الُبَك اء من خشية هللا ( فضل البكاء من خشية هللا -السبب في جفاف العين عن البكاء – السبل الميسرة للبكاء من خشية هللا – من أحوال البّك ائين)
بسم هللا الرحمن الرحيم
مقدمة الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ،وبعد.. فإن الطاعة توجب القرب من هللا سبحانه وتعالى.. وكلما ازداد القرب من هللا قوي األنس به.. والعكس صحيح ..فالمعصية توجب البعد عن هللا سبحانه وتعالى.. وكلما ازداد البعد عن هللا قويت الوحشة.. هذه الكلمات هي مجمل اإلجابة على أسئلة الكثيرين: لماذا نشعر بقسوة ووحشة في قلوبنا؟ لماذا نشعر أننا بعيدين عن هللا؟ لماذا ال نستشعر حالوة اإليمان؟ لماذا جفت أعيننا عن البكاء من خشية هللا؟ لماذا تمر علينا العبر والعظات وعيوننا جامدة كأننا جمادات وأحجار؟ هذه الكلمات هي مجمل اإلجابة.. واإلجمال يحتاج إلى تفصيل.. فنقف معًا على عجالة في هذه الرسالة على تفصيٍل حول عبادة من أجِّل العبادات.. عبادة ُحرم منها الكثيرون ..وغفل عنها الكثيرون إال من رحم هللا.. عبادة ..لو علم الخلق فضلها لما كان حالهم كما ترى.. إنها عبادة البكاء من خشية هللا ..وما أعظمها من عبادة! نقف وقفات مع هذه العبادة العظيمة.. وقفة ..نعلم فيها فضل البكاء من خشية هللا وثمراته.. ووقفة أخرى ..نعلم فيها السبب في جفاف أعيننا عن البكاء من خشية هللا.. ووقفة ثالثة هي ُلُّب الموضوع ..نعلم فيها السبل الميسرة للبكاء من خشية هللا.. ثم وقفتنا األخيرة ..نتأمل فيها أحوال البَّك ائين وعلى رأسهم سيد المرسلين محمد ..لعلنا نقتدي بهم ونتأسى بهديهم.. هذا ..ونسأل هللا أن يجعلنا من الطائعين ،وأال يحرمنا لذة الطاعة ،وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ،وأال يجعلنا ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ..نعوذ باهلل من الخذالن. ربيع اآلخر 1425هـ /يونيه 2004م
الوقفة األولى :فضل البكاء من خشية هللا وثمراته
.1الباكون من خشية هللا يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله :قال رسول هللا ( :سبعة يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله ،)..وذكر منهم( :ورجل ذكر هللا خاليًا ففاضت عيناه). فيوم يشتد الكرب على الخلق ،وتدنو الشمس من الرءوس ،ويغرق الناس في عرقهم ،يكون الباكون من خشية هللا ضمن سبعة يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله. .2الباكون من خشية هللا ال يدخلون النار ،بل وال تمسهم :قال رسول هللا( :ال يلج النار رجل بكى من خشية هللا حتى يعود اللبن في الّضْر ع). فكما أن رجوع اللبن في الضرع بعد حلبه أمر يستحيل وقوعه فكذلك دخول الباكين من خشية هللا النار أمر يستحيل وقوعه. وقال رسول هللا( :عينان ال تمسهما النار ،)..وذكر منهما( :عين بكت من خشية هللا). .3الباكون من خشية هللا يفوزون بحب هللا تعالى لهم :قال رسول هللا ( :ليس شيء أحب إلى هللا تعالى من قطرتين وأثرين ،)..وذكر من القطرتين( :قطرة دموع من خشية هللا تعالى). فاللهم ارزقنا حبك وال تحرمنا فنكون من الخاسرين. .4الباكون من خشية هللا يفوزون بشجرة طوبى في الجنة :قال رسول هللا( :طوبى لمن ملك لسانه ،ووسعه بيته ،وبكى على خطيئته). وقد وصف النبي شجرة طوبى فقال( :طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ،ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها). .5الباكون من خشية هللا يفوزون بكونهم طائعين للنبي في أمره بالبكاء :سأل أحد الصحابة رسول هللا فقال :يا رسول هللا ما النجاة؟ ،قال( :أملك عليك لسانك ،وليسعك بيتك ،وابك على خطيئتك). فمن امتثل هذا األمر فاز بشرف طاعة النبي. .6الباكون من خشية هللا يحظون باالقتداء بالنبي وصحبه :وأنعم به من شرف فقد كان من هدي النبي والصحابة من بعده البكاء من خشية هللا كما سنعلم في الوقفة الرابعة بإذن هللا تعالى. .7الباكون من خشية هللا يحظون باالقتداء باألنبياء الذين أنعم هللا عليهم :قال تعالىُ :أْو َلِئَك اَّلِذ يَن َأْنَع َم ُهَّللا َع َلْيِهم ِّم َن الَّنِبِّييَن ِم ن ُذ ِّرَّيِة آَد َم َو ِمَّم ْن َح َم ْلَنا َم َع ُنوٍح َو ِم ن ُذ ِّرَّيِة ِإْبَر اِهيَم َو ِإْس َر اِئيَل َو ِمَّم ْن َهَدْيَنا َو اْج َتَبْيَنا ِإَذ ا ُتْتَلى َع َلْيِهْم آَياُت الَّرْح َم ن َخُّر وا ُسَّجًدا َو ُبِكًّيا)58([ سورة مريم]. ُتتَلى عليهم آيات هللا ،فَتلقى اآليات قلوَب أفضل البشر.. تخر القلوب ساجدة.. ثم تهوى األبدان.. تالمس الهامات الثرى.. و ..تسيل دموع الشوق والمحبة واإلجالل ..ودموع الخوف والخشية.. فاللهم اهِد َنا الِّص َر اَط الُم سَتِقيَم ِ ،ص َر اَط اَّلِذ يَن َأنَع مَت َع َليِهْم َغيِر الَم غُضوِب َع َليِهْم َو َال الَّض اِّليَن )6، 7([ سورة الفاتحة]. .8الباكون من خشية هللا يزيدهم هللا إيمانًا :فمعتقد أهل السنة والجماعة أن اإليمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ،والبكاء من خشية هللا من أشرف الطاعات وأحبها إلى هللا ولها أثرها البين في زيادة اإليمان. .9الباكون من خشية هللا يرزقهم هللا من حيث ال يحتسبون ويجعل لهم المخرج من كل ضيق: قال تعالىَ :و َم ن َيَّتِق َهَّللا َيْج َع ل َّلُه َم ْخ َر ًجاَ ،و َيْر ُز ْقُه ِم ْن َح ْيُث اَل َيْح َتِس ُب [( )2-3سورة الطالق]. .10الباكون من خشية هللا يجعل هللا لهم من أمرهم يسرًا :قال تعالىَ :و َم ن َيَّتِق َهَّللا َيْج َع ل َّلُه ِم ْن َأْم ِر ِه ُيْسًرا )4([ سورة الطالق]. .11الباكون من خشية هللا يتذكرون بكاءهم في الدنيا وخوفهم من ربهم بعد دخولهم الجنة: فما أعظمها من لذة وما أجمله من موقف ذلك الذي حكاه هللا عنهم ،قال تعالىَ :و َأْقَبَل َبْعُضُهْم َع َلى َبْع ٍض َيَتَس اءُلوَن َ ،قاُلوا ِإَّنا ُكَّنا َقْبُل ِفي َأْهِلَنا ُم ْش ِفِقيَن َ ،فَم َّن ُهَّللا َع َلْيَنا َوَو َقاَنا َع َذ اَب الَّس ُم وِم ِ ،إَّنا ُكَّنا ِم ن َقْبُل َنْدُع وُه ِإَّنُه ُهَو اْلَبُّر الَّر ِح يُم [( )25-28سورة الطور]. الوقفة الثانية :السبب في جفاف العين عن البكاء بعد أن وقفنا على فضل البكاء من خشية هللا ،لماذا نجد أن عيوننا ما زالت جامدة وكأن الموعظة لم تؤثر فيها إال من رحم هللا؟ إنه الداء العضال عباد هللا ..الداء الذي يستحق المصاب به أن يعاقبه هللا في الدنيا واآلخرة.. إنه داء المعصية.. فالمعصية حائل بين العين وبين البكاء ،فمن آثار المعاصي والذنوب: .1الوحشة التي يجدها العاصي في قلبه..يجد وحشة بينه وبين هللا ..وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة.. وهللا إنها لوحشة لو اجتمعت لها لذات الدنيا بأسرها ما حَّركت منها شيئًا.. نسأل هللا العافية.. .2الظلمة التي يجدها العاصي في قلبه.. وهذه الظلمة ليست مجازًا أو تشبيهًا.. إنها ظلمة حقيقية يحس بها العاصي كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم.. فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة.. وتقوى هذه الظلمة في القلب حتى تظهر على العين.. فإذا ظهرت على العين جف الدمع ،وقست العين.. ثم تقوى هذه الظلمة حتى تعلو الوجه وتصير سوادًا يراه الناس.. فما أقبح المعاصي وأدنسها! قال ابن عباس ( :إن للحسنة ضياًء في الوجه ،ونورًا في القلب ،وسعة في الرزق ،وقوة في البدن ،ومحبة في قلوب الخلق ،وإن للسيئة سوادًا في الوجه ،وظلمة في القلب ،ووهنًا في البدن ،ونقصًا في الرزق ،وبغضة في قلوب الخلق). .3توهن القلب وتمرضه.. فيصير القلب مريضًا ضعيفًا.. ولكن المعصية ال تتوقف ..توهن القلب أكثر وأكثر ،وتمرضه أكثر وأكثر حتى.. حتى يموت القلب.. فيصبح القلب ميتًا أسوَد مرباّد ًا ..نعوذ باهلل من ذلك. .4تطبع على قلب صاحبها حتى يصير من الغافلين ،فقد قال تعالىَ :ك اَّل َبْل َر اَن َع َلى ُقُلوِبِهم َّم ا َك اُنوا َيْك ِس ُبوَن )14([ سورة المطففين]. فالقلب يصدأ من المعصية كما يصدأ الحديد.. فإذا زادت المعصية غلب الصدأ.. ًا ويزيد الصدأ ويزيد حتى يصير ران .. ثم يغلب حتى يصير قفًال على القلب.. قال تعالىَ :أْم َع َلى ُقُلوٍب َأْقَفاُلَها )24([ سورة محمد].. فيصير القلب في غشاوة ،فيتواله الشيطان ويسوقه حيث أراد.. وللمعاصي آثار أخرى في الدنيا واآلخرة ينبغي لطالب النجاة أن يقف عليها ويتأملها حتى يكون على حذر ،ومن أفضل ما كتب في ذلك كتاب [الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي] لإلمام ابن القيم ،و[تحذير الداني والقاصي من آثار الذنوب والمعاصي] للشيخ أحمد فريد حفظه هللا ،فمن أراد االستزادة فليراجعهما. الوقفة الثالثة: السبل الميسرة للبكاء من خشية هللا ما أشد قسوة قلوبنا.. ما أضعفنا في طريق السالكين إال من رحم هللا.. لقد كان السلف يبكون من خشية هللا ،وتفيض أعينهم من الدمع ،شوقًا له وحبًا دون أن يحصوا األسباب الميسرة للبكاء من خشية هللا ،أو يرقموها ،ويحفظوها.. كانت أنهار الدموع المخلصة ال تتوقف من مآقيهم.. استشعروا حالوة اإليمان ،وذاقوها ،واستمتعوا بالبكاء من خشية هللا دون أن يحصوا سبله، ولكنهم طهرت قلوبهم فتفضل المنان عليهم وفتح عليهم من أبواب بركته وفضله ،نسال هللا أن يفتح علينا.. استمع إلى أحد السلف وهو يقول( :مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا لذيذ العيش فيها وما ذاقوا أطيب ما فيها) يقصد حالوة اإليمان.. واستمع إلى آخر وهو يقول( :لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف).. ولكن حال المرضى أمثالنا –إال من رحم هللا -أن يبحثوا عن األسباب المعينة والجالبة للبكاء من خشية هللا.. يبحثوا عن الدواء بعد أن مأل الداء القلب واستشرى في البدن.. وال يكفي علم هذه السبل دون العمل بها ،فعلمها دون العمل بها قد يستوي فيه البر والفاجر، والمؤمن والكافر.. فال تقرأ هذه السبل إن كنت تنوي غير العمل بها ،فقد كان سفيان الثوري يقول( :قالت لي والدتي :يا بني ،ال تتعلم العلم إال إذا نويت العمل به ،وإال فهو وبال عليك يوم القيامة). فهيا ..واستعن باهلل تعالى.. .1اإلخالص هلل في البكاء ،بل وفي الرغبة في البكاء: قال تعالىَ :و َم ا ُأِم ُروا ِإاَّل ِلَيْعُبُد وا َهَّللا ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّد يَن ُح َنَفاء )5([ سورة البينة]. وقال رسول هللا( :ومن عمل منهم بعمل اآلخرة للدنيا فليس له في اآلخرة من نصيب). فاسأل نفسك عبد هللا لماذا تبكي؟ ولماذا تريد أن تبكي؟ هل تقصد بذلك وجه هللا تعالى؟ أم من أجل أن يقول الناس باٍك ..تقّي ..خاشع؟ هل تريد بذلك ثواب هللا أم ثواب الناس؟ اعلم أن البكاء من خشية هللا عبادة من العبادات ،فإن خلصت فيه النية ُقبل ،وزكا ،ونمت بركته.. وإن قصد به غير وجه هللا تعالى حبط ،وضاع ،وخسرت صفقته.. وال يخدعنك الشيطان فتظن أنك كامل اإلخالص كبعض الجهال من أهل زماننا إذا سمع أحدهم َم ن يتحدث عن الرياء والعجب ظن أنه بمنأى عن ذلك.. ال تكن كذلك فتكون كالمريض الذي ُيخِّدر موضع األلم حتى إذا ضاع الشعور به ظن أنه قد شفي وأن المرض انتهي وال يشعر أن المرض يقرض جسده قرضًا.. واعلم –أخي -أن اإلخالص عزيز.. قال أحد السلف( :أعز شيء في الدنيا اإلخالص ،وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر). وكان من دعاء بعض السلف( :اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت). فاحذر أن تكون منافقًا وأنت ال تشعر ،مرائيًا من حيث ال تعلم. هذا هو الحسن البصري التابعي العالم العابد يقول لنفسه التي بين جنبيه( :تتكلمين بكالم الصالحين القانتين العابدين ،وتفعلين فعل الفاسقين المنافقين المرائين ،وهللا ما هذه صفات المخلصين) ،وهو َم ن هو! وهذا يوسف بن أسباط يقول( :ما حاسبت نفسي قط إال وظهر لي أنني مراٍء خالص). وإليك قول من ُلِّقب بعابد الحرمين ..الفضيل بن عياض ..كان يقول عن قول هللا تعالى ِلَيْس َأَل الَّصاِدِقيَن َعن ِص ْد ِقِهْم )8([ سورة األحزاب]( :إذا كان يسأل الصادقين عن صدقهم مثل إسماعيل وعيسى عليهما السالم ،فكيف بالكاذبين أمثالنا؟) فبماذا ننعت أنفسنا؟ قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب( :من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه هللا ما بينه وبين الناس ،ومن تزين بما ليس فيه شانه هللا). فما عالمات اإلخالص في البكاء من خشية هللا؟ أوًال :أال تجد في نفسك محبَة أن يمدحك الناس لبكائك أو ُيثنوا عليك. فإن أصابك هذا المرض ووجدت في نفسك حب مدح الناس لك والثناء عليك ،فالعالج أن تجيب على األسئلة التالية ،ثم تبلع اإلجابات بماء اإلخالص: س :هل سينفعك العباد بشيء يوم القيامة؟ س :هل سيقف معك أثناء العرض على هللا من مدحك ليمدحك أمام هللا ويدافع عنك؟ س :ثم هل تعلم أن الممدوح عند الناس قد يكون من شر الناس عند هللا؟ ،فمدح الناس لك ليس مقياسًا لقبول طاعاتك. فال تنشغل بمدح الناس أو ثنائهم فتتعب نفسك وتضر دينك ويحبط عملك كله. ثانيًا :أال تجد في قلبك عجبًا بطاعتك: فقد يبتعد الباكي عن أعين الناس ،أو يداريه عنهم طلبًا لإلخالص ولكن يتسرب العجب بالعمل إلى نفسه ويرى أنه قد عمل شيئًا عظيمًا. فإن أصابك هذا المرض –وهو العجب بالطاعة -فالعالج أن تجيب على األسئلة التالية أيضًا ،وتفعل بها كسابقتها: س :من صاحب الفضل عليك في هذا األمر؟ س :من الذي رزقك شرف البكاء من خشيته؟ س :هل المعقول فيمن ُيعطى شيئًا لم يخترعه أو يصنعه أن يعجب به أم يبادر بشكر المعطي على تفضله وإنعامه؟ س :ثم هل تضمن حالك غدًا؟ س :هل تضمن أنك ستستمر على الطاعة؟ س :هل تعلم أيختم لك بالخير أم بالشر؟ س :فهل يعقل أن تعجب بعمل أنت في شك من دوامه؟ نسأل هللا الثبات. ثالثًا :أال تجد في قلبك استصغارًا لآلخرين أو احتقارًا لهم ألنك صاحب طاعة لم ينالوا شرفها. فإن أصابك هذا المرض -وهو احتقار اآلخرين -فالعالج أن تجيب على األسئلة التالية ثم تلحقها بسابقتها: ًا س :هل تعلم أن من تزدريه قد يكون أتقى هلل منك وأطهر قلب وأخلص نية وأزكى عمًال؟ س :هل تضمن أن هللا قد قبل منك طاعة البكاء من خشيته؟ س :هل تعلم أن هللا لعله قبل من هذا الرجل عمًال فأدخله به الجنة ،وأنت قد تكون لم يقبل منك صرفًا وال عدًال؟ فإن أجبت على هذه األسئلة وتخلصت من أمراض اإلخالص المذكورة فال تظن أنك قد حققت اإلخالص ،فتكون كالمريض الذي أخذ الدواء فظن أنه قد شفي. اتهم نفسك دائمًا ..واحذر أن تكون مرائيًا من حيث ال تعلم. واعلم أن من ادعى أنه حقق اإلخالص فهو رأس المرائين نعوذ باهلل من ذلك. .2الدعاء: قال تعالىَ :و َقاَل َر ُّبُك ُم اْدُع وِني َأْسَتِج ْب َلُك ْم ِإَّن اَّلِذ يَن َيْسَتْك ِبُروَن َع ْن ِعَباَد ِتي َسَيْد ُخ ُلوَن َجَهَّنَم َداِخ ِر يَن )60([ سورة غافر]. وقال النبي( :الدعاء هو العبادة). وكان من هدي النبي أن يدعو هللا أن يعينه على الطاعة ،فقد كان من ذكره دبر كل صالة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). فادع هللا أن يلين قلبك ،وأن يرزقك نعمة البكاء من خشيته ،واغتنم أوقات االستجابة وأحوالها :كوقت السحر ،وساعة الجمعة وهي آخر ساعة بعد العصر قبل صالة المغرب، وبين األذان واإلقامة ،وفي السجود ،وفي السفر ،وأثناء الصيام ،ووقت اإلفطار ،وغيرها من أوقات وأحوال االستجابة. .3السعي لتحصيل حالوة اإليمان: فإن من ثمرات حالوة اإليمان البكاء من خشية هللا (ورجل ذكر هللا خاليًا ففاضت عيناه). وقد ذكر النبي أحوال تحصيل حالوة اإليمان فقال( :ثالث من كن فيه وجد حالوة اإليمان: أن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سواهما ،وأن يحب المرء ال يحبه إال هلل ،وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف في النار). فحب هللا يجلب حالوة اإليمان ،فكيف نحب هللا؟ نحب هللا بمطالعة أسمائه وصفاته ،وآثار فضله وإنعامه على خلقه ،ورحمته بهم ،ونحبه بقراءة كالمه –وهو القرآن -بتدبر ،والتقرب إلى هللا بالنوافل ،ودوام الذكر بالقلب واللسان، ونحبه بالخلوة به وقت النزول اإللهي في الثلث األخير من الليل لمناجاته وتالوة كالمه، ونحبه بطاعته فيما أمر به واالبتعاد عما نهى عنه. وحب النبي يجلب حالوة اإليمان ،فكيف نحب النبي؟ نحبه بمطالعة سيرته ،ومعرفة شمائله وأخالقه ،والتشبه به في الظاهر والباطن ،وطاعته فيما أمر به ،واالبتعاد عما نهى عنه. وكذلك حب عباد هللا الصالحين حبًا مجردًا من أغراض الدنيا (ال يحبه إال هلل) يجلب حالوة اإليمان. وبغض الكفر بمعرفة مظاهره ،وصور الشرك ،وعواقب الكفر للحذر منه ،ومعاداة الكفار والبراء منهم ..كل ذلك يجلب حالوة اإليمان. فاحرص على ذلك تكن من الراشدين بإذن هللا. .4تعُّلم العلم الشرعي ،وخصوصًا علم العقيدة: قال تعالىِ :إَّنَم ا َيْخ َش ى َهَّللا ِم ْن ِعَباِدِه اْلُع َلَم اء )28([ سورة فاطر]. وقال تعالىُ :قْل آِم ُنوْا ِبِه َأْو َال ُتْؤ ِم ُنوْا ِإَّن اَّلِذ يَن ُأوُتوْا اْلِع ْلَم ِم ن َقْبِلِه ِإَذ ا ُيْتَلى َع َلْيِهْم َيِخ ُّر وَن ِلَألْذ َقاِن ُسَّجًداَ ،و َيُقوُلوَن ُسْبَح اَن َر ِّبَنا ِإن َك اَن َو ْعُد َر ِّبَنا َلَم ْفُعوًالَ ،و َيِخ ُّر وَن ِلَألْذ َقاِن َيْبُك وَن َو َيِز يُدُهْم ُخُش وًعا )107- 109([ سورة اإلسراء]. وقال أحد السلف في تفسير هذه اآلية( :من أوتي من العلم ما ال يبكيه لخليق أال يكون أوتي علمًا ينفع ،ألن هللا نعت العلماء فقالُ :قْل آِم ُنوْا ِبِه َأْو َال ُتْؤ ِم ُنوْا ِإَّن اَّلِذ يَن ُأوُتوْا اْلِع ْلَم ِم ن َقْبِلِه ..اآلية). فالعلم الشرعي يورث في القلب خشية ورهبة.. وعلم العقيدة والتوحيد خصوصًا يزيد اإليمان ويورث في القلب ما ال يورثه غيره من العلوم. فاحرص على تعلم علم العقيدة ،وأنصحك بأن تقرأ كتابي [منة الرحمن] و[العبودية] للشيخ ياسر برهامي ،وكتاب [عقيدة المؤمن] للشيخ أبي بكر الجزائري ،وكتاب [العقيدة في ضوء الكتاب والسنة] للشيخ عمر سليمان األشقر. .5ذكر الموت ،وما بعده من أهوال: قال رسول هللا( :أكثروا ذكر هاذم اللذات :الموت ،فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إال وسعه عليه ،وال ذكره في سعة إال ضَّيقها عليه). ويقود التفكر بالموت إلى التفكر فيما بعده من أهوال القبور والبرزخ وأهوال يوم القيامة وأهوال النار نعوذ باهلل منها. قال النبي عندما سمع هو وصحابته صوتًا مرتفعًا( :هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا فهو يهوي في النار اآلن حتى انتهى إلى قعرها). وقال رسول هللا( :يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ،ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة األخدود لو ُأرسلت فيها السفن لجرت). وقال رسول هللا( :يأيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في خدودهم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فيسيل –أي الدم -فُيقرح العيون). ًا وقال عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما( :إن أهل النار يدعون مالك فال يجيبهم أربعين عامًا ،ثم يقول" :إنكم ماكثون" ،ثم يدعون ربهم فيقولون" :ربنا أخرجنا منها فإن ُع دنا فإنا ظالمون" فال يجيبهم مثل الدنيا ،ثم يقول :اْخ َس ُؤ وا ِفيَها َو اَل ُتَك ِّلُم وِن )108([ سورة المؤمنون] ،ثم ييأس القوم ،فما هو إال الزفير والشهيق ،تشبه أصواتهم أصوات الحمير أولها شهيق وآخرها زفير). وقال الحسن البصري( :يحق لمن يعلم أن الموت مورده ،وأن الساعة موعده ،وأن القيام بين يدي هللا تعالى مشهده أن يطول حزنه). وقال إبراهيم التيمي( :ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار ،ألن أهل الجنة قالوا :اْلَحْم ُد ِهَّلِل اَّلِذ ي َأْذ َهَب َع َّنا اْلَح َز َن )34([ سورة فاطر] ،وينبغي لمن لم ُيشفق أن يخاف أن ال يكون من أهل الجنة ألنهم قالواِ :إَّنا ُكَّنا َقْبُل ِفي َأْهِلَنا ُم ْش ِفِقيَن )26([ سورة الطور]). .6زيارة القبور ،واتباع الجنائز: قال رسول هللا( :إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة) وفي رواية( :فإنها ُترق القلب وُتدمع العين وُتذكر اآلخرة). فالقبور هي الواعظ الصامت ،فأكثر من زيارة القبور يرق قلبك وتدمع عينك من خشية هللا تعالى. قال األعمش( :إن كنا لنشهد الجنازة فال ندري من نعِّز ي من القوم) أي ألن كل من يسير في الجنازة يبكي ،فال تستطيع تمييز أهل الميت من غيرهم. .7قراءة القرآن بتدبر ،واإلكثار من الذكر: قال تعالىَ :لْو َأنَز ْلَنا َهَذ ا اْلُقْر آَن َع َلى َجَبٍل َّلَر َأْيَتُه َخ اِش ًعا ُّم َتَص ِّدًعا ِّم ْن َخ ْش َيِة ِهَّللا َو ِتْلَك اَأْلْم َثاُل َنْض ِر ُبَها ِللَّناِس َلَع َّلُهْم َيَتَفَّك ُروَن )21([ سورة الحشر]. وقال تعالىَ :أَفاَل َيَتَد َّبُروَن اْلُقْر آَن َأْم َع َلى ُقُلوٍب َأْقَفاُلَها )24([ سورة محمد]. وقراءة القرآن لها أثر كبير في طرد الشيطان ،ورقة القلب ،وبكاء العين.. لم ال ،والقرآن كالم هللا تبارك وتعالى؟ فاقرأ القرآن وكأنه عليك أنزل ،واهتم بتفسيره قدر المستطاع ،واعلم أن القلوب الميتة تحيا بالذكر –خاصة القرآن -كما تحيا األرض الميتة بنزول المطر. .8سماع القراءة الخاشعة للقرآن الكريم: عن طريق الشرائط المسجلة ،فاستمع –إن شئت -إلى تالوة محمد صديق المنشاوي يجوب بك بحار الخشية.. واستمع –إن شئت -إلى تالوة أحمد العجمي ،وابك وال تمنع دموعك.. واستمع –إن شئت -إلى مشاري راشد أو أبي بكر الشاطري أو غيرهم من أصحاب التالوة الخاشعة فستجد لذلك –بإذن هللا -أثره العظيم في لين القلب ورقته. .9اإلكثار من قراءة كتب الرقائق ،وسماع المواعظ عن طريق الدروس أو الشرائط المسجلة: فأما كتب الرقائق :فاحرص على أن تكون ألهل السنة المستدلين بالكتاب والسنة وأقوال السلف ،وإياك ثم إياك وكتب الصوفية وأهل البدع ،فهي تزيدك بعدًا ووحشة أضعاف ما تفيدك. فاحرص على قراءة النسخ المحققة من كتب اإلمام ابن القيم [مدارج السالكين] ،و[الفوائد]، و[مفتاح دار السعادة] ،و[الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي] وغيرها. وكذلك كتب الشيخ أحمد فريد ومن أروعها[ :البحر الرائق في الزهد والرقائق] ،و[التقوى الغاية المنشودة والدرة المفقودة] ،و[تذكير النفوس المؤمنة بأسباب حسن الخاتمة وسوء الخاتمة] ،وغيرها. واحرص على حضور مجالس الوعظ لمن عرف بموافقة السنة واستدالله بالصحيح من األحاديث ،فالمواعظ سياط تضرب بها القلوب فتؤِّثر في القلوب كتأثير السياط في البدن. كان الحسن البصري إذا خرج إلى الناس فكأنه رجل عاين اآلخرة ،ثم جاء ُيخبر عنها، وكانوا إذا خرجوا من عنده خرجوا وهم ال يعدون الدنيا شيئًا.. وكان سفيان الثوري يتعَّز ى بمجالسه عن الدنيا.. وكان أحمد ال ُتذكر الدنيا في مجالسه ،وال ُتذكر عنده.. فإن عجزت أن تجد مجالس للوعظ فإن هللا رزقنا نعمة لم يعطها لسلفنا وهي نعمة الشرائط المسجلة ،فاحرص على سماع شرائط المواعظ للمشايخ :محمد حسين يعقوب ،ومحمد حسان ،ونبيل العوضي ،وإبراهيم الدويش ،وعلي القرني ،ومحمد العريفي ،وخالد الراشد، وغيرهم ممن عرف بموافقته ألهل السنة واالستدالل بالصحيح من األحاديث وحسن األسلوب والصدق في التعبير. .10محاسبة النفس: أمر هللا عباده أن يحاسبوا أنفسهم فقال تعالىَ :يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َو ْلَتنُظْر َنْفٌس َّم ا َقَّد َم ْت ِلَغ ٍد )18([ سورة الحشر]. وأقسم تعالى بالنفس اللوامة فقال :اَل ُأْقِس ُم ِبَيْو ِم اْلِقَياَم ِةَ ،و اَل ُأْقِس ُم ِبالَّنْفِس الَّلَّو اَم ِة )1، 2([ سورة القيامة]. وقال رسول هللا( :إياكم ومحقرات الذنوب ،فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واٍد ،فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم ،وإَّن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها ُتهلكه). وقال ابن مسعود ( :إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مَّر على أنفه فقال به هكذا). وقال عمر بن الخطاب( :حاسبوا أنفسكم قبل أن ُتحاسبوا وزنوا قبل أن توزنوا). وقال ميمون بن مهران( :ال يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه). فطوبى لمن حاسب نفسه فعلم ذنوبه وتقصيره ففاضت عيناه من خشية هللا ،وخوفًا من تقصيره ،وقد قال النبي( :وابك على خطيئتك). .11الخشوع في الصالة: قال رسول هللا ( :إذا قمت في صالتك فصل صالة مودع). فما أجملها من صالة يستشعر صاحبها أن هذه الصالة هي آخر عهده بالدنيا.. أناشدك باهلل أن تصلي ركعتين وتخيل أنك ستموت بعدهما مباشرة ..استشعر هذا جيدًا.. كيف تكون هذه الصالة؟ ما تأثيرها في نفسك؟ هل شعرت بتغيير بعدها؟ تخيل أن كل صلواتك بهذه الصورة ..هل يلين قلبك إن صلى كل صلواته صالة مودع؟ لو كان القلب صخرًا لالن بفضل هللا وإنعامه.. فما أجملها من نصيحة من خير البشر وحبيب رب العالمين( :إذا قمت في صالتك فصل صالة مودع)! .12الخوف من عدم قبول األعمال: عن عائشة رضي هللا عنها قالت( :قلت :يا رسول هللا َو اَّلِذ يَن ُيْؤ ُتوَن َم ا آَتوا َّو ُقُلوُبُهْم َو ِج َلٌة [( )60سورة المؤمنون] ،أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ ،قال( :ال يا بنت أبي بكر ،ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو يخاف أن ال يتقبل منه). فكن على خوف أال يتقبل منك. .13عدم اإلكثار من الضحك: قال رسول هللا( :ال تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب). وموت القلب يمنع دمع العين. .14الزهد في الدنيا: فإن حب الدنيا سبب في قسوة القلب ،والصد عن سبيل هللا.. والزهد فيها سبب في لين القلوب وخشوعها ،وبكاء العيون ودموعها.. وهيا نقف وقفة سريعة نعلم فيها كيف كان عيش النبي وكيف كان طعامه وكيف كان شرابه ولباسه وأثاثه.. عن عائشة رضي هللا عنها قالت( :ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى ُقبض رسول هللا). وقالت أيضًا( :إن كنا لننظر إلى الهالل ،ثم الهالل ،ثم الهالل ثالثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول هللا نار). ولما ُسئلت عن طعام رسول هللا قالت( :األسودان :التمر والماء). وعن أنس قال( :ما أعلم النبي رأى رغيفًا مرققًا -أي واسع رقيق -حتى لحق باهلل). وقال النعمان بن بشير( :لقد رأيت نبيكم وما يجد من الَّد قل -أي التمر الرديء -يمأل به بطنه). وقالت عائشة رضي هللا عنها( :كان فراش رسول هللا من ُأدم -أي جلد -حشوه ليف). وعن أبي بردة قال( :أخرجت إلينا عائشة كساًء وإزارًا غليظًا فقالتُ :قبض روح النبي في هذين). وقال سيد الزاهدين محمد( :كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول( :إذا أمسيت فال تنتظر الصباح ،وإذا أصبحت فال تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ،ومن حياتك لموتك). فإن جمدت عيناك بعد كل هذا فعليك بـ.. .15التباكي: والتباكي دون البكاء في المنزلة والمرتبة ولكنه سبيل البكاء ألن المتباكي ممن يجاهد نفسه ويحاسبها ،وممن يسعون لتحقيق مرضاة هللا ،وهللا يقولَ :و اَّلِذ يَن َج اَهُد وا ِفيَنا َلَنْهِدَيَّنُهْم ُس ُبَلَنا )69([ سورة العنكبوت]. فمن جاهد نفسه في التباكي وأخلص في ذلك فهو على الطريق بإذن هللا. قال رسول هللا( :يأيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا). وقال عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما( :ابكوا ،فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا ،لو تعلموا العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره ولبكى حتى ينقطع صوته). .16مطالعة أحوال البكائين: فإنها تدفع باغي الفالح للتشبه بهم.. فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فالح وهذه هي وقفتنا الرابعة واألخيرة بإذن هللا.
الوقفة الرابعة :من أحوال البكائين
األخبار في أحوال البكائين من خشية هللا كثيرة ..ولكننا نقف على بعضها فليس هذا موضع استقصائها. .1سيد البكائين والناس أجمعين حبيبنا محمد :لم يكن بكاؤه بشهيق ورفع صوت ،ولكن كانت عيناه تدمعان حتى تسيل الدموع ،ويسمع لصدره أزيز. وكان رسول هللا يبكي عند سماع القرآن: قال عبد هللا بن مسعود( :قال لي النبي" :اقرأ علي" ،فقرأت عليه بسورة النساء حتى إذا بلغت َفَكْيَف ِإَذ ا ِج ْئَنا ِم ن ُك ِّل أَّمٍة ِبَش ِهيٍد َوِج ْئَنا ِبَك َع َلى َهُؤ الء َش ِهيًدا )41([ سورة النساء] ،فنظرت إليه فإذا عيناه تدمعان). وكان رسول هللا يبكي في الصالة: قال علي بن أبي طالب( :لقد رأيتنا وما فينا إال نائم إال رسول هللا تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح). وعن عبد هللا بن الِّشِّخ ير قال( :رأيت رسول هللا يصلي بنا وفي صدره أزيز –أي صوت البكاء -كأزيز المرجل –وهو القدر إذا غلت -من البكاء). وعن عائشة رضي هللا عنها قالت( :لما كان ليلة من الليالي قال –أي النبي" :-يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي" ،قلت" :وهللا إني أحب قربك ،وأحب ما يسرك" ،قالت :فقام فتطهر ،ثم قام بل لحيته، بل حجره ،قالت :وكان جالساً فلم يزل يبكي حتى َّ يصلي ،قالت :فلم يزل يبكي حتى َّ بل األرض ،فجاء بالل يؤذنه بالصالة فلما رآه يبكي قال" :يا رسول هللا تبكي قالت :ثم بكى حتى َّ عبدا شكوراً؟") ً وقد غفر هللا لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟" قال" :أفال أكون وكان يبكي عند القبور: قال البراء بن عازب( :بينما نحن مع رسول هللا إذ بصر بجماعة فقال" :عالم اجتمع عليه ًا هؤالء؟" ،قيل" :على قبر يحفرونه" ،قال :ففزع رسول هللا ،فبدر بين يدي أصحابه مسرع حتى انتهى إلى القبر فجثا عليه ،قال :فاستقبلته من بين يديه ألنظر ما يصنع ،فبكى حتى بَّل الثرى من دموعه ،ثم أقبل علينا ،قال( :أي إخواني لمثل هذا فأعدوا). .2صحابة النبي جملة :كان الصحابة بكائين من خشية هللا ،وقد تعلموا هذا الهدي من النبي. وعظهم رسول هللا ذات يوم قائًال( :لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليًال ولبكيتم كثيرًا) فغطوا وجوههم يبكون ولهم خنين. .3أبو بكر الصديق :اشتهر عنه البكاء في الصالة حتى أن السيدة عائشة لما قال النبي( :مروا أبا بكر فليصل بالناس) قالت( :إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس). .4عمر بن الخطاب :كان بكاؤه يسمع من آخر الصفوف ،فقد قال عبد هللا بن شداد( :سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ ِإَّنَم ا َأْشُك و َبِّثي َو ُح ْز ِني ِإَلى ِهّللا )86([ سورة يوسف]). .5عثمان بن عفان: كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ،فقيل له( :تذكر الجنة والنار وال تبكي ،وتبكي من هذا؟) قال( :إن رسول هللا قال" :إن القبر أول منازل اآلخرة ،فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشد منه"). ُأ ُأ .6عبد الرحمن بن عوف ُ :يقدم له طعام فيقول ( :عطينا ما عطينا ،وقد خشينا أن تكون حسناتنا ُع ِّج َلت لنا) ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. .7سلمان الفارسي :يقول( :أبكاني ثالث :فراق األحبة محمد وحزبه ،وهول المطلع عند غمرات الموت ،والوقوف بين يدي رب العالمين حين ال أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة). .8أم أيمن رضي هللا عنها حاضنة رسول هللا :يزورها أبو بكر وعمر بعد وفاة النبي فتبكي.. يسأالنها( :ما يبكيك؟ ما عند هللا خير لرسول هللا ،)فتقول( :ما أبكي أن ال أكون أعلم أن ما عند هللا خير لرسول هللا ،ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعال يبكيان معها). .9الحسن البصري :يؤتى بكوز من ماء لُيفطر عليه ..يدنيه من فيه ..ثم يبكي ويقول( :ذكرُت أمنية اء )50([ سورة األعراف] ،وذكرت ما أجيبوا ِإَّن َهّللا أهل النار قولهمَ :أْن َأِفيُضوْا َع َلْيَنا ِم َن اْلَم ِ َح َّر َم ُهَم ا َع َلى اْلَك اِفِريَن )50([ سورة األعراف]. .10إبراهيم النخعي :يبكي في مرضه فيسألوه عن سبب بكائه فيقول( :وكيف ال أبكي وأنا أنتظر رسوًال من ربي يبشرني إما بهذه وإما بهذه؟). خاتمة ها قد انتهي لقاؤنا أخي الحبيب ،أو كاد أن ينتهي.. فهل دمعت عينك؟ هل ارتجف قلبك؟ إن كانت اإلجابة بالنفي فدعني أسألك.. هل ضمنت الجنة أخي؟ هل ضمنت النجاة من النار؟ فما بالي أراك وكأنك أمنت هذا المشهد.. قال رسول هللا( :يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ،ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة األخدود لو ُأرسلت فيها السفن لجرت). وقال رسول هللا( :يأيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في خدودهم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فيسيل –أي الدم -فُيقرح العيون). دموع في الخدود ..غزيرة متتابعة ..والوجه الجميل قد امتأل باألخاديد.. يبكون حتى تنتهي دموعهم.. ولكن األلم مستمر والخطب عظيم ..فيبكون الدم.. أخي ..قف أمام المرآة ،وتخيل وجهك وقد شوهته األخاديد والدم يسيل من عينيك.. تخيل نفسك ..واسألها.. يا نفس ..متى تبكين؟ ًا أتبكين الدموع اليوم فتثابين ..أم تبكين الدم غد حيث ال ثواب وال أجر على البكاء؟ يا نفس ..أنت أمام خيارين ..فاختاري ما يسُّر ك.. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ،ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين..