Professional Documents
Culture Documents
قصص..
فصرخت المرأة صرخة ..فسقطت مغشيًا عليها ،فعاشت بذاك النور إلى أن ماتت
على العبادة..يرحمها اهلل
قصص..
كان في البحر وهبت الريح..واضطربت السفينة..وبكى الناس ،فرفع رأسه وقال
اللهم قد أريتنا قدرتك ..فأرنا رحمتك!
رحم اهلل تلك األنوار
إن هذا النور هو حاذي األرواح إلى بالد األفراح..نعم.إنه حاذي النفوس األبية
التي ال ترضى بالدون والقليل..إنها النفوس المؤمنة التقية التي دائمًا تسألها ربها
الجنة
تزود من التقوى فإنك ال تدري....إذا جن ليًال هل تعيش إلى الفجر
وكم من صحيح مات دون علة....وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
نور وظلمات...
ال يوجد نور يهدى به اإلنسان من الظلمات إلى النور أفضل من نور اهلل
هل مر بكم نور صفاته وكراماته وخيريته أحسن من هذا النور ؟؟
وهل هناك أحد غير اهلل أخبر بنور غير هذا النور؟؟ كال وربي
يا رب إنك للخالئق نور....يسفي الضالل فيسقط الديزور
وتضيء ألباب البرايا بالنهى....فتعود باآلي الحصيف تمور
وبك النفوس تعيش كل سكينة....ال الخوف يضنيها وليس تخور
فامأل إلهي باليقين صدورنا....ليعم فينا راحة وسرور
إذًا هيا نسارع لهذا النور..هيا نبحث،ونعمل ،ونجتهد
فتعالوا معنا..
نأخذ األنوار نورًا نورًا في الدنيا إلى أن نصل إلى الجنة مكان النور
إذًا هيا أيها األحباب..هيا نسارع إلى هذا النور
...........................................................................
نور وظلمات
للشيخ عبد الواحد المغربي
أيها األحبة في اهلل ..حديثي إليكم عن نور وظلمات فيا ترى ..ما هذا النور وتلك
الظلمات؟؟
إن هذا النور هو نور الحق الذي بعث فيه نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم
فأشرقت به األرض والسماوات ..ودخل الناس بهذا النور أفواجًا بعد الظلمات
إن هذا النور هو طريقنا إلى الجنات..إن هذا النور هو ما بينه القرآن وبينته السنة
على لسان رسولنا وقدوتنا وإمامنا ..ونورنا إذا احلولكت المصائب والبليات ..أيها
األحباب..يقول اهلل تعالى مبينًا ذلك النور من تلك الظلمات
فمن يتدبر القرآن..ومن يتعظ بالقرآن؟؟ ومن يعمل بذاك النور ويبتعد عن
الظلمات؟؟
اسمعوا أيها اإلخوة واألخوات كالم اهلل عن النور والظلمات
اسمع لتلك الحياة الحقيقة بعد الموت في الظلمات
قال تعالى
ُلُه ِفي الُّظُل اِت ِش ِه ِف
َم (َأَو َمْن َك اَن َم ْيًتا َفَأْح َيْيَناُه َو َجَعْلَنا َلُه ُنوًر ا َيْم ي ِب ي الَّناِس َك َم ْن َمَث
َلْيَس ِبَخ اِر ٍج ِم ْنَه ا َكَذ ِلَك ُزِّيَن ِلْلَك اِفِر يَن َم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ) [األنعام]122-
يقول السعدي يرحمه اهلل في تفسيره لهذه اآلية بكالم جميل جدًا
إن هذا الكالم هو الذي يهدينا في الظلمات
يقول رحمه اهلل :أومن كان قبل الهداية في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي
فأحييناه بنور العلم واإليمان والطاعة ،فصار يمشي بين الناس بهذا النور متبصرًا
في أموره ،مهتديًا لسبيله ،عارف للخير مؤثرًا له ،مجتهدًا في تنفيذه،
عارِف للشر مبغضًا له ،مجتهدًا في تركه ،أيستوي هذا بمن هو في الظلمات
..ظلمات الجهل والكفر والمعاصي؟؟ انتهى كالمه رحمه اهلل
كال واهلل أيها األحباب ..ال يستوي هذا النور بهذه الظلمات ،كال واهلل .وقد قال
تعالىُ( :قْل َه ْل َيْس َتِو ي اَألْع َم ى َو اْلَبِص يُر َأْم َه ْل َتْس َتِو ي الُّظُلَم اُت َو الُّنوُر ) [الرعد :
]16
وقال تعالىَ( :و َما َيْس َتِو ي اَألْع َم ى َو اْلَبِص يُر * َو َال الُّظُلَم اُت َو َال الُّنوُر * َو َال الِّظُّل َو َال
اْلَح ُر وُر * َو َما َيْس َتِو ي اَألْح َيآُء َو َال اَألْم َو اُت ِاَّن اللـه ُيْس ِم ُع َمن َيَش آُء َو َما َأنَت ِبُمْس ِم ٍع
َّمن ِفي اْلُقُبوِر ) ( فاطر)22-19/
أسمتعتم؟ أسمعتم يا من يريد النور؟ أسمعتم كالم اهلل ؟
إذًا هيا لبيان النور من الظلمات..هيا لنعرف حقيقة ذلك النور من تلك الظلمات .
إن هذا النور الذي نريده ونتمناه يجعل العبد يخشى اهلل ويخاف عقابه وسخطه ،
ويجعله يعمل على نور من اهلل بطاعته سبحانه ،يرجو ثواب اهلل ،ويترك
المعاصي..على نور من اهلل يخاف عقابه ،إن هذا النور الذي نبحث عنه
يجعل الواحد منا يعظم اهلل أشد التعظيم ،فيطيع العبد ربه وال يعصيه ،ويذكره
وال ينساه ،ويشكره وال يكفره أبدًا ،يشكره بقلبه ولسانه وحركاته وسكناته
وجميع جوارحه..إن هذا النور يجعل العبد ينظر إلى ما أمامه وإلى خلفه
وعن يمينه وشماله ،فال يجعل للشيطان عليه سبيًال أبدًا ،كأنه ماٍش في طريق
في شوك ،فيحذر الشوك من جميع الجهات خوفًا على النور الذي معه
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ..ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك
يحذر ما يرى ..ال تحقرن صغيرًة إن الجبال من الحصى
إن هذا النور أيها األحباب ..هو من أعظم أسباب الفوز والفالح في الدنيا
واآلخرة ،لماذا أيها اإلخوة واألخوات؟؟ ألنه واهلل وصية اهلل لألولين واآلخرين
قال تعالىَ( :و َلَق ْد َو َّص ْيَنا اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب ِم ْن َقْبِلُك ْم َو ِإَّياُك ْم َأِن اَّتُق وا الَّلَه) [النساء:
]131
فهل نلتزم بهذه الوصية التي لها النور لنا في الدنيا واآلخرة أم نتركها خلف
ظهورنا؟ فتكون عاقبتنا الظلمات في الدنيا واآلخرة والعياذ باهلل
أيها األحبة ..إن هذا النور هو حاذي األرواح إلى بالد األفراح
نعم ..إنه حاذي النفوس األبية التي ال ترضى بالدون والقليل ،إنها النفوس
المؤمنة التقية ،التي دائمًا تسأل ربها الجنة ..انظروا إلى نفوس الصحابة
رضوان اهلل عليهم لما سألوا نبيهم صلى اهلل عليه وسلم عن أكثر ما يدخل
الناس الجنة فقال ( :تقوى اهلل ،وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل
النار قال( :الفم والفرج) فهال اتعظنا بذلك؟ وبذلنا أرواحنا وأموالنا وأوقاتنا في
سبيل الجنة ..أم أننا والعياذ باهلل تقاعسنا عن ذلك ..نسأل اهلل السالمة والعافية
إن هذا النور أيها األحباب يظهر على اإلنسان في أقواله وأفعاله وحركاته،فإذا
ما أردت أن تحكم على إنسان أنه يخاف اهلل ويتقيه ،فانظر إلى أقواله وأفعاله
فتحكم عليه،فإذا ما رأيت أقواله وأفعاله التقوى فقد كساني نفسه بلباس التقوى
ِت ِل ِن
الذي هو خير وقد قال تعالىَ ):يا َب ي آَد َم َقْد َأنَز ْلَنا َعَلْيُك ْم َباسًا ُيَو اِر ي َسْو َءا ُك ْم
َو ِر يشًا َو ِلَباُس الَّتْق َو َى َذِلَك َخ ْيٌر ([األعراف\]26
إذا المرء لم يلبس لباس التقى....تقلب عريانًا ولو كان كاسيًا
وخير لباس المرء طاعة ربه....وال خير في من كان هلل عاصيًا
وال خير أيها األحباب واهلل في من كان هلل عاصيًا ألنه والعياذ باهلل في الظلمات
إن هذا النور واهلل هو أهم من الطعام والشراب ،فلو فقد اإلنسان الطعام والشراب
ومات من شدة الجوع وهو متٍق هلل ،فهو مغفور له بإذن اهلل ،ولكن لو مات من
شدة الجوع وهو في أوحال الظلمات والمعاصي والموبقات والمحرمات ،فيا
خسراه ويا ندامتاه يوم القيامة وقد قال تعالىَ( :و َتَز َّو ُدوا َفِإ َّن َخ ْيَر الَّز اِد الَّتْق َو ى
َو اَّتُق وِني َيا ُأْو ِلي اَأْلْلَباِب ) [البقرة\]197
تزود من التقوى فإنك ال تدري....إذا جن ليًال هل تعيش إلى الفجر
وكم من صحيح مات من غير علة....وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
أرأيتم أيها اإلخوة واألخوات نورًا أفضل من هذا النور؟؟
هل مر بكم صفاته وكراماته وخيريته أحسن من هذا النور؟؟
وهل هناك أحد غير اهلل أخبر بنور غير هذا النور؟؟ كال وربي ال يوجد أحد
أخبر من اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ..كال واهلل ال يوجد نوٍر أحسن
من نور على نور ،يهدي به اهلل من اتبع رضوانه سبل السالم ،كال واهلل
ال يوجد نور يهدى به اإلنسان من الظلمات إلى النور أفضل من نور اهلل
ِه ِم ٍة ِف ِم ِت
وقد قال تعالى( :الَّلُه ُنوُر الَّس َم اَو ا َو اَأْلْر ِض َم َثُل ُنوِر َك ْش َك ا يَه ا ْص َباٌح
اْلِم ْص َباُح ِفي ُزَج اَج ٍة الُّز َج اَج ُة َك َأَّنَه ا َك ْو َك ٌب ُدِّرٌّي ُيوَقُد ِم ن َش َج َر ٍة ُّمَبا َك ٍة َز ْيُتوِنٍة اَّل
َر
َنا ُّنو َعَلى ُنوٍر ْه ِد ي الَّل ِلُنوِر ِه ِض ٍة ِق ٍة
ُه َي َش ْر َّي َو اَل َغْر ِبَّي َيَك اُد َز ْيُتَه ا ُي يُء َو َلْو َلْم َتْم َس ْس ُه ٌر ٌر
َم ن َيَش اء َو َيْض ِر ُب الَّلُه اَأْلْم َثاَل ِللَّناِس َو الَّلُه ِبُك ِّل َش ْي ٍء َعِليٌم ) [النور\]35
بين اهلل أيها األحبة في هذه اآلية أنه سبحانه نور بذاته ،وبين تعالى أن كتابه
نور وشرعه نور ،واإليمان نور ،والتقوى نور،ومثل اهلل هذا النور بالمصباح
ووجه المثل هو حال المؤمن المستهدي بنور اهلل ،المستهدي بنور العلم واإليمان
والتقوى ،ويضرب اهلل األمثال للناس ليتفكروا وليبحثوا عن هذا النور المفقود
عند كثير من الناس اليوم
يا رب إنك للخالئق نور....يسفي الضالل فيسقط الديزور
وتضيء ألباب البرايا بالنهى....فتعود باآلي الحصيف تمور
وبك النفوس تعيش كل سكينة....ال الخوف يضنيها وليس تخور
فامأل إلهي باليقين صدورنا....ليعم فينا راحة وسرور
إذًا هيا أيها األحباب نسارع إلى هذا النور هيا نبحث ،ونعمل ،ونجتهد،
ِف ٍة
لكي يتحصل لنا النور من اهلل تعالى وقد قال تعالىَ( :و َس اِر ُعوْا ِإَلى َمْغ َر ِّمن َّر ِّبُك ْم
َو َج َّنٍة َعْر ُضَه ا الَّس َم اَو اُت َو اَألْر ُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن ) [آل عمران\]133
ثم اعلموا أيها األحباب علم اليقين أن هذا النور الذي نسعى إليه إذا
وجد في واحد منا ،فسينال صاحبه أنوارًا من اهلل في الدنيا ،ونور عند
اللحظات الحاسمة عند الموت ،ونور في قبره ،ونور في عرصات يوم القيامة
وخصوصًا عند جسر جهنم ،ونور في الجنة ونعيمها ..فتعالوا معنا نأخذ األنوار
نورًا نورا في الدنيا ،إلى أن نصل إلى الجنة مكان النور ،تعالوا نعدد الثمرات
واألنوار للمتقين في الدنيا ..فأول ثمرة يجنيها المتقي صاحب ذاك النور وأول
نور يحصل عليه ،وأول وسام يأخذه إن كان من المتقين في الدنيا أنه ينتفع
بالقرآن ،فالمتقين دائمًا يسمعون القرآن فينتفعون بتالوته وينتفعون به ،ال
يحدثون أنفسهم بشيء إذا قرأ القرآن ،إال بالقرآن ..فالقرآن عندهم بستان
العارفين ،أينما حلوا منه حلو في رياض نضرة ،المتقين أهل تدبر وتفكر
واتعاظ بالقرآن ،اسمع لمحمد ابن المنكدر عندما سأله أبو حازم عن البكاء
طيلة ليله فيقول ( :آية من كتاب اهلل أبكتني وهي قوله تعالى (َو َبَد ا َلُه ْم ِم َن الَّلِه َما
َلْم َيُك وُنوا َيْحَتِس ُبوَن )
وقال طبيب القلوب وهيب ابن الورد :لم نجد شيئًا أرق للقلوب وال أشد استجالبًا
للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره ..فرحم اهلل أيها األحباب أقوامًا كانوا إذا
مروا بآية فيها ذكر النار ،فكأن زفيرها في آذانهم
منع القرآن بوعده ووعيده....مقل العيون بليلها ال تهجع
فهموا عن الملك الجليل كالمه....فهمًا تذل له الرقاب وتخضع
ثم اسمع لعبد الرحمن التميمي إذ يقول (:ألغلبن الليلة على المقام .قال :فلما
صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه .قال :فبينما أنا قائم إذا رجل
وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان رضي اهلل عنه! قال فبدأ بأم القران
فقرأ حتى ختم القران فركع وسجد ثم أخذ نعليه فال أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم
ال)
فقد كان يرحمه اهلل يقرأ القرآن في ركعة ثم يوتر فيها في حديث إسناده صحيح
قال ابن كثير في تفسيره :روي عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالىَ( :أَّمْن ُه َو
َقاِنٌت آَناء الَّلْيِل َس اِج دًا َو َقاِئمًا َيْح َذ ُر اآْل ِخ َر َة َو َيْر ُج و َر ْح َم َة َر ِّبهِ) [الزمر\]9
قال ابن عمر :هو عثمان ابن عفان ..هو عثمان ابن عفان
وقال ابن سيرين :قالت امرأة عثمان حين قتل رحمه اهلل واهلل لقد قتلتموه
وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة .
أرأيتم الحياة الحقيقية للمتقين ،عندما يكون القرآن ربيعًا لقلوبهم
ثم اسمع لهذا الخبر وهذا النور من أنوار التقوى بالقرآن...
ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار عن إمام المدينة نافع ابن عبد الرحمن
يرحمه اهلل ..أن رجًال ممن قرأ على نافع قال :إن نافعًا كان إذا تكلم يشم
من فيه رائحة المسك ،فقلت له يا أبا عبد اهلل أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس
فقال :واهلل ما أمس طيبًا ،ولكني رأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم في المنام
وهو يقرأ في في فمن ذلك الوقت أشم من في هذه الرائحة ...فرحم اهلل شيخ
القراء نافعًا فقد قرأ على سبعين من التابعين وأقرأ الناس دهرًا طويًال ،وجعل
اهلل القرآن نورًا له في الدنيا ،ونورًا لنا ..نسأل اهلل أن يكون لنا نورًا في الدنيا
وفي اآلخرة ..إنه ولي ذلك والقادر عليه
سل القلوب التي الذت من خالقها وأشعلت لسن اإليمان قنديًال
سل العيون التي فاضت مدامعها من خشية اهلل إشفاقًا وتبجيًال
سل النفوس التي باألمس يوقظها كتاب ربي فتحيي الليل ترتيال
سل المحاريب كم ضجت بمبتهِل وكم ترقرق فيها الدمع مسبوًال
تاقت إلى الحور والفردوس أنفسهم فذللوا دربهم للخلد تذليًال
قد أدخلوا جنة الدنيا فواله في ممن يقاسي لظى الحرمان مغلوًال
واهلل واهلل أيمانًا أصيح بها ال والذي نزل القرآن تنزيًال
من لم ينل جنة الدنيا فحاجبه عن جنة الخلد قلب بات سجيًال
نعم ...من لم ينل أيها األحبة جنة الدنيا بذكر اهلل وبالقرآن ،فهو عن
جنة الخلد قلب بات سجيًال
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا محبة اهلل لهم ومعيته لهم في الدنيا
والذي يدل ذلك من األدلة في الكتاب والسنة قوله تعالى:
(َبَلى َمْن َأْو َفى ِبَعْه ِدِه َو اَّتَق ى َفِإ َّن اَهلل ُيِح ُّب اْلُم َّتِق يَن )
وقوله تعالىِ( :إَّن الَّلَه َمَع اَّلِذ يَن اَّتَق ْو ا َو اَّلِذ يَن ُه ْم ُمْح ِس ُنوَن ) (النحل)128:
ويقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم (إن اهلل يحب العبد التقي الغني الخفي )
ثم اعلموا أيها األحباب أن اهلل إذا أحب عبدًا ،وضع له القبول في األرض
فيقبل الناس منه كالمه ودعوته وأمره ونهيه على نهج من الكتاب والسنة
نسأل اهلل أن يحبنا اهلل وأن نكون مع األنبياء والرسل ثم األمثل فاألمثل.
أيها األحباب ،ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن المتقين ال يخافون من
كيد الكائدين وال عدوان المعتدين مهما كادوا ومكروا واعتدوا على المؤمنين
المتقين ..فاهلل مع المتقين...فاهلل مع المتقين
(َو َم َك ُر وا َو َم َك َر الَّلُه َو الَّلُه َخ ْيُر اْلَم اِكِر يَن ) [ال عمران\]54
استمع لهذه القصة من خبر ذاك العابد الزاهد الورع التقي الربيع ابن خثيم
حيث إن أناس أرادوا المكيدة للربيع وفتنته عن الحق والنور ،وأرادوا إضالله
فأمروا امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه ،وجعلوا
لها إن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب ،وتطيبت
بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده ،فنظر إليها ،فراعه
أمرها ،فأقبلت عليه وهي سافرة فقال لها الربيع بقوة وحزم :كيف بك لو قد
نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لون بهجتك ،أم كيف بك لو قد نزل
بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتيد ،أم كيف بك لو سألك منكر ونكير فصرخت
المرآة صرخة فسقطت مغشيًا عليها...
يقول الراوي :فواهلل ..لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت
كأنها جذع محترق أرأيتم أيها األحبة أن نور التقوى لم يفقد بل أعطاه الربيع لتلك
المرأة التي كانت تعيش في الظلمات فعاشت بذلك النور إلى أن ماتت على العبادة
يرحمها اهلل..
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن اهلل يمد المتقين بمدد من السماء
بأنهم أولياء اهلل تعالى ،فولي اهلل مستجاب الدعوة..فلماذا مستجاب الدعوة ؟؟
ألنه متق هلل ،يمشي بنور اهلل ،فنور اهلل يهديه في الظلمات ،ويصرف عنه المكر
والكيد في األزمات ..تأملوا أيها األحباب حال نبيكم صلى اهلل عليه وسلم في
غزوة بدر ومعه نفر قليل ،عددهم قليل بالنسبة لعدد المشركين ولكن اهلل
نصر نبيه وصحابته الكرام على أعدائهم ،وما ذلك أيها األحباب إال بنور التقوى
واليقين والصدق مع اهلل فقال تعالىَ( :و َلَق ْد َنَص َر ُك ُم الَّلُه ِبَبْد ٍر َو َأْنُتْم َأِذ َّلٌة َفاَّتُقوا
َتْش ُك ُر وَن ) (آل عمران \)123 الَّلَه َلَعَّلُك ْم
تأملوا هذه اآلية بقلوبكم ،تجدون أن الذي نصر القوم هو نور التقوى كما هو
واضح في اآلية ،ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى تحجب
وتمنع صاحبها من الزيغ والضالل بعد الهداية ..نعم أيها األحبة ،التقوى
تكون حجابًا لصاحبها في الدنيا من االنحراف واالنتكاس بعد ما من اهلل عليه
بااللتزام والهداية ،والذي يدل لذلك قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم في حديث
عرض الفتن عن القلوب فقال ( :فمن القلوب من ينكر الفتن ويبتعد عنها )
كما قال النبي صلى اهلل عليه وسلم (يكون متق هلل )لذلك فال تضره فتنة مادامت
السماوات واألرض وهذا وعد من اهلل على لسان رسوله صلى اهلل عليه وسلم
الذي ال ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى ،قال تعالى (َو َلْو َأَّنُه ْم َفَعُلوا َما
ُيوَعُظوَن ِبِه َلَك اَن َخ ْيًر ا َلُه ْم َو َأَشّد َتْثِبيًتاَو ِإذًا آَّل َتْيَناُه م ِّمن َّلُد َّنـا َأْج رًا َعِظ يمًا
َو َلَه َد ْيَناُه ْم ِص َر اطًا ُّمْس َتِق يماً)
اسمع لهذه القصة ،قصة ذاك الشاب المتقي هلل ،الذي حماه اهلل من الزيغ و
الضالل والولوع في أوحال الظلمات ،ظلمات الكفر والموبقات والمعاصي
قيل ألبي بكر المسكي إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام ،فما سببه
يرحمك اهلل ؟ فقال واهلل لي سنين عديدة لم أستعمل المسك ولكن سبب ذلك
أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها وأغلقت دوني األبواب وراودتني
عن نفسي ،فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل،فقلت لها إن لي حاجة إلى
الطهارة.فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة ..ففعلت،فلما دخلت بيت
الراحة أخذت العذرة –أكرمكم اهلل -وألقيتها على جميع جسمي ثم رجعت إليها
وأنا على تلك الحالة فلما رأتني دهشت ثم أمرت بإخراجي فمضيت واغتسلت
فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائًال يقول ( :فعلت ما لم يفعله أحد
غيرك ألطيبن ريحك في الدنيا واآلخرة ) فأصبحت والمسك يفوح مني
واستمر ذلك إلى اآلن.
أرأيتم الرجال أيها األحباب ،وحياتهم ،وكراماتهم بسبب تقواهم وإخالصهم هلل
إنهم رجال ركبوا تلك السالمة وجروا بريح التقوى واالستقامة ،فقطعوا بحار
العقب والندامة ،ونجوا من األهوال يوم القيامة فقال فيهم الشاعر
هلل قـوم لـدار الخلـد أخلصهـم ..وخصهم لجزيـل الملـك موالنـا
فلو تراهم غدًا فـي دار ملكهـم ..قد توجوا من حلي الكون تيجانـا
وقد دعاهم إلى الفردوس سيدهـم ..إلي الزيـارة والتسليـم ركبانـا
قد جاوزوا دار السالم وقـد ..أبدي لهم وجهه الرحمن سبحانـا
خـروا سجودًا فناداهـم بعزتـه ..إني رضيت بكـم قربـًا وجيرانـًا
إني خلقت لكـم دار النعيـم فـال ..ترون بؤسًا وال تخشون أحزانـا
وهو الجزاء مني لكم على عمـل ..أخلصتموه وكنتـم فـي إخوانـا
أيها األحباب..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن التقوى تفتح ألصحابها
البركات من السماء واألرض ،فينال المتقي هلل البركة في رزقه وماله وأوالده
ووقته وجميع ما يملك ،وجميع أفعاله وحياته،فهو رجل مبارك ألنه متقي هلل
بأقواله وأفعاله ،قال تعالى َ( :و َلْو َأَّن َأْه َل اْلُقَر ى آَم ُنوْا َو اَّتَقوْا َلَفَتْح َنا َع َلْيِهم
َبَر َك اٍت ِّم َن الَّس َم اِء َو اَألْر ِض َو َلـِكن َك َّذ ُبوْا َفَأَخ ْذ َناُهم ِبَم ا َك اُنوْا َيْك ِسُبوَن )
لكنهم لم يؤمنوا حقيقة اإليمان ،لكنهم لم يتقوا اهلل حقيقة التقوى ،فكانت
العقوبات كما ترون وكانت نزع البركات وكثرة اآلفات ،فالجزاء واهلل يا أيها
األحباب من جنس العمل ..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى
تجعل صاحبها يفرق بين الحق والباطل ،وينال العبد بعدها الفضل العظيم
من اهلل تعالى بتكفير السيئات وتبديلها حسنات من اهلل ،ثم ينال العبد بعدها
مغفرة اهلل ورحمته ورضوانه إلى يوم القيامة ،قال تعالى مبينًا ذلك :
ِف ِت ِذ
(َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَمُنوْا َإن َتَّتُقوْا الّلَه َيْجَعل َّلُك ْم ُفْر َقانًا َو ُيَك ِّف ْر َعنُك ْم َس ِّيَئا ُك ْم َو َيْغ ْر
َلُك ْم َو الّلُه ُذو اْلَف ْض ِل اْلَعِظ يِم )
فيعرف العبد بعد ذلك الحالل والحرام ،ويعرف المشتبهات فال يقع في الفتن
والضالل،فينال بعد ذلك األجر العظيم من اهلل والثواب الجزيل منه سبحانه
ويمشي المتقي بنور من اهلل تعالى ،بنور العلم والهدى في ظلمات الجهل
والسيئات ،قال تعالى ( :يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَمُنوا اَّتُقوا اَهلل َو آِم ُنوا ِبَر ُس وِلِه ُيْؤ ِتُك ْم ِكْفَلْيِن
ِم ْن َر ْح َم ِتِه َو َيْجَعْل َلُك ْم ُنورًا َتْم ُش وَن ِبِه َو َيْغِف ْر َلُك ْم َو اُهلل َغُف وٌر َر ِح يٌم) [الحديد\]27
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن هللا يحمي عبده المتقي المؤمن من
الشيطان وجنده يحميه من همزه ولمزه ونفخه ،يحميه من وسوسته
وإغوائه وكيده ،يحميه من طرقه ومداخله وشبهاته المضلة لبني البشر ،يحميه من
أمره ونهيه وضالله وتزيينه وتلبيسه ،قال تعالىِ( :إَّن اَّلِذ يَن اَّتَق وْا ِإَذا َم َّس ُه ْم َطاِئٌف
ِّمَن الَّش ْيَطاِن َتَذ َّك ُر وْا َفِإ َذا ُه م ُّمْبِص ُر وَن َو ِإْخ َو اُنُه ْم َيُم ُّد وَنُه ْم ِفي اْلَغِّي ُثَّم َال ُيْق ِص ُر وَن )
ففرق اهلل في هذه اآلية بين المتقين ،الذين إذا أحسوا بالذنب أو فعلوا الذنب
رجعوا إلى اهلل ،واستغفروا وأنابوا واستدركوا ما فات منهم بالتوبة النصوح
على عكس إخوان الشياطين ،وأولياء الشيطان ،فهم ال يزالون من الغواية
والضالل من الشيطان كأنهم مسلسلين بالقيود والعياذ باهلل .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن أهل التقوى دائمًا في ذكر وتوبة
واستغفار اهلل في كل حال ،في الحل والترحال ،وخصوصًا وقت السحر،
وقت النزول اإللهي ،قال تعالى (اَّلِذ يَن َيُقوُلوَن َر َّبَنا ِإَّنَنا آَم َّنا َفاْغِف ْر َلَنا ُذُنوَبَنا َو ِقَنا
ِف ِفِق ِنِت ِدِق ِب
َعَذ اَب الَّناِر ) من هم ؟؟ (الَّصا ِر يَن َو الَّصا يَن َو اْلَق ا يَن َو اْلُم ْن يَن َو اْلُمْس َتْغ ِر يَن
ِباَألْسَح اِر )
وإليكم أيها األحبة هذه النماذج عن حال وأنوار المتقين في الدنيا ،وذكرهم
هلل وشدة عبادتهم له باستغالل أوقاتهم للذكر والعبادة
ذكر الحافظ البزار في األعالم العلية في مناقب ابن تيمية قدس اهلل روحه
قال عنه
(أما تعبده رضي اهلل عنه فإنه قل إن سمع بمثله ألنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه
حتى انه لم يجعل لنفسه شاغل يشغله عن اهلل تعالى)
يقول( :فال يزال في الذكر يسمع نفسه ومن إلى جانبه ،هكذا دأبه رحمه اهلل
حتى ترتفع الشمس )
يقول ابن القيم تلميذه يرحمه اهلل في الوابل الصيب يقول :سمعت شيخ اإلسالم
ابن تيمية قدس اهلل روحه يقول ( :الذكر للقلب مثل الماء للسمك ،فكيف يكون
حال السمك إذا فارق الماء ) فسبحان اهلل ..سبحان اهلل من أشهد عباده جنته
قبل لقائه ،وفتح لهم أبوابها في دار العمل ،فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها
ما استفرغ قواهم لطلبها ..قال بعض العارفين :مساكين أهل الدنيا ،خرجوا
من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها .قيل وما أطيب ما فيها ؟ قال :محبة اهلل
ومعرفته وذكره ..وقال آخر :إنه لتمر للقلب أوقات يرقص فيها القلب طربًا
فأقول :إن كان أهل الجنة في مثل هذا إن هم واهلل لفي عيش طيب
يا من يذكرني بعهد أحبتي ..طاب الحديث بذكرهم ويطيب
أعد الحديث علي من جنباته ..إن الحديث عن الحبيب حبيب
حبيب مأل الضلوع و فاض عن أجنابها ..قلب إذا ذكر الحبيب يذوب
ما زال يخفق ضاربا بجناحه ..يا ليت شعري هل تطير قلوب
وقال ابن القيم رحمه اهلل :محبة اهلل ومعرفته ودوام ذكره هو جنة الدنيا
وهو النعيم الذي ال يشبهه نعيم ،وهو قرة عيون المحبين وحياة العارفين
يا ذا الذي أنس الفؤاد..أنت الذي ما إن سواه أريد
تفنى الليالي والزمان بأسره..وهواك غٌّض في الفؤاد جديد
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أيها األحباب ،أن المتقين هلل يحصل
لهم الفرج والمخرج من كل شدة ومشقة وكرب ،ويرزق اهلل المتقين من حيث
ال يحتسبوا ،وييسر اهلل بها أمورهم في الحياة والشواهد على ذلك كثيرة
قال تعالى (َو َمن َيَّتِق الَّلَه َيْجَعل َّلُه َم ْخ َر جًا َو َيْر ُزْقُه ِم ْن َح ْيُث اَل َيْحَتِس ُب )
( َو َمْن َيَّتِق الَّلَه َيْجَعْل َلُه ِم ْن َأْم ِر ِه ُيْس رًا) (الطالق\)4
تأملوا حال المتقين في الدنيا ،وأنوار التقوى تشع من وجوههم ،تأملوهم وكيف
أن اهلل يفرج عنهم ويخرجهم من الكروب والشدائد ،وذلك بدعائهم وإخباتهم هلل
حين الكرب ،فهم أولياؤه المتقون ،كيف ال يفرج عنهم وهم متوكلون عليه؟
كيف ال ينجيهم القانتون العابدون التائبون إليه سبحانه وتعالى
اسمع هذا الخبر عن هذا الرجل المتقي هلل ،إنه من السلف ،إنه رجل جعل
تقوى اهلل نصب عينيه فلم يحد عنها يمنة ويسرى ،إنه الزاهد العابد التقي
إبراهيم ابن أدهم ..قال عبد الجبار ابن كليب :كنا مع إبراهيم ابن أدهم في سفر
فعرض لنا ( السبع ) فقال إبراهيم دعاء وقال قولوا به فإن اهلل يحرسكم به قال
قولوا :اللهم احرسنا بعينك التي ال تنام ,واحفظنا بركنك الذي ال يرام ,وارحمنا
بقدرتك علينا ,ال نهلك وأنت رجائنا يا اهلل يا اهلل
قال الراوي :فولى السبع هاربا ،فأنا أدعوا به عند كل أمر مخوف فما رأيت من
هذا الدعاء إال خيرا
وذكر ابن خلكان في وفيات األعيان ( أن إبراهيم بن أدهم في البحر ،وهبت ريح،
واضطربت السفن ،وبكى الناس ،فقيل لبعضهم :هذا إبراهيم بن أدهم ،لو سألتموه
أن يدعو اهلل فهو مستجاب الدعوة
وكان إبراهيم قائمًا في ناحية من السفينة ملفوفًا رأسه ،فد دنا إليه رجل ال يريد
إبراهيم أن يعرفه وقال :يا أبا إسحاق ،ما ترى ما فيه الناس؟ ادع لهم وأنت
ترى حالهم ..فرفع رأسه ،وقال :اللهم قد رأيتنا قدرتك فأرنا رحمتك.
قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك..يقول الراوي فهدأت السفن).
أرأيتم أيها األحباب كيف ينجي اهلل المتقين بدعائهم ،أرأيتم نور التقوى ماذا
تفعل بأصحابها في الدنيا ..فماذا ننتظر أيها األحبة بعد ذلك؟؟
ماذا ننتظر ؟؟أننتظر أن يمدنا اهلل بالتقوى بدون عمل ..كال واهلل فإن السماء ال
تمطر أبدًا ذهبًا وال فضة .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن المتقين هم دائمًا أهل خشية واإلنابة
هم أهل العظة واالعتبار هم أهل الزواجر ..وقد قال اهلل سبحانه وتعالى عنهم
(َه ـَذ ا َبَياٌن ِّللَّناِس َو ُه ًد ى َو َمْو ِع َظٌة ِّلْلُم َّتِق يَن )
فالمتقون ،هم أهل البكاء من خشية اهلل ،إذا ذكرت النار خافوا وفزعوا ،إذا ذكر
القبر ارتعدت فرائسهم خوفًا أن يكون مصيرهم العذاب في النار وبأس القرار
فعن عبد اهلل ابن الشخير رضي اهلل عنه قال ( رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ) بأبي هو وأمي يبكي
حتى يبل ثوبه ،ويبل الثرى بدموعه ونحن أيها األحباب واهلل ،تمر علينا اآليات
والمواعظ والزواجر وال نبكي إلى قلوبنا القاسية من كثرة الظلمات وقد قال تعالى
(َفَو ْيٌل ِّلْلَق اِس َيِة ُقُلوُبُه م ِّم ن ِذ ْك ِر الَّلِه) (الزمر\)22
مر النبي صلى اهلل عليه وسلم أيها األحباب بقبر يدفنوه صحابته فبدر من بين
أيديهم ثم واجه القبر حتى بّل الثرى من دموعه ،و قال عليه الصالة و السالم :
(أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا ) .لمثل هذا اليوم فأعدوا ..فهل أعددنا أيها
األحباب أنوارًا ليوم القبر ،أم أعددنا ظلمات والعياذ باهلل؟
لما احتضر سفيان الثوري جعل يبكي فقيل له :يا أبا عبد اهلل عليك بالرجاء فإن
عفو اهلل أعظم من ذنوبك ,
فقال :أو على ذنوبي أبكي ؟؟؟ لو علمت أني أموت على التوحيد ,لم أبال بأن
ألقى اهلل بأمثال الجبال من الخطايا ،ولكني أخاف أن أسلب اإليمان قبل أن أموت
فيا سبحان اهلل ..يا سبحان اهلل
عوتب الحسن البصري في شدة حزنه وخوفه فقال :ما يؤمنني أن يكون اهلل
تعالى قد اطلع فّي على بعض ما يكره فمقتني فقال :اذهب فال غفرت لك
فرحم اهلل البكائين من خشية اهلل ،رحم اهلل المتقين هلل خوفًا من اهلل
رحم اهلل تلك األنوار التي كانت تشع منها الصدق واليقين والخشية والخوف
من اهلل ..واهلل أيها األحباب ،لن تغني عنا الدنيا بملذاتها وال شهواتها إذا نحن
ال نخاف من اهلل ،مثلما خافوه ،واهلل لن تنفعنا أموالنا وال أوالدنا وال قصورنا
وال دورنا إذا لم نعظمه سبحانه وتعالى أشد التعظيم ،ونخشاه أشد الخشية مثل
أولئك القوم الذين كانت حياتهم نورًا وتقوًى من اهلل
بكيت على هول الصراط وذكره ...وهول زفير النار من أعظم الذكر
وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا ...لخالق كل الخلق في السر والجهر
ومن يك ذا خوف شديد لهوله ...فإن له أمنا من الهول في الحشر
فليس لمن يبكي لهول صراطه جزاء سوى دار النعيم مع الفخر
فيا له من هول فظيع يجوزه ...رجال أطاعوا اهلل في سالف العمر
وبعد هذه الثمرات واألنوار من المتقين أيها األحبة في الدنيا قبل الممات ،نذكر
لكم تلك األنوار في اللحظات الحاسمة ،تلك اللحظات الحرجة التي هي حسن
الختام للمتقين ،تلك السكرات التي قال عنها نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم
(إن للموت سكرات ) اهلل هون علينا سكرات الموت
ثم انظر لحال المتقين في اللحظات األخيرة وهم يرجعون للدنيا ..انظر لحالهم مع
هذه القصة المؤثرة لرجل كان من المتقين ،انظر لحاله عند الموت ،هذه القصة
واهلل حقيقية.يرويها ولد ابنه فيقول :كان جدي حافظًا لكتاب اهلل ويعلم الناس
بدون أجر ،فكبر سنه ورق عظمه ،وبلغ من الكبر عتيًا ،حتى أنه فقد الذاكرة
فنسي جميع من يعرفهم ،حتى أسماء أبنائه ..واستمرت هذه الحالة عشرين سنة
ولكن العجيب ..أنه إذا قرأ القرآن وكنت بجواره أسمعه ال يخطئ في حرف واحد
أبدًا ،وفي يوم من األيام ،وفي وقت السحر ،وقت نزول الرحمن الذي يليق
بجالله ،وإذا بجدي ينادي باسم أبي :يا عبد اهلل ..يا عبد اهلل ..وقد نسيه منذ
عشرين سنة ،فرح أبي وانطلق إلى غرفة أبيه فرحًا بأنهم استعاد الذاكرة فقال
ماذا تريد يا أبي فقال :فكان جدي رحمه اهلل ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال:
يا بني ..هل ترى هذين الرجلين الجميلين ،الذي يرتدي كل واحد منهما عمامة
بيضاء .؟ التفت أبي فما رأى شيئًا..فقال يا أبي ..إني ال أرى شيئًا فقال جدي
يرحمه اهلل :صدق اهلل حين قال (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)
وكأن اهلل يشير إلى حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم الذي رواه البراء ابن
عازب (أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من اآلخرة نزل إليه
من السماء مالئكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة
وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر) الحديث
ثم يقول :فرفع جدي سبابته ثم قال :أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن محمدًا
رسول اهلل ..ثم فاضت روحه إلى اهلل نسأل اهلل أن يبعثه يوم القيامة قارئًا للقرآن
انظر يا أخي في اهلل إلى هذه الخاتمة الحسنة أن يموت اإلنسان قارئًا لكتاب اهلل
ويحشر على هذه الحال،أو أن يموت والعياذ باهلل مغنيًا أو مطبًال ،نسأل اهلل
السالمة والعافية
ثم انظروا أيها األحباب وتأملوا حال المتقين في البرزخ ،كيف أن اهلل سبحانه
وتعالى يفتح للمتقي باقة من الجنة ،يأتيه من روحها ونسيمها وطيبها،ويقال
له نم نومة العروس حتى تقوم الساعة ،ثم انظر لحال المتقين يوم القيامة
حيث أن اهلل سبحانه وتعالى حكى ذلك في القرآن وقال في عرصات يوم القيامة
واسمعوا لهذه اآليات فواهلل إن فيها أنوار للمتقين يوم القيامة ،يقول:
ِن ِد ِم ِت ِم ِن
(َيْو َم َتَر ى اْلُم ْؤ يَن َو اْلُم ْؤ َنا َيْس َعى ُنوُرُه م َبْيَن َأْي يِه ْم َو ِبَأْيَم ا ِه م ُبْش َر اُك ُم اْلَيْو َم
َج َّناٌت َتْج ِر ي ِم ن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َذِلَك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم)
هذا هو الفوز أيها األحبة،و واهلل هذا هو الفوز العظيم للمتقين كيف كانت حياتهم
كيف كانت أقوالهم ،كيف كانت أوقاتهم ،إنها تقوى من اهلل وخوف وخشية منه
سبحانه وتعالى..أعلمتم أيها األحبة علم اليقين بعد هذه الثمرات واألنوار للمتقين
كيف أن اهلل أعطاهم الجزاء األحسن واألفضل لهم ،وهل جزاء اإلحسان إال
اإلحسان ،إذا علمنا ذلك فلماذا ال نسارع إلى الجنة ؟لماذا ال نشتاق إلى الجنة
لماذا ال نعمل بنور التقوى واإليمان حتى نصل إلى الجنة التي هي ميراث المتقين
قال تعالى ِ( :تْلَك اْلَج َّنُة اَّلِتي ُنوِر ُث ِم ْن ِع َباِد َنا َمْن َك اَن َتِق ّيًا ) (مريم \)63
فيا من يريد العاقبة الحميدة ،ويريد قبول األعمال الصالحة له ،ما عليك إال أن
تلحق بركاب المتقين ،فالجنة ال يدخلها إال المتقين قال تعالىِ( :تْلَك الَّد اُر اآْل ِخ َر ُة
َنْجَعُلَه ا ِلَّلِذ يَن اَل ُيِر يُد وَن ُعُلًّو ا ِفي اَأْلْر ِض َو اَل َفَس اًدا ۚ َو اْلَعاِقَبُة ِلْلُم َّتِق يَن ) (القصص\
)83
وشتان أيها األحبة بين نور المتقين وظلمات المعاصي والظالمين
شتان بين النور والظلمات....نزلت بذلك محكم اآليات
يا غافًال والموت يطلبه أما....فكرت فيما تمضي الساعات
أقبل على الرحمن واطلب عفوه....فعسى المهيمن يغفر الزالت
أقصاك ليل الجهل والران الذي....أغشى فؤادك حالك الظلمات
ماذا جنيت به سوى األلم الذي ....أسقاك طعم مرارة المأساة
فالذنب أعظم ما يخاف ويتقى ....وعليه تسكب أصدق العبرات
وأطار نوم الصالحين فليلهم ....قد طاب بين تبتل وصالة
سئمت عيونهم لذاذات الكرى....وترفعت ورعًا عن القلوات
فأنار قيوم السماء وجوههم....وأثابهم بإجابة الدعوات
تشكي قلوب ذوي المعاصي وحشة....وتعيش بين تولع وشتات
البر يحييها ويقتلها الخنى....هل يستوي األحياء باألموات
فالبر نور والمعاصي ظلمة....شتان بين النور والظلمات