You are on page 1of 17

‫الحمد ل وكفى‪ ،‬وصلة وسلما على‬

‫عباده الذين اصطفى ‪ ..‬أما بعد ‪:‬‬

‫‪ ‬فإنففه مهمففا عاش النسففان فففي هذه‬


‫الحياة ومهمففا طال بففه البقاء بهففا‪،‬‬
‫ومهمفا اسفتمتع بشهواتهفا وملذاتهفا‪،‬‬
‫فإن المصفففففير واحفففففد والنهايفففففة‬
‫محتومففة‪ ،‬ولبففد لكففل إنسففان مففن‬
‫نهايفففة‪ ،‬وهذه النهايفففة هفففي الموت‬
‫الذي ل مففر منفه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬كفل‬
‫نفففففس ذائقففففة الموت) آل عمران‪:‬‬
‫‪185‬‬

‫‪ ‬وقال الشاعر ‪:‬‬


‫كفففل ابفففن أنثفففى وإن‬
‫طالت سلمته‬
‫يومفا‬
‫على آله حدباء محمول‬

‫‪ ‬إنه لبد من يوم ترجع فيه الخلئق‬


‫إلى ال جففل وعل ليحاسففبهم على‬
‫مففففا عملوا فففففي هذه الدنيففففا‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬واتقوا يومففا ترجعون فيففه‬
‫إلى ال) البقرة‪ 281 ،‬يوم طالمفففا‬
‫نسففيناه‪ ،‬يوم هففو آخففر اليام‪ ،‬يوم‬
‫تغففص فيففه الحناجففر‪ ،‬فل يوم بعده‬
‫ول يوم مثله‪ ،‬إنفه اليوم العظيفم يوم‬
‫كتبففه ال على كففل صففغير وكففبير‪،‬‬
‫وكفففل جليفففل وحقيفففر‪ ،‬إنفففه اليوم‬
‫المشهود واللقاء الموعود‪.‬‬
‫‪ ‬ثفم إنفه قبفل هذا اليوم لحظفة ينتقفل‬
‫فيهففا النسففان مففن دار الغرور إلى‬
‫دار السففرور‪ ،‬كففل بحسففب عمله‪،‬‬
‫تلك اللحظة التي يلقي فيها النسان‬
‫آخفر النظرات على البناء والبنات‬
‫والخوان‪ ،‬يلقي فيها آخر النظرات‬
‫على هذه الدنيفا‪ ،‬وتبدو على وجهفه‬
‫معالم السفففففكرات‪ ،‬وتخرج مفففففن‬
‫صميم قلبه الهات والزفرات‪.‬‬

‫‪ ‬إنهفا اللحظفة التفي يعرف النسفان‬


‫فيهفا حقارة هذه الدنيفا‪ ،‬إنهفا اللحظفة‬
‫التفي يحفس النسفان فيهفا بالحسفرة‬
‫واللم على كل لحظة فرط فيها في‬
‫جنفب ال تعالى‪ ،‬فهفو يناديفه‪ :‬رباه‪،‬‬
‫رباه‪( :‬رب ارجعون لعلي أعمفففففل‬
‫صالحا فيما تركت) المؤمنون‪99 :‬‬
‫‪،100‬‬

‫‪ ‬إنهففا اللحظففة الحاسففمة والسففاعة‬


‫القاصفففمة التفففي يدنفففو فيهفففا ملك‬
‫الموت لكي ينادي‪ ،‬فيا ليت شعري‬
‫هفففففل ينادي نداء النعيفففففم أو نداء‬
‫الجحيم ؟!!‬

‫إن الغربفة الحقيقفة إنمفا هفي غربفة‬ ‫‪‬‬

‫اللحفففففد والكففففففن‪ ،‬فهفففففل تذكرت‬


‫انطراحففففففففففك على الفراش‪ ،‬وإذا‬
‫بأيدي الهفل تقلبفك‪ ،‬فأشتفد نزعفك‬
‫وصفففار الموت يجذبفففك مفففن كفففل‬
‫عرق‪ ،‬ثفففففم أسفففففلمت الروح إلى‬
‫بارئهفا‪ ،‬والتففت السفاق بالسفاق‪ ،‬ثفم‬
‫قدموك بعفد ذلك ليصفلي عليفك‪ ،‬ثفم‬
‫أنزلوك فففي القففبر وحيدا فريدا‪ ،‬ل‬
‫أم تقيفم معفك‪ ،‬ول أب يرافقفك‪ ،‬ول‬
‫أخ يؤنسك‪.‬‬
‫‪ ‬وهناك يحفففس المرء بدار غريبفففة‬
‫ومنازل رهيبة عجيبة‪ ،‬وفي لحظة‬
‫واحدة ينتقففل العبففد مففن دار الهوان‬
‫إلى دار النعيفم المقيفم إن كان ممفن‬
‫تاب وأمن وعمل صالحا‪ ،‬أو ينتقل‬
‫إلى دار الجحيفم والعذاب الليفم إن‬
‫كان ممففن أسففاء العمففل وعصففى‬
‫المولى جل وعل‪.‬‬

‫‪ ‬لقفد طويفت صففحات الغرور‪ ،‬وبدا‬


‫للعبد هول البعث والنشور‪ ،‬مضت‬
‫الملهيات والمغريات وبقيفففففففففففت‬
‫التبعات ‪ ..‬فل إله إل ال من ساعة‬
‫تطوى فيها صحيفة المرء إما على‬
‫الحسنات أو على السيئات‪ ،‬ويحس‬
‫بقلب متقطفففع مفففن اللم والحسفففرة‬
‫على أيام غفففل فيهففا كثيرا عففن ال‬
‫واليوم الخفر ‪ ،‬فهفا هفي الدنيفا بمفا‬
‫فيهففا قففد انتهففت وانقضففت أيامهففا‬
‫سريعا‪ ،‬وها هو الن يستقبل معالم‬
‫الجففد أمام عينيففه‪ ،‬ويسففلم روحففه‬
‫لباريهففا‪ ،‬وينتقففل إلى الدار الخرة‬
‫بمفا فيهفا مفن الهوال العظيمفة‪ .‬ففي‬
‫لحظففة واحدة أصففبح كأنففه لم يففك‬
‫شيئا مذكورا … فل إله إل ال من‬
‫سفففاعة ينزل فيهفففا النسفففان أول‬
‫منازل الخرة ويسفففففففففتقبل الحياة‬
‫الجديدة‪ ،‬فإمفففا عيشفففة سفففعيدة‪ ،‬أو‬
‫عيشة نكيدة والعياذ بال‪.‬‬

‫‪ ‬ول إله إل ال مفففففففففن دار تقارب‬


‫سففكانها‪ ،‬وتفاوت عمارهففا‪ ،‬فقفففبر‬
‫يتقلب في النعيم والرضوان المقيم‪،‬‬
‫وقفبر ففي دركات الجحيفم والعذاب‬
‫الليفم‪ ،‬فهفو ينادي ولكفن ل مجيفب‪،‬‬
‫وهو يستعطف ولكن ل مستجيب‪.‬‬

‫ثففم يأتففي بعففد ذلك اللقاء الموعففد‬ ‫‪‬‬

‫واليوم المشهود‪ ،‬اليوم الذي تتبدل‬


‫فيففففففففه الرض غيففففففففر الرض‬
‫والسفففففموات وبرزوا ل الواحفففففد‬
‫القهار‪ ،‬يوم ل يغنففففي مولى عففففن‬
‫مولى شيئا ول هفففففم ينصفففففرون‪،‬‬
‫وصففاح الصففائح بصففيحته فخرج‬
‫الموتففففى مففففن تلك الجداث وتلك‬
‫القبور إلى ربهففم حفاة عراة غرل‪،‬‬
‫فل أنسففاب‪ ،‬ول أحسففاب‪ ،‬ول جاه‬
‫ول مال‪( ،‬فإذا نفخ في الصور فل‬
‫أنسهههههههههاب بينههههههههههم يومئذ ول‬
‫يتسهههاءلون‪ ،‬فمهههن ثقلت موازينهههه‬
‫فأولئك ههم المفلحون‪ ،‬ومهن خفهت‬
‫موازينهههه فأولئك الذيهههن خسهههروا‬
‫أنفسههم فهي جهنهم خالدون‪ ،‬تلفهح‬
‫وجوهههم النار وههم فيهها كالحون)‬
‫المؤمنون‪104-101 :‬‬

‫إنففففه اليوم الذي يجمففففع ال فيففففه‬ ‫‪‬‬

‫الوليفن والخريفن‪ ،‬إنفه اليوم الذي‬


‫تتبدد عنده الوهام والحلم‪ ،‬إنففففه‬
‫اليوم الذي تنشفففر فيفففه الدواويفففن‬
‫وتنصففب فيففه الموزايففن‪ ،‬إنففه اليوم‬
‫الذي يفر فيه المرء من أخيه وأمه‬
‫وأبيه وصاحبته وبنيه‪ ،‬واليوم الذي‬
‫يود المجرد لو يفتدي فيفففففه مفففففن‬
‫العذاب ببنيففففه وصففففحبته وأخيففففه‬
‫وفصيلته التي تؤويه‪.‬‬

‫‪ ‬فيا أخي الحبيب ‪:‬‬


‫‪ ‬يففا مففن تعصففي ال تصففور نفسففك‬
‫وأنفت واقفف بيفن الخلئق ثفم نودي‬
‫باسففمك‪ :‬أيففن فلن ابففن فلن؟ هلم‬
‫إلى العرض على ال‪ ،‬فقمت ترتعد‬
‫فرائصففففففك‪ ،‬وتضطرب قدمففففففك‬
‫وجميع جوارحك من شدة الخوف‪،‬‬
‫قفد تغيفر لونفك‪ ،‬وتحفل بفك مفن الهفم‬
‫والغم والقلق ما ال به عليم‪.‬‬
‫‪ ‬وتصففور وقوفففك بيففن يدي بديففع‬
‫السففموات والرض‪ ،‬وقلبففك مملوء‬
‫من الرعب‪ ،‬وطرفك خائف‪ ،‬وأنت‬
‫خاشففع ذليففل‪ .‬قففد أمسففكت صففحيفة‬
‫عملك بيدك‪ ،‬فيهفا الدقيفق والجليفل‪،‬‬
‫فقرأتها بلسان كليل‪ ،‬وقلب منكسر‪،‬‬
‫وداخلك الخجفففل والحياء مفففن ال‬
‫الذي لم يزل إليففك محسففنا وعليففك‬
‫سفففاتراً ‪ .‬فبال عليفففك‪ ،‬بأي لسفففان‬
‫تجيبفه حيفن يسفألك عفن قبيفح فلعلك‬
‫وعظيفففم جرمفففك؟ وبأي قدم تقفففف‬
‫عدا بيففن يديففه؟ وبأي طرف تنظففر‬
‫إليفففه؟ وبأي قلب تحتمفففل كلمفففه‬
‫العظيم الجليل‪ ،‬ومسائلته وتوبيخه؟‬
‫‪ ‬وكيفف بفك إذا ذكرّك مخالفتفك له‪،‬‬
‫وركوبفك معاصفيه‪ ،‬وقلة اهتمامفك‬
‫بنهيففه ونظره إليففك‪ ،‬وقلة اكتراثففك‬
‫في الدنيا بطاعته؟!‬

‫‪ ‬ماذا تقول إذا قال لك‪ :‬يا عبدي‪ ،‬ما‬


‫أجللتنفففي‪ ،‬أمفففا اسفففتحييت منفففي؟!‬
‫استخففت بنظري إليك؟! ألم أحسن‬
‫إليففك؟! ألم أنعففم عليففك؟! مففا غرك‬
‫بي؟‬

‫‪ ‬أخي الحبيب ‪:‬‬


‫‪ ‬تذكففففر أهففففل الصففففالحات حيففففن‬
‫يخرجون مفن قبورهفم وقفد ابيضفت‬
‫وجوههففم بآثار الحسففنات‪ ،‬خرجوا‬
‫بذلك الثفر العظيفم مفن ال الكريفم‪،‬‬
‫ومففا عظففم المقام عليهففم‪ ،‬تتلقاهففم‬
‫الملئكفففة هذا يومكفففم الذي كنتفففم‬
‫توعدون … تذكففففر عندمففففا يقول‬
‫الرب تبارك وتعالى بحقهفففم ‪ :‬يفففا‬
‫ملئكتفففي‪ ،‬خذوا بعبادي إلى جنات‬
‫النعيفففففم‪ ،‬خذوهفففففم إلى الرضوان‬
‫العظيففم‪ ،‬فأصففبحوا بحمففد ال فففي‬
‫عيشففففة راضيففففة‪ ،‬وفتحففففت لهففففم‬
‫الجنان‪ ،‬وطاف حولهفففففففففم الحور‬
‫والولدان‪ ،‬وذهففففب عنهففففم النكففففد‬
‫والنصب‪ ،‬وزال العناء والتعب‪.‬‬

‫وتذكفففر ففففي المقابفففل تلك النففففس‬ ‫‪‬‬

‫الظالمففة المعرضففة عففن منهففج ال‬


‫تعالى العاصفية له‪ ،‬عندمفا يقول ال‬
‫تبارك وتعالى بحقهفا‪ :‬يفا ملئكتفي‪،‬‬
‫خذوه فغلوه‪ ،‬ثم الجحيم صلوه‪ ،‬فقد‬
‫اشتففد غضففبي على مففن قففل حياؤه‬
‫منففي‪ ،‬فوقفففت تلك النفففس الثمففة‬
‫الظالمفففة على نار تلظفففى وجحيفففم‬
‫تغيظ وتزفر‪ ،‬وقد تمنت تلك النفس‬
‫أن لو رجعفت إلى الدنيفا لتتوب إلى‬
‫ال وتعمففل صففالحاً‪ ،‬لكففن هيهات‬
‫هيهات أن ترجفففع‪ ،‬فكبكبفففت على‬
‫رأسففها وجبينهففا‪ ،‬وهوت فففي تلك‬
‫المهاوي المظلمفففة‪ ،‬وتقلبفففت بيفففن‬
‫الدركات والجحيففففم‪ ،‬والحسففففرات‬
‫والزفرات… فل إله إل ال مفففففففا‬
‫أعظفففم الفرق بيفففن هؤلء وأولئك‬
‫بيفن مفن كان ففى النعيفم ومفن كان‬
‫ففي الجحيفم ‪ .‬وصفدق ال تعالى إذ‬
‫يقول‪( :‬إن البرار لفههي نعيههم وإن‬
‫الفجار لفهي جحيهم) النفطار‪13، :‬‬
‫‪14‬‬

‫‪ ‬فيا أخي الحبيب ‪:‬‬


‫‪ ‬يا من تقرأ هذه الرسالة ‪ :‬قف قليل‬
‫وحاسب نفسك كثيراً ‪:‬‬
‫‪ ‬فإن كنففففت ممففففن يسففففارع فففففي‬
‫الطاعات والقربات ويتجنفففففففففففب‬
‫المعاصفففي والمخالفات فاحمفففد ال‬
‫على ذلك‪ ،‬واسففففأله الثبات حتففففى‬
‫الممات‪ ،‬وهنيئا وال لك مفففا أنفففت‬
‫مقدم عليه بإذن ال‪.‬‬
‫‪ ‬وإن كنففت غيففر ذلك فتففب إلى ال‬
‫وارجفففففع إلى الهدى‪ ،‬ول داعهههههي‬
‫للعناد والصهههرار على المعاصهههي‬
‫التهي سهتعرضك لعذاب ال ‪ ،‬فإنفك‬
‫وال لعجز من أن تطيق شيئا من‬
‫هذا العذاب‪ ،‬إن الجبال الشفففففففففففم‬
‫الراسففيات لو سففيرت بالنار لذابففت‬
‫مففن شدة حرهففا! فأيففن أنففت أيهففا‬
‫النسفان الضعيفف مفن تلك الجبال؟‬
‫إنفك تصفبر على الجوع والعطفش‪،‬‬
‫وتصفففففففبر على الضفففففففر وعلى‬
‫التكاليفف‪ ،‬لكفن وال الذي ل إله إل‬
‫هففو ل صففبر لك على النار … أل‬
‫فأنقفذ نفسفك مفن النار مفا دمفت ففي‬
‫زمفففن المهال قبفففل أن تندم ولت‬
‫سفاعة مندم‪ ،‬واعلم أن الصهبر عهن‬
‫محارم ال فهههي هذه الدنيههها أيسهههر‬
‫وال بكثيهر مهن الصهبر على عذابهه‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ ‬ثهم اعلم أخهي أن طريهق السهتقامة‬
‫واللتزام ليههس فيههه تعقيههد وكبههت‬
‫حريههة كمهها يظنههه البعههض‪ ،‬بههل إن‬
‫طريههههق السههههتقامة واللتزام كله‬
‫سهههعادة‪ ،‬كله لذة‪ ،‬كله راحهههة‪ ،‬كله‬
‫طمأنينهة‪ ،‬وماذا يريهد النسهان فهي‬
‫هذه الحياة غيهههر ذلك؟! أمههها حياة‬
‫المعصههية والثام فكلههها قلق ونكههد‬
‫وحسهههرة فهههي الدنيههها‪ ،‬ثهههم عذاب‬
‫وهوان في الخرة‪.‬‬

‫‪ ‬فجرب يففا أخففي هذا الطريففق مففن‬


‫الن ول تتردد‪ ،‬فإنففي وال لك مففن‬
‫الناصحين‪ ،‬وعليك من المشفقين‪.‬‬
‫وصلى ال على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

You might also like