Professional Documents
Culture Documents
وص ِل الله ام على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين
إناك حميد مجيد ..وسلام وبارك كثيرا..
• جاء في الحديث أناه ﷺ قال[ :إذا مات اإلنسان انقطع عمله اإّل من ثًلثة :صدقة جارية أو علم
يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له].
• وقال ابن الجوزي رحمه هللا( :من أحبَّ اأّل ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم بالتدوين
والتعليم).
2
أ ّما بعد..
فيا من ضاقت عليك األرض بما رحبت..
يا من اشت اد عليك اّلبتًلء حتى شعرت أناك تكاد تختنق ..وأن ّل منجى مما أنت فيه..
يا من انقطعت بك األسباب ..وأُغ ِلقت دونك األبواب..
إن هذه رسائ ٌل لك أنت ..نعم لك أنت ..جمعتها في هذا الكتاب من كًلم هللا العظيم سبحانه وكًلم ا
بتصرف يسير ..عليك أن
ا نبيه وحبيبه محمد ﷺ ُمردفةً بأقوال العلماء والتابعين وبعض الصالحين
توقن بها بك ِل ما فيك ..وأن تعمل بها بإيمان كامل وتسليم تام..
س ًرا ﴾
سر ي ْ
ّللا بَ ْع َد ع ْ
سيَجْ عَل َ
﴿ َ
هذا وع ُد هللا ..ووع ُد هللا ا
حق..
شرك وأطمئنك قبل كل ضا؛ ألُذ اكركَ وأُب ا
أبدأ ُ كتابي هذا بهذه اآلية العظيمة وقد جعلتها عنوانًا له أي ً
العسر والضيق الذي تعيشه سينتهي قريبًا ،فهذا وع ٌد من هللا سبحانه ووعده ا
حق ،إذ َ أنشيء ا
ويفرج عنك ما أنت فيه ولو َر ِغمت أُنوف. ا وعدكَ أناه سيجع ُل بعد العُسر الذي ُّ
يمر بك يُسرا،
س ًرا ﴾
سر ي ْ
ّللا بَ ْع َد ع ْ
سيَجْ َعل َ
﴿ َ
يحصل لإلنسان أوقاتٌ تتعسار عليه األمور ،وتتكالب عليه الشدائد ،وتكثر عليه المصائب ،حتى
علَ ْي ِه ُم تضيق عليه نفسه ،وتضيق عليه األرض بما رحبت؛ قال هللا عز وجلَ ﴿ :حتَّى ِإذَا َ
ضاقَ ْ
ت َ
علَ ْي ِه ْم أَ ْنفُ ُ
س ُه ْم﴾ [التوبة.]118 : ضاقَ ْ
ت َ ْاأل َ ْر ُ
ض بِ َما َر ُحبَ ْ
ت َو َ
3
فكن من الطائفة التي تنجو من هذه الكروب ،وهي الطائفة التي مأل اإليمان قلوب أفرادها ،فغ َّ
طت
حًلوة ُ اإليمان في قلوبهم مرارةَ تلك الكروب.
وّل تكن من أولئك الذين يتًلعب بهم الشيطان ،فيوقعهم في دائرة األحزان الطويلة ،والهموم
المستمرة ،فتصيبهم األمراض النفسية التي تتعبهم بدنيًّا ونفسيًّا ،وهؤّلء زادوا كروبهم كروبًا،
فالعاقل ّل يعالج الداء بداء يزيده ،بل يستخدم معه ما يزيله ويخففه.
أن تلك األمور العسيرة سيعقبها • ومما يعي ُن العب َد على تحمل تلك الكروب إيمانُهُ ويقينه الجازم ا
عس ٍْر يُس ًْرا﴾ [الطًلق]7 :؛ س َي ْج َع ُل َّ ُ
َّللا َب ْع َد ُ يسر وتيسير من هللا الكريم؛ فقال هللا سبحانه وتعالىَ ﴿ :
ٌ
عس ٍْر يُس ًْرا﴾ :سيجعل من بعد ِش ادةٍ رخا ًء ،ومن بعد ضي ٍ
ق قال اإلمام الطبري رحمه هللاَ ﴿ :ب ْع َد ُ
سعةً ،ومن بعد ٍ
فقر غنًى.
4
س ًرا ﴾
سر ي ْ
ّللا َب ْع َد ع ْ
س َيجْ َعل َ
﴿ َ
ومن رحمة هللا بالعب ِد أناه يبتليه حتى يجعله ييأس من المخلوقين فيعلم بذلك أن ّل ملجأ وّل منجى
من هللا اإّل إليه سبحانه ليص َل العبد إلى التعلاق الخالص باهلل وحده دون البشر فيتو اكل عليه ا
حق
كشف ما به وهذا من أهم أسباب تسريع الفرج آنذاك ..أن تتعلاق باهلل وحده وتتو اكل
ِ التو اكل في
عليه سبحانه وأنت ُمفلتٌ يديك من ك ِل الخَلق وهذا المرجو من اّلبتًلء( :القُرب من هللا سبحانه
حتى ّل يكون بين العبد وربه أي أحد أو سبب أو شيء).
5
س ًرا } س ًرا* ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ
س ِّر يُ ْ { فَ ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ
س ِّر يُ ْ
ُسرين.
سر ي َ
ع ٌ• قال السلف :لن يغلب ُ
• وفيها قال العلماء :ا
أن العُسر ّل يغلب يُسرين ،حيث ذكر العسر مرة واحدة ،وذكر اليسر
مرتَين ،تأكيدًا على يُسر األمور مهما تعسارت ،وبشارةً بالفرج.
• وقالوا :لو كان العُسر في جحر ضبا لدخل عليه اليُسر فأخرجه.
• الدعاء بيقين
• حسن الظن باهلل سبحانه
حق التو اكل
• التو اكل على هللا ا
• اليقين باهلل
• كثرة ذِكر هللا وفعل الطاعات
هذه األمور واجبةٌ في حقاك يا عبد هللا ..يا من أصابك اله ام والغم ..يا من اشت اد عليك الكرب..
وهي أمور سهلة جدًا أغلبها عبادات قلبياة ..فما أرحمك يا هللا ..كل ما علينا أن نتو اكل على هللا
ويفرج ه امنا وييسار أمرنا ..أن
ا ضر ويصرف عنا السوء حق التو اكل في أن يكشف ما بنا من ا ا
الظن به سبحانه أناه رحيم بنا سيرحمنا ويُغنينا ويكفينا ..أن يكون يقيننا باهلل على أت امه
ا نُح ِسن
وإخًلص ويقين ..أن نتعلام معاني أسماء هللا الحسنىٍ ق
وأكمله ..وأن ندعو هللا سبحانه بصد ٍ
وندعوه بها كما أمرنا هللا سبحانه وتعالى بذلك حيث قال{ :وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}..
فندعو :يا لطيف الطف بنا ..يا كافي اكفنا ..يا نصير انصرنا ..يا حفيظ احفظنا ..يا فتااح افتح لنا
أبواب رحمتك وفرجك وتدبيرك ورزقك ..فالدعاء أعظم عبادة وأسهلها ..والدعاء ير اد القضاء..
والدعاء م اخ العبادة كما قال ﷺ ،وعليك أن تدعوا هللا باضطرار بأن تُظهر ضعفك وتتوسال إليه
سبحانه.
سو َء{ ط َر ِإذَا َدعَاه َويَ ْك ِ
شف ال ُّ }أ َ َمن ي ِجيب ا ْلم ْ
ض َ
المضطر هو اإلنسان الذي نزلت به ِشداة من الشدائد جعلته يرفع أكف الضراعة إلى هللا تعالى
ا
لكي يكشفها عنه.
• قال السعدي رحمه هللا في هذه اآلية :هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسار عليه
واضطر للخًلص مما هو فيه اإّل هللا وحده؟ ومن يكشف السوء والبًلء والشر والنقمة
ا المطلوب
إّل هللا وحده؟ ليس لها من دون هللا كاشفة.
7
سو َء{ ط َر ِإذَا َدعَاه َو َي ْك ِ
شف ال ُّ }أ َ َمن ي ِجيب ا ْلم ْ
ض َ
• رباكم العظيم الرحيم يدعوكم لترفعوا إليه أيديكم وتسألوه حاجاتكم بعجزكم وضعفكم وافتقاركم
للمضطر اإّل هللا سبحانه وتعالى ،ففي قوله هذا سبحانه قد َ
ض ِمنَ ا واعترافكم ،فإناه ّل يستجيب
وإن ذلك اّلضطرار الحاصل له يتسبب عنه المضطر إذا دعاه ،وأخبر ذلك عن نفسه ،ا
ا إجابة
ا
بحق. (اإلخًلص وقطع النظر ع اما سوى هللا سبحانه) ،أي تو اكل على هللا
اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخش َْوهُ ْم فَزَ ا َدهُ ْم ِإي َمانًا َوقَالُوا َح ْسبُنَا َّ ُ
َّللا َو ِن ْع َم ﴿ الَّذِينَ قَا َل لَ ُه ُم النَّ ُ
اس ِإ َّن النَّ َ
ْال َو ِكي ُل ﴾ [آل عمران.]١٧٣ :
• معنى اسم هللا الوكيل أي :الذي تو َّكل بأمر الخًلئق فَح ِف َ
ظها ،وتكفَّل بأرزاقها ومصالحها ،وقام
بأمورها ،لعجزها وضعفها.
• وهو سبحانه الوكيل ،الذي يتولى بإحسانه أمور عباده المتقين ،الذين يتو َّكلون عليه ،ويفوضون
أمورهم إليه ،ويعتمدون عليه ،مع بذلهم لألسباب الشرعية ،فيكفيهم هللا تعالى ،ويغنيهم ويرضيهم،
فالمتو ِ اكلون يَ ِكلون كل أمورهم إلى الوكيل ،وهو سبحانه يكفيهم ،ويدبر أمورهم ،ويحفظهم
9
بحفظه ،ويرعاهم برعايته ،ويؤيدهم بتأييده ،فهو القادر على كل شيء ،وّل يعجزه شيء في
األرض وّل في السماء.
عز وج َّل بالتو ُّكل؛ بل إن التو ُّكل على هللا من األمور المطلوبة شر ً
عا؛ فقد أمر هللا َّ
َّللا فَت ََو َّكلُوا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ ﴾ [المائدة ،]23 :وقد أثنى هللا تعالى على علَى َّ ِقال تعالىَ ﴿ :و َ
علَ ْي ِه ْم آيَاتُهُ ت قُلُوبُ ُه ْم َوإِذَا ت ُ ِليَ ْ
ت َ المتو ِ اكلين عليه؛ فقال ﴿ :إِنَّ َما ْال ُمؤْ ِمنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُ ِك َر َّ ُ
َّللا َو ِجلَ ْ
علَى َر ِبا ِه ْم َيت ََو َّكلُونَ ﴾ [األنفال.]2 : زَ ا َدتْ ُه ْم ِإي َمانًا َو َ
10
ع ْب َد ُه﴾
َاف َ
َّللا ِّبك ٍ ﴿أَلَي َ
ْس َّ ُ
قوة فإذا اعترفت بتلك
كم من أمر خفت منه فنجااك هللا سبحانه منه وكفاك من غير حول لك وّل ا
استقر فؤادك وهدأ بالك فهو سبحانه سيكفيك ما يه امك اآلن كما كفاك قبل..
ا النعم
ع ْب َد ُه﴾
َاف َ
َّللا ِّبك ٍ ﴿أَلَي َ
ْس َّ ُ
عندما يخاطب هللا تعالى عباده بقوله هذا فهو سبحانه بهذا اّلستفهام يجعل َمن اعترف بنعم هللا
تعالى يقر بهذه النعم عليه ،فيثبت العقل ،ويستقر الفؤاد ،ويهدأ البال ،وما ينشغل الحال إّل بأداء
شكر هللا تعالى وفضله عليه.
ضا فيه استنكار على َمن جحد نعم هللا تعالى عليه ،فتشتت حاله ،وهاج عقله، وهذا اّلستفهام أي ً
وطار فؤاده بحثًا ع َّمن يكفيه ويدبر أمره ،تار ًكا هللا تعالى الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد.
ع ْب َد ُه﴾
َاف َ
َّللا ِّبك ٍ ﴿أَلَي َ
ْس َّ ُ
• قال اإلمام الرازي رحمه هللا:
يخوفون المح ِقاين بالتخويفات الكثيرة ،فحسم هللا مادة هذه الشبهة
المبطلين ا ِِ ت العادة أن أناه َ
جر ِ
ع ْب َدهُ ﴾ [الزمر.]36 : َّللا بِ َكافٍ َ بقوله تعالى ﴿ :أَلَي َ
ْس َّ ُ
ع ْب َد ُه﴾
َاف َ
َّللا ِّبك ٍ ﴿أَلَي َ
ْس َّ ُ
• وذكَره بلفظ اّلستفهام ،والمراد تقرير ذلك في النفوس ،واألمر كذلك؛ ألناه سبحانه العالم بجميع
المعلومات ،قادر على كل شيء ،غني عن كل الحاجات؛ فهو تعالى عالم حاجات العباد ،وقادر
على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات ،وهو سبحانه يدفع اآلفات ،ويزيل البليَّات ،ويوصل إلى
َّللا ِب َكافٍ َ
ع ْب َدهُ ﴾ [الزمر."]36 : ك ال المرادات؛ فلهذا قال ﴿ :أَلَي َ
ْس َّ ُ
11
ع ْب َد ُه﴾
َاف َ
َّللا ِّبك ٍ ﴿أَلَي َ
ْس َّ ُ
• قال سيد رحمه هللا :بلى ..ف َمن ذا يُخيفه ،وماذا يخيفه إذا كان هللا معه ،وإذا كان هو قد اتاخذ مقام
العبودية وقام بحق هذا المقام؟! و َمن ذا يشك في كفاية هللا لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده؟.
وبذلك تعلم ا
أن من أسماء هللا سبحانه (الكافي) وفي هذا بشارة لك وطمأنينة وسكينة ..فإن كفاك
هللا ما أه امك وأخافك فما الذي تخشاه؟!
12
يرا﴾ [النساء.]45 : َّللا أَ ْعلَ ُم ِّبأ َ ْعدَائِّ ُك ْم َو َكفَى ِّب َّ ِّ
اَّلل َو ِّليًّا َو َكفَى ِّب َّ ِّ
اَّلل نَ ِّص ً ﴿و َّ ُ
• فاهلل سبحانه يقولَ :
فقد ذ اكرك هللا سبحانه بأناه أعلم بأعدائك منك ..فمنهم من يخفى عليك ..ثم طمأنك بأناه كافيك إيااهم
حيث أناه ولياك ..وإن توّلك هللا فمن عليك! وطمأنك بأناه ناصرك ..فمن ينصره هللا فماذا يخشى!
فبعد أن ذ اكرك بأناه أعلم بأعدائك طمأنك مباشرة إذ قال سبحانه:
اَّلل َو ِّليًّا َو َكفَى بِّ َّ ِّ
اَّلل نَ ِّص ً
يرا﴾. ﴿ َو َكفَى بِّ َّ ِّ
َّللا فَ ُه َو َح ْ
سبُهُ﴾ علَى َّ ِّ
﴿و َم ْن يَت َ َو َّك ْل َ
َ
حق التو اكل:
ليكفيك هللا يجب أن تتو اكل عليه ا
فإن الكافي هو الوكيل سبحانه ،فإن تو اكلت عليه
هذه عًلقة وطيدة بين األمر (التو اكل والكفاية) ا
شاكرا باكيًا فرحةً بنصره وكفايته سبحانه.
ً تخر ساجدًا ً
مذهوّل ا منصورا
ً ا
بحق كفاك كفاية تجعلك
علَى َّ ِ
َّللا فَ ُه َو َح ْسبُهُ﴾ ﴿و َم ْن َيت ََو َّك ْل َ
سبب كفاية هللا لعبده؛ قال -تعالى َ :-
ُ • فالتو ُّكل على هللا
القلب على هللا في [الطًلق]3 :؛ أي :كافيه ك َّل أموره ال ادِينيَّة والدنيويَّة ،والتو ُّكل هو اعتماد ْ
حصول المطلوب ،ود ْفع المكروه ،مع ال ِثاقة به ،وف ْعل األسباب المأذون فيها شر ً
عا.
َّللا فَ ُه َو َح ْ
سبُهُ﴾ علَى َّ ِّ
﴿و َم ْن َيت َ َو َّك ْل َ
َ
بعض السلف :جعل هللا تعالى لك ِال عمل جزا ًء من جن ِسه ،وجعل جزا َء التو اكل عليه َ
نفس ُ • قال
علَى َّ ِ
َّللا فَ ُه َو َح ْسبُهُ﴾ ،ولم يقل :نؤتِه كذا وكذا من األجْر ،كما قال ﴿و َم ْن يَت ََو َّك ْل َ كفايته لعبده؛ فقالَ :
كافي عبدِه المتو ِ اك ِل عليه ،وحسبه وواقيه.
َ سه سبحانه في األعمال؛ بل جعل نف َ
بقلبه على ر ِباه اعتمادًا قويًّا كامًلً في تحصيل بأن اعتمد ْ حق التو اكل ِ فلو تو َّكل العب ُد على ر ِباه َّ
حصلت له الكفاية ،وأت َّم هللا له أحوالَه،
ْ سن ظنُّه برباِه، سه ،وح ُ مضاره ،وقويت نف ُ ِا مصالحه ،ود ْفع
وسدَّده في أقواله وأفعاله ،وكفاه ه َّمه ،و َجًلَ غ َّمه ،فهناك ّل تسأل عن ك ِال أمر يتيسَّر ،وص ْع ٍ
ب
ت تنزل ،ونِ ٍقم تُدفع،
ب تزول ،وأحوا ٍل وحوائ َج تُقضى ،وبركا ٍ ب تهون ،وكرو ٍ يسهل ،وخطو ٍ
وشرور تُرفع.
ٍ
13
وي أناه ﷺ قال:
• وقد ُر َ
َّللا َّ
عز وجلَّ]. [من استَكفى كفاهُ َّ ُ
ِّ
ًّ
وعزا ،اكتفى ونصرا
ً ظا وكًلءةً، شا ،وحف ً
أن هللا هو الكافي عبا َده ِرزقًا ومعا ً
ع ِلم العب ُد َّ
فإذا َ
والرغبةُ إّل إليه ،ف َمن وقع في ِشدَّة وضيق،
بمعونته ع َّمن سواهَ ،و َو َجب أّلَّ يكون الرجاء إّل فيهَّ ،
فليطلبْ من هللا الكفايةَ َّ
فإن هللا يكفيه.
ي في صحيحه من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما قال[ :حسبُنا هللا و ِنعم الوكيل] وروى البخار ُّ
قالها إبراهيم عليه السًلم حين أ ُ ْل ِقي في النار ،وقالها مح َّمد ﷺ حين قالواِ ﴿ :إ َّن النَّ َ
اس قَ ْد َج َمعُوا
َّللا َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل ﴾ [آل عمران.]173 :
لَ ُك ْم فَا ْخش َْوهُ ْم فَزَ ا َدهُ ْم إِي َمانًا َوقَالُوا َح ْسبُنَا َّ ُ
14
لماذا يبتليك هللا..؟!
ا
[إن هللا إذا أحبَّ عبدًا ابتًله]
لو لم يُحببك هللا سبحانه لما ابتًلك ..فاصبر..
عا شاكيًا داعيًا راجيًا.. عهُ] ،فارفع يديك له تضر ً واعلم أناه[ :إذا أحبَّ هللاُ عبدًا ابتًلهُ ِليَ ْس َم َع تَ َ
ض ُّر َ
س ُج ْد َوا ْقتَ ِّرب} ،فالعبد هو{وا ْولتكثر الدعاء في سجودك في ك ال صًلة لتقترب من هللا سبحانه َ
يب} سأَلَكَ ِّعبَادِّي َ
ع ِّنّي فَ ِّإ ِّنّي قَ ِّر ٌ {وإِّذَا َالذي يبتعد ،أ اما هللا سبحانه فقريبٌ َ :
َان} ،فماذا تنتظر بعد! اهرع للسجود والدعاء بين يديه. َّاع ِّإذَا َدع ِّ مجيبٌ لدعائك{ :أ ُ ِّج ُ
يب َدع َْوةَ الد ِّ
َّللا أَال إِّ َّن سو ُل َوالَّ ِّذينَ آ َمنُواْ َمعَهُ َمتَى نَ ْ
ص ُر ّ ِّ ساء َوالض ََّّراء َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّى يَقُو َل َّ
الر ُ ستْ ُه ُم ا ْلبَأْ َ
{ َّم َّ
َّللا قَ ِّر ٌ
يب} نَص َْر ّ ِّ
• يخبر تبارك وتعالى أناه ّل بد أن يمتحن عبا َده بالسراء والضراء والمشقاة كما فعل بمن قبلهم،
سناته الجارية ،التي ّل تتغير وّل تتبدال ،أن من قام بدينه وشرعهّ ،ل بد أن يبتليه ،فإن صبرفهي ُ
على أمر هللا ،ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله ،فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها،
ومن السيادة آلتها.
15
أن التمكين والنصرة إناما تأتي على وليس اّلبتًلء تعذيب من هللا لعباده وإناما هو تذكير وتنبيه لهم ا
أعتاب اّلبتًلء والتمحيص ،قال أحد تًلمذة اإلمام الشافعي هل يُم َّكن العبد أو يُبتلى؟ قال اإلمام
الشافعيّ :ل يُم َّكن العبد حتى يُبتلى ،ثم تًل قول هللا تعالى:
{و َج َع ْلنَا ِم ْن ُه ْم أَئِ َّمةً يَ ْهدُونَ بِأ َ ْم ِرنَا لَ َّما َ
صبَ ُروا َوكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة .]24 : َ
سا ٓ ُء َوٱلض ََّّرآ ُء س ْبت ُ ْم أَن تَ ْد ُخلُواْ ٱ ْل َجنَّةَ َولَ َّما َيأْ ِّتكُم َّمثَ ُل ٱلَّ ِّذينَ َخلَ ْواْ ِّمن قَ ْب ِّلكُم ۖ َّم َّ
ستْ ُه ُم ٱ ْل َبأْ َ {أَ ْم َح ِّ
يب} َّلل ۗ أَ َ ٓال ِّإ َّن نَص َْر ٱ َّ ِّ
َّلل قَ ِّر ٌ سو ُل َوٱلَّ ِّذينَ َءا َمنُواْ َمعَهُۥ َمتَ ٰى نَ ْ
ص ُر ٱ َّ ِّ لر ُ َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّ ٰى يَقُو َل ٱ َّ
س ْبت ُ ْم أَن تَ ْد ُخلُو ْا ٱ ْل َج َّنةَ َو َل َّما يَأْتِّكُم َّمثَ ُل ٱ َّل ِّذينَ َخلَ ْواْ ِّمن قَ ْب ِّلكُم} أي ّل يمكن
• هنا تقول اآلية{ :أَ ْم َح ِّ
أن تدخلوا الجنة اإّل إذا جاءكم من اّلبتًلء مثل من سبقكم من األمم وّل ب اد أن تُفتنوا وأن تُمحاصوا
يستحق أن يدخل الجنة ،فًل تظنوا أناكم أمة متميزة عن ا ببأساء وضراء ،ومن يثبت بعد ذلك فهو
غيركم في أمر اّلختبار ،فأنتم لن تدخلوا الجنة بًل ابتًلء ،بل على العكس سيكون لكم اّلبتًلء
على قدر النعماء.
أنتم ستأخذون مكانة عالية في األمم ولذلك ّل ب اد أن يكون ابتًلؤكم على قدر مكانتكم.
الظن الس َّْو ِء ،كما قال اإلمام ابن القيم رحمه هللا[ :فمن ظن بأناه ّل
ا ا
الظن بخًلف ذلك ،فهو من أ اما
يؤيد حزبه ،ويعليهم ،ويظفرهم بأعدائه ،ويظهرهم عليهم ،فقد ظن باهلل ظن السوء].
فينبغي لنا أن نشيع روح التفاؤل ،في مثل هذه األوقات القاسية ،وأن ننبذ اليأس عنا مكانًا قصيًا،
يسرا ،وهذا منهج أرشدنا
وأن الفرج مع الكرب ،وأن مع العسر ً بأن النصر مع الصبر ،ا وأن نوقن ا
إليه نبينا ﷺ.
16
}أَل ِإ َن نَص َْر ِ
للا قَ ِريب{
• مهما اشتدات المحن ،وتكالب األعداء ،ومساتنا البأساء والضاراءّ ،ل ينبغي وّل يجوز أن يتسلل
اليأس والقنوط إلى نفوس المؤمنين ،بوعد هللا ،ونصره ،وفرجه القريب ،فالنصر آتٍ ،آتٍ ،وما
ذلك ببعيدٍ ،وما ذلك على هللا بعزيز.
الفرج بعد الكرب والضيق ،واليسر بعد العسر ،والنصر بعد فسناة هللا تعالى في خلقه أن يأتي َ
ظنُّواْ أَنَّ ُه ْم قَ ْد ُك ِّذبُواْ جَاءهُ ْم نَ ْ
ص ُرنَا} :هذه سناة س ُل َو َ
الر ُ
س ُّستَ ْيأ َ َاليأس ،كما قال تعالىَ { :حتَّى إِّذَا ا ْ
أن الخطوب تشتدا ،واألخطار من كل جانب ،حتى يفعل جميعهم كل اإلمكانيات فًل تفيد ،إذا هللا ،ا
صا).بنصر هللا يأتي (أتى النصر عندما اشتدات األمور لكي ّل يكون النصر رخي ً
علَى َ
ع ِظ ِيم قَد ِْر ِه اصي ِب ْال َح ا ِ
ق؛ َد ِلي ٌل َ صب ِْر قَ ِرينًا ِللتَّ َو ِ
اصي ِبال َّ • قال الشوكانيَ :و ِفي َج ْع ِل التَّ َو ِ
علَ ْي ِه. علَى َما يَ ِح ُّق ال َّ
صب ُْر َ صابِ ِرينَ َب ال َّ َوفَخَا َم ِة ش ََرفِ ِهَ ،و َم ِزي ِد ثَ َوا ِ
ولهذا كان الصبر من اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد ،وّل إيمان لمن ّل صبر له ،كما أنه ّل
س َما َحةُ].
صب ُْر َوال َّ سو ُل ﷺَ :ما ْ ِ
اإلي َما ُن؟ قَالَ[ :ال َّ سئِ َل َر ُ
جسد لمن ّل رأس لهَ ،و ُ
17
يجري القضا ُء وحكم هللا نرضاهُ
والمرء يصب ُر إذعانًا لموالهُ
تأتي الحياة بأهوا ٍل ُم ّ
فزع ٍة
عظ ُم في البلوى عطاياهُ
وهللا يُ ِّ
ُحك ُم اإلله على الدنيا و ُزخرفها
أ ّن الفناء لمن فيها كتبناهُ
صبره،
ُ ستَ ِّخ َّف َّنكَ الَّ ِّذينَ َال يُوقِّنُونَ ﴾ [الروم ،]60 :ومن ق َّل يقينُه ق َّل
ق َو َال يَ ْ ﴿فَا ْ
ص ِّب ْر ِّإ َّن َو ْع َد َّ ِّ
َّللا َح ٌّ
ب وعق ٍل ،و َمن ّل يقين له وّل الصابر رزين؛ ألنه ذو لُ ا ٍ
ُ واستخف ،فالموق ُن َّ خف ومن قل صبره َّ
صبر عنده؛ خفيف طائش ،تلعب به األهواء والشهوات كما تلعب الرياح بالشيء الخفيف.
18
ص َب ُروا َجنَّةً َو َح ِر ً
يرا﴾ [اإلنسان.]12 : ﴿و َجزَ اهُ ْم ِب َما َ
• َ
صا ِب ِرينَ ﴾ [البقرة.]155 : ﴿و َب ِ ا
ش ِر ال َّ • َ
[النصر مع الصبر]
{ولَ َّما بَ َر ُزوا ِّلجَالُوتَ َو ُجنُو ِّد ِّه قَالُوا َربَّنَا أَ ْف ِّر ْغ َ
علَ ْينَا • قال -تعالى -عن الفئة المؤمنة مع طالوتَ :
علَى ا ْلقَ ْو ِّم ا ْلكَافِّ ِّرين}[ .البقرة.]250: صب ًْرا َوثَ ِّبّتْ أَ ْقدَا َمنَا َوان ُ
ص ْرنَا َ َ
• ففي دعائهم {أفرغ علينا صبرا} ثم {انصرنا على القوم الكافرين} دليل ا
أن النصر مع الصبر،
وأن الصبر ألهميته فقد دعوا أن يفرغ هللا عليهم الصبر إفرا ً
غا فانتصروا بعدها. ا
19
األرت رضي هللا عنه إلى النبي ﷺ مكروب النفس ،محزون الصدر ،قلق اِ • حين أتى خبَّاب بن
الخاطر ،من شدة ما ّلقى من المشركين ،فوجد النبي ﷺ متوسدًا ب ُْر َدةً في ظل الكعبة ،فقال :يا
رسول هللا ،أّل تستنصر لنا؟! أّل تدعو هللا لنا؟! فقعد وهو محمر وجهه ،فقال[ :لقد كان َمن قبلكم
شط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ،ما يصرفه ذلك عن دينه ،ويوضع ليم َّ
ا
وليتمن هللا هذا األمر حتى مفرق رأسه ،فيشق باثنين ،ما يصرفه ذلك عن دينه،المنشار على ِ
والذئب على غنمه ،ولكنكم َ هللا،
يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إّل َ
تستعجلون].
فتأ امل كيف فاجأ النبي الكريم ﷺ أصحابه بهذا الخبر الذي تتهلل له الوجوه بشرى ،وتتدفق
سرورا ،في ظ ال هذا الضغط الرهيب من المشركين ،الذي جعل بعض النفوس تستبطئ النصر.ً
ي اإّل واستبشرت وتفاءلت وتو اكلت عليه سبحانه ،كيف ّل وهللا ما إن تعلم ا
أن هللا هو النصير والول ا
سبحانه يقول:
20
• يقتضي اسم هللا النصير اعتقاد المؤمن أن من كان هللا تعالى ناصره فًل ينبغي أن يخيفه مخلوق
سلَنَا َوالَّ ِّذينَ ع َد أولياءه المؤمنين بالنصر ،قال تعالى ﴿ :إِّنَّا لَنَن ُ
ص ُر ُر ُ ألن هللا تعالى َو َ مهما كان ،ا
شهَا ُد ﴾ [غافرَ ،]٥١ :و َو ْعدُه سبحانه حق وصدق ،فالنصر آ َمنُوا فِّي ا ْل َحيَا ِّة ال ُّد ْنيَا َويَ ْو َم يَقُو ُم ْاْل َ ْ
آجًل نسأل هللا النصير أن يعجال بنصره لنا.. عاجًل أم ً ً ت
آ ٍ
• والنصير سبحانه :هو الموثوق منه بأن ّل يُسلام ولياه وّل يخذله ،وهو المعين والمؤيد سبحانه
ألوليائه وعباده الصالحين.
• ومن نصرته لعباده :أن يحفظهم من أعدائهم ,وممن أراد بهم سو ًءا ،كما في الحديث القدسي
عا َدى لي َو ِليًّا فَقَ ْد آذَ ْنتُهُ ِب ْال َح ْر ِ
ب"(البخاري). الصحيحَ " :م ْن َ
الله ام يا نصير انصرنا على من عادانا وّل تجعل لهم علينا سبيًل..
• وعن أنس بن مالك -رضي هللا عنه -قال :كان النبي ﷺ إذا غَزَ ا ،قال:
يريِّ ،بكَ أَ ُحو ُلَ ،و ِّبكَ أَ ُ
صو ُلَ ،و ِّبكَ أُقَا ِّت ُل](.صحيح أبي داود). ضدِّي َونَ ِّص ِّ [اللَّ ُه َّم أَ ْنتَ َ
ع ُ
• ومن نصرته لعباده المؤمنين :أن يوفقهم لطاعته ،ويحفظهم من الذنوب والمعاصي ،ويرزقهم
الثبات عند الشدائد والمحن ,ومواجهة األعداء ،قال -تعالى -عن الفئة المؤمنة مع طالوت:
علَى ا ْلقَ ْو ِّم صب ًْرا َوثَبِّّتْ أَ ْقدَا َمنَا َوان ُ
ص ْرنَا َ {ولَ َّما بَ َر ُزوا ِّلجَالُوتَ َو ُجنُو ِّد ِّه قَالُوا َربَّنَا أَ ْف ِّر ْغ َ
علَ ْينَا َ َ
ا ْلكَافِّ ِّرين}[ .البقرة.]250:
• ومن صور نصرته لعباده :أن يحقق لهم آمالهم ومقاصدهم الصحيحة التي سعوا فيها ،وبذلوا
الجهد في تحصيل أسبابها.
• ومن نصرته لعباده :أن يهلك عدوهم ،ويدفع شره عنهم ،ويكفيهم كيده.
21
س ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى يجعل العبد مهما علَى الحق ،النصير ُ س ْب َحانَهُ يُلهم النفوس المؤمنة ثباتًا َ
• النصير ُ
كانت أوضاعه في ضعفٍ ،وظروفه في ضيق ،يجعله بثباته وقوته الَّتِي يمده بها ُ
س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى
أكثر قوةً فينتصر.
عاء ،واستنزال ب النصير مع استشعار هذَا المعنىَ ،والتَّ َوسُّل به في ال ُّد َ إن باّللتجاء ِإلَى َّ
الر ا ِ • ا
ع َّز َو َج َّل بأعلى مراتبه ،وبأوسع مفاهيمه ،يكتب ألهل اإليمان حياةً ملؤها السعادة النصر من هللا َ
س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى.
نصير ُ
ٍ عظيم
ٍ لرب
اٍ تعظيم
ٍ والثقة والثبات ،المنطلق من
ع َد هللا عباده بنصره ،وهو متحقق ّل محالة ،للمؤمنين الذين يثبتون أمام الفتن • فيا عبد هللا ..و َ
والمحن ،يثبتون على البأساء والضراء ،يصمدون للزلزلة واّلبتًلء ،الذين يعلمون أن ّل ناصر
يم)[آل عمران ،]126 :فتو اكلوا على هللا سبحانه يز ا ْل َح ِّك ِّ
َّللا ا ْلعَ ِّز ِّ
ص ُر ِّإ َّال ِّم ْن ِّع ْن ِّد َّ ِّ(و َما النَّ ْ
إّل هللا؛ َ
حق التو اكل وادعوه بأسمائه الحسنى ..الله ام يا نصير انصر وتولانا وارحمنا ..اللهم يا نصير ا
انصرنا على من عادانا وأراد بنا سو ًءا أو كيدا ..الله ام يا كافي اكفناهم بما شئت..
{و ِّإ ْن تَ َو َّل ْوا فَا ْع َل ُموا أَ َّن َّ َ
َّللا َم ْو َال ُك ْم نِّ ْع َم ا ْل َم ْو َلى َونِّ ْع َم ال َّن ِّصي ُر} [اْلنفال. ]40: َ
• فمهما تولاى عنك البشر وخذلوك فالجأ إلى ربا البشر واستبشر فإناه سبحانه يطمئن قلبك بأعظم
بشرى إذ أناه يخبرك سبحانه ويقول لك أناه إن تولاوا عنك فاطمئن واعلم أناه هو موّلك وهو نعم
المولى ،وأناه هو ناصرك وهو نعم النصير سبحانه.
ومن كان هللا سبحانه ناصره فًل ينبغي أن يخيفه مخلوق مهما كان ،ا
ألن هللا تعالى وعد أولياءه
حق وصدق سبحانه ،وإناه من كان هللا سبحانه ولياه فماذا يخشى!
المؤمنين بالنصر ،ووعده ا
وهنا سأذهب بك لتدبار اسم هللا الولاي ففيه ستستبشر أكثر فأكثر..
22
{ فَا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ
َّللا َم ْو َال ُك ْم ِّن ْع َم ا ْل َم ْولَى َو ِّن ْع َم النَّ ِّصي ُر }
إن كفايةَ هللا تعالى للعبد في آيات القرآن الكريم يص َحبُها ِمن أسمائه الحسنى ما يج َعل العبد في
• ا
هللا (الحسيب -الولي -النصير -العليم -الشهيد -
استقرار تام ،بل في اعتزاز وفخر وكرامة بأن َ
الوكيل -الخبير -البصير -السميع) يَكفيه ويتولى أمره ،ويد ِبار شؤونه.
يتوّلك وينصرك ،ففي هذه• وقد ارتبطت نصرته بوّليته سبحانه ،فعليك أن تسأل هللا سبحانه أن ا
ا
وسيتوّلك ثم أثنى سبحانه على نفسه إذا قال نِعم المولى.. شرك هللا سبحانه أناه موّلك
اآلية ب ا
واقترنت وّليته بنصرته إذ قال سبحانه :نعم المولى ونعم النصير.
َّللا فليتوكل المؤمنون} ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل .ا
فإن عباد هللا إن • {وعلى ا
يتوكلوا عليه ،ولم ير ُجوا النصر من عند غيره ،ولم يخافوا شيئًا غيره ،يكفهم أمورهم ،وينصرهم
على من بغاهم وكادهم.
23
أن التو اكل على هللا سبحانه وعدم التعلاق بالمخلوقات هو سبب كل نصر • وهنا إشارة جديدة ا
َّللا فَ ْليَتَ َو َّك ِّل
علَى َّ ِّ ا
فيتوّلك وينصرك{ ،هُ َو َم ْو َالنَا َو َ وفرج وفيها يرزقك هللا سبحانه وّليته
ا ْل ُم ْؤ ِّمنُونَ }.
وقد اقترن اسم (الولي والمولى) بـ (النصير) حيث هللا وحده المأمول في النصر والمعونة؛ فوّلية
هللا ُم َح ِققَةٌ للنَّصر والفوز.
ي والمولى وأثرهما :يقتضي هذان اّلسمان استشعار وّلية هللا تعالى • مقتضى اسمي هللا الول ا
للكون ولسائر المخلوقات ،فهو المدباِر والمتصرف والقائم بشؤونهم جميعاً ،وّل َ
قيام ألح ٍد في هذا
أن المؤمن يستشعر وّلية خاصة من هللا تعالىالكون اإّل بوّليته سبحانه وتعالى ،إضافة إلى ا
جزاء إيمانه به وطاعته له ج َّل وعًل.
إن هللا سبحانه مولى عباده المؤمنين ،وهو نعم المولى لمن َّ
توّله ونعم النصير لمن استنصره؛ { ا
َّللا َم ْو َال ُك ْم َوهُ َو َخ ْي ُر النَّ ِّ
اص ِّرينَ } َب ِّل َّ ُ
هللا َم ْوالنَا ]
[ ُ
ع َّزى ل ُكم» قال الرسول ﷺ ألصحابه« :أجيبُوهُ» قَالوا: • حينما قال أبو سفيان« :لَنا ْالعُ َّزى َوّلَ ُ
هللا َم ْوّلنَا َوّلَ َم ْولَى لَ ُك ْم» ( البخاري) .
«ما نَقُولُ؟» قال« :قُولوا ُ
ت نَ ْف ِسي تَ ْق َواهَاَ ،وزَ ِ اك َها أَ ْنتَ َخي ُْر َم ْن زَ َّكاهَا ،أَ ْنتَ َو ِّل ُّيهَا َو َم ْوالَ َها].
• وكان النبي ﷺ يقول[ :اللَّ ُه َّم آ ِ
رواه مسلم في صحيحه.
24
ي ا ْلح َِّميدُ﴾ [الشورى.]٢٨ :
ش ُر َر ْح َمتَهُ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ ْث ِّمن بَ ْع ِّد َما قَنَ ُ
طوا َويَن ُ ﴿وهُ َو الَّذِّي يُنَ ِّ ّز ُل ا ْلغَي َ
َ
يتوّلك ا
فينزل الغيث والفرج عليك بعد ما كدت تقنط وتيأس ،وينشر رحمته سبحانه الولي الحميد ا
عليك وعلى أهلك وأحبتك ألناه الول ا
ي الحميد سبحانه.
ي ا ْلح َِّميدُ﴾
ش ُر َر ْح َمتَهُ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ ْث ِّمن بَ ْع ِّد َما قَنَ ُ
طوا َويَن ُ ﴿وهُ َو الَّذِّي يُنَ ِّ ّز ُل ا ْلغَي َ
َ
طعت بهم اآلمال ،وأيقنوا بالبوار • ها هم عباد هللا قد رغبوا إلى هللا ،وضجاوا بالدعاء حتى تق ا
ناشرا آثار رحمة هللا في فجاج األرض ً والهًلك ،وإذا بالغيث يفجؤهم من السماء مدرارا،
وشعابها؛ لتحيي األرض والنفوس واألرواح ،بعد يأسها وموتها ،وكم هو جميل أن تختم اآلية
باسمي هللا" :الولي الحميد" ،فهو سبحانه ولي العباد وحده ،الذي تكفال بهم وتولاى أمرهم في كل
آن.
ي ا ْلح َِّمي ُد ﴾
ش ُر َر ْح َمتَهُ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ ْث ِّمن بَ ْع ِّد َما قَنَ ُ
طوا َويَن ُ ﴿ َوهُ َو الَّذِّي يُنَ ِّ ّز ُل ا ْلغَي َ
• قيل لعمر بن الخطاب رضي هللا عنه :جدبت اْلرض وقنط الناس فقالُ :مطروا إذن.
25
ي ا ْلح َِّمي ُد }
{ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ
ي هو من يتولاى أمرك ويتدبار شؤونك أنت وغيرك ،فهو عام للجميع ،أ اما (المولى) ،فهو من الول ا
تحتمي به وتركن إليه وتعتمد عليه في جميع أحوالك.
26
[وتَ َولَّنِّي فِّي َم ْن تَ َولَّيْتَ ]
َ
• كان من دعائه ﷺ[ :اللَّ ُه َّم ا ْه ِّدنِّي فِّي َم ْن َه َديْتَ َ ،وعَافِّنِّي فِّي َم ْن عَافَيْتَ َ ،وتَ َولَّنِّي فِّي َم ْن تَ َولَّيْتَ ،
اركْتَ َربَّنَا َوتَعَالَيْتَ ]. طيْتَ َ ،وقِّنِّي ش ََّر َما ْق َ
ضيْتَ ،إِّنَّهُ ال يَ ِّذ ُّل َم ْن َوالَيْتَ ،تَبَ َ َوبَ ِّار ْك ِّلي فِّي َما أَ ْع َ
وعليك يا عبد هللا اأّل تخاف من أعداء هللا مهما كان عددهم وعدتهم ،فقد قال سبحانه وتعالى:
ف أَ ْو ِّليَاءهُ فَالَ تَ َخافُوهُ ْم َو َخافُ ِّ
ون إِّن كُنتُم ُّم ْؤ ِّمنِّينَ ) [آل عمران.]175: (إِّنَّ َما ذَ ِّل ُك ُم ال َّ
ش ْي َ
طا ُن يُ َخ ّ ِّو ُ
فأنتم أولياء الرحمن والرحمن سبحانه ولياكم وموّلكم وناصركم فكيف تخشون الخلق
وتهديداتهم!..
بل على العكس تما ًما يجب أن تزيدكم تهديداتهم ثباتًا ويقينًا بنصر هللا لكم مهما ألابوا وحشدوا
اس قَ ْد َج َمعُواْ لَ ُك ْم فَٱ ْخش َْوهُ ْم فَ َزا َدهُ ْم إِّي ٰ َمنًا عليكم فقد قال سبحانه {ٱلَّ ِّذينَ قَا َل لَ ُه ُم ٱلنَّ ُ
اس إِّ َّن ٱلنَّ َ
َّلل َو ِّن ْع َم ٱ ْل َو ِّكي ُل}. َوقَالُواْ َح ْ
سبُنَا ٱ َّ ُ
وقد تولاى هللا أمر مريم بنت عمران وهي في شداة الضيق والهم والخوف ،لكن هللا تولاى أمرها
ألن الولاي سبحانه قري عينًا ،ا ع ْينًا} ا وكذلك يتولاى الصالحين قال تعالى{ :فَ ُك ِّلي َواش َْربِّي َوقَ ِّ ّري َ
هو من يتولاى أمورك.
وعندما ُر ِزق إبراهيم عليه السًلم بالولد األول إسماعيل عليه السًلم أمره رباه بأن يهاجر من
فلسطين مع زوجته هاجر وابنه الرضيع إلى وا ٍد ّل ماء فيه وّل طعام وّل شجر ،وّل يوجد فيه
أحد من البشر ،حتى إذا وصل إلى ذلك المكان ترك زوجته وابنه الرضيع ،وترك لهما ً
قليًل من
ت من التمر ،وعاد بأمر رباه إلى فلسطين ،فتبعته أم إسماعيل فقالت" :يا الماء وبعض حبا ٍ
مرارا،
ً إبراهيم :أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أحد وّل شيء فيه؟!" ،قالت ذلك
ا
ويحن عليهما وينسى أمر رباه ،فقالت له" :آهلل الذي وجعل ّل يلتفت إليها حتى ّل يتأثر بالعاطفة
أمرك بهذا؟!" ،قال" :نعم" ،قالت" :إذًا؛ ّل يضيعنا".
27
يا لها من كلمة عظيمة تُنبئ عن إيمان عميق ،وتو اكل عظيم ،وثقة ّل حدود لها بالولي خالق
ي
األرض والسماوات! حتى إذا كان عند الثنية حيث ّل يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا الول ا
سكَنتُ ِّمن ذُ ّريَّتِّي ِّب َوا ٍد َ
غي ِّْر ذِّي َز ْر ٍ
ع {ربَّنَا ِّإنَّي أَ ْ
توّله ،قال تعالىَ : الذي ّل يضيع وّل يخذل من ا
اس تَ ْه ِّوى إِّلَ ْي ِّه ْم َو ْر ُز ْق ُه ْم ّمنَ الثَّ َمرا ِّ
ت صالةَ فَ ْجعَ ْل أَ ْفئِّ َدةً ّمنَ النَّ ِّ
ِّعن َد بَ ْيتِّكَ ا ْل ُمح ََّر ِّم َربَّنَا ِّليُ ِّقي ُمواْ ال َّ
ش ُك ُرونَ } [إبراهيم.]37 : لَعَلَّ ُه ْم يَ ْ
وهل يُعقل من إبراهيم عليه السًلم الذي كان يتمنى طوال حياته هذا الولد أن يتركه في هذا
بأن من يتولاى تدبير أمور العباد هو
الوادي بدون طعام أو شراب؟! لكناه التو اكل على هللا ،والثقة ا
هللا سبحانه وتعالى.
فيا أياها اإلنسان الضعيف :كم حجمك؟ وكم حجمك بالنسبة لقريتك ،وبالنسبة لدولتك ،وبالنسبة
للقارة التي أنت فيها ،لألرض كلها؟ وما األرض بالنسبة للكون؟ وما الكون بالنسبة للكرسي؟ وما
الكرسي بالنسبة للعرش؟ فًل إله إّل هللا الذي ّل يعجزه شيء في األرض وّل في السماء ،وعجبًا
لهذا اإلنسان المخلوق الضعيف ّل يساوي شيئًا بالنسبة للقوي جل جًلله ،فلو نظرنا ألي إنسان
مهما بلغ من علو في هذه الدنيا ،فهو ّل يخرج عن قبضة هللا ،وّل يملك إّل أن ين ِفاذ أقدار هللا
ويجري ويعيش تحت قضاء هللا.
فسبحان هللا الكبير المتعال..
شهَا َد ِّة ا ْل َك ِّبي ُر ا ْل ُمتَ َعا ِّل﴾ [الرعد.]9 : {عَا ِّل ُم ا ْلغَ ْي ِّ
ب َوال َّ
فالكبير هو العظيم في كل شيء عظمةٌ مطلقة ،وهو الذي كبُر وعًل في ذاته وصفاته وأفعاله عن
كل من ِسواه ،فله علو الذات وعلو القهر وعلو الشأن.
َّ
المنزه عن النقائص هللا أكبر كلمةٌ تُعلن للخلق أجمعين َّ
أن هللا أعظم من كل عظيم ،فهو الكبير
الموصوف بكل صفات الكمال.
28
مستشعرا قوله تعالىَ ﴿ :ما لَ ُك ْم َّل ت َْر ُجونَ ِ َّّلِلِ
ً هللا أكبر كلمة يقولها المسلم بلسانه وقلبه وجوارحه
َوقَ ً
ارا ﴾ [نوح.]13 :
تكبيرا ،فأي إحسان إّل إحسانه ،وأي إنعام إّل إنعامه ،وأي كرم إّل كرمه ،وأي جود إّل
ً وكباره
جوده ،وأي فض ٍل إّل فضله وأي عطاءٍ إّل عطاؤه.
عباد هللا ،لقد علَّمنا النبي ﷺ أن نقول بعد الصًلة« :هللا أكبر » ثًلثًا وثًلثين ،وعلَّمنا النبي ﷺ أن
نُكباِر هللا عند النوم أربعًا وثًلثين ،كل هذا ليعيش المؤمن مع هللا الكبير ،حتى ال يخضع لمخلوق
وّل يذل لدنيا وّل لشهوة.
وعن ابن عمر رضي هللا عنه قال :بينما نحن نُصلي مع رسول هللا ﷺ ،إذ قال رجل من القوم:
ً
وأصيًل» ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه كثيرا ،وسبحان هللا بكرةً
ً كبيرا والحمد هلل
ً «هللا أكبر
وسلم« :من القائل كلمة كذا وكذا؟» ،فقال رجل من القوم :أنا يا رسول هللا ،فقال« :عجبت لها
َّ
تركتهن منذ سمعت رسول هللا ﷺ فُتحت لها أبواب السماء» .قال ابن عمر رضي هللا عنه« :فما
يقول ذلك»
هذا التكبير أيها المسلمون يزرع في نفوسنا الشعور بعظمة هللا وكبريائه فنتواضع له ونخضع له
وّل نخضع لمخلوق وّل نخشى أي مخلوق.
حين يلوذ اإلنسان بالمتكبر الكبير المتعال سبحانه وتعالى ،ويكون عنده هذا النوع من الثقة
واليقين به سبحانه وتعالى ،تجده ّل يخضع إلى أحد ،وّل يصيبه اّلنهزام مهما واجه ،ففي يوم أحد
لما وقف أبو سفيان وقال :اع ُل هبل ..اع ُل هبل ..قال رسول هللا ﷺ ":أّل تجيبونه؟ قالوا يا
رسول هللا ما نقول ؟ قال :قولوا هللا أعلى وأجل" [البخاري].
29
نريد قلوبًا كهذه ّل يتسلل إليها اّلنهزام ،نريد عباد الكبير المتكبر المتعال ،نريد عباد هللا األعلى
واألجل ،هللا األكبر من كل كبير ،ألست تسمعها كل يوم تردد في اآلذان :هللا أكبر هللا أكبر .إناه
أمرك بترديدها حتى تتملك نفسك هذه المعاني ،وتتشربها وتحيا بها ،فًل تع ا
ظم شيئًا حقاره وّل
ظمه.تحقار شيئًا ع ا
فيا من شعرت بضعف بين الناس ..يا من أحزنك خذّلن الناس ..كيف تضعف وهللا القوي الكبير
بالقوة وأن ينصرك على من عًل وتكبار في األرض فسادًا عليك
ا معك ..اسأله بأسمائه أن يمداك
وعلى أهلك..
الله ام يا كبير كن معنا على من عادانا وتكبار علينا فأنت أكبر سبحانك وأنت القادر عليهم
قونا فإننا قد استُضعفنا من عبادك الذين أنت أقوى وأكبر منهم سبحانك..
الله ام يا قوي ا ِ
ي ْال َع ِز ُ
يز}. أن القوي ربُّ البشر معك سبحانهِ { ،إ َّن َربَّكَ ه َُو ْالقَ ِو ُّ
فمهما استضعفك البشر فاعلم ا
هللا ج ّل جالله هو القوي بل هو القوي وحده ،وّل قوي سواه ،وكل قوة في األرض مستمدة من
قوة هللا ،كل قوة في األرض في الذوات واألشياء مستمدة من قوة هللا تعالى ،تأييدًا للمؤمنين ،أو
تسخيرا للجمادات ،لحكمة بالغ ٍة عرفها من عرفها ،وجهلها من
ً استدرا ًجا لغير المؤمنين ،أو
جهلها.
يقوي
موصوف بالقوة ّل يغلبه غالب ،قوي في فعله قادر على إتمامه سبحانه ،فاإلنسان ضعيف ،ا
ضعفه باهلل القوي ويصبح قويًا باهلل القوي.
فاهلل ج ال جًلله ّل يغلبه غالب ،وّل ير اد قضاؤه راد ،وّل يمنعه مانع ،وّل يدفعه دافع ،وهو القوي
في فعله ،القادر على إتمام فعله.
30
و"القوي" سبحانه هو الذي له كمال القدرة والعظمة ،وّل يعجزه شيءّ ،ل يستولي عليه العجز في
حال من األحوال ،والموصوف بالقوة المطلقة
ق قَد ِّْر ِّه ِّإ َّن َّ َ
َّللا لَقَ ِّو ٌّ
ي ع َِّزي ٌز }. قال تعالىَ { :ما قَ َد ُروا َّ َ
َّللا َح َّ
ألن هللا القوي قادر وإن اسم هللا القوي يمنح المسلم أمانًا من بطش المتجبارين وطغيان الطاغين ،ا ا
على إهًلكهم في طرفة عين أو أقل من ذلك ،فمن اعتصم باهلل القوي فقد اعتصم بالركن الشديد،
سيُد ِّْخلُ ُه ْم ِّفى َر ْح َم ٍة ِّ ّم ْنهُ ص ُمواْ ِّب ِّه َ الذي ّل غالب له وّل قادر عليه { فَأ َ َّما ٱلَّ ِّذينَ َءا َمنُواْ ِّبٱ َّ ِّ
َّلل َوٱ ْعتَ َ
ض ٍل } ..هللا أكبر ..ألست في ضيقك وكربك ترجو رحمة هللا وأن يتفضال عليك بفضل منه َوفَ ْ
شرك هللا {فَأ َ َّما ٱلَّ ِّذينَ َءا َمنُواْ بِّٱ َّ ِّ
َّلل سبحانه فيرحمك ويفرج همك وكربك ويرزقك ..في هذه اآلية يب ا
وتبرأت من ا ص ُمواْ ِّب ِّه} أناك إن آمنت به واعتصمت به سبحانه ولجأت إليه واعتمدت عليه َوٱ ْعتَ َ
سيُد ِّْخلُ ُه ْم فِّى َر ْح َم ٍة ِّ ّم ْنهُ
صة { َ حولك وقوتك واستعنت به سبحانه فإناه سيتغمدك بالرحمة الخا ا
ض ٍل } ،فيوفقك للخيرات ويجزل لك المثوبات ويدفع عنك البليات والمكروهات ،فالله ام إناا َوفَ ْ
قونا يا رحيم ارحمنا.. نعتصم بك ونلجأ إليك يا قوي ا
وينبغي للمسلم أن يوقن أنه ّل قوة له على شيء إّل باهلل تعالى ،فمن أراد القوة على شيء فليطلبها
تحول من حا ٍل
من هللا القوي سبحانه ،وهذا هو مفهوم قولّ( :ل حول وّل قوة إّل باهلل) ،أيّ :ل ُّ
إلى حال إّل باهلل.
31
أكبر آية وأعظم دليل عباد هللا :أليس في رفع السماء بًل عمد مع ما تحمل من المخلوقات فوقها ُ
س َك ُه َما ِم ْن أَ َح ٍد وّل َولَئِ ْن زَ الَتَا ِإ ْن أَ ْم َض أَ ْن ت َُز َ
ت َو ْاأل َ ْر َ اوا ِ َّللا يُ ْم ِسكُ ال َّ
س َم َ على قوة هللا البالغة؟ َّ
{إن َّ َ
ط ِويَّاتٌ بِيَ ِمينِ ِه س َم َواتُ َم ْ (وال َّ علَى ْال ِم ْنبَ ِرَ :سو ُل هللاِ ﷺ َه ِذ ِه ْاآليَةَ َوه َُو َ ِم ْن بَ ْع ِدهِ) [فاطر" .]41:قَ َرأَ َر ُ
َّار ،أنا ْال ُمتَ َكبِ ُار ،أنا ْال َم ِلكُ ،أنا هللا -عز وجل" :-أنا ْال َجب ُ ع َّما يُ ْش ِر ُكونَ ) ،قَالَ :يَقُو ُل ُ س ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى َ ُ
ظنَنَّا أَنَّهُ َ
س َي ِخ ُّر ف ِب ِه ْال ِم ْن َب ُرَ ،حتَّى َ سو ُل هللاِ ي َُر ِ اد ُدهَا َحتَّى َر َج َ ْال ُمتَ َعا ِلي ،يُ َم ِ اج ُد نَ ْف َ
سهُ" .قَا َل :فَ َج َع َل َر ُ
بِ ِه" (رواه أحمد).
وله قوة إبداع الخلق ،خلق العرش والكرسي ،وخلق المًلئكة ال ِعظام ،خلق السماوات واألرض،
والجبال الراسيات ،والنجوم الزاهرات ،والكواكب النيرات ،والحيوان والنبات ،وذلك لكمال قوته
ان ِم ْن ِطي ٍن} [السجدة.]7 :
س ِ ش ْيءٍ َخلَقَهُ َو َب َدأَ خ َْلقَ ْ ِ
اإل ْن َ وقدرته {الَّذِي أَ ْح َ
سنَ ُك َّل َ
قوة الجباار العظيم وكان سبحانه معك ونصرك فمن عليك! وماذا تخشى!..
فإن كانت هذه ا
أن هللا سبحانه هو القوي وحده أحسنَ التو اكل عليه واّلستسًلم لعظمته والتبرؤ من فمن علم ا
والقوة اإّل به ،ولهذا كانت كلمة "ّل حول وّل قوة إّل باهلل" جليلة الشأن ،كبيرة القدر، ا الحول
ي ﷺ فَقَا َل ِلي: از ِم ب ِْن َح ْر َملَةَ قَالََ :م َر ْرتُ ِبالنَّ ِب ِا ع ْن َح ِ عظيمة األثرَ ،
اَّللِّ ،فَ ِّإنَّهَا ِّم ْن ُكنُ ِّ
وز ا ْل َجنَّ ِّة ]. َاز ُم ،أَ ْكثِّ ْر ِّم ْن قَ ْو ِّلَ :ال ح َْو َل َو َال قُ َّوةَ إِّ َّال بِّ َّ
[ يَا ح ِّ
ي تعالى :هو الذي ّل ضا اّللتجاء به وحده سبحانه ،فًل يلجأ باّلستعانة لغير هللا ،فالقو ُّ وأورثه أي ً
ظنَنَّا أَ ْن لَ ْن نُ ْع ِجزَ َّ َ
َّللا فِي ْاأل َ ْر ِ
ض َولَ ْن نُ ْع ِجزَ هُ ه ََربًا ﴾ [الجن: يعجزه شي ٌء ،وقال تعالىَ ﴿ :وأَنَّا َ
32
ْس لَهُ ِم ْن دُونِ ِه أَ ْو ِل َيا ُء ْس ِب ُم ْع ِج ٍز فِي ْاأل َ ْر ِ
ض َولَي َ َّللا فَلَي َ
ي َّ ِ ،]12وقال تعالىَ ﴿ :و َم ْن َّل ي ُِجبْ َدا ِع َ
ين ﴾ [األحقاف ،]32 :والموضعان على لسان الجن ،ذوي القدرات والعجائب. أُولَئِكَ فِي َ
ض ًَل ٍل ُم ِب ٍ
فكيف تضعف ورباك القوي معك!..
فمهما شعرت بالعجز والضعف وأن طلباتك كثيرة أو ا
أن حوائجك صعبة بعض الشيء فعليك أن
تتذ اكر وتوقن ثًلثة أمور:
• أناه سبحانه ّل يُعجزه شيء.
• وأناه ّل يشغله شأ ٌن عن شأن.
• وأناه ّل ينقُص من ملكه شيء.
فكيف تغفل عن الدعاء أو كيف تستصغر فضل الدعاء وأثره وهللا سبحانه يقول:
مفر
َّللا ﴾ [الذاريات ]50 :فكلها في إجابة دعوة هللا ،وطاعته وحسن عبادته ،وأنه ّل َّ ﴿ فَ ِّف ُّروا إِّلَى َّ ِّ
من هللا تعالى اإّل إليه ،فتفر من عذاب هللا باللجوء إليه ،وطلب توفيقه وتسديده ورحمته .وّل ينفع
هللا تعالى،ُعجزون به َأحد غير هذا؛ ببساطة ألنه ليس له من دون هللا أولياء يبلُغون من القوة ما ي ِ
تنزه هللا عن ذلك .ومعلوم عند العبد ضعفه في نفسه ،فليلجأ لذي القوة القهار ..وّل غالب إّل هللا. َّ
33
وهنالك بشارة عظيمة لمن يدعو رباه وكيف ينال الكثير من الفرج بعد الضيق والكرب ،وذلك في
قصة نوح عليه السًلم إذ دعا رباه ..فماذا حدث حين استجاب الجباار العظيم القوي النصير
منهمر*
ٍ مغلوب فانتَ ِّصر* ففتحنا أبواب السماء بماءٍ
ٌ سبحانه { :فدعا ربّه أنّي
سر* تجري
ألواح و ُد ُ
ٍ أمر قد قُدِّر* وحملناه على ذا ِّ
ت وف ّجرنا اْلرض عيونًا فالتقى الماء على ٍ
بأعيُننا }:
ففتحنا ..وفجارنا ..وحملناه ..تجري بأعيننا..
هللا أكبر ..ك ال هذا ألناه دعا هللا سبحانه ..فقد دعا بضعفه وأناه ّل يقدر على مواجهة قومه فطلب
من هللا النصر فتغيارت الظواهر في الكون استجابة لدعائه ونصره هللا على القوم الكافرين..
الله ام أناي مغلوب فانتصر ..يا نصير انصرنا..
ض ِّب َما َر ُحبَتْ َوضَاقَتْ َ
علَ ْي ِّه ْم ع َل ْي ِّه ُم ْاْل َ ْر ُ
علَى الثَّ َالثَ ِّة الَّ ِّذينَ ُخ ِّّلفُوا َحتَّى ِّإذَا ضَاقَتْ َ وقال تعالىَ ﴿:و َ
الر ِّحي ُم ﴾
اب َّ علَ ْي ِّه ْم ِّليَتُوبُوا إِّ َّن َّ َ
َّللا هُ َو التَّ َّو ُ اب َ ظنُّوا أَ ْن َال َم ْل َجأ َ ِّمنَ َّ ِّ
َّللا إِّ َّال إِّلَ ْي ِّه ث ُ َّم تَ َ أَ ْنفُ ُ
س ُه ْم َو َ
[التوبة.]118 :
فاعلم أناه ّل ملجأ من هللا اإّل إليهّ ،ل ملجا من ضعفك اإّل إلى هللاّ ..ل ملجأ من ضيقك اإّل إلى هللا..
ّل ملجأ من خوفك اإّل إلى هللا سبحانه ..فالجأ إليه وحده سبحانه وّل تكن ممن ذ امه هللا بأناه ما إن
يُذيقه هللا ابتًل ًء بعد نِعم عظيمة قد رزقه إيااها قبل اإّل كان شديد اليأس والقنوط كثير الكفران للنِعم
ُوس َكفُو ٌر } [هود] احذر أنسانَ ِّمنَّا َر ْح َمةً ث ُ َّم نَ َز ْعنَا َها ِّم ْنهُ إِّنَّهُ لَيَئ ٌاإلن َالتي سبقتَ { ..ولَئِّ ْن أَذَ ْقنَا ِّ
تكون كذلك بل اصبر واصبر وادعُ وكن ممن استثناهم هللا ج ال وعًل في اآليات التي تلتها إذ قال
ت أ ُ ْولَئِّكَ لَ ُه ْم َم ْغ ِّف َرةٌ َوأَ ْج ٌر َكبِّي ٌر} [سورة هود]. صبَ ُروا َوع َِّملُوا ال َّ
صا ِّلحَا ِّ سبحانه{ :إِّالَّ الَّ ِّذينَ َ
وأن الفر َج واّلنفراجةَ يُسْر ،فاهلل سبحانه عس ٌْرَّ ، فاصبر واحتسب واعلم َّ
أن اّلبتًل َء والش َّدةَ ُ
س ًرا} س ًرا* إِّ َّن َم َع ا ْلعُ ْ
س ِّر يُ ْ وتعالى َجعَ َل مع ك ِال عس ٍْر يُسرين ،فقال ج َّل جًلله{ :فَ ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ
س ِّر يُ ْ
35
-ما هو المطلوب؟
َب * َو ِّإلَى َر ِّّبكَ فَ ْ
ار َ
غ ْب} [الشرح.]8 -5 : {فَ ِّإذَا فَ َر ْغتَ فَا ْنص ْ
سه في هذا هو المطلوب من العب ِد أثنا َء الش َّدةِ والعُس ِْر ،ووقو ِعه في العُسر واّلبتًلء؛ ْ
أن يُج ِه َد نف َ
العبادة ،ويكثِ َر الرغبةَ في اإلخًلص لرباِه ودعائه وذِكره سبحانه.
• قال العًلمة ابن القيم رحمه هللا :ذكر هللا يُس اهل الصعب ويُيسر العسير ويُخفف المشاق ،فما ذُ ِكر
عز وج ال على صعب اإّل هان وعلى عسير اإّل تيسار وّل مشقاة اإّل خفات وّل ِشداة اإّل زالت، هللا ا
وّل كربة اإّل انفرجت ،فذكر هللا تعالى هو الفرج بعد الغ ام واله ام.
• وقال العًلمة السعدي رحمه هللا :هللا تعالى قدار من ألطافه وعوائده الجميلة ا
أن الفرج مع
قوة التجاء وشداة طمع وأن اليُسر مع العسر ،ا
وأن ال ِشداة بتراء ّل تدوم فإن حصل مع ذلك ا الكرب ،ا
بفضل هللا ورجاء وتضرع كثير ودعاء ،فتح هللا عليهم من خزائن جوده ما ّل يخطر بالبال.
فشدة الظًلم تعني قرب بزوغ الفجر ،واألمور إذا اشتدات فهذا يعني ا
أن الفرج بفضل هللا قريب،
فالنصر مع الصبر ،والفرج مع الكرب ،واليُسر مع العُسر.
36
فحين تداهمك الشداة والضيق الجأ إلى رباك بتلك األمور وأولها الذِكر ،ومن أعظم الذِكر الحولقة
كنز من كنوز الجنة كما علامنا نبينا محمد ﷺ ،وهي ترديد ( ال حول وال ّ
قوة ّإال باهلل ) فهي ٌ
خير حال اإّل باهللّ ..ل تح اول من الضيق
تحول من حالك هذا إلى ِ باستشعار بها من قلبك أناه ّل ا
ا
والعز والتمكين تحول من حال الخيبة واّلنكسار إلى حال النصر إلى السعة والفرج اإّل باهللّ ..ل ا
تحول من الكسل إلى النشاط تحول من ترك المعصية إلى فعل الطاعة اإّل باهللّ ..ل ا اإّل باهللّ ..ل ا
تحول من الفقر إلى الغنى اإّل باهلل ..ردادها عشرات المرات بل مئات وآّلف اإّل باهللّ ..ل ا
المرات ..وأنت مستشعر بها من قلبك فهذه الكلمة هي التوحيد العملي لإلنسان.
قوة ّإال باهلل
ال حول وال ّ
قوة ّإال باهلل
ال حول وال ّ
قوة ّإال باهلل
ال حول وال ّ
• يُروى في السير :كم ممن ألزموا أنفسهم بالحولقة يقينًا قد تفتاحت لهم المغاليق وسيقت لهم
األمور على أحسن مما يتمنون..
لم يُكابدوا عنا ًء وّل كبدا.
• وأكثروا من دعاء:
الله ام إناا نبرأ إليك من حولنا وقوتنا وتدبيرنا ونلتجئ إلى حولك وقوتك وتدبيرك فإناه ّل حول وّل
قوة اإّل بك سبحانك ..الله ام أعني وّل تُعن علي وانصرني وّل تنصر علي واهدني ويسر الهدى ا
لي..
• وأكثروا من دعاء يونس عليه السًلم (دعاء الكرب):
(ال إله ّإال أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين)
فقد روي في الحديث:
َّللا ﷺ:سو ُل َّ ِ س ْعد بن أبي وقاص ،قَالَ :قَا َل َر ُ ع ْن َ • َ
س ْب َحانَكَ ِإناِي ُك ْنتُ ِمنَ ال َّ
ظا ِل ِمينَ ،فَإِنَّهُ ط ِن ال ُحوتَِّ :ل ِإلَهَ ِإ َّّل أَ ْنتَ ُ عا َوه َُو فِي بَ ْ
ون ِإ ْذ َد َ[ َدع َْوة ُ ذِي النُّ ِ
َّللاُ لَهُ].اب َّ ط إِ َّّل ا ْستَ َج َش ْيءٍ قَ ُّ
لَ ْم يَ ْدعُ بِ َها َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم فِي َ
37
فكيف نغفل عنها في غ امنا وه امنا وهللا سبحانه يخبر عن يونس عليه السًلم أناه ل اما دعا بها نجااه
ضا إن دعونا شرنا سبحانه أناه سينجينا نحن أي ً من الغ ام { :فَا ْ
ستَ َج ْبنَا لَهُ َونَ َّج ْينَاهُ ِّمنَ ا ْلغَ ِّ ّم } ،ث ام ب ا
بهاَ { :و َكذَ ِّلكَ نُ ْن ِّجي ا ْل ُم ْؤ ِّمنِّينَ }.
ضا:
• ومن األذكار المهمة التي عليك اّللتزام بها أي ً
كثرة الصًلة على النبي ،وخاصة يوم الجمعة ،وبصيغة الصًلة اإلبراهيمية الكاملة بأن تردد:
الله ّم ص ِّل على محم ٍد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
في العالمين إنّك حميد مجيد..
الله ّم وبارك على محم ٍد وعلى آل محمد
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
في العالمين إنّك حميد مجيد..
فقد أخبر ﷺ أناه بكثرة الصًلة على النبي يحصل لك أمرين[ :تُكفى همك ،ويُغفر ذنبك].
38
أستغف ُر هللا العظيم وأتوب إليه
أستغف ُر هللا العظيم وأتوب إليه
أستغف ُر هللا العظيم وأتوب إليه
َّللا الَّذِي ّلَ ِإلَهَ ِإّلَّ هُو
من قَالَ[ :أَ ْستَ ْغ ِف ُر َّ
َّللا ﷺْ : سو ُل َّ وعن اب ِْن َم ْسعُو ٍد رضي هللا عنه قَالَ :قَا َل ر ُ ِ
ْف] .رواه الحا ِك ُم. الزح ِت ذُنُوبُهُ و ِإ ْن َكانَ قَ ْد فَ َّر ِمنَ َّ وب ِإلَي ِهُ ،
غ ِف َر ْ ي ْالقَي َ
ُّوم وأَت ُ ُ الح َّ
فاّلستغفار سبب لتفريج الكربات ورفع اّلبتًلءات ،وكذلك هو من لوازم تقوى هللا ج ال وعًل،
كثيرا مئات بل وآّلف المرات في يومكم وليلتكم. ً فاستغفروا هللا
• ومن أهم ما تبدأ به دعاءك أن تحمد هللا سبحانه وتثني عليه ث ام تصلي على النبي محمد ﷺ
بأن تقول :الله ّم لك الحمد حمدا يليق بجالل وجهك وعظيم سلطانك ..اللهم صل على نبينا
محمد ..ثم تدعو بما تشاء..
• ومن أعظم األدعية أن تدعو بتوحيدك هلل سبحانه بأن تبدأ دعاءك بقول:
َّللا ال إلَهَ َّإال أنتَ اْلح ُد الصمد ،الَّذي لم ي ِّل ْد ولم يولَ ْد ولم
[ال َّله َّم إ ّنِّي أسألُكَ بأ ّنِّي أشه ُد أ َّنكَ أنتَ َّ ُ
تفرج همي وترحمني وتحفظني وأهلي.. كفوا أحدٌ ..ثم تدعو بما تريد] أن ا يَكُن لَهُ ً
ً
رجًل يدعو به قال: فقد قيل ا
أن هذا الدعاء هو اسم هللا األعظم ،فحين سمع النبي ﷺ
س ِّئ َل ِّب ِّه أعطى].
أجاب ،وإذا ُ
َ اْلعظم الَّذي إذا ُد ِّع َ
ي ِّب ِّه ِّ باسم ِّه
ِّ [والَّذي نَفسي بي ِّد ِّه لقد سأ َل َّ َ
َّللا
فاستفتحوا دعاءكم به وفي سجودكم..
• وقد قيل ا
أن المراد باّلسم األعظم حالة يكون عليها الداعي ،وهي تشمل ك َّل َمن دعا هللا تعالى
بأي اسم ِمن أسمائه ،إن كان على تلك الحال.
• قال الحافظ ابن حجر :وقيل :المراد باّلسم األعظم :ك ُّل اسم من أسماء هللا تعالى دعا العب ُد به
مستغرقًا؛ بحيث ّل يكون في فكره حالتئِ ٍذ غير هللا تعالى ،ا
فإن َمن تأتَّى له ذلك استجيب له.
39
لتدعو بها.
َ لذلك تراني قد دللتك في كتابي هذا على بعض من أسماء هللا الحسنى
وإن من أعظم ما ينبغي إن قضية أسماء هللا الحسنى من أخطر وأه ام الموضوعات في الدين ،ا • ا
على العبد اّلهتمام به من أمر الدنيا واآلخرة :معرفة هللا جل جًلله ،بأسمائه الحسنى وصفاته
العليا ،واّلجتهاد في إحصاء ذلك ،وترقاي منازل العبودية من ذلك الباب الرحب؛ وإناما يشرف
العلم ،بحسب شرف المعلوم ،وّل علم أشرف من العلم باهلل ج ال جًلله ،وّل ثمرة أعظم من تلك
الثمرة التي يرجوها العبد من إحصاء أسماء هللا الحسنى ،وصفاته العليا ،والتعبد لرباه بذلك
فإن معرفة أسماء هللا جل جًلله ودعائه سبحانه بأسمائه{ :وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها} ،ا
الواردة في الكتاب والسنة وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم األسباب
التي تعين على زيادة إيمان العبد ،وتقوية يقينه ،قال شيخ اإلسًلم ابن تيمية –رحمه هللا“ :-ولما
كانت حاجة النفوس إلى معرفة رباها أعظم الحاجات ،كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق
معرفة ما سواه ،وكان ذكرهم ألسمائه أعظم من ذكرهم ألسماء ما سواه”.
ّلِل ِت ْس َعةً
َّللا ﷺ قَالَِ [ :إ َّن ِ َّ ِ ع ْنهُ :أَ َّن َر ُ
سو َل َّ ِ َّللا َ
ي َّ ُض َ ع ْن أَ ِبي ه َُري َْرةَ َر ِوروى البخاري ومسلم َ
احدًاَ ،م ْن أَ ْح َ
صاهَا َد َخ َل ال َجنَّةَ]. َوتِ ْسعِينَ ا ْس ًما ِمائَةً ِإ َّّل َو ِ
تدعو ُمستغرقًاِ :باسم هللا النصير أن ينصرك ..و ِباسم هللا الكافي أن يكفيك ..و ِباسم
َ لذلك عليك أن
هللا العظيم الكبير القوي أن يقويك ..وبِاسم هللا الرحيم أن يرحمك ..وبِاسم هللا الكريم أن يكرمك..
و ِباسم هللا الوهاب أن يهبك من فضله الواسع سبحانه ..و ِباسمه الرزاق أن يرزقك..
40
ح ا ْل َع ِّلي ُم }
{ َوهُ َو ا ْلفَتَّا ُ
• قد يُغلَق باب في وجهك ،وتحاول فتحه بكل الطرق ،وتتخذ معه كل األساليب ،لكن تبوء كل
محاوّلتك بالفشل ،وحين تلجأ إلى الفتَّاح ،يفتحه في وجهك دون سبب ،ويُقبِل عليك الخير من كل
وجه ،وتأخذك الدهشة وأنت ترى الفتح يهمي عليك كالغيث.
ح ا ْل َع ِّلي ُم }
{ َوهُ َو ا ْلفَتَّا ُ
كثيرا( :ليس هناك حل) ،وما ذاك اإّل ا
ألن القائل ما عرف استخدام المفتاح ،ولم يتاجه إلى ً • تسمع
س َّد أمامك من طرق ،فكن الباب؛ فالفتَّاح هو من يفتح لك ما أُغ ِلق في وجهك من أبواب ،وما ُ
مطمئنًّا لكرم ربك وفضله ،وعظيم عطائه ،وسعة رحمته ،وقُ ْل :يا فتَّاح ،افتح لي األبواب ،وسخر
لي األسباب ،إنك أنت الكريم الوهاب.
س ْك فَ َال ُم ْر ِّ
س َل لَهُ ِّم ْن بَ ْع ِّد ِّه َوهُ َو ا ْلعَ ِّزي ُز اس ِّم ْن َر ْح َم ٍة فَ َال ُم ْم ِّ
سكَ لَهَا َو َما يُ ْم ِّ َّللا ِّللنَّ ِّ
ح َّ ُ﴿ َما يَ ْفتَ ِّ
ا ْل َح ِّكي ُم﴾ [فاطر.]2 :
ً
حائًل • إذا فتح لك الباب ،فلن تستطيع أي قوة أن تمنع عنك الخير ،وتحجز عنك الهبات ،وتقف
دون األعطيات.
ح ا ْلغَ ْي ِّ
ب َال يَ ْعلَ ُمهَا ِّإ َّال هُ َو } [األنعام.]59 : { َو ِّع ْن َدهُ َمفَاتِّ ُ
إن قُوى األرض كلها لن تقدام أو تأ اخر ،أو تعطي أو تمنع مثقال ذرة فتح بها الفتااح عليك،
• َّ
سهًل ،والضيق سعة ،والمنع عطا ًء ،وهو ا
عز ً يسيرا ،والصعبً وبقولك( :يا فتااح) ستجد العسير
يضرك وما ينفعك؛ لذا هو حكيم في توقيت فتحه؛ فًل تيأس. ا وج ال يعلم ما
قهرا يكاد يمزق أضًلعه ،ولو طرق باب الفتاح ،لفتح له غ ِلب في الحجة ً • يجد المظلوم الذي ُ
ظلَمة وآكلي حقه؛ ألم يقل عز وجل ﴿ :قُ ْل َي ْج َم ُع َب ْينَنَا َر ُّبنَا ث ُ َّم َي ْفتَ ُ
ح َب ْينَنَا الباب ،وغلبه على ال َّ
ح ا ْلعَ ِّلي ُم ﴾ [سبأ.]26 :
ق َوهُ َو ا ْلفَتَّا ُ
ِّبا ْل َح ّ ِّ
41
ق َوأَ ْنتَ َخ ْي ُر ا ْل َفاتِّ ِّحينَ ﴾ [األعراف،]89 : • ويقول عز وجلَ ﴿ :ربَّ َنا ْ
افتَ ْح بَ ْي َن َنا َوبَ ْينَ قَ ْو ِّم َنا ِّبا ْل َح ّ ِّ
فإذا اشت اد صراعك مع أعدائك ،وتعبت وأُغ ِلق كل باب في وجهك ،توجه ً
حاّل إلى الفتااح ،واسجد
له بقلبك ،وو ِ اجه إليه شكواك الحارة ،وأد ِْم ْن قرع الباب ،وانتظر الجواب.
ضع نفسك مكان سيدنا يونس ليس في ظلمة قاع المحيط الخضم ،ولكن في غرفة واسعة تسرح
فيها وتمرح ،لكن بابها مغلق ،سجنك بها أحدهم ،وّل تستطيع الخروج منها ،كيف سيكون
شعورك؟ حتى لو كانت واسعة كيف سيضطرب قلبك؟ تخيلها مضاءة ،لكن كيف سيمور الخوف
في وجدانك؟ ستشعر حينها أن الدنيا أُغلقت في وجهك ،وأنك أعظم أهل األرض خوفًا ،وليس من
فتَّاح إّل هللا.
سيدنا يونس وهو في ظلمات ثًلث ،قد أُغ ِلقت عليه جميع األبواب ،ليس له نصير يفتح له ما
أُغلق ،فف اكر أن يستفتح أبواب السماء ويقرعها
ت أَ ْن َال إِّلَهَ إِّ َّال أَ ْنتَ ُ
س ْبحَانَكَ إِّ ِّنّي ُك ْنتُ ِّمنَ ال َّ
ظا ِّل ِّمينَ ﴾ [األنبياء]87 : ﴿فَنَادَى فِّي ال ُّ
ظلُ َما ِّ
ففتح الفتااح سبحانه له.
42
• ال تضيّعوا هذه الفرصة..
مستغفر فاغفر له ..هل
ٍ الفتااح ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث األخير من الليل فينادي هل من
داع فأستجيب له..
من سائل فأعطيه ..هل من ٍ
الفتّاح :كثير الفتح ِلما أُغلق؛ فهو عز وجل الفتاح الذي يحل كل مغلق أمام الخلق ،ويهيئ لهم
سدَّت أمامهم السبل ،وضاقت بهم األمور ،فتاح يفتح لعباده منافع الدنيا والدين ،ويفتح
المنافذ إذا ُ
للمقبلين عليه أقفال القلوب ،ويرشد كل حائر ،ويفرج عن كل مكروب.
فمن استصعب عليه أمر ،أو نزل به ضر ،أو أغلق الخلق دونه أبوابهم ،فليعلم أن له ربًّا فتَّا ًحا،
يفتح كل مغلق ،ويسهل كل صعب ،وييسر كل عسير ،وفي الثلث األخير من الليل فتح عجيب،
وعطاء مدهش.
• يفتح الباب أمامك بكلمة التوحيد ،إن كنت صادقًا في نطقها مخل ً
صا؛ ففي الحديث(( :ما قال
صا ،إّل فُتحت له أبواب السماء ،حتى تُفضي إلى العرش ،ما اجتنبت
عبدّ :ل إله إّل هللا قط مخل ً
الكبائر))؛ أخرجه الترمذي.
44
-ففي الحديث( :أسألك بك ال اسم هو لك) يُبين أهمية التوسال بأسماء هللا الحسنى.
45
• وهو الذي يحفظ عبده من المهالك والمعاطب ،ويقيه مصارع السوء كقوله سبحانه{ :لَهُ ُم َع ِاق َباتٌ
ِ امن بَي ِْن يَ َد ْي ِه َو ِم ْن خ َْل ِف ِه يَ ْحفَ ُ
ظونَهُ ِم ْن أَ ْم ِر ا
َّللاِ} [الرعد.]11:
ش ْيءٍ َح ِّفي ٌ
ظ} { ِّإ َّن َر ِّّبي على ُك ِّ ّل َ
كل شيء ..كل شيءّ ..ل يُعجزه ِحفظ كل شيء ..فاسأله أن يحفظك وأهلك..
وهو الذي يحفظ العبد من الشرور واآلفات ويحفظه من عقابه وعذابه إن هو حفظ حدود هللا
واجتنب محارمه.
فإذا ضاقت عليك األرض وكثرت المخاطر؛ فارفع يديك إلى السماء وقل :يا حفيظ احفظني
اح ِمينَ ﴾[ .يوسف.]64 : ظا َوه َُو أَ ْر َح ُم َّ
الر ِ اّلِل َخي ٌْر َحا ِف ً
بحفظك ﴿فَ َّ ُ
• فعليك أن تدعو هللا سبحانه بِاسمه الحفيظ ،فقد ثبت من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه ا
أن
ظني باإلسًلم قائ ًما ،واحفظني باإلسًلم قاعدًا ،واحفظنيالنبي ﷺ كان يدعو ويقول[ :الل ُه َّم احفَ ْ
باإلسًلم راقدًا ،وّل تُشمت بي ًّ
عدوا حاسدًا.]..
ادعُ هللا واصبر وّل تقنط وّل تجزع..
{و َما كَانَ َربُّكَ نَ ِّ
سيًّا} واعلم ا
أن كل ما ترفعه على جناح الدعاء نحو السماء لن يضيع ولن ينسىَ :
ثق بتدبير هللا وحكمته واصبر واطمئن..
46
َان َر ُّبكَ نَ ِّ
س ًّيا } { َو َما ك َ
أن األرض قد ضاقت عليك بما رحبت ..وأناك في هذا العالم • قد تتكابل عليك العثرات ..وتشعر ا
ذرة من فًلة ّل قيمة لها ..ال َكبَد يعبث بك ذات اليمين وذات الشمال ..واألبواب في عينيك
مؤصدة..
ألسن
ٍ وروحك جاثية في محراب الصبر تناشد اللطيف بفرج قريب ..وعلى مضض تبتلع غصات
تلوكك قسوةً وظل ًما ..وأي ٍد تضع الشوك في طريقك بعدما فرشتَ على دروبهم الياسمين والورد..
وسياط الظلم تنهال عليك ..وتزداد الضربات الموجعة..
يتسلى البعض بضعفك وآخرون ّل يشعرون بقسوة انكسارك..
قلبك حينئ ٍذ يحترق أل ًما ويشت اد ذلك على النفس فتدمع العين حزنًا وكمدا..
47
فهو الجباار سبحانه ..فسيجبرك ..سيجبر كسرك ..سيجبر قلبك ..سيجبرك حالك ..سيجبر
ضعفك..
س َال ُم ا ْل ُم ْؤ ِّم ُن ا ْل ُم َهي ِّْم ُن ا ْلعَ ِّزي ُز ا ْل َجبَّا ُر ا ْل ُمتَ َك ِّّب ُر َّللا الَّذِّي َال إِّلَهَ إِّ َّال هُ َو ا ْل َم ِّلكُ ا ْلقُد ُ
ُّوس ال َّ ﴿ هُ َو َّ ُ
ع َّما يُش ِّْركُونَ ﴾ س ْب َحانَ َّ ِّ
َّللا َ ُ
• قال الطبري رحمه هللا( :الجباار :المصلح أمور خلقه المصرفهم فيما فيه صًلحهم).
• وقال السعدي رحمه هللا( :الجبار هو بمعنى :العلي األعلى وبمعنى الق اهار وبمعنى الرؤوف
صا قلوب
جبرا خا ً
وهو الذي يجبر الكسير ،ويغني الفقير ،ويجبر المريض وال ُمبتلى ،ويجبر ً
المنكسرين لجًلله ،الخاضعين لكماله ،الراجين لفضله ونواله بما يفيضه على قلوبهم من المحبة
وأنواع المعارف الربانية ،والفتوحات اإللهية والهداية واإلرشاد والتوفيق والسداد).
• ومن معاني اسم هللا الجباار :الذي يَجبُ ُر الضعيف وك ّل قلب ُمنكسر ْلجله.
إن هللا تعالى :هو الجباار الذي له العلو على خلقه ،علو الذات والقدر والصفات ،وعلو القهر • ا
والجبر[ ،فإذا شهد العبد ذلك وأ ّن نواصي العباد كلها بيد هللا وحده ،يصرفهم كيف يشاء لم
يخفهم بعد ذلك ،ولم يرجهم ،ولم ينزلهم منزلة المالكين ،بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين،
﴿وه َُو ْالقَاه ُِر فَ ْوقَ ِع َبا ِد ِه َوه َُو ْال َح ِكي ُم
المتصرف فيهم سواهم والمدبار لهم غيرهم] كما قال تعالىَ :
ا
ْال َخ ِب ُ
ير﴾.
ربانا آمنا أناك الجباار ..شهدنا أناك الجباار ..فاجبرنا سبحانك ..اجبر حالناً ..
جبرا يليق بجبرك
ورحمتك..
وافرا..
ً وهب لنا فر ًجا من عندك إناك أنت الو اهاب ..يا و اهاب هب لنا من خزائنك رزقًا واس ًعا
هب لنا َمسكن خير وصحبة خير وجيرة خير ..هب لنا من خزائن فضلك فإناك أنت الو اهاب.
48
﴿أَ ْم ِّعن َدهُ ْم َخ َزائِّ ُن َر ْح َم ِّة َر ِّبّكَ ا ْلعَ ِّز ِّ
يز ا ْل َو َّها ِّ
ب﴾.
فيقتضي اسم هللا الو اهاب دعاء هللا تعالى وسؤاله ،فمن أراد أن يهبه هللا تعالى شيئًا فليتذكر اسمه
الو اهاب ويدعوه به ،كما أخبر هللا تعالى عن دعاء الراسخين في العلم:
اب ﴾ [آل عمران.]٨ :﴿ َر َّبنَا َال ت ُ ِّز ْغ قُلُو َبنَا َب ْع َد ِّإ ْذ َه َد ْيتَنَا َو َه ْب لَنَا ِّم ْن لَ ُد ْنكَ َر ْح َمةً ِّإنَّكَ أَ ْنتَ ا ْل َو َّه ُ
إن هللا سبحانه هو الو اهاب ،والو اهاب هو كثير الهبات والمنح والعطايا واألفضال ،وهو الذي يهب ا
تفضًل وابتدا ًء من غير استحقاق وّل مكافأة لهم{ :ما عندكم يَ ْنفَ ُد وما ِّع ْن َد هللا ٍ
باق}. ً
اجنَا َوذُ ِّ ّريَّاتِّنَا قُ َّرةَ أَ ْعيُ ٍن َوا ْجعَ ْلنَا ِّل ْل ُمتَّ ِّقينَ إِّ َما ًما}
{ربَّنَا َه ْب لَنَا ِّم ْن أَ ْز َو ِّ
َ
ادعُ بها حتى إن كنت ّل زلت أعزبًا ..ادعُ بها من اآلن ..ادعُ الو اهاب أن يهبك زو ًجا وأبنا ًء
مطيعين هلل سبحانه عابدين له.
رب
إن هذا دعاء الصالحين ،وفيه الدُّعا ُء واّللتجا ُء إلى ا ِ • قال بعض السلف في هذه اآلية :ا
كيف يشا ُء ،وقد
َ صبعين من أصاب ِعه يُق ِلابُها
ِ فالقلوب بينَ أ ُ
ُ الزوجةَ والبنا ِ
ت واألبنا َء، َّماء ،ليُص ِل َح َّ
الس ِ
ُّعاء.
وع َد من دعاهُ بإجاب ِة الد ِ
49
َاء} ط ِّيّبَةً ِّإ َّنكَ َ
س ِّمي ُع ال ُّدع ِّ ب َه ْب ِّلي ِّمن لَّدُنكَ ذُ ِّ ّريَّةً َ {ر ّ ِّ
َ
كبيرا ،لكناه دعا بيقين متو اك ًًل على هللا سبحانه
ً دعا بها زكريا عليه السًلم وقد بلغ من العمر مبلغًا
الظن به أناه سميع الدعاء و ُمجيبه ،فرزقه هللا سبحانه بذرية طيبة مباركة إذ رزقه يحيى ا ُمحسنًا
بارا بوالديه:عليه السًلم ًّ
ارا ع َِّص ًّيا}. {و َحنَانًا ِّ ّمن لَّ ُدنَّا َو َزكَاةً َوكَانَ تَ ِّق ًّيا}َ ،
{و َب ًّرا ِّب َوا ِّل َد ْي ِّه َولَ ْم َيكُن َج َّب ً َ
صا هلل ،وأرجى فزكريا عليه السًلم {نَاد َٰى َربَّهُ نِّدَا ًء َخ ِّفيًّا} :دعا ربه ً
سرا؛ ليكون أكمل وأت ام إخًل ً
عودتني اإلجابة فيما مضى ولم تُخ ِيابنيش ِقيًّا﴾ :يقول َّ
ب َ
عائِكَ َر ا ِ ﴿ولَ ْم أَ ُك ْن ِب ُد َ
لإلجابة ،ثم قالَ :
سبحانك ولم تُش ِقني.
هذا فتح من هللا ،أن يُلهمك هللا سبحانه الدعاء فتدعو به ث ام يستجيب لك ..فسبحانه ما أكرمه ،فهو
ي ك َِّري ٌم}{ ،ا ْق َرأْ َو َربُّكَ ْاْلَك َْر ُم} ،فالكريم :اس ٌم جليلٌ ،ي ِ
ُدخل الكريم األكرم سبحانه{ :فإ ّن َربِّّي َ
غنِّ ٌّ
البهجة على قلوب عباد هللا المؤمنين الذين عرفوا قيمة أسماء هللا التي تد ُّل على الترغيب ،فأحسُّوا
ضلَها ،وأحبُّوا من رباِهم أن يُرى عليهم حًلها. فَ ْ
ً
وشماّل ،وأن ِن َع َم هللا ّل تُق ِيادها قيودٌ، أن عطاء هللا تعالى ّل تحدُّه حدودٌ ،فطفقوا ينفقون يمينًا
علموا ا
إجًلّل ،وأن كرم هللا تعالى فيُّوض وممدود ،فمدُّوا أيديهم ً فراحوا يشكرون المن ِع َم باإلحسان
ً
أرساّل. بالعطاء سخاء
50
طاء ،وهو ذو العزة يعطي سبحانه بًل سؤال ،وهو الكبير المتعال ،ويعفو عن المذنب الخ َّ
ً
إهماّل، ً
إمهاّل ّل صر بالبَ ْذل،والجًلل ،يُجازي بالفضل ،ويُحا ِسب بالعَدْل ،ويُقابِل الًلهي المق ِ ا
يفيض نداهُ!
ُ ي ،وهو الكري ُم ،وك ْموهـو الحميدُ ،هو المجي ُد الول ُّ
ض لي ال َحا َجةُ أحيانًا فَأ َ ْست َِحيي سى عليه السًلم قَا َل في ُمنَا َجاتِ ِه[ :إنَّهُ لَت ُ ْع َر ُ ي :أَ َّن ُمو َ شي ِْر ُّوذَك ََر القُ َ
ع ِجينِكَ ، س ْل ِني َحتَى ِم ْل َح َ
غي ِْريَ ،و َ س ْل َ سى َّل تَ َ غي َْركَ ،فَأ َ ْو َحى ُ
هللا إلي ِهَ :يا ُمو َ سأَلَكَ ،فَأ َ ْسأ َ ُل َ أَ ْن أَ َ
ف شَاتِكَ ]. علَ ََو َ
ير غير ،والعَ ِس ُ ص ٌ َبير ِع ْن َده َ
َبير ،بَ ِل الك ُ ير والك ُ ص ِغ ُ
سوا ًء ال َّون ،فَ َ َوذَلِكَ َأل َّن أَ ْم َرهُ بعد الك ِ
َاف والنُّ ِ
ب لَ ِيا ٌن.
ص ْع ُ ير ،وال َّ َي ِس ٌ
علَى ال ُمنَى فَ ُه َو هللاُ َو ْح َدهُ. طى زَ ا َد َ والكريم سبحانه هو الذِي إذا أَ ْع َ
51
غي ُِر تَ َكلُّفٍ .
ير ال َخي ِْر ال ُمتَأ َ ِتاي ِل ُك ِال َما يُرا ُد ِم ْنهُ ِم ْن َ
يم) ه َُو ال َكثِ ُ
إن (الك َِر َ ارَّ : وقَا َل اب ُن ال َح َّ
ص ِ
سنَاتِ. ت بال َح َ ع ْن َها ،وتَ ْبدِيلُه ال َّ
سياِئَا ِ ع ْف ُوهُ َ غ ْف َرانُهُ للذُّنُو ِ
ب ،و َ وم ْن ك ََر ِمه سبحانه ُِ
الله ام قد أمرتنا فقلت{ :وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها} ،وها نحن ندعوك باسمك الكريم
سبحانك..
بفرج عاجل
ٍ الله ام يا كريم أكرمنا
الله ام يا كريم أكرمنا ببشائر تتوالى علينا كالغيث
يا ُمغيث أغثنا
يا ُمغيث أغثنا
يا ُمغيث أغثنا
ي ا ْلح َِّميدُ}
{وهللا هُ َو ا ْلغَنِّ ُّ
ُ
صف نفسه فقالَ ﴿ :يا أَيُّ َها النَّ ُ
اس فالكريم سبحانه هو الغني ،والخلق هم إليه فُقَرا ُء ُمحتا ُجون ،كما َو َ
اعترف بفقرك إليه يُغنك سبحانه ..فقد دعا ِ ي ْال َح ِميدُ﴾ فيا عب َد هللا
هللا ه َُو ْالغَنِ ُّ
أَ ْنت ُ ُم ْالفُقَ َرا ُء ِإلَى هللاِ َو ُ
خير فقير} وقد كان ُمطاردًا شريدًا في بًل ٍد ّل ي من ٍ ب إناي ِلما أنزلتَ إل ا موسى عليه السًلم{ :ر ِ
يعرف بها أحدّ ..ل سكن وّل مأوى وّل أهل وّل عمل وّل زوجة ..فلما دعا بها موسى عليه
السًلم ُمعترفًا بفقره رزقه هللا من كل ذلك ..فرزقه الزوجة والمأوى والعمل واألهل والسند ..فًل
كثيرا في كل حين: ً ضا في سجودك ..بل ردادها تغفل عنها أي ً
خير فقير}. ب إناي ِلما أنزلتَ إل ا
ي من ٍ {ر ِ
فاسألوا هللا الغني بِاسمه الغني أن يُغنيكم ،فبِيَده خزائن السموات واألرض ،وخزائن الدنيا
طرفة عين.فقير لذاتهُ ،محتَاج إلى ربهّ ،ل ِغنى له عنه ْ
واآلخرة ،فالربُّ غني لذاته ،والعبد ٌ
ِ
ويفرج عنكم : ّ كثيرا عسى أن يُغنيكم من فضله ً • احمدوا هللا الغني ال ُمغني
ي ْال َح ِميدُ﴾ ألناه ليس ك ُّل غن ا
يٍ إن هللا -ج َّل وعًل -قَ َرنَ ِغناه بالحمد؛ كما قال تعالى﴿ :وهللاُ ه َُو ْالغَنِ ُّ ا
َّ
واستحق عليهم ناف ًعا بغناه ،اإّل إذا كان الغني َج َوادًا ُمن ِع ًما ،وإذا جا َد وأنعم َح ِم َدهُ ال ُمن َع ُم عليهم،
الحمد ،وليد َّل به على أناه الغني النافع ب ِغناه خلقَه ،ال َج َواد ال ُمن ِعم عليهم ،المستحق بإنعامه عليهم أن
يحمدوه.
فالحمد هلل ..الحمد هلل ..الحمد هلل..
53
هل بعد هذا الحديث القدسي ستتباطأ بالدعاء!! هل بعد هذا ستُق ا
صر بالدعاء! وهللا سبحانه يقول
ي هيِّّن }. لل ُمعجزات وك ال أمر قد يتمناه المرء ويريدهَ { :
هو عل َّ
فالله ام يا غني أنت الغني ونحن الفقراء إليكَ فأغننا من فضلك وأكرمنا بكرمك يا كريم..
س ًًل؛ قال النبي ﷺ: سائًل متو ِ ا ً وهللا تعالى يستحيي أن يُخياب رجاء َمن رفع إليه يديه
الر ُج ُل ِّإلَ ْي ِّه َي َد ْي ِّه أَ ْن َي ُر َّدهُ َما ِّص ْف ًرا َخا ِّئ َبتَي ِّْن] .سنن الترمذي.
ستَ ِّحي ِّإ َذا َر َف َع َّ
ي ك َِّري ٌمَ ،ي ْ [ ِّإ َّن َ
هللا َح ِّي ٌّ
ستَ َج ْبنَا لَهُ فَنَ َّج ْينَاهُ َوأَ ْهلَهُ ِّمنَ ا ْلك َْر ِّ
ب ا ْلعَ ِّظ ِّيم } { فَا ْ
54
ا
الظن. سيستجيب هللا سبحانه وينجايك وأهلك من الكرب العظيم فاستبشر واصبر وأحسن
يب ۖ أ ُ ِّج ُ
يب سأَلَكَ ِّعبَادِّي َ
ع ِّنّي فَ ِّإ ِّنّي قَ ِّر ٌ {وإِّذَا َ كيف ّل وهللا سبحانه وعدنا ووعده الحق إذ قالَ :
شدُونَ }. َان ۖ فَ ْل َي ْ
ستَ ِّجيبُوا ِّلي َو ْليُ ْؤ ِّمنُوا ِّبي لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ُ َّاع ِّإذَا َدع ِّ
َدع َْوةَ الد ِّ
ضا في اآلخرة حين تأتي فتُدهشك جبا ٌل من الحسنات واألجر العظيم والبشرى العظيمة تجدها أي ً
لدرجة كبيرة ّل تُحصى وّل تُحسب فتقول من أين لي ك ال هذا فيجيبك مجيب { :يُ َوفَّى ال َّ
صا ِّب ُرونَ
ب } وألهمية الصبر وفضله كان جزاؤه الجنة مباشرةً ،قال تعالى: سا ٍأَج َْرهُ ْم ِّبغَي ِّْر ِّح َ
صبَ ُروا َجنَّةً َوح َِّر ً
يرا }. { َوج ََزاهُم بِّ َما َ
56
• فاصبر وتو اكل على هللا تن ُج..
علَى َربِّّ ِّه ْم يَتَ َو َّكلُونَ ﴾. كن ِمن ﴿ :الَّ ِّذينَ َ
صبَ ُروا َو َ
ا
وألن أجر الصبر عظيم كان ال ِعوض عظيم: •
صبر إّل كان قال عمر بن عبدالعزيز[ :ما أن َعم هللا على عب ٍد نعمةً فانتزعها منهَّ ،
فعوضه مكانها ال َّ
خيرا مما انتزعه].
عوضه ً ما َّ
• اصبر وكن كري ًما عند هللا:
صبر كنز من كنوز الخيرّ ،ل يعطيه هللا إّل لعب ٍد كريم عنده.
قال الحسن البصري :ال َّ
57
تكره حدوثها ،وتأتيك ُم َح املة باألسئلة ،وّل تجد لها إجابات ُمقنعة ،لكن ثَ امة أقدار ومواقف قد َ
سيِار األحداث أرا َد لك فيهاأن هللا سبحانه ُمقَ ِدار األقدار و ُم َ
درك ايظهر لك الخير فيها بعد حين ..ت ُ ِ
سر ،فاصبر واحمد عطا ًء ُمخباأ ً من حيث ّل تحتسب ،فقبل أن تطمئن ستخاف ،وقبل أن تُج َبر ستُك َ
الظن به ..برحمته ..بفرجه ..بنصره ..بفتحه.. ا هللا وتو اكل عليه بيقين وأحسن
أمر تتاقيهَ ..ج َّر ً
أمرا ترتجيه". وتذ اكرُ :
"ربا ٍ
اإلجابةَ فيما
ض ِمنَ لَكَ ِ ُّعاء ُم ْو ِجبًا ِليأْسِكَ .فَ ُه َو َ
حاح في الد ِ طاء َم َع ْ
اإلل ِ • "ّل يَ ُك ْن تأ َ ُّخ ُر أَ َم ِد العَ ِ
ت الَّذي ت ُ ْريدُ". ت الَّذي يُري ُد ّل فِي َ
الو ْق ِ الو ْق ِ
تارهُ ِلنَ ْفسِكَ َ .وفي َ
تارهُ لَكَ ّل فيما تَ ْخ ُ َي ْخ ُ
عز وج ال قد أجابك وأجاب دعواك وعيان لذلك وقتًا هو أصلح لك وأنفع فيعطيك ذلك فقد يكون هللا ا
في الوقت الذي يريد ّل في الوقت الذي تريد فهو يريد لك الخير فيختاره لك سبحانه ،وقد قال
ق َما يَشَا ُء َويَ ْختَا ُر ۗ َما كَانَ لَ ُه ُم ا ْل ِّخيَ َرةُ }.
سبحانهَ { :و َربُّكَ يَ ْخلُ ُ
فادعُ :الله ام يسار لي الخير وأرضني به فأنت تعلم وّل أعلم وأنت ا
عًلم الغيوب.
• وقال أحد السلف :الناس تقضي حوائجهم بالحرص فيها والجري عليها ،و نحن نقضي حوائجنا
بالزهد فيها واّلشتغال باهلل عنها.
فاشغل نفسك في كربك وضيقك وشداتك بذكر هللا وعبادته وطاعته عسى أن ا
يتوّلك هللا سبحانه
ويفرج عنك ،وّل تقنط وّل تجزع وّل تحزن إن تأ اخر عنك الخير ،وّل تسمح للشيطان أن يوسوس
ا
لك بغضب هللا عليك:
59
ف يُ ْع ِّطيكَ َر ُّبكَ فَت َ ْر َ
ضى ﴾ ﴿ َولَ َ
س ْو َ
استبشارا وفر ًحا ا
ألن المعطي هو هللا ّل أحد ً عندما تسمع جملة "عطاء هللا" فإن قلبك ينتشي
الخلق ..فكيف إن كان هذا العطاء ح اد الرضا! كيف بعطاءٍ ح اد اّلرتواء!
الله ام أرضنا ورضانا ربانا..
﴿و َج َع ْلنَا
فإن هللا سبحانه قد جعل اإلمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين؛ فقال تعالىَ : فاصبر ا
ِم ْن ُه ْم أَ ِئ َّمةً َي ْهدُونَ ِبأ َ ْم ِرنَا لَ َّما َ
ص َب ُروا َوكَانُوا ِبآ َيا ِتنَا يُو ِقنُونَ ﴾.
فإن أردتَ الظفر والنصر؛ فعليك باليقين والصبر.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
طى بها أزماتنا فنستمر في الدعاء حتى لو كان ظاهر األمر ا
أن • واليقين باهلل هو قوة خارقة نتخ ا
كل األبواب مغلقة ا
وأن الظروف ليست ُميسارة ،وك ال األسباب توحي بعكس ما نتمنى لكننا على
60
يقين ا
أن هللا سبحانه يدبار أمرنا وسيرحمنا ويجبرنا ويرزقنا وينصرنا ويكفينا ويفتح لنا أبواب
رحمته من أوسعها فهو القائل سبحانه أنا عند ا
ظن عبدي بي فليحسن الظن بي ..الله ام هذا يقيننا
بك فعجال لنا بالفرج سبحانك.
"واليقين" هو سكون القلب عند العمل بما صدَّق به القلب ،فالقلب مطمئن ليس فيه تخويف من
الشيطان ،وّل يُؤ ِثار فيه ُّ
تخوف ،فالقلب ساك ٌن آم ٌن في رحاب اليقين باهلل ليس يخاف من الدنيا ً
قليًل
كثيرا.
ً وّل
تمر به حياته و ِلما يحدث معهّ ،ل َيقلق
• اليقين هو شعو ُر الراحة ال ُمطلقة للمرء ،فهو َيطمئن لما ا
من غده وّل ُمستقبله ،فيشعر ا
بأن هللا بجانبه يرعاه برعايته ويُدبار له األمر وييسار له الرزق،
ويدفع عنه المكروه.
• اليقين يجلب المعجزات:
وقوة الدعاء. ا
الظن باهلل ا والقصص من القرآن كثيرة ونر اكز فيها على حسن
• اليقين يتمثّل في العلم وزوال الشك من داخلك ،إناه يتجساد في سيدنا نوح عليه السًلم وهو يقوم
مر عليه مأل ٌ من قومه سخروا منه ..ا
لكن بصنع السفينة فوق الرمال في الصحراء ،حيث كلاما ا
النتيجة كانت نصر هللا له إذ جعل األرض كلاها تغرق ألجله ففار التنور بالماء وهو موضع النار!
فسبحان هللا! تخيال المنظر! ماء يفور من األرض وماء ينزل من السماء وكانت األرض قد أُمرت
بعدم بلع الماء حتى يت ام نصر هللا وبعدها أمرها سبحانه:
س َما ُء أَ ْق ِّل ِّعي َوغِّيضَ ا ْل َما ُء َوقُ ِّض َ
ي ْاْل َ ْم ُر}. {وقِّي َل يَا أَ ْر ُ
ض ا ْبلَ ِّعي َما َء ِّك َويَا َ َ
نعم ..فاليقين يجلب ال ُمعجزات ،فقد فجار هللا سبحانه األرض كلاها عيونًا حتى التنانير التي هي
محل النار في العادة ،والتي هي أبعد ما يكون عن الماء ليكون معجزة ،وأنزل السماء بالماء
المنهمر فالتقى الماء على أمر قد قُدر.
• باليقين تُفتح أبواب السموات أمام دعاء العبد ،ويُزال أي حجاب بينه وبين رحمة هللا.
• ومن اليقين حسن الظن باهلل ،فاهلل ّل يبتلي العبد إّل بما يراه في صالحه.
61
• يقول أحدهم :مررتُ بالكثير من الصعاب ،ولكن ما أنقذني منها هو يقيني ا
بأن رب العباد سوف
أر سعادة اإّل عندما ترسخ بقلبي يقيني باهلل تعالى.
يُنهي الصعاب وينعم علي براحة البال ،لم َ
• اليقين يجعلك هادئًا وقت الصعاب ،فًل تيأس أبدًا من رحمة هللا ألناك تعلم أنه ُمحيط بك
سبحانه.
• قال العلماء :اليقين هو أن تصمت في حضرة هللا ،وتعرف أناه لن يقضي عنك حاجةً سوى هو
سبحانه وتعالى.
أن كل شيءٍ بيد هللا وما يصيب اإلنسان إناما رحمة من الرحمن.
• وفي اليقين سال ٌم نفسي ا
• اليقين ع ّدهُ بعض العلماء اإليمان كله ،قال بعض السلف :الصبر نصف اإليمان ،واليقين
اإليمان كلاه ،وقال ابن القيم رحمه هللا" :اليقين من اإليمان بمنزلة الروح من الجسد ،وبه تفاضل
العارفون ،وفيه تنافس المتنافسون ،وإليه ش امر العاملون"..
• اليقين في ّ
[كال إ ّن معي ربّي سيهدين]
ها هو كليم هللا موسى عليه السًلم يقول ألصحابه حينما أدركهم فرعون فوجدوا البحر من أمامهم
سى إِنَّا لَ ُمد َْر ُكونَ * قَا َل ك ًََّل إِ َّن َم ِع َ
ي اب ُمو َص َح ُ ان قَا َل أَ ْ والعدو من ورائهم﴿ :فَلَ َّما ت ََرا َءى ْال َج ْمعَ ِ
ط ْو ِد ْال َع ِظ ِيم
ق كَال َّصاكَ ْال َبح َْر فَا ْنفَلَقَ فَ َكانَ ُك ُّل ِف ْر ٍسى أَ ِن اض ِْربْ ِب َع َ ِين * فَأ َ ْو َح ْينَا ِإلَى ُمو َ
س َي ْهد ِ َر ِباي َ
سى َو َم ْن َم َعهُ أَ ْج َمعِينَ * ث ُ َّم أَ ْغ َر ْقنَا ْاآلخ َِرينَ ﴾. * َوأَ ْزلَ ْفنَا ثَ َّم ْاآلخ َِرينَ * َوأَ ْن َج ْينَا ُمو َ
• لم يترك الدعاء ولم يقل في نفسه قد انتهت حياتي فلماذا أدعو ..بل ظ ّل يدعو ويلحّ ..إنّه
اليقين باهلل..
يقين باهلل ولنتأمل تفاصيل الدعاء ابتلى هللا تعالى زكرياا عليه السًلم بعدم الذرية فدعا رباه بك ِل ٍ
ش ِقيًّا﴾ قال
ب َ ش ْيبًا َولَ ْم أَ ُكن ِب ُد َ
عائِكَ َر ا ِ الرأْ ُ
س َ ب ِإ ِناي َوهَنَ ْال َع ْ
ظ ُم ِم ِناي َوا ْشتَ َع َل َّ الذي دعا به ﴿قَا َل َر ا ِ
ب إني َكبِ ْرتُ وضعف عظمي وانتشر الشيب في رأسي ،ك ال هذه األمور حدثت له عليه السًلم ر ِ
عز الشباب فمن ولم يترك الدعاء ويقل في نفسه انتهت حياتي فلماذا اطلب الولد ولم يأتني وأنا ا
63
سيصدق أناه سيأتيني اآلنّ ،ل لم يقل هذا وحاشا لنبي مرسل أن يقول هذا ..فعلمه كان يقينا بأن
األمل برحمة هللا تعالى يجب أن يبقى حتى آخر لحظة في حياة ابن آدم ما دام النفس موجودًا
فاألمل موجود ..وانتظار البشارة بالنعم المرجوة موجودة وباقية وبنفس الهمة فكيف يترك الدعاء
وهو يعلم كل ذلك..؟!
• يعبر بجنوده النهر كأنّهم يمشون على اْلرض ..إنّه اليقين باهلل..
عندما أراد سعد بن أبي وقااص فتح المدائن وكانت على شاطئ دجلة في العراق وكان النهر في
فكون كتيبة سميت (كتيبة األهوال) حالة فيضان ،فلم يجد سعد بن أبي وقااص وسيلة لعبور النهر ا
وعبرت النهر وأخلت الشاطئ نسبيًا من قوات الفُرس لما عبروا النهر ،فتبعهم سعد بن أبي
وقااص بكامل الجيش وأمر جنده ً
قائًل( :قولوا :نستعين باهلل ونتو اكل عليه ،حسبنا هللا ونعم الوكيل،
قوة اإّل باهلل العلي العظيم) فجعلوا يمشون على الماء كأناهم يمشون على األرض حتى ّل حول وّل ا
أن الفُرس عندما رأوا هذا الموقف قالوا :ديوانا ديوانا أي :مجانين مجانين.
ا
سا ً بل تقاتلون جنًا!..
وعندما رأوهم ّل يغرقون قالوا لبعضهم بالفارسية :وهللا إناكم ّل تقاتلون إن ً
64
يضره ..إنّه اليقين باهلل..
ّ يشرب الس ّم فال
ُ •
عندما فتح خالد بن الوليد الحيرة في العراق ،أتاه رجل ليفاوضه ومعه الس ام ،فرآه خالد فقال له :ما
هذا؟ قال :س ام عقرب ،قال خالد :ناولنيه ،فأعطاه الرجل السم ،ثم سكب خالد الس ام على يده وقال:
(بسم هللا الذي ّل يضر مع اسمه شيء في األرض وّل في السماء وهو السميع العليم) فشرب الس ام
ولم يضره! فذهب الرجل بسرعة إلى قومه يقول لهم :يا قوم لقد أتيتكم من عند رجل أخشى أن
تضعوا السيوف فيه وّل يموت..
ي نعمتي ..ومًلذي في دعوتي ..اجعل غضبه ونقمته علي بردًا وسًل ًما قال الحسن" :الله ام يا ول ا
كما جعلت النار بردًا و سًل ًما على إبراهيم".
قال :يا أوزاعي ما تقول في الدماء التي أرقناها وأهرقناها؟ قال األوزاعي :حداثنا فًلن عن فًلن
أن رسول هللا ﷺ قالّ[ :ل يح ال دم امرئ مسلم يشهد أن ّل اله اإّل هللا وأناي
حداثنا ابن مسعود ا
رسول هللا اإّل بإحدى ثًلث :الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة] فإن
كان من قتلتهم من هؤّلء فقد أصبت ..وإن لم يكونوا منهم فدمائهم في عنقك..
قال :فنكث بالخيزران ورفعت عمامتي انتظر السيف ورأيت الوزراء يستجمعون ثيابهم ويرفعونه
عن الدم..
ً
حًلّل فحساب ..وإن كانت حرا ًما فعقاب.. قال :وما رأيك في األموال؟ قال األوزاعي :إن كانت
قال :خذ هذه البدرة وهي كيس مملوء من الذهب .قال األوزاعيّ :ل أريد المال قال :فغمزني أحد
ووزعه على الجنود حتى بقي الوزراء يعني خذها ألناه يريد أدنى علة ليقتل ..قال :فأخذ الكيس ا
غا فرمى به وخرج ..فلما خرج قال( :حسبنا هللا ونعم الوكيل) قلناها يوم دخلنا وقلناها الكيس فار ً
َّللا ذُو فَ ْ
ض ٍل سو ٌء َواتَّ َبعُوا ِرض َْوانَ َّ ِ
َّللا َو َّ ُ ض ٍل لَ ْم َي ْم َ
س ْس ُه ْم ُ يوم خرجنا ﴿فَا ْنقَلَبُوا ِبنِ ْع َم ٍة ِمنَ َّ ِ
َّللا َوفَ ْ
ع ِظ ٍيم﴾.
َ
أن عبد هللا بن علي العباسي ذلك السلطان المتجبار كان يقول بعد وفاة األوزاعي كلاما مر ويقال ا
بقبره( :وهللا ّل أخاف في هذه الدنيا من رجل كهذا الرجل فإناي كلما رأيته يتخيل لي أناي أمام
لعز ِة التو اكل.
أسد) فسبحان هللا األوزاعي رآه كالذباب وهو يرى األوزاعي كاألسد فانظر ا
عز وج ال في علَ ْي ِّه يَتَ َو َّك ُل ا ْل ُمتَ َو ِّ ّكلُونَ } فالتو اكل كما تعلمنا هو اّلعتماد على هللا ا
ي اللَّـهُ َ { قُ ْل َح ْ
س ِّب َ
جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة باهلل سبحانه وتعالى ،هذا هو التو اكل ،اّلعتماد على هللا
اعتمادًا حقيقيًا صادقًا في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به سبحانه.
67
مهما كنت في ضيق ..سجن ..ابتًلء ..ثق برباك وتو اكل عليه وأحسن الظن به سبحانه فسينجيك
وهللا..
إن ثقة العبد برباه الولي الذي يتولاى جميع األمور في السراء والضراء واليسر والعسر دفع الفتية ا
أصحاب الكهف الذين خالفوا القريب والبعيد في سبيل مرضاته سبحانه ،ففارقوا أقرب الناس
فرارا إلى هللا ،وطلبًا لرضاه ،وخوفًا على دينهم من الشرك والفسوق والعصيان ،واستبدلوا ألجل ً
مرضاته ضيق الكهف بسعة العيش الرغيد ،فما كان اإّل أن وساعه هللا عليهم وتولاى أمرهم بما
نشر لهم فيه من رحمته ،قال تعالى:
{فَأْ ُووا إِّلَى ا ْل َكه ِّ
ْف يَنش ُْر لَ ُك ْم َربُّكُم ِّ ّمن َّرحمته ويُ َهيِّّ ْئ لَكُم ِّ ّم ْن أَ ْم ِّركُم ِّ ّم ْرفَقاً} [الكهف.]16 :
أن رحمة هللا واسعة ،إذ بعضها، وتأ املوا قوله عز وجلَ { :ينش ُْر لَ ُك ْم َر ُّبكُم ِّ ّمن َّرحمته} فيعلم العبد ا
أو قدر معلوم عند هللا منها؛ يكفي ليجعل ذلك الكهف ،أو ذلك السجن ،أو تلكم الزنزانة جنة ،أو
روضة من رياض الجنة.
أيقنَ أصحاب الكهف بفرج هللا ورحمته ،فذهبوا يتل امسونها فوجدوها في أكثر األماكن وحشةً
أن كهفك الذي تشكو ظلمته وضيقه ما هو اإّل بوابة ُّ
لتنز ِل الرحمات ،فانتظر على وظلمة ..فاعلم ا
عتبة البًلء فر ًجا قريبًا.
فاصبر وأل اح بالدعاء واشغل نفسك بطاعة هللا واجتهد في ذلك وسوف ينجايك هللا سبحانه بإذنه
ض ٍ ار فَ ًَل
َّللا ِب ُ
سسْكَ َّ ُ تعالى فإناه ّل مخر َج وّل كاشف لما أنت فيه سوى هللا سبحانه وتعالىَ :
{و ِإن َي ْم َ
ضر وه ام وغ ام وسيرحمك ويجبرك بإذنه تعالى. فسيكشف هللا ما بك من ا
ُ ف لَهُ ِإ َّّل هُو}،
كَا ِش َ
68
اقترب الفرج..
َ • كلّما اشت ّد البالء..
ضاقت عليك حد اّلختناق!..
اصبر وصابر فوهللاِ ما ضاقت اإّل لتُفرج..
َّللا أَال إِّ َّن سو ُل َوالَّ ِّذينَ آ َمنُواْ َمعَهُ َمتَى نَ ْ
ص ُر ّ ِّ الر ُ ستْ ُه ُم ا ْلبَأْ َ
ساء َوالض ََّّراء َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّى يَقُو َل َّ { َّم َّ
َّللا قَ ِّريب}
نَص َْر ّ ِّ
أصابتهم البأساء :وهي الشداة والبًلء والفقر ،وأصابتهم الضراءُ ،
(وز ِلزلوا) :أي ُح اركوا بأنواع
البًليا والرزايا و ُخوفوا.
الحيل
• يقول السعدي رحمه هللا :هللا يبتليهم ويمتحنهم حتى إذا بلغوا هذا المبلغ وانقطعت بهم ِ
واألسباب أتاهم نصر هللا ج ال جًلله تفض ًاًل منه وكر ًما وتفري ًجا لكربتهم ورفعةً لشأنهم.
(و ُز ْل ِزلُوا) بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي وأخذ األموال وقتل األحبة وأنواع المضار َ
حتى وصلت بهم الحال وآل بهم الزلزال إلى أن استبطأوا نصر هللا مع يقينهم به.
فل اما كان الفرج عند الشداة ،وكلما ضاق األمر اتسع قال تعالى{ :أَال إِّ َّن نَص َْر ّ ِّ
َّللا قَ ِّريب}.
ضا باّلبتًلء ،ثم هنا جاءهم ما جاءهم الفرج اإّل بعد أن مساتهم البأساء والضراء ُ
وز ِلزلوا أي ً
فرج].الفرج ..فاصبروا[ ..ضاقت عليكَ ولكن ال تخف ..ضاقت عليكَ ِّلت ُ َ
َّللا أَال ِّإ َّن سو ُل َوالَّ ِّذينَ آ َمنُواْ َمعَهُ َمتَى نَ ْ
ص ُر ّ ِّ الر ُ ستْ ُه ُم ا ْلبَأْ َ
ساء َوالض ََّّراء َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّى يَقُو َل َّ { َّم َّ
َّللا قَ ِّريب}
نَص َْر ّ ِّ
• ّل ب اد أن يمتحن هللا عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم فهي سنته الجارية،
التي ّل تتغيار وّل تتبدال ،أن من قام بدينه وشرعهّ ،ل ب اد أن يبتليه ،فإن صبر على أمر هللا ولم
يُبا ِل بالمكاره الواقفة في سبيله فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها ومن السيادة آلتها.
69
فهكذا كل من قام بالحق فإنه يُمت َحن ،فكلاما اشتدات عليه وصعبت ،إذا صابر وثابر على ما هو
المحنة في حقه ِمنحة والمشقات راحات وأعقبه ذلك اّلنتصار على األعداء وشفاء ما عليه انقلبت ِ
في قلبه من الداء ،وهذه اآلية نظير قوله تعالى:
س ْبت ُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ا ْل َجنَّةَ َولَ َّما يَ ْعلَ ِّم َّ ُ
َّللا الَّ ِّذينَ جَا َهدُوا ِّم ْن ُك ْم َويَ ْعلَ َم ال َّ
صا ِّب ِّرينَ }. {أَ ْم َح ِّ
فكان الجهاد موازيًا للصبر.
صب علي ِّه البال َء صبًّا ،وثَ َّجهُ علي ِّه ثَ ًّجا؛
َّ أحب عبدًا وأراد ْ
أن يصافِّيَهُ؛ َّ • وقد قيل[ :إ َّن َ
هللا إذا
متضرعًا :ربَّاُه!] ،فعسى أن يجيبه الرحيم سبحانه :لبَّيكَ عبدي! ّل تسألُني شيئًا ِّ ّ حتى يدعو العب ُد
إّل أعطيتُكَ ..
فًل تسمح لوساوس الشيطان أن تُحزنك ..أو تقلل من يقينك ورضاك وتو اكلك على هللا بأن
يتنزلأن األنبياء صبروا ألناهم ا
يوسوس لك أناك غير قادر على الصبر والتح امل أو يوسوس ا
بشر وكانوا يتألمون من عليهم الوحي وألناهم واثقون من الصبر ..استعذ باهلل من ذلك واعلم أناهم ٌ
اّلبتًلء لكناهم كانوا يصبرون ويعلموننا أن نقتدي بهم فهم قدوتنا وأُسوتنا ..واعلم أناهم كانوا أش اد
أي الناس أش ُّد بال ًء؟
سئل ﷺ ُّ روي أناه[ :عندما ُ
َ بًل ًء منك ..أش اد بكثير ..ومع ذلك صبروا ..وقد
قال :اْلنبياء ،قيل :يا رسول هللا ،ث َّم َمن؟ قال :ثم الصالحون ،إن كان أحدهم ليُبتلى بالفقر ،حتى
ما يجد أحدهم ّإال العباءة يحوبها ،وإن كان أحدهم ليفرح بالبالء كما يفرح أحدكم بالرخاء].
ُسخطكَ فتقول :أنا لست نبيًّا ..أنا ّل أتح امل ..أنا ّل أستطيع الصبر ..فوهللاِ
فًل تجعل الشيطان ي ِ
ع ُ
ظ َم فهو ّل شيء بالنسبة لبًلء األنبياء عليهم السًلم فهم أش اد الناس ابتًل ًء. بًلؤك مهما َ
• قال اإلمام ابن الجوزي رحمه هللا" :رأيت من البًلء العُجاب أن المؤمن يدعو فًل يُجاب،
أثرا لإلجابة ،فينبغي له أن يعلم َّ
أن هذا من البًلء الذي فيُكرر الدعاء وتطول المدة ،وّل يرى ً
طب،
مرض يحتاج إلى ا ٍ ٌ عرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب يحتاج إلى الصبر ،وما يَ َ
70
ع َرض لي من هذا الجنس ،فإناه نزلت بي نازلة فدعوتُ وبالغتُ فلم َ
أر اإلجابة ،فأخذ إبليس ولقد َ
ااك ووسوسته ،فإناه لو
يجول في حلبات كيده ،فقلت له :اِخسأ يا لعين ..ثم عدتُ إلى نفسي فقلت :إي ِ
يبلوك في محاربة العدو لكفى في الحكمة".
ِ لم يكن في تأخير اإلجابة اإّل أن
وهذا ليس نبيًّا وّل معه وحي بل أحد الصالحين نحسبه وهللا حسيبه ومع هذا يقول (نزلت بي
أثرا لإلجابة) ،وحين وسوس له الشيطان استعاذ باهلل وصداه نازلة) (فدعوتُ وبالغتُ فلم َ
أر ً
ً
مجاّل ..فاصبر وأل اح في الدعاء واحمد هللا على كل حال.. وحاربه ولم يترك له
قال ابن القيم رحمه هللا" :قيل :الشاكر الذي يشكر على العطاء ،والشكور الذي يشكر على
البًلء".
شكُو ُر}. فكن من القليلين الذين مدحهم هللا سبحانه{ :قَ ِّلي ٌل ِّ ّم ْن ِّعبَاد َ
ِّي ال َّ
أن الفرج يأتي مع (الصبر والشكر والرضا) ّل مع الجزع والتس اخط وعدم الرضا ،فقد واعلم ا
ُورا}.
شك ً فرج هللا على نوح عليه السًلم ونصره وأثنى عليه إذ قال سبحانهِّ { :إنَّهُ كَانَ َ
ع ْبدًا َ ا
شكورا على النِعم واّلبتًلء.
ً اارا
فكن عبدًا صب ً
• قال اإلمام ابن الجوزي رحمه هللا" :للبًليا نهايات معلومةُ الوقت عند هللا عز وجل ،فًل بد
للمبتلَى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البًلء ،فإن تَقَ ْلقَ ْلتَ قبل الوقت لم ينفع التقَلقُل ..فًل ب اد من
الصبر ،وال َجزَ عُ ّل يفيد ،بل يفضح صاحبه ،فاستعجال زوال البًلء مع تقدير ُمدته ّل ينفع".
ومهما أخافك الناس أو هددوك فعليك ليس فقط أن تتجاهل كًلمهم وإناما أن يزيدك كًلمهم ثباتًا
اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم وإيمانًا ويقينًا ،وكن ممن قال عنهم هللا سبحانه{ :الَّ ِّذينَ قَا َل لَ ُه ُم النَّ ُ
اس إِّ َّن النَّ َ
سبُنَا اللَّـهُ َونِّ ْع َم ا ْل َو ِّكي ُل} لتحصل على هذا الفضل العظيم وهذا فَا ْخش َْوهُ ْم فَ َزا َدهُ ْم ِّإي َمانًا َوقَالُوا َح ْ
النصر وهذه النتيجة:
َّللا ذُو فَ ْ
ض ٍل ع َِّظ ٍيم} ،فما سو ٌء َواتَّ َبعُوا ِّر ْ
ض َوانَ َّ ِّ
َّللا َو َّ ُ س ُه ْم ُ
س ْ َّللا َو َف ْ
ض ٍل َّل ْم َي ْم َ { َفان َق َلبُوا ِّب ِّن ْع َم ٍة ِّ ّمنَ َّ ِّ
دام هللا معك فأنت الجماعة ولو كنت وحدك ،وما دام هللا سبحانه حافظك فلك األمان ولو كنت في
ونصيرا ،فالقُرب من هللا هو السًلم األبدي في ً ً
وكيًل زحام المخاوف ،فتو اكل على هللا وكفى به
هذه الحياة ،والطمأنينة التي ّل يشوبها كدر ،والتوفيق الذي ّل ينغاصه خذّلن.
71
فالمؤمن ّل يسمح لتهديدات البشر أن تُخيفه مهما بلغت قوتها ..فاهلل هو القوي ..وهللا أكبر ..وّل
يسمح لتهديداتهم أن تؤثر به ..وإن أحزنوك بكًلمهم أو جرحوك أو ضايقوك فًل تجعل قلبك
ت لئًل يلمس قلبك وصدرك يعتصر ضيقًا وأل ًما منهم ،وإناما سارع إلى تسبيح هللا واسجد له بركعا ٍ
أثرا من قولهم البتة ،أما سمعت قوله سبحانه: ً
اج ِّدينَ }. ص ْد ُركَ ِّب َما َيقُولُونَ * َف َ
س ِّّب ْح ِّب َح ْم ِّد َر ِّّبكَ َوكُن ِّ ّمنَ ال َّ
س ِّ {و َل َق ْد َن ْع َل ُم أَ َّنكَ َي ِّضي ُ
ق َ َ
وهذا ّل ينحصر بتهديداتهم فقط وإناما بكل قول يُحزنك ،سوا ًء جاء على هيئة ِعتاب أو مًلم ٍة أو
تهدي ٍد أو قسوةٍ أو إهان ٍة أو أي قول يُحزنك ويضيق صدرك منه ،ما عليك اإّل أن تصبر وتُسباح هللا
كثيرا بعد سماعك لقولهم ،قال سبحانه: ً سبحانه
اء اللَّ ْي ِّل ش ْم ِّس َوقَ ْب َل ُ
غ ُروبِّهَا َو ِّم ْن آنَ ِّ سبِّّ ْح بِّ َح ْم ِّد َربِّّكَ قَ ْب َل ُ
طلُ ِّ
وع ال َّ علَ ٰى َما يَقُولُونَ َو َ
صبِّ ْر َ{فًا ْ
َار لَ َعلَّكَ تَ ْرض َٰى}. س ِّّب ْح َوأَ ْط َر َ
اف النَّه ِّ فَ َ
قال ابن القيم رحمه هللا تعالى في كتابه الماتع [طريق الهجرتين]:
والمحن إلى رباه وجمعه
والمحن ،فإن رداه ذلك اّلبتًلء ِ[إذا ابتلى هللا عبده بشيء من أنواع البًليا ِ
عليه وطرحه ببابه ،فهو عًلمة سعادته وإرادة الخير به .والشدّة بتراء ال دوام لها وإن طالت،
ض منها أج َّل ِعوض ،حتى وإن ساءته وكرهها طبعه ونفرت منها فتُقلع عنه حين تُقلع وقد ُ
ع ا ِو َ
نفسه] ،وأفضل ما في ِعوضها رجوعه إلى هللا سبحانه وقربه منه ،ث ام رفع درجاته وتكفير
سيئاته ،ثم تفريج ُكربه وتيسير أمره .فاصبر..
• قيل ْلحد الصالحين :كيف تصبر على االبتالء؟ قال :كالصائم يصبر على عطشه وجوعه ْلنّه
وقريب مهما طال اليوم.
ٌ يوقن أ ّن آذان المغرب آ ٍ
ت ال محالة
ت ّل محالة ..فاصبر..
كذلك الفرج بعد الكرب آ ٍ
سر يُسرا..
صبرا ..إن بعد العُ ِ
ً أياها الموجوع
أياها الباكي بلي ٍل ..سوف يأتي النور فجرا..
72
أياها المكسور قل لي ..هل يدي ُم هللا كسرا..
يا عزيز القلب ً
مهًلّ ..ل ت ُ ِ
ضع بالضيق عمرا..
ّل يكون الدمع دو ًما ..سوف تجني السعد دهرا..
الحزن أجرا..
ِ الحزن أمنًا ..فاحتسب في
ِ َّ
إن بعد
قم معي فال َع ُ
جز عيبٌ ..أنت باإليمان أحرى..
• قال الخطابي :اللطيف هو ال َب ُّر بعباده ،الذي يلطف بهم من حيث ّل يعلمون ،ويس ِباب لهم من
مصالحهم من حيث ّل يحتسبون.
{َّللا لَ ِّط ٌ
يف ِّب ِّعبَا ِّدهِّ} َّ ُ
وتضرعك ..كيف تخاف وهللا اللطيف
ا • فكيف تخاف وهللا اللطيف معك سبحانه يسمع دعاءك
يلطف بك فيدبار لك الخير من حيث ّل تعلم.
ح ِّبا ْلبَ َ
ص ِّر} {و َما أ َ ْم ُرنَا ِّإال َو ِّ
اح َدةٌ َكلَ ْم ٍ َ
ً
حاصًل بلمح ِة بصر ..نعم بلمح ِة بصر.. • وهكذا هو الحال ،بكلمة واحدةٍ يجعل هللا سبحانه األمر
ظ َمةُ هللا سبحانه وقوته! ما إن أراد شيئًا حتى قال له كلمةً من
ع َ
فكيف تقنط! كيف تقنط وهذه َ
حرفين { ُكن} فيحصل األمر بلمحة بصر.
ح ِّبا ْلبَ َ
ص ِّر} {و َما أ َ ْم ُرنَا ِّإال َو ِّ
اح َدةٌ َكلَ ْم ٍ َ
• قال العلماء في تفسيرها أي :إناما نأمر بالشيء مرةً واحدةً ّل نحتا ُج إلى تأكي ٍد بثانية ،فيكون ذلك
ً
حاصًل موجودًا كلمح البصر ّل يتأ اخر طرفة عين. الذي أمرنا به
سدات األبواب فًل تستصعب ما تدعو هللا به وتريده ،فاهلل أكبر وأعظم
ضعُفت األسباب و ُ لذا مهما َ
من كل شيء سبحانه وإناما أمره أن يقول لدعائك كن فيكون.
ألن اّلبتًلء أتعبك وأعياك وتري ُد الخًلص منه.. • وإيااك أن تدعو على نفسك بالهًلك والموت ا
فاعًل فادعُ كما علامنا حبيبنا ونبينا
ً ظ ِم ُمصابك وبًلئك ،ا
وإن كنت ّل ب اد إيااك أن تتمنى الموت ِل ِع َ
محمد ﷺ ،إذ جاء في صحيح البخاري أناه قال:
76
فإن كانَ ال بُ َّد فا ِّع ًال ،فَ ْليَقُ ِّل :اللَّ ُه َّم أ ْحيِّنِّي ما كانَ ِّ
ت • [ال يَتَ َمنَّيَ َّن أ َح ُد ُك ُم ال َم ْوتَ ِّمن ض ٍ ُّر أصابَهُْ ،
الوفاةُ َخي ًْرا ِّلي].
ت َ الحَياةُ َخي ًْرا ِّلي ،وتَ َوفَّنِّي إذا كانَ ِّ
وعليك اأّل تجزع بل تصبر وتحتسب وتدعو بإلحاح وصبر ويقين ،فكثير من اّلبتًلءات تمنينا
معها الموت لكنانا دُهشنا بعطايا الرحمن سبحانه بعدها:
77
وأقر هللا عينها وطمأنها سبحانه:
ا هتاف بالفرج مباشرةً{ :فَنَادَا َها ِّمن تَ ْحتِّهَا أَ َّال تَح َْزنِّي}، ٌ فجاءها
ع ْينًا} ،في ذروة األلم ترقاب هتافًا بالفرج ،فرباك الكريم الرحيم اللطيف {فَ ُك ِّلي َواش َْربِّي َوقَ ِّ ّري َ
الجبار سبحانه لن يضياعك.
سيًّا} {قَالَتْ يَا لَ ْيتَنِّي ِّمتُّ قَ ْب َل ٰ َهذَا َوكُنتُ نَ ْ
سيًا َّمن ِّ
بعض النوائب قد تصل بك لليأس ال ُمطبق ،لكن كن على ثقة من تدبير هللا لك ،فكم من يائس
تحولت أزمته سببًا للفرج وبابًا لك ال خير ،فبعض الكربات قد تحمل في طيااتها كرامات فًل تيأس،
ا
فسيجبرك هللا برحمته بإذنه تعالى.
فًل تحزن وّل تجزع ..ففرج هللا يأتي في حين أحوج ما يكون العبد فيه إلى هللا سبحانه ،وقد أفلت
يديه من الناس كلاهم.
• تُغلق جميع األبواب إذا نزل البًلء ،وّل يبقى مفتو ًحا اإّل ُ
باب السماء ،التفت إليه فث امة ألطاف
تنزل من اللطيف سبحانه وعطاء.
حق التو اكل ،فسيكفيك سبحانه ما أه امكفأفلت يديك من ك ال الناس وتو اكل على هللا سبحانه ا
وسيس اخر لك العدو والصديق البعيد والقريب والغريب ،رغم أنوفهم ومن نواصيهم بل وسيدبار
ا
بحق. شاكرا منه ،فقط الزم بابه بالدعاء وتو اكل عليه
ً تخر ساجدًا باكيًا
بإعجاز ا
ٍ أمرك
ويقصر
ُ فإن في تسخير هللا سبحانه للخلق بعضهم لبعض آليةٌ من آيات هللا ،ت ُ
َحار فيها العقول ا
عنها اإلدراك..
تحتا ُج مساعدةً في أمر فيس اخر لك ربك من يكفيك أمرك ويعينك فوق ما كنت تأملّ ..ل تدري من
أين جاء وكيف جاءّ ..ل تدري كيف ساقه هللا إليك ..هذا من فضل هللا سبحانه ..فأكثر من دعاء:
اللهم س ّخر لي عبادك وخلقك وجندك ،الله ّم دبّر أمري فإنّي ال أُحس ُن التدبير ،الله ّم بأمر منك
فرج عنّي وارحمني.
سبحانك ّ
وإذا نزلت به مصيبة أو فاقة أن يتعامل معها بالصبر الواجب واتاخاذ األسباب المشروعة
ً
مجمًل بكشف الكربة والدعاء بالفرج من غير اقتراح هيئة والممكنة ،وأن يدعو هللا تعالى دعا ًء
معينة ،وهللا يجيب عبده بما يشاء ،وقد يخرق له العادة ،لما يرى من صدقه وبذله ما في وسعه،
وعدم تقصيره.
79
وبهذا تفهم قصة أصحاب الغار ،فهم لم يقترحوا هيئة معينة خارقة للعادة إلزالة الصخرة ،بل
طلبوا من هللا تعالى النجاة ،وقد خلت أيديهم من أسباب النجاة ،وهللا قد ينجيهم بما يخرق العادة
كما حصل ،وقد ينجيهم بأن يهدي إليهم من المارة من يسمع حسهم وصوتهم ،ويعينهم على إزالة
الصخرة.
ع ِّل ْمتُ ِّم ْنهُ َو َما لَ ْم أَ ْعلَ ْمَ ،وأَعُوذُ ِّبكَ ِّمنَ الش ِّ َّّر
آج ِّل ِّهَ ،ما َ سأَلُكَ ِّمنَ ا ْل َخي ِّْر ُك ِّلّ ِّه ع ِّ
َاج ِّل ِّه َو ِّ [الل ُه َّم ِّإ ِّنّي أَ ْ
ع ِّل ْمتُ ِّم ْنهَُ ،و َما لَ ْم أَ ْعلَ ْم]. اج ِّل ِّه َوآَ ِّج ِّل ِّه َما َ ُك ِّلّ ِّهَ ،
ع ِّ
بأن لك الحمد ّل إله اإّل أنت المنان بديع رجًل دعا بعد التش اهد :الله ام إناي أسألك ا ً وروي أن
َ
السموات واألرض ذا الجًلل واإلكرام يا حي يا قيوم إني أسألك ....فقال ﷺ :والذي نفسي بيده
سئل به أعطى. لقد دعا هللا باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا ُ
س ِّم َر ِّبّكَ ا ْلعَ ِّظ ِّ
يم}. فاستبشر فأنت تدعو العظيم سبحانه{ :فَ َ
س ِّبّ ْح ِّبا ْ
ولتستشعر عظمة هللا العظيم سبحانه اسمع ما صح عن ابن عباس موقوفًا أناه قال" :الكرسي
موضع القدمين هلل" والعرش ّل يقدر قدره اإّل هللا سبحانه ،فإذا كان عرشه قد وصف بالعظمة
ستَ َو ٰى} ،فما بالك بعظم {الر ْح ٰ َم ُن َ
علَى ا ْلعَ ْر ِّش ا ْ وخصه باإلضافة إليه واّلستواء عليه قال تعالىَّ :
وعظمة من استوى عليه وعًل فوقه؟! سبحانه ..سبحانه.
ويقول ابن القيم رحمه هللا في الفوائد :أنزه المخلوقات وأوسعها وأعظمها وأكبرها الكرسي ،وهذا
ي ا ْلعَ ِّظي ُم}.
{وهُ َو ا ْلعَ ِّل ُّ
يناسب أن آية الكرسي في القرآن ُختمت باسمه العظيم َ
80
"وأسالك من فضلك العظيم" فهو يدعو بصفة من صفات هللا سبحانه أناه ذو الفضل العظيم.
بأن هللا سبحانه وتعالى عظيم هذا يورثه شيء من اّلطمئنان ألناه حين يشعرفإن اعتقاد العبد ا
• ا
أن ربانا هو العظيم كما قلنا وما دونه حقير ّل يساوي شيئًا فإناه ّل يأبه بأي ضغوط وّل يخاف أ َّ
ي
شيء.
ويتضرع إليه بهذا اّلسم العظيم ،فيقول :يا عظيم اغفر لي
ا فيُشرع للمسلم أن يدعو ربه
وارحمني ،وارزقني الفردوس األعلى ،ا
فإن هللا العظيم ّل يتعاظمه شيء أعطاه لعبده ،لذا كان ﷺ
يقول« :إذا دعا أحدكم فال يقل الله ّم اغفر لي إن شئت ،ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإ ّن
هللا ال يتعاظمه شيء أعطاه» (صحيح مسلم).
عن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ،عن رسول هللا ﷺ أناه كان يقول بين التش اهد والتسليم:
"الله ّم اغفر لي ما ق ّدمت وما أ ّخرت ،وما أسررت وما أعلنت ،وما أسرفت ،وما أنت أعلم به
مني ،أنت المقدّم وأنت المؤ ّخر ،ال إله إال أنت" (مسلم).
يقتضي هذان اّلسمان معرفة هاتين الصفتين من صفات هللا تعالى وهما
تقديم اْلشياء وتأخيرها ،ووضعها في مواضعها ،لحكم ٍة يعلمها هو سبحانه ج َّل وعال ،فًل
يأسف العبد حينئ ٍذ على تقديم شيءٍ أو تأخيره ،ألن الذي قدَّم وأ َّخر هو الحكيم الذي يضع األمور
في مواضعها ،وألناه تعالى أعلم بمصالح العباد من العباد.
أحب ،وهو
ّ أحب وكيف
ّ ً
وفعًل على ما هللا سبحانه هو الذي يقدام ما يجب تقديمه من شيء حك ًما
خفي علينا وجه الحكمة
َ الذي يؤ اخر ما يجب تأخيره ،والحكمة والصًلح فيما يفعله هللا تعالى ،وإن
والصًلح فيه .فالحمد هلل حمدًا كثيرا..
81
• ولإليمان بهذين اّلسمين آثار وثمرات في عقيدة المؤمن وسلوكه ،فمن ثمرات معرفة هذين
اّلسمين في حياة المؤمن وسلوكه وعقيدته منها:
أن ما يكون عليه من حال متقدام أو متأ اخر فإ انما الرضا بقضاء هللا وقدره ،فالمسلم يجب أن يعلم ا
هو من تقديم هللا وتأخيره ،فاصبر لحكم رباك واهرع للوقوف بين يديه والدعاء بإلحاح ،واجعل
وخاطب نفسك بهذه الكلمات:ِ رجاءك فيه عظي ٌم وظناك فيه جمي ٌل سبحانه ،فحاشا أن يُخيابكَ ،
أن اإليمان ليس كلمة تقال إناما هو حقيقة ذات تكاليف ،وأمانة
• قال سيد قطب رحمه هللا :واعلم ا
ذات أعباء ،وجهاد يحتاج إلى صبر ،وجهد يحتاج إلى احتمال ،فًل يكفي أن يقول الناس :آمنا
يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم كما تفتن
ا دون أن
النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به.
سناة هللا في ابتًلء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم فهذ ِه ُ
ص َدقُوا َولَيَ ْعلَ َم َّن ا ْلكَا ِّذ ِّبينَ }. {ولَقَ ْد فَتَنَّا الَّ ِّذينَ ِّمن قَ ْب ِّل ِّه ْم فَلَيَ ْعلَ َم َّن َّ ُ
َّللا الَّ ِّذينَ َ الكاذبينَ :
فحاشا هلل سبحانه أن يعذاب المؤمنين باّلبتًلء ،أو يجعلهم يتأذون بالفتنة ،ا
لكن الشدائ َد تصهر
النفس فتنفي عنها الخبث ،وتطرقها بعنف و ِشداة فيشت اد عودها ويُصلب ويُصقل.
83
فقيرا ،فتص ادق ولو بدرهم واحد ،ولو بتمرةٍ-جل جًلله -فًل تبخل على نفسك بذلك حتى لو كنت ً
واحدة بنيَّة الفرج والشفاء ،شريطة أن تكون عظيم الثقة برباك حتى يكون الشفاء أكم َل وأت ام.
وقد تواترت األخبار في بطون التاريخ ،بطرائف وتجارب ُمدهشة عن الصدقة وتأثيرها العجيب
في دفع النقم والبًلء ،وجلب شفاء القلوب واألبدان والعافية ،وكل من أكثر من الصدقة بنية
الوقاية أو إزالة الضراء وذهاب الهموم والغموم وإناه يجد ذلك يقينًا بينًا.
تأثيرا عجيبًا في دفع أنواع البًلء ،ولو كانت من فاجر ً ا
«فإن للصدقة • قال ابن القيم رحمه هللا:
عا ِمن البًلء .وهذا أ ْم ٌر معلوم عند أو ِمن ظا ِلم بل ِمن كافر ،ا
فإن هللا تعالى يَدفع بها عنه أنوا ً
الناس ،خاصتهم وعامتهم ،وأهل األرض كلهم ُم ِق ُّرون به ألناهم َج َّربُوه».
• الصدقة سًل ٌح ف اعال يُتسلاح به في ُمعتَرك الحياة والمواطن ال ِعظام ،فبها يحمي هللا الناس من
المصائب ،والشدائد ،ويرفع عنهم البًليا واآلفات ،ويعيد العافية والصحة ،ولقد فزع الناس في
عهد النبي ﷺ لخسوف الشمس ،فأرشدهم عليه الصًلة والسًلم إلى الدعاء والصدقة فقال[ :فإذا
رأيتم ذلك فادعوا هللا وكبّروا وصلّوا وتص ّدقوا].
• وقال ابن دقيق العيد معلاقًا على الحديث :وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند
المخاوف ّلستدفاع البًلء المحذور.
• قال ابن القيم رحمه هللا" :وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه ﷺ وكان سروره وفرحه بما
يعطيه أعظم من سرور اآلخذ بما يأخذه ،وكان أجود الناس بالخير ،يمينه كالريح المرسلة ،وكان
إذا عرض له محتاج آثره على نفسه ،تارة بطعامه ،وتارة بلباسه ،وكان ﷺ يأمر بالصدقة ويحث
عليها ويدعو إليها بحاله وقوله".
روي ا
أن: َ • والصدقة ّل ترفع البًلء وتدفعه فحسب ،وإناما هي وقاية من المهالك والبًليا فقد
ُّقوط في ال َهلَكاتِ.
وء] :أي أناها تنجاي صاحبها من الس ِ س ِّ المعروف تَ ِّقي َمصار َ
ع ال ُّ ِّ [صنائع
فسارعوا إلى التصداق في شداتكم وكربكم عسى هللا أن يرفعها بها عنكم.
• رجل عنده ناقة عظيمة الثمن وكان له جار عنده بنات ومحتاج ،فأعطاه الناقة له ولبناته.
ومرةً كان الرجل يبحث عن المياه في السراديب فضاع ،وانتظره أهله سبع ليال فلم يعد فتوقاعوا
أناه قد هلك فتوازعوا ماله بينهم ،وتذ اكروا الناقة التي وهبها أبوهم للجار فاسترجعوها منه ،فقال
لهم الجار أبو البنات :لقد أعطاني إياها أبوكم !..فكيف تسترجعونها! دلاوني على السرداب الذي
وقع فيه ،فبحث عنه حتى وجده وقد شارف على الهًلك ،فسأله متعجبًا :كيف عشت هذه المدة من
غير طعام وّل شراب!
فقال :منذ ضياعت الطريق ،كان يأتيني كل يوم إناء فيه لبن بارد لكن منذ ليلتين انقطع اللبن
عني ..فأخبره الجار أناه منذ ليلتين فقط قد أخذ أبناؤه الناقة التي كانت تسقيه وتسقي بناته لبنًا..
سحبت من الجار. فانسحبت البركة حينما ُ
وهذه القصة تنباهنا ألمر نغفل عنه دائ ًما حيث أنانا نجمع المال والذهب ثم نموت ونتركه للورثة،
نحن نتعب لهم ونكافح ألجلهم وهم أول من يدفن ذكرانا ،وحتى إن تصداقوا عنا فكأناهم يمناون
علينا!..
إنها أموالنا ومع ذلك سنتمنى في قبورنا أن يأتينا من تعبنا هذا شيء منها ..نحن نجمع لهم وهم ّل
يكترثون بنا بل وهم أول من ينسانا وينسى زيارتنا في قبورنا والتصداق عناا..
86
الضر واشتدات بك الحال ..وضاقت عليك األرض بما رحبت ،أتريد فر ًجا ا • فيا من مساك
ع وإلحاح ،اسأله سبحانه بأسمائه الحسنى ،وأحسنبتضر ٍ
ا ومخر ًجا !..اهرع إلى رباك بالدعاء
ا
بحق ،واليقين به ،وأكثر من الطاعات والعبادات ،وتصداق ولو بالقليل، والتوكل عليه
ا ا
الظن به،
وسيكشف هللا عنك ما أنت فيه ويرحمك ،أما سمعت قوله تعالى عن أيوب عليه السًلم حين اشت اد
بتضرع أن يرحمه:
ا به البًلء فدعا هللا
اح ِّمينَ } ،فكانت النتيجة أن استجاب هللا ي الض ُُّّر َوأَ ْنتَ أَ ْر َح ُم َّ
الر ِّ سنِّ َوب إِّ ْذ نَادَى َربَّ ُه أَ ِّنّي َم َّ
{وأَيُّ َ
َ
ش ْفنَا َما ِّب ِّه ِّم ْن ض ٍ ُّر َوآتَ ْينَا ُه أَ ْهلَهُ َو ِّمثْلَ ُه ْم َم َع ُه ْم
ستَ َج ْبنَا لَهُ فَ َك َ
ضر {فَا ْ دعوته وكشف ما به من ا
َر ْح َمةً ِّم ْن ِّع ْن ِّدنَا َو ِّذك َْرى ِّل ْلعَا ِّب ِّدينَ } ،هللا أكبر! نجااه هللا برحمته من ك ال البًلء وآتاه أهله ،بل ومن
أن هللاوتذكيرا لهم ا ً ضا ،ذكرى للعابدين والمكروبين فضله سبحانه ورحمته أن آتاه مثلهم معهم أي ً
والضر والبًلء وتعويضك بأحسن عوض فسبحانه ما أعظمه ،فهو األول ا قادر على كشف السوء
ليس قبله شيء وهو اآلخر ليس بعده شيء.
• فقد روى مسلم وغيره أن النبي ﷺ كان يقول في دعائه[ :أنت األول فليس قبلك شيء ،وأنت
اآلخر فليس بعدك شيء ،وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ،وأنت الباطن فليس دونك شيء].
87
ضا عدم ُركونه ووثوقه باألسْباب؛ والوقوف معها ،فإنها • وعبوديته باسمه (اآلخر) تقتضي أي ً
تنعدم ّل محالة وتنقضي اآلخرية ،ويبقى الدائم الباقي بعدها ،فالتعلُّق بها تعلُّق بما يعدم وينقضي،
أن ّل يزول وّلي الذي ّل يموتُ وّل يزول ،فالمتعلاق به حقي ٌق ْ والتعلاق باآلخر سبحانه؛ تعل ٌق بالح ا
ُ
حيث كان ينقطع ،بخًلف التعلاق بغيره مما له آخر يفنى به ،كذا نظر العارف إليه بسبق األولية
قبل األسْباب كلها ،وكذلك نظره إليه ببقاء اآلخرية؛ حيث يبقى بعد األسْباب كلاها ،فكان هللا ولم
يكن شي ٌء غيره ،وكل شيء هالكٌ إّل وجْهه. ْ
• فتأمل عبودية هذين اّلسْمين ،وما يُوجبانه ِم ْن صحاة اّلضْطرار إلى هللا وحده ،ودوام الفَ ْقر إليه
وأن األمر ابتدأ منه وإليه يرجع ،فهو أول كل شيء وآخره. دُون كل شيء سواه ،ا
لهذا كان التعباد والدعاء بأسماء هللا الحسنى له فضل عظيم ..فادعوا هللا بأسمائه الحسنى،
فوضوا أمركم إليه:وتضرعوا له وتو اكلوا عليه ،ا ِ
ا
َّللا بَ ِّصي ٌر ِّبا ْل ِّعبَاد } ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ ِّ
َّللا ِّإ َّن َّ َ { َوأُفَ ّ ِّو ُ
اليقين
ِ اإليمان ،ودلي ٌل على قو ِة
ِ ت أه ِلعًل :صفةٌ عظيمةٌ من صفا ِ إن تفويض األمر هلل ج َّل و َ • ا
الديان ،وهو
ِ ِا
الظن بالواح ِد سن
و ُح ِ
واختياراّ ،ل
ً أموره كلَّها إلى هللاِ ،وإنزالها به طلبًا
َ رو ُح التوك ِل ولباهُ وحقيقتهُ ،وهو إلقا ُء العب ِد
واضطرارا.
ً ُكرهًا
أن التو اكل إيكال األمر إلى هللا تعالى ،بينما التفويض
والتو اكل على هللا غير تفويض األمر هلل ،إذ ا
الحكم المترتبة على ك ال أموره ،ا
فيفوض جعل كل أموره آتية منه وراجعة إليه ،وذلك أناه ّل يعلم ِ
ذلك إلى هللا.
صًلة ُ والسًَّل ُمسى علي ِه ال َّ قوم ِه ل اما دعاه ْم إلى طاع ِة مو َ
مؤمن آ ِل فرعونَ م َع ِ
ِ والمتأم ُل في قص ِة
األمر إلى تخوي ِف ِه
ُ بل وتعدَّىواإلعراضْ ،
ِ اّلستكبار
ِ واّلستجاب ِة لدعوتِ ِه ،ول ْم ْيلقَ منه ْم ِسوى
88
خشي على نفسه مكر الماكرين
َ وقدر ِه حين
ِ لقضاء هللاِ
ِ وإيذائِ ِه ،ف َما كانَ منهُ اإّل أنَّهُ قا َل مستسل ًما
من قوم فرعون:
َّللا َب ِّصي ٌر ِّبا ْل ِّع َباد } ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ ِّ
َّللا ِّإ َّن َّ َ { َوأُفَ ّ ِّو ُ
أموري ك ِلاها ِ ي :ألجأ ُ إلي ِه وأعتص ُم ،وأُل ِقي َّللاِ} ،أ ْ {وأُفَ ا ِو ُ
ض أَ ْم ِري ِإلَى َّ السعدي رحمهُ هللاَ :ُّ • قال
ير
ص ٌ غير ُكم{ .إِ َّن َّ َ
َّللا بَ ِ الضرر الذي يصيبُني منكم ْأو ِم ْن ِ ِ ودفع
ِ لدي ِه ،وأتو َّك ُل علي ِه في مصا ِل ِحي
شركم ،ويعل ُم ِب ْال ِع َبادِ} يعل ُم أحوالَهم و َما يستحقونَ ،يعل ُم حا ِلي وضع ِفي فيمنعُني منك ْم ويكفيني َّ
ي ،فبحكم ٍة منهُ تعالى ،وعن إرادتِ ِه علَ َّ فإن سلَّ َ
ط ُك ْم َ أحوالَكم فًَل تتصرفونَ اإّل بإرادتِ ِه ومشيئتِ ِه ْ
ومشيئ ِت ِه ص َد َر ذلِكَ .
سو ُء ا ْلعَذَاب}.
ق بِّآ ِّل فِّ ْرع َْونَ ُ
ت َما َم َك ُروا َوحَا َ
سيِّّئَا ِّ فكانت النتيجة {فَ َوقَاهُ َّ ُ
َّللا َ
89
ب عند َما اجتم َع المشركونَ واليهو ُد موقف المسلمينَ في سورةِ األحزا ِ َ عًلهللا ج َّل و َ
ذكر ُ • ولق ْد َ
عًل: اإلسًلم وأه ِل ِه ،فقا َل َج َّل و َ
ِ القضاء على
ِ من أج ِل والمنافقونَ عليه ْم ْ
سولُهُ َو َما َزا َدهُ ْم
َّللا َو َر ُ
ق َّ ُ سولُهُ َو َ
ص َد َ ع َد َنا َّ ُ
َّللا َو َر ُ {و َل َّما َرأَى ا ْل ُم ْؤ ِّمنُونَ ْاْلَح َْز َ
اب قَالُوا َهذَا َما َو َ َ
س ِّلي ًما} إِّ َّال إِّي َمانًا َوتَ ْ
ألمر
ِ ار قالُوا تسلي ًما منه ْم
ت الكفا ِ
الطبري رحمهُ هللا :ل َّما عاينَ المؤمنونَ باهللِ ورسو ِل ِه جماعا ِ
ُّ • قال
إنجاز وع ِد ِه له ْم حيث وعدهم أناهم سيُزلزلون ويُمتحنون ثم ينتصرون، ُ هللاِ ،وإيقانًا منه ْم َّ
بأن ذلكَ
فقالوا إيقانًا بإنجازه هذا الوعد:
سولُهُ َو َما َزا َدهُ ْم إِّ َّال إِّي َمانًا َوتَ ْ
س ِّلي ًما} َّللا َو َر ُ
ق َّ ُ سولُهُ َو َ
ص َد َ َّللا َو َر ُ { َهذَا َما َو َ
ع َدنَا َّ ُ
ب عليه ْم اإّل
ألمرهِ ،و َما زا َدهُم اجتماعُ األحزا ِ
ِ سليم ِه ْم
هللا الثنا َء عليه ْم بذلكَ من يقي ِن ِه ْم ،وت ِ
فأحسنَ ُ
األعداء.
ِ فر على صر وال َّ
ظ َ ورزَ قَ ُه ْم ب ِه النَّ َ
وأمرهَِ ،
ِ إيمانًا باهللِ وتسلي ًما لقضائِ ِه
90
ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ
َّللا} {وأُفَ ّ ِّو ُ
َ
عجزا ِمنَ العبدِ ،وّل ضعفًا وّل وهنًا ،إنَّما َ
هو دلي ٌل على قو ِة ً هلل تعا َلىَ ،
ليس األمر ِ
ِ تفويض
ِ • َّ
إن
أمور حياتِ ِه الديني ِة والدنيوي ِة .أسأ ُل
ِ جميع
ِ أمر مطلوبٌ في
وهو ٌ وحسن ظناِ ِه برباِ ِه ج َّل جًللُهَُ ، ِ يقينِ ِه
الخير حيث َما
َ يكتب لنَا ولكم
َ أمورنَا إلي ِهْ ،
وأن ِ تفويض
ِ على أن يُ َع ِلاقَ قلوبنَا ِب ِهْ ،
وأن يُ ِعيننَا َ هللا تعالَى ْ
َ
ُكنَّا.
91
ض أَ ْم ِّري ِّإلَى َّ
َّللاِّ﴾ ،فإن هللا أعقبها بـ ﴿وأُفَ ّ ِّو ُ
• من خاف مكر األعداء فليفزع لقول هللا تعالىَ :
ت َما َم َك ُروا﴾.
سيِّّئَا ِّ ﴿فَ َوقَاهُ َّ ُ
َّللا َ
{ولَ َّما بَ َر ُزوا ِّلجَالُوتَ َو ُجنُو ِّد ِّه قَالُوا َربَّنَا أَ ْف ِّر ْغ َ
علَ ْينَا قال تعالى عن الفئة المؤمنة مع طالوتَ :
علَى ا ْلقَ ْو ِّم ا ْلكَا ِّف ِّرين}. صب ًْرا َوثَ ِّّبتْ أَ ْقدَا َمنَا َوان ُ
ص ْرنَا َ َ
صبرا.
ً • دعوا بالصبر :أفرغ علينا
• وبسبب الصبر يأتي الثبات :ثبات أقدامنا.
• والنتيجة تكون النصر :وانصرنا على القوم الكافرين.
ظم فضل الصبر في الفرج والنصر فإناهم لم يكتفوا بالدعاء بقول( :صبارنا) وإناما بالغوا ف ِل ِع َ
بالدعاء فيه فقالوا( :أفرغ علينا صبرا).
92
• فارتبطت نصرة هللا لعباده مع تصبيره لهم سبحانه إذ دعوه بالصبر ً
أوّل ث ام النصر ،وبهذا يدعو
ت ّل محالة لكن المهم أن يأتي والعبد
المهموم والمكروب بالصبر والفرج ،فالنصر والفرج آ ٍ
صابر محتسب.
93
ضا ليس فقط في تعرف على هللا في رخائك أي ً وأو اد أن أوصيكَ وصيةً غايةً في األهمية ..وهي :ا
بر على ما
ص ِّ يعر ْفك في ال ِّ ّ
ش َّد ِّة ،واعلَ ْم أ َّن في ال َّ خاء ِّ
الر ِّ
هللا في َّ
ف إلى ِّ {تعر ْ
َّ شداتك ..ففي الحديث:
سرا}.
سر يُ ًب ،وأ َّن مع العُ ِّج مع الكر ِّ بر ،وأ َّن َ
الفر َ ص ِّ كثيرا ،واعلَ ْم أ َّن النَّ َ
صر مع ال َّ ً خيرا
تكر ُه ً
َ
التعرف إلى هللا سبحانه في الرخاء بالذكر والدعاء وغير ذلك من
ا ا
فإن من مفاتيح الفرج
الطاعات..
وكلنا يعلم قصة الثًلثة الذين أ ُغلق عليهم الغار بصخرة فدعوا هللا بأعمالهم الصالحة فأزاحها هللا
وفرج عنهم وخرجوا.. ا
تخيال لو كنت رابع الثًلثة الذين أغلقت عليهم الصخرة في الغار ..ما الخبيئة التي كنت ستدعو
بها؟
هذا التساؤل يجعلنا نفكر كثي ًرا في رصيدنا الحقيقي من أعمالنا الخفية في المسير نحو هللا ..إذا
ليفرج
أغلقت عليك صخرة اله ام والغ ام في غار الضيق والكرب فما العمل الصالح الذي ستدعو به ا
هللا عنك..؟!
• فيا من أصابك كرب ..يا من انقطعت بك األسباب ..وأُغلقت بوجهك األبواب ..اصبر فالفرج
ت ّل محالة ،فهذا وعد هللا سبحانه ومن أصدق من هللا قيًل ،وهذا كتابي قد قدامته بين يديك دللتك
آ ٍ
عاجًل بإذن هللا ..أختصرها بكلمات:ً فيه على ما عليك فعله في الكرب ليأتيك الفرج
• اعلم ا
أن مع العسر يسرا..
94
• اصبر فالنصر مع الصبر..
• تو اكل على هللا سبحانه..
فوض إليه أمرك..
• ا
ا
الظن به.. • أحسن
• واليقين به..
كثيرا في كربك..
ً • واذكر هللا
• واجتهد في الطاعات في ِشداتك..
وبصبر وبيقين وحسن ظن وحسن تو اكل
ٍ بتضرع
ا • والدعاء الدعاء ..فإناه أه ام ما أوصيك به ..ادعُ
وتفويض ..ادعُ هللا بأسمائه الحسنى{ :وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}.
قل :الله ام يا لطيف الطف بي ..الطف بحالي ..الله ام يا حفيظ احفظني واحفظ أهلي ..الله ام يا جباار
اجبر كسري اجبر ضعفي اجبر حالي ..الله ام يا كريم أكرمني بفضلك ورحمتك وجودك ،الله ام
عبدك قد ضاقت به األرض وانقطعت به األسباب وأُغ ِلقت دونه األبواب وأنت المرجو سبحانك
لكشف هذا المصاب يا مجيب الدعاء يا كريم يا و اهاب ..الله ام يا فتااح افتح لي أبواب رحمتك
وفرجك وتدبيرك ورزقك ..الله ام يا فتااح افتح لي أبواب الخير من كل صوب وبك ال تفصي ٍل
صغير وكبير ..الله ام يا فتااح افتح أبواب السجن للمسلمين والمسلمات ..الله ام يا كافي اك ِفني ما
أه امني ..واكفني من أراد بي سو ًءا ..الله ام يا رحيم ارحمني ..الله ام يا نصير انصرني على من
عاداني ..الله ام وس اخر لي عبادك وخلقك وجندك ..الله ام يا مدبار األمر دبار أمري فإناي ّل أُح ِس ُن
التدبير ..وإناي أبرأ من حولي وقوتي وتدبيري وألتجئ إلى حولك وقوتك وتدبيرك فإناه ّل حول
قوة اإّل بك سبحانك ..الله ام أعني وّل ت ُ ِعن علي ..وانصرني وّل تنصر علي ..واهدِني ويسار وّل ا
رزاق الهدى ليّ ..ل إله اإّل أنت سبحانك إناي كنت من الظالمين ..أستغفرك وأتوب إليك ..الله ام يا ا
ارزقني ..الله ام يا و اهاب هب لي من خيري الدنيا واآلخرة ..الله ام يا و اهاب هب لي مغفرةً من
عندك ..الله ام يا و اهاب هب لي رحمةً من لدنك ..الله ام يا و اهاب هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ا
قرة
أعين واجعلنا للمتقين إماما ..الله ام يا و اهاب هب لي ذرية طيبةً مباركةً من عندك ..الله ام وّل تزغ
قلوبنا بعد إذ هديتنا إناك أنت الو اهاب ..وأذ اكرك لتتفاءل :إذا كانت أعظم األمنيات وأسماها وهي
الفردوس األعلى تُنال بالدعاء ..فما ظناك بدعواتك التي هي دونها ..استبشر وأل اح بالدعاء
واصبر..
95
الله ام ارزقنا الفردوس األعلى ..الله ام ارزقنا الفردوس األعلى ..الله ام ارزقنا الفردوس األعلى..
• وفي الخاتمة :أعو ُد بك إلى ما بدأت به كتابي هذا ،وأذ اكرك بوعد هللا سبحانه حيث وع َد فقال:
س ًرا﴾
س ٍر يُ ْ
ع ْ
َّللا بَ ْع َد ُ
سيَ ْجعَ ُل َّ ُ
﴿ َ
فاستبشر ..وتفاءل ..وأل اح بالدعاء فسيستجيب سبحانه بإذنه تعالى..
واصبر ..فالخير قاد ٌم بإذن هللا:
البشائر قطرةً
ِّ وتشا ُء أنت من
ويشاء ربُك أن يُغيثك بالمطر..
فاعلم ا
أن فضل هللا أوسع مما تريده أنت ..سبحانه الوهاب الكريم اللطيف الرزاق الفتاح ..
سبحانه.
اليأس منك وربما
ِّ تجري دموعُ
البشائر أنورت..
َ الصباح ترى
ِّ عند
وإذا البشائ ُر لم تَ ِّحن أوقاتها
فلحكم ٍة عند اإلله تأ ّخرت..
سوقها في حينها فاصبر لها سي ُ
حتى وإن ضاقت عليكَ وأَقفَ َرت..
فغ ًدا سيجري دمع عينك فرحةَ
أمطرت..
َ ب باْلماني
وترى السحائِّ َ
اْلمس صارت بلس ًما
ِّ روف
ظ َ وترى ُ
سرت..
وهي التي أعيَتك حين تع ّ
96
وتقو ُل سبحانَ الذي رف َع البال
سرت.. من بعد أن فُ ِّق َد الرجا ُء تي ّ
والحمد هلل ربا العالمين والصًلة والسًلم على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
97