You are on page 1of 97

1

‫مقدّمة ال ُمص ِّنّف َ‬


‫غفر هللا له وعفا عنه ‪..‬‬
‫ويقرب عبده إليه خطوات ومسافات‪ ..‬الحمد هلل الذي‬ ‫ا‬ ‫الحمد هلل الذي ما ابتلى اإّل ليرفع درجات‪..‬‬
‫المحن ِمن ًحا وعطايا عظيمة ّل تُحصى‪ ..‬الحمد هلل الذي ما ابتلى عبدًا اإّل ألناه يحباه‪..‬‬ ‫جعل في ِ‬
‫ق كلهم‪ ..‬الحمد هلل الذي‬ ‫الحمد هلل الذي ما ضياقَ على عب ٍد اإّل ليجعله يتوجاه إليه ُمف ِلتًا يديه من الخَل ِ‬
‫وفرج عناا كروبنا وك ال ما أهمنا‪ ..‬وأبدلنا‬ ‫أمرنا بالتو اكل عليه وتسليم أمرنا كلاه له ثم كفانا بذلك ا‬
‫وفضًل واسعًا حتى أنسانا تفاصيل اّلبتًلء الذي‬ ‫ً‬ ‫مكان الحزن والقهر والضيق فر ًجا ورحمةً‬
‫مررنا به‪ ..‬وحفظ لنا أجورنا عنده يوم الحساب‪..‬‬
‫وعظيم سلطانه حمدًا يكو ُن سببًا‬
‫ِ‬ ‫كثيرا طيبًا مبار ًكا فيه يليق بجًلل وجه ِه سبحانهُ‬
‫ً‬ ‫الحم ُد هلل حمدًا‬
‫في المزيد ومزيد المزيد من الفتح والرزق والفرج في وقت غير بعيد‪..‬‬

‫وص ِل الله ام على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين‬
‫إناك حميد مجيد‪ ..‬وسلام وبارك كثيرا‪..‬‬

‫• جاء في الحديث أناه ﷺ قال‪[ :‬إذا مات اإلنسان انقطع عمله اإّل من ثًلثة‪ :‬صدقة جارية أو علم‬
‫يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له]‪.‬‬

‫• وقال ابن الجوزي رحمه هللا‪( :‬من أحبَّ اأّل ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم بالتدوين‬
‫والتعليم)‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أ ّما بعد‪..‬‬
‫فيا من ضاقت عليك األرض بما رحبت‪..‬‬
‫يا من اشت اد عليك اّلبتًلء حتى شعرت أناك تكاد تختنق‪ ..‬وأن ّل منجى مما أنت فيه‪..‬‬
‫يا من انقطعت بك األسباب‪ ..‬وأُغ ِلقت دونك األبواب‪..‬‬
‫إن هذه رسائ ٌل لك أنت‪ ..‬نعم لك أنت‪ ..‬جمعتها في هذا الكتاب من كًلم هللا العظيم سبحانه وكًلم‬ ‫ا‬
‫بتصرف يسير‪ ..‬عليك أن‬
‫ا‬ ‫نبيه وحبيبه محمد ﷺ ُمردفةً بأقوال العلماء والتابعين وبعض الصالحين‬
‫توقن بها بك ِل ما فيك‪ ..‬وأن تعمل بها بإيمان كامل وتسليم تام‪..‬‬

‫س ًرا ﴾‬
‫سر ي ْ‬
‫ّللا بَ ْع َد ع ْ‬
‫سيَجْ عَل َ‬
‫﴿ َ‬
‫هذا وع ُد هللا‪ ..‬ووع ُد هللا ا‬
‫حق‪..‬‬
‫شرك وأطمئنك قبل كل‬ ‫ضا؛ ألُذ اكركَ وأُب ا‬
‫أبدأ ُ كتابي هذا بهذه اآلية العظيمة وقد جعلتها عنوانًا له أي ً‬
‫العسر والضيق الذي تعيشه سينتهي قريبًا‪ ،‬فهذا وع ٌد من هللا سبحانه ووعده ا‬
‫حق‪ ،‬إذ‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫شيء ا‬
‫ويفرج عنك ما أنت فيه ولو َر ِغمت أُنوف‪.‬‬ ‫ا‬ ‫وعدكَ أناه سيجع ُل بعد العُسر الذي ُّ‬
‫يمر بك يُسرا‪،‬‬

‫س ًرا ﴾‬
‫سر ي ْ‬
‫ّللا بَ ْع َد ع ْ‬
‫سيَجْ َعل َ‬
‫﴿ َ‬

‫يحصل لإلنسان أوقاتٌ تتعسار عليه األمور‪ ،‬وتتكالب عليه الشدائد‪ ،‬وتكثر عليه المصائب‪ ،‬حتى‬
‫علَ ْي ِه ُم‬ ‫تضيق عليه نفسه‪ ،‬وتضيق عليه األرض بما رحبت؛ قال هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬حتَّى ِإذَا َ‬
‫ضاقَ ْ‬
‫ت َ‬
‫علَ ْي ِه ْم أَ ْنفُ ُ‬
‫س ُه ْم﴾ [التوبة‪.]118 :‬‬ ‫ضاقَ ْ‬
‫ت َ‬ ‫ْاأل َ ْر ُ‬
‫ض بِ َما َر ُحبَ ْ‬
‫ت َو َ‬

‫‪3‬‬
‫فكن من الطائفة التي تنجو من هذه الكروب‪ ،‬وهي الطائفة التي مأل اإليمان قلوب أفرادها‪ ،‬فغ َّ‬
‫طت‬
‫حًلوة ُ اإليمان في قلوبهم مرارةَ تلك الكروب‪.‬‬
‫وّل تكن من أولئك الذين يتًلعب بهم الشيطان‪ ،‬فيوقعهم في دائرة األحزان الطويلة‪ ،‬والهموم‬
‫المستمرة‪ ،‬فتصيبهم األمراض النفسية التي تتعبهم بدنيًّا ونفسيًّا‪ ،‬وهؤّلء زادوا كروبهم كروبًا‪،‬‬
‫فالعاقل ّل يعالج الداء بداء يزيده‪ ،‬بل يستخدم معه ما يزيله ويخففه‪.‬‬

‫أن تلك األمور العسيرة سيعقبها‬ ‫• ومما يعي ُن العب َد على تحمل تلك الكروب إيمانُهُ ويقينه الجازم ا‬
‫عس ٍْر يُس ًْرا﴾ [الطًلق‪]7 :‬؛‬ ‫س َي ْج َع ُل َّ ُ‬
‫َّللا َب ْع َد ُ‬ ‫يسر وتيسير من هللا الكريم؛ فقال هللا سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ٌ‬
‫عس ٍْر يُس ًْرا﴾‪ :‬سيجعل من بعد ِش ادةٍ رخا ًء‪ ،‬ومن بعد ضي ٍ‬
‫ق‬ ‫قال اإلمام الطبري رحمه هللا‪َ ﴿ :‬ب ْع َد ُ‬
‫سعةً‪ ،‬ومن بعد ٍ‬
‫فقر غنًى‪.‬‬

‫عس ٍْر يُس ًْرا﴾‪ :‬وع ٌد منه تعالى‪،‬‬ ‫سيَ ْج َع ُل َّ ُ‬


‫َّللا بَ ْع َد ُ‬ ‫• وقال الحافظ ابن كثير رحمه هللا‪ :‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ووعده حق ّل يخلفه؛ وهذه كقوله تعالى‪﴿ :‬فَإِ َّن َم َع ْالعُس ِْر يُس ًْرا * إِ َّن َم َع ْالعُس ِْر يُس ًْرا﴾ [الشرح‪5 :‬‬
‫‪.]6‬‬
‫عز وجل للرسول ﷺ ولسائر األمة‪ ،‬فهذا الكًلم خبر من هللا عز وجل‪،‬‬ ‫• فهذه بشارة من هللا ا‬
‫وخبره ج ال وعًل أكم ُل األخبار صدقًا‪ ،‬ووعده ّل يخلف‪ ،‬فكلاما تعسار عليك األمر‪ ،‬فانتظر‬
‫التيسير‪ ،‬وتذ اكر قوله تعالى‪{ :‬يري ُد هللا بكم اليُسر وّل يري ُد بكم العُسر}‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫س ًرا ﴾‬
‫سر ي ْ‬
‫ّللا َب ْع َد ع ْ‬
‫س َيجْ َعل َ‬
‫﴿ َ‬
‫ومن رحمة هللا بالعب ِد أناه يبتليه حتى يجعله ييأس من المخلوقين فيعلم بذلك أن ّل ملجأ وّل منجى‬
‫من هللا اإّل إليه سبحانه ليص َل العبد إلى التعلاق الخالص باهلل وحده دون البشر فيتو اكل عليه ا‬
‫حق‬
‫كشف ما به وهذا من أهم أسباب تسريع الفرج آنذاك‪ ..‬أن تتعلاق باهلل وحده وتتو اكل‬
‫ِ‬ ‫التو اكل في‬
‫عليه سبحانه وأنت ُمفلتٌ يديك من ك ِل الخَلق وهذا المرجو من اّلبتًلء‪( :‬القُرب من هللا سبحانه‬
‫حتى ّل يكون بين العبد وربه أي أحد أو سبب أو شيء)‪.‬‬

‫• يقول العًلمة ابن رجب رحمه هللا‪:‬‬


‫ظم وتناهى‪،‬‬ ‫ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب‪ ،‬واليسر بالعسر أن الكرب إذا اشتد وع ُ‬
‫اإلياس من كشفه من جهة المخلوقين‪ ،‬وتعلاقَ قلبُه باهلل وحده‪ ،‬وهذا هو حقيقة التو اكل‬ ‫ُ‬ ‫حصل للعبد‬
‫فإن هللا يكفي من تو اكل عليه؛ كما قال‪َ :‬‬
‫﴿و َم ْن‬ ‫على هللا‪ ،‬وهو من أعظم ما تُطلب به الحوائج‪ ،‬ا‬
‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا فَ ُه َو َح ْسبُهُ﴾ [الطًلق‪.]3 :‬‬ ‫يَت ََو َّك ْل َ‬

‫س ًرا ﴾‬ ‫﴿ ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬


‫س ِّر يُ ْ‬
‫ضا من هللا تبارك وتعالى وهو ّل يخلف الميعاد‪ ،‬إذ قال سبحانه‬
‫وهذا وعد أي ً‬
‫س ًرا} [سورة الشرح‪. ] 6 ،5:‬‬ ‫س ًرا * ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س ِّر يُ ْ‬ ‫{فَ ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س ِّر يُ ْ‬
‫ف هنا واقرأ‬ ‫هللا أكبر‪ ،‬أيُّها المهموم والمبتلَى‪ ،‬أيُّها المضطر والمهتم‪ ،‬يا َمن ضاقت عليه الدنيا‪ ،‬قِ ْ‬
‫وتأ َّمل هذه اآليات واستبشر‪ ..‬فإذا جاز تخلاف وعود البشر‪ ،‬فوعد هللا ّل يتخلاف‪ ،‬وسنة هللا ّل‬
‫تتبدال إناه وعد من هللا سبحانه يتجاوز حدود الزمان والمكان‪ ،‬وّل يقف عند ح اد ما نزلت فيه‬
‫اآليات بل إلى زماننا وكل زمان‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫س ًرا }‬ ‫س ًرا* ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س ِّر يُ ْ‬ ‫{ فَ ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س ِّر يُ ْ‬
‫ُسرين‪.‬‬
‫سر ي َ‬
‫ع ٌ‬‫• قال السلف‪ :‬لن يغلب ُ‬
‫• وفيها قال العلماء‪ :‬ا‬
‫أن العُسر ّل يغلب يُسرين‪ ،‬حيث ذكر العسر مرة واحدة‪ ،‬وذكر اليسر‬
‫مرتَين‪ ،‬تأكيدًا على يُسر األمور مهما تعسارت‪ ،‬وبشارةً بالفرج‪.‬‬

‫• وقالوا‪ :‬لو كان العُسر في جحر ضبا لدخل عليه اليُسر فأخرجه‪.‬‬

‫• وقالوا‪ :‬هذه اآلية فيها بشرى لمن قابل العُسر‪ ،‬ا‬


‫وأن هللا يُرسل البُشرى واليُسر بعدهُ ّل محالة‪،‬‬
‫بأن اليُسر معه لن يتأ اخر‪.‬‬
‫فعلى من يُبتلى بالعُسر اليقين ا‬

‫س ًرا }‬ ‫س ًرا* ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬


‫س ِّر يُ ْ‬ ‫{ فَ ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س ِّر يُ ْ‬
‫إن العباد إذا نزلت بهم الشدائد فإنهم سرعان ما يقنطون‪ ،‬وهللا ا‬
‫عز وج ال جعل لكل أجل كتابًا‪،‬‬ ‫ا‬
‫ا‬
‫ولكن العباد يستعجلون‪ ،‬وهللا سبحانه يعجب ويضحك‬ ‫وجعل لهذا اله ام نهاية‪ ،‬ولهذا الكرب تفري ًجا‪،‬‬
‫من قنوطهم ومن قُرب فرجه‪.‬‬

‫• قال أ ْسلَ ُم مولى عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪:‬‬


‫فكتب إليه عمر‪ :‬أ اما بعد؛ فإناه‬ ‫َ‬ ‫ص َر بالشام‪ ،‬ونا َل منه العدو‪،‬‬ ‫أن أبا عبيدة ُح ِ‬ ‫"بلغ عمر بن الخطاب ا‬
‫سر يُس َْرين‪َ ﴿ ،‬يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا‬
‫ع ٌ‬‫مؤمن ِشداة‪ ،‬اإّل جع َل هللا بعدها فر ًجا‪ ،‬وإناه ّل يغلب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ما نزل بعب ٍد‬
‫َّللا لَ َعلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ ﴾‪.‬‬ ‫صابِ ُروا َو َرابِ ُ‬
‫طوا َواتَّقُوا َّ َ‬ ‫صبِ ُروا َو َ‬
‫ا ْ‬
‫وفرج علينا واغفر لنا‬ ‫فالله ام يا من ّل يعجزك شيء يا من تقول للشيء كن فيكون يسار أمرنا ا‬
‫وارحمنا إناك أنت الغفور الرحيم‪..‬‬
‫قليًل‪ ..‬واطمأنات بما عند هللا من البشارة‪ ..‬سأدلاك على أعظم ما عليك‬
‫اآلن بعد أن هدأت نفسك ً‬
‫فعله ليعجال هللا لك بالفرج‪..‬‬
‫‪6‬‬
‫إ ّن من أعظم وأهم ما عليك فعله أمو ٌر ُمتالزمة ‪:‬‬

‫• الدعاء بيقين‬
‫• حسن الظن باهلل سبحانه‬
‫حق التو اكل‬
‫• التو اكل على هللا ا‬
‫• اليقين باهلل‬
‫• كثرة ذِكر هللا وفعل الطاعات‬

‫هذه األمور واجبةٌ في حقاك يا عبد هللا‪ ..‬يا من أصابك اله ام والغم‪ ..‬يا من اشت اد عليك الكرب‪..‬‬
‫وهي أمور سهلة جدًا أغلبها عبادات قلبياة‪ ..‬فما أرحمك يا هللا‪ ..‬كل ما علينا أن نتو اكل على هللا‬
‫ويفرج ه امنا وييسار أمرنا‪ ..‬أن‬
‫ا‬ ‫ضر ويصرف عنا السوء‬ ‫حق التو اكل في أن يكشف ما بنا من ا‬ ‫ا‬
‫الظن به سبحانه أناه رحيم بنا سيرحمنا ويُغنينا ويكفينا‪ ..‬أن يكون يقيننا باهلل على أت امه‬
‫ا‬ ‫نُح ِسن‬
‫وإخًلص ويقين‪ ..‬أن نتعلام معاني أسماء هللا الحسنى‬‫ٍ‬ ‫ق‬
‫وأكمله‪ ..‬وأن ندعو هللا سبحانه بصد ٍ‬
‫وندعوه بها كما أمرنا هللا سبحانه وتعالى بذلك حيث قال‪{ :‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}‪..‬‬
‫فندعو‪ :‬يا لطيف الطف بنا‪ ..‬يا كافي اكفنا‪ ..‬يا نصير انصرنا‪ ..‬يا حفيظ احفظنا‪ ..‬يا فتااح افتح لنا‬
‫أبواب رحمتك وفرجك وتدبيرك ورزقك‪ ..‬فالدعاء أعظم عبادة وأسهلها‪ ..‬والدعاء ير اد القضاء‪..‬‬
‫والدعاء م اخ العبادة كما قال ﷺ‪ ،‬وعليك أن تدعوا هللا باضطرار بأن تُظهر ضعفك وتتوسال إليه‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫سو َء{‬ ‫ط َر ِإذَا َدعَاه َويَ ْك ِ‬
‫شف ال ُّ‬ ‫}أ َ َمن ي ِجيب ا ْلم ْ‬
‫ض َ‬

‫المضطر هو اإلنسان الذي نزلت به ِشداة من الشدائد جعلته يرفع أكف الضراعة إلى هللا تعالى‬
‫ا‬
‫لكي يكشفها عنه‪.‬‬
‫• قال السعدي رحمه هللا في هذه اآلية‪ :‬هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسار عليه‬
‫واضطر للخًلص مما هو فيه اإّل هللا وحده؟ ومن يكشف السوء والبًلء والشر والنقمة‬
‫ا‬ ‫المطلوب‬
‫إّل هللا وحده؟ ليس لها من دون هللا كاشفة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫سو َء{‬ ‫ط َر ِإذَا َدعَاه َو َي ْك ِ‬
‫شف ال ُّ‬ ‫}أ َ َمن ي ِجيب ا ْلم ْ‬
‫ض َ‬

‫• رباكم العظيم الرحيم يدعوكم لترفعوا إليه أيديكم وتسألوه حاجاتكم بعجزكم وضعفكم وافتقاركم‬
‫للمضطر اإّل هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ففي قوله هذا سبحانه قد َ‬
‫ض ِمنَ‬ ‫ا‬ ‫واعترافكم‪ ،‬فإناه ّل يستجيب‬
‫وإن ذلك اّلضطرار الحاصل له يتسبب عنه‬ ‫المضطر إذا دعاه‪ ،‬وأخبر ذلك عن نفسه‪ ،‬ا‬
‫ا‬ ‫إجابة‬
‫ا‬
‫بحق‪.‬‬ ‫(اإلخًلص وقطع النظر ع اما سوى هللا سبحانه)‪ ،‬أي تو اكل على هللا‬

‫سو َء{‬ ‫ط َر ِإذَا َدعَاه َو َي ْك ِ‬


‫شف ال ُّ‬ ‫}أ َ َمن ي ِجيب ا ْلم ْ‬
‫ض َ‬
‫المضطر إذا رفع يديه هلل سبحانه يطلب منه المدد؟ ومن الذي يجيب المسلم في‬
‫ا‬ ‫• فمن الذي يجيب‬
‫لحظات الكرب والشدة‪ ،‬وهو يهتف داعيًا ربه منيبًا إليه‪ ،‬طالبًا منه العون وتفريج تلك الهموم؟‬
‫وتضرع‪ ..‬مقرو ٌن بتو اكل كامل على هللا سبحانه دون خلقه‪ ..‬يدثاره‬
‫ا‬ ‫بإخًلص وتوسال‬
‫ٍ‬ ‫إذًا‪ :‬دعاء‬
‫ظن به سبحانه أناه رحيم سيستجيب‪ ..‬كل هذه هي من أعمال القلوب‪ ،‬التي ّل‬ ‫يقي ٌن باهلل وحسن ا‬
‫يستشعرها‪ ،‬وّل يعيش لحظاتها‪ ،‬اإّل من أوقد هللا قلبه بحرارة اإليمان‪ ،‬وع امره برياض ذكر هللا ج ال‬
‫وعًل ‪.‬‬
‫ولكي ندعو هللا سبحانه بتو اكل حقيقي كامل ويستجيب لنا‪ ..‬علينا أن نعلم ما هو "التو اكل على‬
‫هللا"؟‬

‫واليأس ع َّما في أيدي الناس‪.‬‬


‫ُ‬ ‫• التوكّل على هللا‪ :‬هو الثقة بما عند هللا‪،‬‬
‫المضار من أمور الدنيا‬
‫ِا‬ ‫ودفع‬
‫ِ‬ ‫عز وج ال في استجًلب المصالح‪،‬‬ ‫وهو صدق اعتماد القلب على هللا ا‬
‫ضر وّل ينفع‬ ‫واآلخرة‪ ،‬و ِكلَةُ األمور ك ِلاها إليه‪ ،‬وتحقيق اإليمان بأنَّه ّل ي ِ‬
‫ُعطي وّل يمنع‪ ،‬وّل َي ُّ‬
‫سواه‪.‬‬
‫أمورهم إليه‪ ،‬فهو‬ ‫َ‬ ‫• فالتو اكل خلق إيماني عظيم‪ ،‬أمر هللا تعالى عباده به لي ْعت َِمدُوا عليه‪ ،‬ويُفَ ا ِو ُ‬
‫ضوا‬
‫الر ِح ِيم﴾‬ ‫علَى ْال َع ِز ِ‬
‫يز َّ‬ ‫الوكي ُل ج َّل جًلله بتدبير أمورهم‪ ،‬ورعايتهم‪ ،‬وحفظهم‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬وت ََو َّك ْل َ‬
‫َّللا فَ ْل َيت ََو َّك ِل ْال ُمت ََو ِ اكلُونَ ﴾ [إبراهيم‪ ،]١٢ :‬وقال عز من‬ ‫علَى َّ ِ‬ ‫[الشعراء‪ ،]٢١٧ :‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫يًل ﴾ [المزمل‪.]٩ :‬‬ ‫ق َو ْال َم ْغ ِر ِ‬
‫ب َّل ِإلَهَ ِإ َّّل ه َُو فَاتَّ ِخ ْذهُ َو ِك ً‬ ‫قائل‪َ ﴿ :‬ربُّ ْال َم ْش ِر ِ‬
‫‪8‬‬
‫فالتوكّل على هللا راحة‪ ،‬بل منتهى الراحة النفسية‪ ..‬أن تَ ِكل أمرك إلى هللا تعالى‪ ..‬أن تخرج من‬
‫حولك وقوتك إلى حوله وقوته‪ ..‬أن يوقن قلبك بأناك مستسلم تمام اّلستسًلم له سبحانه‪ُ ،‬م َ‬
‫س ِلم‬
‫ناصيتك له وأنت بكامل اّلطمئنان أناه رحيم جباار كريم‪ ،‬تجد في قلبك ق امة الحب له مع الخوف‬
‫ا‬
‫سيتوّلك‪ ،‬ظناك الدائم به أناه أرحم بك من‬ ‫منه‪ ،‬إذا َم َّر بك ما يقلقك تلجا ٔ إليه وأنت موقن أناه‬
‫نفسك‪..‬‬
‫شرني وتولاني وارحمني‪..‬‬ ‫اللهم إني توكلت عليك ووكلت أمري إليك فب ِ ا‬

‫هللا ونِّ ْع َم الوكي ِّل]‬


‫سبنا ُ‬
‫[ح ْ‬

‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخش َْوهُ ْم فَزَ ا َدهُ ْم ِإي َمانًا َوقَالُوا َح ْسبُنَا َّ ُ‬
‫َّللا َو ِن ْع َم‬ ‫﴿ الَّذِينَ قَا َل لَ ُه ُم النَّ ُ‬
‫اس ِإ َّن النَّ َ‬
‫ْال َو ِكي ُل ﴾ [آل عمران‪.]١٧٣ :‬‬

‫هللا عنهما‪ ،‬قال‪:‬‬


‫َّاس رضي ُ‬
‫ابن عب ٍ‬
‫عن ِ‬‫• ِ‬
‫ار وقالها محم ٌد ﷺ‬ ‫ي في النَّ ِ‬‫[حسْبنا هللاُ ونِ ْع َم الوكي ِل]‪ :‬قالها إبراهي ُم عليه الصًلة والسًلم حينَ ْأل ِق َ‬
‫حين قالوا‪ِ :‬إ َّن النَّاس قد جمعوا لكم فا ْخشَوهم فزادهم إيمانًا‪ ،‬وقالوا‪ :‬حسْبنا هللا و ِن ْع َم الوكي ِل»‪.‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬

‫هللا إنّها لبشرى لك أيها‬


‫هل تعلم ما معنى أن تتوكّل على هللا سبحانه فيكون وكيلك!! و ِّ‬
‫الحيل‪..‬‬
‫العبد المستضعف الذي ضاقت بك ِّ‬

‫• معنى اسم هللا الوكيل أي‪ :‬الذي تو َّكل بأمر الخًلئق فَح ِف َ‬
‫ظها‪ ،‬وتكفَّل بأرزاقها ومصالحها‪ ،‬وقام‬
‫بأمورها‪ ،‬لعجزها وضعفها‪.‬‬
‫• وهو سبحانه الوكيل‪ ،‬الذي يتولى بإحسانه أمور عباده المتقين‪ ،‬الذين يتو َّكلون عليه‪ ،‬ويفوضون‬
‫أمورهم إليه‪ ،‬ويعتمدون عليه‪ ،‬مع بذلهم لألسباب الشرعية‪ ،‬فيكفيهم هللا تعالى‪ ،‬ويغنيهم ويرضيهم‪،‬‬
‫فالمتو ِ اكلون يَ ِكلون كل أمورهم إلى الوكيل‪ ،‬وهو سبحانه يكفيهم‪ ،‬ويدبر أمورهم‪ ،‬ويحفظهم‬
‫‪9‬‬
‫بحفظه‪ ،‬ويرعاهم برعايته‪ ،‬ويؤيدهم بتأييده‪ ،‬فهو القادر على كل شيء‪ ،‬وّل يعجزه شيء في‬
‫األرض وّل في السماء‪.‬‬

‫ويفوض األمر إليه‪ ،‬فالمسلم العارف بربه‬


‫اِ‬ ‫ا‬
‫فإن اسم هللا الوكيل يد ال المسلم على من يعتمد عليه‪،‬‬
‫ويفوض نتائج األمور وعواقبها إليه‪ ،‬مع األخذ‬‫اِ‬ ‫باسمه الوكيل يعتمد عليه في األمور كلها‪،‬‬
‫باألسباب المقدورة والمستطاعة‪ ،‬ومن تو َّكل على هللا تعالى‪ ،‬فقد كفاه وأغناه؛‬
‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا فَ ُه َو َح ْسبُهُ ﴾ [الطًلق‪.]3 :‬‬ ‫قال ع َّز وج َّل‪َ ﴿ :‬و َم ْن يَت ََو َّك ْل َ‬

‫عز وج َّل بالتو ُّكل؛‬ ‫بل إن التو ُّكل على هللا من األمور المطلوبة شر ً‬
‫عا؛ فقد أمر هللا َّ‬
‫َّللا فَت ََو َّكلُوا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ ﴾ [المائدة‪ ،]23 :‬وقد أثنى هللا تعالى على‬ ‫علَى َّ ِ‬‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫علَ ْي ِه ْم آيَاتُهُ‬ ‫ت قُلُوبُ ُه ْم َوإِذَا ت ُ ِليَ ْ‬
‫ت َ‬ ‫المتو ِ اكلين عليه؛ فقال‪ ﴿ :‬إِنَّ َما ْال ُمؤْ ِمنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُ ِك َر َّ ُ‬
‫َّللا َو ِجلَ ْ‬
‫علَى َر ِبا ِه ْم َيت ََو َّكلُونَ ﴾ [األنفال‪.]2 :‬‬ ‫زَ ا َدتْ ُه ْم ِإي َمانًا َو َ‬

‫{وإِّلَ ْي ِّه يُ ْر َج ُع ْاْل َ ْم ُر ُكلُّهُ فَا ْعبُ ْدهُ َوتَ َو َّك ْل َ‬


‫علَ ْي ِّه}‪.‬‬ ‫َ‬
‫َّللا فَ ُه َو َح ْ‬
‫سبُهُ}‪.‬‬ ‫علَى َّ ِّ‬ ‫ألناه َ‬
‫{و َم ْن َيتَ َو َّك ْل َ‬
‫فأنت إذا تو اكلت على هللا فأنت أقوى األقوياء‪ ،‬إذا كان هللا معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن‬
‫معك؟‬

‫يال}‬ ‫َّللا ۚ َو َكفَ ٰى بِّ َّ ِّ‬


‫اَّلل َو ِّك ً‬ ‫{و َد ْع أَذَاهُ ْم َوتَ َو َّك ْل َ‬
‫علَى َّ ِّ‬ ‫َ‬
‫وتدبيرا‪ ،‬وتصريفًا وحف ً‬
‫ظا‪ ،‬الكافي للمتوكلين عليه‬ ‫ً‬ ‫الوكيل ‪ -‬جل جًلله ‪ :-‬الكفي ُل بالعالمين؛ خ َْلقًا‬
‫بالتيسير لليسرى‪ ،‬وتجنيبهم للعسرى‪ ،‬وكل ما يُ ِه ُّمهم في اآلخرة واألولى؛ فوكالته تقتضي الحف َ‬
‫ظ‬
‫والنصرة‪ ،‬والكفاية والعناية‪.‬‬
‫• إن كفاية هللا تعالى للعباد ّل يحدها حاد‪ ،‬وّل يمنعها مانع‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ع ْب َد ُه﴾‬
‫َاف َ‬
‫َّللا ِّبك ٍ‬ ‫﴿أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬
‫قوة فإذا اعترفت بتلك‬
‫كم من أمر خفت منه فنجااك هللا سبحانه منه وكفاك من غير حول لك وّل ا‬
‫استقر فؤادك وهدأ بالك فهو سبحانه سيكفيك ما يه امك اآلن كما كفاك قبل‪..‬‬
‫ا‬ ‫النعم‬

‫ع ْب َد ُه﴾‬
‫َاف َ‬
‫َّللا ِّبك ٍ‬ ‫﴿أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬
‫عندما يخاطب هللا تعالى عباده بقوله هذا فهو سبحانه بهذا اّلستفهام يجعل َمن اعترف بنعم هللا‬
‫تعالى يقر بهذه النعم عليه‪ ،‬فيثبت العقل‪ ،‬ويستقر الفؤاد‪ ،‬ويهدأ البال‪ ،‬وما ينشغل الحال إّل بأداء‬
‫شكر هللا تعالى وفضله عليه‪.‬‬

‫ضا فيه استنكار على َمن جحد نعم هللا تعالى عليه‪ ،‬فتشتت حاله‪ ،‬وهاج عقله‪،‬‬ ‫وهذا اّلستفهام أي ً‬
‫وطار فؤاده بحثًا ع َّمن يكفيه ويدبر أمره‪ ،‬تار ًكا هللا تعالى الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد‪.‬‬

‫ع ْب َد ُه﴾‬
‫َاف َ‬
‫َّللا ِّبك ٍ‬ ‫﴿أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬
‫• قال اإلمام الرازي رحمه هللا‪:‬‬
‫يخوفون المح ِقاين بالتخويفات الكثيرة‪ ،‬فحسم هللا مادة هذه الشبهة‬
‫المبطلين ا ِ‬‫ِ‬ ‫ت العادة أن‬ ‫أناه َ‬
‫جر ِ‬
‫ع ْب َدهُ ﴾ [الزمر‪.]36 :‬‬ ‫َّللا بِ َكافٍ َ‬ ‫بقوله تعالى‪ ﴿ :‬أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬

‫ع ْب َد ُه﴾‬
‫َاف َ‬
‫َّللا ِّبك ٍ‬ ‫﴿أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬
‫• وذكَره بلفظ اّلستفهام‪ ،‬والمراد تقرير ذلك في النفوس‪ ،‬واألمر كذلك؛ ألناه سبحانه العالم بجميع‬
‫المعلومات‪ ،‬قادر على كل شيء‪ ،‬غني عن كل الحاجات؛ فهو تعالى عالم حاجات العباد‪ ،‬وقادر‬
‫على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات‪ ،‬وهو سبحانه يدفع اآلفات‪ ،‬ويزيل البليَّات‪ ،‬ويوصل إلى‬
‫َّللا ِب َكافٍ َ‬
‫ع ْب َدهُ ﴾ [الزمر‪."]36 :‬‬ ‫ك ال المرادات؛ فلهذا قال‪ ﴿ :‬أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬

‫‪11‬‬
‫ع ْب َد ُه﴾‬
‫َاف َ‬
‫َّللا ِّبك ٍ‬ ‫﴿أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬
‫• قال سيد رحمه هللا‪ :‬بلى‪ ..‬ف َمن ذا يُخيفه‪ ،‬وماذا يخيفه إذا كان هللا معه‪ ،‬وإذا كان هو قد اتاخذ مقام‬
‫العبودية وقام بحق هذا المقام؟! و َمن ذا يشك في كفاية هللا لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده؟‪.‬‬

‫ناوأه بسوء‪ ..‬عليه فقط أن‬ ‫ا‬


‫فإن هللا سبحانه وتعالى سيكفي عبده في أمر دينه ودنياه‪ ،‬ويدفع عنه َمن َ‬
‫يأخذ باألسباب ثم يتو اكل على هللا وكأنها ليست بشيء‪.‬‬
‫ع ْب َد ُه﴾‬
‫َاف َ‬
‫َّللا ِّبك ٍ‬ ‫﴿أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬
‫• قال الزبيدي رحمه هللا‪ :‬وقبيح بذوي اإليمان أن يُنزلوا حاجتهم بغير هللا تعالى مع علمهم‬
‫َّللا بِ َكافٍ َ‬
‫ع ْب َدهُ ﴾‪.‬‬ ‫بوحدانيَّتِه وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى‪ ﴿ :‬أَلَي َ‬
‫ْس َّ ُ‬

‫وبذلك تعلم ا‬
‫أن من أسماء هللا سبحانه (الكافي) وفي هذا بشارة لك وطمأنينة وسكينة‪ ..‬فإن كفاك‬
‫هللا ما أه امك وأخافك فما الذي تخشاه؟!‬

‫ولتطمئن أكثر دعني أب ا‬


‫شرك بمعنى اسم هللا الكافي‪:‬‬

‫إنَّ (الكافي) اسم من أسماء هللا تعالى وهو‪:‬‬


‫شا وقُوتًا‪ ،‬الكافي كفاية خا َّ‬
‫صة َمن‬ ‫الكافي عبا َده جمي َع ما يحتاجون‪ ،‬ويضطرون إليه‪ِ ،‬رزقًا ومعا ً‬
‫آمن به‪ ،‬وتو َّكل عليه‪ ،‬واستم َّد منه حوائ َج دِينه ودنياه‪.‬‬

‫شر َمن ظلمه وآذاه بأن يقول‪ :‬اللهم يا كافي‬


‫ويُشرع للمس ِلم أن يسأل ربَّه بهذا اّلسم أن يكفيَه َّ‬
‫اكفني من أراد بي سو ًءا‪ ..‬يا كافي اكفني ما أه امني من أمور دنياي وآخرتي‪ ..‬الله ام يا كافي أنت‬
‫أعلم بأعدائي فاكفنيهم بما شئت‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫يرا﴾ [النساء‪.]45 :‬‬ ‫َّللا أَ ْعلَ ُم ِّبأ َ ْعدَائِّ ُك ْم َو َكفَى ِّب َّ ِّ‬
‫اَّلل َو ِّليًّا َو َكفَى ِّب َّ ِّ‬
‫اَّلل نَ ِّص ً‬ ‫﴿و َّ ُ‬
‫• فاهلل سبحانه يقول‪َ :‬‬
‫فقد ذ اكرك هللا سبحانه بأناه أعلم بأعدائك منك‪ ..‬فمنهم من يخفى عليك‪ ..‬ثم طمأنك بأناه كافيك إيااهم‬
‫حيث أناه ولياك‪ ..‬وإن توّلك هللا فمن عليك! وطمأنك بأناه ناصرك‪ ..‬فمن ينصره هللا فماذا يخشى!‬
‫فبعد أن ذ اكرك بأناه أعلم بأعدائك طمأنك مباشرة إذ قال سبحانه‪:‬‬
‫اَّلل َو ِّليًّا َو َكفَى بِّ َّ ِّ‬
‫اَّلل نَ ِّص ً‬
‫يرا﴾‪.‬‬ ‫﴿ َو َكفَى بِّ َّ ِّ‬

‫َّللا فَ ُه َو َح ْ‬
‫سبُهُ﴾‬ ‫علَى َّ ِّ‬
‫﴿و َم ْن يَت َ َو َّك ْل َ‬
‫َ‬
‫حق التو اكل‪:‬‬
‫ليكفيك هللا يجب أن تتو اكل عليه ا‬
‫فإن الكافي هو الوكيل سبحانه‪ ،‬فإن تو اكلت عليه‬
‫هذه عًلقة وطيدة بين األمر (التو اكل والكفاية) ا‬
‫شاكرا باكيًا فرحةً بنصره وكفايته سبحانه‪.‬‬
‫ً‬ ‫تخر ساجدًا‬ ‫ً‬
‫مذهوّل ا‬ ‫منصورا‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫بحق كفاك كفاية تجعلك‬

‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا فَ ُه َو َح ْسبُهُ﴾‬ ‫﴿و َم ْن َيت ََو َّك ْل َ‬
‫سبب كفاية هللا لعبده؛ قال ‪ -‬تعالى ‪َ :-‬‬
‫ُ‬ ‫• فالتو ُّكل على هللا‬
‫القلب على هللا في‬ ‫[الطًلق‪]3 :‬؛ أي‪ :‬كافيه ك َّل أموره ال ادِينيَّة والدنيويَّة‪ ،‬والتو ُّكل هو اعتماد ْ‬
‫حصول المطلوب‪ ،‬ود ْفع المكروه‪ ،‬مع ال ِثاقة به‪ ،‬وف ْعل األسباب المأذون فيها شر ً‬
‫عا‪.‬‬

‫َّللا فَ ُه َو َح ْ‬
‫سبُهُ﴾‬ ‫علَى َّ ِّ‬
‫﴿و َم ْن َيت َ َو َّك ْل َ‬
‫َ‬
‫بعض السلف‪ :‬جعل هللا تعالى لك ِال عمل جزا ًء من جن ِسه‪ ،‬وجعل جزا َء التو اكل عليه َ‬
‫نفس‬ ‫ُ‬ ‫• قال‬
‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا فَ ُه َو َح ْسبُهُ﴾‪ ،‬ولم يقل‪ :‬نؤتِه كذا وكذا من األجْر‪ ،‬كما قال‬ ‫﴿و َم ْن يَت ََو َّك ْل َ‬ ‫كفايته لعبده؛ فقال‪َ :‬‬
‫كافي عبدِه المتو ِ اك ِل عليه‪ ،‬وحسبه وواقيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫سه سبحانه‬ ‫في األعمال؛ بل جعل نف َ‬
‫بقلبه على ر ِباه اعتمادًا قويًّا كامًلً في تحصيل‬ ‫بأن اعتمد ْ‬ ‫حق التو اكل ِ‬ ‫فلو تو َّكل العب ُد على ر ِباه َّ‬
‫حصلت له الكفاية‪ ،‬وأت َّم هللا له أحوالَه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫سن ظنُّه برباِه‪،‬‬ ‫سه‪ ،‬وح ُ‬ ‫مضاره‪ ،‬وقويت نف ُ‬ ‫ِا‬ ‫مصالحه‪ ،‬ود ْفع‬
‫وسدَّده في أقواله وأفعاله‪ ،‬وكفاه ه َّمه‪ ،‬و َجًلَ غ َّمه‪ ،‬فهناك ّل تسأل عن ك ِال أمر يتيسَّر‪ ،‬وص ْع ٍ‬
‫ب‬
‫ت تنزل‪ ،‬ونِ ٍقم تُدفع‪،‬‬
‫ب تزول‪ ،‬وأحوا ٍل وحوائ َج تُقضى‪ ،‬وبركا ٍ‬ ‫ب تهون‪ ،‬وكرو ٍ‬ ‫يسهل‪ ،‬وخطو ٍ‬
‫وشرور تُرفع‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪13‬‬
‫وي أناه ﷺ قال‪:‬‬
‫• وقد ُر َ‬
‫َّللا َّ‬
‫عز وجلَّ]‪.‬‬ ‫[من استَكفى كفاهُ َّ ُ‬
‫ِّ‬

‫ًّ‬
‫وعزا‪ ،‬اكتفى‬ ‫ونصرا‬
‫ً‬ ‫ظا وكًلءةً‪،‬‬ ‫شا‪ ،‬وحف ً‬
‫أن هللا هو الكافي عبا َده ِرزقًا ومعا ً‬
‫ع ِلم العب ُد َّ‬
‫فإذا َ‬
‫والرغبةُ إّل إليه‪ ،‬ف َمن وقع في ِشدَّة وضيق‪،‬‬
‫بمعونته ع َّمن سواه‪َ ،‬و َو َجب أّلَّ يكون الرجاء إّل فيه‪َّ ،‬‬
‫فليطلبْ من هللا الكفايةَ َّ‬
‫فإن هللا يكفيه‪.‬‬

‫[الله ّم اكفنيهم بما شئت]‬


‫فعليك الدعاء بِاسم هللا الكافي بأن تسأله أن يكفيك ما أخافك وأه امك‪ ..‬ففي قصة الغًلم المؤمن مع‬
‫الملك الظالم‪:‬‬
‫مضطر مؤمن] أي‪ :‬اكفنيهم بالذي‬ ‫ا‬ ‫(فل َّما ه ُّموا أن يطرحوه‪ ،‬قال‪ :‬اللهم اكفنيهم بما شئتَ [دعوة‬
‫تشاء ولم يُعياِن‪ ،‬فرجف هللا بهم الجب َل فسقطوا وهلكوا‪ ،‬وجاء الغًلم إلى الم ِلك الظالم‪ ،‬فقال الملك‪:‬‬
‫ما الذي جاء بك؟ أين أصحابك؟! فقال الغًلم‪ :‬قد كفانيهم هللا)‪.‬‬

‫س ِّمي ُع ا ْل َع ِّلي ُم﴾‬


‫َّللا َوهُ َو ال َّ‬ ‫﴿فَ َ‬
‫س َي ْك ِّفي َك ُه ُم َّ ُ‬
‫إن هللا سميع عليم‪ ..‬يسمع دعاءك ونداءك واستغاثتك به سبحانه ويعلم حالك من قبل أن تدعوه‬ ‫ا‬
‫شر‬
‫أصًل‪ ..‬فسيكفيك هللا كل ما أه امك ودعوت به‪ ،‬فيُشرع للعبد أن يسأل هللا الكافي أن يكف َيه َّ‬ ‫ً‬
‫َّللا َوه َُو الس َِّمي ُع ْال َع ِلي ُم﴾ [البقرة‪،]137 :‬‬
‫س َي ْك ِفي َك ُه ُم َّ ُ‬
‫األعداء؛ قال ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬فَ َ‬
‫شر فًلن‪ ،‬الذي ظلَمه أو آذاه‪ ،‬روى اإلمام أحمد في مسنده من حديث أبي‬ ‫فيقول‪ :‬يا كافٍ ‪ ،‬اكفني َّ‬
‫أن النبي ﷺ كان إذا خاف ِمن رج ٍل أو ِمن قوم‪ ،‬قال‪[ :‬الله َّم إني أجعلك في‬ ‫موسى رضي هللا عنه‪َّ :‬‬
‫نحورهم‪ ،‬وأعوذ بك ِمن شرورهم]‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ي في صحيحه من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪[ :‬حسبُنا هللا و ِنعم الوكيل]‬ ‫وروى البخار ُّ‬
‫قالها إبراهيم عليه السًلم حين أ ُ ْل ِقي في النار‪ ،‬وقالها مح َّمد ﷺ حين قالوا‪ِ ﴿ :‬إ َّن النَّ َ‬
‫اس قَ ْد َج َمعُوا‬
‫َّللا َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل ﴾ [آل عمران‪.]173 :‬‬
‫لَ ُك ْم فَا ْخش َْوهُ ْم فَزَ ا َدهُ ْم إِي َمانًا َوقَالُوا َح ْسبُنَا َّ ُ‬
‫‪14‬‬
‫لماذا يبتليك هللا‪..‬؟!‬
‫ا‬
‫[إن هللا إذا أحبَّ عبدًا ابتًله]‬
‫لو لم يُحببك هللا سبحانه لما ابتًلك‪ ..‬فاصبر‪..‬‬

‫أحب قو ًما ابتالهم‪ ،‬فمن‬


‫َّ‬ ‫البالء؛ وإ َّن َ‬
‫هللا تعالى إذا‬ ‫ِّ‬ ‫الجزاء مع ِّع َ‬
‫ظ ِّم‬ ‫ِّ‬ ‫روي أناه ﷺ قال‪[ :‬إ َّن ِّع َ‬
‫ظ َم‬ ‫َ‬ ‫•‬
‫ط]‪.‬‬‫سخ ُ‬‫سخط فله ال ُّ‬
‫الرضَى‪ ،‬و من ِّ‬ ‫ي فله ِّ ّ‬‫رض َ‬

‫عا له راجيًا لرحمته دون سخط أو جزع‪ ،‬ولتعلم أناه يحبك ا‬


‫وأن‬ ‫متضر ً‬
‫ِا‬ ‫فلتصبر ولتقف بباب هللا‬
‫هذا الضيق واّلبتًلء إناما هو من عًلمات حباه لك سبحانه‪ ،‬فالشدائد التي تصيب المسلم بالرغم‬
‫أن هللا يكفار‬
‫ان هللا سبحانه يرحم بها عباده فمن حكمته سبحانه فيها‪ :‬ا‬ ‫من أناها مكروهة للنفس‪ ،‬اإّل ا‬
‫المكروب إلى التوبة‪ ،‬ويلجأ إلى هللا‪ ،‬وينكسر بين‬
‫َ‬ ‫الكرب‬
‫ُ‬ ‫بها الخطايا‪ ،‬ويرفع بها الدرجات‪ ،‬ويدفع‬
‫يديه‪ ،‬وهذا اّلنكسار أحب إلى هللا من كثير من العبادات‪ ،‬أن ينكسر المخلوق هلل سبحانه‪ ،‬وأن‬
‫يشعر بذلاه أمام هللا‪ ،‬وأن يشعر بحاجته إلى رباه‪ ،‬وافتقاره إلى خالقه‪ ،‬فينقطع إلى الخالق ويترك‬
‫المخلوق‪ ،‬وهنا يتحقق التوحيد‪.‬‬

‫عا شاكيًا داعيًا راجيًا‪..‬‬ ‫عهُ]‪ ،‬فارفع يديك له تضر ً‬ ‫واعلم أناه‪[ :‬إذا أحبَّ هللاُ عبدًا ابتًلهُ ِليَ ْس َم َع تَ َ‬
‫ض ُّر َ‬
‫س ُج ْد َوا ْقتَ ِّرب}‪ ،‬فالعبد هو‬‫{وا ْ‬‫ولتكثر الدعاء في سجودك في ك ال صًلة لتقترب من هللا سبحانه َ‬
‫يب}‬ ‫سأَلَكَ ِّعبَادِّي َ‬
‫ع ِّنّي فَ ِّإ ِّنّي قَ ِّر ٌ‬ ‫{وإِّذَا َ‬‫الذي يبتعد‪ ،‬أ اما هللا سبحانه فقريبٌ ‪َ :‬‬
‫َان}‪ ،‬فماذا تنتظر بعد! اهرع للسجود والدعاء بين يديه‪.‬‬ ‫َّاع ِّإذَا َدع ِّ‬ ‫مجيبٌ لدعائك‪{ :‬أ ُ ِّج ُ‬
‫يب َدع َْوةَ الد ِّ‬
‫َّللا أَال إِّ َّن‬ ‫سو ُل َوالَّ ِّذينَ آ َمنُواْ َمعَهُ َمتَى نَ ْ‬
‫ص ُر ّ ِّ‬ ‫ساء َوالض ََّّراء َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّى يَقُو َل َّ‬
‫الر ُ‬ ‫ستْ ُه ُم ا ْلبَأْ َ‬
‫{ َّم َّ‬
‫َّللا قَ ِّر ٌ‬
‫يب}‬ ‫نَص َْر ّ ِّ‬

‫• يخبر تبارك وتعالى أناه ّل بد أن يمتحن عبا َده بالسراء والضراء والمشقاة كما فعل بمن قبلهم‪،‬‬
‫سناته الجارية‪ ،‬التي ّل تتغير وّل تتبدال‪ ،‬أن من قام بدينه وشرعه‪ّ ،‬ل بد أن يبتليه‪ ،‬فإن صبر‬‫فهي ُ‬
‫على أمر هللا‪ ،‬ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله‪ ،‬فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها‪،‬‬
‫ومن السيادة آلتها‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫أن التمكين والنصرة إناما تأتي على‬ ‫وليس اّلبتًلء تعذيب من هللا لعباده وإناما هو تذكير وتنبيه لهم ا‬
‫أعتاب اّلبتًلء والتمحيص‪ ،‬قال أحد تًلمذة اإلمام الشافعي هل يُم َّكن العبد أو يُبتلى؟ قال اإلمام‬
‫الشافعي‪ّ :‬ل يُم َّكن العبد حتى يُبتلى‪ ،‬ثم تًل قول هللا تعالى‪:‬‬
‫{و َج َع ْلنَا ِم ْن ُه ْم أَئِ َّمةً يَ ْهدُونَ بِأ َ ْم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫صبَ ُروا َوكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة ‪.]24 :‬‬ ‫َ‬

‫سا ٓ ُء َوٱلض ََّّرآ ُء‬ ‫س ْبت ُ ْم أَن تَ ْد ُخلُواْ ٱ ْل َجنَّةَ َولَ َّما َيأْ ِّتكُم َّمثَ ُل ٱلَّ ِّذينَ َخلَ ْواْ ِّمن قَ ْب ِّلكُم ۖ َّم َّ‬
‫ستْ ُه ُم ٱ ْل َبأْ َ‬ ‫{أَ ْم َح ِّ‬
‫يب}‬ ‫َّلل ۗ أَ َ ٓال ِّإ َّن نَص َْر ٱ َّ ِّ‬
‫َّلل قَ ِّر ٌ‬ ‫سو ُل َوٱلَّ ِّذينَ َءا َمنُواْ َمعَهُۥ َمتَ ٰى نَ ْ‬
‫ص ُر ٱ َّ ِّ‬ ‫لر ُ‬ ‫َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّ ٰى يَقُو َل ٱ َّ‬

‫س ْبت ُ ْم أَن تَ ْد ُخلُو ْا ٱ ْل َج َّنةَ َو َل َّما يَأْتِّكُم َّمثَ ُل ٱ َّل ِّذينَ َخلَ ْواْ ِّمن قَ ْب ِّلكُم} أي ّل يمكن‬
‫• هنا تقول اآلية‪{ :‬أَ ْم َح ِّ‬
‫أن تدخلوا الجنة اإّل إذا جاءكم من اّلبتًلء مثل من سبقكم من األمم وّل ب اد أن تُفتنوا وأن تُمحاصوا‬
‫يستحق أن يدخل الجنة‪ ،‬فًل تظنوا أناكم أمة متميزة عن‬ ‫ا‬ ‫ببأساء وضراء‪ ،‬ومن يثبت بعد ذلك فهو‬
‫غيركم في أمر اّلختبار‪ ،‬فأنتم لن تدخلوا الجنة بًل ابتًلء‪ ،‬بل على العكس سيكون لكم اّلبتًلء‬
‫على قدر النعماء‪.‬‬
‫أنتم ستأخذون مكانة عالية في األمم ولذلك ّل ب اد أن يكون ابتًلؤكم على قدر مكانتكم‪.‬‬

‫}أَل إِ َن نَص َْر ِ‬


‫للا قَ ِريب{‬
‫ناصر دينه والمؤمنين‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ي ُِريدُونَ أَ ْن ي ْ‬
‫ُط ِفئُوا‬ ‫ٌ‬ ‫أن هللا سبحانه‬ ‫شك فيه‪ ،‬ا‬ ‫• لنعلم يقينًا ّل ا‬
‫ور هللاِ بِأ َ ْف َوا ِه ِه ْم َويَأْبَى هللاُ إِّل أَ ْن يُتِ َّم نُ َ‬
‫ورهُ َولَ ْو ك َِرهَ الكَافِ ُرونَ ﴾ [التوبة‪.]32 :‬‬ ‫نُ َ‬

‫الظن الس َّْو ِء‪ ،‬كما قال اإلمام ابن القيم رحمه هللا‪[ :‬فمن ظن بأناه ّل‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الظن بخًلف ذلك‪ ،‬فهو من‬ ‫أ اما‬
‫يؤيد حزبه‪ ،‬ويعليهم‪ ،‬ويظفرهم بأعدائه‪ ،‬ويظهرهم عليهم‪ ،‬فقد ظن باهلل ظن السوء]‪.‬‬
‫فينبغي لنا أن نشيع روح التفاؤل‪ ،‬في مثل هذه األوقات القاسية‪ ،‬وأن ننبذ اليأس عنا مكانًا قصيًا‪،‬‬
‫يسرا‪ ،‬وهذا منهج أرشدنا‬
‫وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العسر ً‬ ‫بأن النصر مع الصبر‪ ،‬ا‬ ‫وأن نوقن ا‬
‫إليه نبينا ﷺ‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫}أَل ِإ َن نَص َْر ِ‬
‫للا قَ ِريب{‬
‫• مهما اشتدات المحن‪ ،‬وتكالب األعداء‪ ،‬ومساتنا البأساء والضاراء‪ّ ،‬ل ينبغي وّل يجوز أن يتسلل‬
‫اليأس والقنوط إلى نفوس المؤمنين‪ ،‬بوعد هللا‪ ،‬ونصره‪ ،‬وفرجه القريب‪ ،‬فالنصر آتٍ‪ ،‬آتٍ‪ ،‬وما‬
‫ذلك ببعيدٍ‪ ،‬وما ذلك على هللا بعزيز‪.‬‬
‫الفرج بعد الكرب والضيق‪ ،‬واليسر بعد العسر‪ ،‬والنصر بعد‬ ‫فسناة هللا تعالى في خلقه أن يأتي َ‬
‫ظنُّواْ أَنَّ ُه ْم قَ ْد ُك ِّذبُواْ جَاءهُ ْم نَ ْ‬
‫ص ُرنَا}‪ :‬هذه سناة‬ ‫س ُل َو َ‬
‫الر ُ‬
‫س ُّ‬‫ستَ ْيأ َ َ‬‫اليأس‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬حتَّى إِّذَا ا ْ‬
‫أن الخطوب تشتدا‪ ،‬واألخطار من كل جانب‪ ،‬حتى يفعل جميعهم كل اإلمكانيات فًل تفيد‪ ،‬إذا‬ ‫هللا‪ ،‬ا‬
‫صا)‪.‬‬‫بنصر هللا يأتي (أتى النصر عندما اشتدات األمور لكي ّل يكون النصر رخي ً‬

‫ص ْب ِّر}‬ ‫{وتَ َوا َ‬


‫ص ْوا ِّبال َّ‬ ‫َ‬
‫أن هللا سبحانه ما أمر بالتواصي بالصبر بين عباده كما جاء في سورة العصر‬ ‫• واعلم يا عبد هللا ا‬
‫تواص بالحق‪ ،‬لذلك عليك اأّل تحاور من يجعلك تحزن‬ ‫ٍ‬ ‫اإّل ألهمية ذلك ووقعه في النفس من‬
‫وتجزع وّل تصبر وإناما خالط من يشجعك على الصبر ويوصيك فيه‪ ،‬لذا أقسم سبحانه بأن‬
‫اإلنسان خاسر إّل الذين آمنوا وتواصوا بالحق فدلاوا بعضهم على هللا وذ اكروا بعضهم باهلل وأمروا‬
‫ضا‬‫بعضهم بالمعروف ونهوا بعضهم عن المنكر‪ ،‬ومضوا سويةً في طريق الحق‪ ،‬كما استثنى أي ً‬
‫سبحانه الذين مع كل ذلك تواصوا بالصبر‪ ،‬فإن السعي في طريق الحق يحتاج إلى صبر‪،‬‬
‫ص ۡواْ‬ ‫ص ۡواْ ِب ۡٱل َح ا ِ‬
‫ق َوت ََوا َ‬ ‫ع ِملُواْ ٱل َٰ َّ‬
‫ص ِل َٰ َح ِ‬
‫ت َوت ََوا َ‬ ‫سنَ لَ ِفي ُخ ۡس ٍر * ِإ َّّل ٱلَّذِينَ َءا َمنُواْ َو َ‬ ‫{ َو ۡٱل َعصۡ ِر* ِإ َّن ۡ ِ‬
‫ٱإلن َٰ َ‬
‫ص ۡب ِر} أأدركت أهمية هذه السورة اّلن ‪!..‬‬ ‫ِبٱل َّ‬

‫علَى َ‬
‫ع ِظ ِيم قَد ِْر ِه‬ ‫اصي ِب ْال َح ا ِ‬
‫ق؛ َد ِلي ٌل َ‬ ‫صب ِْر قَ ِرينًا ِللتَّ َو ِ‬
‫اصي ِبال َّ‬ ‫• قال الشوكاني‪َ :‬و ِفي َج ْع ِل التَّ َو ِ‬
‫علَ ْي ِه‪.‬‬ ‫علَى َما يَ ِح ُّق ال َّ‬
‫صب ُْر َ‬ ‫صابِ ِرينَ َ‬‫ب ال َّ‬ ‫َوفَخَا َم ِة ش ََرفِ ِه‪َ ،‬و َم ِزي ِد ثَ َوا ِ‬

‫ولهذا كان الصبر من اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬وّل إيمان لمن ّل صبر له‪ ،‬كما أنه ّل‬
‫س َما َحةُ]‪.‬‬
‫صب ُْر َوال َّ‬ ‫سو ُل ﷺ‪َ :‬ما ْ ِ‬
‫اإلي َما ُن؟ قَالَ‪[ :‬ال َّ‬ ‫سئِ َل َر ُ‬
‫جسد لمن ّل رأس له‪َ ،‬و ُ‬

‫‪17‬‬
‫يجري القضا ُء وحكم هللا نرضاهُ‬
‫والمرء يصب ُر إذعانًا لموالهُ‬
‫تأتي الحياة بأهوا ٍل ُم ّ‬
‫فزع ٍة‬
‫عظ ُم في البلوى عطاياهُ‬
‫وهللا يُ ِّ‬
‫ُحك ُم اإلله على الدنيا و ُزخرفها‬
‫أ ّن الفناء لمن فيها كتبناهُ‬

‫صبره‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ستَ ِّخ َّف َّنكَ الَّ ِّذينَ َال يُوقِّنُونَ ﴾ [الروم‪ ،]60 :‬ومن ق َّل يقينُه ق َّل‬
‫ق َو َال يَ ْ‬ ‫﴿فَا ْ‬
‫ص ِّب ْر ِّإ َّن َو ْع َد َّ ِّ‬
‫َّللا َح ٌّ‬
‫ب وعق ٍل‪ ،‬و َمن ّل يقين له وّل‬ ‫الصابر رزين؛ ألنه ذو لُ ا ٍ‬
‫ُ‬ ‫واستخف‪ ،‬فالموق ُن‬ ‫َّ‬ ‫خف‬ ‫ومن قل صبره َّ‬
‫صبر عنده؛ خفيف طائش‪ ،‬تلعب به األهواء والشهوات كما تلعب الرياح بالشيء الخفيف‪.‬‬

‫صبَ ْرت ُ ْم لَ ُه َو َخي ٌْر ِلل َّ‬


‫صابِ ِرينَ ﴾ [النحل‪.]126 :‬‬ ‫﴿ولَئِ ْن َ‬
‫• إ ّن الصبر َخ ْي ٌر ُكلُّهُ‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫• ﴿ َوأَ ْن تَ ْ‬
‫صبِ ُروا َخي ٌْر لَ ُك ْم ﴾ [النساء‪.]25 :‬‬

‫صب ِْر]‪.‬‬ ‫طا ًء َخي ًْرا لَهُ َوأَ ْو َ‬


‫س َع ِمنَ ال َّ‬ ‫ع َ‬ ‫• وقال ﷺ‪َ [ :‬ما أُع ِ‬
‫ْطي أَ َح ٌد َ‬

‫صابِ ِرينَ ﴾ [آل عمران‪:‬‬


‫َّللا ي ُِحبُّ ال َّ‬
‫﴿و َّ ُ‬ ‫• ولذلك أوجب هللا َم َحبَّتَهُ و َم ِعيَّتَه ُ‬
‫س ْب َحانَهُ للصابرين؛ فقال‪َ :‬‬
‫‪.]146‬‬
‫صا ِب ِرينَ ﴾ [األنفال‪.]46 :‬‬ ‫ص ِب ُروا ِإ َّن َّ َ‬
‫َّللا َم َع ال َّ‬ ‫﴿وا ْ‬
‫• َ‬

‫َّاري ِْن؛ ِألَنَّ ُه ْم نَالُوا ِمنَ َّ‬


‫َّللاِ َم ِعيَّتَهُ؛ فَإِ َّن َّ َ‬
‫َّللا َم َع‬ ‫صابِ ُرونَ بِ ِع ِ از الد َ‬ ‫ي ٍ ال َّدقَّا ُق‪ :‬فَازَ ال َّ‬ ‫• قَا َل أَبُو َ‬
‫ع ِل ا‬
‫س ِن َما كَانُوا َي ْع َملُونَ ﴾ [النحل‪]96 :‬‬ ‫ص َب ُروا أَج َْرهُ ْم ِبأ َ ْح َ‬ ‫﴿ولَنَج ِْز َي َّن الَّذِينَ َ‬
‫صا ِب ِرينَ ‪َ ،‬‬‫ال َّ‬

‫‪18‬‬
‫ص َب ُروا َجنَّةً َو َح ِر ً‬
‫يرا﴾ [اإلنسان‪.]12 :‬‬ ‫﴿و َجزَ اهُ ْم ِب َما َ‬
‫• َ‬
‫صا ِب ِرينَ ﴾ [البقرة‪.]155 :‬‬ ‫﴿و َب ِ ا‬
‫ش ِر ال َّ‬ ‫• َ‬

‫• قال ابن الجوزي رحمه هللا‪ :‬واعلم ا‬


‫أن زمان اّلبتًلء ضيف قِراهُ الصبر‪.‬‬

‫لباس‪ ،‬وإناها أيا ٌم قًلئل‪.‬‬


‫ولباس دون ٍ‬
‫ٌ‬ ‫طعام‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫• كما قال أحمد بن حنبل‪ :‬إناما هو طعا ٌم دون‬

‫ق عباد هللا‪ ..‬وتواصوا بالصبر‪..‬‬


‫فتواصوا بالح ِ‬

‫[النصر مع الصبر]‬

‫{ولَ َّما بَ َر ُزوا ِّلجَالُوتَ َو ُجنُو ِّد ِّه قَالُوا َربَّنَا أَ ْف ِّر ْغ َ‬
‫علَ ْينَا‬ ‫• قال ‪-‬تعالى‪ -‬عن الفئة المؤمنة مع طالوت‪َ :‬‬
‫علَى ا ْلقَ ْو ِّم ا ْلكَافِّ ِّرين}‪[ .‬البقرة‪.]250:‬‬ ‫صب ًْرا َوثَ ِّبّتْ أَ ْقدَا َمنَا َوان ُ‬
‫ص ْرنَا َ‬ ‫َ‬

‫• ففي دعائهم {أفرغ علينا صبرا} ثم {انصرنا على القوم الكافرين} دليل ا‬
‫أن النصر مع الصبر‪،‬‬
‫وأن الصبر ألهميته فقد دعوا أن يفرغ هللا عليهم الصبر إفرا ً‬
‫غا فانتصروا بعدها‪.‬‬ ‫ا‬

‫فارتبطت نصرة هللا لعباده مع تصبيره لهم سبحانه إذ دعوه بالصبر ً‬


‫أوّل ث ام النصر‪ ،‬وبهذا يدعو‬
‫ت ّل محالة لكن المهم أن يأتي والعبد‬
‫المهموم والمكروب بالصبر والفرج‪ ،‬فالنصر والفرج آ ٍ‬
‫صابر محتسب‪.‬‬

‫صبْر"(الترمذي)‪.‬‬ ‫"وا ْعلَ ْم أَ َّن النَّ ً‬


‫ص َر َم َع ال َّ‬ ‫• ومفتاح النصر الصبر؛ كما في الحديث‪َ :‬‬

‫‪19‬‬
‫األرت رضي هللا عنه إلى النبي ﷺ مكروب النفس‪ ،‬محزون الصدر‪ ،‬قلق‬ ‫اِ‬ ‫• حين أتى خبَّاب بن‬
‫الخاطر‪ ،‬من شدة ما ّلقى من المشركين‪ ،‬فوجد النبي ﷺ متوسدًا ب ُْر َدةً في ظل الكعبة‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول هللا‪ ،‬أّل تستنصر لنا؟! أّل تدعو هللا لنا؟! فقعد وهو محمر وجهه‪ ،‬فقال‪[ :‬لقد كان َمن قبلكم‬
‫شط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب‪ ،‬ما يصرفه ذلك عن دينه‪ ،‬ويوضع‬ ‫ليم َّ‬
‫ا‬
‫وليتمن هللا هذا األمر حتى‬ ‫مفرق رأسه‪ ،‬فيشق باثنين‪ ،‬ما يصرفه ذلك عن دينه‪،‬‬‫المنشار على ِ‬
‫والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم‬ ‫َ‬ ‫هللا‪،‬‬
‫يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إّل َ‬
‫تستعجلون]‪.‬‬

‫فتأ امل كيف فاجأ النبي الكريم ﷺ أصحابه بهذا الخبر الذي تتهلل له الوجوه بشرى‪ ،‬وتتدفق‬
‫سرورا‪ ،‬في ظ ال هذا الضغط الرهيب من المشركين‪ ،‬الذي جعل بعض النفوس تستبطئ النصر‪.‬‬‫ً‬

‫ي اإّل واستبشرت وتفاءلت وتو اكلت عليه سبحانه‪ ،‬كيف ّل وهللا‬ ‫ما إن تعلم ا‬
‫أن هللا هو النصير والول ا‬
‫سبحانه يقول‪:‬‬

‫اَّلل هُ َو َم ْو َال ُك ْم فَ ِّن ْع َم ا ْل َم ْولَ ٰى َو ِّن ْع َم النَّ ِّصي ُر ﴾ [الحج‪.]٧٨ :‬‬


‫﴿ َوا ْعتَ ِّص ُموا ِّب َّ ِّ‬
‫وألن النصر من عند هللا وحده سبحانه يطمئنك هللا النصير سبحانه أناك إن تو اكلت عليه‬
‫ا‬
‫واعتصمت به فهو موّلك‪ ،‬ثم يثني على نفسه سبحانه حيث يقول‪ :‬نعم المولى ونعم النصير‪..‬‬
‫توّلك سبحانه نصرك‪ ..‬وإن نصرك‬ ‫يتوّلك هللا‪ ..‬فإن ا‬
‫وأنت في هذه الحياة ّل تحتاج أكثر من أن ا‬
‫وألن نصر هللا مرتبط بتولاي هللا للعبد فعليك أن تعلم معنى ومقتضى‬ ‫ا‬ ‫فكأناك ملكت الدنيا وما فيها‪..‬‬
‫ي‬
‫دعو بهما بكامل يقينك‪ :‬الله ام يا نصير انصرني‪ ..‬الله ام يا ول ا‬
‫هذين اّلسمين (النصير والولي) لت َ‬
‫تولاني‪..‬‬
‫فقد أمرك هللا سبحانه بذلك حيث قال‪{ :‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}‪.‬‬
‫نعم النصير‪..‬‬
‫إ ّن هللا النصير سبحانه هو الذي ينصر عباده المؤمنين‪ ،‬ويثبات أقدامهم‪ ،‬ويلقي الرعب في قلوب‬
‫أعدائهم‪ ،‬فاهلل تعالى مولى المؤمنين‪ ،‬وناصرهم‪ ،‬وهو خير الناصرين‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫• يقتضي اسم هللا النصير اعتقاد المؤمن أن من كان هللا تعالى ناصره فًل ينبغي أن يخيفه مخلوق‬
‫سلَنَا َوالَّ ِّذينَ‬ ‫ع َد أولياءه المؤمنين بالنصر‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬إِّنَّا لَنَن ُ‬
‫ص ُر ُر ُ‬ ‫ألن هللا تعالى َو َ‬ ‫مهما كان‪ ،‬ا‬
‫شهَا ُد ﴾ [غافر‪َ ،]٥١ :‬و َو ْعدُه سبحانه حق وصدق‪ ،‬فالنصر‬ ‫آ َمنُوا فِّي ا ْل َحيَا ِّة ال ُّد ْنيَا َويَ ْو َم يَقُو ُم ْاْل َ ْ‬
‫آجًل نسأل هللا النصير أن يعجال بنصره لنا‪..‬‬ ‫عاجًل أم ً‬ ‫ً‬ ‫ت‬
‫آ ٍ‬

‫• والنصير سبحانه‪ :‬هو الموثوق منه بأن ّل يُسلام ولياه وّل يخذله‪ ،‬وهو المعين والمؤيد سبحانه‬
‫ألوليائه وعباده الصالحين‪.‬‬

‫• ومن نصرته لعباده‪ :‬أن يحفظهم من أعدائهم‪ ,‬وممن أراد بهم سو ًءا‪ ،‬كما في الحديث القدسي‬
‫عا َدى لي َو ِليًّا فَقَ ْد آذَ ْنتُهُ ِب ْال َح ْر ِ‬
‫ب"(البخاري)‪.‬‬ ‫الصحيح‪َ " :‬م ْن َ‬

‫الله ام يا نصير انصرنا على من عادانا وّل تجعل لهم علينا سبيًل‪..‬‬

‫• وعن أنس بن مالك ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬كان النبي ﷺ إذا غَزَ ا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يري‪ِّ ،‬بكَ أَ ُحو ُل‪َ ،‬و ِّبكَ أَ ُ‬
‫صو ُل‪َ ،‬و ِّبكَ أُقَا ِّت ُل]‪(.‬صحيح أبي داود)‪.‬‬ ‫ضدِّي َونَ ِّص ِّ‬ ‫[اللَّ ُه َّم أَ ْنتَ َ‬
‫ع ُ‬

‫• ومن نصرته لعباده المؤمنين‪ :‬أن يوفقهم لطاعته‪ ،‬ويحفظهم من الذنوب والمعاصي‪ ،‬ويرزقهم‬
‫الثبات عند الشدائد والمحن‪ ,‬ومواجهة األعداء‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪ -‬عن الفئة المؤمنة مع طالوت‪:‬‬
‫علَى ا ْلقَ ْو ِّم‬ ‫صب ًْرا َوثَبِّّتْ أَ ْقدَا َمنَا َوان ُ‬
‫ص ْرنَا َ‬ ‫{ولَ َّما بَ َر ُزوا ِّلجَالُوتَ َو ُجنُو ِّد ِّه قَالُوا َربَّنَا أَ ْف ِّر ْغ َ‬
‫علَ ْينَا َ‬ ‫َ‬
‫ا ْلكَافِّ ِّرين}‪[ .‬البقرة‪.]250:‬‬

‫• ومن صور نصرته لعباده‪ :‬أن يحقق لهم آمالهم ومقاصدهم الصحيحة التي سعوا فيها‪ ،‬وبذلوا‬
‫الجهد في تحصيل أسبابها‪.‬‬
‫• ومن نصرته لعباده‪ :‬أن يهلك عدوهم‪ ،‬ويدفع شره عنهم‪ ،‬ويكفيهم كيده‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫س ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى يجعل العبد مهما‬ ‫علَى الحق‪ ،‬النصير ُ‬ ‫س ْب َحانَهُ يُلهم النفوس المؤمنة ثباتًا َ‬
‫• النصير ُ‬
‫كانت أوضاعه في ضعفٍ ‪ ،‬وظروفه في ضيق‪ ،‬يجعله بثباته وقوته الَّتِي يمده بها ُ‬
‫س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى‬
‫أكثر قوةً فينتصر‪.‬‬

‫عاء‪ ،‬واستنزال‬ ‫ب النصير مع استشعار هذَا المعنى‪َ ،‬والتَّ َوسُّل به في ال ُّد َ‬ ‫إن باّللتجاء ِإلَى َّ‬
‫الر ا ِ‬ ‫• ا‬
‫ع َّز َو َج َّل بأعلى مراتبه‪ ،‬وبأوسع مفاهيمه‪ ،‬يكتب ألهل اإليمان حياةً ملؤها السعادة‬ ‫النصر من هللا َ‬
‫س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى‪.‬‬
‫نصير ُ‬
‫ٍ‬ ‫عظيم‬
‫ٍ‬ ‫لرب‬
‫اٍ‬ ‫تعظيم‬
‫ٍ‬ ‫والثقة والثبات‪ ،‬المنطلق من‬

‫ع َد هللا عباده بنصره‪ ،‬وهو متحقق ّل محالة‪ ،‬للمؤمنين الذين يثبتون أمام الفتن‬ ‫• فيا عبد هللا‪ ..‬و َ‬
‫والمحن‪ ،‬يثبتون على البأساء والضراء‪ ،‬يصمدون للزلزلة واّلبتًلء‪ ،‬الذين يعلمون أن ّل ناصر‬
‫يم)[آل عمران‪ ،]126 :‬فتو اكلوا على هللا سبحانه‬ ‫يز ا ْل َح ِّك ِّ‬
‫َّللا ا ْلعَ ِّز ِّ‬
‫ص ُر ِّإ َّال ِّم ْن ِّع ْن ِّد َّ ِّ‬‫(و َما النَّ ْ‬
‫إّل هللا؛ َ‬
‫حق التو اكل وادعوه بأسمائه الحسنى‪ ..‬الله ام يا نصير انصر وتولانا وارحمنا‪ ..‬اللهم يا نصير‬ ‫ا‬
‫انصرنا على من عادانا وأراد بنا سو ًءا أو كيدا‪ ..‬الله ام يا كافي اكفناهم بما شئت‪..‬‬
‫{و ِّإ ْن تَ َو َّل ْوا فَا ْع َل ُموا أَ َّن َّ َ‬
‫َّللا َم ْو َال ُك ْم نِّ ْع َم ا ْل َم ْو َلى َونِّ ْع َم ال َّن ِّصي ُر} [اْلنفال‪. ]40:‬‬ ‫َ‬

‫• فمهما تولاى عنك البشر وخذلوك فالجأ إلى ربا البشر واستبشر فإناه سبحانه يطمئن قلبك بأعظم‬
‫بشرى إذ أناه يخبرك سبحانه ويقول لك أناه إن تولاوا عنك فاطمئن واعلم أناه هو موّلك وهو نعم‬
‫المولى‪ ،‬وأناه هو ناصرك وهو نعم النصير سبحانه‪.‬‬

‫ومن كان هللا سبحانه ناصره فًل ينبغي أن يخيفه مخلوق مهما كان‪ ،‬ا‬
‫ألن هللا تعالى وعد أولياءه‬
‫حق وصدق سبحانه‪ ،‬وإناه من كان هللا سبحانه ولياه فماذا يخشى!‬
‫المؤمنين بالنصر‪ ،‬ووعده ا‬

‫وهنا سأذهب بك لتدبار اسم هللا الولاي ففيه ستستبشر أكثر فأكثر‪..‬‬

‫‪22‬‬
‫{ فَا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ‬
‫َّللا َم ْو َال ُك ْم ِّن ْع َم ا ْل َم ْولَى َو ِّن ْع َم النَّ ِّصي ُر }‬

‫إن كفايةَ هللا تعالى للعبد في آيات القرآن الكريم يص َحبُها ِمن أسمائه الحسنى ما يج َعل العبد في‬
‫• ا‬
‫هللا (الحسيب ‪ -‬الولي ‪ -‬النصير ‪ -‬العليم ‪ -‬الشهيد ‪-‬‬
‫استقرار تام‪ ،‬بل في اعتزاز وفخر وكرامة بأن َ‬
‫الوكيل ‪ -‬الخبير ‪ -‬البصير ‪ -‬السميع) يَكفيه ويتولى أمره‪ ،‬ويد ِبار شؤونه‪.‬‬

‫{ فَا ْعلَ ُموا أ َ َّن َّ َ‬


‫َّللا َم ْو َال ُك ْم ِّن ْع َم ا ْل َم ْولَى َو ِّن ْع َم النَّ ِّصي ُر }‬

‫ي جل جًلله‪ :‬له الوّليةُ العامة على جميع الخًلئق بالتدبير واإلصًلح ِ ا‬


‫والرزق‪ ،‬والوّلية‬ ‫• الول ا‬
‫الخاصة ألوليائه بالعناية والنُّصرة‪ ،‬والحفظ وال ِعصمة‪.‬‬

‫يتوّلك وينصرك‪ ،‬ففي هذه‬‫• وقد ارتبطت نصرته بوّليته سبحانه‪ ،‬فعليك أن تسأل هللا سبحانه أن ا‬
‫ا‬
‫وسيتوّلك ثم أثنى سبحانه على نفسه إذا قال نِعم المولى‪..‬‬ ‫شرك هللا سبحانه أناه موّلك‬
‫اآلية ب ا‬
‫واقترنت وّليته بنصرته إذ قال سبحانه‪ :‬نعم المولى ونعم النصير‪.‬‬

‫َّللا فَ ْليَتَ َو َّك ِّل ا ْل ُم ْؤ ِّمنُونَ ﴾‬


‫علَى َّ ِّ‬
‫َّللا لَنَا هُ َو َم ْو َالنَا َو َ‬
‫ب َّ ُ‬‫﴿ قُ ْل لَ ْن يُ ِّصيبَنَا ِّإ َّال َما َكتَ َ‬
‫• {هو موّلنا} هو سبحانه سيدنا وملجؤنا‪..‬‬
‫فحس ُن ظناهم باهلل بأناه موّلهم جعلهم ّل يخشون شيئًا يصيبهم وّل من أي مخلوق ّل بشر وّل‬
‫غيره‪ ،‬بل كان إيمانهم في أعلى درجاته ألناهم أضافوا إلى حسن الظن باهلل حسن التو اكل عليه‬
‫ا‬
‫بحق‪.‬‬

‫َّللا فليتوكل المؤمنون} ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ .‬ا‬
‫فإن عباد هللا إن‬ ‫• {وعلى ا‬
‫يتوكلوا عليه‪ ،‬ولم ير ُجوا النصر من عند غيره‪ ،‬ولم يخافوا شيئًا غيره‪ ،‬يكفهم أمورهم‪ ،‬وينصرهم‬
‫على من بغاهم وكادهم‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫أن التو اكل على هللا سبحانه وعدم التعلاق بالمخلوقات هو سبب كل نصر‬ ‫• وهنا إشارة جديدة ا‬
‫َّللا فَ ْليَتَ َو َّك ِّل‬
‫علَى َّ ِّ‬ ‫ا‬
‫فيتوّلك وينصرك‪{ ،‬هُ َو َم ْو َالنَا َو َ‬ ‫وفرج وفيها يرزقك هللا سبحانه وّليته‬
‫ا ْل ُم ْؤ ِّمنُونَ }‪.‬‬

‫وقد اقترن اسم (الولي والمولى) بـ (النصير) حيث هللا وحده المأمول في النصر والمعونة؛ فوّلية‬
‫هللا ُم َح ِققَةٌ للنَّصر والفوز‪.‬‬

‫ي والمولى وأثرهما‪ :‬يقتضي هذان اّلسمان استشعار وّلية هللا تعالى‬ ‫• مقتضى اسمي هللا الول ا‬
‫للكون ولسائر المخلوقات‪ ،‬فهو المدباِر والمتصرف والقائم بشؤونهم جميعاً‪ ،‬وّل َ‬
‫قيام ألح ٍد في هذا‬
‫أن المؤمن يستشعر وّلية خاصة من هللا تعالى‬‫الكون اإّل بوّليته سبحانه وتعالى‪ ،‬إضافة إلى ا‬
‫جزاء إيمانه به وطاعته له ج َّل وعًل‪.‬‬

‫فاستبشر أيها العبد المؤمن‪:‬‬


‫َّللا َم ْولَى الَّ ِّذينَ آَ َمنُوا َوأَ َّن ا ْلكَافِّ ِّرينَ َال َم ْولَى لَ ُه ْم}‪.‬‬
‫{ذَ ِّلكَ بِّأ َ َّن َّ َ‬

‫إن هللا سبحانه مولى عباده المؤمنين‪ ،‬وهو نعم المولى لمن َّ‬
‫توّله ونعم النصير لمن استنصره؛ {‬ ‫ا‬
‫َّللا َم ْو َال ُك ْم َوهُ َو َخ ْي ُر النَّ ِّ‬
‫اص ِّرينَ }‬ ‫َب ِّل َّ ُ‬

‫هللا َم ْوالنَا ]‬
‫[ ُ‬
‫ع َّزى ل ُكم» قال الرسول ﷺ ألصحابه‪« :‬أجيبُوهُ» قَالوا‪:‬‬ ‫• حينما قال أبو سفيان‪« :‬لَنا ْالعُ َّزى َوّلَ ُ‬
‫هللا َم ْوّلنَا َوّلَ َم ْولَى لَ ُك ْم» ( البخاري) ‪.‬‬
‫«ما نَقُولُ؟» قال‪« :‬قُولوا ُ‬

‫ت نَ ْف ِسي تَ ْق َواهَا‪َ ،‬وزَ ِ اك َها أَ ْنتَ َخي ُْر َم ْن زَ َّكاهَا‪ ،‬أَ ْنتَ َو ِّل ُّيهَا َو َم ْوالَ َها]‪.‬‬
‫• وكان النبي ﷺ يقول‪[ :‬اللَّ ُه َّم آ ِ‬
‫رواه مسلم في صحيحه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ي ا ْلح َِّميدُ﴾ [الشورى‪.]٢٨ :‬‬
‫ش ُر َر ْح َمتَهُ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ‬ ‫ْث ِّمن بَ ْع ِّد َما قَنَ ُ‬
‫طوا َويَن ُ‬ ‫﴿وهُ َو الَّذِّي يُنَ ِّ ّز ُل ا ْلغَي َ‬
‫َ‬

‫يتوّلك ا‬
‫فينزل الغيث والفرج عليك بعد ما كدت تقنط وتيأس‪ ،‬وينشر رحمته‬ ‫سبحانه الولي الحميد ا‬
‫عليك وعلى أهلك وأحبتك ألناه الول ا‬
‫ي الحميد سبحانه‪.‬‬

‫ي ا ْلح َِّميدُ﴾‬
‫ش ُر َر ْح َمتَهُ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ‬ ‫ْث ِّمن بَ ْع ِّد َما قَنَ ُ‬
‫طوا َويَن ُ‬ ‫﴿وهُ َو الَّذِّي يُنَ ِّ ّز ُل ا ْلغَي َ‬
‫َ‬

‫طعت بهم اآلمال‪ ،‬وأيقنوا بالبوار‬ ‫• ها هم عباد هللا قد رغبوا إلى هللا‪ ،‬وضجاوا بالدعاء حتى تق ا‬
‫ناشرا آثار رحمة هللا في فجاج األرض‬ ‫ً‬ ‫والهًلك‪ ،‬وإذا بالغيث يفجؤهم من السماء مدرارا‪،‬‬
‫وشعابها؛ لتحيي األرض والنفوس واألرواح‪ ،‬بعد يأسها وموتها‪ ،‬وكم هو جميل أن تختم اآلية‬
‫باسمي هللا‪" :‬الولي الحميد"‪ ،‬فهو سبحانه ولي العباد وحده‪ ،‬الذي تكفال بهم وتولاى أمرهم في كل‬
‫آن‪.‬‬
‫ي ا ْلح َِّمي ُد ﴾‬
‫ش ُر َر ْح َمتَهُ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ‬ ‫ْث ِّمن بَ ْع ِّد َما قَنَ ُ‬
‫طوا َويَن ُ‬ ‫﴿ َوهُ َو الَّذِّي يُنَ ِّ ّز ُل ا ْلغَي َ‬

‫ضارا وناف ًعا في وقته وغير وقته‪.‬‬


‫ً‬ ‫والغيث ما كان ناف ًعا في وقته‪ ،‬والمطر قد يكون‬

‫ث ِّم ْن َب ْع ِّد َما قَنَ ُ‬


‫طوا} قال قتادة‪ :‬القنوط اإلياس‪.‬‬ ‫{وهُ َو الَّذِّي يُنَ ِّ ّز ُل ا ْلغَ ْي َ‬
‫قوله عز وجل‪َ :‬‬

‫• قيل لعمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ :‬جدبت اْلرض وقنط الناس فقال‪ُ :‬مطروا إذن‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ي ا ْلح َِّمي ُد }‬
‫{ َوهُ َو ا ْل َو ِّل ُّ‬
‫ي هو من يتولاى أمرك ويتدبار شؤونك أنت وغيرك‪ ،‬فهو عام للجميع‪ ،‬أ اما (المولى)‪ ،‬فهو من‬ ‫الول ا‬
‫تحتمي به وتركن إليه وتعتمد عليه في جميع أحوالك‪.‬‬

‫• {هُ َو ا ْل َو ِّل ُّ‬


‫ي} الذي يتولّى عباده بأنواع التدابير‪ ،‬ويتولّى القيام بمصالح دينهم ودنياهم‪.‬‬
‫{ال َح ِميدُ} في وّليته وتدبيره‪ ،‬الحميد على ما له من الكمال‪ ،‬وما أوصله إلى خلقه من أنواع‬ ‫• ْ‬
‫اإلفضال‪.‬‬
‫ي بالحميد]‬
‫[اقتران الول ّ‬
‫لم يرد مطلقًا ّإال في هذا الموضع مقترنًا بـ(الحميد)‪ ،‬وورد منفردًا في سورة الشورى أيضًا‪{ :‬أَ ِّم‬
‫ش ْيءٍ قَدِّي ٌر}‬ ‫ي َوهُ َو يُ ْح ِّيي ا ْل َم ْوتَ ٰى َوهُ َو َ‬
‫علَ ٰى ُك ِّ ّل َ‬ ‫اتَّ َخذُوا ِّمن دُو ِّن ِّه أَ ْو ِّل َيا َء فَ َّ ُ‬
‫اَّلل هُ َو ا ْل َو ِّل ُّ‬
‫(الشورى‪.)9:‬‬
‫ي الحميد) الذي تولّى شؤون‬ ‫ي) لم يقترن إال بـ(الحميد) فهو سبحانه (الول ّ‬ ‫إ ّن اسم هللا (الول ّ‬
‫فرغ العبد قلبه‬ ‫ي الحميد) ليُ ِّ‬ ‫ق أن يحمده جميع خلقه‪ ،‬واجتمع االسمان (الول ّ‬ ‫جميع خلقه فاستح ّ‬
‫من غير هللا في تدبير شؤونه كلها‪ ،‬وفي قضاء حاجاته وتلبية دعائه ونصرته حال ضعفه‪،‬‬
‫ع ْب َدهُ}‬
‫َاف َ‬
‫َّللا بِّك ٍ‬
‫ْس َّ ُ‬ ‫ي الحميد) محمود في واليته‪ ،‬ويكفي عباده‪ ،‬فال حاجة لهم لغيره‪{ :‬أَلَي َ‬ ‫(الول ّ‬
‫يتوّلكم واحمدوه لتنالوا وّليته سبحانه‪.‬‬ ‫ي الحميد)‪ .‬فاسألوا هللا أن ا‬ ‫بلى إنّه هو (الول ّ‬
‫ي الَّ ِّذينَ آ َمنُواْ ) نصيرهم وظهيرهم‪ ،‬يتوّلهم بعونه‬‫َّللا َو ِّل ُّ‬
‫• قال ابن جرير في قوله تعالى‪ُ ّ ( :‬‬
‫وتوفيقه‪.‬‬

‫• وقال في قوله تعالى‪َ { :‬و َكفَى بِّ ّ ِّ‬


‫اَّلل َو ِّليًّا }‪ :‬أي وكفاكم وحسبكم باهلل ربكم وليًّا يليكم ويلي‬
‫يستفزكم أعداؤكم عن دينكم‪ ،‬أو يصداوكم عن اتباع‬‫ا‬ ‫أموركم باإلحاطة لكم‪ ،‬والحراسة من أن‬
‫نبيكم‪.‬‬

‫لذا عليك أن تدعوه سبحانه بِاسمه الولي‪ ..‬فما أعظم أن ا‬


‫يتوّلك هللا سبحانه‪!..‬‬

‫‪26‬‬
‫[وتَ َولَّنِّي فِّي َم ْن تَ َولَّيْتَ ]‬
‫َ‬

‫• كان من دعائه ﷺ‪[ :‬اللَّ ُه َّم ا ْه ِّدنِّي فِّي َم ْن َه َديْتَ ‪َ ،‬وعَافِّنِّي فِّي َم ْن عَافَيْتَ ‪َ ،‬وتَ َولَّنِّي فِّي َم ْن تَ َولَّيْتَ ‪،‬‬
‫اركْتَ َربَّنَا َوتَعَالَيْتَ ]‪.‬‬ ‫طيْتَ ‪َ ،‬وقِّنِّي ش ََّر َما ْق َ‬
‫ضيْتَ ‪ ،‬إِّنَّهُ ال يَ ِّذ ُّل َم ْن َوالَيْتَ ‪ ،‬تَبَ َ‬ ‫َوبَ ِّار ْك ِّلي فِّي َما أَ ْع َ‬

‫وعليك يا عبد هللا اأّل تخاف من أعداء هللا مهما كان عددهم وعدتهم‪ ،‬فقد قال سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫ف أَ ْو ِّليَاءهُ فَالَ تَ َخافُوهُ ْم َو َخافُ ِّ‬
‫ون إِّن كُنتُم ُّم ْؤ ِّمنِّينَ ) [آل عمران‪.]175:‬‬ ‫(إِّنَّ َما ذَ ِّل ُك ُم ال َّ‬
‫ش ْي َ‬
‫طا ُن يُ َخ ّ ِّو ُ‬
‫فأنتم أولياء الرحمن والرحمن سبحانه ولياكم وموّلكم وناصركم فكيف تخشون الخلق‬
‫وتهديداتهم‪!..‬‬

‫بل على العكس تما ًما يجب أن تزيدكم تهديداتهم ثباتًا ويقينًا بنصر هللا لكم مهما ألابوا وحشدوا‬
‫اس قَ ْد َج َمعُواْ لَ ُك ْم فَٱ ْخش َْوهُ ْم فَ َزا َدهُ ْم إِّي ٰ َمنًا‬ ‫عليكم فقد قال سبحانه {ٱلَّ ِّذينَ قَا َل لَ ُه ُم ٱلنَّ ُ‬
‫اس إِّ َّن ٱلنَّ َ‬
‫َّلل َو ِّن ْع َم ٱ ْل َو ِّكي ُل}‪.‬‬ ‫َوقَالُواْ َح ْ‬
‫سبُنَا ٱ َّ ُ‬
‫وقد تولاى هللا أمر مريم بنت عمران وهي في شداة الضيق والهم والخوف‪ ،‬لكن هللا تولاى أمرها‬
‫ألن الولاي سبحانه‬ ‫قري عينًا‪ ،‬ا‬ ‫ع ْينًا} ا‬ ‫وكذلك يتولاى الصالحين قال تعالى‪{ :‬فَ ُك ِّلي َواش َْربِّي َوقَ ِّ ّري َ‬
‫هو من يتولاى أمورك‪.‬‬
‫وعندما ُر ِزق إبراهيم عليه السًلم بالولد األول إسماعيل عليه السًلم أمره رباه بأن يهاجر من‬
‫فلسطين مع زوجته هاجر وابنه الرضيع إلى وا ٍد ّل ماء فيه وّل طعام وّل شجر‪ ،‬وّل يوجد فيه‬
‫أحد من البشر‪ ،‬حتى إذا وصل إلى ذلك المكان ترك زوجته وابنه الرضيع‪ ،‬وترك لهما ً‬
‫قليًل من‬
‫ت من التمر‪ ،‬وعاد بأمر رباه إلى فلسطين‪ ،‬فتبعته أم إسماعيل فقالت‪" :‬يا‬ ‫الماء وبعض حبا ٍ‬
‫مرارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫إبراهيم‪ :‬أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أحد وّل شيء فيه؟!"‪ ،‬قالت ذلك‬
‫ا‬
‫ويحن عليهما وينسى أمر رباه‪ ،‬فقالت له‪" :‬آهلل الذي‬ ‫وجعل ّل يلتفت إليها حتى ّل يتأثر بالعاطفة‬
‫أمرك بهذا؟!"‪ ،‬قال‪" :‬نعم"‪ ،‬قالت‪" :‬إذًا؛ ّل يضيعنا"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫يا لها من كلمة عظيمة تُنبئ عن إيمان عميق‪ ،‬وتو اكل عظيم‪ ،‬وثقة ّل حدود لها بالولي خالق‬
‫ي‬
‫األرض والسماوات! حتى إذا كان عند الثنية حيث ّل يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا الول ا‬
‫سكَنتُ ِّمن ذُ ّريَّتِّي ِّب َوا ٍد َ‬
‫غي ِّْر ذِّي َز ْر ٍ‬
‫ع‬ ‫{ربَّنَا ِّإنَّي أَ ْ‬
‫توّله‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬ ‫الذي ّل يضيع وّل يخذل من ا‬
‫اس تَ ْه ِّوى إِّلَ ْي ِّه ْم َو ْر ُز ْق ُه ْم ّمنَ الثَّ َمرا ِّ‬
‫ت‬ ‫صالةَ فَ ْجعَ ْل أَ ْفئِّ َدةً ّمنَ النَّ ِّ‬
‫ِّعن َد بَ ْيتِّكَ ا ْل ُمح ََّر ِّم َربَّنَا ِّليُ ِّقي ُمواْ ال َّ‬
‫ش ُك ُرونَ } [إبراهيم‪.]37 :‬‬ ‫لَعَلَّ ُه ْم يَ ْ‬

‫وهل يُعقل من إبراهيم عليه السًلم الذي كان يتمنى طوال حياته هذا الولد أن يتركه في هذا‬
‫بأن من يتولاى تدبير أمور العباد هو‬
‫الوادي بدون طعام أو شراب؟! لكناه التو اكل على هللا‪ ،‬والثقة ا‬
‫هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫فيا أياها اإلنسان الضعيف‪ :‬كم حجمك؟ وكم حجمك بالنسبة لقريتك‪ ،‬وبالنسبة لدولتك‪ ،‬وبالنسبة‬
‫للقارة التي أنت فيها‪ ،‬لألرض كلها؟ وما األرض بالنسبة للكون؟ وما الكون بالنسبة للكرسي؟ وما‬
‫الكرسي بالنسبة للعرش؟ فًل إله إّل هللا الذي ّل يعجزه شيء في األرض وّل في السماء‪ ،‬وعجبًا‬
‫لهذا اإلنسان المخلوق الضعيف ّل يساوي شيئًا بالنسبة للقوي جل جًلله‪ ،‬فلو نظرنا ألي إنسان‬
‫مهما بلغ من علو في هذه الدنيا‪ ،‬فهو ّل يخرج عن قبضة هللا‪ ،‬وّل يملك إّل أن ين ِفاذ أقدار هللا‬
‫ويجري ويعيش تحت قضاء هللا‪.‬‬
‫فسبحان هللا الكبير المتعال‪..‬‬
‫شهَا َد ِّة ا ْل َك ِّبي ُر ا ْل ُمتَ َعا ِّل﴾ [الرعد‪.]9 :‬‬ ‫{عَا ِّل ُم ا ْلغَ ْي ِّ‬
‫ب َوال َّ‬

‫فالكبير هو العظيم في كل شيء عظمةٌ مطلقة‪ ،‬وهو الذي كبُر وعًل في ذاته وصفاته وأفعاله عن‬
‫كل من ِسواه‪ ،‬فله علو الذات وعلو القهر وعلو الشأن‪.‬‬

‫رب الخلق معك‪..‬؟!‬


‫فكيف تخشى الخلق والكبير سبحانه ُّ‬

‫َّ‬
‫المنزه عن النقائص‬ ‫هللا أكبر كلمةٌ تُعلن للخلق أجمعين َّ‬
‫أن هللا أعظم من كل عظيم‪ ،‬فهو الكبير‬
‫الموصوف بكل صفات الكمال‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫مستشعرا قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما لَ ُك ْم َّل ت َْر ُجونَ ِ َّّلِلِ‬
‫ً‬ ‫هللا أكبر كلمة يقولها المسلم بلسانه وقلبه وجوارحه‬
‫َوقَ ً‬
‫ارا ﴾ [نوح‪.]13 :‬‬
‫تكبيرا‪ ،‬فأي إحسان إّل إحسانه‪ ،‬وأي إنعام إّل إنعامه‪ ،‬وأي كرم إّل كرمه‪ ،‬وأي جود إّل‬
‫ً‬ ‫وكباره‬
‫جوده‪ ،‬وأي فض ٍل إّل فضله وأي عطاءٍ إّل عطاؤه‪.‬‬

‫عباد هللا‪ ،‬لقد علَّمنا النبي ﷺ أن نقول بعد الصًلة‪« :‬هللا أكبر » ثًلثًا وثًلثين‪ ،‬وعلَّمنا النبي ﷺ أن‬
‫نُكباِر هللا عند النوم أربعًا وثًلثين‪ ،‬كل هذا ليعيش المؤمن مع هللا الكبير‪ ،‬حتى ال يخضع لمخلوق‬
‫وّل يذل لدنيا وّل لشهوة‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي هللا عنه قال‪ :‬بينما نحن نُصلي مع رسول هللا ﷺ‪ ،‬إذ قال رجل من القوم‪:‬‬
‫ً‬
‫وأصيًل»‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫كثيرا‪ ،‬وسبحان هللا بكرةً‬
‫ً‬ ‫كبيرا والحمد هلل‬
‫ً‬ ‫«هللا أكبر‬
‫وسلم‪« :‬من القائل كلمة كذا وكذا؟»‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬أنا يا رسول هللا‪ ،‬فقال‪« :‬عجبت لها‬
‫َّ‬
‫تركتهن منذ سمعت رسول هللا ﷺ‬ ‫فُتحت لها أبواب السماء»‪ .‬قال ابن عمر رضي هللا عنه‪« :‬فما‬
‫يقول ذلك»‬
‫هذا التكبير أيها المسلمون يزرع في نفوسنا الشعور بعظمة هللا وكبريائه فنتواضع له ونخضع له‬
‫وّل نخضع لمخلوق وّل نخشى أي مخلوق‪.‬‬

‫• ما يورثه اسم هللا الكبير‪:‬‬


‫يورث في نفس العبد الثقة باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ومعنى العلو الذي يليق باهلل سبحانه‬
‫هذا اّلسم ا‬
‫وتعالى‪ ،‬فترتقي ه امته إلى هللا‪ ،‬ويدع ما دونه من سفاسف األرض‪.‬‬

‫حين يلوذ اإلنسان بالمتكبر الكبير المتعال سبحانه وتعالى‪ ،‬ويكون عنده هذا النوع من الثقة‬
‫واليقين به سبحانه وتعالى‪ ،‬تجده ّل يخضع إلى أحد‪ ،‬وّل يصيبه اّلنهزام مهما واجه‪ ،‬ففي يوم أحد‬
‫لما وقف أبو سفيان وقال ‪ :‬اع ُل هبل‪ ..‬اع ُل هبل‪ ..‬قال رسول هللا ﷺ‪ ":‬أّل تجيبونه؟ قالوا يا‬
‫رسول هللا ما نقول ؟ قال ‪ :‬قولوا هللا أعلى وأجل" [البخاري]‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫نريد قلوبًا كهذه ّل يتسلل إليها اّلنهزام‪ ،‬نريد عباد الكبير المتكبر المتعال‪ ،‬نريد عباد هللا األعلى‬
‫واألجل‪ ،‬هللا األكبر من كل كبير‪ ،‬ألست تسمعها كل يوم تردد في اآلذان‪ :‬هللا أكبر هللا أكبر‪ .‬إناه‬
‫أمرك بترديدها حتى تتملك نفسك هذه المعاني‪ ،‬وتتشربها وتحيا بها‪ ،‬فًل تع ا‬
‫ظم شيئًا حقاره وّل‬
‫ظمه‪.‬‬‫تحقار شيئًا ع ا‬

‫َّلل الَّذِّي لَ ْم يَتَّ ِّخ ْذ َولَداً َولَم يَكُن لَّهُ ش َِّريكٌ‬


‫{وقُ ِّل ا ْل َح ْم ُد ِّ ّ ِّ‬
‫وقد أمر هللا سبحانه بتكبيره فقال ج ال شأنه‪َ :‬‬
‫ي ِّ ّمنَ الذُّ َّل َو َك ِّبّ ْرهُ تَ ْك ِّبيراً}‪( .‬سورة اإلسراء)‪.‬‬
‫فِّي ا ْل ُم ْل ِّك َولَ ْم يَكُن لَّهُ َو ِّل ٌّ‬

‫فيا من شعرت بضعف بين الناس‪ ..‬يا من أحزنك خذّلن الناس‪ ..‬كيف تضعف وهللا القوي الكبير‬
‫بالقوة وأن ينصرك على من عًل وتكبار في األرض فسادًا عليك‬
‫ا‬ ‫معك‪ ..‬اسأله بأسمائه أن يمداك‬
‫وعلى أهلك‪..‬‬
‫الله ام يا كبير كن معنا على من عادانا وتكبار علينا فأنت أكبر سبحانك وأنت القادر عليهم‬
‫قونا فإننا قد استُضعفنا من عبادك الذين أنت أقوى وأكبر منهم سبحانك‪..‬‬
‫الله ام يا قوي ا ِ‬
‫ي ْال َع ِز ُ‬
‫يز}‪.‬‬ ‫أن القوي ربُّ البشر معك سبحانه‪ِ { ،‬إ َّن َربَّكَ ه َُو ْالقَ ِو ُّ‬
‫فمهما استضعفك البشر فاعلم ا‬

‫هللا ج ّل جالله هو القوي بل هو القوي وحده‪ ،‬وّل قوي سواه‪ ،‬وكل قوة في األرض مستمدة من‬
‫قوة هللا‪ ،‬كل قوة في األرض في الذوات واألشياء مستمدة من قوة هللا تعالى ‪ ،‬تأييدًا للمؤمنين‪ ،‬أو‬
‫تسخيرا للجمادات‪ ،‬لحكمة بالغ ٍة عرفها من عرفها‪ ،‬وجهلها من‬
‫ً‬ ‫استدرا ًجا لغير المؤمنين‪ ،‬أو‬
‫جهلها‪.‬‬

‫يقوي‬
‫موصوف بالقوة ّل يغلبه غالب‪ ،‬قوي في فعله قادر على إتمامه سبحانه‪ ،‬فاإلنسان ضعيف‪ ،‬ا‬
‫ضعفه باهلل القوي ويصبح قويًا باهلل القوي‪.‬‬
‫فاهلل ج ال جًلله ّل يغلبه غالب‪ ،‬وّل ير اد قضاؤه راد‪ ،‬وّل يمنعه مانع‪ ،‬وّل يدفعه دافع‪ ،‬وهو القوي‬
‫في فعله‪ ،‬القادر على إتمام فعله‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫و"القوي" سبحانه هو الذي له كمال القدرة والعظمة‪ ،‬وّل يعجزه شيء‪ّ ،‬ل يستولي عليه العجز في‬
‫حال من األحوال‪ ،‬والموصوف بالقوة المطلقة‬
‫ق قَد ِّْر ِّه ِّإ َّن َّ َ‬
‫َّللا لَقَ ِّو ٌّ‬
‫ي ع َِّزي ٌز }‪.‬‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬ما قَ َد ُروا َّ َ‬
‫َّللا َح َّ‬

‫فقوته فوق ك ال قوي‪ ،‬فما قولك أن‬


‫قال العلماء‪" :‬القوي" غالب ّل يُغلب‪ ،‬يُجير وّل يُجار عليه‪ ،‬ا‬
‫تكون مع هذا "القوي"؟ هل تخشى أحدًا؟ هل ترتعد فرائصك؟ إذا كنت مع " القوي " فأنت‬
‫"القوي"‪ ،‬ومن عرف هللا زهد فيما سواه‪ .‬وقال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬ولو اجتمعت قوى الخًلئق‬
‫شخص واح ٍد منهم‪ ،‬ثم أعطي كل واحد منهم مثل تلك القوة‪ ،‬لكانت نسبتها إلى قوته سبحانه‬‫ٍ‬ ‫على‬
‫دون نسبة قوة البعوضة إلى حملة العرش"‪( .‬كتاب شفاء العليل ّلبن القيم)‪.‬‬
‫لذلك جاء في الحديث أناه ﷺ قال‪:‬‬
‫هللا‪ ،‬وإذا استَعَ ْنتَ فاستَ ِّع ْن باهللِّ‪ ،‬واعلم أ َّن اْل ُ َّمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ‬‫[ إذا سألتَ فاسأ ِّل َ‬
‫هللا لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروكَ بشيءٍ ‪ ،‬لم يضروكَ‬ ‫بشيءٍ ‪ ،‬لم ينفعوك ّإال بشيءٍ قد كتبه ُ‬
‫ف ]‪.‬‬ ‫ص ُح ُ‬
‫ت ال ُّ‬ ‫هللا عليكَ ‪َ ،‬جفَّ ِّ‬
‫ت اْلقال ُم و ُرفِّعَ ِّ‬ ‫بشيءٍ ّإال قد كتبه ُ‬

‫ألن هللا القوي قادر‬ ‫وإن اسم هللا القوي يمنح المسلم أمانًا من بطش المتجبارين وطغيان الطاغين‪ ،‬ا‬ ‫ا‬
‫على إهًلكهم في طرفة عين أو أقل من ذلك‪ ،‬فمن اعتصم باهلل القوي فقد اعتصم بالركن الشديد‪،‬‬
‫سيُد ِّْخلُ ُه ْم ِّفى َر ْح َم ٍة ِّ ّم ْنهُ‬ ‫ص ُمواْ ِّب ِّه َ‬ ‫الذي ّل غالب له وّل قادر عليه { فَأ َ َّما ٱلَّ ِّذينَ َءا َمنُواْ ِّبٱ َّ ِّ‬
‫َّلل َوٱ ْعتَ َ‬
‫ض ٍل }‪ ..‬هللا أكبر‪ ..‬ألست في ضيقك وكربك ترجو رحمة هللا وأن يتفضال عليك بفضل منه‬ ‫َوفَ ْ‬
‫شرك هللا {فَأ َ َّما ٱلَّ ِّذينَ َءا َمنُواْ بِّٱ َّ ِّ‬
‫َّلل‬ ‫سبحانه فيرحمك ويفرج همك وكربك ويرزقك‪ ..‬في هذه اآلية يب ا‬
‫وتبرأت من‬ ‫ا‬ ‫ص ُمواْ ِّب ِّه} أناك إن آمنت به واعتصمت به سبحانه ولجأت إليه واعتمدت عليه‬ ‫َوٱ ْعتَ َ‬
‫سيُد ِّْخلُ ُه ْم فِّى َر ْح َم ٍة ِّ ّم ْنهُ‬
‫صة { َ‬ ‫حولك وقوتك واستعنت به سبحانه فإناه سيتغمدك بالرحمة الخا ا‬
‫ض ٍل } ‪ ،‬فيوفقك للخيرات ويجزل لك المثوبات ويدفع عنك البليات والمكروهات‪ ،‬فالله ام إناا‬ ‫َوفَ ْ‬
‫قونا يا رحيم ارحمنا‪..‬‬ ‫نعتصم بك ونلجأ إليك يا قوي ا‬

‫وينبغي للمسلم أن يوقن أنه ّل قوة له على شيء إّل باهلل تعالى‪ ،‬فمن أراد القوة على شيء فليطلبها‬
‫تحول من حا ٍل‬
‫من هللا القوي سبحانه‪ ،‬وهذا هو مفهوم قول‪ّ( :‬ل حول وّل قوة إّل باهلل)‪ ،‬أي‪ّ :‬ل ُّ‬
‫إلى حال إّل باهلل‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫أكبر آية وأعظم دليل‬ ‫عباد هللا‪ :‬أليس في رفع السماء بًل عمد مع ما تحمل من المخلوقات فوقها ُ‬
‫س َك ُه َما ِم ْن أَ َح ٍد‬ ‫وّل َولَئِ ْن زَ الَتَا ِإ ْن أَ ْم َ‬‫ض أَ ْن ت َُز َ‬
‫ت َو ْاأل َ ْر َ‬ ‫اوا ِ‬ ‫َّللا يُ ْم ِسكُ ال َّ‬
‫س َم َ‬ ‫على قوة هللا البالغة؟ َّ‬
‫{إن َّ َ‬
‫ط ِويَّاتٌ بِيَ ِمينِ ِه‬ ‫س َم َواتُ َم ْ‬ ‫(وال َّ‬ ‫علَى ْال ِم ْنبَ ِر‪َ :‬‬‫سو ُل هللاِ ﷺ َه ِذ ِه ْاآليَةَ َوه َُو َ‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِدهِ) [فاطر‪" .]41:‬قَ َرأَ َر ُ‬
‫َّار‪ ،‬أنا ْال ُمتَ َكبِ ُار‪ ،‬أنا ْال َم ِلكُ ‪ ،‬أنا‬ ‫هللا ‪-‬عز وجل‪" :-‬أنا ْال َجب ُ‬ ‫ع َّما يُ ْش ِر ُكونَ )‪ ،‬قَالَ‪ :‬يَقُو ُل ُ‬ ‫س ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى َ‬ ‫ُ‬
‫ظنَنَّا أَنَّهُ َ‬
‫س َي ِخ ُّر‬ ‫ف ِب ِه ْال ِم ْن َب ُر‪َ ،‬حتَّى َ‬ ‫سو ُل هللاِ ي َُر ِ اد ُدهَا َحتَّى َر َج َ‬ ‫ْال ُمتَ َعا ِلي‪ ،‬يُ َم ِ اج ُد نَ ْف َ‬
‫سهُ"‪ .‬قَا َل‪ :‬فَ َج َع َل َر ُ‬
‫بِ ِه" (رواه أحمد)‪.‬‬

‫وله قوة إبداع الخلق‪ ،‬خلق العرش والكرسي‪ ،‬وخلق المًلئكة ال ِعظام‪ ،‬خلق السماوات واألرض‪،‬‬
‫والجبال الراسيات‪ ،‬والنجوم الزاهرات‪ ،‬والكواكب النيرات‪ ،‬والحيوان والنبات‪ ،‬وذلك لكمال قوته‬
‫ان ِم ْن ِطي ٍن} [السجدة‪.]7 :‬‬
‫س ِ‬ ‫ش ْيءٍ َخلَقَهُ َو َب َدأَ خ َْلقَ ْ ِ‬
‫اإل ْن َ‬ ‫وقدرته {الَّذِي أَ ْح َ‬
‫سنَ ُك َّل َ‬

‫قوة الجباار العظيم وكان سبحانه معك ونصرك فمن عليك! وماذا تخشى‪!..‬‬
‫فإن كانت هذه ا‬

‫أن هللا سبحانه هو القوي وحده أحسنَ التو اكل عليه واّلستسًلم لعظمته والتبرؤ من‬ ‫فمن علم ا‬
‫والقوة اإّل به‪ ،‬ولهذا كانت كلمة "ّل حول وّل قوة إّل باهلل" جليلة الشأن‪ ،‬كبيرة القدر‪،‬‬ ‫ا‬ ‫الحول‬
‫ي ﷺ فَقَا َل ِلي‪:‬‬ ‫از ِم ب ِْن َح ْر َملَةَ قَالَ‪َ :‬م َر ْرتُ ِبالنَّ ِب ِا‬ ‫ع ْن َح ِ‬ ‫عظيمة األثر‪َ ،‬‬
‫اَّللِّ‪ ،‬فَ ِّإنَّهَا ِّم ْن ُكنُ ِّ‬
‫وز ا ْل َجنَّ ِّة ]‪.‬‬ ‫َاز ُم‪ ،‬أَ ْكثِّ ْر ِّم ْن قَ ْو ِّل‪َ :‬ال ح َْو َل َو َال قُ َّوةَ إِّ َّال بِّ َّ‬
‫[ يَا ح ِّ‬

‫القوة هلل جميعًا}‪ ،‬أورثه ذلك اأّل تكون نفسه‬


‫{أن ا‬‫أن هللا قوي متين‪ ،‬واستشعر في نفسه ا‬ ‫ع ِل َم ا‬
‫ومن َ‬
‫قابلة للخضوع لغير هللا تعالى؛ ّل لسلطان‪ ،‬وّل لضغوطات‪ ،‬وّل لهوى؛ إذ خضع بادئ ذي بدئ‬
‫ي ِ المتين‪ ،‬الواحد القهار‪ ،‬وهذا مقام األلوهية بتمام!‬‫للقو ا‬

‫ي تعالى‪ :‬هو الذي ّل‬ ‫ضا اّللتجاء به وحده سبحانه‪ ،‬فًل يلجأ باّلستعانة لغير هللا‪ ،‬فالقو ُّ‬ ‫وأورثه أي ً‬
‫ظنَنَّا أَ ْن لَ ْن نُ ْع ِجزَ َّ َ‬
‫َّللا فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض َولَ ْن نُ ْع ِجزَ هُ ه ََربًا ﴾ [الجن‪:‬‬ ‫يعجزه شي ٌء‪ ،‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وأَنَّا َ‬

‫‪32‬‬
‫ْس لَهُ ِم ْن دُونِ ِه أَ ْو ِل َيا ُء‬ ‫ْس ِب ُم ْع ِج ٍز فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض َولَي َ‬ ‫َّللا فَلَي َ‬
‫ي َّ ِ‬‫‪ ،]12‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ْن َّل ي ُِجبْ َدا ِع َ‬
‫ين ﴾ [األحقاف‪ ،]32 :‬والموضعان على لسان الجن‪ ،‬ذوي القدرات والعجائب‪.‬‬ ‫أُولَئِكَ فِي َ‬
‫ض ًَل ٍل ُم ِب ٍ‬
‫فكيف تضعف ورباك القوي معك‪!..‬‬
‫فمهما شعرت بالعجز والضعف وأن طلباتك كثيرة أو ا‬
‫أن حوائجك صعبة بعض الشيء فعليك أن‬
‫تتذ اكر وتوقن ثًلثة أمور‪:‬‬
‫• أناه سبحانه ّل يُعجزه شيء‪.‬‬
‫• وأناه ّل يشغله شأ ٌن عن شأن‪.‬‬
‫• وأناه ّل ينقُص من ملكه شيء‪.‬‬

‫َّللا ِّليُ ْع ِّج َزهُ ِّمن شَيء }‬


‫{ َو َما كَانَ َّ ُ‬
‫هللا أكبر‪ ..‬يذ اكرنا هللا سبحانه ذلك حتى ّل نستصعب شيئًا في هذه الدنيا‪ ،‬فإناه ّل يعجزه كل ما‬
‫تريده مهما كان صعبًا بنظرك أو معقادًا‪ ،‬بل أمره أن يقول له كن فيكون‪ ،‬عليك فقط أن تُحسن‬
‫والظن به واليقين وتدعوه وتل اح عليه بالدعاء وتصبر‪..‬‬‫ا‬ ‫التو اكل عليه‬

‫ع ِّلي ًما قَد ً‬


‫ِّيرا} (فاطر‬ ‫ت َو َال فِّي ْاْل َ ْر ِّ‬
‫ض ۚ ِّإنَّهُ كَانَ َ‬ ‫اوا ِّ‬
‫س َم َ‬ ‫َّللا ِّليُ ْع ِّج َزهُ ِّم ْن َ‬
‫ش ْيءٍ فِّي ال َّ‬ ‫{و َما كَانَ َّ ُ‬
‫َ‬
‫‪.)44‬‬
‫فرج‬
‫فيا قوي يا من ّل يعجزك شيء يا من تقول للشيء كن فيكون يسار أمورنا‪ ..‬دبار أمورنا‪ ..‬ا‬
‫وارض عناا وأرضنا سبحانك‪ ..‬وارزقنا سعادة الدارين‪..‬‬
‫َ‬ ‫ت كل واح ٍد مناا سؤله‬
‫همومنا‪ ..‬آ ِ‬

‫فكيف تغفل عن الدعاء أو كيف تستصغر فضل الدعاء وأثره وهللا سبحانه يقول‪:‬‬
‫مفر‬
‫َّللا ﴾ [الذاريات‪ ]50 :‬فكلها في إجابة دعوة هللا‪ ،‬وطاعته وحسن عبادته‪ ،‬وأنه ّل َّ‬ ‫﴿ فَ ِّف ُّروا إِّلَى َّ ِّ‬
‫من هللا تعالى اإّل إليه‪ ،‬فتفر من عذاب هللا باللجوء إليه‪ ،‬وطلب توفيقه وتسديده ورحمته‪ .‬وّل ينفع‬
‫هللا تعالى‪،‬‬‫ُعجزون به َ‬‫أحد غير هذا؛ ببساطة ألنه ليس له من دون هللا أولياء يبلُغون من القوة ما ي ِ‬
‫تنزه هللا عن ذلك‪ .‬ومعلوم عند العبد ضعفه في نفسه‪ ،‬فليلجأ لذي القوة القهار‪ ..‬وّل غالب إّل هللا‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪33‬‬
‫وهنالك بشارة عظيمة لمن يدعو رباه وكيف ينال الكثير من الفرج بعد الضيق والكرب‪ ،‬وذلك في‬
‫قصة نوح عليه السًلم إذ دعا رباه‪ ..‬فماذا حدث حين استجاب الجباار العظيم القوي النصير‬
‫منهمر*‬
‫ٍ‬ ‫مغلوب فانتَ ِّصر* ففتحنا أبواب السماء بماءٍ‬
‫ٌ‬ ‫سبحانه‪ { :‬فدعا ربّه أنّي‬
‫سر* تجري‬
‫ألواح و ُد ُ‬
‫ٍ‬ ‫أمر قد قُدِّر* وحملناه على ذا ِّ‬
‫ت‬ ‫وف ّجرنا اْلرض عيونًا فالتقى الماء على ٍ‬
‫بأعيُننا }‪:‬‬
‫ففتحنا‪ ..‬وفجارنا‪ ..‬وحملناه‪ ..‬تجري بأعيننا‪..‬‬
‫هللا أكبر‪ ..‬ك ال هذا ألناه دعا هللا سبحانه‪ ..‬فقد دعا بضعفه وأناه ّل يقدر على مواجهة قومه فطلب‬
‫من هللا النصر فتغيارت الظواهر في الكون استجابة لدعائه ونصره هللا على القوم الكافرين‪..‬‬
‫الله ام أناي مغلوب فانتصر‪ ..‬يا نصير انصرنا‪..‬‬
‫ض ِّب َما َر ُحبَتْ َوضَاقَتْ َ‬
‫علَ ْي ِّه ْم‬ ‫ع َل ْي ِّه ُم ْاْل َ ْر ُ‬
‫علَى الثَّ َالثَ ِّة الَّ ِّذينَ ُخ ِّّلفُوا َحتَّى ِّإذَا ضَاقَتْ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿:‬و َ‬
‫الر ِّحي ُم ﴾‬
‫اب َّ‬ ‫علَ ْي ِّه ْم ِّليَتُوبُوا إِّ َّن َّ َ‬
‫َّللا هُ َو التَّ َّو ُ‬ ‫اب َ‬ ‫ظنُّوا أَ ْن َال َم ْل َجأ َ ِّمنَ َّ ِّ‬
‫َّللا إِّ َّال إِّلَ ْي ِّه ث ُ َّم تَ َ‬ ‫أَ ْنفُ ُ‬
‫س ُه ْم َو َ‬
‫[التوبة‪.]118 :‬‬

‫مغانم ومًلجئ‪ ،‬وضاقت عليهم أنفسهم‪ ،‬وظناوا أن‬


‫َ‬ ‫فضاقت عليهم األرض بما رحبت‪ ،‬بما فيها من‬
‫ّل ملجأ من هللا اإّل إليه! ذلك أناه ّل حمى في غير جنب هللا‪ ،‬كما هو ّل أعظم من التفريط في جنب‬
‫هللا‪.‬‬
‫ع َل ْي ِّه ْم ِّل َيتُوبُوا ﴾‪ :‬فهذا مدخل اّللتجاء‪ ،‬واّلنكسار‪ ،‬والخضوع‪ ،‬وتحقيق مفهوم الربوبية‬ ‫اب َ‬ ‫﴿ ث ُ َّم تَ َ‬
‫قوة هللا تعالى‪ ،‬اأّل تلجأ اإّل إليه‪ ،‬فعليك أن تتوب إلى هللا سبحانه وتلجأ‬ ‫في النفس بتمام‪ .‬هذا مفاد ا‬
‫إليه وتستغفر لذنبك حتى ينجيك هللا مما أنت فيه من ضيق وبًلء‪ ،‬فقد وقع آدم وحواء في الضيق‬
‫عندما عصيا ربهما فأكًل من الشجرة التي نُهيا عن اّلقتراب منها‪ ،‬فذكرا هللا واعترفا بذنبهما‪:‬‬
‫سنَا َوإِّن لَّ ْم تَ ْغ ِّف ْر لَنَا َوتَ ْر َح ْمنَا لَنَكُونَ َّن ِّمنَ ا ْل َخا ِّ‬
‫س ِّرينَ }‪ ،‬فما أسرع اإلجابة من‬ ‫ظلَ ْمنَا أَنفُ َ‬ ‫اال َربَّنَا َ‬ ‫{قَ َ‬
‫هللا سبحانه بالفرج إذ تاب عليه‪:‬‬
‫علَ ْي ِّه إنّه هو التَّ َّواب الرحيم }‬ ‫تاب َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫{ فَتَلَقَّى آ َد ُم ِّم ْن َر ِّبّ ِّه َك ِّلما ٍ‬
‫علَ ْي ِّه َو َهدَى } وهذا فضله وإحسانه فمن بادر‬ ‫وفوق التوبة قال سبحانه‪ { :‬ث ُ َّم ا ْجتَبَاهُ َربُّهُ فَتَ َ‬
‫اب َ‬
‫بالتوبة واإلصًلح وجاهد نفسه هلل وصدق في التوبة تاب هللا عليه ورزقه من فضله سبحانه‪..‬‬
‫‪34‬‬
‫ي ِ المتين!‬
‫وهذا أول خطوة للتوبة؛ التجرد عن مًلجئ الدنيا‪ ،‬واللجوء إلى رباها القو ا‬
‫فًل يليق إّل كما قال ربُّ العزة عن نفسه‪ ﴿ :‬أَ ْن َال َم ْل َجأ َ ِّمنَ َّ ِّ‬
‫َّللا ِّإ َّال ِّإلَ ْي ِّه ﴾ [التوبة‪ ،]118 :‬وهذا‬
‫شأن عظيم في باب التوبة لمن تدبار‪.‬‬
‫شفَةٌ } فإن أيقنت ذلك استسلمت هلل بكامل التو اكل‬ ‫َّللا كَا ِّ‬ ‫ْس لَهَا ِّمن د ِّ‬
‫ُون َّ ِّ‬ ‫أن ضيقتك هذه { لَي َ‬ ‫فاعلم ا‬
‫عليه سبحانه أناه سيكشفها عنك وسينجايك من كربك وسيفرج عنك سبحانه‪ ،‬فأخلص التو اكل عليه‬
‫ب } من كل الهموم والكروب‬ ‫وأحسن الظن به أناه‪ { :‬قُ ِّل َّ ُ‬
‫َّللا يُنَ ِّ ّجيكُم ِّ ّم ْنهَا َو ِّمن ُك ِّ ّل َك ْر ٍ‬
‫التي ليس لها من دون هللا كاشفة سينجينا سبحانه منها جميعًا‪..‬‬
‫الله ام ارزقنا من خيري الدنيا واآلخرة‪ ..‬ربا ارزقنا سعادة الدارين‪..‬‬
‫فكيف قد تشعر بالضعف وهللا سبحانه الشهيد معك‪!..‬‬
‫ش ِّهيدًا}‪ ،‬فمهما كنت مظلو ًما ضعيفًا ّل ناصر لك من الخلق فاعتصم بالشهيد سبحانه‬ ‫{و َكفَى ِّب َّ ِّ‬
‫اَّلل َ‬ ‫َ‬
‫وكفى به‪.‬‬
‫والشهيد ج ال جًلله‪ :‬هو الشاهد الحاضر على الخليقة كلها أينما كانوا ّل يغيب عنه شيء‪ ،‬وهو‬
‫سبحانه الشاهد للمظلوم الذي ّل شاهد له وّل ناصر له اإّل هو سبحانه‪ ،‬فكيف تضيق بك وهللا‬
‫الشهيد معك شاهد لك سبحانه‪!..‬‬

‫فاعلم أناه ّل ملجأ من هللا اإّل إليه‪ّ ،‬ل ملجا من ضعفك اإّل إلى هللا‪ّ ..‬ل ملجأ من ضيقك اإّل إلى هللا‪..‬‬
‫ّل ملجأ من خوفك اإّل إلى هللا سبحانه‪ ..‬فالجأ إليه وحده سبحانه وّل تكن ممن ذ امه هللا بأناه ما إن‬
‫يُذيقه هللا ابتًل ًء بعد نِعم عظيمة قد رزقه إيااها قبل اإّل كان شديد اليأس والقنوط كثير الكفران للنِعم‬
‫ُوس َكفُو ٌر } [هود] احذر أن‬‫سانَ ِّمنَّا َر ْح َمةً ث ُ َّم نَ َز ْعنَا َها ِّم ْنهُ إِّنَّهُ لَيَئ ٌ‬‫اإلن َ‬‫التي سبقت‪َ { ..‬ولَئِّ ْن أَذَ ْقنَا ِّ‬
‫تكون كذلك بل اصبر واصبر وادعُ وكن ممن استثناهم هللا ج ال وعًل في اآليات التي تلتها إذ قال‬
‫ت أ ُ ْولَئِّكَ لَ ُه ْم َم ْغ ِّف َرةٌ َوأَ ْج ٌر َكبِّي ٌر} [سورة هود]‪.‬‬ ‫صبَ ُروا َوع َِّملُوا ال َّ‬
‫صا ِّلحَا ِّ‬ ‫سبحانه‪{ :‬إِّالَّ الَّ ِّذينَ َ‬

‫وأن الفر َج واّلنفراجةَ يُسْر‪ ،‬فاهلل سبحانه‬ ‫عس ٌْر‪َّ ،‬‬ ‫فاصبر واحتسب واعلم َّ‬
‫أن اّلبتًل َء والش َّدةَ ُ‬
‫س ًرا}‬ ‫س ًرا* إِّ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س ِّر يُ ْ‬ ‫وتعالى َجعَ َل مع ك ِال عس ٍْر يُسرين‪ ،‬فقال ج َّل جًلله‪{ :‬فَ ِّإ َّن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س ِّر يُ ْ‬

‫‪35‬‬
‫‪ -‬ما هو المطلوب؟‬
‫َب * َو ِّإلَى َر ِّّبكَ فَ ْ‬
‫ار َ‬
‫غ ْب} [الشرح‪.]8 -5 :‬‬ ‫{فَ ِّإذَا فَ َر ْغتَ فَا ْنص ْ‬
‫سه في‬ ‫هذا هو المطلوب من العب ِد أثنا َء الش َّدةِ والعُس ِْر‪ ،‬ووقو ِعه في العُسر واّلبتًلء؛ ْ‬
‫أن يُج ِه َد نف َ‬
‫العبادة‪ ،‬ويكثِ َر الرغبةَ في اإلخًلص لرباِه ودعائه وذِكره سبحانه‪.‬‬

‫• قال العًلمة ابن القيم رحمه هللا‪ :‬ذكر هللا يُس اهل الصعب ويُيسر العسير ويُخفف المشاق‪ ،‬فما ذُ ِكر‬
‫عز وج ال على صعب اإّل هان وعلى عسير اإّل تيسار وّل مشقاة اإّل خفات وّل ِشداة اإّل زالت‪،‬‬ ‫هللا ا‬
‫وّل كربة اإّل انفرجت‪ ،‬فذكر هللا تعالى هو الفرج بعد الغ ام واله ام‪.‬‬

‫• وقال العًلمة السعدي رحمه هللا‪ :‬هللا تعالى قدار من ألطافه وعوائده الجميلة ا‬
‫أن الفرج مع‬
‫قوة التجاء وشداة طمع‬ ‫وأن اليُسر مع العسر‪ ،‬ا‬
‫وأن ال ِشداة بتراء ّل تدوم فإن حصل مع ذلك ا‬ ‫الكرب‪ ،‬ا‬
‫بفضل هللا ورجاء وتضرع كثير ودعاء‪ ،‬فتح هللا عليهم من خزائن جوده ما ّل يخطر بالبال‪.‬‬

‫فشدة الظًلم تعني قرب بزوغ الفجر‪ ،‬واألمور إذا اشتدات فهذا يعني ا‬
‫أن الفرج بفضل هللا قريب‪،‬‬
‫فالنصر مع الصبر‪ ،‬والفرج مع الكرب‪ ،‬واليُسر مع العُسر‪.‬‬

‫ففي ضيقك وابتًلئك و ِشداتك عليك‪:‬‬


‫كثيرا‪..‬‬
‫ً‬ ‫• بذكر هللا‬
‫• ودعاؤه سبحانه‪..‬‬
‫والتضرع له والتوسال بأسمائه وصفاته‪..‬‬
‫ا‬ ‫•‬
‫• واّلجتهاد في الطاعات‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫فحين تداهمك الشداة والضيق الجأ إلى رباك بتلك األمور وأولها الذِكر‪ ،‬ومن أعظم الذِكر الحولقة‬
‫كنز من كنوز الجنة كما علامنا نبينا محمد ﷺ‪ ،‬وهي ترديد ( ال حول وال ّ‬
‫قوة ّإال باهلل )‬ ‫فهي ٌ‬
‫خير حال اإّل باهلل‪ّ ..‬ل تح اول من الضيق‬
‫تحول من حالك هذا إلى ِ‬ ‫باستشعار بها من قلبك أناه ّل ا‬
‫ا‬
‫والعز والتمكين‬ ‫تحول من حال الخيبة واّلنكسار إلى حال النصر‬ ‫إلى السعة والفرج اإّل باهلل‪ّ ..‬ل ا‬
‫تحول من الكسل إلى النشاط‬ ‫تحول من ترك المعصية إلى فعل الطاعة اإّل باهلل‪ّ ..‬ل ا‬ ‫اإّل باهلل‪ّ ..‬ل ا‬
‫تحول من الفقر إلى الغنى اإّل باهلل‪ ..‬ردادها عشرات المرات بل مئات وآّلف‬ ‫اإّل باهلل‪ّ ..‬ل ا‬
‫المرات‪ ..‬وأنت مستشعر بها من قلبك فهذه الكلمة هي التوحيد العملي لإلنسان‪.‬‬
‫قوة ّإال باهلل‬
‫ال حول وال ّ‬
‫قوة ّإال باهلل‬
‫ال حول وال ّ‬
‫قوة ّإال باهلل‬
‫ال حول وال ّ‬
‫• يُروى في السير‪ :‬كم ممن ألزموا أنفسهم بالحولقة يقينًا قد تفتاحت لهم المغاليق وسيقت لهم‬
‫األمور على أحسن مما يتمنون‪..‬‬
‫لم يُكابدوا عنا ًء وّل كبدا‪.‬‬

‫• وأكثروا من دعاء‪:‬‬
‫الله ام إناا نبرأ إليك من حولنا وقوتنا وتدبيرنا ونلتجئ إلى حولك وقوتك وتدبيرك فإناه ّل حول وّل‬
‫قوة اإّل بك سبحانك‪ ..‬الله ام أعني وّل تُعن علي وانصرني وّل تنصر علي واهدني ويسر الهدى‬ ‫ا‬
‫لي‪..‬‬
‫• وأكثروا من دعاء يونس عليه السًلم (دعاء الكرب)‪:‬‬
‫(ال إله ّإال أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين)‬
‫فقد روي في الحديث‪:‬‬
‫َّللا ﷺ‪:‬‬‫سو ُل َّ ِ‬ ‫س ْعد بن أبي وقاص‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَا َل َر ُ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫• َ‬
‫س ْب َحانَكَ ِإناِي ُك ْنتُ ِمنَ ال َّ‬
‫ظا ِل ِمينَ‪ ،‬فَإِنَّهُ‬ ‫ط ِن ال ُحوتِ‪َّ :‬ل ِإلَهَ ِإ َّّل أَ ْنتَ ُ‬ ‫عا َوه َُو فِي بَ ْ‬
‫ون ِإ ْذ َد َ‬‫[ َدع َْوة ُ ذِي النُّ ِ‬
‫َّللاُ لَهُ]‪.‬‬‫اب َّ‬ ‫ط إِ َّّل ا ْستَ َج َ‬‫ش ْيءٍ قَ ُّ‬
‫لَ ْم يَ ْدعُ بِ َها َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم فِي َ‬

‫‪37‬‬
‫فكيف نغفل عنها في غ امنا وه امنا وهللا سبحانه يخبر عن يونس عليه السًلم أناه ل اما دعا بها نجااه‬
‫ضا إن دعونا‬ ‫شرنا سبحانه أناه سينجينا نحن أي ً‬ ‫من الغ ام‪ { :‬فَا ْ‬
‫ستَ َج ْبنَا لَهُ َونَ َّج ْينَاهُ ِّمنَ ا ْلغَ ِّ ّم }‪ ،‬ث ام ب ا‬
‫بها‪َ { :‬و َكذَ ِّلكَ نُ ْن ِّجي ا ْل ُم ْؤ ِّمنِّينَ }‪.‬‬
‫ضا‪:‬‬
‫• ومن األذكار المهمة التي عليك اّللتزام بها أي ً‬
‫كثرة الصًلة على النبي‪ ،‬وخاصة يوم الجمعة‪ ،‬وبصيغة الصًلة اإلبراهيمية الكاملة بأن تردد‪:‬‬
‫الله ّم ص ِّل على محم ٍد وعلى آل محمد‬
‫كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‬
‫في العالمين إنّك حميد مجيد‪..‬‬
‫الله ّم وبارك على محم ٍد وعلى آل محمد‬
‫كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‬
‫في العالمين إنّك حميد مجيد‪..‬‬

‫فقد أخبر ﷺ أناه بكثرة الصًلة على النبي يحصل لك أمرين‪[ :‬تُكفى همك‪ ،‬ويُغفر ذنبك]‪.‬‬

‫فماذا تريد بعد ذلك‪!..‬؟‬


‫إن ُكفيتَ ه امك في الدنيا فرزقك هللا من فضله سبحانه‪..‬‬
‫و ُ‬
‫غ ِفر ذنبك في اآلخرة‪..‬‬
‫ماذا تريد بعد‪!..‬‬

‫ضا كثرة االستغفار ففيه يكشف هللا عن المؤمن اّلبتًلء‪:‬‬


‫• ومن األذكار المهمة أي ً‬
‫َّللا لَهُ ِم ْن‬
‫«من لَ ِزم اّل ْستِ ْغفَار‪َ ،‬ج َع َل َّ‬
‫ْ‬ ‫َّللا ﷺ‪:‬‬ ‫َّللا ع ْن ُهما قَال‪ :‬قا َل َر ُ‬
‫سو ُل َّ ِ‬ ‫رضي َّ‬
‫َّاس ِ‬
‫عب ٍ‬
‫• عن اب ِْن َ‬
‫ب»‪.‬‬ ‫ومن ُك ِال َه ٍ ام فَر ًجا‪َ ،‬و َرزَ قَهُ ِم ْن حي ُ‬
‫ْث ّلَ َي ْحتَ ِس ُ‬ ‫ق م ْخر ًجا‪ْ ،‬‬
‫ضي ٍ‬ ‫ُك ِال ِ‬

‫‪38‬‬
‫أستغف ُر هللا العظيم وأتوب إليه‬
‫أستغف ُر هللا العظيم وأتوب إليه‬
‫أستغف ُر هللا العظيم وأتوب إليه‬
‫َّللا الَّذِي ّلَ ِإلَهَ ِإّلَّ هُو‬
‫من قَالَ‪[ :‬أَ ْستَ ْغ ِف ُر َّ‬
‫َّللا ﷺ‪ْ :‬‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫وعن اب ِْن َم ْسعُو ٍد رضي هللا عنه قَالَ‪ :‬قَا َل ر ُ‬ ‫ِ‬
‫ْف]‪ .‬رواه الحا ِك ُم‪.‬‬ ‫الزح ِ‬‫ت ذُنُوبُهُ و ِإ ْن َكانَ قَ ْد فَ َّر ِمنَ َّ‬ ‫وب ِإلَي ِه‪ُ ،‬‬
‫غ ِف َر ْ‬ ‫ي ْالقَي َ‬
‫ُّوم وأَت ُ ُ‬ ‫الح َّ‬
‫فاّلستغفار سبب لتفريج الكربات ورفع اّلبتًلءات‪ ،‬وكذلك هو من لوازم تقوى هللا ج ال وعًل‪،‬‬
‫كثيرا مئات بل وآّلف المرات في يومكم وليلتكم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فاستغفروا هللا‬
‫• ومن أهم ما تبدأ به دعاءك أن تحمد هللا سبحانه وتثني عليه ث ام تصلي على النبي محمد ﷺ‬
‫بأن تقول‪ :‬الله ّم لك الحمد حمدا يليق بجالل وجهك وعظيم سلطانك‪ ..‬اللهم صل على نبينا‬
‫محمد‪ ..‬ثم تدعو بما تشاء‪..‬‬

‫• ومن أعظم األدعية أن تدعو بتوحيدك هلل سبحانه بأن تبدأ دعاءك بقول‪:‬‬
‫َّللا ال إلَهَ َّإال أنتَ اْلح ُد الصمد‪ ،‬الَّذي لم ي ِّل ْد ولم يولَ ْد ولم‬
‫[ال َّله َّم إ ّنِّي أسألُكَ بأ ّنِّي أشه ُد أ َّنكَ أنتَ َّ ُ‬
‫تفرج همي وترحمني وتحفظني وأهلي‪..‬‬ ‫كفوا أحدٌ‪ ..‬ثم تدعو بما تريد] أن ا‬ ‫يَكُن لَهُ ً‬

‫ً‬
‫رجًل يدعو به قال‪:‬‬ ‫فقد قيل ا‬
‫أن هذا الدعاء هو اسم هللا األعظم‪ ،‬فحين سمع النبي ﷺ‬
‫س ِّئ َل ِّب ِّه أعطى]‪.‬‬
‫أجاب‪ ،‬وإذا ُ‬
‫َ‬ ‫اْلعظم الَّذي إذا ُد ِّع َ‬
‫ي ِّب ِّه‬ ‫ِّ‬ ‫باسم ِّه‬
‫ِّ‬ ‫[والَّذي نَفسي بي ِّد ِّه لقد سأ َل َّ َ‬
‫َّللا‬
‫فاستفتحوا دعاءكم به وفي سجودكم‪..‬‬

‫• وقد قيل ا‬
‫أن المراد باّلسم األعظم حالة يكون عليها الداعي‪ ،‬وهي تشمل ك َّل َمن دعا هللا تعالى‬
‫بأي اسم ِمن أسمائه‪ ،‬إن كان على تلك الحال‪.‬‬

‫• قال الحافظ ابن حجر‪ :‬وقيل‪ :‬المراد باّلسم األعظم‪ :‬ك ُّل اسم من أسماء هللا تعالى دعا العب ُد به‬
‫مستغرقًا؛ بحيث ّل يكون في فكره حالتئِ ٍذ غير هللا تعالى‪ ،‬ا‬
‫فإن َمن تأتَّى له ذلك استجيب له‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫لتدعو بها‪.‬‬
‫َ‬ ‫لذلك تراني قد دللتك في كتابي هذا على بعض من أسماء هللا الحسنى‬

‫فعليك أن تدرك أهمية دعائك بأسماء هللا الحسنى‪:‬‬

‫وإن من أعظم ما ينبغي‬ ‫إن قضية أسماء هللا الحسنى من أخطر وأه ام الموضوعات في الدين‪ ،‬ا‬ ‫• ا‬
‫على العبد اّلهتمام به من أمر الدنيا واآلخرة‪ :‬معرفة هللا جل جًلله‪ ،‬بأسمائه الحسنى وصفاته‬
‫العليا‪ ،‬واّلجتهاد في إحصاء ذلك‪ ،‬وترقاي منازل العبودية من ذلك الباب الرحب؛ وإناما يشرف‬
‫العلم‪ ،‬بحسب شرف المعلوم‪ ،‬وّل علم أشرف من العلم باهلل ج ال جًلله‪ ،‬وّل ثمرة أعظم من تلك‬
‫الثمرة التي يرجوها العبد من إحصاء أسماء هللا الحسنى‪ ،‬وصفاته العليا‪ ،‬والتعبد لرباه بذلك‬
‫فإن معرفة أسماء هللا جل جًلله‬ ‫ودعائه سبحانه بأسمائه‪{ :‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}‪ ،‬ا‬
‫الواردة في الكتاب والسنة وما تتضمنه من معاني جليلة‪ ،‬وأسرار بديعة‪ ،‬لهي من أعظم األسباب‬
‫التي تعين على زيادة إيمان العبد‪ ،‬وتقوية يقينه‪ ،‬قال شيخ اإلسًلم ابن تيمية –رحمه هللا‪“ :-‬ولما‬
‫كانت حاجة النفوس إلى معرفة رباها أعظم الحاجات‪ ،‬كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق‬
‫معرفة ما سواه‪ ،‬وكان ذكرهم ألسمائه أعظم من ذكرهم ألسماء ما سواه”‪.‬‬

‫ّلِل ِت ْس َعةً‬
‫َّللا ﷺ قَالَ‪ِ [ :‬إ َّن ِ َّ ِ‬ ‫ع ْنهُ‪ :‬أَ َّن َر ُ‬
‫سو َل َّ ِ‬ ‫َّللا َ‬
‫ي َّ ُ‬‫ض َ‬ ‫ع ْن أَ ِبي ه َُري َْرةَ َر ِ‬‫وروى البخاري ومسلم َ‬
‫احدًا‪َ ،‬م ْن أَ ْح َ‬
‫صاهَا َد َخ َل ال َجنَّةَ]‪.‬‬ ‫َوتِ ْسعِينَ ا ْس ًما ِمائَةً ِإ َّّل َو ِ‬

‫تدعو ُمستغرقًا‪ِ :‬باسم هللا النصير أن ينصرك‪ ..‬و ِباسم هللا الكافي أن يكفيك‪ ..‬و ِباسم‬
‫َ‬ ‫لذلك عليك أن‬
‫هللا العظيم الكبير القوي أن يقويك‪ ..‬وبِاسم هللا الرحيم أن يرحمك‪ ..‬وبِاسم هللا الكريم أن يكرمك‪..‬‬
‫و ِباسم هللا الوهاب أن يهبك من فضله الواسع سبحانه‪ ..‬و ِباسمه الرزاق أن يرزقك‪..‬‬

‫وأثرا وأهميةً في الدعاء هو اسم هللا (الفتااح)‪ ..‬ولألسف فالناس في‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫فضًل‬ ‫ومن أعظم أسماء هللا‬
‫غفلة عنه‪..‬‬

‫‪40‬‬
‫ح ا ْل َع ِّلي ُم }‬
‫{ َوهُ َو ا ْلفَتَّا ُ‬
‫• قد يُغلَق باب في وجهك‪ ،‬وتحاول فتحه بكل الطرق‪ ،‬وتتخذ معه كل األساليب‪ ،‬لكن تبوء كل‬
‫محاوّلتك بالفشل‪ ،‬وحين تلجأ إلى الفتَّاح‪ ،‬يفتحه في وجهك دون سبب‪ ،‬ويُقبِل عليك الخير من كل‬
‫وجه‪ ،‬وتأخذك الدهشة وأنت ترى الفتح يهمي عليك كالغيث‪.‬‬

‫ح ا ْل َع ِّلي ُم }‬
‫{ َوهُ َو ا ْلفَتَّا ُ‬
‫كثيرا‪( :‬ليس هناك حل)‪ ،‬وما ذاك اإّل ا‬
‫ألن القائل ما عرف استخدام المفتاح‪ ،‬ولم يتاجه إلى‬ ‫ً‬ ‫• تسمع‬
‫س َّد أمامك من طرق‪ ،‬فكن‬ ‫الباب؛ فالفتَّاح هو من يفتح لك ما أُغ ِلق في وجهك من أبواب‪ ،‬وما ُ‬
‫مطمئنًّا لكرم ربك وفضله‪ ،‬وعظيم عطائه‪ ،‬وسعة رحمته‪ ،‬وقُ ْل‪ :‬يا فتَّاح‪ ،‬افتح لي األبواب‪ ،‬وسخر‬
‫لي األسباب‪ ،‬إنك أنت الكريم الوهاب‪.‬‬

‫س ْك فَ َال ُم ْر ِّ‬
‫س َل لَهُ ِّم ْن بَ ْع ِّد ِّه َوهُ َو ا ْلعَ ِّزي ُز‬ ‫اس ِّم ْن َر ْح َم ٍة فَ َال ُم ْم ِّ‬
‫سكَ لَهَا َو َما يُ ْم ِّ‬ ‫َّللا ِّللنَّ ِّ‬
‫ح َّ ُ‬‫﴿ َما يَ ْفتَ ِّ‬
‫ا ْل َح ِّكي ُم﴾ [فاطر‪.]2 :‬‬
‫ً‬
‫حائًل‬ ‫• إذا فتح لك الباب‪ ،‬فلن تستطيع أي قوة أن تمنع عنك الخير‪ ،‬وتحجز عنك الهبات‪ ،‬وتقف‬
‫دون األعطيات‪.‬‬
‫ح ا ْلغَ ْي ِّ‬
‫ب َال يَ ْعلَ ُمهَا ِّإ َّال هُ َو } [األنعام‪.]59 :‬‬ ‫{ َو ِّع ْن َدهُ َمفَاتِّ ُ‬

‫إن قُوى األرض كلها لن تقدام أو تأ اخر‪ ،‬أو تعطي أو تمنع مثقال ذرة فتح بها الفتااح عليك‪،‬‬
‫• َّ‬
‫سهًل‪ ،‬والضيق سعة‪ ،‬والمنع عطا ًء‪ ،‬وهو ا‬
‫عز‬ ‫ً‬ ‫يسيرا‪ ،‬والصعب‬‫ً‬ ‫وبقولك‪( :‬يا فتااح) ستجد العسير‬
‫يضرك وما ينفعك؛ لذا هو حكيم في توقيت فتحه؛ فًل تيأس‪.‬‬ ‫ا‬ ‫وج ال يعلم ما‬

‫قهرا يكاد يمزق أضًلعه‪ ،‬ولو طرق باب الفتاح‪ ،‬لفتح له‬ ‫غ ِلب في الحجة ً‬ ‫• يجد المظلوم الذي ُ‬
‫ظلَمة وآكلي حقه؛ ألم يقل عز وجل‪ ﴿ :‬قُ ْل َي ْج َم ُع َب ْينَنَا َر ُّبنَا ث ُ َّم َي ْفتَ ُ‬
‫ح َب ْينَنَا‬ ‫الباب‪ ،‬وغلبه على ال َّ‬
‫ح ا ْلعَ ِّلي ُم ﴾ [سبأ‪.]26 :‬‬
‫ق َوهُ َو ا ْلفَتَّا ُ‬
‫ِّبا ْل َح ّ ِّ‬

‫‪41‬‬
‫ق َوأَ ْنتَ َخ ْي ُر ا ْل َفاتِّ ِّحينَ ﴾ [األعراف‪،]89 :‬‬ ‫• ويقول عز وجل‪َ ﴿ :‬ربَّ َنا ْ‬
‫افتَ ْح بَ ْي َن َنا َوبَ ْينَ قَ ْو ِّم َنا ِّبا ْل َح ّ ِّ‬
‫فإذا اشت اد صراعك مع أعدائك‪ ،‬وتعبت وأُغ ِلق كل باب في وجهك‪ ،‬توجه ً‬
‫حاّل إلى الفتااح‪ ،‬واسجد‬
‫له بقلبك‪ ،‬وو ِ اجه إليه شكواك الحارة‪ ،‬وأد ِْم ْن قرع الباب‪ ،‬وانتظر الجواب‪.‬‬

‫•إذا فَتَ َح‪ ،‬ففتحه يأخذ باأللباب‪:‬‬


‫﴿ ِّإنَّا فَتَ ْحنَا لَكَ فَتْ ًحا ُم ِّبينًا ﴾ [الفتح‪.]1 :‬‬
‫تضيق الدنيا على هاجر‪ ،‬ويمأل ولدها الوادي بصراخه‪ ،‬لكن عندما جاء الفتح كان مده ً‬
‫شا‪.‬‬
‫لقد كانت تريد شربة‪ ،‬وذاك أقصى مرادها‪ ،‬فإذا بها عين ّل تتوقف إلى يوم القيامة‪ ،‬وكانت تريد‬
‫الماء لولدها فسقى هللا منه الخلق‪،‬‬
‫فأي فتح كهذا؟‬

‫• سجن‪ ..‬ضيق‪ ..‬ابتالء‪ ..‬أسر‪..‬‬


‫ادعُ هللا باسمه الفتااح أن يفتح لك األبواب والخير‪..‬‬

‫ضع نفسك مكان سيدنا يونس ليس في ظلمة قاع المحيط الخضم‪ ،‬ولكن في غرفة واسعة تسرح‬
‫فيها وتمرح‪ ،‬لكن بابها مغلق‪ ،‬سجنك بها أحدهم‪ ،‬وّل تستطيع الخروج منها‪ ،‬كيف سيكون‬
‫شعورك؟ حتى لو كانت واسعة كيف سيضطرب قلبك؟ تخيلها مضاءة‪ ،‬لكن كيف سيمور الخوف‬
‫في وجدانك؟ ستشعر حينها أن الدنيا أُغلقت في وجهك‪ ،‬وأنك أعظم أهل األرض خوفًا‪ ،‬وليس من‬
‫فتَّاح إّل هللا‪.‬‬
‫سيدنا يونس وهو في ظلمات ثًلث‪ ،‬قد أُغ ِلقت عليه جميع األبواب‪ ،‬ليس له نصير يفتح له ما‬
‫أُغلق‪ ،‬فف اكر أن يستفتح أبواب السماء ويقرعها‬
‫ت أَ ْن َال إِّلَهَ إِّ َّال أَ ْنتَ ُ‬
‫س ْبحَانَكَ إِّ ِّنّي ُك ْنتُ ِّمنَ ال َّ‬
‫ظا ِّل ِّمينَ ﴾ [األنبياء‪]87 :‬‬ ‫﴿فَنَادَى فِّي ال ُّ‬
‫ظلُ َما ِّ‬
‫ففتح الفتااح سبحانه له‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫• ال تضيّعوا هذه الفرصة‪..‬‬
‫مستغفر فاغفر له‪ ..‬هل‬
‫ٍ‬ ‫الفتااح ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث األخير من الليل فينادي هل من‬
‫داع فأستجيب له‪..‬‬
‫من سائل فأعطيه‪ ..‬هل من ٍ‬

‫فعن عبدهللا‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪ [ :‬إ ّن هللا ّ‬


‫عز وج ّل يفتح أبواب السماء ثلث الليل الباقي‪ ،‬ثم يهبط‬
‫إلى السماء الدنيا‪ ،‬ثم يبسط يده‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أال عبد يسألني فأعطيه؟ حتى يسطع الفجر ]‪ .‬أخرجه‬
‫أحمد وأبو يعلى‪.‬‬

‫الفتّاح ‪ :‬كثير الفتح ِلما أُغلق؛ فهو عز وجل الفتاح الذي يحل كل مغلق أمام الخلق‪ ،‬ويهيئ لهم‬
‫سدَّت أمامهم السبل‪ ،‬وضاقت بهم األمور‪ ،‬فتاح يفتح لعباده منافع الدنيا والدين‪ ،‬ويفتح‬
‫المنافذ إذا ُ‬
‫للمقبلين عليه أقفال القلوب‪ ،‬ويرشد كل حائر‪ ،‬ويفرج عن كل مكروب‪.‬‬

‫فمن استصعب عليه أمر‪ ،‬أو نزل به ضر‪ ،‬أو أغلق الخلق دونه أبوابهم‪ ،‬فليعلم أن له ربًّا فتَّا ًحا‪،‬‬
‫يفتح كل مغلق‪ ،‬ويسهل كل صعب‪ ،‬وييسر كل عسير‪ ،‬وفي الثلث األخير من الليل فتح عجيب‪،‬‬
‫وعطاء مدهش‪.‬‬

‫ورا ﴾ [اإلسراء‪.]20 :‬‬


‫ظ ً‬ ‫ع َ‬
‫طا ُء َر ِّبّكَ َم ْح ُ‬ ‫﴿ َو َما كَانَ َ‬
‫والعطاء الرباني من الفتاح منهمر صبا َح مساء‪ ،‬ويد هللا مألى ّل تنقصها نفقة‪ ،‬فمن الناس من‬
‫يفتح له الفتاح في العبادة‪ ،‬ومنهم من يفتح له في إغاثة الملهوفين‪ ،‬ومنهم من يفتح له في تعليم‬
‫الناس‪ ،‬ومنهم من يفتح له ً‬
‫عمًل صال ًحا قبل موته‪.‬‬
‫س ْك فَ َال ُم ْر ِّ‬
‫س َل لَهُ ِّم ْن بَ ْع ِّد ِّه ﴾ [فاطر‪.]2 :‬‬ ‫اس ِّم ْن َر ْح َم ٍة فَ َال ُم ْم ِّ‬
‫سكَ لَهَا َو َما يُ ْم ِّ‬ ‫َّللا ِّللنَّ ِّ‬
‫ح َّ ُ‬‫﴿ َما يَ ْفتَ ِّ‬
‫إن الفتااح الذي بيده مقاليد كل شيء‪ ،‬ومفاتيح العلم والفهم‪ ،‬والهدى والخير‪ ،‬والرحمة والرزق‬ ‫• ا‬
‫والفضل‪ ،‬ومفاتيح ما انغلق وما أُشكل وانسد حري بمن يملك هذه المفاتيح وّل يملكها أحد غيره‬
‫أن يُتعلَّق به‪ ،‬ويُتو َّكل عليه‪ ،‬فًل يُرجى إّل هو‪ ،‬وّل يُتعلَّق إّل به‪ ،‬وّل يُدعى إّل هو‪ ،‬فهو عز وجل‬
‫‪43‬‬
‫ّل مانع لما أعطى‪ ،‬وّل معطي لما منع‪ .‬وما دام العبد يلح في الدعاء‪ ،‬ويطمع في اإلجابة من غير‬
‫قطع الرجاء‪ ،‬فاهلل تعالى قريب مجيب‪ ،‬ومن أدمن قرع الباب‪ ،‬يُو ِشك أن يُفتَح له‬
‫س َّد‬
‫ف على الباب‪ ،‬وإن ُ‬ ‫وليس للفتح مكان وّل زمان‪ ،‬فًل تدري متى ومن أين يأتيك الفتح لك‪ ،‬ف ِق ْ‬
‫صفر اليدين؛ فكن واثقًا بفتحه دون‬
‫َ‬ ‫عنك‪ ،‬ابقَ واقفًا ملحًّا‪ ،‬ف ا‬
‫إن الواقف على بابه سبحانه ّل يعود‬
‫ملل‪ ،‬تو اكل عليه فله خزائن الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومقاليد السماوات واألرض‪.‬‬

‫• يفتح الباب أمامك بكلمة التوحيد‪ ،‬إن كنت صادقًا في نطقها مخل ً‬
‫صا؛ ففي الحديث‪(( :‬ما قال‬
‫صا‪ ،‬إّل فُتحت له أبواب السماء‪ ،‬حتى تُفضي إلى العرش‪ ،‬ما اجتنبت‬
‫عبد‪ّ :‬ل إله إّل هللا قط مخل ً‬
‫الكبائر))؛ أخرجه الترمذي‪.‬‬

‫ب { أنّي مغلوب فانتصر }‪ ،‬فأجبته يا فتااح يا نصير بفتحك‬


‫الله ام يا فتااح دعاك نوح عليه السًلم ِ‬
‫نصرا عظي ًما إذ أغرقت األرض كلها نصرةً‬
‫ً‬ ‫إذ قلت سبحانك { ففتحنا أبواب السماء }‪ ،‬ونصرته‬
‫له وإجابةً لدعوته‪ ،‬فالله ام يا فتااح أناي مغلوبٌ فانتصر افتح لي أبواب رحمتك وفرجك ورزقك‬
‫وتدبيرك ورضاك‪ ..‬وانصرني يا نصير وارحمني يا رحيم وارزقني يا رزاق‪..‬‬
‫فيا عبد هللا‪ّ ..‬ل تغفل أن تدعو هللا سبحانه ِباسم ِه الفتااح في كل موضع وفي كل سجدة‪..‬‬

‫• وال تغفل عن هذا الذِّكر والدعاء إن أصابك ه ّم أو غ ّم أو كرب‪..‬‬


‫ط هَم َوّل َحزَ ٌن‬ ‫اب أَ َحدًا قَ ُّ‬ ‫ص َ‬ ‫َّللا ﷺ‪َ [ :‬ما أَ َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬ ‫َّللا بن مسعود قَالَ‪ :‬قَا َل َر ُ‬ ‫ع ْن َ‬
‫ع ْب ِد َّ ِ‬ ‫روى أحمد َ‬
‫ي‬ ‫ي ُح ْك ُمكَ ‪َ ،‬‬
‫ع ْد ٌل فِ َّ‬ ‫اض فِ َّ‬ ‫َاصيَتِي بِيَدِكَ ‪َ ،‬م ٍ‬ ‫ع ْبدِكَ ‪َ ،‬وا ْب ُن أَ َمتِكَ ‪ ،‬ن ِ‬ ‫ع ْبدُكَ ‪َ ،‬وا ْب ُن َ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬اللَّ ُه َّم ِإناِي َ‬
‫علَّ ْمتَهُ أَ َحدًا ِم ْن خ َْلقِكَ ‪ ،‬أَ ْو أَ ْنزَ ْلتَهُ ِفي ِكتَا ِبكَ ‪،‬‬ ‫سكَ ‪ ،‬أَ ْو َ‬ ‫ضاؤُكَ ‪ ،‬أَ ْسأَلُكَ ِب ُك ِال اس ٍْم ه َُو لَكَ َ‬
‫س َّميْتَ ِب ِه نَ ْف َ‬ ‫قَ َ‬
‫صد ِْري‪َ ،‬و ِجًل َء ُح ْزنِي‪،‬‬ ‫ور َ‬ ‫ب ِع ْندَكَ ‪ ،‬أَ ْن تَ ْج َع َل ْالقُ ْرآنَ َربِي َع قَ ْلبِي‪َ ،‬ونُ َ‬ ‫أَ ْو ا ْستَأْثَ ْرتَ بِ ِه فِي ِع ْل ِم ْالغَ ْي ِ‬
‫َّللا َه َّمهُ َو ُح ْزنَهُ َوأَ ْب َدلَهُ َمكَانَهُ فَ َر ًجا]‪.‬‬
‫َب َّ ُ‬ ‫َاب َه ِ امي‪ ،‬إِّل أَ ْذه َ‬ ‫َوذَه َ‬
‫س ِم َع َها أَ ْن َيتَ َعلَّ َم َها]‪.‬‬
‫َّللاِ‪ ،‬أَّل نَتَ َعلَّ ُم َها؟ َف َقالَ‪َ [ :‬ب َلى‪َ ،‬ي ْن َب ِغي ِل َم ْن َ‬
‫سو َل َّ‬ ‫َف ِقي َل‪َ :‬يا َر ُ‬

‫‪44‬‬
‫‪ -‬ففي الحديث‪( :‬أسألك بك ال اسم هو لك) يُبين أهمية التوسال بأسماء هللا الحسنى‪.‬‬

‫ع َواتُ ْال َم ْك ُرو ِ‬


‫ب‪ :‬اللَّ ُه َّم َر ْح َمتَكَ‬ ‫َّللا ﷺ قال‪َ [ :‬د َ‬ ‫• وروى أبو داود وأحمد عن أَ ِبي َب ْك َرةَ أن َر ُ‬
‫سو ُل َّ ِ‬
‫ص ِل ْح ِلي شَأْنِي ُكلَّهُ‪َّ ،‬ل ِإلَهَ ِإ َّّل أَ ْنتَ ]‪.‬‬
‫عي ٍْن‪َ ،‬وأَ ْ‬
‫ط ْرفَةَ َ‬‫أَ ْر ُجو‪ ،‬فَ ًَل تَ ِك ْلنِي ِإلَى نَ ْف ِسي َ‬

‫َّللا ْال َع ِظي ُم ْال َح ِلي ُم‪،‬‬


‫[ّل ِإلَهَ ِإ َّّل َّ ُ‬
‫ب‪َ :‬‬ ‫َّللا ﷺ َكانَ يَقُو ُل ِع ْن َد ْالك َْر ِ‬ ‫ي َّ ِ‬ ‫َّاس أَ َّن نَ ِب َّ‬
‫عب ٍ‬ ‫ع ْن اب ِْن َ‬
‫• وروى مسلم َ‬
‫ض َو َربُّ ْالعَ ْر ِش‬ ‫ت َو َربُّ ْاأل َ ْر ِ‬ ‫س َم َوا ِ‬ ‫َّللا َربُّ ْالعَ ْر ِش ْالعَ ِظ ِيم‪َّ ،‬ل إِلَهَ إِ َّّل َّ ُ‬
‫َّللا َربُّ ال َّ‬ ‫َّل إِلَهَ إِ َّّل َّ ُ‬
‫ْالك َِر ِيم]‪.‬‬

‫ت تقولينَ ُه َّن عن َد الكَر ِ‬


‫ب‬ ‫يس قالت‪ :‬قال لي رسو ُل هللا ﷺ‪ :‬أّل أع ِلا ُم ِك كلما ٍ‬ ‫ع َم ٍ‬‫• وعن أسماء بنت ُ‬
‫أشركُ به شيئًا"‪.‬‬ ‫هللا ربي ال ِّ‬ ‫هللا ُ‬‫ب)‪ُ " :‬‬ ‫(أو في الكَر ِ‬
‫تخوف أحدكم السلطان فليقل ‪:‬‬ ‫وإذا ّ‬
‫ارا ِم ْن فًُلَ ِن ب ِْن فُ ٍ‬
‫ًلن‪ ،‬وأحْزَ ا ِب ِه ِم ْن‬ ‫وربَّ ال َع ْر ِش ال َع ِظ ِيم‪ُ ،‬ك ْن ِلي َج ً‬‫سب ِْع‪َ ،‬‬ ‫ت ال َّ‬ ‫• [اللَّ ُه َّم َربَّ السَّـ َموا ِ‬
‫اركَ ‪َ ،‬و َج َّل ثَنُاؤُكَ ‪ ،‬وّل إِلَهَ إّلَّ أ ْنتَ ]‪.‬‬
‫ع َّز َج ُ‬
‫طغَى‪َ ،‬‬ ‫ي أَح ٌد ِم ْن ُه ْم ْأو يَ ْ‬ ‫علَ َّ‬
‫ط َ‬‫أن يَ ْف ُر َ‬
‫خًَلئِقِكَ ؛ ْ‬
‫وهذا أثر من قول عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‪.‬‬
‫قوي من استجار بك‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ا‬
‫عز جارك‪:‬‬
‫ظ سبحانه بأن يحفظك وأهلك‬ ‫ظ َم الثناء عليك‪ .‬فعليك أن تستودع نفسك الحفي َ‬ ‫ع ُ‬‫‪ -‬ج ال ثناؤك‪َ :‬‬
‫وذريتك وأحبتك ونفسك ودينك وخواتيم عملك من كل سوء‪.‬‬
‫اح ِمينَ }‪ ،‬فالحفيظ جل في عًله إذا‬ ‫ظا َوه َُو أَ ْر َح ُم َّ‬
‫الر ِ‬ ‫اّلِل َخي ٌْر َحافِ ً‬
‫• فالحفيظ سبحانه‪ :‬هو الحافظ {فَ َّ ُ‬
‫ظ عب ٍد ِمن عباده فًل تسأل كيف؟ فلن تستطيع قوة ٌ بشريةٌ أن تصل إليه ما دام يحفظه‬ ‫أراد ِحف َ‬
‫ظ موسى وهو‬ ‫ظ إبراهيم عليه السًلم من اّلحتراق بالنار وحف َ‬ ‫عًله‪ ،‬فهو الذي حف َ‬ ‫الحفيظ جل في ُ‬
‫ظ يوسف عليه السًلم‬ ‫ظ يونس عليه السًلم في بطن الحوت‪ ،‬وحف َ‬ ‫رضيع من الغرق في اليم‪ ،‬وحف َ‬
‫ظ محمد ﷺ وصاحبه‬ ‫ظ هاجر وابنها إسماعيل عليه السًلم‪ ،‬وحف َ‬ ‫في غيابة الجب وفي السجن‪ ،‬وحف َ‬
‫أبو بكر رضي هللا عنه‪ ،‬وكذلك يحفظ عباده المؤمنين وأولياءه الصالحين‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫• وهو الذي يحفظ عبده من المهالك والمعاطب‪ ،‬ويقيه مصارع السوء كقوله سبحانه‪{ :‬لَهُ ُم َع ِاق َباتٌ‬
‫ِ امن بَي ِْن يَ َد ْي ِه َو ِم ْن خ َْل ِف ِه يَ ْحفَ ُ‬
‫ظونَهُ ِم ْن أَ ْم ِر ا‬
‫َّللاِ} [الرعد‪.]11:‬‬

‫ش ْيءٍ َح ِّفي ٌ‬
‫ظ}‬ ‫{ ِّإ َّن َر ِّّبي على ُك ِّ ّل َ‬
‫كل شيء‪ ..‬كل شيء‪ّ ..‬ل يُعجزه ِحفظ كل شيء‪ ..‬فاسأله أن يحفظك وأهلك‪..‬‬

‫وهو الذي يحفظ العبد من الشرور واآلفات ويحفظه من عقابه وعذابه إن هو حفظ حدود هللا‬
‫واجتنب محارمه‪.‬‬

‫فإذا ضاقت عليك األرض وكثرت المخاطر؛ فارفع يديك إلى السماء وقل‪ :‬يا حفيظ احفظني‬
‫اح ِمينَ ﴾‪[ .‬يوسف‪.]64 :‬‬ ‫ظا َوه َُو أَ ْر َح ُم َّ‬
‫الر ِ‬ ‫اّلِل َخي ٌْر َحا ِف ً‬
‫بحفظك ﴿فَ َّ ُ‬

‫• فعليك أن تدعو هللا سبحانه بِاسمه الحفيظ‪ ،‬فقد ثبت من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه ا‬
‫أن‬
‫ظني باإلسًلم قائ ًما‪ ،‬واحفظني باإلسًلم قاعدًا‪ ،‬واحفظني‬‫النبي ﷺ كان يدعو ويقول‪[ :‬الل ُه َّم احفَ ْ‬
‫باإلسًلم راقدًا‪ ،‬وّل تُشمت بي ًّ‬
‫عدوا حاسدًا‪.]..‬‬
‫ادعُ هللا واصبر وّل تقنط وّل تجزع‪..‬‬
‫{و َما كَانَ َربُّكَ نَ ِّ‬
‫سيًّا}‬ ‫واعلم ا‬
‫أن كل ما ترفعه على جناح الدعاء نحو السماء لن يضيع ولن ينسى‪َ :‬‬
‫ثق بتدبير هللا وحكمته واصبر واطمئن‪..‬‬

‫َان َربُّكَ نَ ِّ‬


‫سيًّا }‬ ‫{ َو َما ك َ‬
‫ينس سبحانه تلك الدمعة التي سقطت بين يديه‪ ،‬والدعوة التي رفعت إليه‪ ،‬فًل تحزن‪..‬‬
‫• لم َ‬
‫سيؤتيكَ هللا من فضله‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫َان َر ُّبكَ نَ ِّ‬
‫س ًّيا }‬ ‫{ َو َما ك َ‬
‫أن األرض قد ضاقت عليك بما رحبت‪ ..‬وأناك في هذا العالم‬ ‫• قد تتكابل عليك العثرات‪ ..‬وتشعر ا‬
‫ذرة من فًلة ّل قيمة لها‪ ..‬ال َكبَد يعبث بك ذات اليمين وذات الشمال‪ ..‬واألبواب في عينيك‬
‫مؤصدة‪..‬‬
‫ألسن‬
‫ٍ‬ ‫وروحك جاثية في محراب الصبر تناشد اللطيف بفرج قريب‪ ..‬وعلى مضض تبتلع غصات‬
‫تلوكك قسوةً وظل ًما‪ ..‬وأي ٍد تضع الشوك في طريقك بعدما فرشتَ على دروبهم الياسمين والورد‪..‬‬
‫وسياط الظلم تنهال عليك‪ ..‬وتزداد الضربات الموجعة‪..‬‬
‫يتسلى البعض بضعفك وآخرون ّل يشعرون بقسوة انكسارك‪..‬‬
‫قلبك حينئ ٍذ يحترق أل ًما ويشت اد ذلك على النفس فتدمع العين حزنًا وكمدا‪..‬‬

‫بالرب الرحيم اأّل يتركك أو يتخلى عنك في هذا البًلء العظيم‪..‬‬


‫اِ‬ ‫وكل ذرة فيك تنبض توس ًاًل‬
‫بلسم شافي ٍة لكل أوجاعك‪ ..‬وينسكب وعد هللا على جرحك‬ ‫ت ٍ‬ ‫فينهال غوث هللا على فؤادك بقطرا ِ‬
‫وتفاؤّل وأنت ترتال بكل يقين وإيمان وثقة {وما كان ربُّك نسيّا}‪ ..‬فاصبر‬‫ً‬ ‫فتشرق ً‬
‫أمًل وسعادة‬
‫واحتسب وأل اح بالدعاء متو اك ًًل عليه سبحانه ُمحسنًا الظن به وكلك يقين برحمته بك فاهلل سبحانه‬
‫لن يتخلى عن عباده الضعفاء الذين سلكوا الطريق إليه وتعلاقوا ببابه حبًا ورجا ًء وخوفًا وإن‬
‫لفظتهم األبواب ودفعتهم األيدي وقَلَتهم قلوب العباد‪..‬‬

‫َان َربُّكَ نَ ِّ‬


‫سيًّا }‬ ‫{ َو َما ك َ‬
‫• لم ينسك ربك أو يهملك حاشاه بل يدبار أمورك بلطف‪ ..‬فاصبر على ما ّل تعرف فسبحانه‬
‫يبتليك ليرفعك عن باقي خلقه‪ ..‬ففي صبرك ترتفع درجات‪ ..‬وفي إلحاحك بدعائك ترتفع‬
‫درجات‪ ..‬وفي دموعك وحزنك ترتفع درجات‪ ..‬وفي مكابدتك وساوس إبليس إلقناطك من رحمة‬
‫هللا ترتفع درجات‪ ..‬وفي تذكير نفسك برحمة هللا وكرمه ولطفه وجبره وفتحه ونصره ترتفع‬
‫درجات‪ ..‬وفي ك ال تفصيل صغير ترتفع درجات‪..‬‬
‫غفرت‪ ..‬وأجر عظيم قد ُك َ‬
‫تب‬ ‫ابتًلؤك لن يطول بإذن هللا وسيمضي ومعه ذنوب كثيرة قد ُكفارت و ُ‬
‫لك‪ ..‬فاصبر واحتسب وأل اح بالدعاء‪ ..‬وتذ اكر دائ ًما‪َ :‬‬
‫{و َما َكانَ َربُّكَ نَ ِسيًّا}‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فهو الجباار سبحانه‪ ..‬فسيجبرك‪ ..‬سيجبر كسرك‪ ..‬سيجبر قلبك‪ ..‬سيجبرك حالك‪ ..‬سيجبر‬
‫ضعفك‪..‬‬

‫س َال ُم ا ْل ُم ْؤ ِّم ُن ا ْل ُم َهي ِّْم ُن ا ْلعَ ِّزي ُز ا ْل َجبَّا ُر ا ْل ُمتَ َك ِّّب ُر‬ ‫َّللا الَّذِّي َال إِّلَهَ إِّ َّال هُ َو ا ْل َم ِّلكُ ا ْلقُد ُ‬
‫ُّوس ال َّ‬ ‫﴿ هُ َو َّ ُ‬
‫ع َّما يُش ِّْركُونَ ﴾‬ ‫س ْب َحانَ َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬ ‫ُ‬
‫• قال الطبري رحمه هللا‪( :‬الجباار‪ :‬المصلح أمور خلقه المصرفهم فيما فيه صًلحهم)‪.‬‬

‫• وقال السعدي رحمه هللا‪( :‬الجبار هو بمعنى‪ :‬العلي األعلى وبمعنى الق اهار وبمعنى الرؤوف‬
‫صا قلوب‬
‫جبرا خا ً‬
‫وهو الذي يجبر الكسير‪ ،‬ويغني الفقير‪ ،‬ويجبر المريض وال ُمبتلى‪ ،‬ويجبر ً‬
‫المنكسرين لجًلله‪ ،‬الخاضعين لكماله‪ ،‬الراجين لفضله ونواله بما يفيضه على قلوبهم من المحبة‬
‫وأنواع المعارف الربانية‪ ،‬والفتوحات اإللهية والهداية واإلرشاد والتوفيق والسداد)‪.‬‬

‫• ومن معاني اسم هللا الجباار‪ :‬الذي يَجبُ ُر الضعيف وك ّل قلب ُمنكسر ْلجله‪.‬‬
‫إن هللا تعالى‪ :‬هو الجباار الذي له العلو على خلقه‪ ،‬علو الذات والقدر والصفات‪ ،‬وعلو القهر‬ ‫• ا‬
‫والجبر‪[ ،‬فإذا شهد العبد ذلك وأ ّن نواصي العباد كلها بيد هللا وحده‪ ،‬يصرفهم كيف يشاء لم‬
‫يخفهم بعد ذلك‪ ،‬ولم يرجهم‪ ،‬ولم ينزلهم منزلة المالكين‪ ،‬بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين‪،‬‬
‫﴿وه َُو ْالقَاه ُِر فَ ْوقَ ِع َبا ِد ِه َوه َُو ْال َح ِكي ُم‬
‫المتصرف فيهم سواهم والمدبار لهم غيرهم] كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫ا‬
‫ْال َخ ِب ُ‬
‫ير﴾‪.‬‬
‫ربانا آمنا أناك الجباار‪ ..‬شهدنا أناك الجباار‪ ..‬فاجبرنا سبحانك‪ ..‬اجبر حالنا‪ً ..‬‬
‫جبرا يليق بجبرك‬
‫ورحمتك‪..‬‬

‫وافرا‪..‬‬
‫ً‬ ‫وهب لنا فر ًجا من عندك إناك أنت الو اهاب‪ ..‬يا و اهاب هب لنا من خزائنك رزقًا واس ًعا‬

‫هب لنا َمسكن خير وصحبة خير وجيرة خير‪ ..‬هب لنا من خزائن فضلك فإناك أنت الو اهاب‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫﴿أَ ْم ِّعن َدهُ ْم َخ َزائِّ ُن َر ْح َم ِّة َر ِّبّكَ ا ْلعَ ِّز ِّ‬
‫يز ا ْل َو َّها ِّ‬
‫ب﴾‪.‬‬

‫فيقتضي اسم هللا الو اهاب دعاء هللا تعالى وسؤاله‪ ،‬فمن أراد أن يهبه هللا تعالى شيئًا فليتذكر اسمه‬
‫الو اهاب ويدعوه به‪ ،‬كما أخبر هللا تعالى عن دعاء الراسخين في العلم‪:‬‬
‫اب ﴾ [آل عمران‪.]٨ :‬‬‫﴿ َر َّبنَا َال ت ُ ِّز ْغ قُلُو َبنَا َب ْع َد ِّإ ْذ َه َد ْيتَنَا َو َه ْب لَنَا ِّم ْن لَ ُد ْنكَ َر ْح َمةً ِّإنَّكَ أَ ْنتَ ا ْل َو َّه ُ‬

‫أنس رضي هللا‬


‫• وّل حرج للمسلم أن يطلب من هللا تعالى أن يهبه من خيري الدنيا واآلخرة‪ ،‬فعن ٍ‬
‫عذاب‬
‫َ‬ ‫اآلخرة َحسنة‪ ،‬وقِنا‬
‫أكثر دعاء النبي ﷺ‪[ :‬الله ام آتِنا في الدنيا َحسنة وفي ِ‬
‫عنه قال‪ :‬كان ُ‬
‫النار] متفق عليه‪.‬‬

‫إن هللا سبحانه هو الو اهاب‪ ،‬والو اهاب هو كثير الهبات والمنح والعطايا واألفضال‪ ،‬وهو الذي يهب‬ ‫ا‬
‫تفضًل وابتدا ًء من غير استحقاق وّل مكافأة لهم‪{ :‬ما عندكم يَ ْنفَ ُد وما ِّع ْن َد هللا ٍ‬
‫باق}‪.‬‬ ‫ً‬

‫اجنَا َوذُ ِّ ّريَّاتِّنَا قُ َّرةَ أَ ْعيُ ٍن َوا ْجعَ ْلنَا ِّل ْل ُمتَّ ِّقينَ إِّ َما ًما}‬
‫{ربَّنَا َه ْب لَنَا ِّم ْن أَ ْز َو ِّ‬
‫َ‬
‫ادعُ بها حتى إن كنت ّل زلت أعزبًا‪ ..‬ادعُ بها من اآلن‪ ..‬ادعُ الو اهاب أن يهبك زو ًجا وأبنا ًء‬
‫مطيعين هلل سبحانه عابدين له‪.‬‬

‫رب‬
‫إن هذا دعاء الصالحين‪ ،‬وفيه الدُّعا ُء واّللتجا ُء إلى ا ِ‬ ‫• قال بعض السلف في هذه اآلية‪ :‬ا‬
‫كيف يشا ُء‪ ،‬وقد‬
‫َ‬ ‫صبعين من أصاب ِعه يُق ِلابُها‬
‫ِ‬ ‫فالقلوب بينَ أ ُ‬
‫ُ‬ ‫الزوجةَ والبنا ِ‬
‫ت واألبنا َء‪،‬‬ ‫َّماء‪ ،‬ليُص ِل َح َّ‬
‫الس ِ‬
‫ُّعاء‪.‬‬
‫وع َد من دعاهُ بإجاب ِة الد ِ‬

‫‪49‬‬
‫َاء}‬ ‫ط ِّيّبَةً ِّإ َّنكَ َ‬
‫س ِّمي ُع ال ُّدع ِّ‬ ‫ب َه ْب ِّلي ِّمن لَّدُنكَ ذُ ِّ ّريَّةً َ‬ ‫{ر ّ ِّ‬
‫َ‬
‫كبيرا‪ ،‬لكناه دعا بيقين متو اك ًًل على هللا سبحانه‬
‫ً‬ ‫دعا بها زكريا عليه السًلم وقد بلغ من العمر مبلغًا‬
‫الظن به أناه سميع الدعاء و ُمجيبه‪ ،‬فرزقه هللا سبحانه بذرية طيبة مباركة إذ رزقه يحيى‬ ‫ا‬ ‫ُمحسنًا‬
‫بارا بوالديه‪:‬‬‫عليه السًلم ًّ‬
‫ارا ع َِّص ًّيا}‪.‬‬ ‫{و َحنَانًا ِّ ّمن لَّ ُدنَّا َو َزكَاةً َوكَانَ تَ ِّق ًّيا}‪َ ،‬‬
‫{و َب ًّرا ِّب َوا ِّل َد ْي ِّه َولَ ْم َيكُن َج َّب ً‬ ‫َ‬

‫صا هلل‪ ،‬وأرجى‬ ‫فزكريا عليه السًلم {نَاد َٰى َربَّهُ نِّدَا ًء َخ ِّفيًّا}‪ :‬دعا ربه ً‬
‫سرا؛ ليكون أكمل وأت ام إخًل ً‬
‫عودتني اإلجابة فيما مضى ولم تُخ ِيابني‬‫ش ِقيًّا﴾‪ :‬يقول َّ‬
‫ب َ‬
‫عائِكَ َر ا ِ‬ ‫﴿ولَ ْم أَ ُك ْن ِب ُد َ‬
‫لإلجابة‪ ،‬ثم قال‪َ :‬‬
‫سبحانك ولم تُش ِقني‪.‬‬

‫ب َال تَذَ ْرنِّي فَ ْردًا َوأَنتَ َخ ْي ُر ا ْل َو ِّارثِّ َ‬


‫ين }‬ ‫{ َر ّ ِّ‬
‫وهكذا نادى زكرياا رباه ودعاه فاستجاب هللا له سبحانه‪.‬‬
‫كم من أحد قد دعا بهذا الدعاء فوهبه هللا الوهاب سبحانه ذريةً طيبة بعد أن طال عليه البًلء‪..‬‬
‫كثيرا في دعائه وسجوده‬
‫ً‬ ‫ب َال تَذَ ْرنِّي فَ ْردًا َوأَنتَ َخ ْي ُر ا ْل َو ِّارثِّينَ }‪ ،‬ويرداده‬
‫{ر ّ ِّ‬
‫لكنه كان يدعو‪َ :‬‬
‫فاستجاب هللا سبحانه‪.‬‬

‫هذا فتح من هللا‪ ،‬أن يُلهمك هللا سبحانه الدعاء فتدعو به ث ام يستجيب لك‪ ..‬فسبحانه ما أكرمه‪ ،‬فهو‬
‫ي ك َِّري ٌم}‪{ ،‬ا ْق َرأْ َو َربُّكَ ْاْلَك َْر ُم}‪ ،‬فالكريم‪ :‬اس ٌم جليلٌ‪ ،‬ي ِ‬
‫ُدخل‬ ‫الكريم األكرم سبحانه‪{ :‬فإ ّن َربِّّي َ‬
‫غنِّ ٌّ‬
‫البهجة على قلوب عباد هللا المؤمنين الذين عرفوا قيمة أسماء هللا التي تد ُّل على الترغيب‪ ،‬فأحسُّوا‬
‫ضلَها‪ ،‬وأحبُّوا من رباِهم أن يُرى عليهم حًلها‪.‬‬ ‫فَ ْ‬
‫ً‬
‫وشماّل‪ ،‬وأن ِن َع َم هللا ّل تُق ِيادها قيودٌ‪،‬‬ ‫أن عطاء هللا تعالى ّل تحدُّه حدودٌ‪ ،‬فطفقوا ينفقون يمينًا‬
‫علموا ا‬
‫إجًلّل‪ ،‬وأن كرم هللا تعالى فيُّوض وممدود‪ ،‬فمدُّوا أيديهم‬ ‫ً‬ ‫فراحوا يشكرون المن ِع َم باإلحسان‬
‫ً‬
‫أرساّل‪.‬‬ ‫بالعطاء سخاء‬

‫‪50‬‬
‫طاء‪ ،‬وهو ذو العزة‬ ‫يعطي سبحانه بًل سؤال‪ ،‬وهو الكبير المتعال‪ ،‬ويعفو عن المذنب الخ َّ‬
‫ً‬
‫إهماّل‪،‬‬ ‫ً‬
‫إمهاّل ّل‬ ‫صر بالبَ ْذل‪،‬‬‫والجًلل‪ ،‬يُجازي بالفضل‪ ،‬ويُحا ِسب بالعَدْل‪ ،‬ويُقابِل الًلهي المق ِ ا‬
‫يفيض نداهُ!‬
‫ُ‬ ‫ي‪ ،‬وهو الكري ُم‪ ،‬وك ْم‬‫وهـو الحميدُ‪ ،‬هو المجي ُد الول ُّ‬

‫"الكريم"‪ :‬عظمت ِن َع ُمه‪ ،‬وكثُرت خيراتُه‪،‬‬


‫صو َها ﴾‪ :‬من ك ال‪ ،‬نعم ك ال ما سألتموه‪،‬‬ ‫سأ َ ْلت ُ ُموهُ َو ِّإ ْن تَعُدُّوا نِّ ْع َمتَ َّ ِّ‬
‫َّللا َال ت ُ ْح ُ‬ ‫﴿ َوآتَا ُك ْم ِّم ْن ُك ِّ ّل َما َ‬
‫أن هللا سبحانه سيرزقكم إيااها كلها‪ ،‬وحين يأذن هللا ويستجيب‬ ‫فادعوا بحوائجكم كلاها بيقين تام ا‬
‫فقيرا‪،‬‬
‫يوم هو في شأن} يغني ً‬ ‫سأ َ ْلت ُ ُموهُ} فهو سبحانه {كل ٍ‬ ‫{وآتَا ُك ْم ِّم ْن ُك ِّ ّل َما َ‬ ‫تبتسمون مردادين‪َ :‬‬
‫كسيرا‪ ،‬ويميت ويحيي‪ ،‬ويخفض ويرفع‪ّ ،‬ل يشغله شأن عن شأن‪ ،‬وّل تغلطه المسائل‪ ،‬وّل‬ ‫ً‬ ‫ويجبر‬
‫يبرمه إلحاح ال ُملحاين‪ ،‬بل يحبا عباده الصابرين على أبوابه ال ُملحاين‪ ،‬وّل يبرمه طول مسألة‬
‫السائلين‪ ،‬وسبحانه الذي ّل يمنعه من اإلعطاء معصية العاصين‪ ،‬فسبحان الكريم الوهاب‪ ،‬الذي‬
‫ع امت مواهبه أهل األرض والسموات‪ ،‬وع ام لطفه جميع الخلق في كل اآلنات واللحظات‪ ،‬سبحانه‬
‫ّل نُحصي ثنا ًء عليه‪ ،‬فما أكر َمه! وما أرح َمه!‬

‫عرفَه الغزالي تعريفًا ِّ‬


‫جام ًعا‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫• والكريم َّ‬
‫"الكريم"‪ :‬هو الذي إذا قَ َد َر عفا‪ ،‬وإذا وعد وفاى‪ ،‬وإذا أعطى زاد على ُمنتهى الرجاء‪ ،‬وّل يُبالي‬
‫عاتب وما استقصى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كم أعطى‪ ،‬ولمن أعطى‪ ،‬وإن ُر ِف َعت حاجةٌ إلى غيره ّل يرضى‪ ،‬وإذا ُج ِف َ‬
‫ي‬
‫وّل يَضيع َم ْن ّلذَ به والتجأ‪ ،‬بل ويُغنيه عن الوسائل والشفعاء وهو الذِي تُرفَ ُع إلَيْه ُك ُّل َحا َج ٍة‬
‫ب‪.‬‬
‫ب وّل يُعَاقِ ُ‬ ‫َت أَ ْو َكبِ َ‬
‫يرةً‪ ،‬والكريم هو الذي ّل يُعَاتِ ُ‬ ‫يرةً كَان ْ‬
‫ص ِغ َ‬
‫َ‬

‫ض لي ال َحا َجةُ أحيانًا فَأ َ ْست َِحيي‬ ‫سى عليه السًلم قَا َل في ُمنَا َجاتِ ِه‪[ :‬إنَّهُ لَت ُ ْع َر ُ‬ ‫ي‪ :‬أَ َّن ُمو َ‬ ‫شي ِْر ُّ‬‫وذَك ََر القُ َ‬
‫ع ِجينِكَ ‪،‬‬ ‫س ْل ِني َحتَى ِم ْل َح َ‬
‫غي ِْري‪َ ،‬و َ‬ ‫س ْل َ‬ ‫سى َّل تَ َ‬ ‫غي َْركَ ‪ ،‬فَأ َ ْو َحى ُ‬
‫هللا إلي ِه‪َ :‬يا ُمو َ‬ ‫سأَلَكَ ‪ ،‬فَأ َ ْسأ َ ُل َ‬ ‫أَ ْن أَ َ‬
‫ف شَاتِكَ ]‪.‬‬ ‫علَ َ‬‫َو َ‬
‫ير‬ ‫غير‪ ،‬والعَ ِس ُ‬ ‫ص ٌ‬ ‫َبير ِع ْن َده َ‬
‫َبير‪ ،‬بَ ِل الك ُ‬ ‫ير والك ُ‬ ‫ص ِغ ُ‬
‫سوا ًء ال َّ‬‫ون‪ ،‬فَ َ‬ ‫َوذَلِكَ َأل َّن أَ ْم َرهُ بعد الك ِ‬
‫َاف والنُّ ِ‬
‫ب لَ ِيا ٌن‪.‬‬
‫ص ْع ُ‬ ‫ير‪ ،‬وال َّ‬ ‫َي ِس ٌ‬
‫علَى ال ُمنَى فَ ُه َو هللاُ َو ْح َدهُ‪.‬‬ ‫طى زَ ا َد َ‬ ‫والكريم سبحانه هو الذِي إذا أَ ْع َ‬

‫‪51‬‬
‫غي ُِر تَ َكلُّفٍ ‪.‬‬
‫ير ال َخي ِْر ال ُمتَأ َ ِتاي ِل ُك ِال َما يُرا ُد ِم ْنهُ ِم ْن َ‬
‫يم) ه َُو ال َكثِ ُ‬
‫إن (الك َِر َ‬ ‫ار‪َّ :‬‬ ‫وقَا َل اب ُن ال َح َّ‬
‫ص ِ‬
‫سنَاتِ‪.‬‬ ‫ت بال َح َ‬ ‫ع ْن َها‪ ،‬وتَ ْبدِيلُه ال َّ‬
‫سياِئَا ِ‬ ‫ع ْف ُوهُ َ‬ ‫غ ْف َرانُهُ للذُّنُو ِ‬
‫ب‪ ،‬و َ‬ ‫وم ْن ك ََر ِمه سبحانه ُ‬‫ِ‬

‫الله ام قد أمرتنا فقلت‪{ :‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}‪ ،‬وها نحن ندعوك باسمك الكريم‬
‫سبحانك‪..‬‬
‫بفرج عاجل‬
‫ٍ‬ ‫الله ام يا كريم أكرمنا‬
‫الله ام يا كريم أكرمنا ببشائر تتوالى علينا كالغيث‬
‫يا ُمغيث أغثنا‬
‫يا ُمغيث أغثنا‬
‫يا ُمغيث أغثنا‬

‫ي ا ْلح َِّميدُ}‬
‫{وهللا هُ َو ا ْلغَنِّ ُّ‬
‫ُ‬
‫صف نفسه فقال‪َ ﴿ :‬يا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫اس‬ ‫فالكريم سبحانه هو الغني‪ ،‬والخلق هم إليه فُقَرا ُء ُمحتا ُجون‪ ،‬كما َو َ‬
‫اعترف بفقرك إليه يُغنك سبحانه‪ ..‬فقد دعا‬ ‫ِ‬ ‫ي ْال َح ِميدُ﴾ فيا عب َد هللا‬
‫هللا ه َُو ْالغَنِ ُّ‬
‫أَ ْنت ُ ُم ْالفُقَ َرا ُء ِإلَى هللاِ َو ُ‬
‫خير فقير} وقد كان ُمطاردًا شريدًا في بًل ٍد ّل‬ ‫ي من ٍ‬ ‫ب إناي ِلما أنزلتَ إل ا‬ ‫موسى عليه السًلم‪{ :‬ر ِ‬
‫يعرف بها أحد‪ّ ..‬ل سكن وّل مأوى وّل أهل وّل عمل وّل زوجة‪ ..‬فلما دعا بها موسى عليه‬
‫السًلم ُمعترفًا بفقره رزقه هللا من كل ذلك‪ ..‬فرزقه الزوجة والمأوى والعمل واألهل والسند‪ ..‬فًل‬
‫كثيرا في كل حين‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ضا في سجودك‪ ..‬بل ردادها‬ ‫تغفل عنها أي ً‬
‫خير فقير}‪.‬‬ ‫ب إناي ِلما أنزلتَ إل ا‬
‫ي من ٍ‬ ‫{ر ِ‬
‫فاسألوا هللا الغني بِاسمه الغني أن يُغنيكم‪ ،‬فبِيَده خزائن السموات واألرض‪ ،‬وخزائن الدنيا‬
‫طرفة عين‪.‬‬‫فقير لذاته‪ُ ،‬محتَاج إلى ربه‪ّ ،‬ل ِغنى له عنه ْ‬
‫واآلخرة‪ ،‬فالربُّ غني لذاته‪ ،‬والعبد ٌ‬
‫ِ‬

‫قال شيخ اإلسًلم ابن تيميَّة رحمه هللا‪:‬‬


‫ت ّلَ ِز ٌم أَبَدًا‬
‫ف ذَا ٍ‬ ‫َو ْالفَ ْق ُر ِلي َو ْ‬
‫ص ُ‬
‫‪52‬‬
‫ف لَهُ ذَاتِي‪..‬‬ ‫َك َما ْال ِغنَى أَ َبدًا َو ْ‬
‫ص ٌ‬

‫مضارهم‪ ،‬في أمور‬


‫ِا‬ ‫ي ِ الواسع‪ ،‬في طلب مصالحهم‪ ،‬ود ْفع‬ ‫فجميع الخلق ُمفتَ ِقرون إلى هللا الغن ا‬
‫دينهم ودنياهم‪ ،‬وال ِعبَاد ّل يم ِلكون ألنفسهم شيئًا من ذلك ك ِلاه؛ قال تعالى‪:‬‬
‫اس ِّم ْن َر ْح َم ٍة َفال ُم ْم ِّ‬
‫سكَ لَهَا ﴾‪.‬‬ ‫هللا ِّللنَّ ِّ‬
‫ح ُ‬ ‫﴿ َما َي ْفتَ ِّ‬

‫يبعث في قلب اإلنسان اّلفتقار واّلنكسار والتذلال والخضوع‪ ،‬ا‬


‫وأن كل حاجاته‬ ‫ُ‬ ‫إ ّن اسم هللا الغن ّ‬
‫ي‬
‫وأن اإلنسان من غير رباه فقير ضعيف ذو حاجات كثيرة‪ ،‬فاقتضى هذا‬‫ي ج َّل وعًل‪ ،‬ا‬‫عند رباه الغن ا‬
‫اّلسم التوجاه إلى هللا تعالى بالسؤال والدعاء بإخًلص في كل صغيرة وكبيرة‪.‬‬

‫ويفرج عنكم ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫كثيرا عسى أن يُغنيكم من فضله‬ ‫ً‬ ‫• احمدوا هللا الغني ال ُمغني‬
‫ي ْال َح ِميدُ﴾ ألناه ليس ك ُّل غن ا‬
‫يٍ‬ ‫إن هللا ‪-‬ج َّل وعًل‪ -‬قَ َرنَ ِغناه بالحمد؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬وهللاُ ه َُو ْالغَنِ ُّ‬ ‫ا‬
‫َّ‬
‫واستحق عليهم‬ ‫ناف ًعا بغناه‪ ،‬اإّل إذا كان الغني َج َوادًا ُمن ِع ًما‪ ،‬وإذا جا َد وأنعم َح ِم َدهُ ال ُمن َع ُم عليهم‪،‬‬
‫الحمد‪ ،‬وليد َّل به على أناه الغني النافع ب ِغناه خلقَه‪ ،‬ال َج َواد ال ُمن ِعم عليهم‪ ،‬المستحق بإنعامه عليهم أن‬
‫يحمدوه‪.‬‬
‫فالحمد هلل‪ ..‬الحمد هلل‪ ..‬الحمد هلل‪..‬‬

‫• استبشر بما عند هللا فسيغنيك من فضله سبحانه ‪:‬‬


‫وجناهم‪ ،‬فأعطى كل واحد‬ ‫ومن كمال ِغناه سبحانه‪ ،‬أناه لو سأله ك ال الخلق‪ ،‬اأولهم وآخرهم‪ ،‬وإنسهم ِ‬
‫منهم مسألته‪ ،‬ما نقص ذلك من ملك هللا شيء‪ ،‬قال ﷺ في الحديث القدسي‪َ ( :‬يا ِع َبادِي! لَ ْو أَ َّن‬
‫اح ٍد َم ْسأَلَته‪َ ،‬ما‬ ‫سأَلُونِي‪ ،‬فَأ َ ْع َ‬
‫طيْت ُك َّل َو ِ‬ ‫احدٍ‪ ،‬فَ َ‬
‫ص ِعي ٍد َو ِ‬‫س ُك ْم َو ِجنَّ ُك ْم قَا ُموا فِي َ‬ ‫أَ َّولَ ُك ْم َو ِ‬
‫آخ َر ُك ْم َو ِإ ْن َ‬
‫ط إذَا أُد ِْخ َل ْال َبح َْر)؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ص ْال ِم ْخ َي ُ‬
‫ص ذَلِكَ ِم َّما ِع ْندِي َّإّل َك َما َي ْنقُ ُ‬ ‫نَقَ َ‬
‫نزل السكينة والطمأنينة على القلب فتُبرده‪..‬‬ ‫وهللاِ إ انها لبشارة ٌ عظيمة ت ُ ِ‬

‫‪53‬‬
‫هل بعد هذا الحديث القدسي ستتباطأ بالدعاء!! هل بعد هذا ستُق ا‬
‫صر بالدعاء! وهللا سبحانه يقول‬
‫ي هيِّّن }‪.‬‬ ‫لل ُمعجزات وك ال أمر قد يتمناه المرء ويريده‪َ { :‬‬
‫هو عل َّ‬
‫فالله ام يا غني أنت الغني ونحن الفقراء إليكَ فأغننا من فضلك وأكرمنا بكرمك يا كريم‪..‬‬
‫س ًًل؛ قال النبي ﷺ‪:‬‬ ‫سائًل متو ِ ا‬ ‫ً‬ ‫وهللا تعالى يستحيي أن يُخياب رجاء َمن رفع إليه يديه‬
‫الر ُج ُل ِّإلَ ْي ِّه َي َد ْي ِّه أَ ْن َي ُر َّدهُ َما ِّص ْف ًرا َخا ِّئ َبتَي ِّْن]‪ .‬سنن الترمذي‪.‬‬
‫ستَ ِّحي ِّإ َذا َر َف َع َّ‬
‫ي ك َِّري ٌم‪َ ،‬ي ْ‬ ‫[ ِّإ َّن َ‬
‫هللا َح ِّي ٌّ‬

‫ألجم الحزن شفتيك وضاق صدرك بِاله ام ا‬


‫فإن‬ ‫َ‬ ‫َاء}‪ :‬وإن‬ ‫• فحارب بالدعاء‪{ ..‬إِّ َّن َربِّّي لَ َ‬
‫س ِّمي ُع ال ُّدع ِّ‬
‫ب‪..‬‬
‫بر ِ‬‫بر ِ‬‫رباك يسمع تمتمات قلبك المكلوم‪ ،‬رداد بقلبك‪ :‬ر ِ‬

‫واستبشر بما عند هللا‪:‬‬


‫ش ِّر ا ْل ُم ْؤ ِّمنِّينَ }‬ ‫ح قَ ِّر ٌ‬
‫يب َوبَ ِّ ّ‬ ‫َّللا َوفَتْ ٌ‬ ‫{ َوأ ُ ْخ َرى ت ُ ِّحبُّونَهَا نَ ْ‬
‫ص ٌر ِّ ّمنَ َّ ِّ‬
‫إن لكم في أُفق الغيب أقدار سعيدة وعطايا جزيلة وأيام سعد وهناء جميلة فما‬ ‫شر المؤمنين)‪ :‬ا‬ ‫(وب ا‬
‫ُسر الكريم سبحانه فله الحمد‪ ،‬فأبشروا‪.‬‬ ‫عسر أيامكم اإّل ي ُ‬ ‫بعد ُ‬
‫نصب عينيك‪:‬‬
‫َ‬ ‫• وضع‬
‫سي ٌر}‬
‫َّللا َي ِّ‬ ‫{إ َّن ذَ ِّلكَ َ‬
‫علَى َّ ِّ‬
‫أن هللا قادر على تحقيق ما تريد مهما استحال في نظرك‪ ..‬أحسن الظن به سبحانه واطلبه‪،‬‬ ‫فثق ا‬
‫ً‬
‫سائًل أقب َل بقلبه عليه‪.‬‬ ‫وحاشاه أن ير اد‬

‫وانتظر أن تسمع هاتفًا يهتف‪{ :‬قال قد أجيبت دعوتكما}‬


‫يظن من طرق باب الكريم أنه سير ُّد خائبًا وإن طال الوقت سته ُّل بشائر السعد‪ ..‬الله ام إناا‬‫ا‬ ‫فًل‬
‫نسألك أن تشرح صدورنا وتغفر ذنوبنا وتعفو عنا وترحمنا وتفتح لنا المغاليق وأبواب الفرج‬
‫قوة اإّل بك سبحانك‪.‬‬ ‫والرحمة يا فتااح فًل حول وّل ا‬

‫ستَ َج ْبنَا لَهُ فَنَ َّج ْينَاهُ َوأَ ْهلَهُ ِّمنَ ا ْلك َْر ِّ‬
‫ب ا ْلعَ ِّظ ِّيم }‬ ‫{ فَا ْ‬
‫‪54‬‬
‫ا‬
‫الظن‪.‬‬ ‫سيستجيب هللا سبحانه وينجايك وأهلك من الكرب العظيم فاستبشر واصبر وأحسن‬

‫• بالدعاء يت ام الخًلص والنجاة‪:‬‬


‫ب نَ ِّ ّج ِّني َوأَ ْه ِّلي ِّم َّما َي ْع َملُونَ }‬
‫فحين دعا‪َ { :‬ر ّ ِّ‬
‫تبرد قلبك أناه سبحانه كرمه‬ ‫استجاب هللا سبحانه‪ { :‬فَنَ َّج ْينَاهُ َوأَ ْهلَهُ أَ ْج َم ِّعينَ }‪ ،‬ا‬
‫فإن لفظة أجمعين ا‬
‫ب‪..‬‬ ‫فاق الوصف وأناه سينجيكم أجمعين‪ ..‬نعم أجمعين‪ ..‬ر ِ‬
‫بر ِ‬

‫يب ۖ أ ُ ِّج ُ‬
‫يب‬ ‫سأَلَكَ ِّعبَادِّي َ‬
‫ع ِّنّي فَ ِّإ ِّنّي قَ ِّر ٌ‬ ‫{وإِّذَا َ‬ ‫كيف ّل وهللا سبحانه وعدنا ووعده الحق إذ قال‪َ :‬‬
‫شدُونَ }‪.‬‬ ‫َان ۖ فَ ْل َي ْ‬
‫ستَ ِّجيبُوا ِّلي َو ْليُ ْؤ ِّمنُوا ِّبي لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ُ‬ ‫َّاع ِّإذَا َدع ِّ‬
‫َدع َْوةَ الد ِّ‬

‫• فاسمع بشريات هللا سبحانه‪:‬‬


‫{فاستجاب لهُ ربّه}‬
‫َ‬
‫{فاستجبنا له}‬
‫{قد أُجيبت دعوتكما}‬
‫{فاستجاب لهم ربّهم}‬
‫َ‬
‫هؤّلء عبا ٌد دعوا هللا فُرادى و َمثنى و َجم ًعا‪ ..‬فاستجاب لهم هللا ال ُمجيب سبحانه‪ ..‬وسيستجيب لك‬
‫بإذن هللا‪ ..‬داوم قرع الباب‪.‬‬

‫وّل تيأس من روح هللا‪ّ ..‬ل تقنط‪ّ ..‬ل تجزع‪..‬‬


‫خاطب قلبك بهذه التطمينات النورانياة لتعلم أناه ما بينك وبين الفتح إّل قول "كن"‪ ،‬ففي تأ املها‬
‫راحة لقلبك‪ ،‬وسكون لروحك؛ إذ يقول في محكم تنزيله‪:‬‬
‫َّللا ﴾ [يوسف‪.]87 :‬‬
‫ح َّ ِّ‬ ‫﴿ َو َال تَ ْيأ َ ُ‬
‫سوا ِّم ْن َر ْو ِّ‬
‫‪55‬‬
‫س ًرا ﴾ [الطًلق‪.]7 :‬‬
‫س ٍر يُ ْ‬
‫ع ْ‬
‫َّللا بَ ْع َد ُ‬
‫سيَ ْجعَ ُل َّ ُ‬
‫﴿ َ‬
‫﴿ قُ ِّل َّ ُ‬
‫َّللا يُنَ ِّ ّجي ُك ْم ِّم ْنهَا َو ِّم ْن ُك ِّ ّل ك َْر ٍ‬
‫ب ﴾ [األنعام‪.]64 :‬‬
‫ِّث بَ ْع َد ذَ ِّلكَ أَ ْم ًرا ﴾ [الطًلق‪.]1 :‬‬ ‫﴿ َال تَد ِّْري لَعَ َّل َّ َ‬
‫َّللا يُ ْحد ُ‬
‫فًل تقنط ّل تقنط ّل تقنط‪ ..‬وّل تستجب لوساوس الشيطان بِإجزاعك وإحزانك فإناما النجوى من‬
‫الشيطان والنجوى الحزن‪ ..‬فالشيطان يريد أن يُحزن عباد هللا‪ ..‬فًل تستجب له وّل تقنط وّل‬
‫شرك‪:‬‬‫تجزع واستبشر بالخير من الكريم الغني الرحيم سبحانه عسى أن يب ا‬
‫ق فَ َال تَكُن ِّ ّمنَ ا ْلقَانِّ ِّطينَ }‪.‬‬
‫{قَالُوا بَش َّْرنَاكَ بِّا ْل َح ّ ِّ‬

‫• واعلم أ ّن النصر مع الصبر‪:‬‬


‫قال ابن القيام رحمه هللا‪ :‬ا‬
‫إن هللا سبحانه جعل الصبر جوادًا ّل يكبو‪ ،‬وصار ًما ّل ينبو‪ ،‬وجندًا ّل‬
‫يُهزم‪ ،‬وحصنًا حصينًا ّل يُهدم وّل يُثلم‪ ،‬فهو والنصر أخوان شقيقان‪ ،‬فالنصر مع الصبر‪ ،‬والفرج‬
‫مع الكرب‪ ،‬والعسر مع اليسر‪ ،‬وهو أنصر لصاحبه من الرجال بًل عدة وّل عدد‪ ،‬ومحله من‬
‫الظفر كمحل الرأس من الجسد‪ ،‬ولقد أخبر سبحانه أهل الصبر أناه يوفيهم أجرهم بغير حساب‪،‬‬
‫وأخبرهم أناه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين؛ فقال تعالى‪:‬‬
‫صا ِّب ِّرينَ ﴾‪.‬‬ ‫ص ِّب ُروا ِّإ َّن َّ َ‬
‫َّللا َم َع ال َّ‬ ‫﴿ َوا ْ‬

‫صبَ ْرت ُ ْم لَ ُه َو َخ ْي ٌر ِّلل َّ‬


‫صابِّ ِّرينَ ﴾‪.‬‬ ‫أن الصبر خير ألهله فقال تعالى‪َ ﴿ :‬ولَئِّ ْن َ‬
‫وأخبر ا‬
‫صى األنبياء أقوامهم بالصبر‪ ،‬فها هو موسى عليه السًلم يوصيهم ويأمرهم ويُر ِشدهم أن‬ ‫لذلك و ا‬
‫{و ْالعَاقِبَةُ ِل ْل ُمتَّقِينَ }‪.‬‬
‫صبِ ُروا}‪َ ،‬‬ ‫يستعينوا باهلل ويصبروا‪ { :‬قَا َل ُمو َ‬
‫س َٰى ِلقَ ْو ِم ِه ا ْستَ ِعينُوا بِ َّ ِ‬
‫اّلِل َوا ْ‬

‫ضا في اآلخرة حين تأتي فتُدهشك جبا ٌل من الحسنات واألجر العظيم‬ ‫والبشرى العظيمة تجدها أي ً‬
‫لدرجة كبيرة ّل تُحصى وّل تُحسب فتقول من أين لي ك ال هذا فيجيبك مجيب‪ { :‬يُ َوفَّى ال َّ‬
‫صا ِّب ُرونَ‬
‫ب } وألهمية الصبر وفضله كان جزاؤه الجنة مباشرةً‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫سا ٍ‬‫أَج َْرهُ ْم ِّبغَي ِّْر ِّح َ‬
‫صبَ ُروا َجنَّةً َوح َِّر ً‬
‫يرا }‪.‬‬ ‫{ َوج ََزاهُم بِّ َما َ‬

‫‪56‬‬
‫• فاصبر وتو اكل على هللا تن ُج‪..‬‬
‫علَى َربِّّ ِّه ْم يَتَ َو َّكلُونَ ﴾‪.‬‬ ‫كن ِمن‪ ﴿ :‬الَّ ِّذينَ َ‬
‫صبَ ُروا َو َ‬
‫ا‬
‫وألن أجر الصبر عظيم كان ال ِعوض عظيم‪:‬‬ ‫•‬
‫صبر إّل كان‬ ‫قال عمر بن عبدالعزيز‪[ :‬ما أن َعم هللا على عب ٍد نعمةً فانتزعها منه‪َّ ،‬‬
‫فعوضه مكانها ال َّ‬
‫خيرا مما انتزعه]‪.‬‬
‫عوضه ً‬ ‫ما َّ‬
‫• اصبر وكن كري ًما عند هللا‪:‬‬
‫صبر كنز من كنوز الخير‪ّ ،‬ل يعطيه هللا إّل لعب ٍد كريم عنده‪.‬‬
‫قال الحسن البصري‪ :‬ال َّ‬

‫• أفضل العيش تُدركه بالصبر‪:‬‬


‫صبر كان من الرجال‬ ‫صبر‪ ،‬ولو ا‬
‫أن ال َّ‬ ‫قال عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ :‬وجدنا خير عيشنا بال َّ‬
‫كان كري ًما‪.‬‬
‫تصبر تفوز‪ ..‬تصبر تكون لك قيمة‪ ..‬تصبر يُعلي هللا شأنك‪ ..‬تصبر ا‬
‫يتوّلك هللا‪ ..‬تصبر يحباك‬
‫ُفرج هللا عنك‪.‬‬
‫هللا‪ ..‬تصبر يعطيك هللا‪ ..‬تصبر ي ا‬
‫[إن لك ِل شيءٍ كر ًما‪ ،‬وكرم القلوب الرضا عن هللا]‪ .‬كيف ترضى عن هللا؟‬ ‫• يقول اإلمام أحمد‪ :‬ا‬
‫أن البًلء قد ه اد كتفك ومع ذلك ّل زلت صامدًا‪ ،‬ومتماس ًكا‬
‫أقدار هللا‪ ،‬تشعر ا‬
‫ِ‬ ‫إذا صبرتَ على‬
‫وقويًّا‪ ..‬فما وصلت هذه الرتبة اإّل بالرضا عن هللا‪ ،‬وقد جاء هذا الرضا من أناك جاوزتَ مرحلة‬
‫وإخًلص ويقين‪ ..‬فسيكرمك هللا‬
‫ٍ‬ ‫كثيرا ودعوته بصدق‬
‫ً‬ ‫الصبر ولم تسخط ولم تجزع وحمدت هللا‬
‫ويب ا‬
‫شرك بإذنه سبحانه‪.‬‬
‫• وكان لبعض العارفين ُرقعة‪ ،‬يُخرجها كل وقت‪ ،‬فينظر فيها‪،‬‬
‫كم ربّكَ فإنّك بأعيُننا }‪.‬‬
‫وفيها مكتوب‪ { :‬واصبر ِّل ُح ِّ‬

‫• فاصبر وتذ اكر ما أخبر هللا سبحانه به‪:‬‬


‫سى أَن تَك َْرهُوا َ‬
‫ش ْيئًا َوهُ َو َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم }‬ ‫ع َ‬
‫{ َو َ‬

‫‪57‬‬
‫تكره حدوثها‪ ،‬وتأتيك ُم َح املة باألسئلة‪ ،‬وّل تجد لها إجابات ُمقنعة‪ ،‬لكن‬ ‫ثَ امة أقدار ومواقف قد َ‬
‫سيِار األحداث أرا َد لك فيها‬‫أن هللا سبحانه ُمقَ ِدار األقدار و ُم َ‬
‫درك ا‬‫يظهر لك الخير فيها بعد حين‪ ..‬ت ُ ِ‬
‫سر‪ ،‬فاصبر واحمد‬ ‫عطا ًء ُمخباأ ً من حيث ّل تحتسب‪ ،‬فقبل أن تطمئن ستخاف‪ ،‬وقبل أن تُج َبر ستُك َ‬
‫الظن به‪ ..‬برحمته‪ ..‬بفرجه‪ ..‬بنصره‪ ..‬بفتحه‪..‬‬ ‫ا‬ ‫هللا وتو اكل عليه بيقين وأحسن‬
‫أمر تتاقيه‪َ ..‬ج َّر ً‬
‫أمرا ترتجيه"‪.‬‬ ‫وتذ اكر‪ُ :‬‬
‫"ربا ٍ‬

‫اإلجابةَ فيما‬
‫ض ِمنَ لَكَ ِ‬ ‫ُّعاء ُم ْو ِجبًا ِليأْسِكَ ‪ .‬فَ ُه َو َ‬
‫حاح في الد ِ‬ ‫طاء َم َع ْ‬
‫اإلل ِ‬ ‫• "ّل يَ ُك ْن تأ َ ُّخ ُر أَ َم ِد العَ ِ‬
‫ت الَّذي ت ُ ْريدُ"‪.‬‬ ‫ت الَّذي يُري ُد ّل فِي َ‬
‫الو ْق ِ‬ ‫الو ْق ِ‬
‫تارهُ ِلنَ ْفسِكَ ‪َ .‬وفي َ‬
‫تارهُ لَكَ ّل فيما تَ ْخ ُ‬ ‫َي ْخ ُ‬

‫عز وج ال قد أجابك وأجاب دعواك وعيان لذلك وقتًا هو أصلح لك وأنفع فيعطيك ذلك‬ ‫فقد يكون هللا ا‬
‫في الوقت الذي يريد ّل في الوقت الذي تريد فهو يريد لك الخير فيختاره لك سبحانه‪ ،‬وقد قال‬
‫ق َما يَشَا ُء َويَ ْختَا ُر ۗ َما كَانَ لَ ُه ُم ا ْل ِّخيَ َرةُ }‪.‬‬
‫سبحانه‪َ { :‬و َربُّكَ يَ ْخلُ ُ‬

‫تدعو هللا أن ييسار لك الخير ويرضيك به‬


‫َ‬ ‫تستخير هللا حتى بأصغر أمورك وأن‬
‫َ‬ ‫لذا عليك أن‬
‫فالرضا سبب السعادة وهو أعلم بما فيه خير لك‪ ،‬فكيف تستخيره بأن يختار لك الخير ث ام تحزن‬
‫على ما قضى!‬

‫فادعُ‪ :‬الله ام يسار لي الخير وأرضني به فأنت تعلم وّل أعلم وأنت ا‬
‫عًلم الغيوب‪.‬‬

‫خيرا أنت تجهلهُ‬


‫"ويكتب هللاُ ً‬
‫النعم"‬
‫ِ‬ ‫األمر حرما ٌن من‬
‫ِ‬ ‫وظاهر‬
‫ُ‬

‫{يُ َدبِّّ ُر ْاْل َ ْم َر}‬


‫قوة‪ ،‬فبعد أن تأخذ باألسباب وتسعى‬ ‫• فهو سبحانه مدبار األمر‪ ،‬يدبار أمرك من غير حو ٍل لك وّل ا‬
‫وتقوم بما بمقدورك فعله استسلم وتو اكل على هللا وسلام أمرك كله هلل فهو سبحانه‪{ :‬يُ َدباِ ُر ْاأل َ ْم َر ِمنَ‬
‫‪58‬‬
‫أن هللا سبحانه يدبار أمرك ويس اخر‬
‫ض}‪ ،‬فلو وقف كل شيء بظاهره ضدك فاعلم ا‬ ‫اء ِإلَى ْاأل َ ْر ِ‬
‫س َم ِ‬
‫ال َّ‬
‫ا‬
‫ويتوّلك لدرجة أناك ستعجب من تدبيره ألمورك أفضل مما سعيتَ لها‪.‬‬ ‫لك كل شيء‬
‫قوة اإّل بك‬
‫الله ام يسار أمرنا‪ ..‬دبار أمرنا‪ ..‬س اخر لنا عبادك وجندك وخلقك‪ ..‬فإناه ّل حول وّل ا‬
‫سبحانك‪.‬‬

‫• وقال أحد السلف‪ :‬الناس تقضي حوائجهم بالحرص فيها والجري عليها‪ ،‬و نحن نقضي حوائجنا‬
‫بالزهد فيها واّلشتغال باهلل عنها‪.‬‬

‫فاشغل نفسك في كربك وضيقك وشداتك بذكر هللا وعبادته وطاعته عسى أن ا‬
‫يتوّلك هللا سبحانه‬
‫ويفرج عنك‪ ،‬وّل تقنط وّل تجزع وّل تحزن إن تأ اخر عنك الخير‪ ،‬وّل تسمح للشيطان أن يوسوس‬
‫ا‬
‫لك بغضب هللا عليك‪:‬‬

‫{ َما َودّعكَ َربُكَ َو َما ٰ‬


‫َقلى }‬
‫ما وداعك‪ :‬ما تركك‪.‬‬
‫وّل قًلكَ ‪ :‬وّل أبغضك‪.‬‬
‫• ا‬
‫إن انقطاع الخير عنك في بعض األوقـات‪ ،‬هو تهيئة لخير جديد فثق برب السموات‪.‬‬

‫{ َما َودّعكَ َربُكَ َو َما ٰ‬


‫َقلى }‬
‫أياها المؤمن الثابت على العهد مع رباك ّل ينسينَّك البًلء قدرك عنده فهو سبحانه ما كرهك ولن‬
‫مخذوّل مهما انغلقت بعض األمور في ظاهرها في وجهك‪ ،‬فسيجبرك الجباار سبحانه‬ ‫ً‬ ‫يتركك‬
‫ويعطيك ليرضيك فاستبشر‪..‬‬

‫‪59‬‬
‫ف يُ ْع ِّطيكَ َر ُّبكَ فَت َ ْر َ‬
‫ضى ﴾‬ ‫﴿ َولَ َ‬
‫س ْو َ‬
‫استبشارا وفر ًحا ا‬
‫ألن المعطي هو هللا ّل أحد‬ ‫ً‬ ‫عندما تسمع جملة "عطاء هللا" فإن قلبك ينتشي‬
‫الخلق‪ ..‬فكيف إن كان هذا العطاء ح اد الرضا! كيف بعطاءٍ ح اد اّلرتواء!‬
‫الله ام أرضنا ورضانا ربانا‪..‬‬

‫ف يُ ْع ِّطيكَ َر ُّبكَ فَت َ ْر َ‬


‫ضى ﴾‬ ‫﴿ َولَ َ‬
‫س ْو َ‬
‫طى‪ ،‬وفي‬ ‫الرضا اإّل إذا أذنَ ُ‬
‫هللا وأع َ‬ ‫ت ال َعطاء‪ ..‬ولن يبلغ أح ٌد درج َة ِ ا‬
‫فالرضا هو أعلى َدر َجا ِ‬
‫ِا‬
‫هللا ج َّل وعًل أله ِل الجنَّ ِة‪« :‬أ ُ ِح ُّل عليكم ِرضواني فًل أس َخ ُ‬
‫ط عليكم‬ ‫الحديث القدسي الصحيح يقول ُ‬
‫أبدًا»‪.‬‬
‫ب ّل تغضب علينا‪ ..‬ارفع الساعة مقتك وغضبك عناا‪ ..‬يا حبيب‬ ‫الله ام ارضنا وّل تسخط علينا‪ ..‬ر ِ‬
‫وارض عنا وأرضنا ربنا‪ ..‬ارزقنا الرضا واليقين وارزقنا من‬
‫َ‬ ‫التائبين‪ ..‬تب علينا واعف عنا‬
‫خيري الدنيا واآلخرة واكفنا سبحانك‪..‬‬

‫ففرج عني‪ ..‬الله ام إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي‬


‫اللهم ضاقت علي األرض بما رحبت‪ ..‬ا‬
‫وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد‬
‫ي غضبٌ فًل أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي‬ ‫يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك عل ا‬
‫أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة من أن تنزل بي‬
‫قوة إّل بك‪.‬‬
‫غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى وّل حول وّل ا‬

‫﴿و َج َع ْلنَا‬
‫فإن هللا سبحانه قد جعل اإلمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين؛ فقال تعالى‪َ :‬‬ ‫فاصبر ا‬
‫ِم ْن ُه ْم أَ ِئ َّمةً َي ْهدُونَ ِبأ َ ْم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫ص َب ُروا َوكَانُوا ِبآ َيا ِتنَا يُو ِقنُونَ ﴾‪.‬‬
‫فإن أردتَ الظفر والنصر؛ فعليك باليقين والصبر‪.‬‬
‫•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••‬
‫طى بها أزماتنا فنستمر في الدعاء حتى لو كان ظاهر األمر ا‬
‫أن‬ ‫• واليقين باهلل هو قوة خارقة نتخ ا‬
‫كل األبواب مغلقة ا‬
‫وأن الظروف ليست ُميسارة‪ ،‬وك ال األسباب توحي بعكس ما نتمنى لكننا على‬
‫‪60‬‬
‫يقين ا‬
‫أن هللا سبحانه يدبار أمرنا وسيرحمنا ويجبرنا ويرزقنا وينصرنا ويكفينا ويفتح لنا أبواب‬
‫رحمته من أوسعها فهو القائل سبحانه أنا عند ا‬
‫ظن عبدي بي فليحسن الظن بي‪ ..‬الله ام هذا يقيننا‬
‫بك فعجال لنا بالفرج سبحانك‪.‬‬

‫"واليقين" هو سكون القلب عند العمل بما صدَّق به القلب‪ ،‬فالقلب مطمئن ليس فيه تخويف من‬
‫الشيطان‪ ،‬وّل يُؤ ِثار فيه ُّ‬
‫تخوف‪ ،‬فالقلب ساك ٌن آم ٌن في رحاب اليقين باهلل ليس يخاف من الدنيا ً‬
‫قليًل‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وّل‬
‫تمر به حياته و ِلما يحدث معه‪ّ ،‬ل َيقلق‬
‫• اليقين هو شعو ُر الراحة ال ُمطلقة للمرء‪ ،‬فهو َيطمئن لما ا‬
‫من غده وّل ُمستقبله‪ ،‬فيشعر ا‬
‫بأن هللا بجانبه يرعاه برعايته ويُدبار له األمر وييسار له الرزق‪،‬‬
‫ويدفع عنه المكروه‪.‬‬
‫• اليقين يجلب المعجزات‪:‬‬
‫وقوة الدعاء‪.‬‬ ‫ا‬
‫الظن باهلل ا‬ ‫والقصص من القرآن كثيرة ونر اكز فيها على حسن‬

‫• اليقين يتمثّل في العلم وزوال الشك من داخلك‪ ،‬إناه يتجساد في سيدنا نوح عليه السًلم وهو يقوم‬
‫مر عليه مأل ٌ من قومه سخروا منه‪ ..‬ا‬
‫لكن‬ ‫بصنع السفينة فوق الرمال في الصحراء‪ ،‬حيث كلاما ا‬
‫النتيجة كانت نصر هللا له إذ جعل األرض كلاها تغرق ألجله ففار التنور بالماء وهو موضع النار!‬
‫فسبحان هللا! تخيال المنظر! ماء يفور من األرض وماء ينزل من السماء وكانت األرض قد أُمرت‬
‫بعدم بلع الماء حتى يت ام نصر هللا وبعدها أمرها سبحانه‪:‬‬
‫س َما ُء أَ ْق ِّل ِّعي َوغِّيضَ ا ْل َما ُء َوقُ ِّض َ‬
‫ي ْاْل َ ْم ُر}‪.‬‬ ‫{وقِّي َل يَا أَ ْر ُ‬
‫ض ا ْبلَ ِّعي َما َء ِّك َويَا َ‬ ‫َ‬
‫نعم‪ ..‬فاليقين يجلب ال ُمعجزات‪ ،‬فقد فجار هللا سبحانه األرض كلاها عيونًا حتى التنانير التي هي‬
‫محل النار في العادة‪ ،‬والتي هي أبعد ما يكون عن الماء ليكون معجزة‪ ،‬وأنزل السماء بالماء‬
‫المنهمر فالتقى الماء على أمر قد قُدر‪.‬‬
‫• باليقين تُفتح أبواب السموات أمام دعاء العبد‪ ،‬ويُزال أي حجاب بينه وبين رحمة هللا‪.‬‬

‫• ومن اليقين حسن الظن باهلل‪ ،‬فاهلل ّل يبتلي العبد إّل بما يراه في صالحه‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫• يقول أحدهم‪ :‬مررتُ بالكثير من الصعاب‪ ،‬ولكن ما أنقذني منها هو يقيني ا‬
‫بأن رب العباد سوف‬
‫أر سعادة اإّل عندما ترسخ بقلبي يقيني باهلل تعالى‪.‬‬
‫يُنهي الصعاب وينعم علي براحة البال‪ ،‬لم َ‬

‫• اليقين يجعلك هادئًا وقت الصعاب‪ ،‬فًل تيأس أبدًا من رحمة هللا ألناك تعلم أنه ُمحيط بك‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫• قال العلماء‪ :‬اليقين هو أن تصمت في حضرة هللا‪ ،‬وتعرف أناه لن يقضي عنك حاجةً سوى هو‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫أن كل شيءٍ بيد هللا وما يصيب اإلنسان إناما رحمة من الرحمن‪.‬‬
‫• وفي اليقين سال ٌم نفسي ا‬

‫وأسلم واستبشر بتدبير هللا سبحانه وتعالى‬


‫َ‬ ‫• من اعتنق اليقين وثق باهلل سبحانه ثقةً ّل ا‬
‫شك فيها‪،‬‬
‫لك ال أموره وانقطع عن التعلاق بالناس‪ ،‬وامتنع عن طلب الدنيا وملذاتها‪.‬‬

‫• اليقين ع ّدهُ بعض العلماء اإليمان كله‪ ،‬قال بعض السلف‪ :‬الصبر نصف اإليمان‪ ،‬واليقين‬
‫اإليمان كلاه‪ ،‬وقال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬اليقين من اإليمان بمنزلة الروح من الجسد‪ ،‬وبه تفاضل‬
‫العارفون‪ ،‬وفيه تنافس المتنافسون‪ ،‬وإليه ش امر العاملون‪"..‬‬

‫تهون به علينا مصائب الدنيا‪:‬‬


‫• ومن اليقين ما ّ‬
‫عتِكَ‬
‫طا َ‬ ‫اصيكَ ‪َ ،‬و ِم ْن َ‬ ‫لقد كان من دعاء النبي ﷺ‪[ :‬اللهم ا ْق ِس ْم لَنَا ِم ْن َخ ْشيَتِكَ َما تَ ُحو ُل بَ ْينَنَا َوبَيْنَ َم َع ِ‬
‫ارنَا‬‫ص ِ‬ ‫علَ ْينَا ُمصائب ال ُّد ْن َيا‪ ،‬اللهم أمت ْعنَا ِبأ َ ْس َما ِعنَا َوأَ ْب َ‬ ‫ين َما ت ُ َه ا ِو ُن ِب ِه َ‬‫َما ت ُ َب ِلاغُنَا ِب ِه َجنَّتَكَ ‪َ ،‬و ِمنَ ْال َي ِق ِ‬
‫علَى َم ْن َ‬
‫عا َدانَا‪،‬‬ ‫ص ْرنَا َ‬ ‫ظلَ َمنَا‪َ ،‬وا ْن ُ‬ ‫علَى َم ْن َ‬ ‫ث ِمنَّا‪َ ،‬وا ْج َع ْل ثَأْ َرنَا َ‬ ‫َوقُ َّوتِنَا َما أَ ْحيَ ْيتَنَا‪َ ،‬وا ْج َع ْلهُ ْال َو ِار َ‬
‫علَ ْينَا َم ْن ّلَ‬
‫ط َ‬ ‫س ِلا ْ‬
‫صيبَتَنَا فِى دِينِنَا‪َ ،‬وّلَ تَ ْجعَ ِل ال ُّد ْنيَا أَ ْكبَ َر َه ِ امنَا‪َ ،‬وّلَ َم ْبلَ َغ ِع ْل ِمنَا‪َ ،‬وّلَ ت ُ َ‬ ‫َوّلَ تَ ْجعَ ْل ُم ِ‬
‫َي ْر َح ُمنَا]‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫فهوان المصيبة والتحلاي بالصبر تجاهها‪ :‬يتفاوت على حسب تفاوت اليقين في القلوب‪ ،‬فأعظم‬
‫صبرا هو أعظمهم يقينًا وكلاما ترقاى العبد في مراتب اليقين ترقاى في مراتب الصبر‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫الناس‬
‫َّللا َحق َو َّل يَ ْست َِخفَّنَّكَ الَّذِينَ َّل يُوقِنُونَ }‪.‬‬
‫صبِ ْر ِإ َّن َو ْع َد َّ ِ‬
‫قال تعالى {فَا ْ‬
‫الله ام نُحسن الظن بك واليقين بك والتو اكل عليك فانصرنا‪ ..‬واكفنا‪ ..‬ا‬
‫وفرج ع انا‪..‬‬

‫• اليقين في ّ‬
‫[كال إ ّن معي ربّي سيهدين]‬
‫ها هو كليم هللا موسى عليه السًلم يقول ألصحابه حينما أدركهم فرعون فوجدوا البحر من أمامهم‬
‫سى إِنَّا لَ ُمد َْر ُكونَ * قَا َل ك ًََّل إِ َّن َم ِع َ‬
‫ي‬ ‫اب ُمو َ‬‫ص َح ُ‬ ‫ان قَا َل أَ ْ‬ ‫والعدو من ورائهم‪﴿ :‬فَلَ َّما ت ََرا َءى ْال َج ْمعَ ِ‬
‫ط ْو ِد ْال َع ِظ ِيم‬
‫ق كَال َّ‬‫صاكَ ْال َبح َْر فَا ْنفَلَقَ فَ َكانَ ُك ُّل ِف ْر ٍ‬‫سى أَ ِن اض ِْربْ ِب َع َ‬ ‫ِين * فَأ َ ْو َح ْينَا ِإلَى ُمو َ‬
‫س َي ْهد ِ‬ ‫َر ِباي َ‬
‫سى َو َم ْن َم َعهُ أَ ْج َمعِينَ * ث ُ َّم أَ ْغ َر ْقنَا ْاآلخ َِرينَ ﴾‪.‬‬ ‫* َوأَ ْزلَ ْفنَا ثَ َّم ْاآلخ َِرينَ * َوأَ ْن َج ْينَا ُمو َ‬

‫• سجن‪ ..‬ضيق‪ ..‬أسر‪ ..‬حزن‪ ..‬ابتالء‪..‬‬


‫بيقين باهلل‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫المنجى هو الدعاء‬
‫يونس عليه السًلم بعد أن ابتلعه الحوت وغاص به في أعماق البحر فكان في ظلماته علم أناه ّل‬
‫ت أَ ْن َّل ِإلَهَ ِإ َّّل أَ ْنتَ ُ‬
‫س ْب َحانَكَ‬ ‫يغيثه وّل يقدر على سماعه وإنقاذه اإّل هللا سبحانه ﴿فَنَا َدى فِي ال ُّ‬
‫ظلُ َما ِ‬
‫ظا ِل ِمينَ ﴾ فنجااه هللا من بطن الحوت بدون أذى وهكذا ينجي هللا كل من توكل عليه‪.‬‬ ‫ِإ ِناي ُك ْنتُ ِمنَ ال َّ‬

‫• لم يترك الدعاء ولم يقل في نفسه قد انتهت حياتي فلماذا أدعو‪ ..‬بل ظ ّل يدعو ويلحّ‪ ..‬إنّه‬
‫اليقين باهلل‪..‬‬
‫يقين باهلل ولنتأمل تفاصيل الدعاء‬ ‫ابتلى هللا تعالى زكرياا عليه السًلم بعدم الذرية فدعا رباه بك ِل ٍ‬
‫ش ِقيًّا﴾ قال‬
‫ب َ‬ ‫ش ْيبًا َولَ ْم أَ ُكن ِب ُد َ‬
‫عائِكَ َر ا ِ‬ ‫الرأْ ُ‬
‫س َ‬ ‫ب ِإ ِناي َوهَنَ ْال َع ْ‬
‫ظ ُم ِم ِناي َوا ْشتَ َع َل َّ‬ ‫الذي دعا به ﴿قَا َل َر ا ِ‬
‫ب إني َكبِ ْرتُ وضعف عظمي وانتشر الشيب في رأسي‪ ،‬ك ال هذه األمور حدثت له عليه السًلم‬ ‫ر ِ‬
‫عز الشباب فمن‬ ‫ولم يترك الدعاء ويقل في نفسه انتهت حياتي فلماذا اطلب الولد ولم يأتني وأنا ا‬
‫‪63‬‬
‫سيصدق أناه سيأتيني اآلن‪ّ ،‬ل لم يقل هذا وحاشا لنبي مرسل أن يقول هذا‪ ..‬فعلمه كان يقينا بأن‬
‫األمل برحمة هللا تعالى يجب أن يبقى حتى آخر لحظة في حياة ابن آدم ما دام النفس موجودًا‬
‫فاألمل موجود‪ ..‬وانتظار البشارة بالنعم المرجوة موجودة وباقية وبنفس الهمة فكيف يترك الدعاء‬
‫وهو يعلم كل ذلك‪..‬؟!‬

‫• اليقين في [ال تحزن إ َّن هللا معنا]‬


‫محمد ﷺ مع صاحبه أبو بكر رضي هللا عنه في الغار فيأتي الكفار و يقفون على باب الغار‪..‬‬
‫فيرى أبو بكر رضي هللا عنه أقدامهم ويقول‪ :‬يا رسول هللا لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا‪ ..‬فقال‬
‫ﷺ‪ :‬يا أبا بكر ما ظناك في اثنين هللا ثالثهما‪ ..‬وقال‪ّ﴿ :‬ل تَحْزَ ْن ِإ َّن َّ َ‬
‫َّللا َمعَنَا﴾‪ .‬فقوله‪( :‬ما ظنك باثنين‬
‫هللا ثالثهما) يعني‪ :‬هل أحد يقدر عليهما بأذية أو غير ذلك؟ والجواب‪ّ :‬ل أحد يقدر‪ ،‬ألناه ّل مانع‬
‫لما أعطى هللا وّل معطي لما منع‪ ،‬وّل ُمذل لمن أعز وّل ُمعز لمن أذل‪ ..‬وفي هذه القصة‪ :‬دليل‬
‫ومفوض أمره إليه‪.‬‬ ‫ا‬ ‫على كمال توكل النبي ﷺ على ربه‪ ،‬وأناه معتمد عليه‪،‬‬

‫• يعبر بجنوده النهر كأنّهم يمشون على اْلرض‪ ..‬إنّه اليقين باهلل‪..‬‬
‫عندما أراد سعد بن أبي وقااص فتح المدائن وكانت على شاطئ دجلة في العراق وكان النهر في‬
‫فكون كتيبة سميت (كتيبة األهوال)‬ ‫حالة فيضان‪ ،‬فلم يجد سعد بن أبي وقااص وسيلة لعبور النهر ا‬
‫وعبرت النهر وأخلت الشاطئ نسبيًا من قوات الفُرس لما عبروا النهر‪ ،‬فتبعهم سعد بن أبي‬
‫وقااص بكامل الجيش وأمر جنده ً‬
‫قائًل‪( :‬قولوا‪ :‬نستعين باهلل ونتو اكل عليه‪ ،‬حسبنا هللا ونعم الوكيل‪،‬‬
‫قوة اإّل باهلل العلي العظيم) فجعلوا يمشون على الماء كأناهم يمشون على األرض حتى‬ ‫ّل حول وّل ا‬
‫أن الفُرس عندما رأوا هذا الموقف قالوا‪ :‬ديوانا ديوانا أي‪ :‬مجانين مجانين‪.‬‬
‫ا‬
‫سا ً بل تقاتلون جنًا‪!..‬‬
‫وعندما رأوهم ّل يغرقون قالوا لبعضهم بالفارسية‪ :‬وهللا إناكم ّل تقاتلون إن ً‬

‫قوة اإّل باهلل العلي‬


‫فالله ام إناا نستعين بك ونتو اكل عليك‪ ،‬حسبنا هللا ونعم الوكيل‪ّ ،‬ل حول وّل ا‬
‫وفرج عناا وارحمنا‪..‬‬
‫العظيم‪ ..‬نُحسن الظن بك فنجانا ا‬

‫‪64‬‬
‫يضره‪ ..‬إنّه اليقين باهلل‪..‬‬
‫ّ‬ ‫يشرب الس ّم فال‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫عندما فتح خالد بن الوليد الحيرة في العراق‪ ،‬أتاه رجل ليفاوضه ومعه الس ام‪ ،‬فرآه خالد فقال له‪ :‬ما‬
‫هذا؟ قال‪ :‬س ام عقرب‪ ،‬قال خالد‪ :‬ناولنيه‪ ،‬فأعطاه الرجل السم‪ ،‬ثم سكب خالد الس ام على يده وقال‪:‬‬
‫(بسم هللا الذي ّل يضر مع اسمه شيء في األرض وّل في السماء وهو السميع العليم) فشرب الس ام‬
‫ولم يضره! فذهب الرجل بسرعة إلى قومه يقول لهم‪ :‬يا قوم لقد أتيتكم من عند رجل أخشى أن‬
‫تضعوا السيوف فيه وّل يموت‪..‬‬

‫• دعوةٌ بيقين‪ ..‬ت ُنجيكَ من ِّ‬


‫جور السالطين‪..‬‬
‫وهذا الحجاج بن يوسف والحسن البصري رحمه هللا تعالى عندما دخل إلى الحجاج وكان قد طلبه‬
‫وأحضر السيف وهو بانتظاره ولما دخل تلفاظ بكلمات وهو بالباب‪ ..‬فانقلب الحجاج وأجلسه بجنبه‬
‫وأمر بإكرامه وقال له مثنيًا عليه‪( :‬يا سلطان العلماء) فعجب الناس ألمره وكان الحاجب قد ّلحظ‬
‫تحرك شفتيه‪ ..‬فلما خرج قال أسألك باهلل ماذا قلت عند دخولك‪..‬؟‬
‫ا‬

‫ي نعمتي‪ ..‬ومًلذي في دعوتي‪ ..‬اجعل غضبه ونقمته علي بردًا وسًل ًما‬ ‫قال الحسن‪" :‬الله ام يا ول ا‬
‫كما جعلت النار بردًا و سًل ًما على إبراهيم"‪.‬‬

‫ي نعمتي‪ ..‬ومالذي في دعوتي‪..‬‬


‫فالله ّم يا ول ّ‬
‫ي وعلى أهلي وأحبتي بردًا وسًل ًما كما جعلت النار بردًا وسًل ًما على‬
‫اجعل غضبهم ونقمتهم عل َّ‬
‫إبراهيم‪.‬‬

‫بنظر الرحمن الرحيم إلينا‪!..‬‬


‫ِّ‬ ‫نظر إلينا فاغتنينا‪ ..‬فكيف‬
‫• هذا عب ٌد َ‬
‫كبيرا له بنات فلم يستطع تركهن والذهاب إلى الحج‪..‬‬
‫ً‬ ‫وهذا حاتم األصم رحمه هللا وكان شي ًخا‬
‫فأشارت عليه ابنته الكبرى أن يحج و يو اكل أمرهم إلى هللا فهو لن يضيعهم سبحانه‪ ،‬فأخذ‬
‫‪65‬‬
‫بنصيحتها وذهب‪ ،‬فلما أمسى المساء أمسى إخوتها يتضاغون عند رجلها من الجوع‪ ،‬فتوسالت إلى‬
‫هللا اأّل يفضحها‪ ..‬فإذا بملك ا‬
‫يمر ببيتهم وقد بلغ العطش منه مبلغًا عظي ًما‪ ..‬فطلب الجنود له ما ًء‬
‫فشرب‪ ..‬ثم نظر إلى بيتهم وعرف ما بهم من فقر وحاجة فأعطاهم سترة من المال‪..‬‬
‫بنظر الرحمن الرحيم إلينا‪!..‬‬
‫ِ‬ ‫فكيف‬
‫َ‬ ‫فقالت البنت المؤمنة‪ :‬هذا عب ٌد َ‬
‫نظر إلينا فاغتنينا‪..‬‬
‫نعم إناه تسخير هللا للعبد‪ ..‬إذا شاء سبحانه فإناه يس اخر لك خلقه وجنوده وعباده كبيرهم‬
‫وصغيرهم‪ ..‬حتى الملوك يس اخرهم لك‪ ..‬فسبحانك ربانا ما أعظمك وما أكرمك‪ ..‬س اخر لنا خلقك‪..‬‬
‫وفرج كربنا‪ ..‬ربانا ربانا‪..‬‬
‫وانظر إلينا‪ ..‬انظر إلينا وارحمنا ا‬

‫• رأى الخليفة كالذباب وهو رآه كاْلسد‪ ،‬فانظر ّ‬


‫لعزة التوكّل‪..‬‬
‫وهذا اإلمام األوزاعي رحمه هللا لما دخل عبد هللا بن علي العباسي دمشق قتل في ساعة واحدة‬
‫(‪ 36‬ألفًا من المسلمين) وأدخل بغاله وخيوله في المسجد األموي‪ ..‬ثم جلس للناس وقال للوزراء‪:‬‬
‫هل يعارضني أحد؟ قالوا‪ّ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل ترون أحدًا سوف يعترض علي؟‬
‫قالوا‪ :‬إن كان فاألوزاعي وهو محدث وكان زاهدًا عابدًا‪ ،‬قال‪ :‬تعالوا به‪ ..‬فذهب الجنود‬
‫تحرك من مكانه قالوا‪ :‬يريدك عبد هللا بن علي قال‪( :‬حسبنا هللا ونعم الوكيل)‬‫لألوزاعي فما ا‬
‫أن المسألة موت أحمر وقتل‬ ‫قليًل فذهب فاغتسل ولبس أكفانه تحت الثياب ألناه يعرف ا‬ ‫انتظروني ً‬
‫ودمار ث ام قال لنفسه‪ :‬اآلن آن لك يا أوزاعي أن تقول كلمة الحق ّل تخشى في هللا لومة ّلئم فدخل‬
‫على هذا السلطان الجباار‪.‬‬
‫قال األوزاعي‪ :‬فدخلت فإذا أساطين من الجنود صفاان قد سلاوا السيوف‪ ..‬فدخلت من تحت‬
‫السيوف حتى بلغت إليه‪ ..‬وقد جلس على السرير وبيده خيزران وقد انعقد جبينه عقدة من‬
‫الغضب‪ ..‬قال‪ :‬فلاما رأيته وهللا الذي ّل إله اإّل هو كأناه أمامي ذباب (بفضل قوله حسبنا هللا ونعم‬
‫الوكيل) قال‪:‬‬
‫ماّل وّل زوجةً وإناما تذ اكرت عرش الرحمن إذا برز للناس يوم‬
‫أهًل وّل ً‬
‫فما تذكرت أحدًا ّل ً‬
‫الحساب‪..‬‬
‫‪66‬‬
‫هللا أكبر‪ ..‬ما أعظمه من تذ اكر!‬

‫قال‪ :‬يا أوزاعي ما تقول في الدماء التي أرقناها وأهرقناها؟ قال األوزاعي‪ :‬حداثنا فًلن عن فًلن‬
‫أن رسول هللا ﷺ قال‪ّ[ :‬ل يح ال دم امرئ مسلم يشهد أن ّل اله اإّل هللا وأناي‬
‫حداثنا ابن مسعود ا‬
‫رسول هللا اإّل بإحدى ثًلث‪ :‬الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة] فإن‬
‫كان من قتلتهم من هؤّلء فقد أصبت‪ ..‬وإن لم يكونوا منهم فدمائهم في عنقك‪..‬‬
‫قال‪ :‬فنكث بالخيزران ورفعت عمامتي انتظر السيف ورأيت الوزراء يستجمعون ثيابهم ويرفعونه‬
‫عن الدم‪..‬‬
‫ً‬
‫حًلّل فحساب‪ ..‬وإن كانت حرا ًما فعقاب‪..‬‬ ‫قال‪ :‬وما رأيك في األموال؟ قال األوزاعي‪ :‬إن كانت‬
‫قال‪ :‬خذ هذه البدرة وهي كيس مملوء من الذهب‪ .‬قال األوزاعي‪ّ :‬ل أريد المال قال‪ :‬فغمزني أحد‬
‫ووزعه على الجنود حتى بقي‬ ‫الوزراء يعني خذها ألناه يريد أدنى علة ليقتل‪ ..‬قال‪ :‬فأخذ الكيس ا‬
‫غا فرمى به وخرج‪ ..‬فلما خرج قال‪( :‬حسبنا هللا ونعم الوكيل) قلناها يوم دخلنا وقلناها‬ ‫الكيس فار ً‬
‫َّللا ذُو فَ ْ‬
‫ض ٍل‬ ‫سو ٌء َواتَّ َبعُوا ِرض َْوانَ َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ ُ‬ ‫ض ٍل لَ ْم َي ْم َ‬
‫س ْس ُه ْم ُ‬ ‫يوم خرجنا ﴿فَا ْنقَلَبُوا ِبنِ ْع َم ٍة ِمنَ َّ ِ‬
‫َّللا َوفَ ْ‬
‫ع ِظ ٍيم﴾‪.‬‬
‫َ‬
‫أن عبد هللا بن علي العباسي ذلك السلطان المتجبار كان يقول بعد وفاة األوزاعي كلاما مر‬ ‫ويقال ا‬
‫بقبره‪( :‬وهللا ّل أخاف في هذه الدنيا من رجل كهذا الرجل فإناي كلما رأيته يتخيل لي أناي أمام‬
‫لعز ِة التو اكل‪.‬‬
‫أسد) فسبحان هللا األوزاعي رآه كالذباب وهو يرى األوزاعي كاألسد فانظر ا‬

‫علَ ْي ِّه يَتَ َو َّك ُل ا ْل ُمتَ َو ِّ ّكلُونَ }‪.‬‬


‫ي اللَّـهُ َ‬
‫سبِّ َ‬ ‫{أَ ْو أَ َرا َدنِّي بِّ َر ْح َم ٍة َه ْل هُ َّن ُم ْم ِّ‬
‫سكَاتُ َر ْح َمتِّ ِّه قُ ْل َح ْ‬
‫بأن التو اكل على هللا سبحانه‬
‫فهذا حال من يتو اكل على هللا‪ ،‬ينصرهُ ويحفظهُ ويجبره‪ ..‬لذا أذ اكرك ا‬
‫هو مفتاح الفرج لما أنت فيه لذا قال‪:‬‬

‫عز وج ال في‬ ‫علَ ْي ِّه يَتَ َو َّك ُل ا ْل ُمتَ َو ِّ ّكلُونَ } فالتو اكل كما تعلمنا هو اّلعتماد على هللا ا‬
‫ي اللَّـهُ َ‬ ‫{ قُ ْل َح ْ‬
‫س ِّب َ‬
‫جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬هذا هو التو اكل‪ ،‬اّلعتماد على هللا‬
‫اعتمادًا حقيقيًا صادقًا في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به سبحانه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مهما كنت في ضيق‪ ..‬سجن‪ ..‬ابتًلء‪ ..‬ثق برباك وتو اكل عليه وأحسن الظن به سبحانه فسينجيك‬
‫وهللا‪..‬‬

‫إن ثقة العبد برباه الولي الذي يتولاى جميع األمور في السراء والضراء واليسر والعسر دفع الفتية‬ ‫ا‬
‫أصحاب الكهف الذين خالفوا القريب والبعيد في سبيل مرضاته سبحانه‪ ،‬ففارقوا أقرب الناس‬
‫فرارا إلى هللا‪ ،‬وطلبًا لرضاه‪ ،‬وخوفًا على دينهم من الشرك والفسوق والعصيان‪ ،‬واستبدلوا ألجل‬ ‫ً‬
‫مرضاته ضيق الكهف بسعة العيش الرغيد‪ ،‬فما كان اإّل أن وساعه هللا عليهم وتولاى أمرهم بما‬
‫نشر لهم فيه من رحمته‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫{فَأْ ُووا إِّلَى ا ْل َكه ِّ‬
‫ْف يَنش ُْر لَ ُك ْم َربُّكُم ِّ ّمن َّرحمته ويُ َهيِّّ ْئ لَكُم ِّ ّم ْن أَ ْم ِّركُم ِّ ّم ْرفَقاً} [الكهف‪.]16 :‬‬

‫أن رحمة هللا واسعة‪ ،‬إذ بعضها‪،‬‬ ‫وتأ املوا قوله عز وجل‪َ { :‬ينش ُْر لَ ُك ْم َر ُّبكُم ِّ ّمن َّرحمته} فيعلم العبد ا‬
‫أو قدر معلوم عند هللا منها؛ يكفي ليجعل ذلك الكهف‪ ،‬أو ذلك السجن‪ ،‬أو تلكم الزنزانة جنة‪ ،‬أو‬
‫روضة من رياض الجنة‪.‬‬

‫تمر به اآلن انتظر بعده فر ًجا قريبًا‪..‬‬


‫• ابتًلؤك‪ ..‬سجنك‪ ..‬ضيقك‪ ..‬كربك الذي ا‬
‫{فَأْ ُووا ِّإلَى ا ْل َكه ِّ‬
‫ْف يَنش ُْر لَ ُك ْم َربُّكُم ِّ ّمن َّرحمته}‬

‫أيقنَ أصحاب الكهف بفرج هللا ورحمته‪ ،‬فذهبوا يتل امسونها فوجدوها في أكثر األماكن وحشةً‬
‫أن كهفك الذي تشكو ظلمته وضيقه ما هو اإّل بوابة ُّ‬
‫لتنز ِل الرحمات‪ ،‬فانتظر على‬ ‫وظلمة‪ ..‬فاعلم ا‬
‫عتبة البًلء فر ًجا قريبًا‪.‬‬

‫فاصبر وأل اح بالدعاء واشغل نفسك بطاعة هللا واجتهد في ذلك وسوف ينجايك هللا سبحانه بإذنه‬
‫ض ٍ ار فَ ًَل‬
‫َّللا ِب ُ‬
‫سسْكَ َّ ُ‬ ‫تعالى فإناه ّل مخر َج وّل كاشف لما أنت فيه سوى هللا سبحانه وتعالى‪َ :‬‬
‫{و ِإن َي ْم َ‬
‫ضر وه ام وغ ام وسيرحمك ويجبرك بإذنه تعالى‪.‬‬ ‫فسيكشف هللا ما بك من ا‬
‫ُ‬ ‫ف لَهُ ِإ َّّل هُو}‪،‬‬
‫كَا ِش َ‬

‫‪68‬‬
‫اقترب الفرج‪..‬‬
‫َ‬ ‫• كلّما اشت ّد البالء‪..‬‬
‫ضاقت عليك حد اّلختناق‪!..‬‬
‫اصبر وصابر فوهللاِ ما ضاقت اإّل لتُفرج‪..‬‬
‫َّللا أَال إِّ َّن‬ ‫سو ُل َوالَّ ِّذينَ آ َمنُواْ َمعَهُ َمتَى نَ ْ‬
‫ص ُر ّ ِّ‬ ‫الر ُ‬ ‫ستْ ُه ُم ا ْلبَأْ َ‬
‫ساء َوالض ََّّراء َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّى يَقُو َل َّ‬ ‫{ َّم َّ‬
‫َّللا قَ ِّريب}‬
‫نَص َْر ّ ِّ‬
‫أصابتهم البأساء‪ :‬وهي الشداة والبًلء والفقر‪ ،‬وأصابتهم الضراء‪ُ ،‬‬
‫(وز ِلزلوا)‪ :‬أي ُح اركوا بأنواع‬
‫البًليا والرزايا و ُخوفوا‪.‬‬

‫الحيل‬
‫• يقول السعدي رحمه هللا‪ :‬هللا يبتليهم ويمتحنهم حتى إذا بلغوا هذا المبلغ وانقطعت بهم ِ‬
‫واألسباب أتاهم نصر هللا ج ال جًلله تفض ًاًل منه وكر ًما وتفري ًجا لكربتهم ورفعةً لشأنهم‪.‬‬

‫(و ُز ْل ِزلُوا) بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي وأخذ األموال وقتل األحبة وأنواع المضار‬ ‫َ‬
‫حتى وصلت بهم الحال وآل بهم الزلزال إلى أن استبطأوا نصر هللا مع يقينهم به‪.‬‬
‫فل اما كان الفرج عند الشداة‪ ،‬وكلما ضاق األمر اتسع قال تعالى‪{ :‬أَال إِّ َّن نَص َْر ّ ِّ‬
‫َّللا قَ ِّريب}‪.‬‬
‫ضا باّلبتًلء‪ ،‬ثم هنا جاءهم‬ ‫ما جاءهم الفرج اإّل بعد أن مساتهم البأساء والضراء ُ‬
‫وز ِلزلوا أي ً‬
‫فرج]‪.‬‬‫الفرج‪ ..‬فاصبروا‪[ ..‬ضاقت عليكَ ولكن ال تخف‪ ..‬ضاقت عليكَ ِّلت ُ َ‬

‫َّللا أَال ِّإ َّن‬ ‫سو ُل َوالَّ ِّذينَ آ َمنُواْ َمعَهُ َمتَى نَ ْ‬
‫ص ُر ّ ِّ‬ ‫الر ُ‬ ‫ستْ ُه ُم ا ْلبَأْ َ‬
‫ساء َوالض ََّّراء َو ُز ْل ِّزلُواْ َحتَّى يَقُو َل َّ‬ ‫{ َّم َّ‬
‫َّللا قَ ِّريب}‬
‫نَص َْر ّ ِّ‬

‫• ّل ب اد أن يمتحن هللا عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم فهي سنته الجارية‪،‬‬
‫التي ّل تتغيار وّل تتبدال‪ ،‬أن من قام بدينه وشرعه‪ّ ،‬ل ب اد أن يبتليه‪ ،‬فإن صبر على أمر هللا ولم‬
‫يُبا ِل بالمكاره الواقفة في سبيله فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها ومن السيادة آلتها‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫فهكذا كل من قام بالحق فإنه يُمت َحن‪ ،‬فكلاما اشتدات عليه وصعبت‪ ،‬إذا صابر وثابر على ما هو‬
‫المحنة في حقه ِمنحة والمشقات راحات وأعقبه ذلك اّلنتصار على األعداء وشفاء ما‬ ‫عليه انقلبت ِ‬
‫في قلبه من الداء‪ ،‬وهذه اآلية نظير قوله تعالى‪:‬‬
‫س ْبت ُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ا ْل َجنَّةَ َولَ َّما يَ ْعلَ ِّم َّ ُ‬
‫َّللا الَّ ِّذينَ جَا َهدُوا ِّم ْن ُك ْم َويَ ْعلَ َم ال َّ‬
‫صا ِّب ِّرينَ }‪.‬‬ ‫{أَ ْم َح ِّ‬
‫فكان الجهاد موازيًا للصبر‪.‬‬

‫صب علي ِّه البال َء صبًّا‪ ،‬وثَ َّجهُ علي ِّه ثَ ًّجا؛‬
‫َّ‬ ‫أحب عبدًا وأراد ْ‬
‫أن يصافِّيَهُ؛‬ ‫َّ‬ ‫• وقد قيل‪[ :‬إ َّن َ‬
‫هللا إذا‬
‫متضرعًا‪ :‬ربَّاُه!]‪ ،‬فعسى أن يجيبه الرحيم سبحانه‪ :‬لبَّيكَ عبدي! ّل تسألُني شيئًا‬ ‫ِّ ّ‬ ‫حتى يدعو العب ُد‬
‫إّل أعطيتُكَ ‪..‬‬

‫فًل تسمح لوساوس الشيطان أن تُحزنك‪ ..‬أو تقلل من يقينك ورضاك وتو اكلك على هللا بأن‬
‫يتنزل‬‫أن األنبياء صبروا ألناهم ا‬
‫يوسوس لك أناك غير قادر على الصبر والتح امل أو يوسوس ا‬
‫بشر وكانوا يتألمون من‬ ‫عليهم الوحي وألناهم واثقون من الصبر‪ ..‬استعذ باهلل من ذلك واعلم أناهم ٌ‬
‫اّلبتًلء لكناهم كانوا يصبرون ويعلموننا أن نقتدي بهم فهم قدوتنا وأُسوتنا‪ ..‬واعلم أناهم كانوا أش اد‬
‫أي الناس أش ُّد بال ًء؟‬
‫سئل ﷺ ُّ‬ ‫روي أناه‪[ :‬عندما ُ‬
‫َ‬ ‫بًل ًء منك‪ ..‬أش اد بكثير‪ ..‬ومع ذلك صبروا‪ ..‬وقد‬
‫قال‪ :‬اْلنبياء‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ث َّم َمن؟ قال‪ :‬ثم الصالحون‪ ،‬إن كان أحدهم ليُبتلى بالفقر‪ ،‬حتى‬
‫ما يجد أحدهم ّإال العباءة يحوبها‪ ،‬وإن كان أحدهم ليفرح بالبالء كما يفرح أحدكم بالرخاء]‪.‬‬

‫ُسخطكَ فتقول‪ :‬أنا لست نبيًّا‪ ..‬أنا ّل أتح امل‪ ..‬أنا ّل أستطيع الصبر‪ ..‬فوهللاِ‬
‫فًل تجعل الشيطان ي ِ‬
‫ع ُ‬
‫ظ َم فهو ّل شيء بالنسبة لبًلء األنبياء عليهم السًلم فهم أش اد الناس ابتًل ًء‪.‬‬ ‫بًلؤك مهما َ‬

‫فاصبر واستعذ باهلل‪ ..‬وّل تجزع‪ ..‬وّل تسخط‪ ..‬وّل تقنط‪..‬‬

‫• قال اإلمام ابن الجوزي رحمه هللا‪" :‬رأيت من البًلء العُجاب أن المؤمن يدعو فًل يُجاب‪،‬‬
‫أثرا لإلجابة‪ ،‬فينبغي له أن يعلم َّ‬
‫أن هذا من البًلء الذي‬ ‫فيُكرر الدعاء وتطول المدة‪ ،‬وّل يرى ً‬
‫طب‪،‬‬
‫مرض يحتاج إلى ا ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫عرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب‬ ‫يحتاج إلى الصبر‪ ،‬وما يَ َ‬
‫‪70‬‬
‫ع َرض لي من هذا الجنس‪ ،‬فإناه نزلت بي نازلة فدعوتُ وبالغتُ فلم َ‬
‫أر اإلجابة‪ ،‬فأخذ إبليس‬ ‫ولقد َ‬
‫ااك ووسوسته‪ ،‬فإناه لو‬
‫يجول في حلبات كيده‪ ،‬فقلت له‪ :‬اِخسأ يا لعين‪ ..‬ثم عدتُ إلى نفسي فقلت‪ :‬إي ِ‬
‫يبلوك في محاربة العدو لكفى في الحكمة"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لم يكن في تأخير اإلجابة اإّل أن‬
‫وهذا ليس نبيًّا وّل معه وحي بل أحد الصالحين نحسبه وهللا حسيبه ومع هذا يقول (نزلت بي‬
‫أثرا لإلجابة)‪ ،‬وحين وسوس له الشيطان استعاذ باهلل وصداه‬ ‫نازلة) (فدعوتُ وبالغتُ فلم َ‬
‫أر ً‬
‫ً‬
‫مجاّل‪ ..‬فاصبر وأل اح في الدعاء واحمد هللا على كل حال‪..‬‬ ‫وحاربه ولم يترك له‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬قيل‪ :‬الشاكر الذي يشكر على العطاء‪ ،‬والشكور الذي يشكر على‬
‫البًلء"‪.‬‬
‫شكُو ُر}‪.‬‬ ‫فكن من القليلين الذين مدحهم هللا سبحانه‪{ :‬قَ ِّلي ٌل ِّ ّم ْن ِّعبَاد َ‬
‫ِّي ال َّ‬
‫أن الفرج يأتي مع (الصبر والشكر والرضا) ّل مع الجزع والتس اخط وعدم الرضا‪ ،‬فقد‬ ‫واعلم ا‬
‫ُورا}‪.‬‬
‫شك ً‬ ‫فرج هللا على نوح عليه السًلم ونصره وأثنى عليه إذ قال سبحانه‪ِّ { :‬إنَّهُ كَانَ َ‬
‫ع ْبدًا َ‬ ‫ا‬
‫شكورا على النِعم واّلبتًلء‪.‬‬
‫ً‬ ‫اارا‬
‫فكن عبدًا صب ً‬

‫• قال اإلمام ابن الجوزي رحمه هللا‪" :‬للبًليا نهايات معلومةُ الوقت عند هللا عز وجل‪ ،‬فًل بد‬
‫للمبتلَى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البًلء‪ ،‬فإن تَقَ ْلقَ ْلتَ قبل الوقت لم ينفع التقَلقُل‪ ..‬فًل ب اد من‬
‫الصبر‪ ،‬وال َجزَ عُ ّل يفيد‪ ،‬بل يفضح صاحبه‪ ،‬فاستعجال زوال البًلء مع تقدير ُمدته ّل ينفع"‪.‬‬

‫ومهما أخافك الناس أو هددوك فعليك ليس فقط أن تتجاهل كًلمهم وإناما أن يزيدك كًلمهم ثباتًا‬
‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم‬ ‫وإيمانًا ويقينًا‪ ،‬وكن ممن قال عنهم هللا سبحانه‪{ :‬الَّ ِّذينَ قَا َل لَ ُه ُم النَّ ُ‬
‫اس إِّ َّن النَّ َ‬
‫سبُنَا اللَّـهُ َونِّ ْع َم ا ْل َو ِّكي ُل} لتحصل على هذا الفضل العظيم وهذا‬ ‫فَا ْخش َْوهُ ْم فَ َزا َدهُ ْم ِّإي َمانًا َوقَالُوا َح ْ‬
‫النصر وهذه النتيجة‪:‬‬
‫َّللا ذُو فَ ْ‬
‫ض ٍل ع َِّظ ٍيم}‪ ،‬فما‬ ‫سو ٌء َواتَّ َبعُوا ِّر ْ‬
‫ض َوانَ َّ ِّ‬
‫َّللا َو َّ ُ‬ ‫س ُه ْم ُ‬
‫س ْ‬ ‫َّللا َو َف ْ‬
‫ض ٍل َّل ْم َي ْم َ‬ ‫{ َفان َق َلبُوا ِّب ِّن ْع َم ٍة ِّ ّمنَ َّ ِّ‬
‫دام هللا معك فأنت الجماعة ولو كنت وحدك‪ ،‬وما دام هللا سبحانه حافظك فلك األمان ولو كنت في‬
‫ونصيرا‪ ،‬فالقُرب من هللا هو السًلم األبدي في‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وكيًل‬ ‫زحام المخاوف‪ ،‬فتو اكل على هللا وكفى به‬
‫هذه الحياة‪ ،‬والطمأنينة التي ّل يشوبها كدر‪ ،‬والتوفيق الذي ّل ينغاصه خذّلن‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫فالمؤمن ّل يسمح لتهديدات البشر أن تُخيفه مهما بلغت قوتها‪ ..‬فاهلل هو القوي‪ ..‬وهللا أكبر‪ ..‬وّل‬
‫يسمح لتهديداتهم أن تؤثر به‪ ..‬وإن أحزنوك بكًلمهم أو جرحوك أو ضايقوك فًل تجعل قلبك‬
‫ت لئًل يلمس قلبك وصدرك‬ ‫يعتصر ضيقًا وأل ًما منهم‪ ،‬وإناما سارع إلى تسبيح هللا واسجد له بركعا ٍ‬
‫أثرا من قولهم البتة‪ ،‬أما سمعت قوله سبحانه‪:‬‬ ‫ً‬
‫اج ِّدينَ }‪.‬‬ ‫ص ْد ُركَ ِّب َما َيقُولُونَ * َف َ‬
‫س ِّّب ْح ِّب َح ْم ِّد َر ِّّبكَ َوكُن ِّ ّمنَ ال َّ‬
‫س ِّ‬ ‫{و َل َق ْد َن ْع َل ُم أَ َّنكَ َي ِّضي ُ‬
‫ق َ‬ ‫َ‬
‫وهذا ّل ينحصر بتهديداتهم فقط وإناما بكل قول يُحزنك‪ ،‬سوا ًء جاء على هيئة ِعتاب أو مًلم ٍة أو‬
‫تهدي ٍد أو قسوةٍ أو إهان ٍة أو أي قول يُحزنك ويضيق صدرك منه‪ ،‬ما عليك اإّل أن تصبر وتُسباح هللا‬
‫كثيرا بعد سماعك لقولهم‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬ ‫ً‬ ‫سبحانه‬
‫اء اللَّ ْي ِّل‬ ‫ش ْم ِّس َوقَ ْب َل ُ‬
‫غ ُروبِّهَا َو ِّم ْن آنَ ِّ‬ ‫سبِّّ ْح بِّ َح ْم ِّد َربِّّكَ قَ ْب َل ُ‬
‫طلُ ِّ‬
‫وع ال َّ‬ ‫علَ ٰى َما يَقُولُونَ َو َ‬
‫صبِّ ْر َ‬‫{فًا ْ‬
‫َار لَ َعلَّكَ تَ ْرض َٰى}‪.‬‬ ‫س ِّّب ْح َوأَ ْط َر َ‬
‫اف النَّه ِّ‬ ‫فَ َ‬

‫شدّة بتراء ال دوام لها‪ ..‬فاستبشر واصبر‪..‬‬


‫• ال ِّ‬

‫قال ابن القيم رحمه هللا تعالى في كتابه الماتع [طريق الهجرتين]‪:‬‬
‫والمحن إلى رباه وجمعه‬
‫والمحن‪ ،‬فإن رداه ذلك اّلبتًلء ِ‬‫[إذا ابتلى هللا عبده بشيء من أنواع البًليا ِ‬
‫عليه وطرحه ببابه‪ ،‬فهو عًلمة سعادته وإرادة الخير به‪ .‬والشدّة بتراء ال دوام لها وإن طالت‪،‬‬
‫ض منها أج َّل ِعوض‪ ،‬حتى وإن ساءته وكرهها طبعه ونفرت منها‬ ‫فتُقلع عنه حين تُقلع وقد ُ‬
‫ع ا ِو َ‬
‫نفسه]‪ ،‬وأفضل ما في ِعوضها رجوعه إلى هللا سبحانه وقربه منه‪ ،‬ث ام رفع درجاته وتكفير‬
‫سيئاته‪ ،‬ثم تفريج ُكربه وتيسير أمره‪ .‬فاصبر‪..‬‬
‫• قيل ْلحد الصالحين‪ :‬كيف تصبر على االبتالء؟ قال‪ :‬كالصائم يصبر على عطشه وجوعه ْلنّه‬
‫وقريب مهما طال اليوم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يوقن أ ّن آذان المغرب آ ٍ‬
‫ت ال محالة‬
‫ت ّل محالة‪ ..‬فاصبر‪..‬‬
‫كذلك الفرج بعد الكرب آ ٍ‬

‫سر يُسرا‪..‬‬
‫صبرا‪ ..‬إن بعد العُ ِ‬
‫ً‬ ‫أياها الموجوع‬
‫أياها الباكي بلي ٍل‪ ..‬سوف يأتي النور فجرا‪..‬‬
‫‪72‬‬
‫أياها المكسور قل لي‪ ..‬هل يدي ُم هللا كسرا‪..‬‬
‫يا عزيز القلب ً‬
‫مهًل‪ّ ..‬ل ت ُ ِ‬
‫ضع بالضيق عمرا‪..‬‬
‫ّل يكون الدمع دو ًما‪ ..‬سوف تجني السعد دهرا‪..‬‬
‫الحزن أجرا‪..‬‬
‫ِ‬ ‫الحزن أمنًا‪ ..‬فاحتسب في‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إن بعد‬
‫قم معي فال َع ُ‬
‫جز عيبٌ ‪ ..‬أنت باإليمان أحرى‪..‬‬

‫• فاصبر وتو اكل على هللا‪ ..‬وأكثر من دعاء‪:‬‬


‫طرفةَ عي ٍْن]‪.‬‬ ‫أستغيث‪ ،‬أص ِّل ْح ِّلي شأنِّي كلَّهُ‪ ،‬وال ت ِّك ْلنِّي إلى نف ِّ‬
‫سي ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي يا قيُّو ُم برحمتِّ ِّك‬
‫[يا ح ُّ‬
‫روي عنه حيث قال لها‪ :‬ما يمنعك أن‬
‫َ‬ ‫فهي وصية النبي ﷺ ّلبنته فاطمة رضي هللا عنها كما‬
‫ت وإذا أمسيتِ‪.‬‬
‫أوصيك به‪ ،‬أن تقوليها إذا أصبح ِ‬
‫ِ‬ ‫تسمعي ما‬

‫بالفقر التام إليه سبحانه‪ ،‬واّلستسًلم الكامل لغناه ا‬


‫عز وج ال‪ ،‬فيقول العبد‪( :‬وّل ت ِكلني‬ ‫ِ‬ ‫اعتراف‬
‫ٌ‬ ‫فهي‬
‫إلى نفسي طرفة عين)‪ :‬أي ّل تتركني لضعفي وعجزي لحظةً واحدة‪.‬‬
‫فإن من تو اكل على هللا كفاه‪ ،‬ومن استعان باهلل أعانه‪ ،‬والعبد ّل غنى به عن هللا طرفةَ عين‪.‬‬
‫ا‬

‫ي القياوم) له فضل عظيم فقد قيل أناهما اسم هللا األعظم‪.‬‬


‫والدعاء ِباس َمي هللا‪( :‬الح ا‬
‫حق التو اكل‬
‫الظن باهلل‪ ..‬وتو اكلوا عليه ا‬ ‫ا‬ ‫فأكثروا من الدعاء بها‪ ..‬واستبشروا‪ ..‬واصبروا‪ ..‬وأحسنوا‬
‫سنِّين}‪ ،‬فاصبروا ا‬
‫فإن هللا لن يضياعكم‪،‬‬ ‫َّللا َال يُ ِّضي ُع أَج َْر ا ْل ُم ْح ِّ‬
‫صبِّ ْر فَ ِّإ َّن َّ َ‬
‫ق َويَ ْ‬ ‫واعلموا أناه‪َ { :‬م ْن يَتَّ ِّ‬
‫وقد قال اإلمام ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪" :-‬ليس من شرط المتقين ونحوهم أن ّل يقع منهم ذنب‪ ،‬وّل‬
‫ق‪ ،‬بل من‬‫أن يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب؛ فإن هذا لو كان كذلك لم يكن في األمة مت ٍ‬
‫{و َما‬
‫ضا‪َ :‬‬‫تاب من ذنوبه دخل في المتقين‪ ،‬ومن فعل ما يكفار سيئاته دخل في المتقين"‪ ،‬واعلموا أي ً‬
‫وف َّر ِّحي ٌم} فهو سبحانه رؤوف رحيم لطيف بكم فلن‬ ‫اس لَ َر ُء ٌ‬ ‫َّللا ِّبالنَّ ِّ‬
‫َّللا ِّليُ ِّضي َع ِّإي َمانَ ُكم ِّإ َّن َّ َ‬
‫كَانَ َّ ُ‬
‫{َّللا لَ ِّط ٌ‬
‫يف بِّ ِّعبَا ِّدهِّ} هكذا يخبركم ربكم‬ ‫يضي َع إيمانكم وّل صبركم وّل دعاءكم وقد قال سبحانه‪ُ َّ :‬‬
‫ظ ُّن به اإّل ً‬
‫خيرا‪.‬‬ ‫سبحانه‪ ،‬فمن يلطف بعباده ّل يُ َ‬
‫‪73‬‬
‫وقد قال العلماء في اسم هللا اللطيف سبحانه‪ :‬لطفه بعبده وولياه الذي يريد أن يُت َّم عليه إحسانه‪،‬‬
‫وتشق عليه وهي‬ ‫ا‬ ‫المحن التي يكرهها‬ ‫ويشمله بكرمه‪ ،‬ويرفعه إلى الدرجات العالية‪ ،‬فأجرى عليه ِ‬
‫عين صًلحه والطريق إلى سعادته فقد قال سبحانه‬
‫ق الو ُجو ِه‬ ‫بأر ا ِ‬ ‫سو ُق الخ َ‬
‫َير ل ِعبا ِد ِه َ‬ ‫هلل بِلُ ْ‬
‫ط ِف ِه يَ ُ‬ ‫يف ِّل َما يَشَا ُء إِّنَّهُ هُ َو ا ْلعَ ِّلي ُم ا ْل َح ِّكي ُم﴾ فا ُ‬
‫﴿إِّ َّن َر ِّبّي لَ ِّط ٌ‬
‫ور‪ ،‬وغَايا ِتها الَب ِعي َد ِة‪َ ،‬مه َما‬ ‫ت األ ُم ِ‬
‫ع ِلي ٌم بمأّل ِ‬ ‫يث ّل َي ْشعُرون‪ ،‬ألنَّهُ َ‬
‫ع ِلي ٌم َح ِكي ٌم‪َ ،‬‬ ‫وم ْن َح ُ‬ ‫ط ِف َها‪ِ ،‬‬ ‫وأل َ‬
‫واض َع َها‪ ،‬لذا قال سبحانه‪:‬‬ ‫ب َم ِ‬ ‫س ِ‬‫ض ُع األ ْشيَا َء في أ ْن َ‬ ‫بت‪َ ،‬ح ِكي ٌم يَ َ‬ ‫شعَّ ْ‬ ‫امتدت وت َ‬‫ْ‬
‫{إِّنَّهُ هُ َو ا ْلعَ ِّلي ُم ا ْل َح ِّكي ُم} فارتبط لطفه سبحانه بعلمه بمجرى األمور وأين يكمن الخير فهو يعلم وّل‬
‫عًلم الغيوب‪ ،‬كما ارتبط لطفه بحكمته فهو يلطف بك بما يرى فيه وجه الحكمة فيختار‬ ‫نعلم وهو ا‬
‫لك الخير الذي هو يراه لحكمة يلطف من خًللها بك‪ ..‬فاستبشر بفضل رباك اللطيف سبحانه‪.‬‬

‫{ ِّإ َّن َر ِّبّي لَ ِّطيف}‬


‫الخير‪،‬‬
‫َ‬ ‫سو ُق إليهم‬ ‫ف عن ُهم ال َّ‬
‫ش َّر‪ ،‬وي ُ‬ ‫سبحانهُ‪ :‬وهو البَ ُّر الـ ُمح ِس ُن ل ِعبا ِدهِ‪ ،‬الَّذِي يَ ْ‬
‫ص ِر ُ‬ ‫يف ُ‬‫• فاللَّ ِط ِ‬
‫يث ّل َيحتَ ِسبُونَ ‪.‬‬‫وم ْن َح ُ‬‫يث ّل َيعل ُمونَ ‪ِ ،‬‬ ‫ف الو ُجو ِه وأَرقِا َها‪ِ ،‬م ْن َح ُ‬ ‫ط ِ‬‫بأل َ‬

‫• قال الخطابي‪ :‬اللطيف هو ال َب ُّر بعباده‪ ،‬الذي يلطف بهم من حيث ّل يعلمون‪ ،‬ويس ِباب لهم من‬
‫مصالحهم من حيث ّل يحتسبون‪.‬‬

‫{َّللا لَ ِّط ٌ‬
‫يف ِّب ِّعبَا ِّدهِّ}‬ ‫َّ ُ‬
‫وتضرعك‪ ..‬كيف تخاف وهللا اللطيف‬
‫ا‬ ‫• فكيف تخاف وهللا اللطيف معك سبحانه يسمع دعاءك‬
‫يلطف بك فيدبار لك الخير من حيث ّل تعلم‪.‬‬

‫يف ا ْل َخ ِّبي ُر﴾‬ ‫﴿أَ َال َي ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َ‬


‫ق َوهُ َو اللَّ ِّط ُ‬
‫فاطمئن‪ ..‬فاهلل سبحانه يُذ اكركَ أناه عال ٌم بحالك وضعفك فهو الذي خلقك ث ام يطمئنك سبحانه أكثر‬
‫بذِكر اسمه اللطيف متًلز ًما مع علمه بحالك وضعفك فاسألهُ بهذا اّلسم فهو الذي يلطف بعباده‬
‫ويرحمهم رغم عظمته سبحانه‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫• قال السعدي رحمه هللا‪ :‬من معاني اللطيف أناه الذي يلطف بعبده وولياه فيسوق إليه ا‬
‫البر‬
‫واإلحسان من حيث ّل يشعر‪ ،‬ويعصمه من الشر من حيث ّل يحتسب‪ ،‬ويرقيه إلى أعلى المراتب‬
‫المحاب الجليلة‬
‫اِ‬ ‫ب ّل تكون من العبد على بال‪ ،‬حتى أناه يذيقه المكاره ليتو ا‬
‫صل بها إلى‬ ‫بأسبا ٍ‬
‫والمقامات النبيلة‪ .‬اللهم يا لطيف الطف بنا‪..‬‬
‫فإن هللا لن يضياعك وأنت الذي‬ ‫ع ُ‬
‫ظمت وكربك مهما اشت اد ا‬ ‫فيا عبد هللا‪ ..‬اعلم ا‬
‫أن شدائدك مهما َ‬
‫بإلحاح وإخًلص‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫توحاده وتعبده سبحانه‪ ،‬عليك فقط أن تتضرع إليه وتدعوه دعاء المضطر‬

‫ت ا ْل َب ِّ ّر َوا ْل َبح ِّْر تَ ْدعُونَهُ تَض َُّرعًا َو ُخ ْف َيةً}‪ :‬أي من ينجايكم من ُك َر ِ‬


‫ب البر‬ ‫{قُ ْل َمن يُنَ ِّ ّجيكُم ِّ ّمن ُ‬
‫ظلُ َما ِّ‬
‫والبحر وشدائدهما وحين يتعذار أو يتعسار عليكم وجه الحيلة‪.‬‬
‫عا‪ :‬أن تُظهروا التذلال وأنتم تدعون‪ ،‬و ُخفية أن تُبطنوا مثل‬
‫عا و ُخفية‪ :‬معنى تضر ً‬
‫تضر ً‬
‫ا‬ ‫تدعونه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫{قُ ِّل َّ ُ‬
‫َّللا يُنَ ِّ ّجيكُم ِّ ّم ْنهَا َو ِّمن ُك ِّ ّل ك َْر ٍ‬
‫ب}‬
‫فيخبر هللا سبحانه أناه هو الذي يُنجايكم من هذه الشداة‪ ،‬بل ويُطمئنك أكثر ويبشرك أناه يُنجايكم أي ً‬
‫ضا‬
‫ب}‪ :‬من جميع الكروب فًل يعجزه شيء سبحانه وّل يشغله شأن عن شأن وّل ينقُص‬ ‫{من ُك ِّ ّل ك َْر ٍ‬
‫ِّ‬
‫من ملكه شيء فهو اللطيف بكم سبحانه‪ ،‬وهو القادر على أن ينجايكم ويرزقكم ويبشركم‬
‫ش ْيءٍ قَدِّي ٌر} نعم ك ال‬
‫علَ ٰى ُك ِّ ّل َ‬
‫{وهُ َو َ‬
‫قادر على كل هذا وأكثر‪ ،‬أما سمعت قوله سبحانه‪َ :‬‬ ‫ويرحمكم‪ٌ ،‬‬
‫شيء‪ ..‬كل شيء‪ ..‬بل ونباه هللا عبده إلى أن يعلم ذلك فقال سبحانه‪:‬‬

‫ش ْيء قَدِّير}‪ ،‬هي رسائل لقلبك حين تأتيه الوساوس ا‬


‫أن األمور قد‬ ‫علَى ُك ّل َ‬ ‫{أَلَ ْم تَ ْعلَم أَ َّن َّ‬
‫َّللا َ‬
‫حاّل فتأتيك رسالةٌ من ربا السموات واألرض‬ ‫وأن الخًلص باتَ ُم ً‬ ‫تعقادت وال ُكربةَ قد اشتدات ا‬
‫ش ْيء قَدِّير} أي اعلم يا عبد هللا أ ان‬
‫علَى ُك ّل َ‬ ‫تص ُّد هذه الوساوس عنك وتقول لك‪{ :‬أَلَ ْم تَ ْعلَم أَ َّن َّ‬
‫َّللا َ‬
‫هللا سبحانه على كل شيء قدير‪ ،‬مهما اشت اد البًلء وضاق الحال وانقطعت األسباب فإناه قادر قدير‬
‫الحيل وفي كرمه ما هو فوق األمل‪ ..‬فقط‬ ‫فإن في تدبيره سبحانه ما يُغني عن ِ‬ ‫ُفرج ما بك ا‬ ‫أن ي ا‬
‫بتضرع وسينجيك سبحانه بإذنه تعالى‪.‬‬ ‫ا‬ ‫الظن به والزم بابه بالدعاء‬ ‫ا‬ ‫تو اكل عليه سبحانه وأحسن‬
‫‪75‬‬
‫• فاهلل سبحانه أمره ومأموره بعد الكاف والنون‪:‬‬
‫ش ْيءٍ ِّإذَا أَ َر ْدنَا ُه أَن نَّقُو َل لَهُ كُن فَيَكُونُ}‪.‬‬
‫{ ِّإنَّ َما قَ ْولُنَا ِّل َ‬
‫لذا عليك أن تستبشر وتلزم الدعاء‪ ،‬ألناك إن دعوته سبحانه واستجاب وأراد أن يقضي أمرك فإناه‬
‫بكلمة واحدة يقضيه حيث يقول له {كُن} فيكون مثلما دعوت‪:‬‬
‫{و ِّإذَا قَض َٰى أَ ْم ًرا فَ ِّإنَّ َما يَقُو ُل لَهُ كُن فَيَكُونُ} بل وبأفضل م اما تمنيت وذلك من فضله سبحانه‪.‬‬
‫َ‬

‫ح ِّبا ْلبَ َ‬
‫ص ِّر}‬ ‫{و َما أ َ ْم ُرنَا ِّإال َو ِّ‬
‫اح َدةٌ َكلَ ْم ٍ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫حاصًل بلمح ِة بصر‪ ..‬نعم بلمح ِة بصر‪..‬‬ ‫• وهكذا هو الحال‪ ،‬بكلمة واحدةٍ يجعل هللا سبحانه األمر‬
‫ظ َمةُ هللا سبحانه وقوته! ما إن أراد شيئًا حتى قال له كلمةً من‬
‫ع َ‬
‫فكيف تقنط! كيف تقنط وهذه َ‬
‫حرفين { ُكن} فيحصل األمر بلمحة بصر‪.‬‬

‫ح ِّبا ْلبَ َ‬
‫ص ِّر}‬ ‫{و َما أ َ ْم ُرنَا ِّإال َو ِّ‬
‫اح َدةٌ َكلَ ْم ٍ‬ ‫َ‬
‫• قال العلماء في تفسيرها أي‪ :‬إناما نأمر بالشيء مرةً واحدةً ّل نحتا ُج إلى تأكي ٍد بثانية‪ ،‬فيكون ذلك‬
‫ً‬
‫حاصًل موجودًا كلمح البصر ّل يتأ اخر طرفة عين‪.‬‬ ‫الذي أمرنا به‬

‫سدات األبواب فًل تستصعب ما تدعو هللا به وتريده‪ ،‬فاهلل أكبر وأعظم‬
‫ضعُفت األسباب و ُ‬ ‫لذا مهما َ‬
‫من كل شيء سبحانه وإناما أمره أن يقول لدعائك كن فيكون‪.‬‬

‫ألن اّلبتًلء أتعبك وأعياك وتري ُد الخًلص منه‪..‬‬ ‫• وإيااك أن تدعو على نفسك بالهًلك والموت ا‬
‫فاعًل فادعُ كما علامنا حبيبنا ونبينا‬
‫ً‬ ‫ظ ِم ُمصابك وبًلئك‪ ،‬ا‬
‫وإن كنت ّل ب اد‬ ‫إيااك أن تتمنى الموت ِل ِع َ‬
‫محمد ﷺ‪ ،‬إذ جاء في صحيح البخاري أناه قال‪:‬‬
‫‪76‬‬
‫فإن كانَ ال بُ َّد فا ِّع ًال‪ ،‬فَ ْليَقُ ِّل‪ :‬اللَّ ُه َّم أ ْحيِّنِّي ما كانَ ِّ‬
‫ت‬ ‫• [ال يَتَ َمنَّيَ َّن أ َح ُد ُك ُم ال َم ْوتَ ِّمن ض ٍ ُّر أصابَهُ‪ْ ،‬‬
‫الوفاةُ َخي ًْرا ِّلي]‪.‬‬
‫ت َ‬ ‫الحَياةُ َخي ًْرا ِّلي‪ ،‬وتَ َوفَّنِّي إذا كانَ ِّ‬

‫وعليك اأّل تجزع بل تصبر وتحتسب وتدعو بإلحاح وصبر ويقين‪ ،‬فكثير من اّلبتًلءات تمنينا‬
‫معها الموت لكنانا دُهشنا بعطايا الرحمن سبحانه بعدها‪:‬‬

‫سيًّا}‬ ‫{قَالَتْ يَا لَ ْيتَنِّي ِّمتُّ قَ ْب َل ٰ َهذَا َوكُنتُ نَ ْ‬


‫سيًا َّمن ِّ‬
‫مرت به ا‬
‫لكن هللا رزقها بهذا اّلبتًلء‬ ‫فها هي مريم عليها السًلم تمنات الموت بسبب اّلبتًلء الذي ا‬
‫للمنح العظيمة‪ ،‬فاّلبتًلء الذي تتمناى‬
‫رسوّل من أولي العزم‪ ،‬فبًلءات الصالحين هي مخابئ ِ‬ ‫ً‬ ‫ابنًا‬
‫ت عالية فاستبشر‬ ‫فيه الموت قد تكون فيه حياتك في خيري الدنيا واآلخرة وارتفاعك لدرجا ٍ‬
‫واصبر‪.‬‬
‫{يَا لَ ْيتَنِّي ِّمتُّ قَ ْب َل ٰ َهذَا}‬
‫ّل تضجر‪ّ ..‬ل تجزع‪..‬‬
‫يقر هللا عينك بعد هذا العناء‪ ،‬فحين تمنات مريم عليها‬
‫وراء األلم بُشرى يسترها الغيب‪ ،‬ومنها أن ا‬
‫السًلم الموت بسبب حملها ما لبثت أن قيل لها‪:‬‬
‫أقر هللا الرحيم سبحانه عينها‪.‬‬ ‫{فَ ُك ِّلي َواش َْر ِّبي َوقَ ِّ ّري َ‬
‫عيْنا}‪ :‬ا‬
‫فكم بين الضيق والفرج؟‬
‫الجواب‪ :‬هو ِبقَد ِر ما بين قول مريم عليها السًلم {يا ليتني مت} وقول {فكلي واشربي ا‬
‫وقري‬
‫عينا} فاصبر واستبشر‪.‬‬

‫في أش اد ضيقها‪{ :‬قَالَتْ يَا لَ ْيتَنِّي ِّمتُّ قَ ْب َل ٰ َهذا}‬

‫‪77‬‬
‫وأقر هللا عينها وطمأنها سبحانه‪:‬‬
‫ا‬ ‫هتاف بالفرج مباشرةً‪{ :‬فَنَادَا َها ِّمن تَ ْحتِّهَا أَ َّال تَح َْزنِّي}‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فجاءها‬
‫ع ْينًا}‪ ،‬في ذروة األلم ترقاب هتافًا بالفرج‪ ،‬فرباك الكريم الرحيم اللطيف‬ ‫{فَ ُك ِّلي َواش َْربِّي َوقَ ِّ ّري َ‬
‫الجبار سبحانه لن يضياعك‪.‬‬
‫سيًّا}‬ ‫{قَالَتْ يَا لَ ْيتَنِّي ِّمتُّ قَ ْب َل ٰ َهذَا َوكُنتُ نَ ْ‬
‫سيًا َّمن ِّ‬
‫بعض النوائب قد تصل بك لليأس ال ُمطبق‪ ،‬لكن كن على ثقة من تدبير هللا لك‪ ،‬فكم من يائس‬
‫تحولت أزمته سببًا للفرج وبابًا لك ال خير‪ ،‬فبعض الكربات قد تحمل في طيااتها كرامات فًل تيأس‪،‬‬
‫ا‬
‫فسيجبرك هللا برحمته بإذنه تعالى‪.‬‬
‫فًل تحزن وّل تجزع‪ ..‬ففرج هللا يأتي في حين أحوج ما يكون العبد فيه إلى هللا سبحانه‪ ،‬وقد أفلت‬
‫يديه من الناس كلاهم‪.‬‬
‫• تُغلق جميع األبواب إذا نزل البًلء‪ ،‬وّل يبقى مفتو ًحا اإّل ُ‬
‫باب السماء‪ ،‬التفت إليه فث امة ألطاف‬
‫تنزل من اللطيف سبحانه وعطاء‪.‬‬

‫حق التو اكل‪ ،‬فسيكفيك سبحانه ما أه امك‬‫فأفلت يديك من ك ال الناس وتو اكل على هللا سبحانه ا‬
‫وسيس اخر لك العدو والصديق البعيد والقريب والغريب‪ ،‬رغم أنوفهم ومن نواصيهم بل وسيدبار‬
‫ا‬
‫بحق‪.‬‬ ‫شاكرا منه‪ ،‬فقط الزم بابه بالدعاء وتو اكل عليه‬
‫ً‬ ‫تخر ساجدًا باكيًا‬
‫بإعجاز ا‬
‫ٍ‬ ‫أمرك‬

‫ويقصر‬
‫ُ‬ ‫فإن في تسخير هللا سبحانه للخلق بعضهم لبعض آليةٌ من آيات هللا‪ ،‬ت ُ‬
‫َحار فيها العقول‬ ‫ا‬
‫عنها اإلدراك‪..‬‬
‫تحتا ُج مساعدةً في أمر فيس اخر لك ربك من يكفيك أمرك ويعينك فوق ما كنت تأمل‪ّ ..‬ل تدري من‬
‫أين جاء وكيف جاء‪ّ ..‬ل تدري كيف ساقه هللا إليك‪ ..‬هذا من فضل هللا سبحانه‪ ..‬فأكثر من دعاء‪:‬‬
‫اللهم س ّخر لي عبادك وخلقك وجندك‪ ،‬الله ّم دبّر أمري فإنّي ال أُحس ُن التدبير‪ ،‬الله ّم بأمر منك‬
‫فرج عنّي وارحمني‪.‬‬
‫سبحانك ّ‬

‫والزم آداب الدعاء‪ ،‬وّل تستعجل اإلجابة‪:‬‬


‫[يستجاب ْلحدكم ما لم يعجل‪ ،‬يقول‪ :‬دعوت فلم يستجب لي]‪ ،‬وابدأ بنفسك في الدعاء‪ ،‬ثم ادعُ‬
‫لغيرك‪ ،‬فًل تقل‪ :‬حفظكم هللا وإياانا‪ ..‬وإناما قل‪ :‬حفظنا هللا وإيااكم‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫وّل تعت ِد في الدعاء‪ ،‬وّل تُف ِ ا‬
‫صل فيه‪ :‬فقد ثبت عن عبد هللا بن مغفل أناه سمع ابنه يقول‪:‬‬
‫ي سل هللا الجنة‬
‫[الله ّم إني أسألك القصر اْلبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها‪ ،‬فقال‪ :‬أي بن ّ‬
‫وتعوذ باهلل من النار‪ ،‬فإني سمعت رسول هللا ﷺ يقول‪ :‬إن سيكون في هذه اْلمة قوم يعتدون‬
‫في الطهور والدعاء]‪.‬‬
‫وإذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد هللا ا‬
‫عز وج ال والثناء عليه‪ ،‬ثم ليص ِل على النبي ﷺ‪ ،‬ثم ليدعُ بعد ذلك‬
‫ما شاء‪.‬‬
‫التضرع في الدعاء هو من‬
‫ا‬ ‫بتضرع فقد ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد ا‬
‫[أن عدم‬ ‫ا‬ ‫وعليك أن تدعو‬
‫والتضرع هو التذلال‪ ،‬والتمسكن‪ ،‬واّلنكسار‪ ،‬مع اإللحاح في التوسال‬
‫ا‬ ‫اّلعتداء في الدعاء]‪.‬‬
‫والطلب‪ ،‬وهو روح الذكر والدعاء‪.‬‬

‫وإذا نزلت به مصيبة أو فاقة أن يتعامل معها بالصبر الواجب واتاخاذ األسباب المشروعة‬
‫ً‬
‫مجمًل بكشف الكربة والدعاء بالفرج من غير اقتراح هيئة‬ ‫والممكنة‪ ،‬وأن يدعو هللا تعالى دعا ًء‬
‫معينة‪ ،‬وهللا يجيب عبده بما يشاء‪ ،‬وقد يخرق له العادة‪ ،‬لما يرى من صدقه وبذله ما في وسعه‪،‬‬
‫وعدم تقصيره‪.‬‬

‫• قال الحليمي رحمه هللا تعالى‪:‬‬


‫سؤاّل مطلقًا‪ ،‬اإّل ا‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫عز وج ال كشفها عنه‬ ‫وقد يجوز أن تحدث للعبد حاجة وضرورة‪ ،‬فيسأل هللا ا‬
‫عز وج ال عند اإلجابة ينقض له عادة‪ ،‬أو يفعل ذلك به من غير مسألة‪ ،‬جزاء له‪ ،‬لتو اكله‪ ،‬ا‬
‫وقوة‬ ‫هللا ا‬
‫إيمانه‪ ،‬مثل أن يكون في بادية‪ ،‬فتصيبه مخمصة شديدة‪ ،‬وليس معه وّل قُ ْر َبهُ أحد‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم‬
‫ادفع عني الجوع بما شئت‪ ،‬فيُح ِدث هللا مكانه طعا ًما‪ ،‬فيأكله‪.‬‬
‫وإن أصابه برد شديد خاف على نفسه منه‪ ،‬ولم يكن له ما يتدثار به‪ ،‬فيقول‪ :‬الله ام اصرف عني‬
‫البرد بما شئت‪ ،‬فيُح ِدث له كسوة ليلبسها‪ .‬أو يُشبع األول بًل طعام‪ ،‬ويُدفِئ الثاني بًل كسوة‪.‬‬
‫يوف العبودية حقاها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فمن رغب عن هذه المسألة‪ ،‬مع حدوث الضرورة‪ :‬فلم‬

‫‪79‬‬
‫وبهذا تفهم قصة أصحاب الغار‪ ،‬فهم لم يقترحوا هيئة معينة خارقة للعادة إلزالة الصخرة‪ ،‬بل‬
‫طلبوا من هللا تعالى النجاة‪ ،‬وقد خلت أيديهم من أسباب النجاة‪ ،‬وهللا قد ينجيهم بما يخرق العادة‬
‫كما حصل‪ ،‬وقد ينجيهم بأن يهدي إليهم من المارة من يسمع حسهم وصوتهم‪ ،‬ويعينهم على إزالة‬
‫الصخرة‪.‬‬
‫ع ِّل ْمتُ ِّم ْنهُ َو َما لَ ْم أَ ْعلَ ْم‪َ ،‬وأَعُوذُ ِّبكَ ِّمنَ الش ِّ َّّر‬
‫آج ِّل ِّه‪َ ،‬ما َ‬ ‫سأَلُكَ ِّمنَ ا ْل َخي ِّْر ُك ِّلّ ِّه ع ِّ‬
‫َاج ِّل ِّه َو ِّ‬ ‫[الل ُه َّم ِّإ ِّنّي أَ ْ‬
‫ع ِّل ْمتُ ِّم ْنهُ‪َ ،‬و َما لَ ْم أَ ْعلَ ْم]‪.‬‬ ‫اج ِّل ِّه َوآَ ِّج ِّل ِّه َما َ‬ ‫ُك ِّلّ ِّه‪َ ،‬‬
‫ع ِّ‬

‫بأن لك الحمد ّل إله اإّل أنت المنان بديع‬ ‫رجًل دعا بعد التش اهد‪ :‬الله ام إناي أسألك ا‬ ‫ً‬ ‫وروي أن‬
‫َ‬
‫السموات واألرض ذا الجًلل واإلكرام يا حي يا قيوم إني أسألك‪ ....‬فقال ﷺ‪ :‬والذي نفسي بيده‬
‫سئل به أعطى‪.‬‬ ‫لقد دعا هللا باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا ُ‬
‫س ِّم َر ِّبّكَ ا ْلعَ ِّظ ِّ‬
‫يم}‪.‬‬ ‫فاستبشر فأنت تدعو العظيم سبحانه‪{ :‬فَ َ‬
‫س ِّبّ ْح ِّبا ْ‬

‫• يقول ابن اْلثير‪ :‬العظيم معناه الذي جاوز قدره ا‬


‫عز وج ال حدود العقول فًل تدركه األبصار‪ ،‬وّل‬
‫تدركه العقول‪ ،‬فاهلل عظيم لدرجة ّل يستوعبها عقلك القاصر الذي ليس بعظيم لذا فهو ّل يستوعب‬
‫معرفة عظمة هللا ا‬
‫عز وج ال‪ ،‬فهو محدود مهما راح وغدا‪.‬‬

‫ولتستشعر عظمة هللا العظيم سبحانه اسمع ما صح عن ابن عباس موقوفًا أناه قال‪" :‬الكرسي‬
‫موضع القدمين هلل" والعرش ّل يقدر قدره اإّل هللا سبحانه‪ ،‬فإذا كان عرشه قد وصف بالعظمة‬
‫ستَ َو ٰى}‪ ،‬فما بالك بعظم‬ ‫{الر ْح ٰ َم ُن َ‬
‫علَى ا ْلعَ ْر ِّش ا ْ‬ ‫وخصه باإلضافة إليه واّلستواء عليه قال تعالى‪َّ :‬‬
‫وعظمة من استوى عليه وعًل فوقه؟! سبحانه‪ ..‬سبحانه‪.‬‬

‫ويقول ابن القيم رحمه هللا في الفوائد‪ :‬أنزه المخلوقات وأوسعها وأعظمها وأكبرها الكرسي‪ ،‬وهذا‬
‫ي ا ْلعَ ِّظي ُم}‪.‬‬
‫{وهُ َو ا ْلعَ ِّل ُّ‬
‫يناسب أن آية الكرسي في القرآن ُختمت باسمه العظيم َ‬

‫• وكان النبي ﷺ يعلام صحابته اّلستخارة في األمور ومن ذلك أن تقول‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫"وأسالك من فضلك العظيم" فهو يدعو بصفة من صفات هللا سبحانه أناه ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫بأن هللا سبحانه وتعالى عظيم هذا يورثه شيء من اّلطمئنان ألناه حين يشعر‬‫فإن اعتقاد العبد ا‬
‫• ا‬
‫أن ربانا هو العظيم كما قلنا وما دونه حقير ّل يساوي شيئًا فإناه ّل يأبه بأي ضغوط وّل يخاف أ َّ‬
‫ي‬
‫شيء‪.‬‬
‫ويتضرع إليه بهذا اّلسم العظيم‪ ،‬فيقول‪ :‬يا عظيم اغفر لي‬
‫ا‬ ‫فيُشرع للمسلم أن يدعو ربه‬
‫وارحمني‪ ،‬وارزقني الفردوس األعلى‪ ،‬ا‬
‫فإن هللا العظيم ّل يتعاظمه شيء أعطاه لعبده‪ ،‬لذا كان ﷺ‬
‫يقول‪« :‬إذا دعا أحدكم فال يقل الله ّم اغفر لي إن شئت‪ ،‬ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإ ّن‬
‫هللا ال يتعاظمه شيء أعطاه» (صحيح مسلم)‪.‬‬

‫أن هللا سبحانه هو (المقدّم والمؤ ّخر)‪:‬‬ ‫ولو تأ اخر مطلبك ً‬


‫قليًل فاصبر واعلم ا‬

‫عن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ ،‬عن رسول هللا ﷺ أناه كان يقول بين التش اهد والتسليم‪:‬‬
‫"الله ّم اغفر لي ما ق ّدمت وما أ ّخرت‪ ،‬وما أسررت وما أعلنت‪ ،‬وما أسرفت‪ ،‬وما أنت أعلم به‬
‫مني‪ ،‬أنت المقدّم وأنت المؤ ّخر‪ ،‬ال إله إال أنت" (مسلم)‪.‬‬

‫يقتضي هذان اّلسمان معرفة هاتين الصفتين من صفات هللا تعالى وهما‬
‫تقديم اْلشياء وتأخيرها‪ ،‬ووضعها في مواضعها‪ ،‬لحكم ٍة يعلمها هو سبحانه ج َّل وعال‪ ،‬فًل‬
‫يأسف العبد حينئ ٍذ على تقديم شيءٍ أو تأخيره‪ ،‬ألن الذي قدَّم وأ َّخر هو الحكيم الذي يضع األمور‬
‫في مواضعها‪ ،‬وألناه تعالى أعلم بمصالح العباد من العباد‪.‬‬

‫أحب‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫أحب وكيف‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وفعًل على ما‬ ‫هللا سبحانه هو الذي يقدام ما يجب تقديمه من شيء حك ًما‬
‫خفي علينا وجه الحكمة‬
‫َ‬ ‫الذي يؤ اخر ما يجب تأخيره‪ ،‬والحكمة والصًلح فيما يفعله هللا تعالى‪ ،‬وإن‬
‫والصًلح فيه‪ .‬فالحمد هلل حمدًا كثيرا‪..‬‬

‫‪81‬‬
‫• ولإليمان بهذين اّلسمين آثار وثمرات في عقيدة المؤمن وسلوكه‪ ،‬فمن ثمرات معرفة هذين‬
‫اّلسمين في حياة المؤمن وسلوكه وعقيدته منها‪:‬‬
‫أن ما يكون عليه من حال متقدام أو متأ اخر فإ انما‬ ‫الرضا بقضاء هللا وقدره‪ ،‬فالمسلم يجب أن يعلم ا‬
‫هو من تقديم هللا وتأخيره‪ ،‬فاصبر لحكم رباك واهرع للوقوف بين يديه والدعاء بإلحاح‪ ،‬واجعل‬
‫وخاطب نفسك بهذه الكلمات‪:‬‬‫ِ‬ ‫رجاءك فيه عظي ٌم وظناك فيه جمي ٌل سبحانه‪ ،‬فحاشا أن يُخيابكَ ‪،‬‬

‫نفس إن لم تظفري ال تَج َْزعي‪..‬‬


‫ُ‬ ‫يا‬
‫موالك اهرعي‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫وإلى موائ ِّد ُجو ِّد‬
‫وإذا تأ ّخ َر م ْطلَ ٌ‬
‫ب فل ُربما‪..‬‬
‫طمع‪..‬‬
‫التأخير ُك ُّل ال َم ِّ‬
‫ِّ‬ ‫في ذلك‬
‫نع وارعَي حقَّهُ‪..‬‬ ‫فاستأنسي بال َم ِّ‬
‫ب اْلل َم ِّع‪..‬‬
‫وصف ال ُمني ِّ‬
‫ُ‬ ‫إ ّن الرضا‬
‫وإذا بدا من ناطق الوجـدان ما‪..‬‬
‫يدعوك لليأس الذميم اْلشنـع‪..‬‬
‫فاستيقظي من نوم ِّة الغفالتِّ‪..‬‬
‫لك مرتعًا فيه ارتعي‪..‬‬
‫وليكن الرجا ِّ‬
‫متنـوعٌ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫إ َّن العطا إمداد ُه‬
‫المتنـوع‪..‬‬
‫ّ‬ ‫سنَه ذاك العطا‬
‫يا ُح ْ‬
‫وردوا على نهر الحياة وكلّهم‪..‬‬
‫الركب من ُمتضلّع‪..‬‬
‫شربوا وكم في َ‬
‫حاشا الكريم يردّهم عطشى وقد‪..‬‬
‫وردوا وأصل الجود من ذا المنبع‪..‬‬
‫رب لي ظ ٌّن جميـ ٌل وافـ ٌر‪..‬‬
‫يا ّ ِّ‬
‫‪82‬‬
‫قدّمته أمشي به يسـعى معي‪..‬‬
‫كل الذي يرجون فضلك أ ُ ِّ‬
‫مطروا‬
‫حاشاك أن يبقى هشي ًما مربعي‪..‬‬

‫وحبس مال اليتيمين هو‬


‫ُ‬ ‫• فعندما يكون خر ُق السفينة هو ِق امةُ النجاة‪ ،‬وقت ُل الغًلم هو ِق امةُ الرحمة‪،‬‬
‫قِ امةُ الوفاء‪[ :‬فاص ِّبر على ما لم ت ُ ِّحط به ُخبرا]‪.‬‬

‫أن اإليمان ليس كلمة تقال إناما هو حقيقة ذات تكاليف‪ ،‬وأمانة‬
‫• قال سيد قطب رحمه هللا‪ :‬واعلم ا‬
‫ذات أعباء‪ ،‬وجهاد يحتاج إلى صبر‪ ،‬وجهد يحتاج إلى احتمال‪ ،‬فًل يكفي أن يقول الناس‪ :‬آمنا‬
‫يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم كما تفتن‬
‫ا‬ ‫دون أن‬
‫النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به‪.‬‬

‫اس أَن يُتْ َركُوا أَن يَقُولُوا آ َمنَّا َوهُ ْم ال يُ ْفتَنُونَ }‬


‫ب النَّ ُ‬ ‫{أَ َح ِّ‬
‫س َ‬

‫سناة هللا في ابتًلء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم‬ ‫فهذ ِه ُ‬
‫ص َدقُوا َولَيَ ْعلَ َم َّن ا ْلكَا ِّذ ِّبينَ }‪.‬‬ ‫{ولَقَ ْد فَتَنَّا الَّ ِّذينَ ِّمن قَ ْب ِّل ِّه ْم فَلَيَ ْعلَ َم َّن َّ ُ‬
‫َّللا الَّ ِّذينَ َ‬ ‫الكاذبين‪َ :‬‬

‫فحاشا هلل سبحانه أن يعذاب المؤمنين باّلبتًلء‪ ،‬أو يجعلهم يتأذون بالفتنة‪ ،‬ا‬
‫لكن الشدائ َد تصهر‬
‫النفس فتنفي عنها الخبث‪ ،‬وتطرقها بعنف و ِشداة فيشت اد عودها ويُصلب ويُصقل‪.‬‬

‫• الصدقة وتفريج الكُرب ورفع الباليا‪:‬‬


‫جرب ذلك‬‫واألعراض من مصائب وبًليا‪ ،‬وقد َّ‬
‫َ‬ ‫األمراض‬
‫َ‬ ‫إن الصدقة لَتَرفع ‪-‬بإذن هللا تعالى‪-‬‬
‫سي‪ ،‬وكان السلف الصالح‬ ‫الموفَّقون من أهل هللا‪ ،‬فوجدوا العًل َج الروحي أنفع من العًلج الح ِ ا‬
‫يتصدَّقون على قَدْر مرضهم وبليَّتهم‪ ،‬فًل يلبثون ً‬
‫قليًل حتى يعافيَهم الشافي المعافي‪ ،‬الكريم الرحيم‬

‫‪83‬‬
‫فقيرا‪ ،‬فتص ادق ولو بدرهم واحد‪ ،‬ولو بتمرةٍ‬‫‪-‬جل جًلله ‪ -‬فًل تبخل على نفسك بذلك حتى لو كنت ً‬
‫واحدة بنيَّة الفرج والشفاء‪ ،‬شريطة أن تكون عظيم الثقة برباك حتى يكون الشفاء أكم َل وأت ام‪.‬‬
‫وقد تواترت األخبار في بطون التاريخ‪ ،‬بطرائف وتجارب ُمدهشة عن الصدقة وتأثيرها العجيب‬
‫في دفع النقم والبًلء‪ ،‬وجلب شفاء القلوب واألبدان والعافية‪ ،‬وكل من أكثر من الصدقة بنية‬
‫الوقاية أو إزالة الضراء وذهاب الهموم والغموم وإناه يجد ذلك يقينًا بينًا‪.‬‬
‫تأثيرا عجيبًا في دفع أنواع البًلء‪ ،‬ولو كانت من فاجر‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫«فإن للصدقة‬ ‫• قال ابن القيم رحمه هللا‪:‬‬
‫عا ِمن البًلء‪ .‬وهذا أ ْم ٌر معلوم عند‬ ‫أو ِمن ظا ِلم بل ِمن كافر‪ ،‬ا‬
‫فإن هللا تعالى يَدفع بها عنه أنوا ً‬
‫الناس‪ ،‬خاصتهم وعامتهم‪ ،‬وأهل األرض كلهم ُم ِق ُّرون به ألناهم َج َّربُوه»‪.‬‬

‫• الصدقة سًل ٌح ف اعال يُتسلاح به في ُمعتَرك الحياة والمواطن ال ِعظام‪ ،‬فبها يحمي هللا الناس من‬
‫المصائب‪ ،‬والشدائد‪ ،‬ويرفع عنهم البًليا واآلفات‪ ،‬ويعيد العافية والصحة‪ ،‬ولقد فزع الناس في‬
‫عهد النبي ﷺ لخسوف الشمس‪ ،‬فأرشدهم عليه الصًلة والسًلم إلى الدعاء والصدقة فقال‪[ :‬فإذا‬
‫رأيتم ذلك فادعوا هللا وكبّروا وصلّوا وتص ّدقوا]‪.‬‬

‫• وقال ابن دقيق العيد معلاقًا على الحديث‪ :‬وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند‬
‫المخاوف ّلستدفاع البًلء المحذور‪.‬‬

‫فإن البًلء ّل يتخ ا‬


‫طى الصدقة‪.‬‬ ‫• وقال أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ :‬باكروا بالصدقة ا‬

‫• قال ابن القيم رحمه هللا‪" :‬وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه ﷺ وكان سروره وفرحه بما‬
‫يعطيه أعظم من سرور اآلخذ بما يأخذه‪ ،‬وكان أجود الناس بالخير‪ ،‬يمينه كالريح المرسلة‪ ،‬وكان‬
‫إذا عرض له محتاج آثره على نفسه‪ ،‬تارة بطعامه‪ ،‬وتارة بلباسه‪ ،‬وكان ﷺ يأمر بالصدقة ويحث‬
‫عليها ويدعو إليها بحاله وقوله"‪.‬‬

‫سا‪ ،‬وأنعمهم قلبًا‪ ،‬ا‬


‫فإن للصدقة وفعل المعروف‬ ‫صدرا‪ ،‬وأطيبهم نف ً‬
‫ً‬ ‫• ولذلك كان ﷺ أشرح الخلق‬
‫تأثيرا عجيبًا في شرح الصدر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪84‬‬
‫يعوضك أضعافًا‬ ‫تخش نقص مالك أو الفقر إن تصداقت بل استبشر بهذه التجارة‪ ،‬فاهلل سبحانه ا‬ ‫َ‬ ‫وّل‬
‫مضاعفة‪ :‬جاء في صحيح البخاري ومسلم‪:‬‬
‫{و َما أَ ْنفَ ْقت ُ ْم ِّم ْن َ‬
‫ش ْيءٍ فَ ُه َو يُ ْخ ِّلفُهُ}‪ ،‬وقد‬ ‫عز وج ال‪َ :‬‬ ‫علَ ْيكَ ]‪ ،‬وقال ا‬ ‫عز وجلَّ‪ :‬أ ْن ِّفقْ أ ُ ْن ِّفقْ َ‬ ‫َّللا َّ‬
‫[قا َل َّ ُ‬
‫ئ الخطيئةَ كما يُ ْط ِّف ُ‬
‫ئ الما ُء النَّ َ‬
‫ار]‪.‬‬ ‫صدقةُ ت ُ ْط ِّف ُ‬‫قيل‪[ :‬ال َّ‬

‫روي ا‬
‫أن‪:‬‬ ‫َ‬ ‫• والصدقة ّل ترفع البًلء وتدفعه فحسب‪ ،‬وإناما هي وقاية من المهالك والبًليا فقد‬
‫ُّقوط في ال َهلَكاتِ‪.‬‬
‫وء]‪ :‬أي أناها تنجاي صاحبها من الس ِ‬ ‫س ِّ‬ ‫المعروف تَ ِّقي َمصار َ‬
‫ع ال ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫[صنائع‬

‫فسارعوا إلى التصداق في شداتكم وكربكم عسى هللا أن يرفعها بها عنكم‪.‬‬

‫• وباب الصدقة أمامك واسع فاستبشر‪..‬‬


‫فالصدقة ّل تنحصر بإعطاء المال فقط‪ ،‬بل أفضل الصدقة الطعام وسقيا الماء‪ ،‬وتشمل الصدقة‬
‫ضا توزيع المصاحف بإهدائها إلى الناس‪ ،‬وتشمل‬ ‫ضا بناء المساجد وعمارتها‪ ،‬وتشمل أي ً‬ ‫أي ً‬
‫ضا نشر العلم النافع بتوزيع الكتب العلمية النافعة للمسلم‪ ،‬وتشمل كفالة اليتيم‪ ،‬وتفطير‬
‫الصدقة أي ً‬
‫الصائمين‪ ،‬وتجهيز غازي في سبيل هللا‪ ،‬وإنظار ال ُمعسرين بقضاء ال َدين عن ال َمدينين أو إمهالهم‪،‬‬
‫ومساعدة المحتاجين‪ ،‬والكثير غير ذلك وهلل الحمد‪ ،‬فسابقوا إلى التصداق من تلك األبواب الواسعة‬
‫ويفرج عنكم ويحفظكم‪.‬‬
‫ا‬ ‫عسى هللا أن يرحمكم بها‬

‫• من التجارب ما قاله منصور بن عمار‪:‬‬


‫ضرتني نياة‬ ‫ل اما قدمتُ مصر كانوا في قحط‪ ،‬فلما صلَّوا الجمعة ضجُّوا بالبكاء والدُّعاء فح َ‬
‫تقربوا إلى هللا بالصدقة فما تُقرب بمثلها‪ ،‬ثم رميت بكسائي وقلت‪ :‬هذا‬ ‫فاقتربت‪ ،‬وقلتُ ‪ :‬يا قوم ا‬
‫جعلت المرأة ُ تُلقي ِخرصها حتى فاض الكسا ُء‪ ،‬ثم هطلت السَّماء وخرجوا‬ ‫ْ‬ ‫جهدي فتصدَّقوا‪ ،‬حتى‬
‫وف‬
‫ط ُ‬ ‫في الطين‪ ،‬فنظروا إلى كثرة المال فو اكلوا به الثقات‪ ،‬ورحت أنا إلى اإلسكندرية‪ ،‬فبينا أنا أ ُ‬
‫يوم الجمعة؟ قلت‪ :‬نعم‪ ..‬قال صرتَ‬ ‫على حصنها إذا رجل يرمقني قلت‪َ :‬مالك؟ قال‪ :‬أنت المتكل ُم َ‬
‫فتنةً قالوا‪ :‬إنك الخضر دعا فأُجيب‪ ..‬قلت‪ :‬بل أنا العبد الخاطئ‪.‬‬
‫ويفرج عنهم‪ ،‬ويقبل منهم‪.‬‬
‫ا‬ ‫فالحمد هلل الذي يتقبال الصدقات من عباده الخاطئين ال ُمذنبين‪،‬‬
‫‪85‬‬
‫• جاء رجل يسأل صفوان بن سليم أناه رآهُ في المنام ا‬
‫وأن هللا يبشره بالجنة بكسوت ِه ثوبًا لمسكين‪..‬‬

‫فسأله‪ :‬ما قصة هذا الكساء؟‬


‫قال‪ :‬كنت ذاهبًا للصًل ِة في ليلة باردة ورأيت المسكين يرتجف من البرد فخلعت قميصي وألبسته‬
‫إيااه‪.‬‬
‫هللا أكبر‪..‬‬

‫• رجل عنده ناقة عظيمة الثمن وكان له جار عنده بنات ومحتاج‪ ،‬فأعطاه الناقة له ولبناته‪.‬‬

‫ومرةً كان الرجل يبحث عن المياه في السراديب فضاع‪ ،‬وانتظره أهله سبع ليال فلم يعد فتوقاعوا‬
‫أناه قد هلك فتوازعوا ماله بينهم‪ ،‬وتذ اكروا الناقة التي وهبها أبوهم للجار فاسترجعوها منه‪ ،‬فقال‬
‫لهم الجار أبو البنات‪ :‬لقد أعطاني إياها أبوكم‪ !..‬فكيف تسترجعونها! دلاوني على السرداب الذي‬
‫وقع فيه‪ ،‬فبحث عنه حتى وجده وقد شارف على الهًلك‪ ،‬فسأله متعجبًا‪ :‬كيف عشت هذه المدة من‬
‫غير طعام وّل شراب!‬
‫فقال ‪ :‬منذ ضياعت الطريق‪ ،‬كان يأتيني كل يوم إناء فيه لبن بارد لكن منذ ليلتين انقطع اللبن‬
‫عني‪ ..‬فأخبره الجار أناه منذ ليلتين فقط قد أخذ أبناؤه الناقة التي كانت تسقيه وتسقي بناته لبنًا‪..‬‬
‫سحبت من الجار‪.‬‬ ‫فانسحبت البركة حينما ُ‬

‫وهذه القصة تنباهنا ألمر نغفل عنه دائ ًما حيث أنانا نجمع المال والذهب ثم نموت ونتركه للورثة‪،‬‬
‫نحن نتعب لهم ونكافح ألجلهم وهم أول من يدفن ذكرانا‪ ،‬وحتى إن تصداقوا عنا فكأناهم يمناون‬
‫علينا‪!..‬‬

‫إنها أموالنا ومع ذلك سنتمنى في قبورنا أن يأتينا من تعبنا هذا شيء منها‪ ..‬نحن نجمع لهم وهم ّل‬
‫يكترثون بنا بل وهم أول من ينسانا وينسى زيارتنا في قبورنا والتصداق عناا‪..‬‬
‫‪86‬‬
‫الضر واشتدات بك الحال‪ ..‬وضاقت عليك األرض بما رحبت‪ ،‬أتريد فر ًجا‬ ‫ا‬ ‫• فيا من مساك‬
‫ع وإلحاح‪ ،‬اسأله سبحانه بأسمائه الحسنى‪ ،‬وأحسن‬‫بتضر ٍ‬
‫ا‬ ‫ومخر ًجا‪ !..‬اهرع إلى رباك بالدعاء‬
‫ا‬
‫بحق‪ ،‬واليقين به‪ ،‬وأكثر من الطاعات والعبادات‪ ،‬وتصداق ولو بالقليل‪،‬‬ ‫والتوكل عليه‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الظن به‪،‬‬
‫وسيكشف هللا عنك ما أنت فيه ويرحمك‪ ،‬أما سمعت قوله تعالى عن أيوب عليه السًلم حين اشت اد‬
‫بتضرع أن يرحمه‪:‬‬
‫ا‬ ‫به البًلء فدعا هللا‬

‫اح ِّمينَ }‪ ،‬فكانت النتيجة أن استجاب هللا‬ ‫ي الض ُُّّر َوأَ ْنتَ أَ ْر َح ُم َّ‬
‫الر ِّ‬ ‫سنِّ َ‬‫وب إِّ ْذ نَادَى َربَّ ُه أَ ِّنّي َم َّ‬
‫{وأَيُّ َ‬
‫َ‬
‫ش ْفنَا َما ِّب ِّه ِّم ْن ض ٍ ُّر َوآتَ ْينَا ُه أَ ْهلَهُ َو ِّمثْلَ ُه ْم َم َع ُه ْم‬
‫ستَ َج ْبنَا لَهُ فَ َك َ‬
‫ضر {فَا ْ‬ ‫دعوته وكشف ما به من ا‬
‫َر ْح َمةً ِّم ْن ِّع ْن ِّدنَا َو ِّذك َْرى ِّل ْلعَا ِّب ِّدينَ }‪ ،‬هللا أكبر! نجااه هللا برحمته من ك ال البًلء وآتاه أهله‪ ،‬بل ومن‬
‫أن هللا‬‫وتذكيرا لهم ا‬ ‫ً‬ ‫ضا‪ ،‬ذكرى للعابدين والمكروبين‬ ‫فضله سبحانه ورحمته أن آتاه مثلهم معهم أي ً‬
‫والضر والبًلء وتعويضك بأحسن عوض فسبحانه ما أعظمه‪ ،‬فهو األول‬ ‫ا‬ ‫قادر على كشف السوء‬
‫ليس قبله شيء وهو اآلخر ليس بعده شيء‪.‬‬

‫ع ِّلي ٌم﴾‬ ‫اط ُن َوهُ َو ِّب ُك ِّ ّل َ‬


‫ش ْيءٍ َ‬ ‫﴿هُ َو ْاْل َ َّو ُل َو ْاْل ِّخ ُر َوال َّ‬
‫ظا ِّه ُر َوا ْلبَ ِّ‬

‫• فقد روى مسلم وغيره أن النبي ﷺ كان يقول في دعائه‪[ :‬أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت‬
‫اآلخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء]‪.‬‬

‫التجرد ِم ْن ُمطالعة األسْباب‪،‬‬


‫ا‬ ‫• قال ابن القيم رحمه هللا‪ :‬فعبوديته باسْمه (األول) تقتضي‬
‫والوقوف أو اّللتفات إليها‪ ،‬وتجريد النظر إلى مجرد سبْق فَضْله ورحمته‪ ،‬وأنه هو ال ُمبتدئ‬
‫ي وسيل ٍة كانت‬‫سان؛ ِم ْن غير وسيل ٍة ِمنَ العبد‪ ،‬إ ْذ ّل َو ِسيلة له في العدم قبل وجوده‪ ،‬وأ ُّ‬‫باإل ْح َ‬
‫فم ْنه سبحانه‬
‫مذكورا‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫يكن شيئًا‬
‫ع َد ٌم َمحْض‪ ،‬وقد أتى عليه حي ٌن ِمنَ الدَّهر لم ْ‬ ‫هناك؟ وإنما هو َ‬
‫اإلعْداد‪ ،‬ومنه اإل ْمداد‪ ،‬وفَضْله ساب ٌق على الوسائل‪ ،‬والوسائل ِم ْن ُمجرد فضله ُوجوده‪ ،‬لم ْ‬
‫تكن‬
‫أوجب له فَ ْقراً خاصا ً وعبودية خاصة‪.‬‬
‫َ‬ ‫نزل اسمه (األول) على هذا المعنى‪،‬‬ ‫بوسائل أ ْخرى‪ ،‬ف َمن َّ‬

‫‪87‬‬
‫ضا عدم ُركونه ووثوقه باألسْباب؛ والوقوف معها‪ ،‬فإنها‬ ‫• وعبوديته باسمه (اآلخر) تقتضي أي ً‬
‫تنعدم ّل محالة وتنقضي اآلخرية‪ ،‬ويبقى الدائم الباقي بعدها‪ ،‬فالتعلُّق بها تعلُّق بما يعدم وينقضي‪،‬‬
‫أن ّل يزول وّل‬‫ي الذي ّل يموتُ وّل يزول‪ ،‬فالمتعلاق به حقي ٌق ْ‬ ‫والتعلاق باآلخر سبحانه؛ تعل ٌق بالح ا‬
‫ُ‬
‫حيث كان‬ ‫ينقطع‪ ،‬بخًلف التعلاق بغيره مما له آخر يفنى به‪ ،‬كذا نظر العارف إليه بسبق األولية‬
‫قبل األسْباب كلها‪ ،‬وكذلك نظره إليه ببقاء اآلخرية؛ حيث يبقى بعد األسْباب كلاها‪ ،‬فكان هللا ولم‬
‫يكن شي ٌء غيره‪ ،‬وكل شيء هالكٌ إّل وجْهه‪.‬‬ ‫ْ‬

‫• فتأمل عبودية هذين اّلسْمين‪ ،‬وما يُوجبانه ِم ْن صحاة اّلضْطرار إلى هللا وحده‪ ،‬ودوام الفَ ْقر إليه‬
‫وأن األمر ابتدأ منه وإليه يرجع‪ ،‬فهو أول كل شيء وآخره‪.‬‬ ‫دُون كل شيء سواه‪ ،‬ا‬

‫لهذا كان التعباد والدعاء بأسماء هللا الحسنى له فضل عظيم‪ ..‬فادعوا هللا بأسمائه الحسنى‪،‬‬
‫فوضوا أمركم إليه‪:‬‬‫وتضرعوا له وتو اكلوا عليه‪ ،‬ا ِ‬
‫ا‬
‫َّللا بَ ِّصي ٌر ِّبا ْل ِّعبَاد }‬ ‫ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ ِّ‬
‫َّللا ِّإ َّن َّ َ‬ ‫{ َوأُفَ ّ ِّو ُ‬

‫اليقين‬
‫ِ‬ ‫اإليمان‪ ،‬ودلي ٌل على قو ِة‬
‫ِ‬ ‫ت أه ِل‬‫عًل‪ :‬صفةٌ عظيمةٌ من صفا ِ‬ ‫إن تفويض األمر هلل ج َّل و َ‬ ‫• ا‬
‫الديان‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬ ‫ِا‬
‫الظن بالواح ِد‬ ‫سن‬
‫و ُح ِ‬
‫واختيارا‪ّ ،‬ل‬
‫ً‬ ‫أموره كلَّها إلى هللاِ‪ ،‬وإنزالها به طلبًا‬
‫َ‬ ‫رو ُح التوك ِل ولباهُ وحقيقتهُ‪ ،‬وهو إلقا ُء العب ِد‬
‫واضطرارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُكرهًا‬
‫أن التو اكل إيكال األمر إلى هللا تعالى‪ ،‬بينما التفويض‬
‫والتو اكل على هللا غير تفويض األمر هلل‪ ،‬إذ ا‬
‫الحكم المترتبة على ك ال أموره‪ ،‬ا‬
‫فيفوض‬ ‫جعل كل أموره آتية منه وراجعة إليه‪ ،‬وذلك أناه ّل يعلم ِ‬
‫ذلك إلى هللا‪.‬‬

‫صًلة ُ والسًَّل ُم‬‫سى علي ِه ال َّ‬ ‫قوم ِه ل اما دعاه ْم إلى طاع ِة مو َ‬
‫مؤمن آ ِل فرعونَ م َع ِ‬
‫ِ‬ ‫والمتأم ُل في قص ِة‬
‫األمر إلى تخوي ِف ِه‬
‫ُ‬ ‫بل وتعدَّى‬‫واإلعراض‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫اّلستكبار‬
‫ِ‬ ‫واّلستجاب ِة لدعوتِ ِه‪ ،‬ول ْم ْيلقَ منه ْم ِسوى‬
‫‪88‬‬
‫خشي على نفسه مكر الماكرين‬
‫َ‬ ‫وقدر ِه حين‬
‫ِ‬ ‫لقضاء هللاِ‬
‫ِ‬ ‫وإيذائِ ِه‪ ،‬ف َما كانَ منهُ اإّل أنَّهُ قا َل مستسل ًما‬
‫من قوم فرعون‪:‬‬
‫َّللا َب ِّصي ٌر ِّبا ْل ِّع َباد }‬ ‫ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ ِّ‬
‫َّللا ِّإ َّن َّ َ‬ ‫{ َوأُفَ ّ ِّو ُ‬

‫أموري ك ِلاها‬ ‫ِ‬ ‫ي‪ :‬ألجأ ُ إلي ِه وأعتص ُم‪ ،‬وأُل ِقي‬ ‫َّللاِ}‪ ،‬أ ْ‬ ‫{وأُفَ ا ِو ُ‬
‫ض أَ ْم ِري ِإلَى َّ‬ ‫السعدي رحمهُ هللا‪َ :‬‬‫ُّ‬ ‫• قال‬
‫ير‬
‫ص ٌ‬ ‫غير ُكم‪{ .‬إِ َّن َّ َ‬
‫َّللا بَ ِ‬ ‫الضرر الذي يصيبُني منكم ْأو ِم ْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودفع‬
‫ِ‬ ‫لدي ِه‪ ،‬وأتو َّك ُل علي ِه في مصا ِل ِحي‬
‫شركم‪ ،‬ويعل ُم‬ ‫ِب ْال ِع َبادِ} يعل ُم أحوالَهم و َما يستحقونَ ‪ ،‬يعل ُم حا ِلي وضع ِفي فيمنعُني منك ْم ويكفيني َّ‬
‫ي‪ ،‬فبحكم ٍة منهُ تعالى‪ ،‬وعن إرادتِ ِه‬ ‫علَ َّ‬ ‫فإن سلَّ َ‬
‫ط ُك ْم َ‬ ‫أحوالَكم فًَل تتصرفونَ اإّل بإرادتِ ِه ومشيئتِ ِه ْ‬
‫ومشيئ ِت ِه ص َد َر ذلِكَ ‪.‬‬

‫• فماذا كانت نتيجة تفويضه أمره إلى هللا؟‬

‫سو ُء ا ْلعَذَاب}‪.‬‬
‫ق بِّآ ِّل فِّ ْرع َْونَ ُ‬
‫ت َما َم َك ُروا َوحَا َ‬
‫سيِّّئَا ِّ‬ ‫فكانت النتيجة {فَ َوقَاهُ َّ ُ‬
‫َّللا َ‬

‫• فالمؤم ُن عند َما يقو ُل هذا الدعاء‪:‬‬


‫َّللا بَ ِّصي ٌر بِّا ْل ِّعبَاد }‬ ‫ض أ َ ْم ِّري إِّلَى َّ ِّ‬
‫َّللا إِّ َّن َّ َ‬ ‫{ َوأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫ظلَ َمهُ‪َ ،‬ويَأْ ُخذُ لَهُ حقَّهُ‬
‫شر َم ْن َ‬
‫وقوتِ ِه‪ ،‬فيكفي ِه هللاُ تعالى َّ‬ ‫وقوتِ ِه‪ ،‬إلى حو ِل رباِ ِه َّ‬ ‫من حو ِل ِه َّ‬ ‫فإناه يخر ُج ْ‬
‫وأن يلجأ َ إلى ر ِبا ِه‪،‬‬ ‫أن يجعل َها المسل ُم سجيتَهُ‪ْ ،‬‬ ‫ِم ْنهُ‪ ،‬ويجع ُل لهُ ِم ْن أَ ْم ِر ِه فَ َر ًجا ومخر ًجا‪ .‬ف َما أجم َل ْ‬
‫ض أَ ْم َرهُ لَهُ‪ ،‬وأن يلجأ العبد‬ ‫عانَتَهُ وت َْوفِيقَهُ‪ْ ،‬‬
‫وأن يُفَ ا ِو َ‬ ‫ور دينِ ِه و ُد ْنيَاهُ‪ ،‬ويَ ْ‬
‫طل ُ َ‬
‫ب ِإ َ‬ ‫ويسأَلَهُ َما شَا َء ِم ْن أ ُ ُم ِ‬
‫إلى هللا‪ ،‬ليستخيره في أمور دينه ودنياه‪ ،‬وأن يطلب منه المشورة والرأي‪ ،‬فهو عالم الغيب‪ ،‬وهو‬
‫من بيده مقاليد األمور‪.‬‬
‫ويقف بينَ يدي ِه وقفةَ العب ِد‬
‫ُ‬ ‫ظاهرا وباطنًا إلى موّلهُ وخال ِق ِه‪،‬‬
‫ً‬ ‫يستسلم العب ُد‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫َو ْاأل َ ْج َم ُل ْ‬
‫من ذلكَ ْ‬
‫وقدرهِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جميع شؤونِ ِه‪ ،‬ويرضى بقضائِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫تدبير‬
‫ِ‬ ‫المنكسر‪ ،‬ويو ِ اكلَه في‬
‫ِ‬ ‫الضعيف‬
‫ِ‬

‫‪89‬‬
‫ب عند َما اجتم َع المشركونَ واليهو ُد‬ ‫موقف المسلمينَ في سورةِ األحزا ِ‬ ‫َ‬ ‫عًل‬‫هللا ج َّل و َ‬
‫ذكر ُ‬ ‫• ولق ْد َ‬
‫عًل‪:‬‬ ‫اإلسًلم وأه ِل ِه‪ ،‬فقا َل َج َّل و َ‬
‫ِ‬ ‫القضاء على‬
‫ِ‬ ‫من أج ِل‬ ‫والمنافقونَ عليه ْم ْ‬
‫سولُهُ َو َما َزا َدهُ ْم‬
‫َّللا َو َر ُ‬
‫ق َّ ُ‬ ‫سولُهُ َو َ‬
‫ص َد َ‬ ‫ع َد َنا َّ ُ‬
‫َّللا َو َر ُ‬ ‫{و َل َّما َرأَى ا ْل ُم ْؤ ِّمنُونَ ْاْلَح َْز َ‬
‫اب قَالُوا َهذَا َما َو َ‬ ‫َ‬
‫س ِّلي ًما}‬ ‫إِّ َّال إِّي َمانًا َوتَ ْ‬

‫ألمر‬
‫ِ‬ ‫ار قالُوا تسلي ًما منه ْم‬
‫ت الكفا ِ‬
‫الطبري رحمهُ هللا‪ :‬ل َّما عاينَ المؤمنونَ باهللِ ورسو ِل ِه جماعا ِ‬
‫ُّ‬ ‫• قال‬
‫إنجاز وع ِد ِه له ْم حيث وعدهم أناهم سيُزلزلون ويُمتحنون ثم ينتصرون‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هللاِ‪ ،‬وإيقانًا منه ْم َّ‬
‫بأن ذلكَ‬
‫فقالوا إيقانًا بإنجازه هذا الوعد‪:‬‬
‫سولُهُ َو َما َزا َدهُ ْم إِّ َّال إِّي َمانًا َوتَ ْ‬
‫س ِّلي ًما}‬ ‫َّللا َو َر ُ‬
‫ق َّ ُ‬ ‫سولُهُ َو َ‬
‫ص َد َ‬ ‫َّللا َو َر ُ‬ ‫{ َهذَا َما َو َ‬
‫ع َدنَا َّ ُ‬
‫ب عليه ْم اإّل‬
‫ألمرهِ‪ ،‬و َما زا َدهُم اجتماعُ األحزا ِ‬
‫ِ‬ ‫سليم ِه ْم‬
‫هللا الثنا َء عليه ْم بذلكَ من يقي ِن ِه ْم‪ ،‬وت ِ‬
‫فأحسنَ ُ‬
‫األعداء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فر على‬ ‫صر وال َّ‬
‫ظ َ‬ ‫ورزَ قَ ُه ْم ب ِه النَّ َ‬
‫وأمرهِ‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫إيمانًا باهللِ وتسلي ًما لقضائِ ِه‬

‫ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ‬


‫َّللا}‬ ‫{وأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫َ‬
‫األمور مندوحةٌ عظيمةٌ‬
‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫عًل و ُحسنَ التَّوك ِل علي ِه في‬ ‫ب ج َّل و َ‬
‫للر ا ِ‬
‫األمر ا‬
‫ِ‬ ‫تفويض‬
‫َ‬ ‫• فاعلموا َّ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫يضرهُ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فهو سبحانَهُ األعل ُم بحا ِل عب ِد ِه وحاجتِ ِه‪ ،‬و َما ينفعُهُ وما‬ ‫لمن كانَ في قلبِ ِه إيما ٌن ويقي ٌن‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫الخير كلَّهُ‪.‬‬
‫َ‬ ‫سن ظ ِنا ِه ب ِه ينا ُل‬
‫ب العب ِد بر ِبا ِه و ُح ِ‬ ‫قدر تع ِلا ِ‬
‫ق قل ِ‬ ‫وعلى ِ‬

‫ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ‬


‫َّللا}‬ ‫{وأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫َ‬
‫األمر هللِ والتَّ ِ‬
‫سليم لحكم ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بتفويض‬
‫ِ‬ ‫أكثر مشاك ِلنَا في حياتِنَا ّل ت ُ َح ُّل إّل‬
‫أن َ‬ ‫• واعل ُموا عبا َد هللاِ َّ‬
‫ضى‬‫أن نر َ‬ ‫الواجب علينَا ْ‬
‫َ‬ ‫بل َّ‬
‫إن‬ ‫القاصر وآرا ِئنا الضعيف ِة في ح ِلاها‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وعدم اّلعتما ِد على ذكا ِئنَا‬ ‫ِ‬
‫أمرنَا‪ ،‬ونث ُق ب َما عن َدهُ‪،‬‬
‫ض إلي ِه َ‬‫نفو َ‬
‫وأن ا ِ‬‫نشكرهُ على نعمائِ ِه‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫نصبر على بًلئِ ِه‪ْ ،‬‬
‫وأن‬ ‫َ‬ ‫بقضائِ ِه‪ْ ،‬‬
‫وأن‬
‫ونتَّ ِه ُم َما ِع ْن َدنَا‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ‬
‫َّللا}‬ ‫{وأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫َ‬
‫عجزا ِمنَ العبدِ‪ ،‬وّل ضعفًا وّل وهنًا‪ ،‬إنَّما َ‬
‫هو دلي ٌل على قو ِة‬ ‫ً‬ ‫هلل تعا َلى‪َ ،‬‬
‫ليس‬ ‫األمر ِ‬
‫ِ‬ ‫تفويض‬
‫ِ‬ ‫• َّ‬
‫إن‬
‫أمور حياتِ ِه الديني ِة والدنيوي ِة‪ .‬أسأ ُل‬
‫ِ‬ ‫جميع‬
‫ِ‬ ‫أمر مطلوبٌ في‬
‫وهو ٌ‬ ‫وحسن ظناِ ِه برباِ ِه ج َّل جًللُهُ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫يقينِ ِه‬
‫الخير حيث َما‬
‫َ‬ ‫يكتب لنَا ولكم‬
‫َ‬ ‫أمورنَا إلي ِه‪ْ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ِ‬ ‫تفويض‬
‫ِ‬ ‫على‬ ‫أن يُ َع ِلاقَ قلوبنَا ِب ِه‪ْ ،‬‬
‫وأن يُ ِعيننَا َ‬ ‫هللا تعالَى ْ‬
‫َ‬
‫ُكنَّا‪.‬‬

‫ض أ َ ْم ِّري ِّإلَى َّ‬


‫َّللا }‬ ‫{ َوأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫ت َما َم َك ُروا}‬
‫س ِّيّئَا ِّ‬ ‫{فَ َوقَاهُ َّ ُ‬
‫َّللا َ‬
‫أن التو اكل الصادق على هللا‪ ،‬وتفويض األمور إليه‪ ،‬سبب للحفظ والوقاية من‬
‫• دلي ٌل واضح على ا‬
‫كل سوء‪.‬‬

‫ض أ َ ْم ِّري إِّلَى َّ ِّ‬


‫َّللا ﴾‬ ‫﴿ َوأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫فوضت ترحل كل مخاوفك‪ ،‬ويموت القلق فيك‪.‬‬
‫• بقدر قوة تعظيم من ا‬
‫• عندما تزدحم األمور بصدرك وّل تنفع معها كل حيلة لحلاها‪ِ ،‬‬
‫فأحلها إلى هللا سبحانه واطمئن‪،‬‬
‫فقد وضعتها بيد من يدبار األمر!‬

‫َّللا بَ ِّصي ٌر ِّبا ْل ِّعبَادِّ﴾‬ ‫ض أَ ْم ِّري ِّإلَى َّ ِّ‬


‫َّللا ِّإ َّن َّ َ‬ ‫﴿وأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫َ‬
‫• إذا أردت أن يقوى توكلك وتفويض أمرك إلى هللا‪ ،‬استشعر بصر هللا بك ورؤيته لكل أحوالك‪،‬‬
‫وتو اكل عليه‪.‬‬
‫أن سبب تفويض أمره إلى هللا‪ ،‬ا‬
‫بأن هللا عليم بأحوال جميع العباد‪.‬‬ ‫فقد ذكر ا‬

‫‪91‬‬
‫ض أَ ْم ِّري ِّإلَى َّ‬
‫َّللاِّ﴾‪ ،‬فإن هللا أعقبها بـ‬ ‫﴿وأُفَ ّ ِّو ُ‬
‫• من خاف مكر األعداء فليفزع لقول هللا تعالى‪َ :‬‬
‫ت َما َم َك ُروا﴾‪.‬‬
‫سيِّّئَا ِّ‬ ‫﴿فَ َوقَاهُ َّ ُ‬
‫َّللا َ‬

‫فوضوا وعلاقوا أمورهم باهلل‪ ،‬الله ام إناي ا‬


‫فوضت جميع أموري إليك‪.‬‬ ‫• ما خابوا من ا‬
‫علَ ْي ِّه تَ َو َّك ْلتُ َو ِّإلَ ْي ِّه أ ُ ِّن ُ‬
‫يب﴾‬ ‫﴿و َما تَ ْو ِّفي ِّقي ِّإ َّال ِّب َّ ِّ‬
‫اَّلل ۚ َ‬ ‫َ‬
‫ر اددها كثيراً بتدبار‪ ...‬توفيق هللا لك مرتبط بتو اكلك عليه‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا ‪ " :‬وقد اجمع العارفون على ا‬
‫أن ك ال خير فأصله توفيق هللا للعبد‪ ،‬وكل‬
‫وأن الخذّلن هو أن يخلاي‬
‫شر فأصله خذّلنه لعبده‪ ،‬وأجمعوا أن التوفيق اأّل ي ِكلك هللا إلى نفسك‪ ،‬ا‬
‫وصدق اللَّجأ والرغبة والرهبة‬
‫بينك وبين نفسك‪ ،‬والتوفيق بيد هللا‪ ،‬فمفاتحه‪ :‬الدعاء واّلفتقار‪ِ ،‬‬
‫إليه‪ ،‬فمتى أ ُعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن َيفتح له‪ ،‬ومتى أَضله عن المفتاح بقي باب الخير‬
‫مرت ًجا دونه "‪.‬‬

‫أن الكرب سيزول وأناه مهما‬


‫فاصبروا لما أصابكم وتوجاهوا بالدعاء إلى الرحيم رباكم واعلموا ا‬
‫ضاقت وتعسارت واشتدات ا‬
‫فإن هللا معكم‪ ،‬فًل تقنطوا وّل تجزعوا واصبروا فالصبر مفتاح النصر‪:‬‬

‫{ولَ َّما بَ َر ُزوا ِّلجَالُوتَ َو ُجنُو ِّد ِّه قَالُوا َربَّنَا أَ ْف ِّر ْغ َ‬
‫علَ ْينَا‬ ‫قال تعالى عن الفئة المؤمنة مع طالوت‪َ :‬‬
‫علَى ا ْلقَ ْو ِّم ا ْلكَا ِّف ِّرين}‪.‬‬ ‫صب ًْرا َوثَ ِّّبتْ أَ ْقدَا َمنَا َوان ُ‬
‫ص ْرنَا َ‬ ‫َ‬

‫صبرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫• دعوا بالصبر‪ :‬أفرغ علينا‬
‫• وبسبب الصبر يأتي الثبات‪ :‬ثبات أقدامنا‪.‬‬
‫• والنتيجة تكون النصر‪ :‬وانصرنا على القوم الكافرين‪.‬‬

‫ظم فضل الصبر في الفرج والنصر فإناهم لم يكتفوا بالدعاء بقول‪( :‬صبارنا) وإناما بالغوا‬ ‫ف ِل ِع َ‬
‫بالدعاء فيه فقالوا‪( :‬أفرغ علينا صبرا)‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫• فارتبطت نصرة هللا لعباده مع تصبيره لهم سبحانه إذ دعوه بالصبر ً‬
‫أوّل ث ام النصر‪ ،‬وبهذا يدعو‬
‫ت ّل محالة لكن المهم أن يأتي والعبد‬
‫المهموم والمكروب بالصبر والفرج‪ ،‬فالنصر والفرج آ ٍ‬
‫صابر محتسب‪.‬‬

‫صبرا) فلماذا لم يقل صباِرنا أو اجعلنا‬


‫ً‬ ‫• تقول أفرغت الماء في اإلناء إذا صببته فقال (أفرغ علينا‬
‫صابرين؟‬
‫صبرا) فيه إبداع وجمال ساحر ا‬
‫ألن إفراغ الصبر‬ ‫ً‬ ‫إن التعبير عن طلب الصبر بقوله (أفرغ علينا‬ ‫ا‬
‫أن اإلفراغ معناه الصبا وإذا صببت‬‫يد ال على المبالغة في صبر الداعي لصفة الصبر وذلك ا‬
‫فرغ فيه وإذا أ ُ ِ‬
‫فرغ الصبر في قلوب المؤمنين الداعين فهذا يعني‬ ‫الشيء أو أفرغته فقد مألت ال ُم َ‬
‫صبرا حتى غدت وعا ًء له‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫أن القلوب قد ُملئت‬

‫فكانت نتيجة هذا الصبر النصر‪.‬‬


‫ت َر ِّّبنَا لَ َّما جَا َءتْنَا َر َّبنَا أَ ْف ِّر ْغ َ‬
‫علَ ْينَا‬ ‫﴿و َما تَ ْن ِّق ُم ِّمنَّا ِّإ َّال أَ ْن آ َمنَّا ِّبآ َيا ِّ‬
‫وبهذا دعا السحرة حين آمنوا‪َ :‬‬
‫س ِّل ِّمينَ ﴾ [اْلعراف‪.]126 :‬‬ ‫صب ًْرا َوتَ َوفَّنَا ُم ْ‬
‫َ‬

‫وفرج عناا وارحمنا ويسار أمرنا ودباره واجبرنا والطف‬


‫صبرا وثباتنا على دينك ا‬
‫ً‬ ‫فالله ام أفرغ علينا‬
‫بنا‪..‬‬
‫عز وج ال عند التوسال إليه والدعاء‪ ،‬وأناه قادر‬
‫فعليك بحسن الظن باهلل سبحانه ووجوب اليقين به ا‬
‫على اإلجابة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ضا ليس فقط في‬ ‫تعرف على هللا في رخائك أي ً‬ ‫وأو اد أن أوصيكَ وصيةً غايةً في األهمية‪ ..‬وهي‪ :‬ا‬
‫بر على ما‬
‫ص ِّ‬ ‫يعر ْفك في ال ِّ ّ‬
‫ش َّد ِّة‪ ،‬واعلَ ْم أ َّن في ال َّ‬ ‫خاء ِّ‬
‫الر ِّ‬
‫هللا في َّ‬
‫ف إلى ِّ‬ ‫{تعر ْ‬
‫َّ‬ ‫شداتك‪ ..‬ففي الحديث‪:‬‬
‫سرا}‪.‬‬
‫سر يُ ً‬‫ب‪ ،‬وأ َّن مع العُ ِّ‬‫ج مع الكر ِّ‬ ‫بر‪ ،‬وأ َّن َ‬
‫الفر َ‬ ‫ص ِّ‬ ‫كثيرا‪ ،‬واعلَ ْم أ َّن النَّ َ‬
‫صر مع ال َّ‬ ‫ً‬ ‫خيرا‬
‫تكر ُه ً‬
‫َ‬

‫التعرف إلى هللا سبحانه في الرخاء بالذكر والدعاء وغير ذلك من‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫فإن من مفاتيح الفرج‬
‫الطاعات‪..‬‬

‫فإن يونس عليه السًلم‬ ‫تعرفوا إلى هللا ا‬


‫عز وج ال في الرخاء يعرفكم في الشداة ا‬ ‫• قال بعض السلف‪ :‬ا‬
‫عز وج ال في الرخاء فلما وقع في بطن الحوت نجااه هللا سبحانه‬ ‫عز وج ال عارفًا باهلل ا‬
‫ذاكرا هلل ا‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫َ‬
‫للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}‪.‬‬ ‫‪ ،‬قال ا‬
‫عز وج ال‪{ :‬فلوال أن كان من ال ُمس ّبحين‬

‫وكلنا يعلم قصة الثًلثة الذين أ ُغلق عليهم الغار بصخرة فدعوا هللا بأعمالهم الصالحة فأزاحها هللا‬
‫وفرج عنهم وخرجوا‪..‬‬ ‫ا‬
‫تخيال لو كنت رابع الثًلثة الذين أغلقت عليهم الصخرة في الغار‪ ..‬ما الخبيئة التي كنت ستدعو‬
‫بها؟‬
‫هذا التساؤل يجعلنا نفكر كثي ًرا في رصيدنا الحقيقي من أعمالنا الخفية في المسير نحو هللا‪ ..‬إذا‬
‫ليفرج‬
‫أغلقت عليك صخرة اله ام والغ ام في غار الضيق والكرب فما العمل الصالح الذي ستدعو به ا‬
‫هللا عنك‪..‬؟!‬

‫• فيا من أصابك كرب‪ ..‬يا من انقطعت بك األسباب‪ ..‬وأُغلقت بوجهك األبواب‪ ..‬اصبر فالفرج‬
‫ت ّل محالة‪ ،‬فهذا وعد هللا سبحانه ومن أصدق من هللا قيًل‪ ،‬وهذا كتابي قد قدامته بين يديك دللتك‬
‫آ ٍ‬
‫عاجًل بإذن هللا‪ ..‬أختصرها بكلمات‪:‬‬‫ً‬ ‫فيه على ما عليك فعله في الكرب ليأتيك الفرج‬
‫• اعلم ا‬
‫أن مع العسر يسرا‪..‬‬
‫‪94‬‬
‫• اصبر فالنصر مع الصبر‪..‬‬
‫• تو اكل على هللا سبحانه‪..‬‬
‫فوض إليه أمرك‪..‬‬
‫• ا‬
‫ا‬
‫الظن به‪..‬‬ ‫• أحسن‬
‫• واليقين به‪..‬‬
‫كثيرا في كربك‪..‬‬
‫ً‬ ‫• واذكر هللا‬
‫• واجتهد في الطاعات في ِشداتك‪..‬‬
‫وبصبر وبيقين وحسن ظن وحسن تو اكل‬
‫ٍ‬ ‫بتضرع‬
‫ا‬ ‫• والدعاء الدعاء‪ ..‬فإناه أه ام ما أوصيك به‪ ..‬ادعُ‬
‫وتفويض‪ ..‬ادعُ هللا بأسمائه الحسنى‪{ :‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}‪.‬‬

‫قل‪ :‬الله ام يا لطيف الطف بي‪ ..‬الطف بحالي‪ ..‬الله ام يا حفيظ احفظني واحفظ أهلي‪ ..‬الله ام يا جباار‬
‫اجبر كسري اجبر ضعفي اجبر حالي‪ ..‬الله ام يا كريم أكرمني بفضلك ورحمتك وجودك‪ ،‬الله ام‬
‫عبدك قد ضاقت به األرض وانقطعت به األسباب وأُغ ِلقت دونه األبواب وأنت المرجو سبحانك‬
‫لكشف هذا المصاب يا مجيب الدعاء يا كريم يا و اهاب‪ ..‬الله ام يا فتااح افتح لي أبواب رحمتك‬
‫وفرجك وتدبيرك ورزقك‪ ..‬الله ام يا فتااح افتح لي أبواب الخير من كل صوب وبك ال تفصي ٍل‬
‫صغير وكبير‪ ..‬الله ام يا فتااح افتح أبواب السجن للمسلمين والمسلمات‪ ..‬الله ام يا كافي اك ِفني ما‬
‫أه امني‪ ..‬واكفني من أراد بي سو ًءا‪ ..‬الله ام يا رحيم ارحمني‪ ..‬الله ام يا نصير انصرني على من‬
‫عاداني‪ ..‬الله ام وس اخر لي عبادك وخلقك وجندك‪ ..‬الله ام يا مدبار األمر دبار أمري فإناي ّل أُح ِس ُن‬
‫التدبير‪ ..‬وإناي أبرأ من حولي وقوتي وتدبيري وألتجئ إلى حولك وقوتك وتدبيرك فإناه ّل حول‬
‫قوة اإّل بك سبحانك‪ ..‬الله ام أعني وّل ت ُ ِعن علي‪ ..‬وانصرني وّل تنصر علي‪ ..‬واهدِني ويسار‬ ‫وّل ا‬
‫رزاق‬ ‫الهدى لي‪ّ ..‬ل إله اإّل أنت سبحانك إناي كنت من الظالمين‪ ..‬أستغفرك وأتوب إليك‪ ..‬الله ام يا ا‬
‫ارزقني‪ ..‬الله ام يا و اهاب هب لي من خيري الدنيا واآلخرة‪ ..‬الله ام يا و اهاب هب لي مغفرةً من‬
‫عندك‪ ..‬الله ام يا و اهاب هب لي رحمةً من لدنك‪ ..‬الله ام يا و اهاب هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ا‬
‫قرة‬
‫أعين واجعلنا للمتقين إماما‪ ..‬الله ام يا و اهاب هب لي ذرية طيبةً مباركةً من عندك‪ ..‬الله ام وّل تزغ‬
‫قلوبنا بعد إذ هديتنا إناك أنت الو اهاب‪ ..‬وأذ اكرك لتتفاءل‪ :‬إذا كانت أعظم األمنيات وأسماها وهي‬
‫الفردوس األعلى تُنال بالدعاء‪ ..‬فما ظناك بدعواتك التي هي دونها‪ ..‬استبشر وأل اح بالدعاء‬
‫واصبر‪..‬‬
‫‪95‬‬
‫الله ام ارزقنا الفردوس األعلى‪ ..‬الله ام ارزقنا الفردوس األعلى‪ ..‬الله ام ارزقنا الفردوس األعلى‪..‬‬

‫• وفي الخاتمة‪ :‬أعو ُد بك إلى ما بدأت به كتابي هذا‪ ،‬وأذ اكرك بوعد هللا سبحانه حيث وع َد فقال‪:‬‬
‫س ًرا﴾‬
‫س ٍر يُ ْ‬
‫ع ْ‬
‫َّللا بَ ْع َد ُ‬
‫سيَ ْجعَ ُل َّ ُ‬
‫﴿ َ‬
‫فاستبشر‪ ..‬وتفاءل‪ ..‬وأل اح بالدعاء فسيستجيب سبحانه بإذنه تعالى‪..‬‬
‫واصبر‪ ..‬فالخير قاد ٌم بإذن هللا‪:‬‬
‫البشائر قطرةً‬
‫ِّ‬ ‫وتشا ُء أنت من‬
‫ويشاء ربُك أن يُغيثك بالمطر‪..‬‬
‫فاعلم ا‬
‫أن فضل هللا أوسع مما تريده أنت‪ ..‬سبحانه الوهاب الكريم اللطيف الرزاق الفتاح ‪..‬‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫اليأس منك وربما‬
‫ِّ‬ ‫تجري دموعُ‬
‫البشائر أنورت‪..‬‬
‫َ‬ ‫الصباح ترى‬
‫ِّ‬ ‫عند‬
‫وإذا البشائ ُر لم تَ ِّحن أوقاتها‬
‫فلحكم ٍة عند اإلله تأ ّخرت‪..‬‬
‫سوقها في حينها فاصبر لها‬ ‫سي ُ‬
‫حتى وإن ضاقت عليكَ وأَقفَ َرت‪..‬‬
‫فغ ًدا سيجري دمع عينك فرحةَ‬
‫أمطرت‪..‬‬
‫َ‬ ‫ب باْلماني‬
‫وترى السحائِّ َ‬
‫اْلمس صارت بلس ًما‬
‫ِّ‬ ‫روف‬
‫ظ َ‬ ‫وترى ُ‬
‫سرت‪..‬‬
‫وهي التي أعيَتك حين تع ّ‬

‫‪96‬‬
‫وتقو ُل سبحانَ الذي رف َع البال‬
‫سرت‪..‬‬ ‫من بعد أن فُ ِّق َد الرجا ُء تي ّ‬
‫والحمد هلل ربا العالمين والصًلة والسًلم على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫ت َّم بحمد هللا‪.‬‬

‫‪97‬‬

You might also like