Professional Documents
Culture Documents
سنة 1439هـ
1
الفائدة األوىل:
جاء رمضان ....كذكل لك س نة ،هل هو زمان اجلوع والعطش والتعب؟ أم
وقت النشاط والانتعاش؟
مفن بىن حياته عىل اللك والرشب فهو مرضوب مكسور يف هذا الشهر .ومن
اكنت حياته قامئة عىل قوة ارادته وعلو مهته ،مفا زاد رمضان اال نشاطا واقداما.
نعم ،ان حركة االنسان ليست جمرد نتاج التفاعالت الكمييائية داخل اجلسد ،بل
يه مثار االرادة وفعل الروح ،بل الروح يه الصل واال مفا قمية الطني لوال أن هللا نفخ
فيه الروح؟...
س ئل االمام الشافعي -عليه رمحة هللا -وقيل هل :اي امام! هل الروح يه اليت
حتمل اجلسد أم أن اجلسد هو اذلي حيمل الروح؟
فقال :بل ان الروح يه اليت حتمل اجلسد ،بدليل أن الروح اذا فارقت اجلسد
وقع.
وها قد جاء رمضان حيث منع املسمل من اللك والرشب طيةل الهنار ،هنا يتأخر
اجلسد وتتقدم الروح...
2
نقص الغذاء املادي ،مفاذا يفعل الغذاء الرويح؟ فالآن جاءت الروح لتظهر
مدى قوهتا وحصهتا ،مفن اكنت روحه ضامرة ضعيفة ،فانه س يعيش فرتة مؤملة خالل هذا
الشهر ،ومن اكنت روحه حصيحة قوية فالآن شهر النشاط والانطالق...
نسأل هللا العون والتوفيق.
3
الفائدة الثانية
ان تزكية النفوس يه أمه مقاصد الصوم .وقد ّبني تعاىل أن التقوى يه الهدف
املنشود من هذه العبادة{ .ي َ آأَُّيه َا أ ذ ِذل َين َءا َمنُو ۟ا ُك ِت َب عَلَ ْي ُ ُُك أ ّ ِلص َيا ُم َ َمَك ُك ِت َب عَ َىل أ ذ ِذل َين ِمن
ون} [البقرة]183 : قَ ْب ِل ُ ُْك لَ َعل ذ ُ ُْك تَتذ ُق َ
ان الصيام من أكرب أس باب التقوى– كام قال العالمة عبد الرمحن السعدي رمحه
هللا .ولكن هل تزكو النفوس مبجرد الامتناع عن اللك والرشاب؟
ان قول النيب -عليه الصالة والسالمَ « :م ْن لَ ْم يَدَ ْع قَ ْو َل هالز ِور َوال َع َم َل ِب ِه ،فَلَيْ َس
َشاب َ ُه» يشري اىل أن الامتناع عن اللك والرشاب ال ِ ذ ِّلِل َحا َج ٌة ِيف َأ ْن يَدَ َع َط َعا َم ُه َو َ َ
يكفي لن يأيت الصيام بامثره املرجوة.
وقد حذر النيب صىل هللا عليه وسمل من الصوم اذلي ليس فيه اال الامتناع عن
اللك والرشاب ،فال حيصل الصامئ اال عىل اجلوع والعطش .ففي اجلامع الصحيح َع ْن ا ْب ِن
امئ لَيْ َسوسمل ُ " :-ر ذب َص ِ ٍ
هللا عليه ذ هللا -صىل ُ ول ِ ُ َُع َر -ريض هللا عهنام -قَا َل :قَا َل َر ُس ُ
َ ُهل ِم ْن ِص َيا ِم ِه ا ذال الْ ُجو ُع َوالْ َع َط ُش".
ِ
مفن أراد أن يزيك نفسه ابلصوم ال بد أن يسعى لهذا القصد .فالزتكية فعل مقصود
وليس حداث عارضا يصادف الصامئ "أتوماتيكيا" .مفن أمهل نفسه واتبع هواه مل يتطهر ،ولو
َاب َمن د ذَس ٰىه َا} [الشمس: أجاع بطنه ألف س نة .قال تعاىل{ :قَدْ َأفْلَ َح َمن َزكذٰىه َا َ .وقَدْ خ َ
]10-9فال يفلح اال من قصد اىل التخلص من الخالق الرديئة واخلصال اذلممية.
4
وقال تعاىل{ :قَدْ َأفْلَ َح َمن تَ َز ذ هّك} [العىلّ ]14 :
فالزتيك من التف ّعل ،فال بد من
بذل اجلهد حىت يصل االنسان اىل النتيجة املطلوبة.
وأول خطوة اىل تطهري النفس يه معرفة عيوهبا ونقائصها ،مفن مل يعرف أو مل
يعرتف بعيوبه وأخطائه لن حيصل عىل التطهري .وبعد معرفة العيوب والخطاء ،ال بد من
ص عىل حاالته السيئة وأفعاهل القدمية لن يتطهر .مث
التخلص ومهنا والتخيل عهنا ،مفن أ ّ
تكمتل ُعلية الزتكية ابكتساب خصال جديدة محيدة ،وحتسني أحوال االنسان االميانية.
وقد مسى أهل السلوك هذه اخلطوات ابلتخلية مث التحلية مث التجلية .لك ذكل ال
يكون اال بتوفيق من هللا ،قال تعاىلَ { :ولَ ْو َال فَضْ ُل أ ذ ِّلِل عَلَ ْي ُ ُْك َو َر ْ َمح ُت ُهۥ َما َز َ هّك ِم ُنُك ِّم ْن
َأ َح ٍد َأبَدًۭ ا َولَـ ِكن ذأ ذ َّلِل يُ َز ِ ّّك َمن يَشَ ا آ ُء ۗ َوأ ذ ُّلِل َ ِمسي ٌع عَ ِليم} [النور]21 :
هداان هللا واايمك للتقوى ،اللهم أآت نفوس نا تقواها ،وزكّها أنت خري من زاكها،
أنت ولهيا وموالها.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
5
الفائدة الثالثة:
روى الش يخان يف حصيحهيام أن النيب صىل هللا عليه وسمل قالِ " :ل ذلص ِ ِ
امئ فَ ْر َحتَ ِان :فَ ْر َح ٌة
ِع ْندَ ِف ْط ِر ِهَ ،وفَ ْر َح ٌة ِع ْندَ ِلقَا ِء َربِّه".
يه فرحتان :قريبة عاجةل وبعيدة أآجةل ،واملؤجةل مهنام أعظم وأرىق من العاجلةل ،وان اكنت
الوىل خريا وبركة ،لكن الثانية أرىق وأمسى{َ .ولَ ْلآ ِخ َر ُة خ ْ ٌَري ذ َكل ِم َن ْ ُال َ ه
وىل} [الضحى]4 :
تألك اللكة أو ترشب فتبس مت وتبهتج ،يه فرحة ال يعدهما الصامئ .ليست يه فرحة اللك
والرشاب ،بل فرحة الطاعة وفرحة االجناز وفرحة المتكن من الس يطرة عىل النفس { .قُ ْل
ون} [يونس]58 : اّلِل َو ِب َر ْ َمح ِت ِه فَب َِذ ِ َكل فَلْ َي ْف َر ُحوا ه َُو خ ْ ٌَري ِّم ذما َ ْي َم ُع َ
ِبفَضْ ِل ذ ِ
والنفوس تتفاوت درجاهتا بتفاوت ِ َمهمها واهتاماماهتا ،مفن اكن لك مهه ارضاء هللا وبلوغ
ادلرجة املعرفية العليا فهو صاحب النفس العلية .ومن اكن أكرب فرحته يف حتصيل املتع
اجلسدية ومجع احملاصيل املادية فنفس دنيئة وقد ال تتجاوز مرتبة احليواانت ،أعزمك هللا.
اّلِل ال ذ ِيت ان االسالم ال حيرم احلالل من املُتع والطيبات من الرزق{ ،قُ ْل َم ْن َح ذر َم ِزينَ َة ذ ِ
يه ِل ذ َِّلي َن أ آ َمنُوا ِيف الْ َح َيا ِة ادله نْ َيا خَا ِل َص ًة ي َ ْو َم
ات ِم َن ّ ِالر ْز ِق ۚ قُ ْل ِ َ َأخ َْر َج ِل ِع َبا ِد ِه َوا ذلط ِ ّي َب ِ
ون} [العراف ]32 :ولكن هللا أشار اىل ما هو الْ ِق َيا َم ِة ۗ كَ َذ ِ َكل ن ُ َف ّ ِص ُل ْالآ َاي ِت ِلقَ ْو ٍم ي َ ْعلَ ُم َ
ات َ َْت ِري ِمن َ ْحتهتِ َا ْ َالْنْ َ ُار ات َجن ذ ٍ اّلِل الْ ُم ْؤ ِم ِن َني َوالْ ُم ْؤ ِمنَ ِ
أرىق من ذكل ،قال تعاىل{َ :وعَدَ ذ ُ
اّلِل َأ ْك َ ُرب ۚ َذ ِ َكل ه َُو الْ َف ْو ُز ات عَدْ ٍن ۚ َو ِرضْ َو ٌان ِّم َن ذ ِ َادل َين ِفهيَا َو َم َسا ِك َن َط ِ ّي َب ًة ِيف َجن ذ ِ خِِ
الْ َع ِظ ُي} [التوبة]72 :
6
ن ّبه تعاىل أن رضوانه أكرب من سائر نعي اجلنة اخلادلة فضال عن متعة ادلنيا الفانية .فأكرث
النفوس سعادة أكرثها ادرأاك لهذه املعاين ،وأشدها طلبا لها ،وأكرثها حتمال يف طريق
حتقيقها ،وأحس هنا أداء يف الوفاء مبتطلباهتا.
والصامئ ،بني فرحته احلارضة والخرى الآتية ،يف سعادة أكيدة .يه ساعات الصرب
املعدودة ليصل اىل الفرحة القريبة ،وتذكر هذه الفرحة بأعظم فرحة يدها عند لقاء هللا
الكبري املتعال .ساعات يقضهيا املؤمن لتوصل اىل ذكل املقام العظي ...ما أق ّل اجلهد وما
أعظم اجلزاء! انه كرم من هللا وفضل ،نسأل هللا أن ال حيرمنا منه.
اللهم اهدان فمين هديت ،وعافنا فمين عافيت ،وابرك لنا فامي أعطيت ،وتولنا فمين
توليت....
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
7
الفائدة الرابعة:
من الفوائد الاكمنة اليت يتضمهنا الصوم أنه يفتح أآفاقا واسعة من احلياة أوسع من ذكل
اجلزء املادي املنظور ،فالصوم يعمل املسمل َتربة احلياة الروحية امجليةل الطيبة ،فالصوم
جزء من احلرب عىل الثقافة املادية املتطرفة اليت ترصع أانسا كثريين قدميا وحديثا.
ان النظرة املادية للحياة أآفة قدمية للبرشية ،واكن الكفار يف لك زمان يفتخرون برثوهتم
وكرثة ممتلاكهتم ،قال تعاىل{َ :و َما َأ ْر َسلْنَا ِيف قَ ْري َ ٍة ِم ْن ن َ ِذي ٍر ا ذال قَا َل ُم ْ َرتفُوهَا اانذ ِب َما ُأ ْر ِسلْ ُ ْمت ِب ِه
ِ ِ
ون (َ )34وقَالُوا َ َْن ُن َأ ْك َ ُرث َأ ْم َو ًاال َو َأ ْو َالدًا َو َما َ َْن ُن ِب ُم َعذب َِني} [س بأ]35-34 :
ذ َاك ِف ُر َ
ويف سورة الكهف ذكر هللا رجال مفتوان مباهل ورجاهل ،اذ قالَ { :أانَ َأ ْك َ ُرث ِمنْ َك َم ًاال َو َأ َع هز
ن َ َف ًرا} [الكهف]34 :
ومن الغريب أن االنسان ال يقترص تفاخره مبا يكسب من الموال ،بل يفتخر أيضا بكرثة
ول َأهْلَ ْك ُت َم ًاال لُ َبدً ا} [البدل]6 :
اس هتالكه للامل ،وذكر هللا هذا السلوك عن أحدمه{ :ي َ ُق ُ
أي ماال كثريا.
لقد حارب هللا هذه الثقافة املادية ،حيث اعترب أن التفاضل ليس بكرثة الموال بل
ابلتقوى ،قال تعاىل{ :ا ذن َأ ْك َر َم ُ ُْك ِع ْندَ ذ ِ
اّلِل َأتْقَ ُ ْامك} [احلجرات]12 :
ِ
8
حىت لو أنفق االنسان أو حضى بيشء من الموال فان العربة ليست بقميته املادية ،بل مبا
اّلِل لُ ُحو ُمهَا َو َال ِد َما ُؤهَا
يف نفس االنسان من تقواه هلل عز وجل ،قال تعاىل { :ل َ ْن يَنَا َل ذ َ
َولَ ِك ْن يَنَ ُ ُاهل التذ ْق َوى ِمنْ ُ ُْك} [احلج]37 :
نعم ،مل يلغ االسالم اعتبار املال ،فان نعم املال الصاحل للرجل الصاحل ،وقد جعل هللا
اّلِل لَ ُ ُْك ِق َيا ًما} [النساء:
الس َفه ََاء َأ ْم َوالَ ُ ُُك ال ذ ِيت َج َع َل ذ ُ
املال قواما للحياة قال تعاىل{َ :و َال ت ُْؤتُوا ه
]5
ولكن التوغل والاس تغراق يف اللهث وراء املادة والتفاخر هبا والتاكثر فهيا يه املهلكة.
واعترب القرأآن أن الاقتصار عىل اجلزء املادي من احلياة قصورا ونقصا ،فان هللا لفت اىل
أآفاق أخرى ما وراء املادة وما بعد هذه احلياة ادلنيا الزائةل ،قال تعاىل{ :ا ْعلَ ُموا َأن ذ َما الْ َح َيا ُة
ادله نْ َيا لَ ِع ٌب َولَه ٌْو َو ِزينَ ٌة َوتَ َفاخ ٌُر ب َ ْينَ ُ ُْك َوتَ َاكث ٌُر ِيف ْ َال ْم َوالِ َو ْ َال ْو َال ِدََ ،كَث َِل غَ ْي ٍث َأ ْ َْع َب ْال ُكفذ َار
ون ُح َطا ًما َو ِيف ْالآ ِخ َر ِة عَ َذ ٌ
اب َش ِدي ٌد َو َم ْغ ِف َر ٌة ِم َن ذ ِ
اّلِل ن َ َباتُ ُه ُ ذمث ُّيَ ُِيج فَ َ َرتا ُه ُم ْص َف ًّرا ُ ذمث يَ ُك ُ
َو ِرضْ َو ٌان َو َما الْ َح َيا ُة ادله نْ َيا ا ذال َمتَا ُع الْغ ُُر ِور} [احلديد]20 :
ِ
لقد جاء الصوم لتخليص االنسان من َأرس املادة وحترير نفسه من التعلق هبا .فالصوم ُجنذة
من هذه الثقافة الفاسدة اليت ترصع النفوس وتغتال العقول وحترم الناس من احلمكة .
اللهم ارزقنا االميان والتقوى وارفعنا ابلعمل واحلمكة ،وال َتعلنا من اجلاهلني.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
9
الفائدة اخلامسة
قال العلامء ان الصالة معراج املؤمن ،حيث ان روحه تعرج اىل رب العاملني
هللا َص ذىل ختاطبه وخياطهبا .روى مسمل عن أيب هريرة ريض هللا عنه قالِ َ :مس ْع ُت َر ُسو َل ِ
الص َال َة بَيْ ِن َوب َ ْ َني َع ْب ِدي ِن ْص َف ْ ِنيَ ،و ِل َع ْب ِدي
هللا تَ َع َاىل :قَ َس ْم ُت ذ ول " :قَا َل ُ هللا عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل ي َ ُق ُ
ُ
هللا تَ َع َاىلِ َ :مح ِدَين َع ْب ِديَ ،وا َذا َما َسأَ َل ،فَا َذا قَا َل الْ َع ْبدُ { :الْ َح ْمدُ ِ ذ ِّلِل َر ِ ّب الْ َعالَ ِم َني} قَا َل ُ
ِّ ِ ِ
ِ ِ َ َ َ ِ َ
هللا تَ َعاىل :أث َىن عَ ذيل َع ْبديَ ،واذا قالَ { :ماكل ي َ ْو ِم ادل ِين}، ْ َ َ َ َ ِ
{الر ْ َمح ِن ذالرح ِي} ،قال ُ قَا َل :ذ
ِ
قَا َلَ :م ذجدَ ِين َع ْب ِدي ،فَا َذا قَا َل{ :ا ذايكَ ن َ ْع ُبدُ َوا ذايكَ ن َ ْس َت ِع ُني} قَا َل :ه ََذا بَيْ ِن َوب َ ْ َني َع ْب ِدي،
ْ ِ ِ ِ
َ ذ
صاط اذل َين َأنْ َع ْم َت عَلهيْ ِ ْم غَ ْ ِري َ ِ ِ َ
الرصاط ال ُم ْس تَق َي َ َو ِل َع ْب ِدي َما َسأَ َل ،فَا َذا قَا َل{ :ا ْهدانَ ّ َ
ِ ِ
ِ
وب عَلَهيْ ِ ْم َو َال الضذ ا ِل ّ َني} قَا َل :ه ََذا ِل َع ْب ِدي َو ِل َع ْب ِدي َما َسأَ َل". الْ َمغْضُ ِ
اي لرشف هذا العبد اذلي اس تجاب هللا نداءه ،ومسع الكمه ،وأجاب دعاءه...
وهذا الرشف ال حيظى به اال من اكن قلبه حارضا يف صالته ،مقبال عىل ربه،
غري ملتفت اىل غريه ،فان هللا ال يس تجيب دعاء من قلب غافل ال ٍه ،كام ثبت ذكل عن
النيب صىل هللا عليه وسمل فامي رواه الرتمذي واحلامك عن أيب هريرة أن النيب صىل هللا
يب ُدعَ ًاء ِم ْن قَلْ ٍب غَا ِف ٍل َال ٍه".
اّلِل َال ي َْس َتجِ ُ
عليه وسمل قال" :ا ْعلَ ُموا َأ ذن ذ َ
ترشف هبا االنسان حيث حرض قلبه وعقهل ،قال نعم ،ان هذه الصلوات امنا ّ
النيب صىل هللا عليه وسمل :ا ذن الْ َع ْبدَ لَ ُي َص ِ ّيل ذ
الص َال َة َما يُ ْكتَ ُب َ ُهل ِمهنْ َا ا ذال ع ْ ُ
ُرشهَا ت ُ ْس ُعهَا
ِ ِ
ُ ِ ُ
ثُ ُمهنُ َا ُس ُب ُعهَا ُسدُ ُسهَا ُ ُُخ ُسهَا ُربُ ُعهَا ثلثُ َا ن ْصفهَا[ .رواه أمحد]
ُ
10
قال عامر بن ايرس مب ّيِن ًا سبب ذكل" :امنا يكتب للعبد من صالته ما عقل مهنا".
لك َص َال ٍة َال
حفضور القلب أمر رضوري يف الصالة .روي عن احلسن أنه قال ُ :ه
رض ِفهيَا الْقَلْ ُب فَه َِيي اىل العقوبة أرسع.
َ ْحي ُ ُ
وقد رتب ابن القي رمحه هللا درجات الناس يف صلواهتم ،فقال" :والناس يف
الصالة عىل مراتب ُخسة :أحدها :مرتبة الظامل لنفسه املفرط ،وهو اذلي انتقص من
وضوهئا ومواقيهتا وحدودها وأراكْنا.
الثاين :من حيافظ عىل مواقيهتا وحدودها وأراكْنا الظاهرة ووضوهئا ،لكن قد ضيع
جماهدة نفسه يف الوسوسة فذهب مع الوساوس والفاكر.
الثالث :من حافظ عىل حدودها وأراكْنا وجاهد نفسه يف دفع الوساوس
والفاكر ،فهو مشغول مبجاهدة عدوه لئال يرسق صالته ،فهو يف صالة وهجاد.
الرابع :من اذا قام اىل الصالة أَكل حقوقها وأراكْنا وحدودها واس تغرق قلبه
مراعاة حدودها وحقوقها لئال يضيع شيئ ًا مهنا ،بل مهه لكه مرصوف اىل اقامهتا كام ينبغي
واكاملها وامتاهما ،قد اس تغرق قلب شأن الصالة وعبودية ربه تبارك وتعاىل فهيا.
اخلامس :من اذا قام اىل الصالة قام الهيا كذكل ،ولكن مع هذا قد أخذ قلبه
ووضعه بني يدي ربه عز وجل انظر ًا بقلبه اليه مراقب ًا هل ممتلئ ًا من حمبته وعظمته ،كنه
يراه ويشاهده ،وقد امضحلت تكل الوساوس واخلطوات وارتفعت جحهبا بينه وبني ربه،
فهذا بينه وبني غريه يف الصالة أفضل وأعظم مما بني السامء والرض ،وهذا يف صالته
مشغول بربه عز وجل قرير العني به.
11
فالقسم الول معاقب ،والثاين حماسب ،والثالث مكفر عنه ،والرابع مثاب،
مقرب من ربه لن هل نصيب ًا ممن جعلت قرة عينه يف الصالة ،مفن قرت عينه واخلامس ذ
بصالته يف ادلنيا قرت عينه بقربه من ربه عز وجل يف الآخرة"...
جعلنا هللا من اذلين مه يف صالهتم خاشعون ،واذلين مه عن اللغو معرضون...
اللهم أعنا عىل ذكر وشكرك وحسن عبادتك...
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
12
الفائدة السادسة:
أمجع العلامء أن َتويد القرأآن واجب ،ال خيل فيه أحد يقدر عليه اال أآمث .قال ابن
اجلزري رمحه هللا:
يود القرأآن أآمث
ومن مل ِّ والخذ ابلتجويد حمت الزم
والتجويد معناه التحسني ،ويف الاصطالح :تالوة القرأآن الكرمي حق تالوته أي
ابعطاء لك حرف من القرأآن حقّه ومس تحقّه ،مبقتىض أصولها املعهودة.
امه ْال ِكتَ َ
اب وهذا من حق التالوة لهذا الكتاب العزيز ،قال تعاىل { :ذ ِاذل َين أآتَيْنَ ُ ُ
ون ِب ِه} [البقرة]121 :
ي َ ْتلُون َ ُه َح ذق ِت َال َو ِت ِه ُأولَ ِئ َك ي ُ ْؤ ِمنُ َ
مفن قرص يف َتويد القرأآن فقد أخ ّل حبق تالوته.
وقدرة الناس عىل َتويد القرأآن درجات ،فهناك همرة قد يرس هللا ألسنهتم،
وهناك متعلمون ال ينطقون حروف القرأآن اال بصعوبة ،ولكن هللا أعطى للك جمهتد
نصيبه من الجر ،مفن رزق املهارة يف قراءة القرأآن أكرمه هللا بأن يكون مع املالئكة الكرام
الربرة ،ومن ياهد نفسه ويد مشقة يف الوفاء حبق التالوة أعطى هللا هل أجره مرتني،
الجهتاده وصربه عىل التعمل .قال النيب صىل هللا عليه وسمل :الْ َما ِه ُر ِابلْ ُق ْرأ آ ِن َم َع ذ
السفَ َر ِة
ْال ِك َرا ِم الْ َ َرب َر ِةَ ،و ذ ِاذلي ي َ ْق َر ُأ الْ ُق ْرأ آ َن َويَتَتَ ْعتَ ُع ِفي ِهَ ،وه َُو عَلَ ْي ِه َش ٌّاقُ َ ،هل َأ ْج َر ِان[ .رواه مسمل]
13
وقراءة أآية واحدة بشلك حصيح أفضل من قراءة ألف أآية مع الخطاء وعدم
مراعاة أحاكم التجويد .فال يزهد أحد يف تصحيح القراءة اذا مل يكن من املتقنني ،فان هللا
ال يضيع أجر من أحسن ُعال ،فاذا اكن احلرف من القرأآن حبس نة واحدة ،فاجملهتد اذلي
حيسن قراءته يأخذ حس نتني.
ويف املقابل هناك من القراء من يبالغ يف التفاحص واظهار المتزي يف القراءة فيبالغ يف
نطقها والتغن هبا ،فيتجاوز احلد املطلوب ،فزييد يف املدود ويطنطن يف الغنن ويتشدق
ابلقرأآن ،فيخرج من حد الاعتدال.
فليس التجويدُ هللا -وهو امام يف عمل القراءةَ : قال احلافظ أبو ُعرو ادلاين َر ِ َمح ُه ُ
الصوت ،وال بمتطيط ِ الفك ،وال برتعيد بمتضيغ ال ِلّ َسان ،وال ِ
بتقعري ال َف ِم وال بتعوجي ّ
حبرصمة ذالراءاتِ ،قراء ًة تنفر مهنا املشدد ،وال بتقطيع امل َ ِّد ،وال بتطنني ال ُغنذات ،وال َ
القلوب والسامعُ ،بل القراءة السه ُةل ،العذب ُة ،احللوة اللطيفة ،اليت ال َمضْ َغ الطباعُ ،ومت ُ هجها ُ ِ
تنط َع ،وال خترج عن طباعِ فهيا ،وال لَوكَ وال ت َع هس َف ،وال تلكهف ،وال تصنه َع ،وال ه
اءات والداء .اهـ العرب ،والك ِم الفصحاء بو ْج ٍه من وجوه القر ِ
واملراد بمتضيغ اللسان :كناية عن لَوك احلروف ،وعدم تبييهنا .وأما التقعري ،فهو
كناية عن التذ َلكهف ،والتذنَ هطع ،والتذشَ دهق ،يف اخراج احلروف ،وتضخي الصوت يف القراءة.
الصوت :فهو عن املبالغة يف ترقيق احلروف امل ُ ْس تَ ِفةل .وأما تَ ْرعيد ذ و تعوجي الفك :كناية ِ
الشدِ ّ :الزايدة عىل مقداره .وتقطيع حيركَ صوتَه ،اكذلي يرعد من بَ ْر ٍد أو َألَم .ومتطيط ذ أن ّ ِ
من الصوت يف املدود ،ابلرفع ،واخلفض ،واحلبس ،واالطالق ،فتَتَ َو ذدل َ املد :هو حتريك ذ
ا َل ِلف املمدودة أ ِلفات ،وَنو ذكل .وتطنني الغنذات ،ويقال :ت َْطنني النهوانت :هو امل ُ َبالَغة
لك حرف الصوت فهيا ،أو تغنني احلُروف اليت ال غُنذة فهيا ،كن ذه خيرج ذ يف ال ُغنذة ،وحتريك ذ
رص َم ِة ذالر َاء ِات :املقصود هبا عندما ينطق ابلراء يضغط عليه فيحبسه من اخليشومِ .و َح ْ َ
َ
14
فيخرج حرف الراء مبتور ًا لن حرف الراء بني الرخو والشديد ،فالصوت يرى فيه
جراي ًان انقص ًا.
واملقصود أن التجويد هو الاعتدال بني التقصري يف حق التالوة وبني املبالغة فيه.
فال يهتاون القارئ يف اعطاء لك حرف حقه من النطق الصحيح ومس تحقه من الصفات
والحاكم ،وال يبالغ يف ذكل فزييد عىل احلد املطلوب.
هداان هللا واايمك ملا حيب ويرىض.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
15
الفائدة السابعة
معرتك القيم
ان الصوم ساحة عراك حمتدم بني القي الرابنية اليت أراد هللا أن يغرسها يف قلوب
املؤمنني وبني القي احليوانية اليت حرص الش يطان عىل تثبيهتا يف نفوس الناس .أراد هللا
أن يربط لك أعامل املؤمنني ابدلار الآخرة ،وأراد الش يطان أن يلتفت االنسان دامئا اىل
الفوائد ادلنيوية حفسب .أراد هللا أن يصرب االنسان عىل الشدة من أجل طاعة هللا ،وأراد
الش يطان أن يعجل االنسان راحته ابتباع الشهوات .يريد هللا أن يرفع االنسان اىل قي
السامء ويريد الش يطان اىل خيدل االنسان اىل فلسفات الرض القاصة.
اّلِل عَ ِل ٌي َح ِك ٌي اّلِل ِل ُي َب ِ ّ َني لَ ُ ُْك َوُّيَ ْ ِديَ ُ ُْك ُس َ َنن ذ ِاذل َين ِم ْن قَ ْب ِل ُ ُْك َوي َ ُت َ
وب عَلَ ْي ُ ُْك َو ذ ُ {يُ ِريدُ ذ ُ
الشه ََو ِات َأ ْن تَ ِميلُوا َم ْي ًال َع ِظميًا} ون ذ وب عَلَ ْي ُ ُْك َويُ ِريدُ ذ ِاذل َين يَت ذ ِب ُع َ اّلِل يُ ِريدُ َأ ْن ي َ ُت َ (َ )26و ذ ُ
[النساء]27-26 :
وقد ُص ِفّدت الش ياطني يف رمضان وتبقى املعركة قامئة بني تكل الزنعات .ففي
رمضان تفتح البواب لل ِف َطر السلمية أن تس بق وتنترص عىل شهواهتا ،ويبقى أحصاب
النفوس الضعيفة قابعني يف شهواهتم ،مرصين عىل عاداهتم ،غري مكرتثني هبذه القرصة
الكرمية ،وال خائفني من وعيد رهبم ،عياذا ابهلل.
وأتعس من أرسى الشهوات مه أحصاب الش هبات ،فان رمضان ال يغري من
قناعهتم شيئا ،واليصلح يف أذهاْنم فكرا .مفن تبىن فكرا منحرفا واقتنع بفلسفة فاسدة فقد
اسرتاح منه الش يطان ،فانه اختار الضالةل طواعية واطمأن الهيا بل وفرح هبا ،قال تعاىل
16
دَمه ِم َن الْ ِع ْ ِمل} يف هذا الصنف من الناس{ :فَلَ ذما َج َاءهتْ ُ ْم ُر ُسلُه ُْم ِابلْ َب ِيّنَ ِ
ات فَ ِر ُحوا ِب َما ِع ْن ُ ْ
[غافر ]83 :نسأل هللا السالمة.
يه فرصة غالية ،ونبه عليه جربيل وأ ّمنه النيب صىل هللا عليه وسملَ ..." :و َم ْن
َأد َْركَ َر َمضَ َان ،فَ َ ْمل يُ ْغ َف ْر َ ُهل فَأَبْ َعدَ ُه ذ ُ
اّلِل".
ان هذا الشهر هيأه هللا لن ينترص املؤمن عىل الشهوات ابلصيام ،ويقيض عىل
الش هبات ابلقرأآن .مفن مل ُّيده هللا يف هذا الشهر ،ففي غريه أبعد ،وهللا املس تعان.
فهنا ناكحف من أجل أن تنترص قمية االخالص عىل الرايء ،وقمية الزهد عىل
الطمع ،وقمية الوفاء عىل اخليانة ،وقمية الصدق عىل الكذب ،وقمية الصرب عىل اجلزع ،وقمية
احلمكة عىل اجلهل .فليخرت االنسان الآن يف أي صف يقف؟ فان القي الرابنية يف حرب
دامئة مع القي املادية الشهوانية يف لك حني ،لكنه يف رمضان حيمى الوطيس .وال تغرنُك
املظاهر فان التقوى تقوى القلوب.
اللهم اهدان وال تضللنا ،وأكرمنا وال هتنا ،وزدان وال تنقصنا ،وثبت أقدامنا وال
تزغ قلوبنا ،اي أكرم الكرمني ،واي أرمح الرامحني.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
17
الفائدة الثامنة:
الدين املعاملة
ان الصوم جزء من منظومة التقوى املتاكمةل ،وقسم العبادات مهنا ال يكون بديال
عن قسم املعامالت .بل املعامةل يه ّ
احملك احلقيقي حلسن التدين.
اّلِل ،ا ذن فُ َالن َ َة يُ ْذ َك ُر ِم ْن َك ْ َرث ِة َص َالهتِ َا
َع ْن َأ ِيب ه َُرْي َر َة قَا َل :قَا َل َر ُج ٌلَ :اي َر ُسو َل ذ ِ
ِ
َو ِص َيا ِمهَا َو َصدَ قَهتِ َا غَ ْ َري َأْنذ َا ت ُْؤ ِذي ِج َرياْنَ َا ِب ِل َساْنِ َا.
قَا َلَ ِ :
يه ِيف النذ ِار.
اّلِل ،فَا ذن فُ َالن َ َة يُ ْذ َك ُر ِم ْن ِق ذ ِةل ِص َيا ِمهَا َو َصدَ قَهتِ َا َو َص َالهتِ َا َواْنذ َا قَا َلَ :اي َر ُسو َل ذ ِ
ِ ِ
ت ََصد ُذق ِاب ْ َلثْ َو ِار ِم ْن ْ َال ِقطَِ ،و َال ت ُْؤ ِذي ِج َرياْنَ َا ِب ِل َساْنِ َا.
يه ِيف الْ َجنذ ِة[ .رواه أمحد وابن حبان والبهيقي] قَا َلَ ِ :
صىل هللا عَلَ ْي ِه
هللا ذ
وأصح من ذكل ما رواه مسمل َع ْن َأ ِيب ه َُرْي َرةََ ،أ ذن َر ُسو َل ِ
َو َس ذ َمل قَا َلَ « :ال يَدْ ُخ ُل الْ َجنذ َة َم ْن َال يَأْ َم ُن َج ُار ُه ب َ َوائِقَ ُه»
والبوائق مجع ابئقة ،ويه ادلاهية واليشء املهكل والمر الشديد اذلي يوايف بغتة.
نعم ،ليس من أخالق االسالم أن يهتد االنسان يف التعبد مث ييسء اىل الناس!
ان املؤمن هو من ينرش المان بني جريانه ،يكون مصدر الاطمئنان يف جممتعه ،يؤمن
َشه ويوثق يف أمانته.
ه
18
ان موازين العبادات تتأآلك وتزول مع املعامالت السيئة يف حق الناس .لقد صور
النيب صىل هللا عليه وسمل ذكل املوقف حيث ان حس نات الصالة والصوم والصدقات
وسائر العبادات تذهب بكرثة االساءات .ف َع ْن َأ ِيب ه َُرْي َر َة ريض هللا عنه َع ْن النذ ِ ِ ّيب َص ذىل
اّلِل عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل قَا َل :ه َْل تَدْ ُر َ
ون َم ْن الْ ُم ْف ِل ُس؟ ذُ
قَالُوا :الْ ُم ْف ِل ُس ِفينَا َاي َر ُسو َل ذ ِ
اّلِل َم ْن َال ِد ْر َ َمه َ ُهل َو َال َمتَا َع.
قَا َل :ا ذن الْ ُم ْف ِل َس ِم ْن ُأ ذم ِيت َم ْن يَأْ ِيت ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ب ِِص َيا ٍم َو َص َال ٍة َو َز َاك ٍةَ ،ويَأْ ِيت قَدْ
ِ
لك َما َل ه ََذا ،فَ ُي ْق َعدُ فَيَ ْقتَ هص ه ََذا ِم ْن َح َس نَا ِت ِهَ ،وهَذاَ َش َ َمت ِع ْر َض ه ََذاَ ،وقَ َذ َف ه ََذاَ ،و َأ َ َ
يض َما عَلَ ْي ِه ِم ْن الْخ ََط َاايُ ،أ ِخ َذ ِم ْن خ ََط َااي ُ ْمه ِم ْن َح َس نَا ِت ِه ،فَا ْن فَ ِن َي ْت َح َس نَاتُ ُه قَ ْب َل َأ ْن ي َ ْق ِ َ
ِ
فَ ُط ِر َح ْت عَلَ ْي ِه ُ ذمث ُط ِر َح ِيف النذ ِار[ .رواه أمحد وابن حبان]
ان قمية الخالق واملعامةل احلس نة كثريا ما تزيد عىل قمية العبادات يف مزيان
الص ِ ِ
امئ هللا ،فقد قال النيب صىل هللا عليه وسمل :ا ذن ذالر ُج َل ل َ ُيدْ ِركُ ِ ُحب ْس ِن ُخلُ ِق ِه د ََر َج َة ذ
ِ
الْقَ ِ ِ
امئ[ .رواه أبو داود وأمحد]
بل وقد صح النيب صىل هللا عليه وسمل أن مزيان الخالق أثقل يوم القيامة من
َش ٍء َأثْقَ ُل ِيف الْ ِم َزي ِان ِم ْن ُح ْس ِن
سائر اخلصال ،قال النيب صىل هللا عليه وسملَ :ما ِم ْن َ ْ
الْ ُخلُ ِق[ .رواه أبو داود والرتمذي]
و ّبني النيب صىل هللا عليه وسمل مراتب الناس يوم القيامة حيث ان أفضل الناس
مه اذلين يكونون أقرب اىل جملس النيب صىل هللا عليه وسمل ،ومه أحصاب الخالق
العالية ،وأبعد الناس وأسوأمه مه قساة الناس أحصاب اللس نة البذيئة واملتظاهرون
ابلفصاحة الزائدة والترصفات املتكربة املتجربة .قال النيب صىل هللا عليه وسمل :ا ذن ِم ْن
ُ ِ
َأ َحبّ ُ ُِْك ا َ ذَل َو َأ ْق َ ِبر ُ ُْك ِم ِ ّن َم ْج ِل ًسا ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة َأ َح ِاس نَ ُ ُْك أَخ َْالقًاَ ،وا ذن َأبْغَضَ ُ ُْك ا َ ذَل َو َأبْ َعدَ مك م ِ ّن
ِ ْ
ِ ِ ِ
19
ون َوالْ ُمتَفَهيْ ِ ُق َ
ون .قَالُواَ :اي َر ُسو َل ذ ِ
اّلِل ،قَدْ عَ ِل ْمنَا ون َوالْ ُمتَشَ ِّدقُ َ َم ْج ِل ًسا ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ذ ْ
الرث َاث ُر َ
ون[ .رواه الرتمذي] ون؟ قَا َل :الْ ُمتَ َك ِ ّ ُرب َ ون ،فَ َما الْ ُمتَفَهيْ ِ ُق َ ون َوالْ ُمتَشَ ِّدقُ َ ذْ
الرث َاث ُر َ
ومعىن الرثثرة :كرثة الالكم ،والتشدق هو املبالغة يف اظهار الفصاحة والبالغة.
قال املناوي رمحه هللا( :الرثاثرون) أي اذلين يكرثون الالكم تلكفا وتشدقا ،والرثثرة كرثة
الالكم وترديده( ،املتفهيقون) أي اذلين يتوسعون يف الالكم ويفتحون به أفواههم
ويتفصحون فيه( ،املتشدقون) اذلين يتلكمون بأشداقهم ويمتقعرون يف خماطبهتم.
اللهم اهدان لحسن الخالق ،ال ُّيدي لحس هنا اال أنت ،واصف عنا يسء
الخالق ،ال يرصف عن سيهئا أال أنت.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
20
الفائدة التاسعة:
ان هللا مل يعل احلق غامضا ،ومل يرتك دينه خافيا عىل الناس .قد بث هللا أآايته
يف أرجاء الكون مبا مل يدع عذرا ملتعذر .لكنه غفةل البرش وعدم اهامتهمم به جعل من احلق
الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض ي َ ُم هر َ
ون عَلَهيْ َا البلج غائبا عن أنظارمه ،قال تعاىلَ { :و َ َك ِيّ ْن ِم ْن أآي َ ٍة ِيف ذ
ون} [يوسف]105 : َو ُ ْمه َعهنْ َا ُم ْع ِرضُ َ
رصف القلوب عن قبول احلق وحترم عن اعتناقه رمغ مثول الآايت وهكذا تُ َ
البينات نصب أعيهنم ،مل تنجذب تكل القلوب اىل احلق البني ،بل أبت اال اختيار الغي
لك أآي َ ٍة َال يُ ْؤ ِمنُوا هبِ َاَ ،وا ْن يَ َر ْوا َسبِي َل هالر ْش ِد َال يَتذ ِخ ُذو ُه َسب ًِيالَ ،وا ْن
والضاللَ { ،وا ْن يَ َر ْوا ُ ذ
ِ ِ ِ
يَ َر ْوا َسبِي َل الْغ ّ َِي يَتذ ِخ ُذو ُه َسب ًِيالَ ،ذ ِ َكل ِبأَْنذ ُ ْم َك ذذبُوا ِبأ آ َاي ِتنَا َو َاكنُوا َعهنْ َا غَا ِف ِل َني} [العراف:
]146
انه عدم تطهري القلوب هو اذلي جعل االنسان مل يصهل نور هللا ،وقد صور هللا
حال هؤالء اذلين قدر هللا علهيم الغواية والوقوع يف الفتنة ،قال هللا عهنمَ {:و َم ْن يُ ِر ِد ذ ُ
اّلِل
اّلِل َشيْئًاُ ،أولَ ِئ َك ذ ِاذل َين لَ ْم يُ ِر ِد ذ ُ
اّلِل َأ ْن يُ َطهّ َِر قُلُوهبَ ُ ْم ،لَه ُْم ِيف ادله نْ َيا كل َ ُهل ِم َن ذ ِ ِف ْتنَتَ ُه فَلَ ْن تَ ْم ِ َ
اب َع ِظ ٌي} [املائدة]41 : ِخ ْز ٌي َولَه ُْم ِيف ْالآ ِخ َر ِة عَ َذ ٌ
اْنا ملصيبة كربى أن يكون قدر االنسان هو احلرمان من معرفة احلق ،وقد تأخذ
بأنفس نا حرسة شديدة من رؤية هذا املشهد اللي ،اذ حرم بعض الناس من اختيار احلق
رمغ توفر أداة املعرفة دلُّيم ،ولكن تنقلب عندمه املعايري ،فيس تحس نون القبيح
21
ويس تقبحون احلسن ،يرون احلق ابطال ،والباطل حقا ،قال تعاىلَ { :أفَ َم ْن ُزِيّ َن َ ُهل ُسو ُء
اّلِل ي ُ ِض هل َم ْن يَشَ ا ُء َوُّيَ ْ ِدي َم ْن يَشَ ا ُء ،فَ َال ت َْذه َْب ن َ ْف ُس َك عَلَهيْ ِ ْم َ َُع ِ ِهل فَ َرأ آ ُه َح َس نًا؟ فَا ذن ذ َ
ِ
ون} [فاطر]8 : اّلِل عَ ِل ٌ َ َ ْ َ ُ َ
ع ن ص ي ا م ب
ِ ي رس ٍات ،ا ذن ذ َ َح َ َ
ِ
اْنم أكرث الناس خسارة ،من ضل الطريق ويظن أنه عىل صاط مس تقي! {قُ ْل
رس َين َأ ْ َُع ًاال ( )103ذ ِاذل َين ضَ ذل َس ْعهيُ ُ ْم ِيف الْ َح َيا ِة ادله نْ َيا َو ُ ْمه َ ْحي َس ُب َ
ون َأْنذ ُ ْم ه َْل نُنَ ِب ّئُ ُ ُْك ِاب ْ َل ْخ َ ِ
ون ُص ْن ًعا} [الكهف]104-103 : ُ ْحي ِس ُن َ
اذا رأينا كرثة حضااي الغواية هؤالء ،متلّكنا اخلوف من هذا املصري ،نشفق عىل
هذه احلياة القصرية أن تضيع وتذهب بنا اىل ما ال يريض هللا ،فهنا علينا أن نسمع النداء
من رب السامء حيث يقولَ { :اي ِع َبا ِدي ُلكه ُ ُْك ضَ ا ٌّل ا ذال َم ْن هَدَ يْ ُتهُ ،فَ ْاس هتَ ْدُ ِوين َأ ْه ِد ُ ْمك}
ِ
[رواه مسمل]
اّلِل َ ُهل ن ًُورا
فهناك المل الوحيد ،مل تطلب الهداية اال من هللاَ { ،و َم ْن لَ ْم َ ْي َع ِل ذ ُ
فَ َما َ ُهل ِم ْن ن ٍُور} [النو]40 :
ونتذكر قول أمري املؤمنني عيل ريض هللا عنه اذ قال" :من اعمتد عىل عقهل
اّلِل فَه َُو الْ ُمهْتَ ِدَ ،و َم ْن يُضْ ِل ْل فَلَ ْن ََتِدَ َ ُهل َو ِل ًّيا ُم ْر ِشدً ا}
ضل ".فال هادي اال هللاَ { ،م ْن ُّيَ ْ ِد ذ ُ
[الكهف]17 :
فليس من العبث أن نقول لك مرة يف صلواتنا" :اهدان الرصاط املس تقي" ،فاننا
حباجة شديدة اىل تكرار هذا السؤال واالحلاح فيه.
ومل يبخل هللا عىل املؤمنني من هذا التكرمي ،فان امياْنم فاحتة الطريق وجالبة
اخلري ،قال تعاىل{ :ا ذن ذ ِاذل َين أ آ َمنُوا َو َ ُِعلُوا ذ
الصا ِل َح ِ
ات ُّيَ ْ ِد ُِّي ْم َرهبه ُ ْم ِابميَاْنِ ِ ْم} [يونس]9 :
ِ ِ
22
وان تصاريف القدار وتقلب الحداث ونزول املصائب قد حيري االنسان ويضعه
اب يف مفرتق الطريق ،ولكن االميان يثب ّت املؤمن وُّيديه اىل الصواب ،قال تعاىلَ { :ما َأ َص َ
اّلِلَ ،و َم ْن يُ ْؤ ِم ْن ِاب ذ ِّلِل ُّيَ ْ ِد قَلْ َب ُه} [التغابن]11 :
ِم ْن ُم ِصي َب ٍة ا ذال ِاب ْذ ِن ذ ِ
ِ ِ
يكرر يف لك مرة وعند لك موقف ،فاننا يف زمان ان سؤال الهداية يس تحق أن ّ
كرث فيه صعى الشهوات وتاكثر فيه حضااي الش هبات ،مفن مل يسأل هللا الهداية سؤال
الغريق يطلب النجاة يوشك أن يكون مع الغرىق .روى احلامك يف املس تدرك وحصحه عن
حذيفة بن الامين ريض هللا عهنام قال :يَأْ ِيت عَلَ ْي ُ ُْك َز َم ٌان َال ي َ ْن ُجو ِفي ِه ا ذال َم ْن َدعَا ُدعَ َاء
ِ
الْغَ ِري ِق.
اللهم اهدان فمين هديت ،وعافنا فمين عافيت ،وابرك لنا فامي أعطيت ،وتولنا فمين
توليت...
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
23
الفائدة العاشرة:
سجود حاكم
خدل هللا هذا الفعل يف كتابه ما جسد ساجد قط كسجود داود عليه السالم ،اذ ّ
العزيز ،وندب عباده املؤمنني اىل السجود لكام ذكر هذا السجود يف القرأآن متابعة لسجود
داود عند قول هللا تعاىلَ { :و َظ ذن د َُاوو ُد َأن ذ َما فَتَنذا ُه فَ ْاس َت ْغ َف َر َرب ذ ُه َوخ ذَر َرا ِك ًعا َو َأانَ َب}
[ص]24:
قال ابن كثري يف تفسري هذه الآية{ :راكعا} أي ساجدا.
ما قصة هذا السجود؟ ملاذا جعل هللا هذا السجود هبذه المهية؟ وما رس هذا
الاحتفاء العظي هبذا السجود؟
لقد أورد بعض املفرسين رواايت ضعيفة منكرة يف هذه الآية مبا ال يليق مباكنة
داود عليه السالم ،ويه من االرسائيليات اليت تعرب عن سوء موقف بن ارسائيل مع
أنبياهئم .فنس بوا اىل النبياء أفعاال شنيعة ال تليق مبؤمن فضال من نيب عظي من النبياء
امه ا ْقتَ ِد ْه ۗ} الكبار اذلين أمر هللا ابالقتداء هبم ،قال تعاىلُ { :أولَـ ِئ َك ذ ِاذل َين هَدَ ى ذ ُ
اّلِل ۖ فَهبِ ُدَ ُ ُ
[النعام]90 :
ووفّق بعض املفرسين اىل رد تكل الش هبات حول داود عليه السالم ،ومن
هؤالء املفرسين اذلين انربوا لتكل الش هبة بقوة :االمام خفر ادلين الرازي يف تفسريه لهذه
الآية ،فقد أطال النفس جدا يف تربئة نبينا داود عليه السالم مما ألصقوه من تكل القصة
24
البذيئة .ولوال طول وكرثة جحج الرازي لوردت تكل الوجوه هنا ،ولكن املقام مقام
اختصار.
وخالصة القول ،أن الالئق بنبينا داود عليه السالم يف هذه القصة أن داود عليه
السالم قىض لحد اخلصمني قبل أن يسمع الكم اخلصم الثاين ،فانه ملا قال لحد
اخلصمني { :لَقَ ِد َظلَ َم َك ب ُِس َؤالِ ن َ ْع َج ِت َك اىل ِن َع ِاج ِه } حفُك عليه بكونه ظامل ًا مبجرد دعوى
اخلصم الآخر بغري بينة ،اكن هذا احلُك خمالف ًا للصواب .فعند هذا اش تغل ابالس تغفار
والتوبة .قال الرازي :فثبت هبذه البياانت أان اذا محلنا هذه الآايت عىل هذا الوجه ،فانه ال
يلزم اس ناد َشء من اذلنوب اىل داود عليه السالم ،بل ذكل يوجب اس ناد أعظم
الطاعات اليه[ .التفسري الكبري]178/12 :
يعن أن داود عليه السالم بصفته ملاك وحاكام اكن يتحرى الصواب ،وخاف من
يغره منصبه وقوته وتفوقه عىل أعدائه أن حيُك هبواه أو يعمتد عىل ظنه،
اخلطا يف احلُك ،مل ّ
أو يكتفي بأدىن دليل ليصدر احلُك .مع أنه ال أحد يعرتض عليه ،وال سلطة برشية فوقه
حتاس به .مل يرتكب كبرية ومل يفعل فاحشة ،وامنا هو الضمري احلي احلساس اذلي جعهل
يتوب اىل هللا وينيب اليه فيسجد هلل خاشعا ذليال ،وقد أعطاه هللا مكل املرشق
واملغرب.
مفن هنا يتجىل مك هو عظي هذا السجود! ليس جسود خشص ضعيف مسكني،
لكنه جسود مكل عادل خياف هللا وينشد العدل واحلق!
وابلتاَل يس تحق داود هذا التقدير والثناء{ :فَغَ َف ْرانَ َ ُهل َذ ِ َكل َوا ذن َ ُهل ِع ْندَ انَ لَ ُزلْ َفى
ِ
َو ُح ْس َن َمأ آ ٍب} [ص]25 :
25
عداةل احلامك وخوفه من هللا من أعظم ما يس تجلب رمحة هللا ،واالمام العادل
أول من يس تحق الكءة هللا ورعايته وكنفه ولطفه يوم القيامة ،قال النيب صىل هللا عليه
اّلِل ي َ ْو َم ال ِق َيا َم ِة ِيف ِظ ِ ّ ِهل ،ي َ ْو َم َال ِظ ذل ا ذال ِظ ههلُ :ا َما ٌم عَا ِد ٌل "...احلديث
وسملَ " :س ْب َع ٌة يُ ِظل ههُ ُم ذ ُ
ِ ِ
[رواه البخاري]
ويلحق هذا التكرمي لك من وَل أمر العامة من املؤمنني سواء عىل مس توى
ادلوةل أو أقل من ذكل ،فان أداء الماانت واحلُك ابلعدل يشمل لك ما يتعلق حبقوق
اّلِل يَأْ ُم ُرُ ْمك َأن تُ َؤ هدوا ْ َال َماانَ ِت ا َ هىل َأ ْه ِلهَا َوا َذا َح َ ْمك ُمت ب َ ْ َني النذ ِاس
البرش ،قال تعاىل ۞{ :ا ذن ذ َ
َ َ ِمس ِ ِ ِ ِ
اّلِل اك َن ي ًعا بَص ًريا} [النساء]58 : ِ ُ ُ ِ
اّلِل نع ذما يَعظُك ِبه ۗ ا ذن ذ َ ِ ِ َأن َ ْحت ُمكُوا ِابلْ َعدْ لِ ۚ ا ذن ذ َ
ِ ِ
وقال النيب صىل هللا عليه وسملُ " :لكه ُ ُْك َرا ٍعَ ،و ُلكه ُ ُْك َم ْس ئُو ٌل َع ْن َر ِع ذي ِت ِه ،اال َما ُم
ِ
َرا ٍع َو َم ْس ُئو ٌل َع ْن َر ِع ذي ِت ِهَ ،و ذالر ُج ُل َرا ٍع ِيف َأه ِ ِْهل َوه َُو َم ْس ُئو ٌل َع ْن َر ِع ذي ِت ِهَ ،وامل َ ْر َأ ُة َرا ِع َي ٌة ِيف
وةل َع ْن َر ِع ذيهتِ َاَ ،واخلَا ِد ُم َرا ٍع ِيف َمالِ َس ِ ّي ِد ِه َو َم ْس ُئو ٌل َع ْن َر ِع ذيهتِ ِ َو ذالر ُج ُل بَيْ ِت َز ْو ِ َهجا َو َم ْس ُئ َ ٌ
َرا ٍع ِيف َمالِ َأبِي ِه َو َم ْس ُئو ٌل َع ْن َر ِعيذ ِت ِهَ ،و ُلكه ُ ُْك َرا ٍع َو َم ْس ُئو ٌل َع ْن َر ِعيذ ِت ِه» [رواه البخاري
ومسمل]
ولكام عظمت املسؤولية اش تد الوعيد ،ولكام بلغ التقصري مداه اس تحق من
العذاب أشده ،قال النيب صىل هللا عليه وسملَ " :أي ه َما َرا ٍع ْاس ُ ْرت ِع َي َر ِع ذي ًة فَغ ذَشهَا فَه َُو ِيف
النذ ِار[ ".رواه أمحد]
فلك واحد منا عليه أمانة ،وأدىن أمانة يف ادلنيا يه عظمية أشفقت الساموات
والرض واجلبال أن حيملهنا ،وقد محلناها .مفن مل يلجأ اىل هللا ويس تعن به ويكرث حماس بة
نفسه مل يسمل من التقصري ولن ينجو من العقاب.
26
اللهم ال منجى منك اال اليك ،اليك املأآب وعليك التالكن ،وال حول وال قوة اال
بك ،برمحتك نس تغيث ،أصلح لنا شأننا لكه وال تلكنا اىل أنفس نا طرفة عني.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
27
الفائدة احلادية عشر:
28
ون} [البقرة ]183 :فان أماهمم حتدايت جس مية ال بد من مواهجهتا ،وعلهيم هماما عظمية تَتذ ُق َ
ال بد من القيام هبا ،جفاء الصيام هتيئة ذلكل.
مل يرد هللا للمسلمني حياة الرخاء والرتهل ،فيخدلون اىل الراحة ويركنون اىل
الكسل والضعف .جاء الصوم وعلهيم الاس تعداد أيضا ملعركة بدر .هناك ّ
تشلك عنرص
صلب حيمل أعباء ادلعوة ويتحمل مشقة اجلهاد يف سبيل هللا.
ان هذه مرحةل مبكرة للتقوية الروحية جملمتع أريد هل قيادة العامل .فالضعيف ال
ليخرج
يقود ،والطامع ال يوثق به ،والعاشق ملَّلات ادلنيا ال يقتدى به .جاء الصوم ّ
الرواح الطاهرة اليت تقاوم جاذبية الرض وتسمو عن التعلق ابملادة والتشبث مبتطلبات
اجلسد.
يعوده عىل الظروف الصعبة ،ويعلّمه كيف يقاوم عوامل
والصوم يقوي اجلسد ،و ّ
الضعف واجلوع والعطش والتعب ،يعلّمه االصار عىل بلوغ الهدف .واجلسد اذلي ال
ومعرض للمراضيعرف اال الراحة واحلياة السهةل جسد ضعيف ،وعضالت مرتهةل ،ذ
بأدىن سبب .واالسالم ال يريد هذا الضعف.
ان عىل املسلمني حتمل الماانت ومواهجة املغرايت ،فاذا مل تتطهر النفوس من
اتباع الشهوات سقطت يف ش باك الفنت املدهلامت .فاملراحل املقبةل اليت ينتظرها املسلمون
حباجة اىل صفاء النفوس وطهارة النوااي واملناعة النفس ية َتاه اغراءات ادلنيا ووساوس
الش يطان.
وهكذا جنح اجليل الول يف انهتاج تكل املساكل ،وجنحوا يف الاس تفادة من تكل
"الربامج التأهلية" اليت أعدها هللا لتكويهنم وتلكيفهم بتكل الماانت .مث جاء أجيال تلو
أجيال ملواصةل الطريق اىل أن جاء دوران ،مفا َنن فاعلون؟
29
اللهم أعنا وال تعن علينا ،واهدان واهد بنا ،ووفقنا وال تلكنا اىل أنفس نا طرفة
عني...
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
30
الفائدة الثانية عشر:
من الزهور الزاهية والامثر ادلانية املبثوثة يف احلدائق القرأآنية :تكل الآايت اليت
تتحدث عن املظاهر الكونية اليت تزيد االميان وتمني العقل وتبن الفكر ،كقوهل تعاىل{ :ا ذن
ِ
كل ال ذ ِيت َ َْت ِري ِيف الْ َب ْح ِر ِب َما يَن َف ُع الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض َوا ْخ ِت َال ِف الل ذ ْي ِل َوالهنذ َ ِار َوالْ ُف ْ ِ
ِيف َخلْ ِق ذ
الس َما ِء ِمن ذما ٍء فَأَ ْح َيا ِب ِه ْ َال ْر َض ب َ ْعدَ َم ْوهتِ َا َوب َ ذث ِفهيَا ِمن ُ ِّ
لك دَاب ذ ٍة اّلِل ِم َن ذ النذ َاس َو َما َأ َنز َل ذ ُ
ون } [البقرة: الس َما ِء َو ْ َال ْر ِض َلآ َاي ٍت ِل ّقَ ْو ٍم ي َ ْع ِقلُ َ الس َح ِاب الْ ُم َس ذخ ِر ب َ ْ َني ذ َرص ِيف ّ ِالر َاي ِح َو ذ
َوت ْ ِ
]164
الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض َوا ْخ ِت َال ِف الل ذ ْي ِل َوالهنذ َ ِار َلآ َاي ٍتوكقوهل تعاىلِ { :ا ذن ِيف َخلْ ِق ذ
ِ ّ ُل ِوَل ْ َاللْ َب ِاب} [أل ُعران]190 :
الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض َلآ َاي ٍتاّلِل ِيف ذ وقال{ :ا ذن ِيف ا ْخ ِت َال ِف الل ذ ْي ِل َوالهنذ َ ِار َو َما َخلَ َق ذ ُ
ِ
ون} [يونس]6 : ِل ّقَ ْو ٍم يَتذ ُق َ
ون()َ 20و ِم ْن أ آ َاي ِت ِه
رش َ رش تَ ْنتَ ِ ُوقالَ { :و ِم ْن أ آ َاي ِت ِه َأ ْن َخلَقَ ُ ُْك ِم ْن تُ َر ٍاب ُ ذمث ا َذا َأن ُ ْْمت ب َ َ ٌ
ِ
َأ ْن َخلَ َق لَ ُ ُْك ِم ْن َأنْ ُف ِس ُ ُْك َأ ْز َوا ًجا ِلت َ ْس ُكنُوا الَهيْ َا َو َج َع َل بَيْنَ ُ ُْك َم َو ذد ًة َو َر ْ َمح ًة ۚ ا ذن ِيف َذ ِ َكل
ِ ِ
ون([ })21الروم]21-20 : َلآ َاي ٍت ِلقَ ْو ٍم يَتَ َفكذ ُر َ
وهكذا مئات الآايت عىل هذا املنوال مبثوثة بشلك كبري جدا يف حصفات هذا
الكتاب العظي.
31
ومثل هذه الآايت عىل كرثهتا مل يذكر هللا يف واحدة مهنا بشلك صحي عىل ماذا
تدل تكل الآايت؟ بل ترك للقارئ املتأمل أن يهتد يف التفكري والتعمق يف ادلالالت اليت
حتملها تكل الآايت.
ويف القرأآن العزيز كثري من تكل املواضع اليت مل يذكر هللا أجزاء هممة من
مكوانت امجلل املذكورة .ويف اللغة العربية تعرف هذه الظاهرة مبصطلح "احلذف".
لقد تطرق العالمة عبد الرمحن السعدي يف كتابه اللطيف احلجم والعظي
املضمون" ،القواعد احلسان يف تفسري القرأآن" اىل مثل هذا املوضوع وقرر فيه قاعدة هممة
تقول" :حذف املتعلق املعمول فيه :يفيد تعمي املعىن املناسب هل".
ون} ،ون} { ،لَ َعل ذ ُ ُْك ت ََذكذ ُر َ
ومن أمثةل ذكل :قول هللا يف عدة أآايت {لَ َعل ذ ُ ُْك تَ ْع ِقلُ َ
ون} [النعام ]153 ،152 ،151 :مل يذكر هللا املفعول به يف تكل الفعال، {لَ َعل ذ ُ ُْك تَتذ ُق َ
تعقلون ماذا؟ وتذكرون ماذا؟ وتتقون ماذا؟ فيدل ذكل عىل أن املراد :لعلُك تعقلون عن
هللا لك ما أرشدمك اليه ولك ما علممكوه ،ولك ما أنزل عليُك من الكتاب واحلمكة ،ولعلُك
تذكرون ،فال تنسون وال تغفلون ،فتكونون دامئ ًا متيقظني ُم ْرهفي احلواس ،حتسون لك
ما مترون به من سنن هللا وأآايته ،فتذكرون مجيع مصاحلُك ادلينية وادلنيوية ،ولعلُك تتقون
مجيع ما يب اتقاؤه من الغفةل واجلهل والتقليد ،ولك ما حياول عدومك أن يوقعُك فيه من
مجيع اذلنوب واملعايص ،ويدخل يف ذكل ما اكن س ياق الالكم فيه وهو فرد من أفراد
هذا املعىن العام.
قال السعدي :وذكل أن الفعل وما هو معناه مىت قُ ِيّد بيشء تَقيّد به ،فاذا أطلقه
هللا تعاىل ،وحذف املتعلق اكن القصد من ذكل التعمي ،ويكون احلذف هنا أحسن
وأف َيد كثري ًا من الترصحي ابملتعلقات ،وأمجع للمعاين النافعة.
32
فعدم ذكر تكل املتعلقات يوسع من معاين ودالالت تكل الآايت .فلو ذكر هللا
دالالت تكل الآايت بشلك حمدد ،لتحدد مدلول تكل الآايت ولضاقت اشاراهتا .فعدم
ذكرها يدل عىل البعاد غري املتناهية واملعاين غري احملدودة لتكل الآايت.
قال :وهذه قاعدة مفيدة جد ًا ،مىت اعتربها االنسان يف الآايت القرأآنية أكسبته
فوائد جليةل.
فهنا تتجىل حقيقة كربى يف مثل تكل الآايت الكرمية :أن املدلول عليه أكرب وأكرث
من ادلليل ،وأن ما حتويه تكل الآايت من ادلالالت واالشارات واملعاين والعلوم أكرب
وأكرث من أن حتدده اللكامت ،أبعد من أن حتدّ ه العبارات ،وأُعق من أن حتيط به امجلل
والتعبريات.
ان فهيا لآايت ...عىل وجود هللا ...عىل عظمة هللا ....عىل حمكة هللا ...عىل
ابداع الصانع ...عىل احاكم اخللق ...عىل حمكة الرشع ...عىل لك ما يزيد االميان ...عىل
لك ما يرشد العقل ...عىل لك ما يسدد النظر ...عىل لك ما يصلح النفس ...ان فهيا
لآايت للك عقل رش يد وأآايت للك قلب سلي.
لو استنفدان أعامران وأعامر لك اخمللوقات الس تقصاء دالالت تكل الآايت لفنيت
أعامران وأعامر اخللق قبل أن َنصهيا .وكيف تس توعب تكل الآايت -ويه لكها خملوقات
-صفات هللا وكامهل وهو اخلالق ،فأىن للفرع أن يس توعب الصل؟
ولكن حسبنا أن ندرك ن ُ َتف ًا مهنا ،لنس تنري هبا يف حياتنا ،ونس تيضء هبا فنبرص
طريقنا ،ونقتبس أنوارها فنعرف أمه حقائق الكون .وَنمد هللا عىل نعمة املعرفة ونعمة
االميان والعمل.
اللهم علّمنا ما ينفعنا ،وانفعنا مبا علمتنا ،وزدان علام اي رب العاملني...
33
مكة املكرمة 12 ،رمضان 1439هـ
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
34
الفائدة الثالثة عشر:
35
والآية الكرمية تتلكم عن صفتني حمرمتني ،مفن اتصف هبام حرمت عليه اجلنة،
والناس يف هاتني الصفتني عىل أقسام ،كام ّفصهل ابن تميية رمحه هللا ،قال :فَا ذن النذ َاس
ِ
َأ ْرب َ َع ُة َأ ْق َسا ٍم:
ون العلو عىل الناس ،والفساد يف الرض وهو َم ْع ِص َي ُة ا ذ ِّلِل، الْ ِق ْس ُم ْ َال ذو ُل :يُ ِريدُ َ
ونَ ،ك ِف ْر َع ْو َن وحزبه .وهؤالء مه َشار الْ َخلْ ِق .قَا َل ذ ُ
اّلِل َو َه ُؤ َال ِء الْ ُملُوكُ َو هالر َؤ َسا ُء الْ ُم ْف ِسدُ َ
تَ َع َاىل{ :ا ذن ِف ْر َع ْو َن عَ َال ِيف ْ َال ْر ِض َو َج َع َل َأ ْهلَهَا ِش َي ًعا ي َْس تَضْ ِع ُف َطائِ َف ًة ِمهنْ ُ ْم يُ َذب ّ ُِح َأبْنَ َاء ُ ْمه
ِ
َوي َ ْس َت ْح ِِي ِن َس َاء ُ ْمه ان ذ ُه َاك َن ِم َن الْ ُم ْف ِس ِد َين} [القصص]4 :
ِ
ون الْ َف َسادَ ،بال علو ،اكلرساق واجملرمني من سفةل َوالْ ِق ْس ُم الث ِذاين :ذ ِاذل َين يُ ِريدُ َ
الناس.
ون َأ ْن ي َ ْعلُ َوا ِب ِه والقسم الثالث :يريدون الْ ُعلُ ذو ب َِال فَ َسا ٍدَ ،اكَ ذ ِذل َين ِع ْن ُ ْ
دَمه ِد ٌين يُ ِريدُ َ
عَ َىل غَ ْ ِري ِ ْمه ِم ْن النذ ِاس.
ون عُلُ ًّوا ِيف ْ َال ْر ِض َو َال فَ َسادًا، وأما الْ ِق ْس ُم ذالرا ِب ُع :فَهُ ْم َأ ْه ُل الْ َجنذ ِة ،ذ ِاذل َين َال يُ ِريدُ َ
ُون َأعْ َىل ِم ْن غَ ْ ِري ِ ْمهَ َ ،مَك قَا َل ذ ُ
اّلِل تَ َع َاىل{َ :و َال هتَ ِ ُنوا َو َال َ ْحت َ نزُوا َو َأن ُ ُْمت ْ َال ْعلَ ْو َن َم َع َأْنذ ُ ْم قَدْ يَ ُكون َ
الس ْ ِمل َو َأن ُ ُْمت
ِا ْن ُك ْن ُ ْمت ُم ْؤ ِم ِن َني} [أل ُعرانَ .]139 :وقَا َل تَ َع َاىل{ :فَ َال هتَ ِ ُنوا َوتَدْ ُعوا ِا َىل ذ
اّلِل َم َع ُ ُْك َولَ ْن ي َ ِ َرتُ ْمك َأ ْ َُعالَ ُ ُْك} [محمد . ]35 :وقال{َ :و ِ ذ ِّلِل الْ ِع ذز ُة َو ِل َر ُس ِ ِ
وهل ْ َال ْعلَ ْو َن َو ذ ُ
َو ِللْ ُم ْؤ ِم ِن َني} [املنافقون ]8 :اهـ خمترصا
ولُحظ أن العلو يف الرض -مبعن التكرب والتجرب -حمرم حىت ولو بغري فساد،
وقد مث ّل ابن تميية مبن اكن عنده دين وطاعة والزتام ظاهر ،ولكنه طمع أن يس تعيل عىل
الناس فهذا مذموم ،وقد تكون هذه اخللطة عند أهل ادلين أقبح مما عند أرابب الفساد،
اذ املفرتض من أهل ادلين أن يتواضعوا هلل وخيفضوا جناهحم للخلق .فقد أمر هللا نبيه
36
صىل هللا عليه وسمل وهو أكرم اخللق وأَشف البرش ،أن يتواضع للناس ،قال تعاىل:
{ َوا ْخ ِف ْض َجنَا َح َك ِللْ ُم ْؤ ِم ِن َني} [احلجر ]88 :وقالَ { :وا ْخ ِف ْض َجنَا َح َك ِل َم ِن ات ذ َب َع َك ِم َن
الْ ُم ْؤ ِم ِن َني} [الشعراء]215 :
وان صفات املؤمنني اذلين ينرصون ادلين حبق أْنم { َأ ِذ ذ ٍةل عَ َىل الْ ُم ْؤ ِم ِن َني َأ ِع ذز ٍة عَ َىل
ا ْل َاك ِف ِر َين} [املائدة]54 :
هللا َأ ْو ََح ا َ ذَل َأ ْن
ويف حصيح مسمل أن النيب صىل هللا عليه وسمل قالَ :وا ذن َ
ِ ذ َ ْ َ ٌ َ َ ٍ َ يِ َ ٌ َ َ ٍ ِ
ت ََواضَ ُعوا َحىت ال يَفخ ََر أ َحد عَىل أ َحدَ ،وال َ ْبغي أ َحد عَىل أ َحد.
ان الكرب واخليالء والاس تعالء عىل الناس من المور اليت تكرر ذهما يف القرأآن
يف مواضع كثريةَ { :و َال تَ ْم ِش ِيف ْ َال ْر ِض َم َر ًحا ان َذك لَ ْن َ ْخت ِر َق ْ َال ْر َض َولَ ْن تَ ْبلُ َغ الْجِ َبا َل
ِ
ِ ْ ِ َ ِ ِ
ُط ًوال} [االرساء ]37 :وقال تعاىلَ { :و َال ت َُص ِ ّع ْر َخ ذدكَ للنذاس َوال تَ ْمش ِيف َال ْرض َم َر ًحا
ُور} لك ُمخْ َتالٍ فَخ ٍ اّلِل َال ُ ِحي هب ُ ذ
ُور} [لقامن ]18 :وقالَ { :و ذ ُ لك ُمخْ َتالٍ فَخ ٍ اّلِل َال ُ ِحي هب ُ ذ
ا ذن ذ َ
ِ
ُورا} [النساء]36 : ً خ َ ف ً
اال ت ْ
خ
َ َ م
ُ ن َ
اك نْ م
َ ب
ه ِ
حي ُ َ
ال اّلِل
َ ذ ن ذ ا { وقال: ] 23 [احلديد:
ِ
ومن أخطر ما يصيب املؤمن يف هذا الباب هو أن حب الرشف واحلرص عىل
اعتالء املناصب كثريا ما ير االنسان اىل فعل املنكرات حبيث يذهب معه لك اخلري
اذلي فيه ،وقد يقلب املتدين فاسدا يرتكب لك املهنيات من أجل الوصول اىل الرئاسة
اّلِل عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل َأن ذ ُه
اكل َع ْن النذ ِ ِ ّيب َص ذىل ذ ُ والرشف الزائف .روى الرتمذي عن َك ْع ُب ْب ُن َم ِ ٍ
قال« :ما ذئبان جائعان أرسال يف زريبة غَ َ ٍمن ِبأَفْ َسدَ لَهَا ِم ْن ِح ْر ِص الْ َم ْر ِء عَ َىل املال
حص ٌيح. يث َح َس ٌن َ ِ والرشف ِ ِدلي ِن ِه» .قَا َل ِ ّ ْ
الرت ِم ِذ هي َح ِد ٌ
ّبني النيب صىل هللا علهيأن خطر احلرص عىل املال والرشف أشد من خطر
اذلئاب عىل الغمن ،فتصور وحش ية املوقف! فالطمع يف ادلنيا ويف مظاهرها الزائفة يفسد
37
دين املرء ،وقد رأينا مك من الكبائر ارتكبت! ومك من النوايه انهتكت! ومك من أعراف
املروءات تركت! لك ذكل بسبب الكرايس واملناصب والشهرة والعلو يف الآرض! وال
حول وال قوة اال ابهلل!
اللهم ج ِنّبنا الفنت ما ظهر مهنا وما بطن ،ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ،وهب
لنا من دلنك رمحة انك أنت الوهاب.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
38
الفائدة الرابعة عشر:
قدّ ر هللا للبرش أن يكون هلم أخطاء ،ولن يس تطيع أحد أن يدعي أنه مل ولن
خيطئ أبدا .وهذه حقيقة اثبتة ال مياري فهيا أحد .واكن توجيه النيب صىل هللا عليه وسمل
واحضا جدا وضوح الشمس يف رابعة الهنار ،فقال عليه الصالة والسالم ُ " :ه
لك ا ْب ِن أ آ َد َم
ون[ ".رواه الرتمذي وابن ماجه وأمحد] خ ذَطا ٌءَ ،وخ ْ َُري الْخ ذَطائِ َني التذ ذوابُ َ
ومن صفات املتقنيَ { :و ذ ِاذل َين ا َذا فَ َعلُوا فَا ِحشَ ًة َأ ْو َظلَ ُموا َأنْ ُف َسه ُْم َذ َك ُروا ذ َ
اّلِل
ِ
ون} َ ُ ُ َ َ
رصوا عَىل َما ف َعلوا َو ْمه ي َ ْعل ُم َ ِ َ
اّلِل؟ َول ْم ي ُ ه ذ
ُوب اال ذ ُ فَ ْاس تَ ْغ َف ُروا ِ ُذلن ُوهبِ ِ ْمَ ،و َم ْن ي َ ْغ ِف ُر هاذلن َ
ِ
[أل ُعران]135 :
ليس التقياء مه اذلين مل يرتكبوا ذنبا أومل يقعوا يف خطا قط ،بل مه اذلين
أخطأوا واس تغفروا واتبوا وأقلعوا.
من ذا اذلي هل احلس ىن فقط؟ من ذا اذلي ما ساء قط؟
وان هذا ادلين هل طريق طويل وواجبات كثرية متصاعدة ،أصولها سهةل ميرسة،
ولكن متاهما ال يصل اليه اال القليل ،وال يقدر عليه اال من يرسه هللا هل .ومن تتبع لك
متطلبات ادلين يد صعوبة يف اس تقصاهئا وبلوغ متاهما.
قال النيب صىل هللا عليه وسمل" :ا ذن ه ََذا ّ ِادل َين َم ِت ٌني ،فَأَ ْو ِغلُوا ِفي ِه ِب ِرفْ ٍق[ ".رواه
ِ
وحس نه اللباين]
أمحد ّ
39
قال املناوي" :ان هذا ادلين متني" أي :صلب شديد ،فأوغلوا :أي سريوا فيه
برفق ،وال حتملوا عىل أنفسُك ما ال تطيقونه ،فتعجزوا وترتكوا العمل.
وهكذا فليس من العيب أن يعرتف االنسان بقصور ما عنده من العامل ،مفن
ادعى الكامل فقد كذب وخدع نفسه قبل أن خيدع غريه.
قال النيب صىل هللا عليه وسمل" :يأُّيا الناس ،انُك لن تطيقوا ولن تفعلوا لك ما
أمرتُك به ،ولكن سددوا وأبرشوا[".رواه أمحد وأبو داود]
وقال ايضا" :ا ْس َت ِقميُوا َولَ ْن ُ ْحت ُصوا[ ".رواه ماكل يف املوطا وأمحد يف املس ند]
اّلِل ُ ِحي هب التذ ذواب َِني
فأحب العباد اىل هللا هو من يكرث التوبة واالانبة اليه{ ،ا ذن ذ َ
ِ
َو ُ ِحي هب الْ ُمتَ َطهِّ ِر َين} [البقرة]222 :
ومن عالمات اخلذالن وعدم التوفيق أن يش تغل االنسان بتربير أخطائه وَتميل
قصوره وتزيني نقصانه .فبدل أن يصلح نفسه حياول هذا املسكني جاهدا أن يثبت ّمتزيه
ادلامئ وتفوقه املطلق بش ىت الطرق.
وهذه الظاهرة جندها كثريا عند لك خشص حيب أن يكون هل أتباع وأنصار،
يتعصبون هل ،ويطيعونه يف لك أقواهل ،ويعجبون به بلك أفعاهل .وهذا املسكني يريد أن
يُك ا ذال َسبِي َل ذالر َشا ِد}
يُك ا ذال َما َأ َرى َو َما َأ ْه ِد ُ ْ
يقول للناس كام قال فرعون لقومهَ { :ما ُأ ِر ُ ْ
ِ ِ
[غافر]29 :
وقد بلغ هذا احملروم بتربير غ ّيه حىت يبحث من التارخي شواهد عىل عدم ذم
قصوره وأخطائه ،فوجد عند خادل بن الوليد خمالفته لبعض التوجهيات النبوية ،وعند
معاوية معارضته لمري املؤمنني عيل بن أيب طالب ،وعند ُعر بن اخلطاب بعض صور
40
القسوة ،وعند املغرية بن شعبة ما ال يقبهل هو لو عرض عليه .وهكذا حاول أن يقنع
الناس أن الصحابة -ومه خري القرون -عندمه هذه الهنات ،ومل يأخذ هذا املسكني بعزامئ
الصحابة وتقوامه وورعهم وخوفهم من هللا وَتردمه للحق.
ومثل هذا الترصف ال جنده عند من حرص عىل هداية الناس اىل اخلري وتبليغهم
دين هللا بأمانة ونزاهة ،بل جنده عند من أراد أن يربط الناس بشخصه هو ،ال برهبم
س بحانه ،وأن يكون هلم تبعية مطلقة ووالء هل خاص .وهذا عكس ما طلبه هللا من
اب َوالْ ُح ْ َُك اّلِل ْال ِكتَ َ ادلعاة واملعلمني وطلبة العمل اذ قال س بحانهَ { :ما َاك َن ِلبَ َ ٍ
رش َأ ْن يُ ْؤ ِت َي ُه ذ ُ
اّلِلَ .ولَ ِك ْن ُكونُوا َر ذاب ِن ّي َِنيِ ،ب َما ُك ْن ُ ْمت ُون ذ ِ َوالنه ُب ذو َة ُ ذمث ي َ ُقو َل ِللنذ ِاسُ :كونُوا ِع َبادًا َِل ِم ْن د ِ
ون} [أل ُعران]79 : ون ْال ِكتَ َ
اب َو ِب َما ُك ْن ُ ْمت تَدْ ُر ُس َ تُ َع ِلّ ُم َ
ما أمجل أن خيلص االنسان هلل ،وال يلتفت اىل مدح الناس أو ذهمم ،وامنا يريد
ارضاء هللا ،ذ ذمه الناس أو مدحوه ،تبعه الناس أو تركوه .وهذا هو مسكل النبياء
واملصلحني ،ال مسكل املتجربين املتفرعنني.
اللهم اجعلنا هداة همتدين ،غري ضالني وال مضلني ،اللهم اهدان واهد بنا واجعلنا
سببا ملن اهتدى.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
41
الفائدة اخلامسة عشر:
وزن األذكار
أخرب النيب صىل هللا عليه وسمل ببعض اللكامت اليت لها وزن كبري ،ال يقارن ثقلها
ابذلهب والفضة وال ابلجحار الكرمية وال ابجلبال الروايس ،بل يه أثقل من الساموات
والرض لكها!!!
روى النساِئ وأمحد وابن حبان عن أيب سعيد اخلدري عن رسول هللا صىل هللا
عليه وسمل أن هللا تعاىل قال ملوىس عليه السالم" :لو أن الساموات الس بع وعامرهن
غريي والارضني الس بع يف كفة ،وال اهل اال هللا يف كفة ،مالت هبن ال اهل اال هللا[ ".رواه
النساِئ وأمحد وابن حبان]
يفيد احلديث أن لكمة ال اهل اال هللا أثقل من الساموات والرض ،ويف حديث
هللا َوالْ َح ْمدُ ِ ذ ِّلِل تَ ْم َ َلآ ِن َ -أ ْو تَ ْم َ ُل َ -ما ب َ ْ َني
أآخرَ " :والْ َح ْمدُ ِ ذ ِّلِل تَ ْم َ ُل الْ ِم َزي َانَ ،و ُس ْب َح َان ِ
الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض[ ".رواه مسمل] ذ
ويف احلديث املتفق عليه قال النيب صىل هللا عليه وسملِ َ " :لك َمتَ ِان َخ ِفي َفتَ ِان عَ َىل
هللا َو ِ َحب ْم ِد ِهُ ،س ْب َح َان ِ
هللا ال ِلّ َس ِان ،ثَ ِقيلَ َت ِان ِيف الْ ِم َزي ِانَ ،حبِيبَتَ ِان ا َىل ذالر ْ َمح ِنُ :س ْب َح َان ِ
ِ
الْ َع ِظ ِي[ ".متفق عليه]
ات خ ْ ٌَري ِع ْن َد
الصا ِل َح ُ
ات ذ وقال تعاىل{ :الْ َم ُال َوالْ َب ُن َ
ون ِزينَ ُة الْ َح َيا ِة ادله نْ َياَ ،والْ َبا ِق َي ُ
َرب ّ َِك ثَ َو ًااب َوخ ْ ٌَري َأ َم ًال} [الكهف]46 :
42
والباقيات الصاحلات اليت يه خري من املال والبنني يه التكبري والهتليل
والتسبيح والتحميد كام دل عليه ما رواه أمحد وابن حبان واحلامك وحصحه عن أيب سعيد
صىل هللا عليه ّ
وسمل قال" :اس تكرثوا من الباقيات الصاحلات". اخلدري أن رسول هللا ّ
قيل":وما يه اي رسول هللا؟" قال" :التكبري والهتليل والتسبيح والتحميد وال حول وال
قوة اال ابهلل".
كيف تكون هذه املقارنة بني اللكامت اليت امنا يه أصوات عابرة يف نظر بعضنا
وبني الموال والبنني والساموات والرض بأرسها؟
ان تفضيل هذه اللكامت عىل الموال والوالد والساموات والرض حيتاج اىل
تأمل ُعيق حىت نعرف كهنه .فنقول وابهلل التوفيق:
ان قمية الالكم البرشي تكتسب من ثالثة أمور:
أقلها أمهية وأدانها وزانً يه قميته الصوتية .ان الصوت هو أظهر مكوانت
الالكم ،لكنه ليس ذا قمية تذكر اذا مل حيمل معىن ومل يعرب عن مقصد .الكم البرش اذا
خال عن هذين المرين – أي املعىن واملقصد -فهو يصنذف من مضن الصوات غري
املفهومة كخرير املاء وصهيل اخليل وزقزقة العصفور وْنيق امحلار ونباح اللكب وما اىل
ذكل من الصوات اجملردة .فاللكامت ال تكتسب أمهيهتا بشلك أساس من مظهرها
الصويت ،ولكن الصوت رضوري من أجل اسامع الغري ،لوال الصوت ال يكون للمعىن
وعاء وال للقصد رسول .ومن أجل التفامه يس تخدم البرش اخراج أصوات معينة من
أفواههم عىل شلك لكامت تعارفوا عىل معانهيا ليدركوا مقاصد لك واحد مهنم .فالقمية
الصوتية تكتسب من داللهتا عىل املعاين واملقاصد .فهيي وس يةل ،وقميهتا اتبعة ومبنية عىل
قمية الغاية اليت ت ِّ
ُوسل هبا الهيا.
43
أما المر الثاين اذلي تكتسب مهنا قمية الالكم البرشي هو قمية املعىن اذلي محهل
ذكل الالكم ،فلك لكمة يف لغات البرش تعارف الناس عىل معناها وتفامهوا بتداولها بيهنم.
فالالكم عاَل القمية اذا محل معىن هم ًّما ،قد يعرب عن منافع عظمية أو يدل عل معارف
دقيقة أو حيوي مشاعر ُعيقة اىل ما هناكل .فوزن الالكم بوزن املعىن اذلي حيمهل.
كسب للالكم قمية هو القصد اذلي أراد املتلكم التعبري عنه.
والمر الثالث اذلي يُ ِ
فالقصد النبيل اذلي أراده املتلكم يعل الكمه ذا وزن ،والقصد الس ئي يعل الالكم
رديئا.
هذه عن القمية اذلاتية لللكمة اليت حتمل املعاين وتعرب عن املقاصد ،وقمية اللكمة
أيضا تقاس مبا تفيض اليه من نتاجئ وما ترتكه من أآاثر ،فتعظم قمية اللكمة اذا جلبت
خريات كثرية وس ببت أ آاثرا كبرية ،وتقل اذا خلت عن ذكل لكه.
واذا اكن المر كذكل ،فكيف تكون للكامت التسبيح والتحميد والهتليل والتكبري
تكل الوزان اليت تفوق لك ما يف الساموات والرض؟
ال ندرك مدى ثقل هذه اللكامت بدون االدراك مبعانهيا ،فهيي حتمل أمه املعاين
اليت يب أن يعرفها االنسان ،وتعرب عن احلقائق الكربى اليت يقوم علهيا الكون ويرتكز
علهيا ادلين.
أما معىن التسبيح فهو يف اللغة مبعىن التزنيه ،فأصل هذه اللكمة من ذ
الس بح وهو
ال ُبعد ،قال الزهري يف هتذيب اللغة" :ومعىن تزنيه هللا من السوء تبعيده منه ،وكذكل
بعدت فهيا ،ومنه قوهل ج ّل ّ
وعز: بحت يف الرض اذا أ َ تسبيحه تبعيده ،من قوكل :س ُ
احب ِ
ات َس ْب ًحا} [النازعات]3 : الس ِ َ
{ َو ذ
44
الرب س بحانه فالتسبيح هو ابعا ُد صفات النقص من أن ت َ
ُضاف اىل هللا ،وتزني ُه ِ ّ
يليق به ،كام قال الطربي" :وأص ُل التسبيح هلل عند العرب التزنيه هل عن السوء و ذُعا ال ُ
من اضافة ما ليس من صفاته اليه ،والتربئة هل من ذكل".
فقول االنسان "س بحان هللا" يعن تزنيه هللا عن لك النقائص ،وتطهري القلب
عن لك تصور واعتقاد ال يليق جبالل هللا وجامهل وكامهل .فهو ارتقاء تصوري عقدي من
االنسان ،وارضاء للرمحن ،والتربئة مما يقوهل اجلاهلون يف حق هللا ظلام وجورا ،وهذه
الرض تعج مبقوالت تنسب اىل هللا ما ال يليق مبقام هللا جل يف عاله ،فهناك ماليني
من الناس من وصفه ابحلاجة اىل الرشاكء ،وهناك من نسب اليه الودل والصاحبة ،وهناك
من اهتمه ابلظمل عياذا ابهلل ،وهناك من وصفه ابلفقر ،تعاىل هللا عام يصفون علوا كبريا.
وأما "امحلد هلل" فهو اثبات للك الصفات امحليدة والوصاف الكرمية هلل عز
وجل ،فهو تعبري عن العرفان ابلكامل املطلق لرب العاملني ،وجميئه بعد التسبيح يناسب
كون االثبات بعد النفي .أي بعد أن ننفي عن هللا لك صفات النقص ،نثبت هلل لك
أوصاف الكامل.
فهو صعود تصوري فكري لالنسان ،أن يصل هذا العقل اىل حقيقة يه أمه
احلقائق ،ويه مركز مدراكت املسمل .تقف لك مبادئه وتصوراته عىل هذا االدراك ،به
يؤمن هبذا ادلين ،وبه يتبع مهنجه.
ولسعة مضمونه وعظم وزنه ميتلئ به مزيان االنسان الالجه بذكره ،يقول الصادق
املصدوق عليه الصالة والسالم" :وامحلد هلل متل املزيان" .والتسبيح والتحميد لكمتان
يلهج هبام العابدون من املالئكة والناس وادلواب وسائر الاكئنات فَّلكل يقول املصطفى
عليه الصالة والسالم" :وس بحان هللا وامحلد هلل متلآن – أو متل -ما بني الساموات
45
َش ٍء ا ذال
ْ الس ْب ُع َو ْ َال ْر ُض َو َم ْن ِف ِهي ذن َوا ْن ِم ْن َ
ذ الس َم َاو ُات
ذ الرض".قال تعاىل { :ت ُ َس ّب ُِح َ ُهل
ِ ِ
ُون ت َ ْسبِي َحهُ ْم ان ذ ُه َاك َن َح ِلميًا غَ ُف ًورا} [االرساء]44 :ي َُس ّب ُِح ِ َحب ْم ِد ِه َولَ ِك ْن َال تَ ْفقَه َ
ِ
وأما لكمة "ال اهل اال هللا" فهيي لكمة التوحيد اليت يه خالصة هذا ادلين ،وتعن
هذه اللكمة نفي اللوهية عن أي خملوق ،واثباهتا هلل وحده ،واالهل هو املعبود ،وال أحد
يس تحق العبادة اال هللا س بحانه .وهذه يه احلقيقة اليت من أجلها أرسل الرسل وأنزلت
الكتب وأقي ادلين وبعثت ادلعوات وفرض اجلهاد ،ويه الفاصةل بني االميان والكفر ،بني
التوحيد والرشك ،بني النور والظلامت .فهيي لكمة مركزية للرشيعة االسالمية ،وشعار ممزي
للمسلمني ،وراية مرفوعة لهذا ادلين اخلامت.
وأما "هللا أكرب" فهيي لكمة تعظي هلل ،تعن أن هللا أكرب من لك َشء ،وأن هذا
وصفات ،فهو أكرب من لك املعبودات ،أكرب من لك ٍ الرب اجلليل فوق لك َشء ذاات
اخمللوقات املنظورات واملسموعات واملتصورات .ما خاف االنسان من َشء اال أن هللا
أكرب منه ،وما رغب االنسان يف َشء اال أن هللا أكرب منه ،وما تعلق االنسان بيشء اال
أن هللا أكرب منه ،وما تعجب االنسان من َشء اال أن هللا أكرب منه.
مفا أعظم ما حوته هذه اللكامت من مع ٍان! وما أمه ما محلته من حقائق! اْنا
معان عظمية تُعلَن ،ومشاعر نبيةل ذ
تعرب ،حقائق جليةل ليست لكامت تقال حفسب ،لكهنا ٍ
تصعد من الرض اىل السامء ،وينطق هبا العبد املؤمن ويسمعها الكون ويرضاها الرب
اجلليل من فوق الس بع الساموات...
اْنا حق ًا أفضل مما طلعت عليه الشمس وغربت ،ويه خري من الساموات
والرض وما فهيا...
46
اللهم اجعلنا من اذلاكرين هللا كثريا واذلاكرات ،اللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
47
الفائدة السادسة عشر:
قال هللا تعاىلَ { :و َأ ذما ِب ِن ْع َم ِة َرب ّ َِك فَ َح ِّد ْث} [الضحى]11 :
أمر هللا تعاىل نبيه أن حي ِّدث الناس ابلنعمة اليت أنعم هللا هبا عليه .والتحدث
ابلنعمة نوع من الشكر والتقدير للنعمة والاحتفاء هبا .روى الطربي عن أيب نرضة قال:
اكن املسلمون يرون أن ِمن ُشكر النعم أن حيدّ ث هبا.
وأخرج أمحد عن النعامن بن بشري قال :قال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عىل
املنرب" :من مل يشكر القليل ،مل يشكر الكثري ،ومن مل يشكر الناس مل يشكر هللا.
والتحدث بنعمة هللا شكر ،وتركها كفر .وامجلاعة رمحة ،والفرقة عذاب ".واس ناده
ضعيف.
ولكن اعرتضت هنا مسأةل ويه :كيف ّنفرق بني هذا التحدث املأمور به أو
املندوب اليه وبني التفاخر املذموم أو الرايء؟ أليست الصورة واحدة والفعل واحد؟
فنقول وابهلل التوفيق:
ان أصل اخلطاب يف الآية اكن للنيب صىل هللا عليه وسمل ،ومشوهل للمة يأيت
تبعا عىل قاعدة أن الصل مساواة المة لنبهيّ ا فامي فرض عليه ما مل يدل دليل عىل
اخلصوصية .ووجوب التحدث ابلنعمة عىل النيب صىل هللا عليه وسمل ظاهر عىل أصل
المر ابلوجوب ،ومل ُ َخيف منه الرايء والتفاخر ،وأما يف حق المة فقال العالمة ابن
48
يث ِابل ِنّ ْع َم ِة ِمهنْ ُ ْم َم ْح ُفوفًا ِب ِر َاي ٍء َأ ْو تَ َفا ُخ ٍر.
ون التذ َح ِد ُعاشور رمحه هللاَ " :أ ذما ْ ُال ذم ُة فَ َقدْ يَ ُك ُ
رس َ ُهل خَا ِط ُر َم ْن ه َُو غَ ْ ُري َو ِاج ٍد ِمثْ َل ال ِنّ ْع َم ِة الْ ُمتَ َحد ِذث هبِ َاَ .وه ََذا َم َجا ٌل ِللنذ َظ ِر ِيف َوقَدْ ي َ ْن َك ِ ُ
الرت ِجي ِح ِ َل َح ِد ِ َمها". الْ ُم َع َارضَ ِة ب َ ْ َني الْ ُم ْقتَ ِيض َوالْ َما ِنعَِ ،و َط ِريقَ ِة الْ َج ْمع ِ ب َيْهنَ ُ َما ا ْن َأ ْم َك َن َأ ِو ذ ْ
ِ
[التحرير والتنوير]404/30 :
خلوه عن الرايء والافتخار،
وذلكل اشرتط العلامء يف مرشوعية التحدث ابلنعمة ذ
كام قرره االمام اللويس يف تفسري هذه الآية.
وهذا فقه دقيق ،يب أن ي ُنت َبه هل ،لن الفرق بني التحدث ابلنعمة املرشوع
وبني الافتخار املمنوع دقيق جدا ،اذ الظاهر أن ال فرق بيهنام ،امنا يقدر عىل المتيزي من
راقب قلبه ودان نفسه وقهر هواه.
وهذا ما سامه االمام الشاطيب حتقيق املناط اخلاص ،وهو يف احلقيقة انىشء عن
اّلِل َ ْي َع ْل لَ ُ ُْك فُ ْرقَاانً }
نتيجة التقوى املذكورة يف قوهل تعاىلَ { :اي َأُّيه َا ذ ِاذل َين أ آ َمنُوا ا ْن تَتذ ُقوا ذ َ
ِ
[النفال.]29 :
وقال رمحه هللا عن هذا النوع من الاجهتاد اذلي سامه حتقيق املناط اخلاص:
"فتحقيق املناط اخلاص نظر يف لك ملكف ابلنس بة اىل ما وقع عليه من ادلالئل
التلكيفية ،حبيث يتعرف منه مداخل الش يطان ،ومداخل الهوى واحلظوظ العاجةل ،حىت
يلقهيا هذا اجملهتد عىل ذكل امللكف مقيدة بقيود التحرز من تكل املداخل[ ".املوافقات:
]25-24/5
يقصد أن املؤمن يهتد يف التعرف عىل مداخل الش يطان ومداخل هوى النفس
يف العامل امللكف هبا حىت يعرف ما يصلح مهنا وما ال يصلح ،فان االنسان حيدث
الناس مبا أنعم هللا عليه من النعم ،قد يريد به املراءاة والتفاخر والتبايه ،وقد يريد به
49
التعبري عن الشكر هلل وبث الرسور يف الناس ،فال بد أن يتحقق املؤمن من صدق نيته
وأنه ال يريد به اال وجه اخلري اذلي أمر هللا به ،ويسمل من حماذير الرايء والتبايه
والتفاخر املهنيي عهنا.
قال الشاطيب" :وهو النظر فامي يصلح بلك ملكّف يف نفسه ،حبسب وقت دون
وقت ،وحال دون حال ،وخشص ،دون خشص .اذ النفوس ليست يف قبول العامل
اخلاصة عىل وزان واحد[ ".املوافقات]25/5 :
ومثة أمر أآخر يب أن ينتبه هل من أراد أن حيدث الناس ابلنعمة اليت أنعم هللا
عليه هبا دوْنم ،وهو َش حاسد اذا حسد ،فليس لك انسان يفرح بفرح أخيه ،فهناك
من يتنغّص ويثور غيظه اذا رأى خريا لحد غريه .فهنا انسب أن يعمل االنسان ابحلديث
اذلي رواه الطرباين يف معامجه الثالثة أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل يقول:
"اس تعينوا عىل اجناح احلواجئ ابلكامتن ،فان لك ذي نعمة حمسود[ ".أخرجه الطرباين يف
الكبري والوسط والصغري ،والبهيقي يف الشعب وحصحه اللباين]
فالتحدث ابلنعمة يصلح أن يقال بني الحباب والناس الثقات اذلين ال يريدون
ابخواْنم اال خريا وال يمتنون هلم َشا ،أما يف وسط جممتع يغلب عليه التحاسد والتباغض،
فكامتن النعمة أدعى اىل حفظها.
ويصلح أيضا أن يقال يف مقام اغاظة العدو الظهار قوة االسالم وعافيته ،كام
اكنت هذه الآية الكرمية يف سورة الضحى ردا عىل مقاةل قريش أن محمدا عليه الصالة
والسالم قد تركه ربه.
اّلِل َع ْنهُ ،قَا َلْ « :احتَبَ َس اّلِل َر ِ َ
يض ذ ُ روى البخاري ومسمل َع ْن ُج ْندَ ِب ْب ِن َع ْب ِد ذ ِ
هللا عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل» ،فَقَال َ ِت ا ْم َر َأ ٌة ِم ْن قُ َري ٍْش:
هللا عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل عَ َىل النذ ِ ِ ّيب َص ذىل ُ
ِج ْ ِربي ُل َص ذىل ُ
50
َأبْ َطأَ عَلَ ْي ِه َش ْي َطانُهُ ،فَ َ َزنل َ ْتَ { :والضه َحى (َ )1والل ذ ْي ِل ا َذا َجسَى (َ )2ما َو ذدعَ َك َرب ه َك َو َما قَ َىل}
ِ
اىل أآخر السورة.
ففي مثل هذه املناس بات حيسن ابملسمل أن يظهر الفرح ويتحدث ابلنعمة ،قال
ون} [يونس]58 :اّلِل َو ِب َر ْ َمحتِ ِه فَب َِذ ِ َكل فَلْ َي ْف َر ُحوا ه َُو خ ْ ٌَري ِم ذما َ ْي َم ُع َ
تعاىل{ :قُ ْل ِبفَضْ ِل ذ ِ
اللهم أمت علينا نعمتك ،وارزقنا رمحتك ،واهدان س بل السالم...
#سلسةل_فوائد رمضانية_1439هـ
51
الفائدة السابعة عشر:
اّلِل َص ذىل ُ
هللا روى الطرباين يف املعجم الوسط واحلامك يف املس تدرك أن َر ُسول ذ ِ
عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل قالَ « :م ْن لَ ْم ُّيَ ْ َ ذمت ِبأَ ْم ِر الْ ُم ْس ِل ِم َني فَلَيْ َس ِمهنْ ُ ْم ".روي احلديث بطرق متعددة ال
ختلو من ضعف يف االس ناد.
ورمغ ضعف اس ناد هذا احلديث اال أن معناه تؤيده نصوص أخرى حصيحة،
مثل احلديث املتفق عليهَ " :ال يُ ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ُ ْمكَ ،ح ذىت ُ ِحي ذب ِ َل ِخي ِه َما ُ ِحي هب ِلنَ ْف ِس ِه".
امحه ِْمَ ،وتَ َع ُاط ِفه ِْم َمث َ ُل الْ َج َس ِد ،ا َذا وكذكل حديثَ " :مث َ ُل الْ ُم ْؤ ِم ِن َني ِيف ت ََوا ِ ّد ِ ْمهَ ،وتَ َر ُ ِ
ِ
ْاش تَ ََك ِمنْ ُه ُعضْ ٌو تَدَ ا َعى َ ُهل َسائِ ُر الْ َج َس ِد ِاب ذلسهَ ِر َوالْ ُح ذمى[ ".رواه مسمل]
ان هللا أراد من املسلمني أن يكونوا جسدا واحدا ،يتفاعل لك عضو مبا يعانيه
اخوانه من الالم واملأآيس .وان حاةل املسلمني اليوم تس تدعي الاهامتم البالغ من اللك بال
اس تثناء .قال النيب صىل هللا عليه وسمل" :الْ ُم ْس ِ ُمل َأخُو الْ ُم ْس ِ ِملَ ،ال ي َ ْظ ِل ُم ُه َو َال ي ُْس ِل ُمهَُ ،م ْن
هللا َع ْن ُه هبِ َا ُك ْرب َ ًةهللا ِيف َحا َج ِت ِهَ ،و َم ْن فَ ذر َج َع ْن ُم ْس ِ ٍمل ُك ْرب َ ًة ،فَ ذر َج ُ َاك َن ِيف َحا َج ِة َأ ِخي ِه َاك َن ُ
هللا ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة[ ".متفق عليه] ِم ْن ُك َر ِب ي َ ْو ِم الْ ِق َيا َم ِةَ ،و َم ْن َس َ َرت ُم ْس ِل ًما َس َ َرت ُه ُ
ومك رأينا من املعاانة ملسلمي العامل! بدءا من اخواننا يف فلسطني مث سوراي مث
العراق مث المين ،ومك أمهلنا قضية مسلمي تركس تان الرشقية اليت احتلهتا الصني واليت ال
يعرف عهنا اال القليل من الناس ،ومه يؤذون يف ديهنم ،لقد بلغ من ظمل احلكومة الصينية
أن أجربوا املسلمني عىل االفطار يف ْنار رمضان! وما مل نسمع عنه الكثري الكثري .مك
قرصان يف مناصة اخواننا يف مسلمي أرأاكن!
فاذا اكن الصيام يعلمنا االحساس بأالم الفقراء ،فهناك من اخواننا من يقايس -
فوق الفقر والعوز -أالم احلروب والاضطهاد والترشيد والتخويف!
52
"ال يؤمن أحدمك حىت حيب لخيه ما حيب لنفسه ".هكذا قال نبينا عليه الصالة
والسالم ،لنضع أنفس نا ماكْنم ،لنعرف مك يه ثقيةل تكل املعادةل علينا! لو كنا ماكن هؤالء
املصابني ،ماذا نريد من اخواننا أن يفعلوا َتاهنا؟ نعم ،هناك تربعات ،مناصات هنا
وهناك ،وتأييد دبلومايس أحياان ،ولكن هل هذا هو أقىص ما يفعهل مليار وس تة مائة
مليون مسمل؟ اننا قادرون أن نفعل أكرث وأكرث .فاملسلمون ُُخس العامل ،لو حترك عُرشمه
فقط مل يكن هذا هو الوضع اذلي رأينا.
فلعل تذكري بعضنا لبعض ،والتوايص بيننا ابالهامتم ،ومتابعة أحوال مسلمي العامل
من أقصاه اىل أقصاه س يغري من هذه احلاةل املزرية .وال نكرر لهجة التبايك والعويل
والنياح ،ولكن الوعي والضمري احلي والعقل اليقظ هو اذلي س يحركنا ابذن هللا ،والمل
يف هللا كبري بأن يرفع عنا الظمل ،ويصلح لنا احلال ،ويردان اىل دينه ردا مجيال.
مث نتأمل هذه الثالثية اليت قالها النيب صىل هللا عليه وسمل" :ثَ َالثَ ٌة َال تُ َر هد
الص ِ ُ
امئ ِح َني يُ ْف ِط ُرَ ،و َدع َْو ُة الْ َم ْظلُو ِم يَ ْرفَ ُعهَا فَ ْو َق الْغَ َما ِم َوتُ َفتذ ُح لَهَا َدع َْوهتُ ُ ْمْ :اال َما ُم الْ َعا ِد ُلَ ،و ذ
ْرص ِذك َولَ ْو ب َ ْعدَ ِحنيٍ [ ".رواه الرتمذي الس ِ َما ِء َوي َ ُق ُ
ول ذالر هب َع ذز َو َج ذلَ :و ِع ذز ِيت َ َلن ُ َ ن َأبْ َو ُاب ذ
وابن ماجه وأمحد وابن حبان]
يه ثالث دعوات مس تجابة :من االمام العادل مث الصامئ مث املظلوم .كيف وضع
رفع الظمل مع الصيام واحلُك العادل يف س ياق واحد؟ فهيي منظومة مرتابطة ،فال ينبغي أن
ينفصل صومنا عن قضاايان احلالية ،فاننا أمة واحدة وجسد واحد.
اللهم أصلح أحوالنا والطف ابخواننا ،وارزقنا كامل االميان وصدق االسالم ،وارفع
عنا الظمل والضعف والهوان ،اي كرمي اي منان.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
53
الفائدة الثامنة عشر:
حدث عاملي يف سياقه القرآين
من املواضع القرأآنية اليت تس تدعي وقفة التأمل يه بداية سورة الروم ،بل سورة
الروم نفسها ،فان هذه السورة تتفرد بذكر حدث اترخيي عىل غري عادة القرأآن.
"غُ ِل َبت هالروم!" [الروم ]1 :هكذا نزلت الآية خبرب عاجل يتصدر السورة! يدق
مسامع املسلمني هبذا النبا الفريد اذلي مل يكن من معهود القرأآن! ان القرأآن الكرمي كتاب
ساموي يركز عىل القضااي االميانية ابدلرجة الوىل .فتجد أغلب سور القرأآن يبدأ ابالخبار
عن هللا وصفاته ومحده وتسبيح اخللق هل ،أو يبدأ ابالخبار عن شأن كتاب هللا العزيز،
أو ابصدار أمر من أوامر هللا للمؤمنني ،أو يبدأ ابلقَ َسم عىل خلق من خلقه العظي،
هكذا معظم بداايت السور القرأآنية .مفا ابل هذا اخلرب جعهل هللا يتقدم تكل املواضيع
العظمية واجلليةل يف هذه السورة؟
ان هزمية امرباطورية كبرية حبجم االمرباطورية الرومانية يف معركة من معاركها
حلدث اترخيي عظي .لو حدث يف زمننا هذا لمجعت الصحف عىل جعهل خربا رئيس يا، ٌ
ول ُكتب خبط عريض ،ولتناقلته القنوات االخبارية العاملية واحمللية! ولكن أن جعل هللا يف
مقدمة سورة قرأآنية يتلوها املؤمنون جيال بعد جيل ،وندب هللا لتكراره اىل يوم القيامة
هبذا الشلك ،فال بد أن هناك أمهية اس تثنائية وراء هذا المر!
ون (ِ )3يف امل ( )1غُ ِل َب ِت هالرو ُم (ِ )2يف َأد َْىن ْ َال ْر ِض َو ُ ْمه ِم ْن ب َ ْع ِد غَلَهبِ ِ ْم َس َي ْغ ِل ُب َ
رص ذ ِ
اّلِل ي َ ْن ُ ُ
رص َم ْن ون (ِ )4بنَ ْ ِ بِضْ ع ِ ِس ِن َني ِ ،ذ ِّلِل ْ َال ْم ُر ِم ْن قَ ْب ُل َو ِم ْن ب َ ْعدُ َوي َ ْو َم ِئ ٍذ ي َ ْف َر ُح الْ ُم ْؤ ِمنُ َ
54
اّلِل َوعْدَ ُه َولَ ِك ذن َأ ْك َ َرث النذ ِاس َال ي َ ْعلَ ُم َ
ون اّلِل َال ُ ْخي ِل ُف ذ ُ يَشَ ا ُء َوه َُو الْ َع ِز ُيز ذالر ِح ُي (َ )5و ْعدَ ذ ِ
ون ([ )7الروم]7-1 : ون َظا ِه ًرا ِم َن الْ َح َيا ِة ادله نْ َيا َو ُ ْمه َع ِن ْالآ ِخ َر ِة ُ ْمه غَا ِفلُ َ
( )6ي َ ْعلَ ُم َ
هكذا تناول القرأآن هذا املوضوع .ان أرسار اهامتم القرأآن هبذا املوضوع كثرية جدا
وحتتاج اىل كتاب مس تقل يضيق عنه هذا املقام ،ولكن يكفينا هنا أن نشري اىل بعض
املعاين املفيدة من هذا اخلصوص.
أوال :أمهية احلدث .ان بعثة الرسول عليه الصالة والسالم جاءت يف وقت اكنت
الس يطرة العاملية بيد الروم والفرس ،فلك حدث متعلق برصاع الهمينة بيهنام اكن هل أثر
مباَش وغري مباَش يف مسرية ادلعوة.
اثنيا :ان الروم والفرس يتصارعان ويتنافسان عىل بسط الس يطرة يف لك أجزاء
العامل ،مبا يف ذكل اجلزيرة العربية ،مل يسمل أطراف اجلزيرة من العراق والشام والمين من
التنازع النامج بني هاتني القوتني ،اال أن منطقة احلجاز حامها من ذكل الاضطراب
والتنازع ،فبقيت مس تقةل ،ولكهنا ضعيفة من حيث مزيان القوة املادية.
رابعا :كون الروم من أهل الكتاب من هجة ،والفرس من الوثنيني من اجلهة
الخرى ،جعل املرشكني ينحازون اىل الفرس ،واملؤمنني ينحازون اىل الروم ،وان اكن
ذكل الاَنياز ال ينبن عليه حتالف فعيل وال خطوة ُعلية.
خامسا :نزلت السورة يف الفرتة املكية ،ويف تكل الفرتة اكن املؤمنون يف ضعف
واضطهاد من قبل املرشكني ،ويف نفس الوقت اكنت الس يطرة للفرس عىل الروم ،وبلغ
من انتصار الفرس عىل الروم أآنذاك اىل أن يس توَل الفرس عىل بيت املقدس .طرد مهنا
الروم وطردوا أيضا من مرص .وذكرت كتب التارخي تعذيب الفرس للمس يحيني يف البيت
املقدس .وذكرت أيضا مشاركة الهيود للفرس يف ذكل.
55
سادسا :مل يذكر هللا امس الفرس ،بل ذكر امس الروم ،رمغ أْنا يه املغلوبة حني
نزلت السورة ،والفرس يه املنترصة .يف اشارة اىل أن مس تقبل الروم أطول من الفرس.
ويف ذكل أحاديث عدة.
سابعا :أخرب هللا بأن الروم س تنترص ،وهذا تنبهؤ غريب ،ال ميكن أن يقوهل حملل
س يايس أو خبري عسكري ،معمتدا عىل املعطيات املوجودة حينئذ .فان هزمية الروم
حينئذ اكنت هزمية ساحقة ،مل تكد للروم مقومة بقاء اال قوة صغرية يف القرطاجة وعامصة
حماصة يف القسطنطينية.
اثمنا :اخبار هللا أن انتصار الروم س يأيت يف بضع س نني فقط اْعاز أآخر اضافة
اىل االْعاز السابق ،فان ذكل أْعوبة ال يتوقعها اال العلي اخلبري س بحانه.
اتسعا :تصديق املؤمنني لهذا اخلرب واملراهنة عليه مغامرة جريئة ،يدفعها االميان
املطلق ابهلل تعاىل ومبا جاء به الرسول صىل هللا عليه وسمل.
عاَشا :رمغ ضعف املؤمنني وحاجهتم اىل ادلمع ،مل يقم رسول هللا واملؤمنون
ابالتصال ابحدى تكل القوى العاملية ،فان مسرية دعوة االسالم مسرية مس تقةل ،فهيي
تعمتد عىل هللا وحده .ويتجىل ذكل الاس تقالل حني رفض الرسول صىل هللا عليه وسمل
مساندة بن شيبان ،ملا قبلوا ادلعوة برشط عدم التعرض لس يطرة الفرس .وليس هذا
حترميا للتحالف مطلقا ،ولكنه درس امياين يضعه الفقيه البصري يف س ياقه املناسب.
حادي عرش :ان لك مرحةل لها طبيعهتا وحتدايهتا ومتطلباهتاٌّ ،
لك يف وقهتا
املناسب .لو أحقم املسلمون عىل اخلوض يف ذكل الرصاع اذلي هو أكرب من جحمهم وأعقد
من قدرهتم عىل الترصف لضاع الهدف والَنرف الطريق.
56
اثين عرش :ان االميان ي ُب ِقي االنسان عىل معنوية عالية وأمل كبري وثقة اتمة
ابملس تقبل املرشق ،فلك املعطيات الواقعية القامئة همام اكن ظاهرها قوة أهل الرش ،اال أن
اخلري بيد هللا ،وأن أهل اخلري ال ُّيملهم هللا وال خيذهلم .بل العاقبة للمتقني دامئا.
ون َظا ِه ًرا ِم َن الْ َح َيا ِة
اثلث عرش :خمت هللا موضوع غلبة الروم بقوهل تعاىل{ :ي َ ْعلَ ُم َ
ون} [الروم ]7 :ليلفت أنظار املؤمنني اىل املغزى المه من ادله نْ َيا َو ُ ْمه َع ِن ْالآ ِخ َر ِة ُ ْمه غَا ِفلُ َ
هذه الحداث يف ادلنيا ،فان هذا املرسح العابر ليس ْناية املطاف وال النتيجة الخرية
ملسرية االنسانية ،فان ادلار الآخرة لهيي احليوان لو اكنوا يعلمون.
مل تنته فوائد بداية هذه السورة عند هذه النقاط ،ولكننا نكتفي هبذه املعاين،
والقرأآن ال تنقيض ْعائبه .وامحلد هلل رب العاملني.
اللهم علمنا ما ينفعنا ،وانفعنا مبا علمتنا،وزدا علام اي رب العاملني.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
57
الفائدة التاسعة عشر:
الغرور ينايف الشكر
ما أكرث نعم هللا عىل االنسان! وما أقل من يشكره حق شكره! انه جناح ابليس
يف صف ابن أآدم عن شكر ربه ،لقد كشف ابليس عن خطته وطريقته يف اضالل
ص َاط َك الْ ُم ْس َت ِق َي البرش وهدفه من ذكل فقال خماطبا ربه{ :فَ ِب َما َأ ْغ َويْت َ ِن َ َل ْق ُعدَ ذن لَهُ ْم ِ َ
( ُ )16ذمث َلآ ِتيَهنذ ُ ْم ِم ْن ب َ ْ ِني َأيْ ِد ُِّي ْم َو ِم ْن َخلْ ِفه ِْم َو َع ْن َأيْ َماْنِ ِ ْم َو َع ْن َ َمشائِ ِله ِْم َو َال ََتِدُ َأ ْك َ َرث ُ ْمه
َشا ِك ِر َين} [العراف]17-16 :
سعى ابليس بطرق ش ىت وجاء عىل االنسان من هجات عدة حىت ال يشكر
االنسان ربه اذلي أكرمه وفضهل عىل كثري من خلقه .مفعظم البرش ال يؤمنون ابهلل أصال،
وبعضهم أآمن مع الرشك ،فهم ال يعبدون هللا ،وبعض من يعبد هللا ال يشكره عىل نعمه
اّلِل عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل قَا َل " :قَا َل ُ
هللا س بحانه .أخرج البهيقي َع ْن َأ ِيب ادلذ ْردَا ِءَ ،ع ِن النذ ِ ِ ّيب َص ذىل ذ ُ
َع ذز َو َج ذل :ا ِ ّين َو ْاالن ْ ُس َوالْجِ هن ِيف ن َ َب ٍأ َع ِظ ٍي ،أَ ْخلُ ُق َويُ ْع َبدُ غَ ْ ِرييَ ،و َأ ْر ُز ُق َوي ُ ْش َك ُر غَ ْ ِريي".
ِ ِ
وممن ُحي َس بون من املؤمنني اذا رزقوا بيشء نس بوا الفضل لنفسه ،وظن أن متزيه
وهمارته وخربته يه اليت جلبت تكل الرزاق ،ونسوا الرازق الواهب ،كام قال قارون:
{قَا َل ان ذ َما ُأو ِتي ُت ُه عَ َىل ِع ْ ٍمل ِع ْن ِدي} [القصص]78 :
ِ
رض َدعَاانَ ، وهذه حال كثري من البرش ،قال هللا تعاىل عهنم{ :فَا َذا َم ذس ْاالن ْ َس َان ُ ٌّ
ِ ِ
ون} يه ِف ْتنَ ٌة! َولَ ِك ذن َأ ْك َ َرث ُ ْمه َال ي َ ْعلَ ُم َ
ُ ذمث ِا َذا خ ذَولْنَا ُه ِن ْع َم ًة ِمنذا قَا َلِ :ان ذ َما ُأو ِتي ُت ُه عَ َىل ِع ْ ٍمل .ب َ ْل ِ َ
[الزمر]49 :
58
هكذا النفس البرشية اذا طغت ،ال تتحمل التكرمي ،فبدل أن يسجد هلل شكرا،
يطري يف السامء فرحا وغرورا ،كنه خلق نفسه كام أراد ،وخلق عقهل كام شاء ،واختار
حياته وموته باكمل حريته!
لقد اقتفى أثر ذكل املغرور الول ،اذ قالَ { :أانَ خ ْ ٌَري ِم ْن ُه َخلَ ْقتَ ِن ِم ْن انَ ٍر َو َخلَ ْقتَ ُه
ِم ْن ِطنيٍ } [ص ]76 :نيس أنه خملوق ،حىت لو خلق من النار اليت ظهنا أفضل من
الطني ،فهو خملوق مأمور.
رأى النعم ونيس املن ِعم{ .فَأَ ذما ْاالن ْ َس ُان ا َذا َما ابْتَ َال ُه َرب ه ُه فَأَ ْك َر َم ُه َون َ ذع َم ُه فَيَ ُق ُ
ول َر ِ ّيب
ِ ِ
عطوا شيئا ممتزيا َأ ْك َر َم ِن} [الفجر ]15 :ان بعض الناس عندمه طبيعة غريبة ،فاْنم اذا ُأ ُ
للمعطي.للمعطى ال ِ عن غريه ،شعر ابلفخر والتفضيل ،كن الفضل َ
وان بعض البرش هلم نظرة ذاتية للكون ْعيبة ،حىت بلغ الغرور ببعضهم أن
ينسب جمرايت الكون وسريورة الحداث اىل نفسه كام قال فرعونَ { :ايقَ ْو ِم َأل َ ْي َس َِل
ون} [الزخرف]51 : رصَ ،و َه ِذ ِه ْ َالْنْ َ ُار َ َْت ِري ِم ْن َ ْحت ِيت َأفَ َال تُ ْب ِ ُ
رص َ ُم ْ ُ
كل ِم ْ َ
انه اْعاب ابلنفس ،مرض نفيس همكل ،واَنراف سلويك موبق .كام روى البهيقي
وغريه أن النيب صىل هللا عليه وسمل قال" :ثالث هملاكت :حش مطاع وهوى متبع واْعاب
املرء بنفسه".
ما أقبح تكل الصور! وما أسوأ تكل الطبائع!
وما أحوجنا اىل الاقتداء هبذا العبد الصاحل اذلي خسر هللا هل اجلن واالنس
والرحي والطري ،فقال شاكرا هلل{ :قَا َل ه ََذا ِم ْن فَضْ ِل َر ِ ّيب ِل َي ْبلُ َو ِين َأ َأ ْش ُك ُر أَ ْم َأ ْك ُف ُر؟}
[المنل]40 :
59
وما أحوجنا اىل التذكري ادلامئ بفضل هللا ،وعدم نس بة الفضال اىل أنفس نا ،وما
أسعد تكل النفس اليت تتربأ دامئا من احلول والقوة اال ابهلل!
ومن تكل الامنذج امجليةل والقدوة الطيبة يف َتريد النفس عن الغرور ما حاكه ابن
القي عن ش يخه ابن تميية رمحهام هللا ،كيف اكن يدين نفسه ويتواضع هلل ،قال عنه رمحه
هللا :اكن كثريا ما يقول" :ما َل َشء ،وال من َشء ،وال ذيف َشء ".واكن ينشد:
أان املكدي وابن املكدي *** وهكذا اكن أيب وجدي
اللهم اهدان لحسن الخالق ،ال ُّيدي لحس هنا اال أنت ،واصف عنا يسء
الخالق ،ال يرصف عن سيهئا اال أنت .اللهم أآت نفوس نا تقواها ،وزكها ،أنت خري من
زاكها ،أنت ولهيا وموالها.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
60
الفائدة العشرون:
حقيقة دقيقة خميفة ،تقشعر مهنا البدان ويرَتف مهنا كيان املؤمن لكه ...أن هللا
قد يُضل هبذا القرأآن ...يُضل هللا هبذا القرأآن؟؟
نعم .ان بعض البرش حظه من هذا القرأآن ليس الهداية بل الضالةل! عياذا ابهلل،
مع أن هذا القرأآن أنزهل هللا هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .ولكن ً
قلواب زائغة
ونفوسا مريضة قلبت المور وحرفت املسري.
ات ه ذُن ُأ هم ْال ِكتَ ِاب اب ِمنْ ُه أ آ َاي ٌت ُم ْح َمكَ ٌقال تعاىل{ :ه َُو ذ ِاذلي َأ ْن َز َل عَلَ ْي َك ْال ِكتَ َ
ون َما تَشَ اب َ َه ِمنْ ُه ابْ ِتغ ََاء الْ ِف ْتنَ ِة َوابْ ِتغ ََاء
ات فَأَ ذما ذ ِاذل َين ِيف قُلُوهبِ ِ ْم َزيْغٌ فَ َيتذ ِب ُع َ
َو ُأخ َُر ُمتَشَ اهبِ َ ٌ
يهل} [أل ُعران]7 : تَأْ ِو ِ ِ
63
وقد رضب هللا هلم مثال ،قال تعاىلَ { :مث َ ُل ذ ِاذل َين ُ ِ ّمحلُوا التذ ْو َرا َة ُ ذمث لَ ْم َ ْحي ِملُوهَا
اّلِل َال ُّيَ ْ ِدي الْقَ ْو َم ََكَث َِل الْ ِح َم ِار َ ْحي ِم ُل َأ ْس َف ًارا ۚ ِبئْ َس َمث َ ُل الْقَ ْو ِم ذ ِاذل َين كَ ذذبُوا ِبأ آ َاي ِت ذ ِ
اّلِل ۚ َو ذ ُ
الظا ِل ِم َني} [امجلعة]5 : ذ
ان هممة أهل العمل ثقيةل ،وخطر اخملالفة فهيا عظي .فان الشهادة العلمية ليست
رخصة للقول مبا هتواه النفس ،وال يه حرية الرأي ،لكهنا مسؤولية والزتام ،وأمانة ووفاء.
ربنا ال تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ،وهب لنا من دلنك رمحة ،انك أنت الوهاب.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
64
الفائدة احلادية والعشرين:
اخلطأ حط أم حظ؟
قدر هللا أن يكون االنسان حمل أخطاء ،فال يسمل أحد من البرش من ارتاكب
خطا .واخلطأ قد حيطّ من قدر االنسان فهيوي به اىل هجمن ،وقد يكون اخلطأ بداية حظّ
طيب ،اذا اتب صاحبه اىل هللا واكن سببا لالجهتاد يف الطاعة .فاخلطأ اما حطٌّ (ابلطاء
املهمةل) واما حظّ (ابلظاء املعجمة).
ان التعيس هو من مل "يس تفد" من خطاه ،فيرص عليه ويربره ويادل دفاعا
عنه .قد يكون اجلهل أو نقص املعلمومات أو املعلومات اخلاطئة يه سبب االصار وعدم
التوبة ،وقد يكون العناد واتباع الهوى هو السبب.
فاذا اكن سبب ارتاكب اخلطا هو عدم العمل ،فتلقي العمل الصحيح هو احلل.
ولكن بعض ال ُت َعساء ال يفيدمه العمل والصحيح وال النصح الطيب ،فاْنم يعجبون بأآراهئم
وميجدون مواقفهم أميا اْعاب ،فأفعاهلم ابلنس بة هلم يه احلق اذلي يب ادلفاع عنه .وال
يعدمون تربيرا لخطاهئمَ { .و َاك َن ْاال َنس ُان َأ ْك َ َرث َ ْ
َش ٍء َجدَ ًال} [الكهف]54 :
ِ
فهم أحصاب جحج وامهة واهية ،يرصون علهيا ويروجوْنا .ذلكل مل يتوصلوا اىل
احلق ومل يرجعوا اىل الصواب ،لْنم جحبوا أنفسهم بتكل احلجج.
ولكن االنسان السعيد هو اذلي ال يد صعوبة يف اكتشاف خطاه والاعرتاف به
والعودة منه اىل الصواب .فأبوان أآدم عليه السالم قد ارتكب خطأ واحدا ،ولكن هللا اتب
عليه ملا اتب هو منه ،فاكن أسعد من ابليس اذلي أص عىل موقفه.
65
فقد اس تفاد أآدم من ذكل اخلطا ابلزنول اىل الرض ،فيصبح خليفة فهيا هو
وذريته ،فنالوا جزاء العمل الصاحل والتوبة النصوح.
مفقام التائبني عند هللا عظي ،وهللا حيب التوابني وحيب املتطهرين .فضع خطا
حتت لكمة "حيب" .فلو ال اخلطأ ملا اتب أحد ،وملا حظي بذكل "احلب" .ذلكل قال
بعض العارفني" :رب ذنب أورث ذال وانكسارا خري من طاعة أعقبت ُْعبا واس تكبارا".
فلكنا مذنب ولكنا خمطئ ،فهيي فرصة لنيل رىض هللا وعفوه ابلتوبة النصوح
واصالح ما فسد واس تدراك ما فات .ذلكل اكن ادلعاء العظي اذلي علمه الرسول صىل
هللا لعائشة ريض هللا عهنا يف ليةل القدر هو" :اللهم انك عفو حتب العفو فاعف عن".
روى الرتمذي وغريه َع ْن عَائِشَ َة قَالَت ْقُلْ ُتَ :اي َر ُسو َل ذ ِ
اّلِلَ ،أ َر َأيْ َت ا ْن عَ ِل ْم ُت َأ هي
ِ
ْ لَ ْي َ ٍةل ل َ ْي َ ُةل الْقَدْ ِرَ ،ما َأقُ ُ
ول ِفهيَا؟ قَا َل :قُ ِوَل":اللذهُ ذم ان َذك ُع ُف ٌّو َك ِر ٌميِ ُ ،حت هب ال َع ْف َو ،فَاع ُْف
ِ
َع ِ ّن".
اي عفو اي كرمي ،اعف عنا وتب علينا ،وأهلمنا رشدان ،واهدان س بل السالم...
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
66
الفائدة الثانية والعشرين:
قصص النبياء والصاحلني ،وذكل من أجل أن ذكر هللا تعاىل يف قرأآنه الكرمي َ
امه ا ْقتَ ِد ْه ۗ} [النعام]90 : يقتدي هبم الناس ،قال تعاىلُ { :أولَـ ِئ َك ذ ِاذل َين هَدَ ى ذ ُ
اّلِل ۖ فَهبِ ُدَ ُ ُ
والاقتداء هو أن حيايك االنسان مسرية هؤالء القدوات ،ويعدّل سلوكه ليكون
مثل وقريبا مما فعهل هؤالء الصاحلون .فاالقتداء هو التغيري َنو الفضل والسعي َنو
اصالح النفس.
وهناك توظيف خاطئ ِلس َري النبياء والصاحلني ،بل كثريا ما يكون مضلال،
وذكل بأن ي َُش ّبِه االنسان نفسه بأحد هؤالء النبياء والصاحلني ،حبيث يومه نفسه ويومه
غريه أنه مثل تكل القدوات يف أمر من المور ،مبا حيمل االحياء أنه ما قد يصل اىل ما
يصل اليه هؤالء النبياء والصاحلون يف املاكنة والصالح وادلرجة .س بحان هللا عام
يصفون.
فهناك فرق هائل بني هذا التشبيه املضلل وبني ذكل الاقتداء املأمور به .فان
التشبيه هبذا الشلك ال يدفع االنسان اىل حتسني حاهل بل يكتفي بدعوى املشاهبة
واملامثةل ،فاذا رأى أن شيئا من نفسه أو حياته يش به ما عند هؤالء الصاحلني يتومه هذا
املسكني أن هذا يلحقه برشف أولئك املكرمني .فهذا املسكني بدل أن يهتد يف اصالح
حاهل ،جعل حاهل دليال عىل صالحه وبطولته.
67
ان قصص النبياء والصاحلني حتمل صورا مشاهبة حلياة البرش ُعوما ،فال غرابة
أن جند بعض الجزاء تش به ما عندان من المور ،لْنم برش مثلنا ،حفياهتم حياة البرش،
والس نة اجلارية عندمه يه س نة هللا اليت جرت عند البرش ُعوما .ولكن الفرق اذلي
جعل حياهتم ًّ
حمال لالقتداء هو كامل حاهلم وحسن فعاهلم وقوة امياْنم وصربمه عىل البالء
وشدة تعلقهم ابهلل ومتسكهم بأوامر هللا وَتردمه عن الغرائز احليوانية اكلطمع والرشه وحب
الانتقام واجلزع وما اىل ذكل.
فاملقت ِدي يضع نفسه اتبعا لتكل املُثل ،وليس مرجعا لها .فهو ُخيضع نفسه لمناط
اخلري والاس تقامة اليت قدهما النبياء والصاحلون ،ومل يعل نفسه مثاال لها .فهو يسعى
للتش هبه هبم ،ال لتشبيه نفسه هبم.
َتش ذبه ابلكرام ان مل تكونوا مثلهم *** ان التش هبه ابلكرام فالح
والبون شاسع جدا بني من يتش ذبه ابلكرام وبني من ي ُش ِ ّبه نفسه هبم .فالول
يعرف قدر نفسه فيقف متعلام ومتتلمذا للولياء والصاحلني ،والثاين يدّ عي الصالح
وينصب نفسه بطال من البطال ،قامئا يف مصاف السابقني يطلب المتجيد والتبجيل،
فالول همتدي والثاين مفتون .نعوذ ابهلل من فتنة الغرور.
اللهم أصلح أحوالنا اىل أحسن حال ،وأحسن عاقبتنا اىل أفضل مأل ،نعوذ
برمحتك من خسطك ،ومبعافاتك من عقوبتك ،وبك منك ،ال َنيص ثناء عليك ،أنت كام
أثنيت عىل نفسك...
68
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
69
الفائدة الثالثة والعشرين:
71
وفّقنا هللا واايمك ملا حيب ويرىض.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
72
الفائدة الرابعة والعشرين:
من اللفتة املهمة يف سورة الفاحتة اليت ندعو هبا هللا يف لك مرة أن الآية تقول:
وب عَلَهيْ ِ ْم َو َال الضذ ا ِل ّ َني} الرص َاط الْ ُم ْس تَ ِق َيَ ِ ،
ص َاط ذ ِاذل َين َأنْ َع ْم َت عَلَهيْ ِ ْم غَ ْ ِري الْ َمغْضُ ِ {ا ْه ِدانَ ِ ّ َ
[الفاحتة ]7-6 :ومل تقل "اهدان صاط اذلين أنعمت علهيم ".مع أن ذكل فيه اختصار
وَتنب للتكرار .ولكن يف ذكر الرصاط املس تقي أمهية كربى ال ميكن َتاوزها .ويه أن
املقصود الول هو سلوك طريق الاس تقامة ،بغض النظر ُعن يسلكها .فسلوك طريق
الاس تقامة مطلوب وان مل يكن هناك أحد! فاالنسان مسؤول عن نفسه ،والعهد اذلي
بينه وبني ربه ال عالقة هل بغريه ،واحلساب يوم القيامة يكون فرداي ،قال تعاىلَ { :و ُلكهه ُْم أ آ ِتي ِه
ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة فَ ْردًا} [مرمي]95 :
وهناك اشاكلية عويصة زلت فهيا أقدام كثري من الناس ،اذ حيسب بعض الناس
أن معرفة الطريق مرتبطة ابلرجال اذلين سلكوها .فهذا خطأ جس ي ،فان البرش يتغريون،
قد يبدو للناس صالح بعض الشخاص فظنوا أن اتباعهم يف لك مواقفهم وأقواهلم هو
الضامن لصحة الطريق.
وهللا قد حرم العصمة عن غري النبياء ،فالبرش همام اكن يصيب وخيطئ ،فليست
العمدة يه خشصيات معينة ،بل العمدة يه املبادئ والقي .والصواب هو الصواب بغض
النظر ُعن يقوم به ،واخلطأ هو اخلطأ حىت لو فعهل مرموق يشار اليه ابلبنان.
73
ذلكل اكنت القاعدة اذلهبية اليت علمنا اايها أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب
ريض هللا ،اذ قال" :ان احلق ال يعرف ابلرجال ،اعرف احلق تعرف أههل".
ولهذه اللكمة الغالية قصة مشهورة ،ملا وقع اخلالف بني الصحابة أايم خالفة عيل
بن أيب طالب ،ذهب رجل اليه وسأهل :أ ّ
تظن أ ّن طلحة و ّالزبري اكان عىل ابطل!؟
فقال ريض هللا عنه :انك مللبوس عليك ،ان احلق والباطل ال يعرفان بأقدار
الرجال ،اعرف احلق تعرف أههل ،واعرف الباطل تعرف أههل.
وهكذا ،فان ربط اخلطا والصواب واحلق والباطل بأشخاص حمددة ،يضيع
االنسان ،وحيجب عقهل ،ويذهب لبه ،ويرصفه عن معرفة الطريق املس تقي ،فان الطريق
ال يتبع االنسان ،بل االنسان هو اذلي يب أن يلزتم به ويتبعه.
ذلكل قال عبد هللا بن مسعود ريض هللا عنه –كام يف املعجم الكبري للطرباين
وحلية الولياءَ " :ال يُقَ ِ ّ َدل ذن َأ َحدُ ُ ْمك ِدينَ ُه َر ُج ًال ،فَا ْن أ آ َم َن أ آ َم َنَ ،وا ْن َك َف َر َك َف َر ،فَا ْن ُك ْن ُ ْمت َال بُ ذد
ِ ِ ْ ِ
ُم ْقتَ ِد َين فَا ْقتَدُ وا ِابلْ َميّ ِِت؛ فَا ذن الْ َح ذي َال يُ ْؤ َم ُن عَلَ ْيه ا ْتنَة".
َ ِ
ف ل ِ
ِ
معرض للتغريات ،وقد يعرتيه ضعف فيخطئ ويسقط ،وقد أخرب النيب فاالنسان ذ
صىل هللا عليه وسمل ،أن االنسان قد تكون بدايته عىل خري وصالح ظاهر ،ولكن قد
يرى قدر هللا عليه أن خيمت حياته بسوء ،والعياذ ابهلل ،قال عليه الصالة والسالمَ " :وا ذن
ُ ب هنَ ذ ِ ٌ فَيس علَ ِ ِ ِ
اب، ذالر ُج َل ل َ َي ْع َم ُل ِب َع َم ِل َأه ِْل اجلَنذ ِةَ ،ح ذىت َما يَك ُ
ون َ ْينَ ُه َوب َ ْي َا اال ذ َراع ْ َ ،ب ُِق َ ْيه الكتَ ُ
ِ
فَ َي ْع َم ُل ِب َع َم ِل َأه ِْل النذ ِار ،فَ َيدْ ُخ ُل النذا َر[ ".متفق عليه] نعوذ ابهلل من سوء اخلامتة.
اللهم اقتح بصائران للحق وثبت أقدامنا عليه ،اللهم أران احلق حقا وارزقنا اتباعه،
وأران الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه.
74
مكة املكرمة 24 ،رمضان 1439هـ
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
75
الفائدة اخلامسة والعشرين:
ان الناس يتفاوتون يف قدرهتم عىل المتيزي واملعرفة ،ومن مثة قدرهتم عىل
االحساس ابخلطا والتقصري ،وحساسيهتم َتاه الاَنراف واعوجاج الطريق .فأفضل الناس
من اكن عندمه رسعة الانتباه من وجود خلل أو خطا أو ملة من الش يطان ،قال تعاىل:
ون} [العراف: الش ْي َط ِان ت ََذكذ ُروا ،فَا َذا ُمه هم ْب ِ ُ
رص َ {ا ذن ذ ِاذل َين اتذقَ ْوا ا َذا َم ذسه ُْم َطائِ ٌف ِّم َن ذ
ِ ِ ِ
]201
فأهل التقوى ُر ِزقوا البصرية احلادة لْنم اجهتدوا وحرصوا عىل تطهري قلوهبم
وتصحيح أعامهلم بشلك دامئ ،فهم عىل اس تعداد مس متر للتصحيح ،وعىل يقظة دامئة من
وساوس الش يطان وكيده .ذلكل منحهم هللا فرقاان يبرص به احلق ويعرف به عور الباطل
اّلِل َ ْي َعل ل ذ ُ ُْك فُ ْرقَاانً } [النفال]29 :
وزيفهَ { ،اي َأُّيه َا ذ ِاذل َين أ آ َمنُوا ان تَتذ ُقوا ذ َ
ِ
وبلغ من حساس ية املتقني أْنم خيافون ومه حمس نون غري مس يئني ،قال تعاىل:
ون} [املؤمنون ]60 :قال ابن كثري { َو ذ ِاذل َين يُ ْؤت َ
ُون َما أآتَوا ذوقُلُوهبُ ُ ْم َو ِج َ ٌةل َأْنذ ُ ْم ا َ هىل َر ِ ّ ِهب ْم َر ِاج ُع َ
ِ
يف تفسري هذه الآية :أي :يعطون العطاء ومه خائفون أال يتقبل مهنم ،خلوفهم أن يكونوا
قد قرصوا يف القيام برشوط االعطاء .وهذا من ابب االشفاق والاحتياط.
روى الرتمذي وابن ماجه وأمحد أن أم املؤمنني عائشة ريض هللا عهنا سألت
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عن هذه الآيةَ { :و ذ ِاذل َين يُ ْؤت َ
ُون َما أآت َْوا َوقُلُوهبُ ُ ْم َو ِج َ ٌةل }
الص ِّد ِيقَ ،ولَ ِكهنذ ُ ْم ذ ِاذل َينون؟ قَا َلَ :ال َاي ِبنْ َت ّ ِ ون الْ َخ ْم َر َوي ْ ِ
َرسقُ َ قَالَ ْتَ :أ ُ ْمه ذ ِاذل َين ي ْ َ
َرشبُ َ
76
ون َأ ْن َال يُ ْق َب َل ِمهنْ ُ ْمُ ،أولَ ِئ َك ذ ِاذل َين ي َُس ِارع َ
ُون ِيف ونَ ،و ُ ْمه َ َخيافُ َ ون َويُ َصل ه َ
ون َويَتَ َص ذدقُ َ ي َ ُصو ُم َ
الْخ ْ ََري ِات.
فهكذا عباد هللا الصاحلون اذلين عندمه حساس ية عالية من أي تقصري
واعوجاج.
ويف املقابل أانس عندمه بالدة احساس وبالهة فكر ،فيقعون يف الكبائر وال
حيسون ابخلطر ،ويتبعون شهواهتم وال يشعرون ابملشلكة .روى البخاري عن ابن مسعود
ريض هللا عنه قال" :ا ذن امل ُ ْؤ ِم َن يَ َرى ُذنُوب َ ُه َ َكن ذ ُه قَا ِع ٌد َ ْحت َت َجبَ ٍل َ َخي ُاف َأ ْن يَقَ َع عَلَ ْي ِهَ ،وا ذن
ِ ِ
ال َف ِاج َر يَ َرى ُذنُوب َ ُه َك ُذ َاب ٍب َم ذر عَ َىل َأنْ ِف ِه".
اذا اسو ّدت القلوب فهيي ال ترى الفرق بني احلق والباطل ،وال ميزيون بني
املعروف واملنكر ،واذا اش تد اسوداد القلوب أكرث فهيي تدافع عن الباطل وتكره احلق،
{ب َ ْل َج َاء ُمه ِابلْ َح ّ ِق َو َأ ْك َ ُرث ُ ْمه ِللْ َح ّ ِق َاك ِره َ
ُون} [املؤمنون]70 :
واذا فسدت القلوب أكرث فهيي تأمر ابملنكر وتهنيى عن املعروف ،والعياذ ابهلل،
ون ِابلْ ُمن َك ِر ون َوالْ ُمنَا ِفقَ ُ
ات ب َ ْعضُ هُم ِّمن ب َ ْع ٍض ۚ يَأْ ُم ُر َ قال تعاىل عن شأن املنافقني { :الْ ُمنَا ِف ُق َ
وف} [التوبة]67 : َويَهنْ َ ْو َن َع ِن الْ َم ْع ُر ِ
حتسس من نفسه دامئا وعىل خوف دامئ من التقصري ،واخملذول فاملوفق هو من ّ
هو من أتبع نفسه هواها ومتىن عىل هللا الماين.
اللهم نور بصائران ،وطهر قلوبنا ،وسدد أعاملنا ،وجنبنا الفنت ما ظهر مهنا وما
بطن...
77
مكة املكرمة 25 ،رمضان 1439هـ
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
78
الفائدة السادسة والعشرين:
مقاةل تداولهتا اللسن وتناقلها الناس كْنا مسلمة ال ش ية فهيا :أن لك ممنوع
مرغوب .فهل يه قاعدة عامة ال غبار علهيا وال اس تثناء؟ أم يه جزء من ثقافة املساطب
اليت تلقفها الناس بال تفكري وال روية؟
واحلقيقة أن االنسان اذلي يرغب يف لك ممنوع ،انسان غري سوي ،حيمل يف
نفسه عقدة الكبت ،ال يد راحته اال يف انهتاك الس تار وَتاوز احلدود .فهذه طبيعة
خطرية عىل صاحهبا ،ويه طبيعة سيئة ذكرها القرأآن ،قال تعاىل عىل لسان يوسف عليه
السالم{ :ا ذن النذ ْف َس َ َل ذم َار ٌة ِاب هلسو ِء ،ا ذال َما َر ِح َم َر ِ ّيب} [يوسف]53 :
ِ ِ
ذكر القرأآن حقيقة نفس ية لكثري من البرش ،يه أن النفس البرشية لها ميل شديد
اىل السوء ،ومن مضن امليل اىل السوء يه الرغبة يف تناول املمنوعات .ولكن هللا اس تثىن
فقال" :اال ما رمح ريب" فاملؤمن اذلي تداركته رمحة هللا ال يد راحته ورغبته يف
املمنوعات ،بل رغبة املؤمن دامئا يف املأمورات واملندوابت اليت فهيا رىض هللا وطمئنينة
النفس ،فهو صاحب نفس سوية مطمئنة ،وهو يف ِسمل مع ربه وانسجام مع نفسه .يه
النفس املطمئنة اليت َتد سعادهتا يف طاعة رهبا ،ويلقى الفرح والرسور والهبجة مع أعامل
الرب وامتثال الوامر واجتناب النوايه.
والنفس البرشية غري املهذبة تبحث عن الَّلة والنشوة والراحة يف المور اليت
َتهلها وَتهل حقيقهتا وعواقهبا ،اما بدافع الفضول ،وهذا أخف ،أو بدافع التحدي
والاعرتاض وهذا أتعس.
79
وقد اكن أبوان أآدم عليه السالم أخطأ يف ارتاكب املمنوع ،ومسع الكم ابليس
احص َني} [العراف ]21 :ولكنه اكتشف خطر هذه اذلي قال هل{ :ا ِ ّين لَ ُمكَا لَ ِم َن النذ ِ ِ
ِ
املغامرة واجملازفة ،فتاب اىل هللا توبة نصوحا .وتلقى درسا همام هل ولبنائه :أن ما منعه هللا
منه ليس هل أي مصلحة فيه ،بل هو رضر عليه .فمل مينعه هللا من خري يس تحقه قط،
فَث املرضة. حفيث ما ْنيى هللا َ ّ
مفن أخذ هذا ادلرس من أبناء أآدم جنا ،ومن مل ينفعه ادلرس فهو من نصيب
ابليس ،قال هللا البليسَ َ { :ل ْم َ َل ذن َ َهجمنذ َ ِمنْ َك َو ِم ذم ْن تَ ِب َع َك ِمهنْ ُ ْم َأ ْ َمج ِع َني} [ص]85 :
عياذا ابهلل!
هكذا أراد هللا أن ُّي ّذب االنسان طبيعته ،ويوجه رغباته ،ويرشد طريقه ،مفن
اّلِل ِل ُي َب ِ ّ َني لَ ُ ُْك َوُّيَ ْ ِديَ ُ ُْك ُس َ َنن
اس تقام فقد اهتدى ،ومن أىب فقد اختار شقاوته{ ،يُ ِريدُ ذ ُ
وب عَلَ ْي ُ ُْك َويُ ِريدُ اّلِل يُ ِريدُ َأ ْن ي َ ُت َ ذ ِاذل َين ِم ْن قَ ْب ِل ُ ُْك َوي َ ُت َ
وب عَلَ ْي ُ ُْك َو ذ ُ
اّلِل عَ ِل ٌي َح ِك ٌي (َ )26و ذ ُ
الشه ََو ِات َأ ْن تَ ِميلُوا َم ْي ًال َع ِظميًا} [النساء]27-26 : ون ذ ذ ِاذل َين يَت ذ ِب ُع َ
اللهم أهلمنا رشدان ،وقنا َش أنفس نا ،واهدان س بل السالم ،اللهم اان نسأكل
رضاك واجلنة ،ونعوذ بك من خسطك والنار...
مكة املكرمة 26 ،رمضان 1439هـ
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
80
الفائدة السابعة والعشرين:
قد ينظر االنسان اىل نفسه فيظن صالهحا فيعحب هبا ،أو يظن صالح غريه
فميدحه .وهذه من المور ادلقيقة اليت تزل هبا القدام وتضل فهيا الفهام.
ان صالح االنسان فامي بينه وبني هللا ال يعلمه أحد اال هللا ،ومنازل الناس عند
رهبم رس من أرسار هللا .ذلكل ْنيى هللا أن ميدح االنسان نفسه فريفعها ويزكهيا ،قال
تعاىل{ :فَ َال تُ َزكهوا َأنْ ُف َس ُ ُْك ه َُو َأ ْع َ ُمل ِب َم ِن اتذقَى} [النجم]32 :
قال ابن كثري :أي :متدحوها وتشكروها ومتنوا بأعاملُك .وقال القرطيب :أي ال
متدحوها وال تثُنوا علهيا ،فانه أبعد من الرايء وأقرب اىل اخلشوع .
وهذه اكنت عادة الهيود وأهل الكتاب قبلنا ،أْنم ميدحون أنفسهم ،فيقولون:
{ َ َْن ُن َأبْنَا ُء هللا َو َأ ِحبذا ُؤ ُه} .ويقولون{ :لن متس نا النار اال أايما معدودة} .ويقولون{ :لَن
يَدْ ُخ َل اجلنة االذ َمن َاك َن هُود ًا َأ ْو نصارى}
ِ
اّلِل يُ َز ِ ّيك فأنزل هللا يف شأْنم قوهل تعاىلَ { :ألَ ْم تَ َر ا َىل ذ ِاذل َين يُ َزكه َ
ون َأنْ ُف َسه ُْم ،ب َ ِل ذ ُ
ِ
ون فَ ِت ًيال} [النساء]49 : َم ْن يَشَ ا ُءَ ،و َال ي ُ ْظلَ ُم َ
وقد ْنيى النيب صىل هللا عليه وسمل عن التسمية اليت فهيا معىن تزكية النفس.
ففي حصيح مسمل عن محمد بن ُعرو بن عطاء قال ّ :مسيت ابنيت بَ ّرةَ؛ فقالت َل زينب
بنت أيب سلمة :ان رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ْنيى عن هذا الامس ،و ّمسيت بَ ّرة؛
81
فقال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل « :ال تُزكّوا أنفسُك ،هللا أعمل بأهل ِالرب منُك»
فقالوا َِ ِ :ب نسمهيا؟ فقال ّ « :مسوها زينب»
فدل الكتاب والس نة عىل املنع من تزكية االنسان َ
نفسه.
وْنيى النيب صىل هللا عليه وسمل أيضا عن املدح اذلي فيه معىن الزتكية وما قد
يؤدي اىل غرور صاحبه .ف َع ْن َع ْب ِد ذالر ْ َمح ِن ْب ِن َأ ِيب بَ ْك َرةََ ،ع ْن َأبِي ِه ،قَا َلَ :مدَ َح َر ُج ٌل
هللا عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل ،قَا َل :فَقَا َلَ « :و ْ َحي َك قَ َط ْع َت ُع ُن َق َصا ِحب َِك، َر ُج ًالِ ،ع ْندَ النذ ِ ِ ّيب َص ذىل ُ
قَ َط ْع َت ُع ُن َق َصا ِحب َِك» ِم َر ًارا " ا َذا َاك َن َأ َحدُ ُ ْمك َما ِد ًحا َصا ِح َب ُه َال َم َح َ َاةل ،فَلْ َي ُق ْلَ :أ ْح ِس ُب
ِ
هللا أَ َحدً ا أ َْح ِس ُبهُ ،ا ْن َاك َن ي َ ْع َ ُمل َذاكَ َ ،ك َذا َو َك َذا". فُ َالانً َ ،و ُ
هللا َح ِسي ُبهَُ ،و َال ُأ َز ِ ّيك عَ َىل ِ
ِ
[رواه البخاري وسمل]
ويف حصيح مسمل َع ْن َأ ِيب َم ْع َم ٍر ،قَا َل :قَا َم َر ُج ٌل يُث ْ ِن عَ َىل َأ ِم ٍري ِم َن ْ ُال َم َرا ِء،
هللا عَلَ ْي ِه َو َس ذ َملَ ،أ ْن
هللا َص ذىل ُ ول ِ فَ َج َع َل الْ ِم ْقدَ ا ُد َ ْحي ِِث عَلَ ْي ِه ال ه َرت َابَ ،وقَا َلَ « :أ َم َرانَ َر ُس ُ
َ َْن ِ َِث ِيف ُو ُجو ِه الْ َمدذا ِح َني ه َ
الرت َاب»
ذلكل قال ابن عباس " :ما من أحد من هذه الآمة أزكّيه غري رسول هللا صىل
هللا عليه وسمل ".لن هللا قد زاكه من فوق س بع ساموات ،أما غريه من البرش فال نعمل ما
هو صائر اليه وما هو اكئن بينه وبني ربه.
قال القرطيب رمحه هللاْ :نيى صىل هللا عليه وسمل أن يُف ِر َط يف مدح الرجل مبا
ليس فيه ،فيدخهل يف ذكل االْعاب وال ِك ْرب ،ويظن أنه يف احلقيقة بتكل املزنةل فيحمهل
ذكل عىل تضييع العمل وترك الازدايد من الفضل.
ويس تثىن من ذكل -مدح الرجل مبا فيه من الفعل احل ََسن والمر احملمود ليكون
منه ترغيب ًا هل يف أمثاهل وحتريض ًا للناس عىل الاقتداء به يف أش باهه ،وان اكن قد صار
82
مادح ًا مبا تلكم به من مجيل القول فيه .وهذا راجع اىل النيات "وهللا يعمل ِ
املفسد من
املص ِلح" وقد ُم ِدح صىل هللا عليه وسمل يف الشعر واخلطب واخملاطبة ومل َ ْحي ُث يف وجوه
املدّ احني الرتاب ،وال أمر بذكل .وأما قوهل صىل هللا عليه وسمل يف الصحيح" :ال ت ُ
ُطروين
طرت النصارى عيىس ابن مرمي وقولوا" :عبد هللا ورسوهل ".مفعناه ال تصفوين مبا كام أ ِ
ليس ّيف من الصفات تلمتسون بذكل َمدْ ِيح ،كام وصفت النصارى عيىس مبا مل يكن فيه،
فنس بوه اىل أنه ابن هللا فكفروا بذكل وضلّوا .وهذا يقتيض أن من رفع امرا فوق حده
وَتاوز مقداره مبا ليس فيه مف ْعتَد أآمث؛ لن ذكل لو جاز يف أحد لاكن أوىل اخللق بذكل
رسول هللا صىل هللا عليه وسمل.
أللهم أآت نفوس نا تقواها ،وز ِكّها أنت خري من زاكها ،أنت ولهيا وموالها...
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
83
الفائدة الثامنة والعشرين:
ان الصوم حدث عاملي هادئ ،أن يصوم مليار وس امتئة مليون من البرش يف هذه
الكرة الرضية يف وقت واحد وكيفية موحدة فليس منظرا عابرا ميكن َتاههل .فان وراء
الصوم قوة قميية حترك ذكل العدد الهائل من الناس .وهذه القوة ال تمتثل يف سلطة
حكومية وال مصلحة اقتصادية وال أوامر عسكرية ،بل يه قوة ادلين والتدين .يه أوامر
هللا اليت أآمن هبا ُخس ساكن الرض.
لقد شهد العامل حتوالت كبرية يف موازين القوى العاملية اليت تتصارع يف الس يطرة
عىل هذه املعمورة ،قبل ثالثة عقود اكن العامل تتقامسه قواتن كبرياتن ،املعسكر الغريب
واملعسكر الرشيق ،فلام اْنار الاحتاد السوفيييت ،تفرد املعسكر الغريب بقيادة الوالايت
املتحدة يف اليسطرة ،فاكن أوىل حروهبم يف البوس نة والهرسك مث أفغانس تان والعراق.
وبعد عقدين من دعوامه احلرب عىل االرهاب ،أصيبوا ابلزمة الاقتصادية ،فتتغري
الس ياسات ،فاس تخدموا احلرب ابلواكةل .وختتلف الوضاع لزتعزع الاحتاد الوريب،
فانفكت بريطانيا عهنم .مث تزعزع أكرث فاكن اخلالف بني الوالايت واملتحدة وبني حلفاهئم
الوربيني يف عالقهتم التجارية .وبرزت الصني ومعها روس يا كقوة مس تقرة مس تعدة
للس باق والس بق.
أين الصوم من هذا املشهد؟ انه بعد أآخر من هذه التحراكت اليت تنبن لكها عىل
املصاحل واملطامع واجلشع والرشه والتاكلب عىل ادلنيا الفانية .جاء الصوم ليحرض اىل العامل
84
معىن هم ًّما أن االنسان أرفع من هذه التجاذابت .جاء الصوم ليحرض املسمل كعنرص نزيه
عن الرغبة القذرة يف الس يطرة عىل الآخر.
اكنت فريضة الصوم أعقهبا انتصار املسلمني يف بدر .ملا اكن الصامئون صامئني
حبق ،فهم أس ياد أنفسهم ،قبل أن يكونوا سادة لغريمه .مل يكن املسلمون اليوم عىل درجة
من الوعي اذلي اكن عليه املسلمون الوائل ،ولكن الايم د َُول .ان سعي ادلعاة والعلامء
يف توعية املسلمني مبعاين الصوم وحقيقته االميانية وُعقه الرويح وَتلياته الخالقية
يقرب املسلمني يوما بعد يوم وس نة بعد س نة اىل تكل املقاصد اليت أراد هللا من هذهس ّ
الشعرية.
ان الوعي املشرتك بروح الصوم وما حتمهل من معاين الصرب واالخالص
والانضباط والوحدة والرمحة والبذل وهتذيب النفوس ،اذا ترشبه مليار من البرش،
س يغري مشهد العامل اىل مشهد أآخر غري اذلي عش ناه اليوم .اذا تساىم ُخس ساكن العامل
عن التنازع يف مصاحل ضيقة ،وتساحموا فامي بيهنم وتعاونوا عىل الرب والتقوى ،فان السالم
العاملي ليس جمرد خطاب س يايس خيدع هبا البلهاء.
اذا حرض الصوم بكتةل مس تقةل منسجمة ،لها مبادهئا وقميها الفريدة ،لشهد العامل
حتراك كبريا َنو املعاَل ،واذا اكن جزء خضم من العامل مل يكن خاضعا لرصاع املصاحل بل
لتحقيق املبادئ والقيّ ،مهه الوحيد هو البذل والعطاء واالحسان ،فهيي قوة أمسى وأقوى
وأمجل تهبر العامل جباملها وثباهتا وهيبهتا.
يه اطالةل َنو مس تقبل رائق ومسار صاعد .ال يصدقها املتشامئون ،وال يتوقعها
الواقعيون املستسلمون .ولكنه وعد هللا وبرشى رسوهل صىل هللا عليه وسملَ :ع ْن ُأ َ ِ ّيب ْب ِن
هللا عَلَ ْي ِه َو َس ذ َمل« :ب َ ِ ّ ْ
رش ُأ ذم ِيت ِاب ذلس نَا ِء ول ذ ِ
اّلِل َص ذىل ُ اّلِل َع ْن ُه قَا َل :قَا َل َر ُس ُ َك ْع ٍب َر ِ َ
يض ذ ُ
85
َو ّ ِالرفْ َع ِة َوالتذ ْم ِكنيِ ِيف الْب َِال ِدَ ،ما لَ ْم ي َ ْطلُ ُبوا ادله نْ َيا ِب َع َم ِل ْالآ ِخ َر ِة ،فَ َم ْن َطلَ َب ادله نْ َيا ِب َع َم ِل
يب» [أخرجه احلامك] ْالآ ِخ َر ِة لَ ْم يَ ُك ْن َ ُهل ِيف ْالآ ِخ َر ِة ِم ْن ن َِص ٍ
اللهم أعز االسالم واملسلمني ،وأذل الكفر والاكفرين ،وانرص دينك وكتابك
وس نة نبيك وعبادك الصاحلني ،اللهم حقق امياننا وقنا َش أنفس نا واهدان س بل السالم...
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
86
الفائدة التاسعة والعشرين:
للك َشء مظهره اخلاريج وجوهره ادلاخيل .كام أن المثرة لها قرش يغطي اجلزء
ادلاخيل مهنا ،ولُ ٌّب ميثل جوهرها وحيوي مادهتا الساس ية وكهنها احلقيقي .وكذكل ادلين
هل مظاهر خارجية حمسوسة وجواهر داخلية اكمنة.
ان الشعائر ادلينية اكلصالة والزاكة والصيام وقراءة القرأآن واحلج والعمرة لكها
مظاهر وشعائر ،واملقصود مهنا لكها اصالح ادلاخل االنساين من اس تقامة العقيدة وحسن
الخالق وطهارة الرسيرة وطيب النوااي.
والاكتفاء بشعائر ظاهرة دون الاعتناء بصالح الباطن نقص كبري يف ادلين،
وفشل يف حتقيق املقاصد .مفا َشعت هذه الشعائر اال من أجل صالح الباطن وتقومي
الص َال َة تَهنْ َيى َع ِن الْ َف ْحشَ ا ِء َوالْ ُم ْن َك ِر}
الص َال َة ا ذن ذ السلوك ،قال تعاىل عن الصالةَ { :و َأ ِق ِم ذ
ِ
ّ ُ َ ً َ ِ
[العنكبوت ]45 :وقال عن الزاكة{ :خ ُْذ ِم ْن َأ ْم َواله ِْم َصدَ قة تُطهّ ُِر ْمه َوتُ َزك ِهي ْم هبِ َا} [التوبة:
ِ
الص َيا ُم َ َمَك ُك ِت َب عَ َىل ذ ِاذل َين ِم ْن ]102وقال يف الصومَ { :ايأَُّيه َا ذ ِاذل َين أ آ َمنُوا ُك ِت َب عَلَ ْي ُ ُُك ّ ِ
ون} [البقرة]183 : قَ ْب ِل ُ ُْك لَ َعل ذ ُ ُْك تَتذ ُق َ
مفن أىت ابلعبادات الظاهرة وأمهل أحواهل الباطنة فقد جاء ابلقرش ورىم ابللب.
ولكن همام اكنت هذه الشعائر الظاهرة قصد مهنا اصالح الباطن ،فال يصح أن
يقال اْنا قشور ميكن التخيل عهنا ،فاْنا أراكن االسالم وثوابته اليت من مل يأت هبا ال
املكون الصيل لهذا ادلين ،من أنكرها وأمهلها فقد هدم ادلين.
يصح اسالم املرء .فهيي ّ
87
وهناك ثنائية القرش واللب من النوع الآخر أخطر ممن جاء ابلشعائر ونيس
اجلواهر ،هناك تديّ ٌن والزتام خادع ،من اكن ظاهره خبالف ابطنه ،قال تعاىل عنهَ { :و ِم َن
النذ ِاس َم ْن يُ ْعجِ ُب َك قَ ْو ُ ُهل ِيف الْ َح َيا ِة ادله نْ َيا َوي ُْشهِدُ ذ َ
اّلِل عَ َىل َما ِيف قَلْ ِب ِه َوه َُو َأ َ هدل الْ ِخ َصا ِم}
[البقرة]204 :
هناك مناذج من البرش أخذوا من ادلين غطاء ومن التدين قناعا ،يطلبون ادلنيا
بعمل الآخرة ،وقد ذكر هللا هذه الامنذج يف بن ارسائيل ،قال تعاىل{ :فَ َخلَ َف ِم ْن ب َ ْع ِد ِ ْمه
ون َع َر َض ه ََذا ْ َالد َْىنَ ،وي َ ُقولُو َنَ :س ُي ْغ َف ُر لَنَاَ .وا ْن يَأْهتِ ِ ْم َع َر ٌض َخلْ ٌف َو ِرثُوا ْال ِكتَ َ
اب يَأْخ ُُذ َ
ِ
ِمث ُ ُْهل يَأْخ ُُذو ُه} [البقرة]169 :
ويف أمة االسالم من حيذون حذو بن ارسائيل حذو القذة ابلقذة ،يقعون يف
املهاكل كام وقعوا.
وأخطر من ذكل أن بعضهم قد أويت من العمل ابلكتاب ما يتكئون عليه،
ويربرون ما مه عليه ،وحيتجون ابلكتاب والس نة لتصحيح أخطاهئم وتربير اَنرافهم ،وهذه
الامنذج من المراض اخلطرية اليت تصيب جسد المة ،ذلكل اكن الرسول عليه الصالة
والسالم حيذر أمته من هؤالء ،ففي مس ند االمام أمحد وحصيح ابن حبان :قال رسول
هللا صىل هللا عليه وسمل « :أخوف ما أخاف عليُك جدال املنافق علي اللسان »
فهؤالء امنا يأخذون من ادلين قشورا يغطون هبا مطامعهم ادلنيوية ،ويتلون أآايت
هللا ما تدفعهم لتحصيل املال أو املنصب ،ويتجاهلون من حمكامت النصوص اليت حترهمم
من شهواهتم وتكبح جامهحم وحتد من رغباهتم وتقوم سلوكهم.
وهؤالء منشأ الش هبات ومه مثريو الفنت والقالقل ،ينخدع هبا أالف مؤلفة من
املسلمني ،يتخذوْنم مرجعا دينيا ،ومه يدلوْنم عىل طرائق منحرفة ومفاهي معوجة .جندمه
88
يكرثون عند الطمع ،ونفقدمه عند الفزع ،ومه دجاجةل صغار ،جنهتم انر وانرمه جنة ،ويف
املس ند عن أيب ذر ريض هللا عنه أن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل قال :غري ادلجال
أخوف عىل أمىت من ادلجال :المئة املضلون.
اللهم قنا َش الفنت ما ظهر مهنا وما بطن ،اللهم اهد قلوبنا ونور بصائران ،اللهم
أران احلق حقا ،وارزقنا اتباعه ،وأران الباطل ابطال وارزقنا اجتنابه ،اللهم اان نعوذ بك من
مهزات الش ياطني ونعوذ بك أن حيرضون.
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
89
الفائدة الثالثون:
قد يمتلكنا احلزن ابنرصام مومس اخلري وانرصاف هبجة هذا الشهر الفضيل،
وتصحبنا ادلموع بفراق أايم الطاعات ،وساعات القيام واملناجاة ،يه مشاعر صادقة
حيسها املؤمن ،لكن احلياة متيض ،والرب الكرمي ال يغيب .اذا انقضت أايم ولياَل رمضان
فان نفحات الرمحن ال تنقيض.
من اس تأنس بقيام الليل يف رمضان ،فان هللا يزنل لك ليةل يف الثلث الخري
يب َ ُهل َم ْن ي َْسأَلُ ِن فَأُع ِْط َيهَُ ،م ْن ي َْس تَ ْغ ِف ُر ِين فَأَ ْغ ِف َر َ ُهل".
يقولَ " :م ْن يَدْ ع ُِوين ،فَأ َْس تَجِ َ
[متفق عليه]
من سعد بفرحة الصيام ،فان أمامنا صيام ست من شوال وأايم البيض واالثنني
وامخليس والبواب مفتوحة.
من ابهتج بَّلة القرأآن ،فان أنواره ال تنطفي ،وعطاءه ال ينقطع ،مفن أراد أن
يغرف السعادة غرفا ،فليغرف من هذا الكتاب يف أي وقت شاء.
من أحس بربكة املساجد واجامتع املسلمني ،فان أبواهبا مفتوحة ،ودعوات هللا
حلضور الصلوات مس مترة.
نعم ،مل يكن شهر كشهر رمضان ،يف أجوائه وخرياته ،و هتزنل املالئكة والروح
فيه .ولكن هللا رحي ودود يف لك الشهور .واملؤمن يتنقل من سعادة اىل سعادة ،من
90
سعادة الصوم اىل سعادة الفطر ،ولكه يف طاعة هللا .من فرح رمضان اىل فرح العيد ولكه
اّلِل َو ِب َر ْ َمح ِت ِه فَب َِذ ِ َكل فَلْ َي ْف َر ُحوا ه َُو خ ْ ٌَري ِم ذما
خري ُعي وفضل جس ي .قال تعاىل{ :قُ ْل ِبفَضْ ِل ذ ِ
َ ْي َم ُع َ
ون} [يونس]58 :
نعم ان املؤمن يف خري دامئ ،ما دام يف طاعة ربه ،وال أسعد يف هذه ادلنيا من
هذا املؤمن ،فان جنته يف قلبه ،ان أصابته الرساء شكر فاكن خريا هل ،وان أصابته
الرضاء صرب فاكن خريا هل.
فيا رب كل امحلد عىل نعمة االميان ،كل امحلد حىت ترىض ،وكل امحلد اذا
رضيت ،وكل امحلد بعد الرىض ،اللهم اجعلنا كل ذاكرين ،كل شاكرين ،اليك منينبني،
كل امحلد ال َنيص ثناء عليك أنت كام أثنيت عىل نفسك...
#سلسةل_فوائد_رمضانية_1439هـ
91
الفهرس
92
الغرور ينايف الشكر 58 ...............................................................
من يضل بكتاب هللا؟ 61 .............................................................
اخلطأ حط أم حظ؟ 65 ...............................................................
املطلوب هو االقتداء وليس "التشبيه" 67 .............................................
ماذا ينبغي أن يكسبه املعتكفون؟ 70 .................................................
معرفة احلق قبل معرفة الرجال 73 ....................................................
درجات الناس يف احلساسية من األخطاء 76 ..........................................
هل كل ممنوع مرغوب؟ 79 ...........................................................
"فال تزكوا أنفسهم" 81 ...............................................................
الصوم والتحوالت العاملية84 .........................................................
ثنائية القشر واللب 87 ...............................................................
انقضت أايم رمضان ومل تنقض نفحات الرمحن 90 .....................................
93