You are on page 1of 20

‫المقدمة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫ُلُه ِفي الُّظُل اِت‬ ‫ِش ِه ِف‬
‫َم‬ ‫(َأَو َمْن َك اَن َم ْيًتا َفَأْح َيْيَناُه َو َجَعْلَنا َلُه ُنوًر ا َيْم ي ِب ي الَّناِس َك َم ْن َمَث‬
‫َلْيَس ِبَخ اِر ٍج ِم ْنَه ا َكَذ ِلَك ُزِّيَن ِلْلَك اِفِر يَن َم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ) [األنعام‪]122-‬‬
‫إنها واهلل ظلمات ‪..‬إنها ظلمات‪..‬بل ندامات وحسرات عند السفرات‪.‬إنها ظلمات في‬
‫الدنيا وظلمات عند الموت وظلمات في القبر‪..‬وظلمات في عرصات يوم‬
‫القيامة‪..‬وظلمات على جسر جهنم فيصل صاحب تلك الظلمات إلى النار والعياذ‬
‫باهلل‪...‬شتان بين النور والظلمات‬
‫شتان بين النور والظلمات‪....‬نزلت بذلك محكم اآليات‬
‫يا غافًال والموت يطلبه أما‪....‬فكرت فيما تمضي الساعات‬
‫أقصاك ليل الجهل والران الذي‪....‬أغشى فؤادك حالك الظلمات‬
‫المعاصي‪...‬‬
‫توهن القلب وتضعفه‪..‬تحرم الرزق وتزيل النعم وتحل النقم‬
‫نور وظلمات‪..‬‬
‫ما الذي أخرج آدم وأمنا من الجنة؟؟‬
‫وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه؟؟‬
‫وما الذي سلط الريح على قوم عاد؟؟‬
‫المعاصي‪..‬‬
‫ما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة ؟؟‬
‫وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل؟؟‬
‫وما الذي أغرق فرعون؟‬
‫وما الذي خسف بقارون؟؟‬
‫أليست الذنوب والمعاصي؟؟‬
‫فالذنب أعظم ما يخاف ويتقى‪....‬وعليه تسكب أصدق العبرات‬

‫قصص‪..‬‬
‫فصرخت المرأة صرخة ‪..‬فسقطت مغشيًا عليها‪ ،‬فعاشت بذاك النور إلى أن ماتت‬
‫على العبادة‪..‬يرحمها اهلل‬
‫قصص‪..‬‬
‫كان في البحر وهبت الريح‪..‬واضطربت السفينة‪..‬وبكى الناس ‪،‬فرفع رأسه وقال‬
‫اللهم قد أريتنا قدرتك ‪..‬فأرنا رحمتك!‬
‫رحم اهلل تلك األنوار‬
‫إن هذا النور هو حاذي األرواح إلى بالد األفراح‪..‬نعم‪.‬إنه حاذي النفوس األبية‬
‫التي ال ترضى بالدون والقليل‪..‬إنها النفوس المؤمنة التقية التي دائمًا تسألها ربها‬
‫الجنة‬
‫تزود من التقوى فإنك ال تدري‪....‬إذا جن ليًال هل تعيش إلى الفجر‬
‫وكم من صحيح مات دون علة‪....‬وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر‬
‫نور وظلمات‪...‬‬
‫ال يوجد نور يهدى به اإلنسان من الظلمات إلى النور أفضل من نور اهلل‬
‫هل مر بكم نور صفاته وكراماته وخيريته أحسن من هذا النور ؟؟‬
‫وهل هناك أحد غير اهلل أخبر بنور غير هذا النور؟؟ كال وربي‬
‫يا رب إنك للخالئق نور‪....‬يسفي الضالل فيسقط الديزور‬
‫وتضيء ألباب البرايا بالنهى‪....‬فتعود باآلي الحصيف تمور‬
‫وبك النفوس تعيش كل سكينة‪....‬ال الخوف يضنيها وليس تخور‬
‫فامأل إلهي باليقين صدورنا‪....‬ليعم فينا راحة وسرور‬
‫إذًا هيا نسارع لهذا النور‪..‬هيا نبحث‪،‬ونعمل ‪،‬ونجتهد‬
‫فتعالوا معنا‪..‬‬
‫نأخذ األنوار نورًا نورًا في الدنيا إلى أن نصل إلى الجنة مكان النور‬
‫إذًا هيا أيها األحباب‪..‬هيا نسارع إلى هذا النور‬
‫‪...........................................................................‬‬
‫نور وظلمات‬
‫للشيخ عبد الواحد المغربي‬

‫أيها األحبة في اهلل ‪..‬حديثي إليكم عن نور وظلمات فيا ترى‪ ..‬ما هذا النور وتلك‬
‫الظلمات؟؟‬
‫إن هذا النور هو نور الحق الذي بعث فيه نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فأشرقت به األرض والسماوات‪ ..‬ودخل الناس بهذا النور أفواجًا بعد الظلمات‬
‫إن هذا النور هو طريقنا إلى الجنات‪..‬إن هذا النور هو ما بينه القرآن وبينته السنة‬
‫على لسان رسولنا وقدوتنا وإمامنا ‪..‬ونورنا إذا احلولكت المصائب والبليات‪ ..‬أيها‬
‫األحباب‪..‬يقول اهلل تعالى مبينًا ذلك النور من تلك الظلمات‬
‫فمن يتدبر القرآن‪..‬ومن يتعظ بالقرآن؟؟ ومن يعمل بذاك النور ويبتعد عن‬
‫الظلمات؟؟‬
‫اسمعوا أيها اإلخوة واألخوات كالم اهلل عن النور والظلمات‬
‫اسمع لتلك الحياة الحقيقة بعد الموت في الظلمات‬
‫قال تعالى‬
‫ُلُه ِفي الُّظُل اِت‬ ‫ِش ِه ِف‬
‫َم‬ ‫(َأَو َمْن َك اَن َم ْيًتا َفَأْح َيْيَناُه َو َجَعْلَنا َلُه ُنوًر ا َيْم ي ِب ي الَّناِس َك َم ْن َمَث‬
‫َلْيَس ِبَخ اِر ٍج ِم ْنَه ا َكَذ ِلَك ُزِّيَن ِلْلَك اِفِر يَن َم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ) [األنعام‪]122-‬‬
‫يقول السعدي يرحمه اهلل في تفسيره لهذه اآلية بكالم جميل جدًا‬
‫إن هذا الكالم هو الذي يهدينا في الظلمات‬
‫يقول رحمه اهلل ‪:‬أومن كان قبل الهداية في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي‬
‫فأحييناه بنور العلم واإليمان والطاعة‪ ،‬فصار يمشي بين الناس بهذا النور متبصرًا‬
‫في أموره ‪،‬مهتديًا لسبيله‪ ،‬عارف للخير مؤثرًا له‪ ،‬مجتهدًا في تنفيذه‪،‬‬
‫عارِف للشر مبغضًا له‪ ،‬مجتهدًا في تركه ‪ ،‬أيستوي هذا بمن هو في الظلمات‬
‫‪..‬ظلمات الجهل والكفر والمعاصي؟؟ انتهى كالمه رحمه اهلل‬

‫كال واهلل أيها األحباب ‪..‬ال يستوي هذا النور بهذه الظلمات ‪ ،‬كال واهلل ‪.‬وقد قال‬
‫تعالى‪ُ( :‬قْل َه ْل َيْس َتِو ي اَألْع َم ى َو اْلَبِص يُر َأْم َه ْل َتْس َتِو ي الُّظُلَم اُت َو الُّنوُر ) [الرعد ‪:‬‬
‫‪]16‬‬
‫وقال تعالى‪َ( :‬و َما َيْس َتِو ي اَألْع َم ى َو اْلَبِص يُر * َو َال الُّظُلَم اُت َو َال الُّنوُر * َو َال الِّظُّل َو َال‬
‫اْلَح ُر وُر * َو َما َيْس َتِو ي اَألْح َيآُء َو َال اَألْم َو اُت ِاَّن اللـه ُيْس ِم ُع َمن َيَش آُء َو َما َأنَت ِبُمْس ِم ٍع‬
‫َّمن ِفي اْلُقُبوِر ) ( فاطر‪)22-19/‬‬
‫أسمتعتم؟ أسمعتم يا من يريد النور؟ أسمعتم كالم اهلل ؟‬
‫إذًا هيا لبيان النور من الظلمات‪..‬هيا لنعرف حقيقة ذلك النور من تلك الظلمات ‪.‬‬
‫إن هذا النور الذي نريده ونتمناه يجعل العبد يخشى اهلل ويخاف عقابه وسخطه ‪،‬‬
‫ويجعله يعمل على نور من اهلل بطاعته سبحانه‪ ،‬يرجو ثواب اهلل ‪،‬ويترك‬
‫المعاصي‪..‬على نور من اهلل يخاف عقابه‪ ،‬إن هذا النور الذي نبحث عنه‬
‫يجعل الواحد منا يعظم اهلل أشد التعظيم ‪،‬فيطيع العبد ربه وال يعصيه ‪ ،‬ويذكره‬
‫وال ينساه‪ ،‬ويشكره وال يكفره أبدًا‪ ،‬يشكره بقلبه ولسانه وحركاته وسكناته‬
‫وجميع جوارحه‪..‬إن هذا النور يجعل العبد ينظر إلى ما أمامه وإلى خلفه‬
‫وعن يمينه وشماله ‪،‬فال يجعل للشيطان عليه سبيًال أبدًا ‪،‬كأنه ماٍش في طريق‬
‫في شوك ‪،‬فيحذر الشوك من جميع الجهات خوفًا على النور الذي معه‬
‫خل الذنوب صغيرها وكبيرها ‪..‬ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك‬
‫يحذر ما يرى ‪..‬ال تحقرن صغيرًة إن الجبال من الحصى‬
‫إن هذا النور أيها األحباب‪ ..‬هو من أعظم أسباب الفوز والفالح في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬لماذا أيها اإلخوة واألخوات؟؟ ألنه واهلل وصية اهلل لألولين واآلخرين‬
‫قال تعالى‪َ( :‬و َلَق ْد َو َّص ْيَنا اَّلِذ يَن ُأوُتوا اْلِكَتاَب ِم ْن َقْبِلُك ْم َو ِإَّياُك ْم َأِن اَّتُق وا الَّلَه) [النساء‪:‬‬
‫‪]131‬‬
‫فهل نلتزم بهذه الوصية التي لها النور لنا في الدنيا واآلخرة أم نتركها خلف‬
‫ظهورنا؟ فتكون عاقبتنا الظلمات في الدنيا واآلخرة والعياذ باهلل‬
‫أيها األحبة‪ ..‬إن هذا النور هو حاذي األرواح إلى بالد األفراح‬
‫نعم‪ ..‬إنه حاذي النفوس األبية التي ال ترضى بالدون والقليل ‪ ،‬إنها النفوس‬
‫المؤمنة التقية ‪ ،‬التي دائمًا تسأل ربها الجنة ‪..‬انظروا إلى نفوس الصحابة‬
‫رضوان اهلل عليهم لما سألوا نبيهم صلى اهلل عليه وسلم عن أكثر ما يدخل‬
‫الناس الجنة فقال ‪( :‬تقوى اهلل‪ ،‬وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل‬
‫النار قال‪( :‬الفم والفرج) فهال اتعظنا بذلك؟ وبذلنا أرواحنا وأموالنا وأوقاتنا في‬
‫سبيل الجنة ‪..‬أم أننا والعياذ باهلل تقاعسنا عن ذلك ‪..‬نسأل اهلل السالمة والعافية‬
‫إن هذا النور أيها األحباب يظهر على اإلنسان في أقواله وأفعاله وحركاته‪،‬فإذا‬
‫ما أردت أن تحكم على إنسان أنه يخاف اهلل ويتقيه ‪،‬فانظر إلى أقواله وأفعاله‬
‫فتحكم عليه‪،‬فإذا ما رأيت أقواله وأفعاله التقوى فقد كساني نفسه بلباس التقوى‬
‫ِت‬ ‫ِل‬ ‫ِن‬
‫الذي هو خير وقد قال تعالى‪َ ):‬يا َب ي آَد َم َقْد َأنَز ْلَنا َعَلْيُك ْم َباسًا ُيَو اِر ي َسْو َءا ُك ْم‬
‫َو ِر يشًا َو ِلَباُس الَّتْق َو َى َذِلَك َخ ْيٌر ([األعراف\‪]26‬‬
‫إذا المرء لم يلبس لباس التقى‪....‬تقلب عريانًا ولو كان كاسيًا‬
‫وخير لباس المرء طاعة ربه‪....‬وال خير في من كان هلل عاصيًا‬
‫وال خير أيها األحباب واهلل في من كان هلل عاصيًا ألنه والعياذ باهلل في الظلمات‬
‫إن هذا النور واهلل هو أهم من الطعام والشراب ‪،‬فلو فقد اإلنسان الطعام والشراب‬
‫ومات من شدة الجوع وهو متٍق هلل ‪،‬فهو مغفور له بإذن اهلل‪ ،‬ولكن لو مات من‬
‫شدة الجوع وهو في أوحال الظلمات والمعاصي والموبقات والمحرمات ‪،‬فيا‬
‫خسراه ويا ندامتاه يوم القيامة وقد قال تعالى‪َ( :‬و َتَز َّو ُدوا َفِإ َّن َخ ْيَر الَّز اِد الَّتْق َو ى‬
‫َو اَّتُق وِني َيا ُأْو ِلي اَأْلْلَباِب ) [البقرة\‪]197‬‬
‫تزود من التقوى فإنك ال تدري‪....‬إذا جن ليًال هل تعيش إلى الفجر‬
‫وكم من صحيح مات من غير علة‪....‬وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر‬
‫أرأيتم أيها اإلخوة واألخوات نورًا أفضل من هذا النور؟؟‬
‫هل مر بكم صفاته وكراماته وخيريته أحسن من هذا النور؟؟‬
‫وهل هناك أحد غير اهلل أخبر بنور غير هذا النور؟؟ كال وربي ال يوجد أحد‬
‫أخبر من اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪..‬كال واهلل ال يوجد نوٍر أحسن‬
‫من نور على نور ‪،‬يهدي به اهلل من اتبع رضوانه سبل السالم ‪،‬كال واهلل‬
‫ال يوجد نور يهدى به اإلنسان من الظلمات إلى النور أفضل من نور اهلل‬
‫ِه ِم ٍة ِف ِم‬ ‫ِت‬
‫وقد قال تعالى‪( :‬الَّلُه ُنوُر الَّس َم اَو ا َو اَأْلْر ِض َم َثُل ُنوِر َك ْش َك ا يَه ا ْص َباٌح‬
‫اْلِم ْص َباُح ِفي ُزَج اَج ٍة الُّز َج اَج ُة َك َأَّنَه ا َك ْو َك ٌب ُدِّرٌّي ُيوَقُد ِم ن َش َج َر ٍة ُّمَبا َك ٍة َز ْيُتوِنٍة اَّل‬
‫َر‬
‫َنا ُّنو َعَلى ُنوٍر ْه ِد ي الَّل ِلُنوِر ِه‬ ‫ِض‬ ‫ٍة‬ ‫ِق ٍة‬
‫ُه‬ ‫َي‬ ‫َش ْر َّي َو اَل َغْر ِبَّي َيَك اُد َز ْيُتَه ا ُي يُء َو َلْو َلْم َتْم َس ْس ُه ٌر ٌر‬
‫َم ن َيَش اء َو َيْض ِر ُب الَّلُه اَأْلْم َثاَل ِللَّناِس َو الَّلُه ِبُك ِّل َش ْي ٍء َعِليٌم ) [النور\‪]35‬‬
‫بين اهلل أيها األحبة في هذه اآلية أنه سبحانه نور بذاته ‪،‬وبين تعالى أن كتابه‬
‫نور وشرعه نور‪ ،‬واإليمان نور ‪،‬والتقوى نور‪،‬ومثل اهلل هذا النور بالمصباح‬
‫ووجه المثل هو حال المؤمن المستهدي بنور اهلل ‪،‬المستهدي بنور العلم واإليمان‬
‫والتقوى ‪،‬ويضرب اهلل األمثال للناس ليتفكروا وليبحثوا عن هذا النور المفقود‬
‫عند كثير من الناس اليوم‬
‫يا رب إنك للخالئق نور‪....‬يسفي الضالل فيسقط الديزور‬
‫وتضيء ألباب البرايا بالنهى‪....‬فتعود باآلي الحصيف تمور‬
‫وبك النفوس تعيش كل سكينة‪....‬ال الخوف يضنيها وليس تخور‬
‫فامأل إلهي باليقين صدورنا‪....‬ليعم فينا راحة وسرور‬
‫إذًا هيا أيها األحباب نسارع إلى هذا النور هيا نبحث ‪،‬ونعمل‪ ،‬ونجتهد‪،‬‬
‫ِف ٍة‬
‫لكي يتحصل لنا النور من اهلل تعالى وقد قال تعالى‪َ( :‬و َس اِر ُعوْا ِإَلى َمْغ َر ِّمن َّر ِّبُك ْم‬
‫َو َج َّنٍة َعْر ُضَه ا الَّس َم اَو اُت َو اَألْر ُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن ) [آل عمران\‪]133‬‬
‫ثم اعلموا أيها األحباب علم اليقين أن هذا النور الذي نسعى إليه إذا‬
‫وجد في واحد منا ‪،‬فسينال صاحبه أنوارًا من اهلل في الدنيا ‪،‬ونور عند‬
‫اللحظات الحاسمة عند الموت‪ ،‬ونور في قبره‪ ،‬ونور في عرصات يوم القيامة‬
‫وخصوصًا عند جسر جهنم ‪،‬ونور في الجنة ونعيمها ‪..‬فتعالوا معنا نأخذ األنوار‬
‫نورًا نورا في الدنيا‪ ،‬إلى أن نصل إلى الجنة مكان النور ‪،‬تعالوا نعدد الثمرات‬
‫واألنوار للمتقين في الدنيا ‪..‬فأول ثمرة يجنيها المتقي صاحب ذاك النور وأول‬
‫نور يحصل عليه ‪،‬وأول وسام يأخذه إن كان من المتقين في الدنيا أنه ينتفع‬
‫بالقرآن ‪،‬فالمتقين دائمًا يسمعون القرآن فينتفعون بتالوته وينتفعون به ‪،‬ال‬
‫يحدثون أنفسهم بشيء إذا قرأ القرآن ‪،‬إال بالقرآن ‪..‬فالقرآن عندهم بستان‬
‫العارفين ‪،‬أينما حلوا منه حلو في رياض نضرة‪ ،‬المتقين أهل تدبر وتفكر‬
‫واتعاظ بالقرآن ‪ ،‬اسمع لمحمد ابن المنكدر عندما سأله أبو حازم عن البكاء‬
‫طيلة ليله فيقول ‪ ( :‬آية من كتاب اهلل أبكتني وهي قوله تعالى (َو َبَد ا َلُه ْم ِم َن الَّلِه َما‬
‫َلْم َيُك وُنوا َيْحَتِس ُبوَن )‬
‫وقال طبيب القلوب وهيب ابن الورد ‪:‬لم نجد شيئًا أرق للقلوب وال أشد استجالبًا‬
‫للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره ‪..‬فرحم اهلل أيها األحباب أقوامًا كانوا إذا‬
‫مروا بآية فيها ذكر النار ‪،‬فكأن زفيرها في آذانهم‬
‫منع القرآن بوعده ووعيده‪....‬مقل العيون بليلها ال تهجع‬
‫فهموا عن الملك الجليل كالمه‪....‬فهمًا تذل له الرقاب وتخضع‬
‫ثم اسمع لعبد الرحمن التميمي إذ يقول ‪ (:‬ألغلبن الليلة على المقام‪ .‬قال ‪ :‬فلما‬
‫صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه‪ .‬قال ‪ :‬فبينما أنا قائم إذا رجل‬
‫وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان رضي اهلل عنه! قال فبدأ بأم القران‬
‫فقرأ حتى ختم القران فركع وسجد ثم أخذ نعليه فال أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم‬
‫ال)‬
‫فقد كان يرحمه اهلل يقرأ القرآن في ركعة ثم يوتر فيها في حديث إسناده صحيح‬
‫قال ابن كثير في تفسيره ‪:‬روي عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى‪َ( :‬أَّمْن ُه َو‬
‫َقاِنٌت آَناء الَّلْيِل َس اِج دًا َو َقاِئمًا َيْح َذ ُر اآْل ِخ َر َة َو َيْر ُج و َر ْح َم َة َر ِّبهِ) [الزمر\‪]9‬‬
‫قال ابن عمر ‪:‬هو عثمان ابن عفان ‪..‬هو عثمان ابن عفان‬
‫وقال ابن سيرين ‪ :‬قالت امرأة عثمان حين قتل رحمه اهلل واهلل لقد قتلتموه‬
‫وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة ‪.‬‬
‫أرأيتم الحياة الحقيقية للمتقين‪ ،‬عندما يكون القرآن ربيعًا لقلوبهم‬
‫ثم اسمع لهذا الخبر وهذا النور من أنوار التقوى بالقرآن‪...‬‬
‫ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار عن إمام المدينة نافع ابن عبد الرحمن‬
‫يرحمه اهلل ‪ ..‬أن رجًال ممن قرأ على نافع قال ‪ :‬إن نافعًا كان إذا تكلم يشم‬
‫من فيه رائحة المسك ‪،‬فقلت له يا أبا عبد اهلل أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس‬
‫فقال‪ :‬واهلل ما أمس طيبًا ‪،‬ولكني رأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم في المنام‬
‫وهو يقرأ في في فمن ذلك الوقت أشم من في هذه الرائحة ‪...‬فرحم اهلل شيخ‬
‫القراء نافعًا فقد قرأ على سبعين من التابعين وأقرأ الناس دهرًا طويًال‪ ،‬وجعل‬
‫اهلل القرآن نورًا له في الدنيا ‪،‬ونورًا لنا ‪..‬نسأل اهلل أن يكون لنا نورًا في الدنيا‬
‫وفي اآلخرة ‪..‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‬
‫سل القلوب التي الذت من خالقها وأشعلت لسن اإليمان قنديًال‬
‫سل العيون التي فاضت مدامعها من خشية اهلل إشفاقًا وتبجيًال‬
‫سل النفوس التي باألمس يوقظها كتاب ربي فتحيي الليل ترتيال‬
‫سل المحاريب كم ضجت بمبتهِل وكم ترقرق فيها الدمع مسبوًال‬
‫تاقت إلى الحور والفردوس أنفسهم فذللوا دربهم للخلد تذليًال‬
‫قد أدخلوا جنة الدنيا فواله في ممن يقاسي لظى الحرمان مغلوًال‬
‫واهلل واهلل أيمانًا أصيح بها ال والذي نزل القرآن تنزيًال‬
‫من لم ينل جنة الدنيا فحاجبه عن جنة الخلد قلب بات سجيًال‬

‫نعم‪ ...‬من لم ينل أيها األحبة جنة الدنيا بذكر اهلل وبالقرآن ‪ ،‬فهو عن‬
‫جنة الخلد قلب بات سجيًال‬
‫ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا محبة اهلل لهم ومعيته لهم في الدنيا‬
‫والذي يدل ذلك من األدلة في الكتاب والسنة قوله تعالى‪:‬‬
‫(َبَلى َمْن َأْو َفى ِبَعْه ِدِه َو اَّتَق ى َفِإ َّن اَهلل ُيِح ُّب اْلُم َّتِق يَن )‬
‫وقوله تعالى‪ِ( :‬إَّن الَّلَه َمَع اَّلِذ يَن اَّتَق ْو ا َو اَّلِذ يَن ُه ْم ُمْح ِس ُنوَن ) (النحل‪)128:‬‬
‫ويقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم (إن اهلل يحب العبد التقي الغني الخفي )‬
‫ثم اعلموا أيها األحباب أن اهلل إذا أحب عبدًا ‪،‬وضع له القبول في األرض‬
‫فيقبل الناس منه كالمه ودعوته وأمره ونهيه على نهج من الكتاب والسنة‬
‫نسأل اهلل أن يحبنا اهلل وأن نكون مع األنبياء والرسل ثم األمثل فاألمثل‪.‬‬
‫أيها األحباب ‪،‬ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ‪،‬أن المتقين ال يخافون من‬
‫كيد الكائدين وال عدوان المعتدين مهما كادوا ومكروا واعتدوا على المؤمنين‬
‫المتقين ‪..‬فاهلل مع المتقين‪...‬فاهلل مع المتقين‬
‫(َو َم َك ُر وا َو َم َك َر الَّلُه َو الَّلُه َخ ْيُر اْلَم اِكِر يَن ) [ال عمران\‪]54‬‬
‫استمع لهذه القصة من خبر ذاك العابد الزاهد الورع التقي الربيع ابن خثيم‬
‫حيث إن أناس أرادوا المكيدة للربيع وفتنته عن الحق والنور‪ ،‬وأرادوا إضالله‬
‫فأمروا امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه‪ ،‬وجعلوا‬
‫لها إن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب‪ ،‬وتطيبت‬
‫بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده‪ ،‬فنظر إليها ‪،‬فراعه‬
‫أمرها ‪،‬فأقبلت عليه وهي سافرة فقال لها الربيع بقوة وحزم ‪ :‬كيف بك لو قد‬
‫نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لون بهجتك ‪،‬أم كيف بك لو قد نزل‬
‫بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتيد ‪،‬أم كيف بك لو سألك منكر ونكير فصرخت‬
‫المرآة صرخة فسقطت مغشيًا عليها‪...‬‬
‫يقول الراوي ‪:‬فواهلل ‪..‬لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت‬
‫كأنها جذع محترق أرأيتم أيها األحبة أن نور التقوى لم يفقد بل أعطاه الربيع لتلك‬
‫المرأة التي كانت تعيش في الظلمات فعاشت بذلك النور إلى أن ماتت على العبادة‬
‫يرحمها اهلل‪..‬‬
‫ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ‪،‬أن اهلل يمد المتقين بمدد من السماء‬
‫بأنهم أولياء اهلل تعالى ‪،‬فولي اهلل مستجاب الدعوة‪..‬فلماذا مستجاب الدعوة ؟؟‬
‫ألنه متق هلل ‪،‬يمشي بنور اهلل ‪،‬فنور اهلل يهديه في الظلمات ‪،‬ويصرف عنه المكر‬
‫والكيد في األزمات ‪..‬تأملوا أيها األحباب حال نبيكم صلى اهلل عليه وسلم في‬
‫غزوة بدر ومعه نفر قليل ‪،‬عددهم قليل بالنسبة لعدد المشركين ولكن اهلل‬
‫نصر نبيه وصحابته الكرام على أعدائهم ‪،‬وما ذلك أيها األحباب إال بنور التقوى‬
‫واليقين والصدق مع اهلل فقال تعالى‪َ( :‬و َلَق ْد َنَص َر ُك ُم الَّلُه ِبَبْد ٍر َو َأْنُتْم َأِذ َّلٌة َفاَّتُقوا‬
‫َتْش ُك ُر وَن ) (آل عمران \‪)123‬‬ ‫الَّلَه َلَعَّلُك ْم‬
‫تأملوا هذه اآلية بقلوبكم‪ ،‬تجدون أن الذي نصر القوم هو نور التقوى كما هو‬
‫واضح في اآلية‪ ،‬ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ‪،‬أن التقوى تحجب‬
‫وتمنع صاحبها من الزيغ والضالل بعد الهداية ‪..‬نعم أيها األحبة ‪،‬التقوى‬
‫تكون حجابًا لصاحبها في الدنيا من االنحراف واالنتكاس بعد ما من اهلل عليه‬
‫بااللتزام والهداية‪ ،‬والذي يدل لذلك قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم في حديث‬
‫عرض الفتن عن القلوب فقال ‪( :‬فمن القلوب من ينكر الفتن ويبتعد عنها )‬
‫كما قال النبي صلى اهلل عليه وسلم (يكون متق هلل )لذلك فال تضره فتنة مادامت‬
‫السماوات واألرض وهذا وعد من اهلل على لسان رسوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الذي ال ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى ‪ ،‬قال تعالى (َو َلْو َأَّنُه ْم َفَعُلوا َما‬
‫ُيوَعُظوَن ِبِه َلَك اَن َخ ْيًر ا َلُه ْم َو َأَشّد َتْثِبيًتاَو ِإذًا آَّل َتْيَناُه م ِّمن َّلُد َّنـا َأْج رًا َعِظ يمًا‬
‫َو َلَه َد ْيَناُه ْم ِص َر اطًا ُّمْس َتِق يماً)‬
‫اسمع لهذه القصة ‪،‬قصة ذاك الشاب المتقي هلل ‪،‬الذي حماه اهلل من الزيغ و‬
‫الضالل والولوع في أوحال الظلمات ‪،‬ظلمات الكفر والموبقات والمعاصي‬
‫قيل ألبي بكر المسكي إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام ‪،‬فما سببه‬
‫يرحمك اهلل ؟ فقال واهلل لي سنين عديدة لم أستعمل المسك ولكن سبب ذلك‬
‫أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها وأغلقت دوني األبواب وراودتني‬
‫عن نفسي ‪،‬فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل‪،‬فقلت لها إن لي حاجة إلى‬
‫الطهارة‪.‬فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة ‪..‬ففعلت‪،‬فلما دخلت بيت‬
‫الراحة أخذت العذرة –أكرمكم اهلل‪ -‬وألقيتها على جميع جسمي ثم رجعت إليها‬
‫وأنا على تلك الحالة فلما رأتني دهشت ثم أمرت بإخراجي فمضيت واغتسلت‬
‫فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائًال يقول ‪ ( :‬فعلت ما لم يفعله أحد‬
‫غيرك ألطيبن ريحك في الدنيا واآلخرة ) فأصبحت والمسك يفوح مني‬
‫واستمر ذلك إلى اآلن‪.‬‬

‫أرأيتم الرجال أيها األحباب ‪،‬وحياتهم ‪،‬وكراماتهم بسبب تقواهم وإخالصهم هلل‬
‫إنهم رجال ركبوا تلك السالمة وجروا بريح التقوى واالستقامة ‪،‬فقطعوا بحار‬
‫العقب والندامة ‪،‬ونجوا من األهوال يوم القيامة فقال فيهم الشاعر‬
‫هلل قـوم لـدار الخلـد أخلصهـم ‪..‬وخصهم لجزيـل الملـك موالنـا‬
‫فلو تراهم غدًا فـي دار ملكهـم ‪..‬قد توجوا من حلي الكون تيجانـا‬
‫وقد دعاهم إلى الفردوس سيدهـم ‪..‬إلي الزيـارة والتسليـم ركبانـا‬
‫قد جاوزوا دار السالم وقـد ‪..‬أبدي لهم وجهه الرحمن سبحانـا‬
‫خـروا سجودًا فناداهـم بعزتـه ‪..‬إني رضيت بكـم قربـًا وجيرانـًا‬
‫إني خلقت لكـم دار النعيـم فـال‪ ..‬ترون بؤسًا وال تخشون أحزانـا‬
‫وهو الجزاء مني لكم على عمـل‪ ..‬أخلصتموه وكنتـم فـي إخوانـا‬

‫أيها األحباب‪..‬ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ‪..‬أن التقوى تفتح ألصحابها‬
‫البركات من السماء واألرض ‪،‬فينال المتقي هلل البركة في رزقه وماله وأوالده‬
‫ووقته وجميع ما يملك ‪،‬وجميع أفعاله وحياته‪،‬فهو رجل مبارك ألنه متقي هلل‬
‫بأقواله وأفعاله ‪،‬قال تعالى ‪َ( :‬و َلْو َأَّن َأْه َل اْلُقَر ى آَم ُنوْا َو اَّتَقوْا َلَفَتْح َنا َع َلْيِهم‬
‫َبَر َك اٍت ِّم َن الَّس َم اِء َو اَألْر ِض َو َلـِكن َك َّذ ُبوْا َفَأَخ ْذ َناُهم ِبَم ا َك اُنوْا َيْك ِسُبوَن )‬
‫لكنهم لم يؤمنوا حقيقة اإليمان ‪،‬لكنهم لم يتقوا اهلل حقيقة التقوى ‪،‬فكانت‬
‫العقوبات كما ترون وكانت نزع البركات وكثرة اآلفات ‪،‬فالجزاء واهلل يا أيها‬
‫األحباب من جنس العمل ‪..‬ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ‪،‬أن التقوى‬
‫تجعل صاحبها يفرق بين الحق والباطل ‪،‬وينال العبد بعدها الفضل العظيم‬
‫من اهلل تعالى بتكفير السيئات وتبديلها حسنات من اهلل‪ ،‬ثم ينال العبد بعدها‬
‫مغفرة اهلل ورحمته ورضوانه إلى يوم القيامة ‪،‬قال تعالى مبينًا ذلك ‪:‬‬
‫ِف‬ ‫ِت‬ ‫ِذ‬
‫(َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَمُنوْا َإن َتَّتُقوْا الّلَه َيْجَعل َّلُك ْم ُفْر َقانًا َو ُيَك ِّف ْر َعنُك ْم َس ِّيَئا ُك ْم َو َيْغ ْر‬
‫َلُك ْم َو الّلُه ُذو اْلَف ْض ِل اْلَعِظ يِم )‬
‫فيعرف العبد بعد ذلك الحالل والحرام ‪،‬ويعرف المشتبهات فال يقع في الفتن‬
‫والضالل‪،‬فينال بعد ذلك األجر العظيم من اهلل والثواب الجزيل منه سبحانه‬
‫ويمشي المتقي بنور من اهلل تعالى‪ ،‬بنور العلم والهدى في ظلمات الجهل‬
‫والسيئات ‪ ،‬قال تعالى ‪( :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَمُنوا اَّتُقوا اَهلل َو آِم ُنوا ِبَر ُس وِلِه ُيْؤ ِتُك ْم ِكْفَلْيِن‬
‫ِم ْن َر ْح َم ِتِه َو َيْجَعْل َلُك ْم ُنورًا َتْم ُش وَن ِبِه َو َيْغِف ْر َلُك ْم َو اُهلل َغُف وٌر َر ِح يٌم) [الحديد\‪]27‬‬
‫ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن هللا يحمي عبده المتقي المؤمن من‬
‫الشيطان وجنده يحميه من همزه ولمزه ونفخه ‪،‬يحميه من وسوسته‬
‫وإغوائه وكيده ‪،‬يحميه من طرقه ومداخله وشبهاته المضلة لبني البشر‪ ،‬يحميه من‬
‫أمره ونهيه وضالله وتزيينه وتلبيسه ‪،‬قال تعالى‪ِ( :‬إَّن اَّلِذ يَن اَّتَق وْا ِإَذا َم َّس ُه ْم َطاِئٌف‬
‫ِّمَن الَّش ْيَطاِن َتَذ َّك ُر وْا َفِإ َذا ُه م ُّمْبِص ُر وَن َو ِإْخ َو اُنُه ْم َيُم ُّد وَنُه ْم ِفي اْلَغِّي ُثَّم َال ُيْق ِص ُر وَن )‬
‫ففرق اهلل في هذه اآلية بين المتقين‪ ،‬الذين إذا أحسوا بالذنب أو فعلوا الذنب‬
‫رجعوا إلى اهلل ‪،‬واستغفروا وأنابوا واستدركوا ما فات منهم بالتوبة النصوح‬
‫على عكس إخوان الشياطين ‪،‬وأولياء الشيطان‪ ،‬فهم ال يزالون من الغواية‬
‫والضالل من الشيطان كأنهم مسلسلين بالقيود والعياذ باهلل ‪.‬‬
‫ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن أهل التقوى دائمًا في ذكر وتوبة‬
‫واستغفار اهلل في كل حال‪ ،‬في الحل والترحال ‪،‬وخصوصًا وقت السحر‪،‬‬
‫وقت النزول اإللهي ‪ ،‬قال تعالى (اَّلِذ يَن َيُقوُلوَن َر َّبَنا ِإَّنَنا آَم َّنا َفاْغِف ْر َلَنا ُذُنوَبَنا َو ِقَنا‬
‫ِف‬ ‫ِفِق‬ ‫ِنِت‬ ‫ِدِق‬ ‫ِب‬
‫َعَذ اَب الَّناِر ) من هم ؟؟ (الَّصا ِر يَن َو الَّصا يَن َو اْلَق ا يَن َو اْلُم ْن يَن َو اْلُمْس َتْغ ِر يَن‬
‫ِباَألْسَح اِر )‬
‫وإليكم أيها األحبة هذه النماذج عن حال وأنوار المتقين في الدنيا ‪،‬وذكرهم‬
‫هلل وشدة عبادتهم له باستغالل أوقاتهم للذكر والعبادة‬
‫ذكر الحافظ البزار في األعالم العلية في مناقب ابن تيمية قدس اهلل روحه‬
‫قال عنه‬
‫(أما تعبده رضي اهلل عنه فإنه قل إن سمع بمثله ألنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه‬
‫حتى انه لم يجعل لنفسه شاغل يشغله عن اهلل تعالى)‬
‫يقول‪( :‬فال يزال في الذكر يسمع نفسه ومن إلى جانبه ‪،‬هكذا دأبه رحمه اهلل‬
‫حتى ترتفع الشمس )‬
‫يقول ابن القيم تلميذه يرحمه اهلل في الوابل الصيب يقول ‪ :‬سمعت شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية قدس اهلل روحه يقول‪ ( :‬الذكر للقلب مثل الماء للسمك ‪،‬فكيف يكون‬
‫حال السمك إذا فارق الماء ) فسبحان اهلل ‪..‬سبحان اهلل من أشهد عباده جنته‬
‫قبل لقائه ‪،‬وفتح لهم أبوابها في دار العمل ‪،‬فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها‬
‫ما استفرغ قواهم لطلبها ‪ ..‬قال بعض العارفين ‪ :‬مساكين أهل الدنيا ‪،‬خرجوا‬
‫من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ‪.‬قيل وما أطيب ما فيها ؟ قال ‪:‬محبة اهلل‬
‫ومعرفته وذكره ‪..‬وقال آخر ‪ :‬إنه لتمر للقلب أوقات يرقص فيها القلب طربًا‬
‫فأقول ‪ :‬إن كان أهل الجنة في مثل هذا إن هم واهلل لفي عيش طيب‬
‫يا من يذكرني بعهد أحبتي ‪ ..‬طاب الحديث بذكرهم ويطيب‬
‫أعد الحديث علي من جنباته ‪..‬إن الحديث عن الحبيب حبيب‬
‫حبيب مأل الضلوع و فاض عن أجنابها‪ ..‬قلب إذا ذكر الحبيب يذوب‬
‫ما زال يخفق ضاربا بجناحه‪ ..‬يا ليت شعري هل تطير قلوب‬
‫وقال ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬محبة اهلل ومعرفته ودوام ذكره هو جنة الدنيا‬
‫وهو النعيم الذي ال يشبهه نعيم ‪ ،‬وهو قرة عيون المحبين وحياة العارفين‬
‫يا ذا الذي أنس الفؤاد‪..‬أنت الذي ما إن سواه أريد‬
‫تفنى الليالي والزمان بأسره‪..‬وهواك غٌّض في الفؤاد جديد‬

‫ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أيها األحباب ‪ ،‬أن المتقين هلل يحصل‬
‫لهم الفرج والمخرج من كل شدة ومشقة وكرب ‪،‬ويرزق اهلل المتقين من حيث‬
‫ال يحتسبوا ‪ ،‬وييسر اهلل بها أمورهم في الحياة والشواهد على ذلك كثيرة‬
‫قال تعالى (َو َمن َيَّتِق الَّلَه َيْجَعل َّلُه َم ْخ َر جًا َو َيْر ُزْقُه ِم ْن َح ْيُث اَل َيْحَتِس ُب )‬
‫( َو َمْن َيَّتِق الَّلَه َيْجَعْل َلُه ِم ْن َأْم ِر ِه ُيْس رًا) (الطالق\‪)4‬‬
‫تأملوا حال المتقين في الدنيا ‪،‬وأنوار التقوى تشع من وجوههم ‪،‬تأملوهم وكيف‬
‫أن اهلل يفرج عنهم ويخرجهم من الكروب والشدائد ‪،‬وذلك بدعائهم وإخباتهم هلل‬
‫حين الكرب‪ ،‬فهم أولياؤه المتقون ‪،‬كيف ال يفرج عنهم وهم متوكلون عليه؟‬
‫كيف ال ينجيهم القانتون العابدون التائبون إليه سبحانه وتعالى‬
‫اسمع هذا الخبر عن هذا الرجل المتقي هلل ‪ ،‬إنه من السلف‪ ،‬إنه رجل جعل‬
‫تقوى اهلل نصب عينيه فلم يحد عنها يمنة ويسرى ‪ ،‬إنه الزاهد العابد التقي‬
‫إبراهيم ابن أدهم ‪ ..‬قال عبد الجبار ابن كليب ‪ :‬كنا مع إبراهيم ابن أدهم في سفر‬
‫فعرض لنا ( السبع ) فقال إبراهيم دعاء وقال قولوا به فإن اهلل يحرسكم به قال‬
‫قولوا ‪ :‬اللهم احرسنا بعينك التي ال تنام ‪ ,‬واحفظنا بركنك الذي ال يرام ‪ ,‬وارحمنا‬
‫بقدرتك علينا ‪ ,‬ال نهلك وأنت رجائنا يا اهلل يا اهلل‬
‫قال الراوي ‪ :‬فولى السبع هاربا ‪ ،‬فأنا أدعوا به عند كل أمر مخوف فما رأيت من‬
‫هذا الدعاء إال خيرا‬
‫وذكر ابن خلكان في وفيات األعيان ( أن إبراهيم بن أدهم في البحر‪ ،‬وهبت ريح‪،‬‬
‫واضطربت السفن‪ ،‬وبكى الناس‪ ،‬فقيل لبعضهم‪ :‬هذا إبراهيم بن أدهم‪ ،‬لو سألتموه‬
‫أن يدعو اهلل فهو مستجاب الدعوة‬
‫وكان إبراهيم قائمًا في ناحية من السفينة ملفوفًا رأسه ‪،‬فد دنا إليه رجل ال يريد‬
‫إبراهيم أن يعرفه وقال‪ :‬يا أبا إسحاق‪ ،‬ما ترى ما فيه الناس؟ ادع لهم وأنت‬
‫ترى حالهم ‪..‬فرفع رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم قد رأيتنا قدرتك فأرنا رحمتك‪.‬‬
‫قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك‪..‬يقول الراوي فهدأت السفن‪).‬‬
‫أرأيتم أيها األحباب كيف ينجي اهلل المتقين بدعائهم‪ ،‬أرأيتم نور التقوى ماذا‬
‫تفعل بأصحابها في الدنيا ‪ ..‬فماذا ننتظر أيها األحبة بعد ذلك؟؟‬
‫ماذا ننتظر ؟؟أننتظر أن يمدنا اهلل بالتقوى بدون عمل ‪..‬كال واهلل فإن السماء ال‬
‫تمطر أبدًا ذهبًا وال فضة ‪.‬‬

‫ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ‪..‬أن المتقين هم دائمًا أهل خشية واإلنابة‬
‫هم أهل العظة واالعتبار هم أهل الزواجر ‪ ..‬وقد قال اهلل سبحانه وتعالى عنهم‬
‫(َه ـَذ ا َبَياٌن ِّللَّناِس َو ُه ًد ى َو َمْو ِع َظٌة ِّلْلُم َّتِق يَن )‬
‫فالمتقون ‪،‬هم أهل البكاء من خشية اهلل ‪،‬إذا ذكرت النار خافوا وفزعوا ‪،‬إذا ذكر‬
‫القبر ارتعدت فرائسهم خوفًا أن يكون مصيرهم العذاب في النار وبأس القرار‬
‫فعن عبد اهلل ابن الشخير رضي اهلل عنه قال ( رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ) بأبي هو وأمي يبكي‬
‫حتى يبل ثوبه ‪،‬ويبل الثرى بدموعه ونحن أيها األحباب واهلل‪ ،‬تمر علينا اآليات‬
‫والمواعظ والزواجر وال نبكي إلى قلوبنا القاسية من كثرة الظلمات وقد قال تعالى‬
‫(َفَو ْيٌل ِّلْلَق اِس َيِة ُقُلوُبُه م ِّم ن ِذ ْك ِر الَّلِه) (الزمر\‪)22‬‬
‫مر النبي صلى اهلل عليه وسلم أيها األحباب بقبر يدفنوه صحابته فبدر من بين‬
‫أيديهم ثم واجه القبر حتى بّل الثرى من دموعه ‪ ،‬و قال عليه الصالة و السالم ‪:‬‬
‫(أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا ‪ ) .‬لمثل هذا اليوم فأعدوا ‪ ..‬فهل أعددنا أيها‬
‫األحباب أنوارًا ليوم القبر ‪،‬أم أعددنا ظلمات والعياذ باهلل؟‬

‫لما احتضر سفيان الثوري جعل يبكي فقيل له‪ :‬يا أبا عبد اهلل عليك بالرجاء فإن‬
‫عفو اهلل أعظم من ذنوبك ‪,‬‬
‫فقال ‪ :‬أو على ذنوبي أبكي ؟؟؟ لو علمت أني أموت على التوحيد ‪ ,‬لم أبال بأن‬
‫ألقى اهلل بأمثال الجبال من الخطايا‪ ،‬ولكني أخاف أن أسلب اإليمان قبل أن أموت‬
‫فيا سبحان اهلل ‪ ..‬يا سبحان اهلل‬
‫عوتب الحسن البصري في شدة حزنه وخوفه فقال ‪:‬ما يؤمنني أن يكون اهلل‬
‫تعالى قد اطلع فّي على بعض ما يكره فمقتني فقال‪ :‬اذهب فال غفرت لك‬
‫فرحم اهلل البكائين من خشية اهلل‪ ،‬رحم اهلل المتقين هلل خوفًا من اهلل‬
‫رحم اهلل تلك األنوار التي كانت تشع منها الصدق واليقين والخشية والخوف‬
‫من اهلل ‪ ..‬واهلل أيها األحباب‪ ،‬لن تغني عنا الدنيا بملذاتها وال شهواتها إذا نحن‬
‫ال نخاف من اهلل ‪ ،‬مثلما خافوه ‪ ،‬واهلل لن تنفعنا أموالنا وال أوالدنا وال قصورنا‬
‫وال دورنا إذا لم نعظمه سبحانه وتعالى أشد التعظيم ‪،‬ونخشاه أشد الخشية مثل‬
‫أولئك القوم الذين كانت حياتهم نورًا وتقوًى من اهلل‬
‫بكيت على هول الصراط وذكره ‪...‬وهول زفير النار من أعظم الذكر‬
‫وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا‪ ...‬لخالق كل الخلق في السر والجهر‬
‫ومن يك ذا خوف شديد لهوله‪ ...‬فإن له أمنا من الهول في الحشر‬
‫فليس لمن يبكي لهول صراطه جزاء سوى دار النعيم مع الفخر‬
‫فيا له من هول فظيع يجوزه‪ ...‬رجال أطاعوا اهلل في سالف العمر‬

‫وبعد هذه الثمرات واألنوار من المتقين أيها األحبة في الدنيا قبل الممات‪ ،‬نذكر‬
‫لكم تلك األنوار في اللحظات الحاسمة ‪،‬تلك اللحظات الحرجة التي هي حسن‬
‫الختام للمتقين ‪،‬تلك السكرات التي قال عنها نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم‬
‫(إن للموت سكرات ) اهلل هون علينا سكرات الموت‬
‫ثم انظر لحال المتقين في اللحظات األخيرة وهم يرجعون للدنيا‪ ..‬انظر لحالهم مع‬
‫هذه القصة المؤثرة لرجل كان من المتقين ‪،‬انظر لحاله عند الموت‪ ،‬هذه القصة‬
‫واهلل حقيقية‪.‬يرويها ولد ابنه فيقول ‪ :‬كان جدي حافظًا لكتاب اهلل ويعلم الناس‬
‫بدون أجر‪ ،‬فكبر سنه ورق عظمه ‪،‬وبلغ من الكبر عتيًا ‪،‬حتى أنه فقد الذاكرة‬
‫فنسي جميع من يعرفهم ‪،‬حتى أسماء أبنائه ‪..‬واستمرت هذه الحالة عشرين سنة‬
‫ولكن العجيب ‪..‬أنه إذا قرأ القرآن وكنت بجواره أسمعه ال يخطئ في حرف واحد‬
‫أبدًا‪ ،‬وفي يوم من األيام ‪،‬وفي وقت السحر ‪،‬وقت نزول الرحمن الذي يليق‬
‫بجالله‪ ،‬وإذا بجدي ينادي باسم أبي ‪:‬يا عبد اهلل ‪..‬يا عبد اهلل ‪..‬وقد نسيه منذ‬
‫عشرين سنة ‪،‬فرح أبي وانطلق إلى غرفة أبيه فرحًا بأنهم استعاد الذاكرة فقال‬
‫ماذا تريد يا أبي فقال‪ :‬فكان جدي رحمه اهلل ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال‪:‬‬
‫يا بني ‪..‬هل ترى هذين الرجلين الجميلين‪ ،‬الذي يرتدي كل واحد منهما عمامة‬
‫بيضاء ‪.‬؟ التفت أبي فما رأى شيئًا‪..‬فقال يا أبي‪ ..‬إني ال أرى شيئًا فقال جدي‬
‫يرحمه اهلل ‪ :‬صدق اهلل حين قال (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)‬
‫وكأن اهلل يشير إلى حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم الذي رواه البراء ابن‬
‫عازب (أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من اآلخرة نزل إليه‬
‫من السماء مالئكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة‬
‫وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر) الحديث‬
‫ثم يقول ‪:‬فرفع جدي سبابته ثم قال ‪:‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن محمدًا‬
‫رسول اهلل ‪..‬ثم فاضت روحه إلى اهلل نسأل اهلل أن يبعثه يوم القيامة قارئًا للقرآن‬

‫انظر يا أخي في اهلل إلى هذه الخاتمة الحسنة أن يموت اإلنسان قارئًا لكتاب اهلل‬
‫ويحشر على هذه الحال‪،‬أو أن يموت والعياذ باهلل مغنيًا أو مطبًال ‪،‬نسأل اهلل‬
‫السالمة والعافية‬
‫ثم انظروا أيها األحباب وتأملوا حال المتقين في البرزخ‪ ،‬كيف أن اهلل سبحانه‬
‫وتعالى يفتح للمتقي باقة من الجنة ‪،‬يأتيه من روحها ونسيمها وطيبها‪،‬ويقال‬
‫له نم نومة العروس حتى تقوم الساعة ‪ ،‬ثم انظر لحال المتقين يوم القيامة‬
‫حيث أن اهلل سبحانه وتعالى حكى ذلك في القرآن وقال في عرصات يوم القيامة‬
‫واسمعوا لهذه اآليات فواهلل إن فيها أنوار للمتقين يوم القيامة ‪،‬يقول‪:‬‬
‫ِن‬ ‫ِد‬ ‫ِم ِت‬ ‫ِم ِن‬
‫(َيْو َم َتَر ى اْلُم ْؤ يَن َو اْلُم ْؤ َنا َيْس َعى ُنوُرُه م َبْيَن َأْي يِه ْم َو ِبَأْيَم ا ِه م ُبْش َر اُك ُم اْلَيْو َم‬
‫َج َّناٌت َتْج ِر ي ِم ن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َذِلَك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم)‬
‫هذا هو الفوز أيها األحبة‪،‬و واهلل هذا هو الفوز العظيم للمتقين كيف كانت حياتهم‬
‫كيف كانت أقوالهم ‪،‬كيف كانت أوقاتهم ‪،‬إنها تقوى من اهلل وخوف وخشية منه‬
‫سبحانه وتعالى‪..‬أعلمتم أيها األحبة علم اليقين بعد هذه الثمرات واألنوار للمتقين‬
‫كيف أن اهلل أعطاهم الجزاء األحسن واألفضل لهم ‪،‬وهل جزاء اإلحسان إال‬
‫اإلحسان‪ ،‬إذا علمنا ذلك فلماذا ال نسارع إلى الجنة ؟لماذا ال نشتاق إلى الجنة‬
‫لماذا ال نعمل بنور التقوى واإليمان حتى نصل إلى الجنة التي هي ميراث المتقين‬
‫قال تعالى ‪ِ( :‬تْلَك اْلَج َّنُة اَّلِتي ُنوِر ُث ِم ْن ِع َباِد َنا َمْن َك اَن َتِق ّيًا ) (مريم \‪)63‬‬
‫فيا من يريد العاقبة الحميدة ‪،‬ويريد قبول األعمال الصالحة له ‪،‬ما عليك إال أن‬
‫تلحق بركاب المتقين ‪،‬فالجنة ال يدخلها إال المتقين قال تعالى‪ِ( :‬تْلَك الَّد اُر اآْل ِخ َر ُة‬
‫َنْجَعُلَه ا ِلَّلِذ يَن اَل ُيِر يُد وَن ُعُلًّو ا ِفي اَأْلْر ِض َو اَل َفَس اًدا ۚ َو اْلَعاِقَبُة ِلْلُم َّتِق يَن ) (القصص\‬
‫‪)83‬‬
‫وشتان أيها األحبة بين نور المتقين وظلمات المعاصي والظالمين‬
‫شتان بين النور والظلمات‪....‬نزلت بذلك محكم اآليات‬
‫يا غافًال والموت يطلبه أما‪....‬فكرت فيما تمضي الساعات‬
‫أقبل على الرحمن واطلب عفوه‪....‬فعسى المهيمن يغفر الزالت‬
‫أقصاك ليل الجهل والران الذي‪....‬أغشى فؤادك حالك الظلمات‬
‫ماذا جنيت به سوى األلم الذي ‪....‬أسقاك طعم مرارة المأساة‬
‫فالذنب أعظم ما يخاف ويتقى ‪....‬وعليه تسكب أصدق العبرات‬
‫وأطار نوم الصالحين فليلهم ‪....‬قد طاب بين تبتل وصالة‬
‫سئمت عيونهم لذاذات الكرى‪....‬وترفعت ورعًا عن القلوات‬
‫فأنار قيوم السماء وجوههم‪....‬وأثابهم بإجابة الدعوات‬
‫تشكي قلوب ذوي المعاصي وحشة‪....‬وتعيش بين تولع وشتات‬
‫البر يحييها ويقتلها الخنى‪....‬هل يستوي األحياء باألموات‬
‫فالبر نور والمعاصي ظلمة‪....‬شتان بين النور والظلمات‬

‫أيها األحباب‪،‬وبعد ذكر تلك النور والثمرات المتحققة للمتقين في الدنيا‬


‫وفي سكرات الموت‪ ،‬وفي القبر ‪،‬وفي عرصات يوم القيامة إلى أن يصلوا‬
‫إلى الجنة‪،‬نسأل اهلل أن نكون منهم ‪..‬تعالوا معنا أيها األحباب‪،‬نبين لكم عكس‬
‫النور ‪..‬الظلمة ‪ ،‬بل ظلمات بعضها فوق بعض ‪ ،‬كما قال اهلل تعالى ‪ُ( :‬ظُلَم اٌت‬
‫َبْع ُضَه ا َفْو َق َبْع ٍض إَذا أْخ َرَج َيَد ُه لْم َيَك ْد َيَر اَه ا وَّمن َّلْم َيْجَعِل اُهلل َلُه ُنوًر ا َفَم ا َلُه‬
‫ِم ن ُّنوٍر ) (النور\‪)40‬‬
‫إنها واهلل أيها األحبة ظلمات اإلشراك باهلل‪ ،‬والتعلق بغير اهلل ‪،‬إنهم يتعلقون‬
‫ويلتجئون لقبور ال تضر وال تنفع والعياذ باهلل‪ ،‬إنها ظلمات الجهل والمعاصي‬
‫والذنوب والموبقات‪ ،‬إنها ظلمات العصيان هلل وترك االنقياد له سبحانه ‪ ،‬إنها‬
‫ظلمات التعدي والجور والظلم للنفس التي تؤدي بصاحبها إلى النار والخلود‬
‫فيها والعذاب المهين ‪ ،‬إنها ظلمات الفسوق والعصيان والكفر والطغيان وعصيان‬
‫المنان‪ ،‬إنها ظلمات الخطايا والسيئات ‪ ،‬واإلثم والفساد والعتو واإلصرار ‪،‬إنها‬
‫ظلمات الفتنة بالدنيا والمال واألوالد والزوجة والعياذ باهلل‪..‬إنها ظلمات ضعف‬
‫اإليمان واليقين باهلل‪ ،‬وعدم مراقبة اهلل عز وجل ‪،‬وعدم إجالله ومحبته وتعظيمه‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬إنها ظلمات الشبهات التي توقع صاحبها في القتل واإلجرام‬
‫وهتك األعراض‪ ،‬وقتل األنفس المعصومة البريئة بدون وجه حق ‪ ،‬إنها ظلمات‬
‫الشهوات في النفوس ‪،‬من معاص وبدع ومحرماٍت حتى توقع صاحبها في الشرك‬
‫والعياذ باهلل ‪..‬إنها ظلمات سببها الشيطان الذي هو شيطان اإلنس والجن كما قال‬
‫تعالى‪ِ( :‬إَّن الَّش ْيَطاَن َلُك ْم َعُد ٌّو َفاَّتِخ ُذ وُه َعُد ًّو ا ِإَّنَم ا َيْد ُعو ِح ْز َبُه ِلَيُك وُنوا ِم ْن َأْص َح اِب‬
‫الَّس ِعيِر )‬
‫فلنحذر من طرقه ومكره وكيده وضالله ‪،‬نعوذ باهلل من شره ونفخه ونفثه‬
‫أتعلمون أيها األحبة سبب تلك الظلمات؟ إنها واهلل النفس األمارة بالسوء‬
‫إنها عدو اإلنسان ‪،‬فكم أدخلت تلك النفس لإلنسان الشهوات ‪،‬وزينت له‬
‫الشبهات ‪،‬حتى أوقعته في بحار الظلمات ‪،‬كم زينت له النظر المحرم والكالم‬
‫المحرم والسماع المحرم ‪،‬فأفسدت له قلبه وعقله ولسانه وسمعه ويده فيصبح‬
‫العبد بعد ذلك غافًال ساهيُا عن عالم الغيوب ‪،‬ويصير والعياذ باهلل كاللعبة في يد‬
‫الشيطان ‪،‬يحركه كيف شاء‪ ،‬يدخله من ظلمة إلى ظلمة ‪ ،‬فيعيش في أوحال‬
‫الظلمات‪ ،‬إنها واهلل ظلمات‪..‬إنها واهلل ظلمات ‪ ،‬بل ندامات وحسرات عند‬
‫السفرات‪..‬إنها ظلمات في الدنيا ‪ ،‬وظلمات عند الموت‪ ،‬وظلمات في القبر‪،‬‬
‫وظلمات في عرصات يوم القيامة ‪،‬وظلمات على جسر جهنم ‪،‬حتى يصل صاحب‬
‫تلك الظلمات إلى النار والعياذ باهلل‪ ،‬نهارك يا مغرور سهو وغفلة ‪،‬وليلك نوم‬
‫والردى لك الزم ‪،‬وفعلك فعل الجاهلين بربهم ‪،‬وعمرك في النقصان بل أنت ظالم‬
‫فال أنت في األيقاظ يقظان حازم ‪،‬وال أنت في النوام ناج فسالم ‪،‬تسر بما يفنى‬
‫وتفرح بالمنى‪ ،‬كما سر باللذات في النوم حالم‪ ،‬فال تحمد الدنيا ولكن فذمها وال‬
‫تكثر العصيان إنك ظالم‪..‬أيها اإلخوة واألخوات ‪،‬إن للمعاصي والموبقات ظلمات‬
‫في الدنيا‪ ،‬وآثارها عديدة على الفرد والمجتمع واألمة بأسرها‪ ،‬فالمعاصي لها‬
‫ظلمات على القلب والبدن والدين والنفس ‪،‬وكذلك ظلماتها على األمم والشعوب‬
‫وظلماتها كذلك على العمر والرزق والعلم والعمل ‪..‬أسمعتم ؟ أسمعتم ظلمات‬
‫المعاصي والموبقات ‪،‬فمن ظلمات المعاصي على القلوب أنها تسبب ضررًا على‬
‫قلوب العاصين كالسموم والمخدرات على األبدان ‪،‬فيحرم صاحب ذاك القلب‬
‫نور العلم وتعمى بصيرته‪ ،‬وهدايته إلى اهلل ‪،‬فيصبح القلب قلبًا مربادًا كالكوز‬
‫المجخية ‪،‬ال يعرف معروفًا وال ينكر منكرًا إال ما أشرب من هواه‪ ،‬فقلبه والعياذ‬
‫باهلل بيت ال روح فيه ‪....‬جلس الشافعي يومًا بين يدي مالك يقرأ عليه فقال له‬
‫اإلمام مالك ‪،‬واسمعوا لهذا الكالم النفيس أيها األحباب من إمام دار الهجرة‬
‫قال للشافعي‪ :‬إني قد أرى قد ألقى اهلل على قلبك نورا‪،‬فال تطفئه بظلمة المعصية‬
‫فنظر الشافعي يومًا إلى كعب امرأة فأثر ذلك في حفظه فقال‪:‬‬
‫َش َك ْو ُت إَلى َو ِكيٍع ُس وَء ِح ْف ِظ ي ‪َ....‬ف أْر َش َدِني إَلى َتْر ِك المَع اصي‬
‫َو أْخ َبَر ِني بَأَّن الِع ْلَم ُنوٌر ‪ ....‬ونوُر اهلل ال يهدى لعاصي‬
‫نعم‪ ،‬واهلل نور اهلل ال يهدى لعاصي أيها األحباب‬
‫ومن ظلمات المعاصي على القلوب ‪،‬أنها توهن القلب وتضعفه ‪،‬فيصبح‬
‫القلب غير معظم هلل ‪،‬غير خائف من اهلل ‪،‬يستخفي هذا العبد من الناس‬
‫وال يستخفي من اهلل كما قال تعالى ‪َ ( :‬تْخ ُف وَن ِم الَّناِس َال َتْخ ُف وَن ِم الّلِه‬
‫َن‬ ‫َو َيْس‬ ‫َن‬ ‫َيْس‬
‫(النساء\‬ ‫َو ُه َو َمَعُه ْم ِإْذ ُيَبِّيُتوَن َما َال َيْر َض ى ِم َن اْلَق ْو ِل َو َك اَن الّلُه ِبَم ا َيْع َم ُلوَن ُمِح يًطا)‬
‫‪)108‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬إن للسيئة سواد في الوجه ‪،‬وظلمة في القلب‪،‬ووهنًا في البدن‬
‫ونقصًا في الرزق ‪،‬وبغضة في قلوب الخلق ‪ .‬ومن ظلمات المعاصي على القلوب‬
‫أنها تحجبه عن اهلل ‪،‬فيألف المعصية ‪،‬وتصبح المعصية جزًء من حياته ال‬
‫يستطيع تركها ‪،‬فينسلخ قلبه ويكون أسيرًا لشهوته والعياذ باهلل ‪،‬فيطبع اهلل‬
‫على صاحب ذاك القلب كما قال تعالى ‪َ( :‬ك ال َبْل َر اَن َعَلى ُقُلوِبِه ْم َما َك اُنوا‬
‫ِئٍذ‬ ‫ِس‬
‫َلَم ْح ُج وُبوَن ) (المطففين\‪)15-14‬‬ ‫َيْك ُبوَن ) العقوبة (َك َّال ِإَّنُه ْم َعْن َر ِّبِه ْم َيْو َم‬
‫ومن ظلمات المعاصي على قلوب العاصين ‪،‬أن الذنوب عنده سهلة وميسورة‬
‫وهينة على قلبه وعلى عينه ولسانه‪ ،‬على عكس ذاك المؤمن المتقي كما قال‬
‫ابن مسعود رضي اهلل عنه ‪ :‬إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل ‪،‬خاف‬
‫أن يقع عليه ‪،‬وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على ذنبه وقال به هكذا ‪.‬‬
‫ومن ظلماته على القلوب ‪،‬أنها تورث الذل في أصحابها ‪،‬فيذل ذاك الظالم لنفسه‬
‫نفسه ‪،‬ويحقر نفسه ‪،‬ويبيع عرضه‪،‬بل يبيع والعياذ باهلل شرفه ونفسه ودينه من‬
‫أجل شهوته‪ ،‬لذلك كان من دعاء السلف واحفظوا أيها األحباب هذا الدعاء‬
‫احفظوه جيدًا‪ ،‬وكرروه في أدعيتكم ‪،‬كان من دعاء السلف (اللهم أعزني بطاعتك‬
‫وال تذلني بمعصيتك ) فأبى اهلل أيها األحباب واهلل إال أن يذل من عصاه ‪،‬وإال أن‬
‫يجعل ذل المعصية ال يفارق والعياذ باهلل قلوب العاصين‬
‫رأيت الذنوب تميت القلوب‪...‬وقد يورث الذل إدمانها‬
‫وترك الذنوب حياة القلوب‪...‬وخير لنفسك عصيانها‬
‫ومن ظلمات المعاصي أيها األحبة على القلوب‪ ،‬أنها تطفئ غيرة القلب‪،‬فال يغار‬
‫صاحب ذاك القلب على نفسه من المعاصي وال على أهله وال على الناس‪،‬فيشاهد‬
‫هو وأهله الفحش والفجور عبر الفضائيات ‪،‬يشاهد العار والشنار ‪،‬يشاهد الخنى‬
‫والعهر ‪،‬فال يحرك ساكنًا‪ ،‬بل ربما والعياذ باهلل أثار غيره إلى مشاهدة ذلك فنسأل‬
‫اهلل السالمة والعافية‪.‬‬
‫أيها األحباب‪..‬أرأيتم الظلمات؟ أرأيتم ذهاب الحياء من قلوب العاصين؟‬
‫وصدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم أن قال ‪ ( :‬إن مما أدرك الناس من‬
‫كالم النبوة األولى‪ :‬إذا لم تستح فاصنع ما شئت‪)..‬‬
‫فكم صنع الناس أيها األحبة اليوم من أمور وموبقات ومهلكات‪ ،‬ال حياء فيها‬
‫كم رأى بعض الناس من المحرمات فأفسدت قلوبهم بل ربما نكست قلوبهم حتى‬
‫يرى الباطل حقًا والحق باطًال‪ ،‬بل ربما اشترى الضاللة بالهدى وهو يرى أنه‬
‫ِذ‬
‫على الهدى وقد قال تعالى ‪ُ( :‬قْل َه ْل ُنَنِّبُئُك ْم ِباَأْلْخ َس ِر يَن َأْع َم ااًل اَّل يَن َض َّل َس ْع ُيُه ْم‬
‫(الكهف\‪)104-103‬‬ ‫ِفي اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َو ُه ْم َيْح َس ُبوَن َأَّنُه ْم ُيْح ِس ُنوَن ُصْنًعا)‬
‫أيها اإلخوة واألخوات ‪،‬كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات ‪،‬حتى ضاقت‬
‫صدورهم ‪ ،‬وكثرت همومهم وأحزانهم في عدم حصول المعصية لهم‬
‫كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات فلم يقبلوا الحق من العلماء وطالب العلم‬
‫األتقياء ‪،‬فعاشوا والعياذ باهلل في الظلماء ‪،‬وقد قال تعالى ‪َ( :‬فَم ْن ُيِر ِد الَّلُه َأْن َيهِد َيُه‬
‫َو َمْن ُيِر ْد َأْن ُيِض َّلُه َيْجَعْل َص ْد َر ُه َض ِّيًق ا َح َر ًج ا َك َأَّنَم ا َيَّصَّعُد ِفي‬ ‫َيْش ْح َص ْد َر ُه ِلِإل ْس الِم‬
‫َر‬
‫َعَلى اَّلِذ يَن ال ُيْؤ ِم ُنوَن )(األنعام\‪)125‬‬ ‫َّل‬
‫َيْجَعُل ال ُه الِّر ْج َس‬ ‫الَّس َم اِء َكَذ ِلَك‬
‫كم جلبت المعاصي أيها اإلخوة واألخوات بأصحابها الذم بعد المدح‬
‫فصار يسمى العاق لوالديه‪ ،‬ويسمى الفاجر‪،‬ويسمى العاصي ‪،‬ويسمى‬
‫القاطع لرحمه ‪،‬ويسمى الكاذب والزاني والخائن والظالم ‪ ،‬كم جلبت المعاصي‬
‫ألصحابها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ‪ ،‬والعذاب األليم في اآلخرة‬
‫وقد قال تعالى ‪َ ( :‬أْع َع ِذ ْك ِر ي َفِإ َّن َلُه ِعيَش ًة َض نًك ا َن ُش ُه اْلِق ا ِة‬
‫َو ْح ُر َيْو َم َي َم‬ ‫َم‬ ‫َو َمْن َر َض ْن‬
‫َأْع َم ى * َقاَل َر ِّب ِلَم َح َش ْر َتِني َأْع َم ى َو َقْد ُك نُت َبِص يًر ا * َقاَل َكَذ ِلَك َأَتْتَك آَياُتَنا‬
‫َفَنِس يَتَه ا َكَذ ِلَك اْلَيْو َم ُتن ى) (طه\‪)126-124‬‬
‫َس‬ ‫َو‬
‫كم جلبت المعاصي ألصحابها الصحبة الفاسدة السيئة ‪ ،‬التي تجره إلى الرذيلة‬
‫فيجتمع عنده قرين السوء والشيطان معًا ‪،‬وقد قال تعالى عن أولئك‬
‫(َو َم ن َيْع ُش َعن ِذ ْك ِر ٱلَّر ْح َم ٰـِن ُنَقِّيْض َلُه َش ْيَطانًا َفُه َو َلُه َقِر يٌن )(الزخرف\‪)36‬‬
‫الذي يعيش عن ذكر الرحمن ‪،‬اهلل يقيض له شيطان فهو له قرين يؤزه إلى‬
‫المعاصي أزًا ‪،‬كم جلبت المعاصي أيها األحبة من تعسير األمور‪ ،‬فيجد العاصي‬
‫األبواب أمامه مقفلة ‪،‬ممحوق البركة في ماله ورزقه وولده وأهله ‪،‬وعظم تلك‬
‫الظلمات ضياع تعبه سدى وهباء منثورًا ‪ ،‬من صالة وصيام وعبادة ألنه والعياذ‬
‫باهلل يضيعها بمعاصيه وذنوبه ‪،‬فهو المفلس يوم القيامة كما أخبر بذلك رسولنا‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن ظلمات المعاصي‪،‬ظلماتها على الرزق‪ ،‬فالمعاصي تحرم الرزق ‪،‬وتزيل النعم‬
‫ِل‬
‫وتحل النقم ‪،‬فما نزل بالء إلى بذنب ‪،‬وال رفع إال بتوبة ‪،‬قال تعالى‪ٰ( :‬ذ َك ِبَأَّن ٱلَّلَه‬
‫(األنفال\‪)153‬‬ ‫َلْم َيُك ُمَغِّيرًا ِّنْع َم ًة َأْنَعَم َه ا َعَلٰى َقْو ٍم َح َّتٰى ُيَغِّيُر وْا َما ِبَأْنُفِس ِه ْم )‬
‫وكذلك المعاصي تمحق البركة في العمر والعلم والعمل ‪،‬فيعمر العاصي مئة سنة‬
‫أو أقل أو أكثر ‪،‬ولكنها ظلمات في ظلمات والعياذ باهلل ‪.‬‬
‫ومن ظلمات المعاصي ‪،‬ظلماتها على األمم والشعوب التي كانت قبلنا ‪،‬فهي واهلل‬
‫سبب هالكهم ودمارهم ‪،‬فباهلل عليكم قولوا لي‪...‬ما الذي أخرج آدم وأمنا من‬
‫الجنة ؟دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار اآلالم واألحزان والمصائب‬
‫أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده‬
‫ولعنه؟؟ أليس عناده واستكباره على اهلل؟ وما الذي أغرق أهل األرض كلهم حتى‬
‫على الماء فوق رؤوس الجبال ؟أليست الذنوب والمعاصي يا عباد اهلل ؟‬
‫وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه األرض كأنهم‬
‫أعجاز نخل خاوية ‪،‬ودمرت ما مروا عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم‬
‫ودوابهم ‪،‬حتى صاروا عبرة لألمم إلى يوم القيامة ؟أليست الذنوب والمعاصي يا‬
‫عباد اهلل ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في‬
‫أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟أليست الذنوب والمعاصي؟‬
‫وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت المالئكة نبيح كالبهم ‪،‬ثم قلبها عليهم‬
‫اهلل ‪،‬فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعًا؟؟ أليست الذنوب والمعاصي يا عباد‬
‫اهلل؟؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ‪،‬فما صار فوق‬
‫رؤوسهم ‪،‬أمطر عليهم نارًا تلظى ؟أليست الذنوب والمعاصي ؟؟‬
‫وما الذي أغرق فرعون وقومهم في البحر ‪،‬ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم‪،‬فاألجساد‬
‫للغرق ‪،‬واألرواح للحرق ‪..‬أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي خسف بقارون‬
‫وداره وماله وأهله ‪،‬وما الذي أهلك قارون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها‬
‫تدميرًا‪..‬أليست الذنوب والمعاصي يا عباد اهلل ؟‬
‫ال شك بأن ما أصاب هؤالء جميعًا وأهلكهم هي ذنوبهم ‪،‬وإن لم نرجع إلى اهلل‬
‫فسيهلكنا اهلل مثلما أهلكهم ‪.‬‬
‫أيها األحباب ‪ ..‬ومن ظلمات المعاصي ‪،‬نزول العقوبات المهلكة ‪،‬واألمراض‬
‫الفتاكة ‪،‬واألمراض المستعصية مثل الطاعون واإليدز ‪،‬وكذلك منع القطر من‬
‫السماء ‪،‬وإن نزل فهو بدون بركة ‪،‬ولوال البهائم أيها األحباب لم نمطر ‪.‬‬
‫وكذلك من الظلمات ومن العقوبات ‪،‬تسليط األعداء علينا بسبب ذنوبنا ومعاصينا‬
‫فعن عبد اهلل ابن عمر رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬أقبل علينا رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فقال‪ ( :‬يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن يا ‪ -‬وأعوذ باهلل أن‬
‫تدركوهن ‪ : -‬لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إال فشا فيهم الطاعون‬
‫واألوجاع التي لم تكن مضت في أسالفهم الذين مضوا ‪ ،‬ولم ينقصوا المكيال‬
‫والميزان إال أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ‪ ،‬ولم يمنعوا زكاة‬
‫أموالهم إال منعوا القطر من السماء ولوال البهائم لم يمطروا ‪ ،‬ولم ينقضوا عهد اهلل‬
‫وعهد رسوله إال سلط اهلل عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما‬
‫لم تحكم أئمتهم بكتاب اهلل ويتخيروا مما أنزل اهلل إال جعل اهلل بأسهم بينهم)‬
‫لنتأمل أيها األحباب قليًال‪ ،‬فيما حصل للنبي صلى اهلل عليه وسلم وصحابته الكرام‬
‫يوم أحد‪،‬لما حصل منهم ذنب واحد ‪،‬فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين ‪،‬وليست‬
‫هزيمة‪،‬بل هو نصر لهم بعد أن كانوا منتصرين ‪...‬فكم من المعاصي أيها األحباب‬
‫التي تكون عندنا اليوم عند المسلمين‪،‬التي سببت لنا الهزائم وألمة اإلسالم‪،‬سببت‬
‫لها هزائم كثيرة‪،‬فهي ضعيفة الشأن غير مرهوبة الجانب ‪،‬فنسأل اهلل بمنه وكرمه‬
‫أن يعز دينه وأن يعلي كلمته‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪..‬أيها اإلخوة واألخوات‬
‫هذه هي ظلمات المعاصي والموبقات على أصحابها في الدنيا ‪،‬أما ظلماتها عند‬
‫السكرات واللحظات الحاسمة‪ ،‬فندامات وحسرات وآهات ‪،‬وقد قال تعالى ‪َ( :‬ح َّتى‬
‫ِإَذا َج اء َأَح َد ُه ُم اْلَمْو ُت َقاَل َر ِّب اْر ِج ُعوِن **َلَعِّلي َأْع َم ُل َص اِلحًا ِفيَم ا َتَر ْك ُت ) قال‬
‫اهلل له ( َك اَّل ِإَّنَه ا َك ِلَم ٌة ُه َو َقاِئُلَه ا) (المؤمنون \‪)100-99‬‬
‫عند اللحظات الحاسمة ‪،‬عند السكرات تسود وجوه فال توفق لقول ال إله إال اهلل‬
‫ألنه ال يعرفها ‪،‬عند اللحظات يقال لتلك النفس ‪ ،‬يا أيتها النفس الخبيثة أخرجي‬
‫إلى سخط من اهلل وغضبه‪ ،‬فتتفرق في جسده فتنتزع من جسده كما ينتزع‬
‫السفود من الصوف المبلول ‪،‬عند اللحظات‪ ،‬تنطق األلسن واألعين والقلوب بما‬
‫كانت عليه في الدنيا من ظلمات المعاصي‪ ،‬فمنهم من قال كلمة الكفر‪ ،‬ومنهم من‬
‫نطق بأغنية المجون والحب والهيام‪ ،‬ومنهم من أراد الزنى واللواط وهو في‬
‫سكرات الموت والعياذ باهلل ‪،‬فمن شب على شيء شاب عليه‪..‬نسأل اهلل السالمة‬
‫والعافية ‪ ...‬هذه هي ظلمات المعاصي عند السكرات ‪،‬فما هي ظلماته في القبر‬
‫فعندما يوضع ذاك العاصي في قبره ‪،‬يسأل ثالثة أشياء ‪ ..‬من ربك؟ما دينك؟؟من‬
‫نبيك؟؟ فماذا يكون الجواب؟؟‪..‬ال يجاوب وال يستطيع‪ ،‬مع أنه يعرفها في الدنيا ‪،‬‬
‫يقول هااه هااه ‪..‬ال أدري !! فيكون العقاب ‪،‬فيضرب بمطرقة من حديد يغوص‬
‫في األرض والعياذ باهلل سبعون ذراعا ‪..‬نسأل اهلل السالمة والعافية‪..‬‬
‫أما ظلمات المعاصي في عرصات يوم القيامة ‪،‬وعند جسر جنهم فاسمع ماذا‬
‫يقول اهلل عنهم ‪ ،‬يقول اهلل تعالى ‪َ( :‬يْو َم َيُقوُل اْلُم َناِفُقوَن َو اْلُم َناِفَق اُت ِلَّلِذ يَن آَمُنوا‬
‫انُظُر وَنا َنْق َتِبْس ِم ن ُّنوِر ُك ْم ِقيَل اْر ِج ُعوا َو َر اءُك ْم َفاْلَتِم ُس وا ُنورًا َفُضِر َب َبْيَنُه م ِبُس وٍر َّل ُه‬
‫َباٌب َباِط ُنُه ِفيِه الَّر ْح َم ُة َو َظاِه ُر ُه ِم ن ِقَبِلِه اْلَعَذ اُب * ُيَناُدوَنُه ْم َأَلْم َنُك ن َّمَعُك ْم َقاُلوا َبَلى‬
‫َو َلِكَّنُك ْم َفَتنُتْم َأنُف َس ُك ْم َو َتَر َّبْصُتْم َو اْر َتْبُتْم َو َغَّرْتُك ُم اَأْلَماِنُّي َح َّتى َج اء َأْم ُر الَّلِه َو َغَّر ُك م‬
‫ِه‬ ‫ِم َّلِذ‬ ‫ِم ِف‬ ‫ِب َّلِه‬
‫ال اْلَغُر وُر * َفاْلَيْو َم اَل ُيْؤ َخ ُذ نُك ْم ْد َيٌة َو اَل َن ا يَن َكَف ُر وا َمْأَو اُك ُم الَّناُر َي‬
‫اْلَم ِص ي ) (الحديد\‪)15-13‬‬ ‫ِب‬
‫ُر‬ ‫َمْو اَل ُك ْم َو ْئَس‬
‫فمثل أخي الحبيب‪،‬ومثلي أختي المسلمة نفسك مكان هؤالء ‪،‬ماذا يكون حالكم‬
‫يوم القيامة ‪..‬نسأل اهلل بمنه وكرمه أن ينجينا يوم القيامة‬
‫مثل لقلبك أيها المغرور ‪ ...‬يوم القيامة والسماء تمور‬
‫قد كورت شمس النهار وأدريت ‪ ...‬حر أعلى روس العباد تفور‬
‫وإذا الجبال تقلعت بأصولها ‪ ...‬فرأيتها مثل السحاب تسير‬
‫وإذا النجوم تساقطت وتناثرت ‪ ...‬تبدلت بعد الضياء كدور‬
‫وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت ‪ ...‬وتقول لألمالك أين نسير‬
‫فيقال سيروا تشهدون فضائحا … وعجائبا قد أحضرت وأمور‬
‫وإذا الجنين بأمه متعلق … خوف الحساب وقلبه مذعور‬
‫هذا بال ذنب يخاف لهوله ‪ ...‬كيف المقيم على الذنوب دهور‬
‫هذا بال ذنب أيها األحباب يخاف هول يوم القيامة ‪ ،‬كيف والعياذ باهلل من يقيم‬
‫سنين عديدة وهو على ذنب وهو ال يشعر‪ ،‬نسأل اهلل العافية ‪..‬‬
‫أيها األحبة ‪،‬وبعد بيان النور من الظلمات ‪،‬ألم يئن للقلوب القاسية أن تلين إلى‬
‫ربها ؟ألم يحن الوقت لمن عصى اهلل ليل نهار أن يتوب إلى اهلل ‪،‬وبعد بيان ذاك‬
‫النور من تلك الظلمات ‪،‬أما آن لتارك الصالة أن يصلي؟ ولعاق الوالدين أن‬
‫يبرهما ولو بعد موتهما؟ أما آن لمن عاش في ظلمات المعاصي أن يرجع إلى‬
‫ربه بصدق ويقين ‪..‬لعل اهلل أن يبدل سيئاته وظلماته حسنات‬
‫(َأَلْم َيْأِن ِلَّلِذ يَن آَم ُنوا َأْن َتْخَش َع ُقُلوُبُه ْم ِلِذ ْك ِر الَّلِه َو َم ا َنَز َل ِم َن اْلَح ِّق )‬
‫أال زال قلبك أخي قاسيًا ال يخشع وال يلين؟ أال زالت عينك ال تدمع ؟‬
‫أيها اإلخوة واألخوات ‪ ،‬نداء أبثه من األعماق لمن حاد عن طريق النور والحياة‬
‫السعيدة ‪،‬أن يتذوق حالوة اإليمان ‪..‬تذوق أخي حالوة اإليمان ولو مرة واحدة‬
‫فواهلل لن تتركها أبدًا‪ ،‬عليك أخي بالتوبة النصوح‪،‬والرجوع إلى اهلل والمسارعة‬
‫إليه سبحانه‪ ،‬فقد قال (َو َس اِر ُعوا ِإَلى َمْغِف َر ٍة ِم ْن َر ِّبُك ْم َو َج َّنٍة َعْر ُضَه ا الَّس َمَو اُت‬
‫َو اَأْلْر ُض ُأِع َّد ْت ِلْلُم َّتِق يَن )‬
‫فتقوى اهلل هي النور والهادي لك إلى أن تصل إلى جنة عرضها السماوات‬
‫واألرض‪ ،‬ثم أوصيك أخي بالدعاء الخالص من القلب أن يتقبل اهلل توبتك وأن‬
‫يثبتك على الهداية واالستقامة‪ ،‬وعلى نور الحق والصدق ‪..‬اسأل أخي ربك‬
‫الهداية والسداد‪ ،‬اسأله المغفرة لجميع ذنوبك ‪،‬اسأله تعالى الجنة فهو كريم‬
‫ال يعذب خلقه بالنار‬
‫قف إلى ربك‪ ،‬قف إليه منقطعًا إليه‪ ،‬وارفع يديك متضرعًا إليه‪ ،‬وقل لربك‬
‫مهما كانت ذنوبك وظلماتك‬
‫قل له‬
‫بذكرك يا مولى الورى نتنعم ‪....‬وقد خاب قوم عن سبيلك قد عموا‬
‫شهدنا يقينًا أن علمك واسع‪,,,,‬فأنت ترى ما في القلوب وتعلم‬
‫إلهى تحملنا ذنوبًا عظيمة ‪....‬أسأنا وقصرنا وجودك أعظم‬
‫سترنا معاصينا عن الخلق غفلة‪.....‬وأنت ترانا ثم تعفو وترحم‬
‫إلهي فجد واصفح وأصلح قلوبنا‪....‬فأنت الذي تولي الجميل وتكرم‬
‫وأنت الذي قربت قومًا فوافقوا‪....‬ووفقتهم حتى أنابوا وسلموا‬
‫نظرت إليهم نظرة بتعطف‪...‬فعافوا بها والناس سكرى ونوم‬
‫لك الحمد عاملنا بما أنت أهله‪....‬وسامح وسلمنا فأنت المسلم‬
‫سبحانك رب العزة عما يصفون‪..‬وسالم على المرسلين‪..‬والحمد هلل رب العالمين‬

You might also like