You are on page 1of 12

‫َقْد َأْفَلَح َم ْن َتَز َّك ى (‪)1‬‬

‫الُبَك اء‬
‫من خشية هللا ‪‬‬
‫( فضل البكاء من خشية هللا ‪ -‬السبب في جفاف العين عن البكاء –‬
‫السبل الميسرة للبكاء من خشية هللا – من أحوال البّك ائين)‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فإن الطاعة توجب القرب من هللا سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وكلما ازداد القرب من هللا قوي األنس به‪..‬‬
‫والعكس صحيح‪ ..‬فالمعصية توجب البعد عن هللا سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وكلما ازداد البعد عن هللا قويت الوحشة‪..‬‬
‫هذه الكلمات هي مجمل اإلجابة على أسئلة الكثيرين‪:‬‬
‫لماذا نشعر بقسوة ووحشة في قلوبنا؟‬
‫لماذا نشعر أننا بعيدين عن هللا‪‬؟‬
‫لماذا ال نستشعر حالوة اإليمان؟‬
‫لماذا جفت أعيننا عن البكاء من خشية هللا؟‬
‫لماذا تمر علينا العبر والعظات وعيوننا جامدة كأننا جمادات وأحجار؟‬
‫هذه الكلمات هي مجمل اإلجابة‪..‬‬
‫واإلجمال يحتاج إلى تفصيل‪..‬‬
‫فنقف معًا على عجالة في هذه الرسالة على تفصيٍل حول عبادة من أجِّل العبادات‪..‬‬
‫عبادة ُحرم منها الكثيرون‪ ..‬وغفل عنها الكثيرون إال من رحم هللا‪..‬‬
‫عبادة‪ ..‬لو علم الخلق فضلها لما كان حالهم كما ترى‪..‬‬
‫إنها عبادة البكاء من خشية هللا‪ ..‬وما أعظمها من عبادة!‬
‫نقف وقفات مع هذه العبادة العظيمة‪..‬‬
‫وقفة‪ ..‬نعلم فيها فضل البكاء من خشية هللا وثمراته‪..‬‬
‫ووقفة أخرى‪ ..‬نعلم فيها السبب في جفاف أعيننا عن البكاء من خشية هللا‪..‬‬
‫ووقفة ثالثة هي ُلُّب الموضوع‪ ..‬نعلم فيها السبل الميسرة للبكاء من خشية هللا‪..‬‬
‫ثم وقفتنا األخيرة‪ ..‬نتأمل فيها أحوال البَّك ائين وعلى رأسهم سيد المرسلين محمد‪ ..‬لعلنا‬
‫نقتدي بهم ونتأسى بهديهم‪..‬‬
‫هذا‪ ..‬ونسأل هللا أن يجعلنا من الطائعين‪ ،‬وأال يحرمنا لذة الطاعة‪ ،‬وأن يعيننا على ذكره‬
‫وشكره وحسن عبادته‪ ،‬وأال يجعلنا ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم‪ ..‬نعوذ باهلل من‬
‫الخذالن‪.‬‬
‫ربيع اآلخر ‪1425‬هـ‪ /‬يونيه ‪2004‬م‬

‫الوقفة األولى‪ :‬فضل البكاء من خشية هللا وثمراته‬


‫‪ .1‬الباكون من خشية هللا يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله ‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬سبعة يظلهم‬
‫هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله‪ ،)..‬وذكر منهم‪( :‬ورجل ذكر هللا خاليًا ففاضت عيناه)‪.‬‬
‫فيوم يشتد الكرب على الخلق‪ ،‬وتدنو الشمس من الرءوس‪ ،‬ويغرق الناس في عرقهم‪ ،‬يكون‬
‫الباكون من خشية هللا ضمن سبعة يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله‪.‬‬
‫‪ .2‬الباكون من خشية هللا ال يدخلون النار‪ ،‬بل وال تمسهم ‪ :‬قال رسول هللا‪( :‬ال يلج النار رجل‬
‫بكى من خشية هللا حتى يعود اللبن في الّضْر ع)‪.‬‬
‫فكما أن رجوع اللبن في الضرع بعد حلبه أمر يستحيل وقوعه فكذلك دخول الباكين من‬
‫خشية هللا النار أمر يستحيل وقوعه‪.‬‬
‫وقال رسول هللا‪( :‬عينان ال تمسهما النار‪ ،)..‬وذكر منهما‪( :‬عين بكت من خشية هللا)‪.‬‬
‫‪ .3‬الباكون من خشية هللا يفوزون بحب هللا تعالى لهم ‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬ليس شيء أحب إلى‬
‫هللا تعالى من قطرتين وأثرين‪ ،)..‬وذكر من القطرتين‪( :‬قطرة دموع من خشية هللا تعالى)‪.‬‬
‫فاللهم ارزقنا حبك وال تحرمنا فنكون من الخاسرين‪.‬‬
‫‪ .4‬الباكون من خشية هللا يفوزون بشجرة طوبى في الجنة ‪ :‬قال رسول هللا‪( :‬طوبى لمن ملك‬
‫لسانه‪ ،‬ووسعه بيته‪ ،‬وبكى على خطيئته)‪.‬‬
‫وقد وصف النبي شجرة طوبى فقال‪( :‬طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام‪ ،‬ثياب أهل‬
‫الجنة تخرج من أكمامها)‪.‬‬
‫‪ .5‬الباكون من خشية هللا يفوزون بكونهم طائعين للنبي في أمره بالبكاء‪ :‬سأل أحد الصحابة‬
‫رسول هللا‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول هللا ما النجاة؟‪ ،‬قال‪( :‬أملك عليك لسانك‪ ،‬وليسعك بيتك‪ ،‬وابك‬
‫على خطيئتك)‪.‬‬
‫فمن امتثل هذا األمر فاز بشرف طاعة النبي‪.‬‬
‫‪ .6‬الباكون من خشية هللا يحظون باالقتداء بالنبي وصحبه‪ :‬وأنعم به من شرف فقد كان من‬
‫هدي النبي‪ ‬والصحابة من بعده البكاء من خشية هللا كما سنعلم في الوقفة الرابعة بإذن هللا‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪ .7‬الباكون من خشية هللا يحظون باالقتداء باألنبياء الذين أنعم هللا عليهم‪ :‬قال تعالى‪ُ :‬أْو َلِئَك‬
‫اَّلِذ يَن َأْنَع َم ُهَّللا َع َلْيِهم ِّم َن الَّنِبِّييَن ِم ن ُذ ِّرَّيِة آَد َم َو ِمَّم ْن َح َم ْلَنا َم َع ُنوٍح َو ِم ن ُذ ِّرَّيِة ِإْبَر اِهيَم‬
‫َو ِإْس َر اِئيَل َو ِمَّم ْن َهَدْيَنا َو اْج َتَبْيَنا ِإَذ ا ُتْتَلى َع َلْيِهْم آَياُت الَّرْح َم ن َخُّر وا ُسَّجًدا َو ُبِكًّيا‪)58([ ‬‬
‫سورة مريم]‪.‬‬
‫ُتتَلى عليهم آيات هللا‪ ،‬فَتلقى اآليات قلوَب أفضل البشر‪..‬‬
‫تخر القلوب ساجدة‪..‬‬
‫ثم تهوى األبدان‪..‬‬
‫تالمس الهامات الثرى‪..‬‬
‫و‪ ..‬تسيل دموع الشوق والمحبة واإلجالل‪ ..‬ودموع الخوف والخشية‪..‬‬
‫فاللهم ‪‬اهِد َنا الِّص َر اَط الُم سَتِقيَم ‪ِ ،‬ص َر اَط اَّلِذ يَن َأنَع مَت َع َليِهْم َغيِر الَم غُضوِب َع َليِهْم َو َال‬
‫الَّض اِّليَن ‪ )6، 7([ ‬سورة الفاتحة]‪.‬‬
‫‪ .8‬الباكون من خشية هللا يزيدهم هللا إيمانًا ‪ :‬فمعتقد أهل السنة والجماعة أن اإليمان يزيد‬
‫بالطاعة وينقص بالمعصية‪ ،‬والبكاء من خشية هللا من أشرف الطاعات وأحبها إلى هللا ولها‬
‫أثرها البين في زيادة اإليمان‪.‬‬
‫‪ .9‬الباكون من خشية هللا يرزقهم هللا من حيث ال يحتسبون ويجعل لهم المخرج من كل ضيق‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬و َم ن َيَّتِق َهَّللا َيْج َع ل َّلُه َم ْخ َر ًجا‪َ ،‬و َيْر ُز ْقُه ِم ْن َح ْيُث اَل َيْح َتِس ُب ‪‬‬
‫[(‪ )2-3‬سورة الطالق]‪.‬‬
‫‪ .10‬الباكون من خشية هللا يجعل هللا لهم من أمرهم يسرًا‪ :‬قال تعالى‪َ :‬و َم ن َيَّتِق َهَّللا َيْج َع ل َّلُه ِم ْن‬
‫َأْم ِر ِه ُيْسًرا‪ )4([ ‬سورة الطالق]‪.‬‬
‫‪ .11‬الباكون من خشية هللا يتذكرون بكاءهم في الدنيا وخوفهم من ربهم‪ ‬بعد دخولهم الجنة‪:‬‬
‫فما أعظمها من لذة وما أجمله من موقف ذلك الذي حكاه هللا عنهم‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬و َأْقَبَل‬
‫َبْعُضُهْم َع َلى َبْع ٍض َيَتَس اءُلوَن ‪َ ،‬قاُلوا ِإَّنا ُكَّنا َقْبُل ِفي َأْهِلَنا ُم ْش ِفِقيَن ‪َ ،‬فَم َّن ُهَّللا َع َلْيَنا َوَو َقاَنا َع َذ اَب‬
‫الَّس ُم وِم ‪ِ ،‬إَّنا ُكَّنا ِم ن َقْبُل َنْدُع وُه ِإَّنُه ُهَو اْلَبُّر الَّر ِح يُم ‪‬‬
‫[(‪ )25-28‬سورة الطور]‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬السبب في جفاف العين عن البكاء‬
‫بعد أن وقفنا على فضل البكاء من خشية هللا‪ ،‬لماذا نجد أن عيوننا ما زالت جامدة وكأن‬
‫الموعظة لم تؤثر فيها إال من رحم هللا؟‬
‫إنه الداء العضال عباد هللا‪ ..‬الداء الذي يستحق المصاب به أن يعاقبه هللا في الدنيا واآلخرة‪..‬‬
‫إنه داء المعصية‪..‬‬
‫فالمعصية حائل بين العين وبين البكاء‪ ،‬فمن آثار المعاصي والذنوب‪:‬‬
‫‪ .1‬الوحشة التي يجدها العاصي في قلبه‪..‬يجد وحشة بينه وبين هللا‪ ..‬وكلما كثرت الذنوب اشتدت‬
‫الوحشة‪..‬‬
‫وهللا إنها لوحشة لو اجتمعت لها لذات الدنيا بأسرها ما حَّركت منها شيئًا‪..‬‬
‫نسأل هللا العافية‪..‬‬
‫‪ .2‬الظلمة التي يجدها العاصي في قلبه‪..‬‬
‫وهذه الظلمة ليست مجازًا أو تشبيهًا‪..‬‬
‫إنها ظلمة حقيقية يحس بها العاصي كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم‪..‬‬
‫فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة‪..‬‬
‫وتقوى هذه الظلمة في القلب حتى تظهر على العين‪..‬‬
‫فإذا ظهرت على العين جف الدمع‪ ،‬وقست العين‪..‬‬
‫ثم تقوى هذه الظلمة حتى تعلو الوجه وتصير سوادًا يراه الناس‪..‬‬
‫فما أقبح المعاصي وأدنسها!‬
‫قال ابن عباس ‪( :‬إن للحسنة ضياًء في الوجه‪ ،‬ونورًا في القلب‪ ،‬وسعة في الرزق‪ ،‬وقوة في‬
‫البدن‪ ،‬ومحبة في قلوب الخلق‪ ،‬وإن للسيئة سوادًا في الوجه‪ ،‬وظلمة في القلب‪ ،‬ووهنًا في‬
‫البدن‪ ،‬ونقصًا في الرزق‪ ،‬وبغضة في قلوب الخلق)‪.‬‬
‫‪ .3‬توهن القلب وتمرضه‪..‬‬
‫فيصير القلب مريضًا ضعيفًا‪..‬‬
‫ولكن المعصية ال تتوقف‪ ..‬توهن القلب أكثر وأكثر‪ ،‬وتمرضه أكثر وأكثر حتى‪..‬‬
‫حتى يموت القلب‪..‬‬
‫فيصبح القلب ميتًا أسوَد مرباّد ًا‪ ..‬نعوذ باهلل من ذلك‪.‬‬
‫‪ .4‬تطبع على قلب صاحبها حتى يصير من الغافلين‪ ،‬فقد قال تعالى‪َ :‬ك اَّل َبْل َر اَن َع َلى ُقُلوِبِهم‬
‫َّم ا َك اُنوا َيْك ِس ُبوَن ‪ )14([ ‬سورة المطففين]‪.‬‬
‫فالقلب يصدأ من المعصية كما يصدأ الحديد‪..‬‬
‫فإذا زادت المعصية غلب الصدأ‪..‬‬
‫ًا‬
‫ويزيد الصدأ ويزيد حتى يصير ران ‪..‬‬
‫ثم يغلب حتى يصير قفًال على القلب‪..‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬أْم َع َلى ُقُلوٍب َأْقَفاُلَها‪ )24([ ‬سورة محمد]‪..‬‬
‫فيصير القلب في غشاوة‪ ،‬فيتواله الشيطان ويسوقه حيث أراد‪..‬‬
‫وللمعاصي آثار أخرى في الدنيا واآلخرة ينبغي لطالب النجاة أن يقف عليها ويتأملها حتى‬
‫يكون على حذر‪ ،‬ومن أفضل ما كتب في ذلك كتاب [الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن‬
‫سأل عن الدواء الشافي] لإلمام ابن القيم‪ ،‬و[تحذير الداني والقاصي من آثار الذنوب‬
‫والمعاصي] للشيخ أحمد فريد حفظه هللا‪ ،‬فمن أراد االستزادة فليراجعهما‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪:‬‬
‫السبل الميسرة للبكاء من خشية هللا‬
‫ما أشد قسوة قلوبنا‪..‬‬
‫ما أضعفنا في طريق السالكين إال من رحم هللا‪..‬‬
‫لقد كان السلف يبكون من خشية هللا‪ ،‬وتفيض أعينهم من الدمع‪ ،‬شوقًا له وحبًا دون أن‬
‫يحصوا األسباب الميسرة للبكاء من خشية هللا‪ ،‬أو يرقموها‪ ،‬ويحفظوها‪..‬‬
‫كانت أنهار الدموع المخلصة ال تتوقف من مآقيهم‪..‬‬
‫استشعروا حالوة اإليمان‪ ،‬وذاقوها‪ ،‬واستمتعوا بالبكاء من خشية هللا دون أن يحصوا سبله‪،‬‬
‫ولكنهم طهرت قلوبهم فتفضل المنان عليهم وفتح عليهم من أبواب بركته وفضله‪ ،‬نسال هللا‬
‫أن يفتح علينا‪..‬‬
‫استمع إلى أحد السلف وهو يقول‪( :‬مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا لذيذ العيش‬
‫فيها وما ذاقوا أطيب ما فيها) يقصد حالوة اإليمان‪..‬‬
‫واستمع إلى آخر وهو يقول‪( :‬لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه‬
‫بالسيوف)‪..‬‬
‫ولكن حال المرضى أمثالنا –إال من رحم هللا‪ -‬أن يبحثوا عن األسباب المعينة والجالبة للبكاء‬
‫من خشية هللا‪..‬‬
‫يبحثوا عن الدواء بعد أن مأل الداء القلب واستشرى في البدن‪..‬‬
‫وال يكفي علم هذه السبل دون العمل بها‪ ،‬فعلمها دون العمل بها قد يستوي فيه البر والفاجر‪،‬‬
‫والمؤمن والكافر‪..‬‬
‫فال تقرأ هذه السبل إن كنت تنوي غير العمل بها‪ ،‬فقد كان سفيان الثوري يقول‪( :‬قالت لي‬
‫والدتي‪ :‬يا بني‪ ،‬ال تتعلم العلم إال إذا نويت العمل به‪ ،‬وإال فهو وبال عليك يوم القيامة)‪.‬‬
‫فهيا‪ ..‬واستعن باهلل تعالى‪..‬‬
‫‪ .1‬اإلخالص هلل‪ ‬في البكاء‪ ،‬بل وفي الرغبة في البكاء‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬و َم ا ُأِم ُروا ِإاَّل ِلَيْعُبُد وا َهَّللا ُم ْخ ِلِص يَن َلُه الِّد يَن ُح َنَفاء‪ )5([ ‬سورة البينة]‪.‬‬
‫وقال رسول هللا‪( :‬ومن عمل منهم بعمل اآلخرة للدنيا فليس له في اآلخرة من نصيب)‪.‬‬
‫فاسأل نفسك عبد هللا لماذا تبكي؟ ولماذا تريد أن تبكي؟‬
‫هل تقصد بذلك وجه هللا تعالى؟ أم من أجل أن يقول الناس باٍك ‪ ..‬تقّي ‪ ..‬خاشع؟‬
‫هل تريد بذلك ثواب هللا أم ثواب الناس؟‬
‫اعلم أن البكاء من خشية هللا عبادة من العبادات‪ ،‬فإن خلصت فيه النية ُقبل‪ ،‬وزكا‪ ،‬ونمت‬
‫بركته‪..‬‬
‫وإن قصد به غير وجه هللا تعالى حبط‪ ،‬وضاع‪ ،‬وخسرت صفقته‪..‬‬
‫وال يخدعنك الشيطان فتظن أنك كامل اإلخالص كبعض الجهال من أهل زماننا إذا سمع‬
‫أحدهم َم ن يتحدث عن الرياء والعجب ظن أنه بمنأى عن ذلك‪..‬‬
‫ال تكن كذلك فتكون كالمريض الذي ُيخِّدر موضع األلم حتى إذا ضاع الشعور به ظن أنه قد‬
‫شفي وأن المرض انتهي وال يشعر أن المرض يقرض جسده قرضًا‪..‬‬
‫واعلم –أخي‪ -‬أن اإلخالص عزيز‪..‬‬
‫قال أحد السلف‪( :‬أعز شيء في الدنيا اإلخالص‪ ،‬وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي‬
‫وكأنه ينبت فيه على لون آخر)‪.‬‬
‫وكان من دعاء بعض السلف‪( :‬اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط‬
‫قلبي منه ما قد علمت)‪.‬‬
‫فاحذر أن تكون منافقًا وأنت ال تشعر‪ ،‬مرائيًا من حيث ال تعلم‪.‬‬
‫هذا هو الحسن البصري التابعي العالم العابد يقول لنفسه التي بين جنبيه‪( :‬تتكلمين بكالم‬
‫الصالحين القانتين العابدين‪ ،‬وتفعلين فعل الفاسقين المنافقين المرائين‪ ،‬وهللا ما هذه صفات‬
‫المخلصين)‪ ،‬وهو َم ن هو!‬
‫وهذا يوسف بن أسباط يقول‪( :‬ما حاسبت نفسي قط إال وظهر لي أنني مراٍء خالص)‪.‬‬
‫وإليك قول من ُلِّقب بعابد الحرمين‪ ..‬الفضيل بن عياض‪ ..‬كان يقول عن قول هللا تعالى‬
‫‪ِ‬لَيْس َأَل الَّصاِدِقيَن َعن ِص ْد ِقِهْم ‪ )8([ ‬سورة األحزاب]‪( :‬إذا كان يسأل الصادقين عن صدقهم‬
‫مثل إسماعيل وعيسى عليهما السالم‪ ،‬فكيف بالكاذبين أمثالنا؟) فبماذا ننعت أنفسنا؟‬
‫قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪( :‬من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه هللا ما‬
‫بينه وبين الناس‪ ،‬ومن تزين بما ليس فيه شانه هللا)‪.‬‬
‫فما عالمات اإلخالص في البكاء من خشية هللا؟‬
‫أوًال‪ :‬أال تجد في نفسك محبَة أن يمدحك الناس لبكائك أو ُيثنوا عليك‪.‬‬
‫فإن أصابك هذا المرض ووجدت في نفسك حب مدح الناس لك والثناء عليك‪ ،‬فالعالج أن‬
‫تجيب على األسئلة التالية‪ ،‬ثم تبلع اإلجابات بماء اإلخالص‪:‬‬
‫س‪ :‬هل سينفعك العباد بشيء يوم القيامة؟‬
‫س‪ :‬هل سيقف معك أثناء العرض على هللا من مدحك ليمدحك أمام هللا ويدافع عنك؟‬
‫س‪ :‬ثم هل تعلم أن الممدوح عند الناس قد يكون من شر الناس عند هللا؟‪ ،‬فمدح الناس لك‬
‫ليس مقياسًا لقبول طاعاتك‪.‬‬
‫فال تنشغل بمدح الناس أو ثنائهم فتتعب نفسك وتضر دينك ويحبط عملك كله‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أال تجد في قلبك عجبًا بطاعتك‪:‬‬
‫فقد يبتعد الباكي عن أعين الناس‪ ،‬أو يداريه عنهم طلبًا لإلخالص ولكن يتسرب العجب‬
‫بالعمل إلى نفسه ويرى أنه قد عمل شيئًا عظيمًا‪.‬‬
‫فإن أصابك هذا المرض –وهو العجب بالطاعة‪ -‬فالعالج أن تجيب على األسئلة التالية‬
‫أيضًا‪ ،‬وتفعل بها كسابقتها‪:‬‬
‫س‪ :‬من صاحب الفضل عليك في هذا األمر؟‬
‫س‪ :‬من الذي رزقك شرف البكاء من خشيته؟‬
‫س‪ :‬هل المعقول فيمن ُيعطى شيئًا لم يخترعه أو يصنعه أن يعجب به أم يبادر بشكر‬
‫المعطي على تفضله وإنعامه؟‬
‫س‪ :‬ثم هل تضمن حالك غدًا؟‬
‫س‪ :‬هل تضمن أنك ستستمر على الطاعة؟‬
‫س‪ :‬هل تعلم أيختم لك بالخير أم بالشر؟‬
‫س‪ :‬فهل يعقل أن تعجب بعمل أنت في شك من دوامه؟‬
‫نسأل هللا الثبات‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أال تجد في قلبك استصغارًا لآلخرين أو احتقارًا لهم ألنك صاحب طاعة لم ينالوا‬
‫شرفها‪.‬‬
‫فإن أصابك هذا المرض ‪-‬وهو احتقار اآلخرين‪ -‬فالعالج أن تجيب على األسئلة التالية ثم‬
‫تلحقها بسابقتها‪:‬‬
‫ًا‬
‫س‪ :‬هل تعلم أن من تزدريه قد يكون أتقى هلل منك وأطهر قلب وأخلص نية وأزكى عمًال؟‬
‫س‪ :‬هل تضمن أن هللا قد قبل منك طاعة البكاء من خشيته؟‬
‫س‪ :‬هل تعلم أن هللا لعله قبل من هذا الرجل عمًال فأدخله به الجنة‪ ،‬وأنت قد تكون لم يقبل‬
‫منك صرفًا وال عدًال؟‬
‫فإن أجبت على هذه األسئلة وتخلصت من أمراض اإلخالص المذكورة فال تظن أنك قد‬
‫حققت اإلخالص‪ ،‬فتكون كالمريض الذي أخذ الدواء فظن أنه قد شفي‪.‬‬
‫اتهم نفسك دائمًا‪ ..‬واحذر أن تكون مرائيًا من حيث ال تعلم‪.‬‬
‫واعلم أن من ادعى أنه حقق اإلخالص فهو رأس المرائين نعوذ باهلل من ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬الدعاء‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬و َقاَل َر ُّبُك ُم اْدُع وِني َأْسَتِج ْب َلُك ْم ِإَّن اَّلِذ يَن َيْسَتْك ِبُروَن َع ْن ِعَباَد ِتي َسَيْد ُخ ُلوَن َجَهَّنَم‬
‫َداِخ ِر يَن ‪ )60([ ‬سورة غافر]‪.‬‬
‫وقال النبي‪( :‬الدعاء هو العبادة)‪.‬‬
‫وكان من هدي النبي أن يدعو هللا أن يعينه على الطاعة‪ ،‬فقد كان من ذكره دبر كل صالة‪:‬‬
‫(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)‪.‬‬
‫فادع هللا أن يلين قلبك‪ ،‬وأن يرزقك نعمة البكاء من خشيته‪ ،‬واغتنم أوقات االستجابة‬
‫وأحوالها‪ :‬كوقت السحر‪ ،‬وساعة الجمعة وهي آخر ساعة بعد العصر قبل صالة المغرب‪،‬‬
‫وبين األذان واإلقامة‪ ،‬وفي السجود‪ ،‬وفي السفر‪ ،‬وأثناء الصيام‪ ،‬ووقت اإلفطار‪ ،‬وغيرها‬
‫من أوقات وأحوال االستجابة‪.‬‬
‫‪ .3‬السعي لتحصيل حالوة اإليمان‪:‬‬
‫فإن من ثمرات حالوة اإليمان البكاء من خشية هللا (ورجل ذكر هللا خاليًا ففاضت عيناه)‪.‬‬
‫وقد ذكر النبي‪ ‬أحوال تحصيل حالوة اإليمان فقال‪( :‬ثالث من كن فيه وجد حالوة اإليمان‪:‬‬
‫أن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ال يحبه إال هلل‪ ،‬وأن يكره أن‬
‫يعود في الكفر بعد أن أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف في النار)‪.‬‬
‫فحب هللا يجلب حالوة اإليمان‪ ،‬فكيف نحب هللا‪‬؟‬
‫نحب هللا بمطالعة أسمائه وصفاته‪ ،‬وآثار فضله وإنعامه على خلقه‪ ،‬ورحمته بهم‪ ،‬ونحبه‬
‫بقراءة كالمه –وهو القرآن‪ -‬بتدبر‪ ،‬والتقرب إلى هللا بالنوافل‪ ،‬ودوام الذكر بالقلب واللسان‪،‬‬
‫ونحبه بالخلوة به وقت النزول اإللهي في الثلث األخير من الليل لمناجاته وتالوة كالمه‪،‬‬
‫ونحبه بطاعته فيما أمر به واالبتعاد عما نهى عنه‪.‬‬
‫وحب النبي يجلب حالوة اإليمان‪ ،‬فكيف نحب النبي‪‬؟‬
‫نحبه بمطالعة سيرته‪ ،‬ومعرفة شمائله وأخالقه‪ ،‬والتشبه به في الظاهر والباطن‪ ،‬وطاعته‬
‫فيما أمر به‪ ،‬واالبتعاد عما نهى عنه‪.‬‬
‫وكذلك حب عباد هللا الصالحين حبًا مجردًا من أغراض الدنيا (ال يحبه إال هلل) يجلب حالوة‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫وبغض الكفر بمعرفة مظاهره‪ ،‬وصور الشرك‪ ،‬وعواقب الكفر للحذر منه‪ ،‬ومعاداة الكفار‬
‫والبراء منهم‪ ..‬كل ذلك يجلب حالوة اإليمان‪.‬‬
‫فاحرص على ذلك تكن من الراشدين بإذن هللا‪.‬‬
‫‪ .4‬تعُّلم العلم الشرعي‪ ،‬وخصوصًا علم العقيدة‪:‬‬
‫قال تعالى‪ِ :‬إَّنَم ا َيْخ َش ى َهَّللا ِم ْن ِعَباِدِه اْلُع َلَم اء‪ )28([ ‬سورة فاطر]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ُ :‬قْل آِم ُنوْا ِبِه َأْو َال ُتْؤ ِم ُنوْا ِإَّن اَّلِذ يَن ُأوُتوْا اْلِع ْلَم ِم ن َقْبِلِه ِإَذ ا ُيْتَلى َع َلْيِهْم َيِخ ُّر وَن‬
‫ِلَألْذ َقاِن ُسَّجًدا‪َ ،‬و َيُقوُلوَن ُسْبَح اَن َر ِّبَنا ِإن َك اَن َو ْعُد َر ِّبَنا َلَم ْفُعوًال‪َ ،‬و َيِخ ُّر وَن ِلَألْذ َقاِن َيْبُك وَن‬
‫َو َيِز يُدُهْم ُخُش وًعا‪ )107- 109([ ‬سورة اإلسراء]‪.‬‬
‫وقال أحد السلف في تفسير هذه اآلية‪( :‬من أوتي من العلم ما ال يبكيه لخليق أال يكون أوتي‬
‫علمًا ينفع‪ ،‬ألن هللا نعت العلماء فقال‪ُ :‬قْل آِم ُنوْا ِبِه َأْو َال ُتْؤ ِم ُنوْا ِإَّن اَّلِذ يَن ُأوُتوْا اْلِع ْلَم ِم ن‬
‫َقْبِلِه‪ ..‬اآلية)‪.‬‬
‫فالعلم الشرعي يورث في القلب خشية ورهبة‪..‬‬
‫وعلم العقيدة والتوحيد خصوصًا يزيد اإليمان ويورث في القلب ما ال يورثه غيره من‬
‫العلوم‪.‬‬
‫فاحرص على تعلم علم العقيدة‪ ،‬وأنصحك بأن تقرأ كتابي [منة الرحمن] و[العبودية] للشيخ‬
‫ياسر برهامي‪ ،‬وكتاب [عقيدة المؤمن] للشيخ أبي بكر الجزائري‪ ،‬وكتاب [العقيدة في ضوء‬
‫الكتاب والسنة] للشيخ عمر سليمان األشقر‪.‬‬
‫‪ .5‬ذكر الموت‪ ،‬وما بعده من أهوال‪:‬‬
‫قال رسول هللا‪( :‬أكثروا ذكر هاذم اللذات‪ :‬الموت‪ ،‬فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش‬
‫إال وسعه عليه‪ ،‬وال ذكره في سعة إال ضَّيقها عليه)‪.‬‬
‫ويقود التفكر بالموت إلى التفكر فيما بعده من أهوال القبور والبرزخ وأهوال يوم القيامة‬
‫وأهوال النار نعوذ باهلل منها‪.‬‬
‫قال النبي‪ ‬عندما سمع هو وصحابته صوتًا مرتفعًا‪( :‬هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين‬
‫خريفًا فهو يهوي في النار اآلن حتى انتهى إلى قعرها)‪.‬‬
‫وقال رسول هللا‪( :‬يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع‪ ،‬ثم يبكون الدم‬
‫حتى يصير في وجوههم كهيئة األخدود لو ُأرسلت فيها السفن لجرت)‪.‬‬
‫وقال رسول هللا‪( :‬يأيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى‬
‫تسيل دموعهم في خدودهم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فيسيل –أي الدم‪ -‬فُيقرح‬
‫العيون)‪.‬‬
‫ًا‬
‫وقال عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما‪( :‬إن أهل النار يدعون مالك فال يجيبهم أربعين‬
‫عامًا‪ ،‬ثم يقول‪" :‬إنكم ماكثون"‪ ،‬ثم يدعون ربهم فيقولون‪" :‬ربنا أخرجنا منها فإن ُع دنا فإنا‬
‫ظالمون" فال يجيبهم مثل الدنيا‪ ،‬ثم يقول‪ :‬اْخ َس ُؤ وا ِفيَها َو اَل ُتَك ِّلُم وِن ‪ )108([ ‬سورة‬
‫المؤمنون]‪ ،‬ثم ييأس القوم‪ ،‬فما هو إال الزفير والشهيق‪ ،‬تشبه أصواتهم أصوات الحمير أولها‬
‫شهيق وآخرها زفير)‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري‪( :‬يحق لمن يعلم أن الموت مورده‪ ،‬وأن الساعة موعده‪ ،‬وأن القيام بين‬
‫يدي هللا تعالى مشهده أن يطول حزنه)‪.‬‬
‫وقال إبراهيم التيمي‪( :‬ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار‪ ،‬ألن أهل الجنة‬
‫قالوا‪ :‬اْلَحْم ُد ِهَّلِل اَّلِذ ي َأْذ َهَب َع َّنا اْلَح َز َن ‪ )34([ ‬سورة فاطر]‪ ،‬وينبغي لمن لم ُيشفق أن‬
‫يخاف أن ال يكون من أهل الجنة ألنهم قالوا‪ِ :‬إَّنا ُكَّنا َقْبُل ِفي َأْهِلَنا ُم ْش ِفِقيَن ‪ )26([ ‬سورة‬
‫الطور])‪.‬‬
‫‪ .6‬زيارة القبور‪ ،‬واتباع الجنائز‪:‬‬
‫قال رسول هللا‪( :‬إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة) وفي رواية‪( :‬فإنها‬
‫ُترق القلب وُتدمع العين وُتذكر اآلخرة)‪.‬‬
‫فالقبور هي الواعظ الصامت‪ ،‬فأكثر من زيارة القبور يرق قلبك وتدمع عينك من خشية هللا‬
‫تعالى‪.‬‬
‫قال األعمش‪( :‬إن كنا لنشهد الجنازة فال ندري من نعِّز ي من القوم) أي ألن كل من يسير في‬
‫الجنازة يبكي‪ ،‬فال تستطيع تمييز أهل الميت من غيرهم‪.‬‬
‫‪ .7‬قراءة القرآن بتدبر‪ ،‬واإلكثار من الذكر‪:‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬لْو َأنَز ْلَنا َهَذ ا اْلُقْر آَن َع َلى َجَبٍل َّلَر َأْيَتُه َخ اِش ًعا ُّم َتَص ِّدًعا ِّم ْن َخ ْش َيِة ِهَّللا َو ِتْلَك‬
‫اَأْلْم َثاُل َنْض ِر ُبَها ِللَّناِس َلَع َّلُهْم َيَتَفَّك ُروَن ‪ )21([ ‬سورة الحشر]‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ :‬أَفاَل َيَتَد َّبُروَن اْلُقْر آَن َأْم َع َلى ُقُلوٍب َأْقَفاُلَها‪ )24([ ‬سورة محمد]‪.‬‬
‫وقراءة القرآن لها أثر كبير في طرد الشيطان‪ ،‬ورقة القلب‪ ،‬وبكاء العين‪..‬‬
‫لم ال‪ ،‬والقرآن كالم هللا تبارك وتعالى؟‬
‫فاقرأ القرآن وكأنه عليك أنزل‪ ،‬واهتم بتفسيره قدر المستطاع‪ ،‬واعلم أن القلوب الميتة تحيا‬
‫بالذكر –خاصة القرآن‪ -‬كما تحيا األرض الميتة بنزول المطر‪.‬‬
‫‪ .8‬سماع القراءة الخاشعة للقرآن الكريم‪:‬‬
‫عن طريق الشرائط المسجلة‪ ،‬فاستمع –إن شئت‪ -‬إلى تالوة محمد صديق المنشاوي يجوب‬
‫بك بحار الخشية‪..‬‬
‫واستمع –إن شئت‪ -‬إلى تالوة أحمد العجمي‪ ،‬وابك وال تمنع دموعك‪..‬‬
‫واستمع –إن شئت‪ -‬إلى مشاري راشد أو أبي بكر الشاطري أو غيرهم من أصحاب التالوة‬
‫الخاشعة فستجد لذلك –بإذن هللا‪ -‬أثره العظيم في لين القلب ورقته‪.‬‬
‫‪ .9‬اإلكثار من قراءة كتب الرقائق‪ ،‬وسماع المواعظ عن طريق الدروس أو الشرائط المسجلة‪:‬‬
‫فأما كتب الرقائق‪ :‬فاحرص على أن تكون ألهل السنة المستدلين بالكتاب والسنة وأقوال‬
‫السلف‪ ،‬وإياك ثم إياك وكتب الصوفية وأهل البدع‪ ،‬فهي تزيدك بعدًا ووحشة أضعاف ما‬
‫تفيدك‪.‬‬
‫فاحرص على قراءة النسخ المحققة من كتب اإلمام ابن القيم [مدارج السالكين]‪ ،‬و[الفوائد]‪،‬‬
‫و[مفتاح دار السعادة]‪ ،‬و[الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي]‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وكذلك كتب الشيخ أحمد فريد ومن أروعها‪[ :‬البحر الرائق في الزهد والرقائق]‪ ،‬و[التقوى‬
‫الغاية المنشودة والدرة المفقودة]‪ ،‬و[تذكير النفوس المؤمنة بأسباب حسن الخاتمة وسوء‬
‫الخاتمة]‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫واحرص على حضور مجالس الوعظ لمن عرف بموافقة السنة واستدالله بالصحيح من‬
‫األحاديث‪ ،‬فالمواعظ سياط تضرب بها القلوب فتؤِّثر في القلوب كتأثير السياط في البدن‪.‬‬
‫كان الحسن البصري إذا خرج إلى الناس فكأنه رجل عاين اآلخرة‪ ،‬ثم جاء ُيخبر عنها‪،‬‬
‫وكانوا إذا خرجوا من عنده خرجوا وهم ال يعدون الدنيا شيئًا‪..‬‬
‫وكان سفيان الثوري يتعَّز ى بمجالسه عن الدنيا‪..‬‬
‫وكان أحمد ال ُتذكر الدنيا في مجالسه‪ ،‬وال ُتذكر عنده‪..‬‬
‫فإن عجزت أن تجد مجالس للوعظ فإن هللا رزقنا نعمة لم يعطها لسلفنا وهي نعمة الشرائط‬
‫المسجلة‪ ،‬فاحرص على سماع شرائط المواعظ للمشايخ‪ :‬محمد حسين يعقوب‪ ،‬ومحمد‬
‫حسان‪ ،‬ونبيل العوضي‪ ،‬وإبراهيم الدويش‪ ،‬وعلي القرني‪ ،‬ومحمد العريفي‪ ،‬وخالد الراشد‪،‬‬
‫وغيرهم ممن عرف بموافقته ألهل السنة واالستدالل بالصحيح من األحاديث وحسن‬
‫األسلوب والصدق في التعبير‪.‬‬
‫‪ .10‬محاسبة النفس‪:‬‬
‫أمر هللا عباده أن يحاسبوا أنفسهم فقال تعالى‪َ :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َو ْلَتنُظْر َنْفٌس َّم ا‬
‫َقَّد َم ْت ِلَغ ٍد ‪ )18([ ‬سورة الحشر]‪.‬‬
‫وأقسم تعالى بالنفس اللوامة فقال‪ :‬اَل ُأْقِس ُم ِبَيْو ِم اْلِقَياَم ِة‪َ ،‬و اَل ُأْقِس ُم ِبالَّنْفِس الَّلَّو اَم ِة ‪)1، 2([ ‬‬
‫سورة القيامة]‪.‬‬
‫وقال رسول هللا‪( :‬إياكم ومحقرات الذنوب‪ ،‬فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا‬
‫بطن واٍد ‪ ،‬فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم‪ ،‬وإَّن محقرات‬
‫الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها ُتهلكه)‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪( :‬إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه‪ ،‬وإن‬
‫الفاجر يرى ذنوبه كذباب مَّر على أنفه فقال به هكذا)‪.‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب‪( :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن ُتحاسبوا وزنوا قبل أن توزنوا)‪.‬‬
‫وقال ميمون بن مهران‪( :‬ال يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة‬
‫شريكه)‪.‬‬
‫فطوبى لمن حاسب نفسه فعلم ذنوبه وتقصيره ففاضت عيناه من خشية هللا‪ ،‬وخوفًا من‬
‫تقصيره‪ ،‬وقد قال النبي‪( :‬وابك على خطيئتك)‪.‬‬
‫‪ .11‬الخشوع في الصالة‪:‬‬
‫قال رسول هللا ‪( :‬إذا قمت في صالتك فصل صالة مودع)‪.‬‬
‫فما أجملها من صالة يستشعر صاحبها أن هذه الصالة هي آخر عهده بالدنيا‪..‬‬
‫أناشدك باهلل أن تصلي ركعتين وتخيل أنك ستموت بعدهما مباشرة‪ ..‬استشعر هذا جيدًا‪..‬‬
‫كيف تكون هذه الصالة؟ ما تأثيرها في نفسك؟ هل شعرت بتغيير بعدها؟‬
‫تخيل أن كل صلواتك بهذه الصورة‪ ..‬هل يلين قلبك إن صلى كل صلواته صالة مودع؟‬
‫لو كان القلب صخرًا لالن بفضل هللا وإنعامه‪..‬‬
‫فما أجملها من نصيحة من خير البشر وحبيب رب العالمين‪( :‬إذا قمت في صالتك فصل‬
‫صالة مودع)!‬
‫‪ .12‬الخوف من عدم قبول األعمال‪:‬‬
‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪( :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا ‪َ‬و اَّلِذ يَن ُيْؤ ُتوَن َم ا آَتوا َّو ُقُلوُبُهْم َو ِج َلٌة‪‬‬
‫[(‪ )60‬سورة المؤمنون]‪ ،‬أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟‪ ،‬قال‪( :‬ال يا بنت أبي‬
‫بكر‪ ،‬ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو يخاف أن ال يتقبل منه)‪.‬‬
‫فكن على خوف أال يتقبل منك‪.‬‬
‫‪ .13‬عدم اإلكثار من الضحك‪:‬‬
‫قال رسول هللا‪( :‬ال تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب)‪.‬‬
‫وموت القلب يمنع دمع العين‪.‬‬
‫‪ .14‬الزهد في الدنيا‪:‬‬
‫فإن حب الدنيا سبب في قسوة القلب‪ ،‬والصد عن سبيل هللا‪..‬‬
‫والزهد فيها سبب في لين القلوب وخشوعها‪ ،‬وبكاء العيون ودموعها‪..‬‬
‫وهيا نقف وقفة سريعة نعلم فيها كيف كان عيش النبي‪ ‬وكيف كان طعامه وكيف كان‬
‫شرابه ولباسه وأثاثه‪..‬‬
‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪( :‬ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى‬
‫ُقبض رسول هللا)‪.‬‬
‫وقالت أيضًا‪( :‬إن كنا لننظر إلى الهالل‪ ،‬ثم الهالل‪ ،‬ثم الهالل ثالثة أهلة في شهرين وما أوقد‬
‫في أبيات رسول هللا‪ ‬نار)‪.‬‬
‫ولما ُسئلت عن طعام رسول هللا‪ ‬قالت‪( :‬األسودان‪ :‬التمر والماء)‪.‬‬
‫وعن أنس قال‪( :‬ما أعلم النبي‪ ‬رأى رغيفًا مرققًا ‪-‬أي واسع رقيق‪ -‬حتى لحق باهلل)‪.‬‬
‫وقال النعمان بن بشير‪( :‬لقد رأيت نبيكم‪ ‬وما يجد من الَّد قل ‪-‬أي التمر الرديء‪ -‬يمأل به‬
‫بطنه)‪.‬‬
‫وقالت عائشة رضي هللا عنها‪( :‬كان فراش رسول هللا‪ ‬من ُأدم ‪-‬أي جلد‪ -‬حشوه ليف)‪.‬‬
‫وعن أبي بردة قال‪( :‬أخرجت إلينا عائشة كساًء وإزارًا غليظًا فقالت‪ُ :‬قبض روح النبي‪ ‬في‬
‫هذين)‪.‬‬
‫وقال سيد الزاهدين محمد‪( :‬كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)‪.‬‬
‫وكان ابن عمر‪ ‬يقول‪( :‬إذا أمسيت فال تنتظر الصباح‪ ،‬وإذا أصبحت فال تنتظر المساء‪،‬‬
‫وخذ من صحتك لمرضك‪ ،‬ومن حياتك لموتك)‪.‬‬
‫فإن جمدت عيناك بعد كل هذا فعليك بـ‪..‬‬
‫‪ .15‬التباكي‪:‬‬
‫والتباكي دون البكاء في المنزلة والمرتبة ولكنه سبيل البكاء ألن المتباكي ممن يجاهد نفسه‬
‫ويحاسبها‪ ،‬وممن يسعون لتحقيق مرضاة هللا‪ ،‬وهللا يقول‪َ :‬و اَّلِذ يَن َج اَهُد وا ِفيَنا َلَنْهِدَيَّنُهْم‬
‫ُس ُبَلَنا‪ )69([ ‬سورة العنكبوت]‪.‬‬
‫فمن جاهد نفسه في التباكي وأخلص في ذلك فهو على الطريق بإذن هللا‪.‬‬
‫قال رسول هللا‪( :‬يأيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا)‪.‬‬
‫وقال عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما‪( :‬ابكوا‪ ،‬فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا‪ ،‬لو تعلموا العلم‬
‫لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره ولبكى حتى ينقطع صوته)‪.‬‬
‫‪ .16‬مطالعة أحوال البكائين‪:‬‬
‫فإنها تدفع باغي الفالح للتشبه بهم‪..‬‬
‫فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فالح‬
‫وهذه هي وقفتنا الرابعة واألخيرة بإذن هللا‪.‬‬

‫الوقفة الرابعة‪ :‬من أحوال البكائين‬


‫األخبار في أحوال البكائين من خشية هللا كثيرة‪ ..‬ولكننا نقف على بعضها فليس هذا موضع‬
‫استقصائها‪.‬‬
‫‪ .1‬سيد البكائين والناس أجمعين حبيبنا محمد‪ :‬لم يكن بكاؤه بشهيق ورفع صوت‪ ،‬ولكن كانت عيناه‬
‫تدمعان حتى تسيل الدموع‪ ،‬ويسمع لصدره أزيز‪.‬‬
‫وكان رسول هللا يبكي عند سماع القرآن‪:‬‬
‫قال عبد هللا بن مسعود‪( :‬قال لي النبي‪" :‬اقرأ علي"‪ ،‬فقرأت عليه بسورة النساء حتى إذا بلغت‬
‫‪َ‬فَكْيَف ِإَذ ا ِج ْئَنا ِم ن ُك ِّل أَّمٍة ِبَش ِهيٍد َوِج ْئَنا ِبَك َع َلى َهُؤ الء َش ِهيًدا‪ )41([ ‬سورة النساء]‪ ،‬فنظرت إليه‬
‫فإذا عيناه تدمعان)‪.‬‬
‫وكان رسول هللا‪ ‬يبكي في الصالة‪:‬‬
‫قال علي بن أبي طالب‪( :‬لقد رأيتنا وما فينا إال نائم إال رسول هللا‪ ‬تحت شجرة يصلي ويبكي‬
‫حتى أصبح)‪.‬‬
‫وعن عبد هللا بن الِّشِّخ ير‪ ‬قال‪( :‬رأيت رسول هللا‪ ‬يصلي بنا وفي صدره أزيز –أي صوت‬
‫البكاء‪ -‬كأزيز المرجل –وهو القدر إذا غلت‪ -‬من البكاء)‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي هللا عنها قالت‪( :‬لما كان ليلة من الليالي قال –أي النبي‪" :-‬يا عائشة ذريني‬
‫أتعبد الليلة لربي"‪ ،‬قلت‪" :‬وهللا إني أحب قربك‪ ،‬وأحب ما يسرك"‪ ،‬قالت‪ :‬فقام فتطهر‪ ،‬ثم قام‬
‫بل لحيته‪،‬‬ ‫بل حجره‪ ،‬قالت‪ :‬وكان جالساً فلم يزل يبكي‪ ‬حتى َّ‬ ‫يصلي‪ ،‬قالت‪ :‬فلم يزل يبكي حتى َّ‬
‫بل األرض‪ ،‬فجاء بالل يؤذنه بالصالة فلما رآه يبكي قال‪" :‬يا رسول هللا تبكي‬ ‫قالت‪ :‬ثم بكى حتى َّ‬
‫عبدا شكوراً؟")‬
‫ً‬ ‫وقد غفر هللا لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟" قال‪" :‬أفال أكون‬
‫وكان يبكي عند القبور‪:‬‬
‫قال البراء بن عازب‪( :‬بينما نحن مع رسول هللا‪ ‬إذ بصر بجماعة فقال‪" :‬عالم اجتمع عليه‬
‫ًا‬
‫هؤالء؟"‪ ،‬قيل‪" :‬على قبر يحفرونه"‪ ،‬قال‪ :‬ففزع رسول هللا‪ ،‬فبدر بين يدي أصحابه مسرع حتى‬
‫انتهى إلى القبر فجثا عليه‪ ،‬قال‪ :‬فاستقبلته من بين يديه ألنظر ما يصنع‪ ،‬فبكى حتى بَّل الثرى من‬
‫دموعه‪ ،‬ثم أقبل علينا‪ ،‬قال‪( :‬أي إخواني لمثل هذا فأعدوا)‪.‬‬
‫‪ .2‬صحابة النبي جملة ‪ :‬كان الصحابة‪ ‬بكائين من خشية هللا‪ ،‬وقد تعلموا هذا الهدي من النبي‪.‬‬
‫وعظهم رسول هللا ذات يوم قائًال‪( :‬لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليًال ولبكيتم كثيرًا) فغطوا‬
‫وجوههم يبكون ولهم خنين‪.‬‬
‫‪ .3‬أبو بكر الصديق ‪ :‬اشتهر عنه البكاء في الصالة حتى أن السيدة عائشة لما قال النبي‪( :‬مروا أبا‬
‫بكر فليصل بالناس) قالت‪( :‬إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس)‪.‬‬
‫‪.4‬عمر بن الخطاب ‪ :‬كان بكاؤه يسمع من آخر الصفوف‪ ،‬فقد قال عبد هللا بن شداد‪( :‬سمعت نشيج‬
‫عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ ‪ِ‬إَّنَم ا َأْشُك و َبِّثي َو ُح ْز ِني ِإَلى ِهّللا‪ )86([ ‬سورة يوسف])‪.‬‬
‫‪.5‬عثمان بن عفان‪:‬‬
‫كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته‪ ،‬فقيل له‪( :‬تذكر الجنة والنار وال تبكي‪ ،‬وتبكي من‬
‫هذا؟) قال‪( :‬إن رسول هللا‪ ‬قال‪" :‬إن القبر أول منازل اآلخرة‪ ،‬فإن نجا منه فما بعده أيسر منه‪،‬‬
‫وإن لم ينج فما بعده أشد منه")‪.‬‬
‫ُأ‬ ‫ُأ‬
‫‪ .6‬عبد الرحمن بن عوف ‪ُ :‬يقدم له طعام فيقول‪ ( :‬عطينا ما عطينا‪ ،‬وقد خشينا أن تكون حسناتنا‬
‫ُع ِّج َلت لنا) ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام‪.‬‬
‫‪ .7‬سلمان الفارسي ‪ :‬يقول‪( :‬أبكاني ثالث‪ :‬فراق األحبة محمد وحزبه‪ ،‬وهول المطلع عند غمرات‬
‫الموت‪ ،‬والوقوف بين يدي رب العالمين حين ال أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة)‪.‬‬
‫‪ .8‬أم أيمن رضي هللا عنها حاضنة رسول هللا ‪ :‬يزورها أبو بكر وعمر بعد وفاة النبي‪ ‬فتبكي‪..‬‬
‫يسأالنها‪( :‬ما يبكيك؟ ما عند هللا خير لرسول هللا‪ ،)‬فتقول‪( :‬ما أبكي أن ال أكون أعلم أن ما عند هللا‬
‫خير لرسول هللا‪ ،‬ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعال يبكيان‬
‫معها)‪.‬‬
‫‪ .9‬الحسن البصري ‪ :‬يؤتى بكوز من ماء لُيفطر عليه‪ ..‬يدنيه من فيه‪ ..‬ثم يبكي ويقول‪( :‬ذكرُت أمنية‬
‫اء‪ )50([ ‬سورة األعراف]‪ ،‬وذكرت ما أجيبوا ‪ِ‬إَّن َهّللا‬ ‫أهل النار قولهم‪َ :‬أْن َأِفيُضوْا َع َلْيَنا ِم َن اْلَم ِ‬
‫َح َّر َم ُهَم ا َع َلى اْلَك اِفِريَن ‪ )50([ ‬سورة األعراف]‪.‬‬
‫‪ .10‬إبراهيم النخعي ‪ :‬يبكي في مرضه فيسألوه عن سبب بكائه فيقول‪( :‬وكيف ال أبكي وأنا أنتظر‬
‫رسوًال من ربي يبشرني إما بهذه وإما بهذه؟)‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫ها قد انتهي لقاؤنا أخي الحبيب‪ ،‬أو كاد أن ينتهي‪..‬‬
‫فهل دمعت عينك؟ هل ارتجف قلبك؟‬
‫إن كانت اإلجابة بالنفي فدعني أسألك‪..‬‬
‫هل ضمنت الجنة أخي؟‬
‫هل ضمنت النجاة من النار؟‬
‫فما بالي أراك وكأنك أمنت هذا المشهد‪..‬‬
‫قال رسول هللا‪( :‬يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع‪ ،‬ثم يبكون الدم حتى يصير في‬
‫وجوههم كهيئة األخدود لو ُأرسلت فيها السفن لجرت)‪.‬‬
‫وقال رسول هللا‪( :‬يأيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل‬
‫دموعهم في خدودهم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فيسيل –أي الدم‪ -‬فُيقرح العيون)‪.‬‬
‫دموع في الخدود‪ ..‬غزيرة متتابعة‪ ..‬والوجه الجميل قد امتأل باألخاديد‪..‬‬
‫يبكون حتى تنتهي دموعهم‪..‬‬
‫ولكن األلم مستمر والخطب عظيم‪ ..‬فيبكون الدم‪..‬‬
‫أخي‪ ..‬قف أمام المرآة‪ ،‬وتخيل وجهك وقد شوهته األخاديد والدم يسيل من عينيك‪..‬‬
‫تخيل نفسك‪ ..‬واسألها‪..‬‬
‫يا نفس‪ ..‬متى تبكين؟‬
‫ًا‬
‫أتبكين الدموع اليوم فتثابين‪ ..‬أم تبكين الدم غد حيث ال ثواب وال أجر على البكاء؟‬
‫يا نفس‪ ..‬أنت أمام خيارين‪ ..‬فاختاري ما يسُّر ك‪..‬‬
‫اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك‪ ،‬ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما‬
‫تهون به علينا مصائب الدنيا‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪..‬‬

You might also like