أسبل الدمع على خدِّه من خشية اهلل ‪ّ ..‬‬
‫وتلذذ يف شهره مبناجاة مواله !!‬

‫‪69‬‬
‫ً‬
‫هنيئا ملن ر ّوض نفسه ّ‬
‫وزكاها بالطاعات ‪ ..‬ومسا بها يف مقامات الفضائل‬
‫والقربات !!‬
‫ً‬
‫هنيئا ملن مل يف ّوت الليالي واأليام ‪ ..‬والساعات واللحظات !!‬
‫بعهد جديد ‪ ..‬وعزم أكيد !!‬
‫هنيئا ملن خرج مع نفسه ور ّبه ٍ‬ ‫ً‬
‫أن ُيالزم طاعته طوال العام ‪ ..‬وأن ال يعود للمعاصي واآلثام !!‬
‫ويا حسرة من استسلم للملذات ‪ ..‬وفاته من عمره ما فات !!‬
‫يا حسرة من أتبع نفسه هواها ‪ ..‬ومتنى على اهلل األماني !!‬
‫ً‬
‫وداعا رمضان !! نقوهلا وقلوبنا من أمل الفراق تتفطر‪..‬‬
‫مهما جداً ‪:‬‬ ‫ً‬
‫سؤاال ً‬ ‫لكن أخي ‪ ..‬أريد أن أسألك‬
‫رحل رمضان ‪ ..‬فهل رحل الصيا ُم والقيام ؟؟‬
‫رحل رمضان ‪ ..‬فهل رحل اخلشو ُع والقرآن ؟‬
‫رحل رمضان ‪ ..‬فهل رحلت مناجا ُة الواحد الديان ؟‬
‫ماذا بعد رمضان ؟؟؟ ‪ ..‬نعم ‪ ..‬ماذا بعد رمضان ؟؟؟‬
‫أخي ‪ ..‬كم من احلسنات قد كسبتها ‪ ..‬وكم من الذنوب فارقتها ؟؟‬
‫كم من العقبات غلبتها ؟؟‬
‫وكم من العادات السيئة هجرتها ؟؟ وبعد مشقة أنقذك اهلل فرتكتها ؟؟‬
‫أ ُتراك بعد ذلك تعود إليها ؟؟؟ ال وألف ال‪..‬‬
‫ُأعيذك باهلل من أن ختون عهدك مع ربك ‪ ..‬إن اهلل ال حيب اخلائنني !!‬
‫ً‬
‫أنكاثا !!‬ ‫أعيذك باهلل أن تكون كاليت نقضت غزهلا من بعد قوة‬
‫فيخيب سعيك ‪ ..‬ويحُ بط عملُك !!‬

‫‪70‬‬
‫أمل خيطر ببالك قول احلق تعاىل ‪:‬‬
‫(( َو َق ِدم َنا إِلىَ َما َع ِملُوا ِمن َع َم ٍل َف َج َعل َنا ُه َه َبا ًء َمن ُثوراً )) !!‬
‫ما أصعبها من حلظة ويا له من خذالن أن تنظر إىل جبال حسناتك وقد صارت هبا ًء‬
‫منثوراً !!‬
‫لذلك كان أسالفنا يدعون اهلل ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان !!‬
‫نعم ‪ ..‬بئس العبد الذي ال يعرف اهلل إال يف رمضان ‪..‬‬
‫ً‬
‫رمضانيا !!‬ ‫ً‬
‫ربانيا والتكن‬ ‫فكن‬
‫وتذكر أن من عالمات قبول احلسنة احلسنة بعدها !!‬
‫وأحب العمل إىل اهلل أدومه وإن َّ‬
‫قل !!‬
‫فاجعل لك جزءاً من القرآن ‪ ..‬تداوم عليه بعد رمضان !!‬
‫ً‬
‫وأياما من الشهر تصومها !!‬ ‫واجعل لك حلظات من الليل تقومها ‪..‬‬
‫أخي ‪ ..‬من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد رحل ‪...‬‬
‫باق ال يرحل!!‬
‫ومن كان يعبد اهلل ‪ ..‬فإن اهلل ٍ‬
‫أخي ‪ ..‬بعد رحيل شهرك احلبيب عليك أن تتذكر جيداً مقالة اإلمام مالك رمحه‬
‫اهلل ‪ ( :‬ما كان هلل بقي ) !!‬
‫نعم ‪ ..‬ما كان هلل بقي على الدوام !!‬
‫تقب ً‬
‫ال يا كريم يا َّ‬
‫منان !!‬ ‫اللهم كما سلَّمتنا رمضان ‪ ..‬فتسلَّمه َّ‬
‫منا ُم َّ‬

‫(( ربنا ال ُتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة إنك أنت الوهاب )) !!‬

‫‪71‬‬
‫مراجع متت االستفادة منها‬

‫اهلمة العالية _ حممد بن إبراهيم احلمد ‪.‬‬


‫رمضان فرصة للتغيري _ د‪ .‬حممد اهلبدان ‪.‬‬
‫الصوم جلام الشهوات األربع _ د‪ .‬صالح سلطان ‪.‬‬
‫رمضان فرصتك لالخالص _ عصام ضاهر ‪.‬‬
‫رمضان والرحيل امل ّر _ د‪ .‬إبراهيم الدويش ‪.‬‬
‫القواعد احلسان يف أسرار الطاعة واالستعداد لرمضان _ رضا محدي ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة (فبذلك فليفرحوا) ‪3 .........................................................................................‬‬
‫أتدري ماذا يعين بلوغك رمضان ‪5 ................................................................................‬‬
‫ً‬
‫مرحبا رمضان ‪7 ............................................................................................................‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم يهنئ أصحابه ‪9 .................................................................‬‬
‫واسألوا اهلل من فضله ‪11 .............................................................................................‬‬
‫سال ٌم على شهرنا املنتظر ‪12 .........................................................................................‬‬
‫عزمات الكرام يف رمضان ‪13 .....................................................................................‬‬
‫إخالصك يف رمضان (‪15 ......................................................................................... )1‬‬
‫إخالصك يف رمضان (‪18 ......................................................................................... )2‬‬
‫حاسب نفسك ً‬
‫أوال ‪21 ...................................................................................................‬‬
‫وأنيبوا إىل ربكم (‪23 .............................................................................................. )1‬‬
‫وأنيبوا إىل ربكم (‪25 .............................................................................................. )2‬‬
‫وأنيبوا إىل ربكم (‪27 .............................................................................................. )3‬‬
‫احذر لصوص رمضان ‪29 ..............................................................................................‬‬
‫ال تنشغل بغري نفسك ‪32 ................................................................................................‬‬
‫شهر القرآن (‪35 ....................................................................................................... )1‬‬
‫شهر القرآن (‪37 ....................................................................................................... )2‬‬
‫وينتصف الشهر ‪39 ........................................................................................................‬‬
‫ال جتعل يوم صومك ويوم فطرك سواء ‪42 ...................................................................‬‬
‫قيامك يف رمضان ‪44 .....................................................................................................‬‬
‫همسة قبيل العشر ‪46 ....................................................................................................‬‬

‫‪73‬‬
‫هل جربت االعتكاف ‪49 .............................................................................................‬‬
‫وما أدراك ما ليلة القدر ‪52 ...........................................................................................‬‬
‫أيها املعتكف ‪54 ...........................................................................................................‬‬
‫اكتشف نفسك بهذا املقياس ‪57 .................................................................................‬‬
‫تعلم التدبر يف رمضان ‪60 .............................................................................................‬‬
‫شهر العفو والصفح ‪62 ..................................................................................................‬‬
‫لسانك يف رمضان ‪65 ....................................................................................................‬‬
‫االنتصار على اهلوى ‪67 .................................................................................................‬‬
‫ً‬
‫وداعا رمضان ‪69 ...........................................................................................................‬‬
‫املراجع ‪72 ......................................................................................................................‬‬
‫الفهرس ‪73 ....................................................................................................................‬‬

‫‪74‬‬

You might also like