You are on page 1of 19

‫قال تعالى‪َ :‬و َم ا َقَد ُروْا ٱَهَّلل َح َّق َقْد ِر ِه‬

‫[األنعام‪.]91:‬‬
‫إخوَة اإلسالم‪ ،‬خَفَتْت عظمُة هللا في‬
‫نفوس بعِض المسلمين اليوَم ‪ ،‬وعُظم‬
‫في نفوسهم قدُر قوى األرض‬
‫البشرّية‪ ،‬حين رأوا ُم نجزاِت‬
‫الحضارة الماّد ية ونتاجها العلمي‪ ،‬من‬
‫هندسِة الصفات الوراثية‪ ,‬إلى‬
‫االستنساخ‪ ,‬إلى الصواريخ العاِبرة‬
‫للقاّرات‪ ,‬إلى حرب الّنجوم وُضروب‬
‫المدافع والقنابل‪.‬‬
‫هذا التطّو ر السريع والنمّو الكبير في‬
‫آلّيات التقّد م الماّد ي جَع ل فئاًم ا ِم ن‬
‫الخلق يصابون باالنبهار‪ ،‬وتتسّرب‬
‫إلى دواِخ لهم الّرهبة والهَلع‪,‬‬
‫وتضطِر ب نفوسهم‪ ,‬وتهَز م عزائمهم‪.‬‬
‫وهذا يحِّطم المجتمعات‪ ,‬ويزلزل‬
‫بنيانها‪ ,‬ويحِّو لها إلى مجتمعاٍت حزيَنة‬
‫منكِس رة يائَس ة ضائعة‪.‬‬
‫وحرٌّي بالمسلمين حيَن تهّز هم عظمة‬
‫البشر استحضاُر عظمة خالِق البشر‬
‫سبحانه‪ ،‬الذي يدّبر أو الممالك‪ ,‬يأمر‬
‫وينهى‪ ،‬يخلق ويرُز ق‪ ،‬يميت ويحِيي‪،‬‬
‫يداِول األّيام بين الّناس‪ ،‬يقلب الّد ول‬
‫فيذهب بدولٍة ويأتي بأخرى‪.‬‬
‫إّن تعظيَم هللا عّز وجل ِم ن أجّل‬
‫العبادات القلبية وأهّم أعمال القلوب‬
‫التي يتعّين ترسيخها وتزكيُة النفوس‬
‫بها‪ ،‬ال سّيما وأّنه ظَهر في زماننا ما‬
‫يخاِلف تعظيَم هللا تعالى ِم ن‬
‫االستخفاف واالستهزاِء بشعائر هللا‪،‬‬
‫والتطاوِل على الثوابت‪ ,‬والّتسفيه‬
‫واالزدراء لدين هللا‪ ،‬مع ما أصاب‬
‫األّم ة من وَهٍن وخوٍر وهزيمٍة نفسّية‪،‬‬
‫قال تعالى‪َّ :‬م ا َلُك ْم َال َتْر ُجوَن ِهَّلِل َو َقاًر ا‬
‫[نوح‪.]13:‬‬
‫إّن اإليمان باهلل ـ عباَد هللا ـ مبنّي على‬
‫التعظيم واإلجالل له عّز وجّل‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪َ :‬تَك اُد ٱلَّس َم ٰـ ٰو ُت َيَتَفَّطْر َن ِم ْنُه‬
‫[مريم‪ ،]90:‬قال المفسرون‪" :‬يتشّققن‬
‫ِم ن عظمِة هللا عّز وجّل"‪.‬‬
‫منزلُة التعظيم تابعة للمعرفة‪ ,‬فعلى‬
‫قدِر المعرفة يكون تعظيُم الرّب تعالى‬
‫في القلب‪ ،‬وأعرف الّناس به أشُّد هم له‬
‫تعظيًم ا وإجالًال‪ ,‬وقد ذّم هللا تعالى َم ن‬
‫لم يعِّظمه حَّق عظمِته‪ ,‬وال عَر فه حَّق‬
‫معرفته‪ ،‬وال وصَفه حَّق صفته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َّم ا َلُك ْم َال َتْر ُجوَن ِهَّلِل َو َقاًر ا [نوح‪:‬‬
‫‪ ،]13‬قال المفسرون‪" :‬ما لكم ال‬
‫تعِّظمون هللا حَّق عظمته"‪.‬‬
‫تعظيُم هللا وإجالله ـ عباَد هللا ـ ال‬
‫يتحَّقق إال بإثباِت الصفاِت له كما يليق‬
‫به سبحانه‪ ،‬وروُح العبادة هو اإلجالل‬
‫والمحّبة‪ ،‬فإذا تخّلى أحدهما عن‬
‫اآلخر فسَد ت‪.‬‬
‫لقد كان نبّينا يرّبي أّم ته على وجوِب‬
‫تعظيم هللا‪ ،‬ففي حديث ابن مسعود‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬جاء َح بر من‬
‫األحبار إلى رسول هللا فقال‪ :‬يا‬
‫محّم د‪ ,‬إّنا نجد أّن هللا يجعل السمواِت‬
‫على إصبع‪ ،‬واألرضين على إصبع‪،‬‬
‫والشَج ر على إصبع‪ ،‬والماَء والثرى‬
‫على إصبع‪ ،‬وسائَر الخلق على‬
‫إصبع‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا الملك‪ ،‬فضِح ك‬
‫النبّي حتى بَد ت نواجذه تصديًقا لقوِل‬
‫الحبر‪ ,‬ثّم قرأ رسول هللا ‪َ :‬و َم ا َقَد ُروْا‬
‫ٱَهَّلل َح َّق َقْد ِر ِه َو ٱألْر ُض َجِم يعًـا َقْبَض ـُتُه‬
‫َيْو َم ٱْلِقَيٰـ َم ِة َو ٱلَّس َم ٰـ ٰو ُت َم ْطِوَّيٰـ ٌت ِبَيِم يِنِه‬
‫ُس ْبَح ٰـ َنُه َو َتَع اَلٰى َع َّم ا ُيْش ِر ُك وَن [الزمر‪:‬‬
‫‪.]1[]67‬‬
‫وَو رد ِم ن حديث ابِن عمر رضي هللا‬
‫عنهما أّن رسول هللا قرأ هذه اآليَة‬
‫ذاَت يوم على المنبر‪َ :‬و َم ا َقَد ُروْا ٱَهَّلل‬
‫َح َّق َقْد ِر ِه َو ٱألْر ُض َجِم يعًـا َقْبَض ـُتُه‬
‫َيْو َم ٱْلِقَيٰـ َم ِة َو ٱلَّس َم ٰـ ٰو ُت َم ْطِوَّيٰـ ٌت ِبَيِم يِنِه‬
‫ُس ْبَح ٰـ َنُه َو َتَع اَلٰى َع َّم ا ُيْش ِر ُك وَن ‪،‬‬
‫ورسول هللا يقول هكذا بيده‪،‬‬
‫ويحركها‪ ،‬يقبُل بها ويدبر‪(( ،‬يمّجد‬
‫الرب نفسه‪ :‬أنا الجبار‪ ،‬أنا المتكّبر‪،‬‬
‫أما الملك‪ ,‬أنا العزيز‪ ،‬أنا الكريم))‪،‬‬
‫فرَج ف برسول هللا المنبر حتى قلنا‪:‬‬
‫ليِخ ّر ّن به[‪.]2‬‬
‫هللا تعالى ـ عباد هللا ـ هو الكريم‬
‫العظيم‪ ,‬الذي هو أكبر من كّل شيء‪،‬‬
‫وأعظم من كّل شيء‪ ،‬أجّل وأعلى‪،‬‬
‫هو وحَد ه الخالق لهذا العالم‪ ،‬ال يَقع‬
‫شيء في الكون من حركٍة أو سكون‬
‫أو رفٍع أو خفض أو عّز أو ذّل أو‬
‫عطاٍء أو منع إّال بإذنه سبحانه‪ ،‬يفَع ل‬
‫ما يشاء‪ ,‬وال ُيماَنع وال ُيغاَلب‪ .‬ولما‬
‫قال األعرابي لرسول هللا ‪ :‬فإّنا‬
‫نستشفع بك على هللا‪ ،‬ونستشِفع باهلل‬
‫عليك‪ ،‬قال رسول هللا ‪(( :‬ويَح ك!‬
‫أتدري ما تقول؟!)) وسّبَح رسول‬
‫هللا ‪ ,‬فما زال يسّبح حتى ُع ِر ف ذلك‬
‫في وجوه أصحاِبه‪ ,‬ثّم قال‪(( :‬ويَح ك!‬
‫إّنه ال يستشَفع باهلل على أحٍد من خلقه‪,‬‬
‫شأُن هللا أعظُم من ذلك)) أخرجه أبو‬
‫داود[‪.]3‬‬
‫عباَد هللا‪ ،‬على قدر المعرفِة يكون‬
‫تعظيم الرّب تعالى في القلب‪،‬‬
‫وأعرف الّناس به أشّد هم هلل تعظيًم ا‬
‫وإجالًال‪ ،‬تأّم ل آياِت هللا وإعجاَز ه في‬
‫الكون‪ ،‬في كتاٍب مقروء‪ ،‬وصفحاٍت‬
‫مشرقة منظوَر ة‪ ،‬ليمتلَئ قلبك إجالًال‬
‫وعظمة هلل سبحانه‪َ :‬فُس ْبَح ٰـ َن ٱَّلِذ ى ِبَيِدِه‬
‫َم َلُك وُت ُك ّل شيء َو ِإَلْيِه ُتْر َج ُعوَن‬
‫[يس‪.]83:‬‬
‫تجُد أماَم ك نافذة واسعًة سعَة الكون‬
‫كِّله‪ ،‬إعجاٌز باهر‪ ,‬وآيات كريمة‪ ،‬قد‬
‫كِتبت بحروٍف كبيرة واضحة على‬
‫صفحاِت الكون كله‪ ،‬ٱُهَّلل َخ ٰـ ِلُق ُك ـّل‬
‫شيء َو ُهَو َع َلٰى ُك ّل شيء َو ِكيٌل َّلُه‬
‫َم َقاِليُد ٱلَّس َم ٰـ ٰو ِت َو ٱألْر ِض [الزمر‪:‬‬
‫‪.]63 ،62‬‬
‫انظر إلى الّش مس والقَم ر يدوران‪،‬‬
‫والليِل والنهار يتقّلبان‪ ,‬بل انُظر إلى‬
‫تكوين نفِس ك وتركيِب جسمك‪ ،‬من ذا‬
‫الذي جعله بهذا التركيب وهذا النظام‬
‫العجيب‪َ ،‬و ِفى َأنُفِس ُك ْم َأَفَال ُتْبِص ُروَن‬
‫[الذاريات‪.]21:‬‬
‫فِّك ر في النبات والشجر‪ ,‬والفاكهة‬
‫والثمر‪ ،‬وفي الَبحر والّنَهر‪ ،‬إذا طاف‬
‫عقلك في الكائنات ونظرك في‬
‫األرض والسموات رأيَت على‬
‫صفحاتها قدرَة هللا‪ ,‬وامتأل قلبك‬
‫باإليمان باهلل‪ ،‬وانطلَق لسانك بـ"ال إله‬
‫إال هللا"‪ ،‬وخضعت مشاعُرك لسلطاِن‬
‫هللا‪.‬‬
‫يقول عّز وجّل‪ُ :‬قْل َأَر َأْيُتْم ِإن َجَعَل ٱُهَّلل‬
‫َع َلْيُك ُم ٱَّلْيَل َس ْر َم ًد ا ِإَلٰى َيْو ِم ٱْلِقَيٰـ َم ِة َم ْن‬
‫ِإَلٰـ ٌه َغ ْيُر ٱِهَّلل َيْأِتيُك ْم ِبِض َياء َأَفَال‬
‫َتْس َم ُعوَن ُقْل َأَر ءْيُتْم ِإن َجَعَل ٱُهَّلل‬
‫َع َلْيُك ُم ٱلَّنَهاَر َس ْر َم ًد ا ِإَلٰى َيْو ِم ٱْلِقَيٰـ َم ِة‬
‫َم ْن ِإَلٰـ ٌه َغ ْيُر ٱِهَّلل َيْأِتيُك ْم ِبَلْيٍل َتْس ُكُنوَن‬
‫ِفيِه َأفَال ُتْبِص ُروَن [القصص‪،71:‬‬
‫‪.]72‬‬
‫ماذا نفَع ل لو لم تطلِع الشمس؟! ماذا‬
‫نفعل إذا غاَب القَم ر ولم يظهر؟! كيَف‬
‫نعيش؟! كيف نزرع؟! كيف نأكل؟!‬
‫بل كيف نتعّلم ونعِّلم غيَر نا؟!‬
‫ُهَو ٱَّلِذ ى َجَعَل ٱلَّش ْمَس ِض َياء َو ٱْلَقَم َر‬
‫ُنوًر ا َو َقَّد َر ُه َم َناِزَل ِلَتْع َلُم وْا َعَدَد‬
‫ٱلّس ِنيَن َو ٱْلِح َس اَب َم ا َخ َلَق ٱُهَّلل ٰذ ِلَك ِإَّال‬
‫ِبٱْلَح ّق ُيَفّص ُل ٱآلَيٰـ ِت ِلَقْو ٍم َيْع َلُم وَن‬
‫[يونس‪.]5:‬‬
‫إَّن َم ن تفّك ر في ذلك خاَف َهللا تعالى‬
‫ال محالة؛ ألّن الفكَر يوقعه على‬
‫صفاِت جالل هللا وكبريائه‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه العزيز الكريم المتعال الواحُد‬
‫القهار‪ .‬هو سبحانه القهار الذي قَهر‬
‫كَّل شيء وغلبه‪ ،‬والذي ال يطاق‬
‫انتقاُم ه‪ ،‬مذُّل الجبابرة‪ ,‬قاسم ظهور‬
‫الملوك واألكاسرة‪ .‬هو سبحانه القوّي‬
‫الذي تتصاغر كّل قّو ة أمام قّو ته‪،‬‬
‫ويتضاءل كّل عظيم أمام ِذ كر عظمِته‪.‬‬
‫إّن هذا الجيَل الذي صّد ه عن السبيل‬
‫االستكبار‪ ,‬وعاله الغرور‪ ,‬وأسَك َر ه‬
‫الّترف‪ ,‬وجعل كتاَب رّبه وراءه‬
‫ِظ هرًّيا بحاجٍة ماّسة إلى أن يعرف‬
‫رّبه حًّقا‪ ،‬ويعظمه صدًقا‪ ,‬بتدّبر أسماء‬
‫هللا الحسنى‪ ،‬التأّم ِل في آياته‪ ،‬التفّك ر‬
‫في إعجازه‪ ،‬فَم ن استيَقن قلبه هذه‬
‫المعانَي ال يرَهب غيَر هللا‪ ،‬وال يخاف‬
‫ِس واه‪ ،‬وال يرجو غيَر ه‪ ،‬وال يتحاكم إّال‬
‫له‪ ،‬وال يذّل إال لعظمِته‪ ،‬وال يحّب‬
‫غيَر ه‪.‬‬
‫أّم ا الذين يهجرون القرآَن ‪ ,‬ويرتكبون‬
‫المحرّم ات‪ ,‬ويفّرطون في الطاعات‪،‬‬
‫أّم ا الذين يتحاكمون إلى شرع غيِر‬
‫هللا‪ ،‬ما قدروا هللا حق قدره‪ .‬الذين‬
‫يسخرون من الّد ين‪ ،‬ويحاربون أولياء‬
‫هللا‪ ,‬ويستهزئون بسّنة سّيد البشر‪ ,‬ما‬
‫قدروا هللا حَّق قدره‪.‬‬

‫من شِهد قلُبه عظمَة هللا وكبرياَء ه عِلم‬


‫شأَن تحذيره جّل وعال في قوله‪:‬‬
‫َو ُيَح ّذ ْر ُك ُم ٱُهَّلل َنْفَس ُه [آل عمران‪،]28:‬‬
‫قال المفسرون‪" :‬أي‪ :‬فخافوه‬
‫واخَش وه"‪.‬‬
‫وألجل شهوِد صفاِت عظمِته سبحانه‬
‫وِج لت قلوب المؤمنين لمجّرد ذكره‬
‫تعالى كما قال سبحانه‪ِ :‬إَّنَم ا ٱْلُم ْؤ ِم ُنوَن‬
‫ٱَّلِذ يَن ِإَذ ا ُذ ِكَر ٱُهَّلل َوِج َلْت ُقُلوُبُهْم‬
‫[األنفال‪ ،]2:‬ويقول سبحانه‪َ :‬و َبّش ِر‬
‫ٱْلُم ْخ ِبِتيَن ٱَّلِذ يَن ِإَذ ا ُذ ِكَر ٱُهَّلل َوِج َلْت‬
‫ُقُلوُبُهْم [الحج‪.]35 ،34:‬‬
‫هذه ـ عباَد هللا ـ بعُض عظمِته سبحانه‬
‫مما تتحّم له العقول‪ ،‬وإّال فعظمة هللا‬
‫وجالله أجّل من أن يحيَط بها عقل‪،‬‬
‫فَم ن هذا بعُض عظمته كيَف يجعل في‬
‫رتبِته مخلوق ال يملك لنفسه نفًع ا وال‬
‫ضًّر ا؟! والذين ال يقّد رون َهللا حَّق‬
‫قدره‪ ,‬وال يعّظمونه حَّق عظمته‪,‬‬
‫تصاب نفوسهم بالوَهن‪ ,‬وتمتلئ‬
‫قلوبهم برهبِة البشر والهزيمة النفسّية‬
‫التي تظّل تالحقهم مهما أوتوا من قّو ة‬
‫ونالوا من عّد ٍة وعدد‪ .‬والهزيمة‬
‫النفسّية هي من أنكى الهزائم وأشِّد ها‬
‫خطًر ا على مستقَبل األمة‪ ,‬قال تعالى‪:‬‬
‫َو َال َتِهُنوا َو َال َتْح َز ُنوا َو َأنُتُم األْع َلْو َن‬
‫ِإن ُك نُتم ُّم ْؤ ِمِنيَن [آل عمران‪.]139:‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم‪،‬‬
‫ونفعني وإياكم بما فيه من اآليات‬
‫والذكر الحكيم‪ ,‬أقول قولي هذا‪,‬‬
‫وأستغفر هللا العظيم لي ولكم‬
‫فاستغفروه‪ ،‬إّنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫لخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل وكَفى‪ ,‬وسالم على عباِد ه‬
‫الذين اصطفى‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وحَد ه ال شريك له العلّي األعلى‪,‬‬
‫وأشهد أّن سّيدنا ونبّينا محّم ًد ا عبده‬
‫ورسوله‪ ,‬صاحب الّنهج السوي‬
‫والخلق األسنى‪ ,‬صّلى هللا عليه وعلى‬
‫آله وصحبه‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فأوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪.‬‬
‫إّن امتالَء القلب بعظمة هللا يوّلد ثقًة‬
‫مطلقة باهلل‪ ،‬ويجعل المسلَم هادَي الباِل‬
‫ساكَن النفس مهما ادلهّم ت الخطوب‪.‬‬
‫إّن استشعاَر عظمة هللا تمأل القلب‬
‫ُن ّّّل‬
‫رًض ا وصبًر ا جميًال‪ ،‬فال يحز نا تق ب‬
‫الذين كفروا في البالد‪ ،‬فإنهم مهما‬
‫علوا وتجّبروا لن يِص لوا إلى‬
‫مطامعهم‪ ،‬ولن يحّققوا أهدافهم الّد نيئة‪،‬‬
‫فاهلل هو القوّي الذي ال يغلب‪ .‬لقد بلغ‬
‫فرعون ما بلغ من طغيان‪ِ ،‬إَّن ِفْر َعْو َن‬
‫َع َال ِفى ٱألْر ِض َو َجَعَل َأْهَلَها ِش َيًع ا‬
‫َيْس َتْض ِع ُف َطاِئَفًة ّم ْنُهْم ُيَذ ّبُح َأْبَناءُهْم‬
‫َو َيْس َتْح ِى ِنَس اءُهْم [القصص‪ ،]4:‬فماذا‬
‫كانت نتيجة الطغيان؟! َفَأَخ ْذ َنٰـ ُه‬
‫َو ُج ُنوَد ُه َفَنَبْذ َنٰـ ُهْم ِفى ٱْلَيّم َو ُهَو ُمِليٌم‬
‫[الذاريات‪.]40:‬‬
‫إّن معرفَتنا بعظمِة هللا تورث القلَب‬
‫الشعوَر الحّي بمعّيته سبحانه‪ ،‬التي‬
‫ُتفيض السكينَة في المحن والَبصيرة‬
‫في الفتن‪ ،‬فعندما لجأ رسولنا إلى‬
‫الغار‪ ,‬واقترب األعداء حتى كانوا‬
‫قاَب قوسين أو أدنى‪ ,‬شاهرين‬
‫سيوَفهم‪ ،‬قال أبو بكر رضي هللا عنه‪:‬‬
‫يا رسول هللا‪ ،‬لو أّن أحَد هم رفع قَد مه‬
‫رآنا‪ ،‬فرّد عليه رسولنا بكّل ِثقة‪(( :‬ما‬
‫ظّنك باثنين هللا ثالثهما؟!))[‪.]1‬‬
‫إّن استشعاَر عظمِة هللا ومعّيته تبَع ث‬
‫في النفس معنى الثبات والعّز ة‪,‬‬
‫وتقّو ي العزائم حتى في أشّد حاالت‬
‫الّضنك‪ ،‬وقد كانت هذه الحقائق جلّية‬
‫عند الصحابة حتى مع الحصار‬
‫االقتصادّي واالجتماعّي في ِش عب‬
‫أبي طالب‪ ،‬ولم تمِض ِس وى أعوام‬
‫حتى فَتح هللا على أبي بكر وعمر‬
‫وغيرهم أعظَم االنتصارات‪.‬‬
‫وِم ن قبل يِقف موسى وجنوُد ه عند‬
‫شاطئ الَبحر فيقول بعضهم‪ :‬إّن‬
‫فرعون من ورائنا والبحَر من أمامنا‪,‬‬
‫فأين الخالص؟! َقاَل َأْص َح ٰـ ُب ُم وَس ٰى‬
‫ِإَّنا َلُم ْد َر ُك وَن [الشعراء‪ ،]61:‬فيرّد‬
‫نبّي هللا موسى عليه السالم باستشعاٍر‬
‫لعظمة هللا وِثقة كاملٍة بموعود هللا‪ِ :‬إَّن‬
‫َم ِع َى َر ّبى َسَيْهِد يِن [الشعراء‪،]62:‬‬
‫فكان بعَد ها الّنصر والّتمكين‪.‬‬

You might also like