You are on page 1of 139

‫َ‬ ‫ّ‬ ‫��اُ �‬ ‫�‬

‫�‬ ‫ا‬
‫ك��ت� ب� لِ�‬
‫��صي�ا �م‬
‫دار اإلفتاء المصرية‬
‫‪ 1439‬ه‬
‫تقديم‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫َ احلمد هلل رب العاملني القائل يف كتابه الكريم‪:‬‬
‫َ ُّ َ ذَّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ۡ ُ ُ ّ َ ُ َ َ ُ َ لَ ىَ‬
‫بع‬ ‫ٱلصيام كما كت ِ‬ ‫{يأيها ٱلِين ءامنوا كتِب عليكم ِ‬ ‫ٰٓ‬
‫ُ َ َّ ُ َ ُ َ‬
‫ِين مِن ق ۡبل ِك ۡم ل َعلك ۡم ت َّتقون}‪ ،‬والصالة والسالم ىلع‬
‫َ‬ ‫ذَّٱل َ‬
‫َ‬ ‫سيد اخللق أمجعني القائل‪« :‬بُ َ‬
‫ن اإلسالم ىلع مخس»‪ ...‬وذكر‬ ‫يِ‬
‫منها «صوم رمضان»‪ ،‬وريض اهلل عن آهل وصحبه أمجعني‪،‬‬
‫وبعد‪...‬‬
‫َ َ ِّ‬
‫فإن الصوم عبادة من أجل العبادات وأعظمها ثوابا‪،‬‬
‫حيث اختص اهلل تعاىل بتقدير ثواب الصائم فقال انليب‬
‫اهلل َع َّز َو َج َّل‪َّ :‬‬ ‫َُ ُ‬
‫الص ْو ُم يِل‬ ‫ول ُ‬ ‫‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪« :-‬يق‬
‫َ َ ُ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ رُ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫ََ َ ْ‬
‫َوأنا أج ِزي بِ ِه‪ ،‬يدع شهوته وأكله وشبه ِمن أج يِل»‪.‬‬
‫وقد رشع اإلسالم هلذه الفريضة قانونها اخلاص بها‪،‬‬
‫من رشوط وأراكن وسنن ومندوبات إذا روعيت فيها صحت‬
‫تلك العبادة وكملت‪ .‬وللك عبادة حمظورات ومكروهات ال‬
‫بد من معرفتها؛ تلجنبها‪ ،‬فإذا وقع فيها حمظور بطلت‪ ،‬وإذا‬
‫وقع فيها مكروه جنح بها عن الكمال‪ .‬وكذا يف لك عبادة أمور‬
‫ُْ‬ ‫ْ ُ‬
‫تركها وفِعلها سواء يف عدم الرضر واتلأثري‪.‬‬ ‫مباحة‬
‫َّ‬
‫ذللك اكن ىلع امللكف اتلميزي بني هذه األمور اليت‬
‫تعرض هلذه العبادة ‪-‬عبادة الصوم‪ -‬حىت حيققها ىلع الوجه‬

‫‪3‬‬
‫اذلي يريض عنه اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فيحصل بها اإلجزاء يف‬
‫اعلم ادلنيا‪ ،‬واثلواب اجلزيل يف اآلخرة‪.‬‬
‫وهذا الكتيب ىلع صغر حجمه قد احتوى ىلع‬
‫خالصة بيان األحاكم واآلداب والعوارض اخلاصة بعبادة‬
‫ُ ُّ‬
‫يسد حاجة امللكف اآلنية والرضورية يف لك ما‬ ‫الصوم‪ ،‬حبيث‬
‫يتعلق بهذه العبادة العظيمة‪.‬‬
‫وفق اهلل الصائمني‪َّ ،‬‬‫َّ‬
‫وتقبل منهم‪ ،‬وأجزل ثوابهم‪ ،‬وأنعم‬
‫عليهم بأنوار وبراكت الصوم يف ادلنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وصل امهلل ىلع سيدنا حممد وىلع آهل وصحبه وسلم‬

‫أ‪ .‬د ‪ /‬شويق عالم‬


‫مفيت ادليار املرصية‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم ىلع سيدنا رسول اهلل وىلع‬
‫وبعد‪:‬‬
‫آهل وصحبه ومن وااله ‪َ ..‬‬
‫للسنةَ‬‫ن َع رَش َّ‬ ‫ْ‬
‫االث ْيَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فشهر رمضان هو أحد الشهور‬
‫َۡ‬ ‫َ هَّ‬ ‫َّ َ ُّ‬
‫ٱلش ُ‬ ‫َّ‬ ‫ج َّ‬‫ْ‬
‫ٱللِ ٱثنا‬ ‫أَۡ‬ ‫ِند‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ور‬‫ه‬ ‫ة‬ ‫ِد‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫{‬ ‫تعاىل‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ري‬ ‫اله‬
‫ِ‬
‫هَّ َ ۡ َ َ َ َّ َ ٰ َ ٰ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫ٗ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫رََ‬ ‫َ‬
‫ت وٱلۡرض}‬ ‫ب ٱللِ يوم خلق ٱلسمو ِ‬ ‫عش شهرا يِف كِت ِ‬
‫اهلل عن بايق شهور السنة بإنزال‬ ‫شهر مَيزَّ َه ُ‬ ‫[التوبة‪ ،]36 :‬وهو ٌ‬
‫القرآن فيه‪ ،‬وفرضية صيامه ىلع املسلمني‪ ،‬واختصه بفضائل‬
‫َ‬ ‫اًّ‬
‫للسبْق ونيْل أىلع‬ ‫حمل َّ‬ ‫ال توجد يف غريه من الشهور؛ يلكون‬
‫دارك الفاُئِت ِم َن األعمال واألوقات‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ادلرجات‪ ،‬وتَ ُ‬
‫ِلن ِ َ َ ّ َ‬ ‫ان ُه ٗدى ّل َّ‬ ‫ُۡ َۡ ُ‬ ‫َ ۡ ُ َ َ َ َ ذَّ ٓ َ‬
‫ت‬ ‫اس وبيِنٰ ٖ‬ ‫نزل فِيهِ ٱلقرء‬ ‫{شهر رمضان ٱلِي أ‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َّ ۡ َ َ َۡ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ۡ ُ َ ٰ َ ۡ ُ ۡ َ َ َِ َ‬
‫ان فمن ش ِهد مِنكم ٱلشهر فليصمه}‬ ‫مِن ٱلهدى وٱلفرق ِ ۚ‬
‫[البقرة‪.]185 :‬‬
‫وقد اختص اهلل هذا الشهر الكريم بكثري من‬
‫الفضائل واخلريات والرباكت‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬اختصاصه بفرضية الصيام فيه‪:‬‬
‫عز وجل الصيام ىلع املسلمني‪ ،‬قال‬ ‫فقد فرض اهلل َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ ذَّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ۡ ُ‬
‫ٱلصيام}‬
‫تعاىل‪{ :‬يأيها ٱلِين ءامنوا كتِب عليكم ِ‬
‫[البقرة‪ ،]183 :‬والصيام ركن من أراكن اإلسالم اليت ال يكمل‬

‫‪5‬‬
‫إسالم العبد إال بالقيام بها‪ ،‬قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ْ ُ علَىَ خمَ‬
‫ْ ٍس‪ »...‬ذكر منها «‪َ ...‬و َص ْومِ َر َم َضان»(((‪.‬‬ ‫اإلسالم‬
‫«ب يِن ِ‬
‫وملا تميزَّ الصوم عن غريه من العبادات بكونه ُركنا‬
‫يف اإلسالم‪ ،‬وتميزَّ عنها بفضائل كثرية ستُذكر يف حملها ‪-‬بإذن‬
‫اًّ‬
‫اهلل‪ -‬اختار اهلل تعاىل أفضل األوقات يلكون حمل ألداء‬
‫هذه العبادة الرشيفة والركن األساس‪ ،‬وهو شهر رمضان؛‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إ ِذ اختصه اهلل َّ‬
‫الكونية والربانية‬ ‫عز وجل بعظيم الفضائل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ رَ‬
‫وحمو السيئات‪ ،‬وإقال ِة‬ ‫ِ‬ ‫فران‪،‬‬
‫العميمة‪ ،‬فأكث فيه من الغ ِ‬
‫ورفع ادلرجات‪ ،‬ومضاعف ِة احلسنات‪ ،‬واستجاب ِة‬ ‫ِ‬ ‫العرثات‪،‬‬
‫ىَّ‬ ‫َ‬
‫كثريا ِم َّمن استوجبوا دخوهلا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ادلعوات‪ ،‬ونج فيه من انلار‬
‫رُ‬ ‫َ‬ ‫الر ْض َوان َّ‬
‫وانلف َ‬ ‫َ‬
‫نعيم ِّ‬
‫حات‪ ،‬فكث‬ ‫وأفاض فيه ىلع الصائمني‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فيه العفو‪ ،‬وعظمت فيه ال كة‪ ،‬وعم فيه اخلري‪ ،‬وتزنلت فيه‬ ‫َ‬ ‫برَ‬
‫َ ْ ِلهُ‬ ‫الرمحة‪ ،‬فاكن ً‬
‫سيدا للشهور لكها‪ ،‬ال يعد ِس َو ُاه من األوقات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ ِّ ُ ُّ‬
‫ور َر َم َضان»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الش ُ‬
‫ه‬ ‫قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬سيد‬
‫‪ -2‬نزول القرآن فيه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫القرآن الكريم هو ال ُمع ِج َزة العظىم اخلادلة ابلاقية‬
‫َّ ُ‬
‫ادلالة ىلع نبوته صىل اهلل عليه وآهل وسلم ىلع َم ِّر الزمان‪،‬‬
‫((( متفق عليه‪ :‬ابلخاري (‪ 12/ 1‬رقم ‪ ،)8‬ط‪ 3‬دار ابن كثري‪ ،‬ايلمامة‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1407‬ـه‪،‬‬
‫ومسلم (‪ 45/1‬رقم ‪ ،)20‬ط دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري (‪ ،)205/9‬ط‪ 2‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املوصل‪ ،‬سنة‬
‫‪1404‬ـه‪ ،‬وابليهيق يف شعب اإليمان (‪ ،355/3‬حديث)‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫سنة ‪1410‬ـه‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫كلُ ِّ‬ ‫ُ‬
‫للقوانني املنظم ِة للكون‪ ،‬الصاحلة اتلطبيق يف‬ ‫ِ‬ ‫اجلامعة‬
‫ُ‬ ‫وماكن‪ ،‬فاكن َحر ًّيا بأن ي َ ُ‬ ‫َزمان َ‬
‫رشف به الزمان اذلي ميزَّ ه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اهلل وخصه بإنزاهل فيه‪ .‬وقد اختص اهلل شهر رمضان من‬ ‫َّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الشهور بإنزال القرآن فيه‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ش ۡه ُر َر َمضان‬ ‫ُ‬ ‫بني‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت م َِن ٱلهد ٰ‬ ‫ۡ‬ ‫ّ‬ ‫ٰ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫اس َ‬
‫و‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ِلن‬
‫ّ‬
‫ل‬ ‫ى‬
‫ٗ‬
‫د‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫ان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬
‫ِي أنزل فِيهِ ٱلق ۡر َ‬
‫ء‬
‫َ‬ ‫ذَّٱل ٓ‬
‫ِ ٖ‬ ‫ُۡ َ ِ‬
‫ان} [البقرة‪ .]185 :‬قال ابن عباس‪-‬ريض اهلل عنهما‪:-‬‬ ‫ِ‬ ‫َو ُٱلف ۡرق‬
‫ليَ َ َ ْ‬ ‫َّ ْ ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ َ ُ ْ ُ جمُ ْ َ ً َ َ ً‬
‫وظ يِف ْل ِة القدر‬ ‫احدة ِم َن اللو ِح المحف ِ‬ ‫"أن ِزل القرآن لة و ِ‬
‫ُّ ْ َ ُ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ َ َ ُ‬
‫ت ال ِعز ِة يِف سما ِء ادلنيا‪ ،‬ثم نزل‬ ‫ِمن شه ِر رمضان‪ ،‬فو ِضع يِف بي ِ‬
‫يل ىلع محُ َ َّمد صىل اهلل عليه وآهل وسلم ُمنَ َّج ًما ْ‬ ‫ُ‬
‫–أي‪:‬‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫به َ جًِبرِْ‬
‫َ‬
‫ثالث وعرشين َسنة"(((‪.‬‬ ‫ُمف َّرقا‪ -‬حبسب َ‬
‫ٍ‬ ‫الوقائِ ِع يِف‬
‫وكما اختار اهلل تعاىل هذا الشهر إلنزال القرآن‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫الكريم فيه اختاره أيضا إلنزال غيرِْه من الكتب املقدسة‬
‫وسلم‬ ‫عليه ُوآهل ََّ‬ ‫عليه‪ ،‬فقد ورد عن انليب صىل اهلل‬ ‫ُ‬ ‫السابقة‬
‫حف إبراهيم‪-‬عليه َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أنه قال‪« :‬أنزلت ُص ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫السالم‪ -‬يف أو ِل‬
‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ َ َ ينْ‬ ‫َّ ْ َ ُ‬ ‫َ َ َِ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ليَ ْ َ‬
‫ت اتلوراة ل ِ ِست مض ُ من رمضان‪،‬‬ ‫ل ٍة من رمضان‪ ،‬وأن ِزل ِ‬
‫ْ َ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ش َة َخلَ ْ‬ ‫الث َع رْ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ت من َر َم َضان‪ ،‬وأن ِزل الف ْرقان‬ ‫نيل لثِ‬ ‫جِْ‬ ‫اإل‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫و‬
‫ربا ِن َّية‬ ‫ان»(((‪ ،‬ويف هذا إشارة َّ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ين َخلَ ْ‬ ‫أل ْر َبع َو ِعش َ‬
‫ت من رمض‬ ‫رِْ‬ ‫ٍ‬
‫إىل تفضيل شهر رمضان‪ ،‬وتميزيه ىلع غريه من األوقات‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪ ،)127/5‬ط‪ ،2‬دار طيبة للنرش واتلوزيع‪ ،‬سنة ‪1420‬ـه‪.‬‬
‫((( أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده (‪ ،)107/4‬ط مؤسسة قرطبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وحممد بن‬
‫الرضيس يف فضائل القرآن عن أيب اجلدل (ص‪ 74‬رقم ‪ ،)127‬ط ‪ ،1‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سنة ‪1408‬ـه‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -3‬تفتح أبواب اجلنة وأبواب اخلري فيه‪:‬‬
‫ُ َ َّ‬ ‫َُ‬
‫فيف شهر رمضان تف َّت ُح أبواب اخلري وتغل ُق أبواب‬
‫الش‪ ،‬وهو ما فُ رِّس به قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬إ َذا َج َ‬
‫اء‬ ‫رَّ ِّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ِّ َ ْ َ ْ َ ُ لجْ َ َّ َ ُ ِّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ َ ُ ِّ‬
‫ار وص َفد ِت‬ ‫رم َّضان فتحت أبواب ُ ا ن ِة َوغلقت ْأبواب انل ِ‬
‫ت أب ْ َوابُ‬ ‫ـج َّنة َو ُغلِّ َق ْ‬
‫اب ال َ‬ ‫ت أب ْ َو ُ‬ ‫ح ْ‬
‫ني»)‪ ،(1‬فقوهل‪« :‬فتِّ َ‬ ‫الشيَاط ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ يحَ ْ‬
‫ار» ت ِمل أن يكون لفظ (فتحت) ىلع ظاهره‪ ،‬فيكون‬ ‫ِ‬ ‫انل‬
‫ىَ‬ ‫ً‬
‫ذلك عالمة ىلع بَ َركة الشهر وما يُ ْرج للعامل فيه من اخلري‪،‬‬
‫َ‬ ‫يحَ ْ ُ‬
‫و تَ ِمل أن يريد بفتح أبواب اجلنة كرثة اثلواب ىلع صيام‬
‫ِّ‬
‫الشهر وقيامه‪ ،‬وأن العمل فيه يُ َؤدي إىل اجلنة‪ ،‬كما يقال عند‬
‫ت لكم أبواب اجلنة)‪ ،‬بمعىن‪ :‬أنه قد‬ ‫ح ْ‬ ‫العد ِّو‪( :‬قد ُفتِّ َ‬
‫ُمالقاة ُ‬
‫(غلِّ َق ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َ ُ ٌْ َْ ُ ُ َ‬
‫أمكنَك ْم فِعل تدخلونها به‪ ،‬و‬
‫ت أبواب انلار) بمعىن‬
‫واتلجاو ِز عن اذلنوب(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كرث ِة الغفران‬
‫ْ ُ َّ‬ ‫ُ ِّ‬
‫وصفدت‪ :‬أي شدت باألصفاد‪ ،‬ويه األغالل‪ ،‬وهو‬
‫بمعىن ُسلسلت‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ ْ‬
‫كثريا‬ ‫ف ِإن قيل‪ :‬قد تقع الرشور واملعايص يف رمضان‬
‫فلو ُسلْسلَ ْ‬
‫ت لم يقع يشء من ذلك‪ .‬فنقول‪ :‬هذا يف حق‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الصائمني اذلين حافظوا ىلع رشوط الصوم وراعوا آدابه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ْ ْ‬
‫ال ُم َسل َسل بعض الشياطني وهم املردة ال لكهم‪ .‬واملقصود‪:‬‬
‫تقليل الرشور فيه‪ ،‬وهذا أمر حمسوس‪ ،‬فإن وقوع ذلك فيه‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ 758/2‬رقم ‪ ،)1079‬والنسايئ يف سننه (‪ 126/4‬رقم ‪ ،)2097‬وأمحد بن‬
‫حنبل يف مسنده (‪.)357/2‬‬
‫((( املنتىق رشح املوطأ (‪ ،)75/2‬ط‪ 2‬دار الكتاب اإلساليم‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫أقل من غريه‪ ،‬وقيل‪ :‬ال يلزم من تسلسلهم وتصفيدهم لكهم‬
‫أن ال تقع رشور وال معصية؛ ألن ذللك أسبابا غري الشياطني‬
‫اكنلفوس اخلبيثة والعادات القبيحة والشياطني اإلنسية(((‪.‬‬
‫تعبريا ىلع‬ ‫ً‬ ‫تصفيد الشياطني‬ ‫ُ‬ ‫تمل أن يكون‬ ‫ويحُ َ‬
‫سبيل املجاز‪ ،‬وهو عبارة عن تعجزيهم عن اإلغواء وتزيني‬
‫الشهوات‪ ،‬فيعصم اهلل فيه املسلمني أو أكرثهم يف األغلب من‬
‫املعايص وال خيلص إيلهم فيه الشياطني كما اكنوا خيلصون‬
‫إيلهم يف سائر السنة(((‪.‬‬
‫واختص اهلل عز وجل يلايل شهر رمضان لكها بكرثة‬
‫الت الربانية‪ ،‬وانلفحات اإلهلية‪ ،‬فيف الليل ترسي جتليات‬ ‫الص‬‫ِّ‬
‫َ ْ‬ ‫ِ‬
‫األنوار اإلهلية اليت يتجىل بها اهلل ىلع خل ِقه‪ ،‬‏ومن ذلك ما‬
‫َ كاَ َ َّ ُ ليَ َ‬
‫أول ْل ٍة‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬إذا ن‬ ‫ورد من قوهل صىل‬
‫اب ا نَان كلُ ُّها‪ ،‬ال ُي ْغلَ ُق منْها بابٌ‬ ‫ت أَب ْ َو ُ‬ ‫ح ْ‬‫ان‪ُ ،‬فتِّ َ‬ ‫ْ ََ َ َ‬
‫ِمن رمض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لجِْ‬
‫انلار‪ ،‬فلَ ْم ُي ْفتَ ْح منْها بابٌ‬ ‫َ‬
‫واح ٌد الشه َر ه‪ ،‬وغلقت أب َواب َّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫كلُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ َ ُ َّ ْ ُ َ ُ َّ‬
‫ياطني‪ ،‬ونادى منا ٍد يف السما ِء ادلنيا‬ ‫واحد‪ ،‬وغلت عتاة الش ِ‬
‫الشِّ‬‫َ َ رَّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ لخْ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫كلُ َّ ِ ليَ ْ َ لىَ‬
‫اغ‬ ‫اغ ا يرِْ هلم‪ ،‬يا ب يِ‬ ‫ل ٍة إ ان ِفجار الصبح‪ :‬يا ب يِ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ ْ ُ ْ َ ِْ َ ُ ْ َ لهَ ُ َ ْ ْ َ‬
‫ب فيتاب عليه؟‬
‫لهَ‬ ‫ان ْت ِه‪ ،‬هل ِمن م َستغ ِف ٍر في لهَغفر ْ؟ هل ِمن ت َائِ ٍ‬
‫ْ‬
‫اع فيُ ْستجاب ؟ َوهلل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َهل ِم ْن َسائِ ٍل فيُ ْع َطى ُسؤ ؟ َهل ِم ْن َد ٍ‬

‫((( عمدة القاري رشح صحيح ابلخاري للعيين (‪.)386/10‬‬


‫((( االستذاكر البن عبد الرب (‪ ،)377/3‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1421‬ـه‪،‬‬
‫وفتح ابلاري رشح صحيح ابلخاري البن حجر العسقالين (‪ ،)114/4‬ط دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬سنة ‪1379‬م‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ُ َ ُْ ُ َ‬ ‫ْ كلُ ِّ ليَ َ‬ ‫َ َّ َ َّ ْ َ ْ‬
‫ْل ٍة ِم ْن َر َم َضان عتَقاء يعتَقون‬ ‫عز َوجل ِعند َوق ِ‬
‫ت فِط ِر‬
‫ِم َن انلار»(((‪.‬‬
‫‪ -4‬اشتامله عىل ليلة القدر‪:‬‬
‫َّ‬ ‫فضل اهلل َّ‬ ‫َّ‬
‫عز وجل شهر رمضان بليلة القدر‪ ،‬بأن‬
‫جعلها إحدى يلايل هذا الشهر الكريم‪ ،‬ويه الليلة اليت أنزل‬
‫اهلل عز وجل فيها القرآن ىلع انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪،‬‬
‫اكفة رَ َّ‬ ‫َّ‬
‫فصح بذكرها يف القرآن الكريم‪،‬‬ ‫وميزَّ ها عن سائر الليايل‬
‫ووصفها بأنها مباركة وبأنها خري من ألف شهر‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ين َ} [الدخان‪،]3 :‬‬ ‫للَ ٖة ُّم َبٰ َر َك ٍةۚ إنَّا ُك َّنا ُمنذِر َ‬
‫ۡ‬ ‫يَ‬
‫ف‬ ‫ه‬ ‫{إ َّنا ٓ أَ َ‬
‫نز ۡل َنٰ ُ‬
‫ِ‬ ‫يِ‬ ‫ِ‬
‫ِ َ َ ٓ ۡ َ ٰ َ َ يَ ۡ َ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ ٓ َ َ ۡ َ ٰ ُ يَ ۡ َ ۡ َ‬
‫وقال أيضا‪{ :‬إِنا أنزلنه يِف للةِ َ ٱلقدرِ ‪ ١‬وما أدرىك ما للة‬
‫َ زََّ ُ ۡ َ َ ٰٓ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫يَ ۡ َ ُ ۡ َ‬ ‫َۡ‬
‫لئِكة‬ ‫للة ٱلق ۡدرِ خ رۡي‪ّ ٞ‬م ِۡن أل َ ِف ش ۡه ٖر ‪ ٣‬تنل ٱلم‬ ‫ٱلق ۡدرِ ‪٢‬‬
‫َ‬ ‫ك أ ۡمر ‪َ ٤‬س َل ٰ ٌم يَِ‬ ‫َ ُّ ُ َ ۡ َ ّ ّ لُ ّ‬
‫ت َم ۡطلعِ‬‫ه َح ىَّ ٰ‬
‫و ۡ َٱلر ۡوح فِيها بِإِذ ِن رب ِ ِهم مِن ِ ٖ‬
‫ٱلفج ِر} [القدر‪ ،]5 - 1 :‬واملعىن‪ :‬أن العمل الصالح فيها خري‬
‫من العمل يف ألف شهر ليس فيها يللة القدر‪ ،‬وإنما اكن‬
‫كذلك؛ ملا يريد اهلل فيها من املنافع واألرزاق‪ ،‬وأنواع اخلري‬
‫والربكة(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابن شاهني يف فضائل شهر رمضان (ص‪ ،)34‬ط‪ 2‬مكتبة املنار‪ ،‬األردن‪ ،‬سنة‬
‫‪1410‬ـه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املواعظ السنية أليام شهر رمضان ابلهية‪ ،‬عبد الرمحن الكمايل (ص‪ ،)148‬ط‬
‫مكتبة دار الكتاب اإلساليم‪ ،‬املدينة املنورة‪ .‬بترصف‬
‫‪ 10 ‬‬
‫‪ -5‬اختصاصه بكثري من املستحبات يتأكد فعلها فيه‪:‬‬
‫َّ‬ ‫نظرا ملا اختص اهلل َّ‬
‫ً‬
‫عز وجل به هذا الشهر العظيم‬
‫َّحمَ‬
‫الر َات وكرثة‬ ‫من الكرامات والرباكت وانلفحات وتزنل‬
‫أكد فيه ىلع فعل كثري من املستحبات تعرضاً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اتلجليات‪،‬‬
‫ِننَ‬
‫لِم اهلل يف هذا الشهر الكريم‪ ،‬ومن هذه املستحبات ُ اليت‬
‫يتأكد فعلها يف رمضان‪ ،‬ويعظم أجرها فيه أكرث مما لو أ ِّديَ ْ‬
‫ت‬
‫يف غريه‪ :‬مدارسة القرآن وكرثة تالوته‪ ،‬وختمه‪ ،‬واالعتاكف‪،‬‬
‫والصدقة‪ ،‬وصالة الرتاويح‪ ،‬وتفطري الصائم‪ ،‬والعمرة‪ ،‬وإحياء‬
‫يللة القدر‪ ،‬واإلكثار من فعل انلوافل‪ ،‬ىلع ما سيأىت الكالم‬
‫عليها باتلفصيل يف "فصل فيما يتعلق بهذا الشهر الكريم من‬
‫طااعت"‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪ 11 ‬‬
‫فضائل الصوم‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ورد يف فضل الصوم وث َوابِه كثري من األحاديث انلبوية‪،‬‬
‫من ذلك ما ورد يف بيان حصول الفرح والسعادة لإلنسان يف‬
‫لصائِ ِم‬ ‫ادلنيا واآلخرة؛ قال انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬ل َّ‬
‫ِ‬
‫َ ٌ ْ َ‬ ‫َْ ََ َ ٌ ْ‬
‫ان ف ْر َحة ِعن َد ِف ْط ِر ِه َوف ْر َحة ِعن َد ِلقا ِء َر ِّب ِه»(((‪.‬‬ ‫فرحت ِ‬
‫ُْ‬
‫وورد أن الصوم يب ِعد عن انلار بكل يوم سبعني سنة؛‬
‫ام يَ ْو ًما يِف‬ ‫«م ْن َص َ‬ ‫قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪َ :‬‬
‫َّ َ ْ َ َ ً‬ ‫هَّ َ َ َ هَّ ُ ْ ُ‬
‫ني خ ِريفا»(((‪.‬‬ ‫ار سب ِع‬ ‫ِ‬ ‫الل َوج َهه َع ِن انل‬ ‫يل اللِ باعد‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫س‬
‫َ‬ ‫وورد أن الصوم ي ُ رَ ِّ‬
‫شف اإلنسان يف اآلخرة بدخول‬
‫الر َّيان‪ ،‬وهو باب خاص بالصائمني‪ ،‬قال‬ ‫اجلنة من باب يسىم َّ‬
‫لجْ َ َّ َ ً ُ َ ُ لهَ ُ َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫الر َّيان‬ ‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ِ « :‬إن يِف ا ن ِة بابا يق َال‬
‫ٌ َ ُ‬ ‫ْ ُُ‬
‫ام ِة ال يَدخل َم َع ُه ْم أ َحد غيرُْ ُه ْم‪،‬‬ ‫ون يَ ْو َم الْقيَ َ‬ ‫َ ْ ُ ُ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫يدخل َ ِمنه الصائِم‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َُ ُ ْ‬
‫آخ ُره ْم أغ ِل َق‬ ‫يقال‪ :‬أي َن الصائِ َمون؟ فيدخلون ِمنه‪ ،‬ف ِإذا دخل ِ‬
‫ََ ْ ُ ْ ُْ ٌ‬
‫فل ْم يَدخل ِمنه أ َحد»(((‪.‬‬
‫وورد أن الصوم يُريض اهلل تعاىل عن الصائم وعن‬
‫راحئة فمه ‪-‬رغم كراهة انلاس هلا– قال صىل َ اهلل عليه وآهل‬
‫ْ َ ُ ْ َ هَّ‬ ‫َّ‬ ‫َ لخَ ُ ُ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫ِِ‬ ‫ئ‬ ‫ا‬‫الص‬ ‫م‬
‫وسلم‪« :‬واذلي ن ْف يِس ِبي ِد ِه لوف ف ِ‬
‫يح ال ِم ْس ِك»(((‪.‬‬ ‫َ َ لىَ ْ‬
‫تعا ِمن ِر ِ‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)673/2‬ومسلم (‪.)806/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)1044/3‬ومسلم (‪.)808/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)671/2‬ومسلم (‪.)808/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)670/2‬ومسلم (‪.)806/2‬‬
‫‪ 13 ‬‬
‫وورد أن الصوم هل ثواب ومزية ىلع سائر األعمال‪،‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫كلُ ُّ َ‬
‫قال صىل اهلل َعليه وآهل وسلم‪ « :‬ع َم ِل اب ْ ِن آد َم يُ َضاعف‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ش أ ْمثَال َها إِلىَ َسبْعمائَة ض ْعف‪ ،‬قَ َال هَّ ُ‬
‫الل َع َّز َو َجل‪:‬‬ ‫ِ َ َ ِِ ِ ِ ٍ‬ ‫الحْ َ َسنَ ُة َع رْ ُ‬
‫ََ ُ َ ََُْ ََ َ َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِلاَّ‬
‫امه ِم ْن‬ ‫الص ْو َم‪ ،‬ف ِإنه يِل َوأنا أج ِزي بِ ِه‪ ،‬يدع شهوته وطع‬ ‫إَ‬
‫ْ‬
‫أج يِل»(((‪.‬‬
‫َ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِلاَّ‬
‫الص ْو َم ف ِإنه يِل» أي‪ :‬خالص يل ال‬ ‫ومعىن قوهل‪« :‬إ‬
‫قصد به غريي؛ ألنه عبادة ال يقع عليها حواس العباد فال‬ ‫يُ َ‬
‫يعلمه إال اهلل والصائم‪ ،‬فصار الصوم عبادة بني العبد والرب؛‬
‫فذللك أضافه إىل نفسه وجعل ثوابه بغيـر حساب؛ ألنه ال‬
‫َّ ٰ ُ َ‬ ‫َّ َ ُ َ ىَّ‬
‫بون‬ ‫َيتأدى إال بالصرب‪ ،‬وقد قال تعاىل‪{ :‬إِنما يوف ٱلص رِ‬
‫اب} [الزمر‪ ،]10 :‬والصرب ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫أ ۡج َر ُهم ب َغ رۡي ح َ‬
‫ِس‬
‫ٖ‬ ‫ِ ِ‬
‫صرب ىلع طاعة اهلل‪ ،‬وصرب ىلع حمارم اهلل‪ ،‬وصرب ىلع اآلالم‬
‫والشدائد‪ ،‬ولكها توجد يف الصوم؛ إذ فيه صرب ىلع ما وجب ىلع‬
‫الصائم من الطااعت‪ ،‬وصرب عما حرم عليه من الشهوات‪،‬‬
‫وصرب ىلع ما يصيبه من ألم اجلوع وحرارة العطش وضعف‬
‫ابلدن؛ طلبًا لرىض اهلل تعاىل‪ ،‬فلما اكن يف الصوم هذه املعاين‬
‫َ ْ‬
‫كله إىل املالئكة‪ ،‬بل توىل‬ ‫خصه اهلل تعاىل بذاته‪ ،‬ولم ي ِ‬
‫أجرا من عنده ليس هل حد وال‬ ‫جزاءه بنفسه‪ ،‬فأعطى الصائم ً‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)164/7‬ومسلم (‪.)806/2‬‬


‫‪ 14 ‬‬
‫َََ َ ْ‬
‫«وأنا أج ِزي بِ ِه» يعين‪ :‬أكون هل عن صومه ىلع‬ ‫عدد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫كرم الربوبية‪ ،‬ال ىلع استحقاق العبودية(((‪.‬‬

‫‪‬‬

‫((( ينظر‪ :‬مرشد العوام يف أحاكم الصيام‪ ،‬الشيخ العارف باهلل حممد أمني الكردي‬
‫(ص‪ ،)17‬ط جمموعة زاد االقتصادية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1424‬ـه‪.‬‬
‫‪ 15 ‬‬
‫الصوم تعريفه وحكمته وأحكامه‬
‫تعريف الصوم‬
‫ْ َ‬
‫الصوم لغة‪ :‬هو اإلمساك‪ .‬ورشعاً ‪ :‬اإلمساك عن ال ُمف ِّطر‬
‫ىلع وجه خمصوص من طلوع الفجر إىل غروب الشمس‪،‬‬
‫والوجه املخصوص يقصد به اجتماع الرشوط واألراكن اليت‬
‫جيب مرااعتها حىت يعترب الصوم صحيحا‪ ،‬وانتفاء األمور اليت‬
‫تمنع من الصيام‪.‬‬

‫احلكمة من مرشوعية الصوم‬


‫‪ -‬الصوم وسيلة للتحيل بتقوى اهلل عز وجل؛ ألن‬
‫انلفس إذا امتنعت عن بعض املباحات الرضورية ‪-‬اكلطعام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طمعا يف مرضاة اهلل‪ ،‬وخوفا من غضبه وعقابه؛‬ ‫والرشاب‪-‬؛‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يسهل حينئذ عليها االمتناع عن ال َمحرمات‪ ،‬واتلحيل بتقوى‬
‫ب‬ ‫{يأ ُّي َها ذَّٱل َ‬
‫ِين َء َام ُنوا ْ ُكت ِ َ‬ ‫َ ٰٓ‬ ‫اهلل تعاىل؛ وذلا قال تعاىل‪:‬‬
‫َ ۡ ُ ۡ َ َ َّ ُۡ‬ ‫ذَّ‬ ‫ىَ‬ ‫لَ‬ ‫ام َك َما ُكت ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ٱلص َي ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِين مِن قبل ِكم لعلكم‬ ‫ب ع ٱل َ‬ ‫عل ۡيك ُم ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ت َّتقون} [البقرة‪.]183 :‬‬
‫‪ -‬الصوم وسيلة للتحيل باإلخالص؛ ألن الصائم يعلم‬
‫يطلع أحد غري اهلل تعاىل ىلع حقيقة صومه‪ ،‬وأنه إذا‬ ‫أنه ال َّ‬
‫شاء أن يرتك الصوم دون أن يشعر به أحد لفعل‪ ،‬فال يمنعه‬
‫ِّ ُ‬
‫اطالع اهلل تعاىل عليه‪ ،‬وال حيثه ىلع الصوم‬ ‫عن ال ِف ْطر إال‬

‫‪ 17 ‬‬
‫َّ ْ‬
‫وانلف ُس إذا تعايشت مع هذه الرؤية صارت‬ ‫إال رضاء اهلل‪،‬‬
‫احلديث القديس‪:‬‬ ‫املعىن َ َْ‬
‫ََ‬ ‫متحلية باإلخالص‪ ،‬ويشري إىل هذا‬
‫كلُ ُّ َ َ ْ َ َ لهَ ُ ِلاَّ َّ َ َّ ُ‬
‫الص ْو َم ف ِإنه يِل‪ ،‬وأنا أج ِزي بِ ِه»(((‪.‬‬ ‫« عم ِل اب ِن آدم ‪ ،‬إ‬
‫َ َّ‬
‫‪ -‬الصوم وسيلة للشكر؛ ألنه باالمتناع يف وقت‬
‫عما أنعم اهلل به ىلع اإلنسان من الطعام والرشاب‬ ‫الصوم َّ‬
‫وسائر الشهوات املباحة يتبينَّ لإلنسان مقدار تلك انلِّ َعم‬
‫وحاجة اإلنسان إيلها‪ ،‬ومدى املشقة اليت تلحق املحروم‬
‫ْ ْ‬
‫من تلك انلِّ َعم‪ ،‬فتتوق نفسه إىل شكر ذلك ال ُمن ِعم العظيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الغين اذلي وهب ومنح دون ُمقابل أو حاج ٍة ل ِ ُمقابل‪ ،‬ويفيض‬ ‫ِّ‬
‫القلب بالرمحة والشفقة والعطف ىلع الفقراء واملساكني‬
‫عز وجل يف خاتمة‬ ‫واملحتاجني‪ ،‬ويشري إىل هذه املعاين قوهل َّ‬
‫َ َ َّ ُ َ ۡ ُ َ‬
‫{ول َعلك ۡم تشك ُرون} [البقرة‪.]185 :‬‬ ‫آيات الصيام‪:‬‬
‫‪ -‬إن بين آدم يذنبون وال يقدرون ىلع تأديب اهلل هلم‬
‫بانلار‪ ،‬فأمرهم بالصيام؛ يلذوقوا نار اجلوع يف ادلنيا فتحرق‬
‫ذنوبهم؛ يلنجوا من نار اجلحيم(((‪.‬‬
‫‪ -‬الصوم وسيلة دلفع وساوس الشيطان؛ ملا فيه من‬
‫خَ َ ُّ‬
‫تلق انلفس بالصرب ىلع اجلوع والعطش والشهوة‪ ،‬واحلد‬
‫َّ‬ ‫َْ‬
‫من نه َم ِت َها وانطالقها الغاشم يف املذلات‪ ،‬فانلفس املنطلقة‬
‫يف الشهوات الالهثة وراء املذلات ما أسهل أن تستجيب‬

‫((( سبق خترجيه‪.‬‬


‫((( مرشد العوام يف أحاكم الصيام‪( ،‬ص‪.)21‬‬
‫‪ 18 ‬‬
‫للشيطان حني يُ َز ِّين هلا املهالك واملوبقات؛ ذلا اكنت انلفس‬
‫تنعمها بنعم اهلل تعاىل‪ ،‬وإىل‬ ‫يف حاجة إىل الضبط واتلنظيم يف ُّ‬
‫َ‬
‫الرتويض ىلع ُمقاومة الشيطان‪ ،‬وهلذا املعىن أشار انليب صىل‬
‫َ‬ ‫الشبَاب َمن ْ‬ ‫َ َ ْ رَ َ َّ‬
‫استَ َطاع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم َبقوهل‪« :‬يا معش‬
‫ح َص ُن للْ َف ْرج‪َ ،‬و َم ْن لَمْ‬‫ََ ْ‬ ‫ت َّو ْج‪ ،‬فَإنَّ ُه أ َغ ُّض للْبَ‬‫اء َة فَلْيَ زَ َ‬‫البْ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ص‪ ،‬وأ‬‫َ َّ لهَ رَِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ٌ (((‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصومِ ‪ ،‬ف ِإنه ِوجاء» ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ي َ ْستَط ْع َف َعلَيْه ب َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فاملقصود من الصوم‪ :‬إمساك انلفس عن خسيس‬
‫اعداتها‪ ،‬وحبسها عن شهواتها‪ ،‬ومنعها عن مألوفاتها‪ ،‬وملا‬
‫اكنت انلفس مائلة إىل حب الرفعة ىلع سائر املخلوقات‬
‫واتلكرب عليهم‪ ،‬وغري ذلك من العوائق احلاجبة هلا من أن‬
‫قويا يف إزالة‬ ‫تصل إىل األنوار اإلهلية‪ ،‬جعل اهلل الصوم سببًا ًّ‬
‫تلك العوائق‪ ،‬حىت إن أرباب املاكشفات ال يصلون إيلها إال‬
‫بالصوم؛ ألنه سبب يف تواضع انلفس‪ ،‬وبتواضعها ال حيوم‬
‫الشيطان حوهلا‪ ،‬فتصل إىل تلك َاألنوار الصمدية؛ وذلا قال‬
‫َّ َّ َ َ يحَ ُ ُ َ علَىَ‬
‫اطني ومون‬ ‫َْ‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬لوال أن الشي ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫ِلىَ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ لنَ َ‬ ‫ُُ‬
‫ات»(((‪.‬‬‫وت السماو ِ‬ ‫وب ب يِن آدم َظ ُروا إ ملك ِ‬ ‫قل ِ‬
‫شهرا‪ :‬يلكون مع الستة األيام من‬ ‫‪ -‬وحكمة وجوبه ً‬
‫شوال بعدد أيام السنة؛ ألن احلسنة بعرش أمثاهلا‪ ،‬فصيام‬
‫رمضان بعرشة أشهر‪ ،‬وصيام األيام الستة من شوال بصيام‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)3 / 7‬ومسلم (‪.)1018‬‬
‫((( أخرجه أمحد يف املسند (‪ )353/2‬وابن أيب شيبة يف املصنف (‪ .)7/335‬وينظر‪ :‬مرشد‬
‫العوام يف أحاكم الصيام (ص‪.)21‬‬
‫‪ 19 ‬‬
‫شهرا‪ ،‬فذللك اكن املداوم ىلع‬ ‫شهرين‪ ،‬فجملة ذلك اثنا عرش ً‬
‫ادلهر لكه؛ قال صىل اهلل عليه‬ ‫َ‬ ‫فعل ذلك يف لك اعم كأنه صام‬
‫َ‬ ‫كاَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ان ث َّم أتبَ َع ُه ًّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ ََ َ َ‬
‫ال ن‬ ‫ٍ‬ ‫ستا ِم ْن ش َّو‬ ‫وآهل وسلم‪« :‬من صام رمض‬
‫َ َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ‬
‫ادلهر»(((‪ ،‬رواه اإلمام أمحد ومسلم‪َ ،‬قال انلووي‪" :‬قال‬ ‫ك ِصيامِ‬
‫ش‬ ‫ادل ْهر؛ َّن الحْ َ َسنَ َة ب َ‬
‫ع‬ ‫ك َكصيَامِ َّ‬ ‫ْ ُ َ َ ُ َ َّ َ كاَ َ َ َ‬
‫ِ رِْ‬ ‫لأِ‬ ‫َالعلماء‪ :‬وإِنما ن ذل ِ َ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫شة أ ْش ُهر‪َ ،‬و ِّ‬‫ان ب َع رَ َ‬ ‫َْ َ ََ َ َ ُ‬
‫الستة بِشه َري ِن"(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمثالِها‪ ،‬فرمض‬
‫َ َّ لاً‬
‫وخص شوا باذلكر لقربه من رمضان‪ ،‬فيكون صوم‬
‫جابرا ملا يقع من خلل يف رمضان(((‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الستة يف شوال‬

‫حكم صوم رمضان‬


‫صوم رمضان واجب بالكتاب والسنة واإلمجاع‪،‬‬
‫ُ‬
‫يكفر‬ ‫معلوم من ادلين بالرضورة‪ ،‬وهو أحد أراكن اإلسالم‪،‬‬
‫بعيدة عن العلماء‪ ،‬أو‬ ‫جاحده إال إذا اكن جاهال نشأ ببادية‬ ‫ُ‬
‫َ ُّ َ ذَّ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫{يأيها ٱلِين ءامنوا‬ ‫ٰٓ‬ ‫اكن قريب عهد باإلسالم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ذَّ‬ ‫ىَ‬ ‫لَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٱلص َيام ك َما كت ِ َ‬‫ّ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُكت ِ َ‬
‫ِين‬‫ب ع ٱل َ‬ ‫ب}‪ ،‬أي‪ :‬فرض {عل ۡيك ُم َ ِ‬
‫َّ ٗ َّ ۡ ُ َ‬ ‫َ ۡ ُ ۡ َ َ َّ ُ ۡ َ َّ ُ َ‬
‫ت} أي‪ :‬أيام‬ ‫مِن قبل ِكم لعلكم تتقون ‪ ١٨٣‬أياما معدود ٰ ٖ‬
‫َ‬
‫شهر رمضان؛ حيث بيَّنها اهلل تعاىل بعد ذلك بقوهل‪{ :‬ش ۡه ُر‬
‫َ َ‬
‫َر َمضان}‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪)822 /2‬‬


‫((( املنهاج رشح صحيح مسلم بن احلجاج (‪.)56/8‬‬
‫((( مرشد العوام يف أحاكم الصيام (ص‪.)22‬‬
‫‪ 20 ‬‬
‫واتفق األئمة األربعة ىلع أن صوم رمضان واجب ىلع‬
‫لك مسلم‪ ،‬بالغ‪ ،‬اعقل‪ ،‬طاهر من حيض أو نفاس‪ ،‬مقيم‪ ،‬قادر‬
‫ىلع الصوم‪.‬‬

‫رشوط وجوب الصوم‬


‫إذا توافر يف اإلنسان الرشوط اتلايلة فقد وجب عليه‬
‫صوم رمضان‪:‬‬
‫‪ )1‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ )2‬ابللوغ‪.‬‬
‫‪ )3‬العقل‪.‬‬
‫‪ )4‬القدرة ىلع الصوم‪.‬‬
‫(بالص َّحة)؛ فال جيب صوم‬
‫ِّ‬ ‫وتتحقق القدرة ىلع الصوم‬
‫َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫رمضان ىلع املريض َ‬
‫وم ْن يف معناه ِممن تلحقه مشقة بالصوم‬
‫ْ‬
‫فوق استطاعته‪ ،‬و(باإلقامة) فال جيب ىلع ال ُم َسافر‪ ،‬و(بعدم‬
‫ُّ َ‬
‫وانلفساء‪.‬‬ ‫املانع رشعاً) فال جيب ىلع احلائض‬
‫ومن أفطر يف هذا الوقت لعذر فالصوم غري واجب‬
‫عليه‪ ،‬إال أن عليه قضاء هذه األيام اليت أفطرها بعد زوال‬
‫املانع‪ ،‬أما من يتعذر عليه القضاء فعليه فدية وذلك اكملريض‬
‫مرضا ُم ْز ِمنًا ال يستطيع معه الصوم‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ 21 ‬‬
‫رشوط صحة الصوم‬
‫يصح صوم من توافرت فيه الرشوط اآلتية‪:‬‬
‫‪( -1‬اإلسالم) فال يصح صوم الاكفر‪.‬‬
‫‪( -2‬العقل) ويقصد به اتلميزي‪ ،‬فال يصح صوم‬
‫املجنون‪ ،‬أو الصيب غري املميزِّ ‪.‬‬
‫‪( -3‬انلقاء عن احليض وانلفاس)‪.‬‬
‫‪( -4‬قبول الوقت للصوم)‪ .‬بمعىن أن يكون وقت‬
‫الصوم غري منيه عن الصيام فيه كيوم الفطر‪ ،‬واألضىح‪،‬‬
‫وأيام الترشيق اثلالثة‪.‬‬
‫الفرق بني رشط الصحة ورشط الوجوب‪:‬‬
‫أن انعدام رشط الوجوب ال يبطل الصيام‪ ،‬خبالف‬
‫رشط الصحة فإن عدمه يمنع من صحة الصوم‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم الربهان ابلاجوري الشافيع يف‬
‫"حاشيته الفقهية"‪" :‬وبعض هذه الرشوط مشرتك بني الصحة‬
‫والوجوب‪ ،‬وبعضها خمتص بالوجوب؛ فاإلسالم والعقل رشطان‬
‫للصحة كما هما رشطان للوجوب‪ ،‬لكن املراد باإلسالم‬
‫اذلي هو رشط للصحة‪ :‬اإلسالم بالفعل يف احلال؛ بديلل أنه‬
‫ال يصح من املرتد‪ ،‬واملراد باإلسالم اذلي هو رشط للوجوب‪:‬‬
‫اإلسالم ولو فيما مىض؛ بديلل أنه جيب ىلع املرتد (أي أن‬
‫حصول اإلسالم من املرتد قبل ردته سبب يف وجوب قضاء ما‬

‫‪ 22 ‬‬
‫فاته من الصوم يف الردة بعد عودته إىل اإلسالم)؛ فاالشرتاك‬
‫يف اإلسالم حبسب الظاهر وال اشرتاك يف احلقيقة‪ .‬وابللوغ‬
‫رشطا للصحة؛ بديلل أنه يصح من غري‬‫رشط للوجوب وليس ً‬
‫ممزيا‪ .‬وكذلك القدرة ىلع الصوم رشط للوجوب‬ ‫ابلالغ إن اكن ً‬
‫رشطا للصحة؛ ألنه لو تكلف وصام مع املشقة صح‬ ‫وليست ً‬
‫صومه"(((‪.‬‬

‫أركان الصوم‬
‫ْ‬
‫للصوم الواجب ُركنَان هما‪:‬‬
‫لاً‬
‫‪( -1‬انلية) ويشرتط إيقاعها يل قبل الفجر عند‬
‫اجلمهور‪ ،‬لكنها تصح عند احلنفية يف الصوم املعني قبل الزوال‪،‬‬
‫نية جمزئة؛ ألن السحور‬ ‫وجمرد التسحر من أجل الصوم ُي َع ُّد َّ‬
‫يف نفسه إنما ُج ِعل للصوم‪ ،‬برشط عدم رفض نية الصيام بعد‬
‫َّ‬
‫التسحر‪ ،‬ويكون للك يوم من رمضان ِن َّية ُم ْستَ ِقلة تسبقه‪،‬‬
‫بنية واحدة يف أوهل‪.‬‬ ‫وأجاز اإلمام مالك صوم الشهر لكه َّ‬
‫أما إذا اكن الصوم غري واجب فيجوز تأخري انلية ملا‬
‫ً‬ ‫َُ‬
‫صائما‬ ‫بمف ِّط ٍر وأراد أن يكمل ايلوم‬ ‫بعد الفجر‪ ،‬ملن لم يأت‬
‫تطوعاً فله ذلك‪.‬‬

‫((( حاشية الشيخ ابلاجوري ىلع رشح ابن قاسم الغزي ىلع أيب شجاع (‪ )373/1‬ط بوالق‬
‫سنة ‪1285‬ـه‪.‬‬
‫‪ 23 ‬‬
‫‪( -2‬اإلمساك عن املفطرات) اليت يبطل بها الصوم‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا الركن ال بد منه يف الصوم مطلقا سواء اكن واجبًا أو‬
‫تطوعاً ‪.‬‬

‫مبطالت الصوم (املفطرات)‬


‫تنحرص مبطالت الصوم فيما ييل‪:‬‬
‫ََْ‬ ‫َينْ‬
‫‪ )1‬تعمد إدخال ع ٍ إىل اجلوف من منف ٍذ مفتوح‬
‫ً‬ ‫َْ ً‬ ‫ُْ‬
‫مفتوحا‪ ،‬وكذا مسام‬ ‫(اكلفم – واألنف) وال تعتَبرَ العني َمنفذا‬
‫اجلدل‪ .‬واجلوف عند الفقهاء‪ :‬ما يىل حلقوم اإلنسان اكملعدة‪،‬‬
‫واألمعاء‪ ،‬واملثانة –ىلع اختالف بينهم فيها‪ ،-‬وباطن ادلماغ‪،‬‬
‫أي واحدة منها‬ ‫الم َف ِّطر احللقوم ودخل اجلوف إىل ِّ‬ ‫فإذا جتاوز ُ‬
‫ً‬
‫مفسدا للصوم‪.‬‬ ‫ظاهرا ِح ًّسا فإنه يكون‬ ‫ً‬ ‫منفذ مفتوح‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ )2‬تعمد اإليالج يف فرج (قبل أو دبر)‪ ،‬ولو بال إنزال‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫رَ كلَ َ‬ ‫ْ‬
‫‪ )3‬خروج ال َم يِن عن ُمبَاشة‪ْ ،‬م ٍس أو قبْلة وحنو ذلك‪.‬‬
‫ََ‬ ‫االست َقاءة‪ ،‬ويه ُّ‬ ‫‪ْ )4‬‬
‫تعمد إخراج اليقء‪ ،‬أما من غلبه‬ ‫ِ‬
‫اليقء فال يفطر به‪.‬‬
‫‪ )5‬خروج دم احليض‪.‬‬
‫‪ )6‬خروج دم انلفاس‪.‬‬
‫‪ )7‬اجلنون‪.‬‬
‫ِّ َّ‬
‫الردة‪.‬‬ ‫‪)8‬‬

‫‪ 24 ‬‬
‫ٍ‬
‫لعذر منها‬ ‫األعذار املبيحة للفطر وحكم من أفطر‬
‫ُ‬
‫يبَاح الفطر ل ِ َمن وجب عليه الصوم إذا حتقق فيه أمر‬
‫من األمور اآلتية‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ )‪((1‬العجز عن الصيام) لكرب ِسن‪ ،‬أو مرض مزمن ال‬
‫يُمكن معه الصيام‪ ،‬وحكمه إخراج فدية عن لك يوم وقدرها‬
‫ُ َ‬
‫ِين يُ ِطيقون ُهۥ‬ ‫ع ذَّٱل َ‬
‫َ لَ ىَ‬
‫كني؛ لقوهل تعاىل‪{ :‬و‬ ‫ْ‬
‫مد من طعام ل ِ ِمس ِ‬
‫ُ ّ‬
‫ْ‬
‫ِني} [البقرة‪ ،]184 :‬و ِمق َدار املد (وهو مكيال)‬ ‫ك‬ ‫ام م ۡ‬
‫ِس‬ ‫ف ِۡديَة‪َ ٞ‬ط َع ُ‬
‫ٖ‬
‫يساوي بالوزن ‪ 510‬جرامات من القمح عند مجهور الفقهاء‪.‬‬
‫ )‪((2‬املشقة الزائدة غري املعتادة) كأن يشق عليه‬
‫َ‬
‫الصوم ل ِ َمرض يرىج ِشفاؤه‪ ،‬أو اكن يف غزو وجهاد‪ ،‬أو أصابه‬
‫ْ‬
‫جوع أو عطش شديد وخاف ىلع نفسه الرضر‪ ،‬أو اكن ُمنتَ ِظ ًما‬
‫يف عمل هو مصدر نفقته وال يمكنه تأجيله وال يمكنه أداؤه‬
‫مع الصوم‪ ،‬وحكمه جواز الفطر ووجوب القضاء‪.‬‬
‫احا‪ ،‬ومسافة َالسفر‬ ‫السفر ُمبَ ً‬ ‫ )‪((3‬السفر) إذا اكن َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َََُْ‬
‫ال‪،‬‬ ‫األمي ِ‬ ‫الفطر‪َ :‬أربعة بر ٍد‪ ،‬قدرها العلماء بِ‬ ‫اذلي جيوز معه‬
‫َّ َ َ َرَ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫َواعتَبرَ ُ وا ذلِك ثما ِنية َوأرب ِعني ِميال‪ ،‬وبالفراسخ‪ِ :‬ستة عش‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ً ُ َ َّ‬
‫ف ْر َسخا‪َ ،‬وتقد ُر ب ِ َسيرِْ يَ ْو َمينِْ ُمعتَ ِدلينِْ ‪ ،‬ويه تساوي اآلن حنو‪:‬‬
‫ثالثة وثمانني كيلو مرتا ونصف الكيلومرت‪ ،‬فأكرث‪ ،‬سواء اكن‬
‫َ َ َّ‬
‫األيام اليت‬ ‫قضاء‬ ‫حينئذ‬ ‫عليه‬ ‫والواجب‬ ‫ال‪،‬‬ ‫أم‬ ‫ة‬ ‫ق‬ ‫معه مش‬
‫ُ َّ ً َ ۡ لَ ٰىَ‬ ‫َ َ اَ َ‬
‫أفطرها؛ لقوهل َعز ُوجل‪{ :‬فمن كن مِنكم م ِريضا أو ع‬
‫َ‬ ‫َ َ ‪ٞ‬‬
‫َسف ٖر ف ِع َّدة ّم ِۡن أيَّا ٍم أخ َر} [البقرة‪.]184 :‬‬
‫‪ 25 ‬‬
‫الصوم ىلع نفسها‬ ‫ )‪((4‬احل َ ْمل) فإذا خافت احلامل من َّ‬
‫جاز هلا ال ِف ْطر ووجب عليها القضاء؛ لكونها يف معىن املريض؛‬
‫َّ‬
‫أما إذا اكنت ختاف ىلع اجلنني دون نفسها‪ ،‬أو عليهما معا‬
‫فإنها تفطر‪ ،‬وجيب عليها القضاء والفدية‪ ،‬وعند احلنفية أنه‬
‫ال جيب عليها إال القضاء‪.‬‬
‫ُ ْ‬
‫ )‪((5‬الرضاعة) ويه مثل احلمل‪ ،‬وتأخذ نفس احلكم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رَّ‬ ‫ُ َْ‬
‫ش ٍف‬ ‫ )‪((6‬إنقاذ حمرتم َّوهو ما هل حرمة يف ْ الشع كم رِْ‬
‫انلفس أو جزء منه‬ ‫ىلع اهلالك) فإنه إذا توقف إنقاذ هذه َّ‬
‫َْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ىلع إفطار ال ُمن ِقذ جاز هل الفطر دف ًعا ألشد املفسدتني وأكرب‬
‫ُ‬ ‫ينَّ‬ ‫ً‬
‫نفس‬‫الرضرين‪ ،‬بل قد يكون واجبا كما إذا تع عليه إنقاذ ِ‬
‫غريه‪ ،‬وجيب عليه القضاء بعد ذلك‪.‬‬ ‫إنسان ال ُمنقذ هل ُ‬
‫ٍ‬
‫حكم اإلفطار لغري عذر من األعذار املذكورة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫اإلفطار يف نهار رمضان بال عذر كبرية من كبائر‬
‫اذلنوب‪ ،‬وجتب اتلوبة ىلع َم ْن أفطر يف رمضان لغري عذر؛ فال‬
‫بد من أن يتوب املفطر َ منها اتلوبة الصادقة؛ لقوهل صىل اهلل‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫«م ْن أف َط َر يَ ْو ًما ِم ْن َر َمضان‪ِ ،‬م ْن غيرِْ ُعذ ٍر‬ ‫عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ادلهر‪َ ،‬وإن َص َ‬
‫امه»(((‪.‬‬ ‫ام َّ‬ ‫َوال َم َرض ل َ ْم َي ْقضه صيَ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وجبا للقضاء والكفارة أو‬ ‫واإلفطار قد يكون م ِ‬
‫أحدهما ىلع اتلفصيل اآليت‪:‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪.)682/2‬‬


‫‪ 26 ‬‬
‫)‪ 1‬يكون الفطر موجبًا للقضاء والكفارة وإمساك‬
‫بقية ايلوم‪ ،‬وهو منحرص عند الشافعية واحلنابلة يف تعمد قطع‬
‫الصوم باإليالج يف فرج (اجلماع)‪.‬‬
‫َّ‬
‫)‪ 2‬ويكون موجبًا للقضاء وإمساك ب ِقية ايلوم بال‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫كفارة‪ ،‬وموجبه ارتكاب ما عدا اجلماع من املفطرات‬
‫السابق ذكرها‪ ،‬وأوجب احلنفية واملالكية الكفارة يف األكل‬
‫عمدا ً‬
‫والرشب ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫والكفارة ثالث خصال‪:‬‬
‫األوىل عتق رقبة عن لك يوم أفطره باجلماع‪ ،‬واشرتط‬
‫ً‬
‫فيها اجلمهور أن تكون مؤمنة خالفا للحنفية‪ ،‬وقد سقط هذا‬
‫احلكم اآلن لسقوط حمله؛ حيث صدرت معاهدات دويلة‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫شارك فيها املسلمون بمنع الرق وإلغائه‪ ،‬فينتقل املكفر إىل‬
‫اخلصلة اتلايلة مبارشة ويه صيام شهرين متتابعني‪ ،‬فإن لم‬
‫يستطع فإطعام ستني مسكينًا‪ ،‬فإن عجز عن لك هذه األمور‬
‫سقطت عنه الكفارة حىت يقدر ىلع فعل يشء منها‪ .‬وخصال‬
‫املك ِّفر َّ‬
‫أي‬
‫َ‬
‫الكفارة ىلع اتلخيري عند املالكية؛ فإذا فعل‬
‫خصلة منها أجزأته‪.‬‬

‫‪ 27 ‬‬
‫مستحبات الصوم‬
‫َ‬
‫التسحر؛ لقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬ت َس َّح ُروا‬ ‫ُّ‬ ‫‪--‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫ور بركة»(((‪.‬‬ ‫ف ِإن يِف السح ِ‬
‫‪- -‬تأخري السحور؛ ملا روي عن زيد بن ثابت‪-‬ريض‬
‫ب صىل َاهلل عليه وآهل وسلم‬ ‫اهلل عنه‪ ،-‬قال‪« :‬ت َ َس َّح ْرنَا َم َع َّ‬
‫انل ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ كاَ يِ َ َينْ َ َ‬ ‫الصالة‪ .‬قُلْ ُ‬ ‫ام إِلىَ َّ‬ ‫ُث َّم قَ َ‬
‫حور؟ قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الس‬ ‫و‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫األ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ك‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ُ خمَ ْ َ ً‬
‫ني آيَة»(((‪.‬‬ ‫قدر ِس‬
‫‪- -‬تعجيل الفطر؛ لقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬ال‬
‫ُ ْ‬ ‫انل ُ َيرْ‬ ‫يَ َز ُال َّ‬
‫اس بخِ ٍ َما َع َّجلوا ال ِف ْط َر»(((‪.‬‬
‫‪- -‬ادلاعء عند الفطر وأثناء الصيام؛ لقوهل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪« :‬ثَالثَ ٌة ال تُ َر ُّد َد ْع َو ُت ُهم» وذكر منهم َّ‬
‫«الصائِ ُم‬
‫ُْ‬
‫حَتىَّ يف ِط َر»(((‪ .‬ومما روي من داعئه ُصىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫وق‪َ ،‬و َثبَ َ‬ ‫ُُْ ُ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫َ َ َ َّ َ‬
‫ت‬ ‫ت العر‬ ‫أنه اكن إذا أفطر قال‪« :‬ذهب الظمأ‪َ ،‬وابتل ِ‬
‫ُ (((‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫األجر إِن شاء اهلل» ‪.‬‬
‫ات‪ ،‬فإن لم يكن فعىل تمرات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪- -‬اإلفطار ىلع رطب ٍ‬
‫فإن لم يكن فعىل ماء؛ حلديث أنس بن مالك ريض اهلل عنه‬
‫ُ ْ ُ علَىَ‬ ‫كاَ َ َ ُ ُ‬
‫هلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف ِطر‬ ‫قال‪ « :‬ن رسول ا ِ‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)678/2‬ومسلم (‪.)770/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)678/2‬ومسلم (‪.)771/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)692/2‬ومسلم (‪.)771/2‬‬
‫((( أخرجه الرتمذي يف سننه (‪ ،)578/5‬وابن ماجه يف سننه (‪ ،)557/1‬وأمحد يف مسنده‬
‫(‪.)304/2‬‬
‫((( أخرجه أبو داود يف سننه (‪.)719/1‬‬
‫‪ 28 ‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ُ َ يِّ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ ٌ‬
‫ات َف َعلىَ َت َم َ‬ ‫َُ َ‬
‫ات ف ِإن‬‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫ات قبل أن يصل ف ِإن لم تكن رطب‬ ‫رطب ٍ‬
‫ات ِم ْن َماءٍ»(((‪.‬‬ ‫َْ َ ُ ْ َ َ َ َ َ‬
‫لم تكن حسا حسو ٍ‬
‫ُّ‬
‫‪- -‬الكف عما يتناىف مع الصيام وآدابه‪ ،‬فعن أيب هريرة‬
‫«م ْن‬‫‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬أن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ للِهَّ َ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫ع قَ ْو َل ُّ‬
‫َْ ََ ْ‬
‫اجة يِف أن يَ َدع‬ ‫ور َوال َع َمل بِ ِه فليس ِ ح‬ ‫ِ‬ ‫الز‬ ‫لم يد‬
‫ُ‬ ‫رَ‬ ‫ُ‬ ‫َط َع َ‬
‫شابَه»(((‪.‬‬‫امه َو َ‬

‫أشياء يباح للصائم فعلها‬


‫‪1)1‬االكتحال‪ ،‬حىت ولو وجد طعم الكحل يف حلقه؛‬
‫ً‬
‫ألن العني ال تعترب منفذا رشعاً ىلع املختار للفتوى‪.‬‬
‫‪2)2‬اتلقطري يف العني‪ ،‬حىت ولو وصل إىل احللق ىلع‬
‫املختار للفتوى‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪3)3‬االدهان بالزيوت واملستحرضات الطبية املختلفة‪،‬‬
‫بتسب املدهون من خالل مسام‬ ‫حىت ولو وصل إىل جوفه رَ ُّ‬
‫اجلدل والبرشة‪.‬‬
‫ََْ‬
‫‪4)4‬استعمال السواك قبل الزوال (أي‪ :‬الظهر)‪.‬‬
‫روي أن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫االغتسال؛ ملاعلَىَ َ ْ‬ ‫‪5)5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ ُ َ َ ٌ َ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َوآهل وسلم «اكن يصب رأ ِس ِه الماء وهو صائِم ِمن العط ِش‬
‫لحْ‬
‫أ ْو ِم َن ا َ ِّر» (((‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود يف سننه (‪ ،)719/1‬والرتمذي يف سننه (‪.)79/3‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري يف صحيحه (‪.)673/2‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)721/1‬وأمحد يف مسنده (‪.)380/5‬‬
‫‪ 29 ‬‬
‫‪6)6‬احلقن عن طريق اجلدل سواء اكن يف العضل أو يف‬
‫َ‬
‫الوريد‪ ،‬خبالف احلقنة الرشجية فإنها ُمف ِّط َرة‪ ،‬وعند املالكية‬
‫َّ‬
‫الرشجية‪.‬‬ ‫أنها مكروهة فقط فال جيب القضاء عندهم باحلقنة‬
‫انلوم ولو استغرق مجيع انلهار‪ ،‬برشط أن ال يتعمد‬ ‫‪َّ 7)7‬‬
‫تضييع الصلوات فإن ذلك حرام‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪8)8‬بَلع ما ال يمكن اتلحرز عنه اكلريق‪ ،‬وغبار‬
‫َ‬
‫الطريق‪ ،‬كما يُباح ش ُّم الروائح الطيبة‪.‬‬

‫مكروهات الصوم‬
‫يكره للصائم أمور‪ ،‬يُثاب ىلع تركها‪ ،‬ولكنه إذا فعلها‬
‫ال يبطل صومه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫واالستنشاق؛ لقوهل صىل اهلل‬ ‫‪1)1‬املبالغة يف املضمضة‬
‫ً (((‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ ِلاَّ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫اق إ أن تكون صائِما» ‪.‬‬ ‫الس ِتنش ِ‬
‫عليه وآهل وسلم‪« :‬با ِلغ يِف ا ِ‬
‫َ ً‬ ‫َ‬
‫‪2)2‬ذ ْوق الطعام بغري حاجة‪ ،‬خ ْوفا من وصوهل إىل جوفه‪.‬‬
‫َُ‬
‫‪3)3‬أن جيمع الصائم ريقه ويبتلعه‪.‬‬
‫تحُ‬ ‫ُ‬
‫‪4)4‬القبْلة ل ِ َمن َ ِّرك شهوته‪ ،‬وكذا املبارشة ودوايع الوطء‪.‬‬
‫‪5)5‬احلجامة‪ ،‬ويه استخراج ادلم الفاسد من اجلسم‬
‫بطرق معينة؛ ألنها تضعف الصائم‪.‬‬
‫‪6)6‬شم ما ال يأمن أن جتذبه أنفاسه إىل حلقه كمسحوق‬
‫املسك وابلخور وما شابه‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪.)721/1‬‬


‫‪ 30 ‬‬
‫ُّ‬
‫‪7)7‬االنشغال باللهو واللعب؛ ملا فيه من الرتفه اذلي ال‬
‫يناسب الصوم ومعانيه الروحية‪.‬‬
‫‪8)8‬استعمال السواك بعد الزوال (أي‪ :‬بعد الظهر) وذلك‬
‫ً‬
‫عند الشافعية ورواية عند احلنابلة‪ ،‬خالفا للجمهور فليس‬
‫ً‬
‫عندهم مكروها‪.‬‬

‫مراتب الناس يف الصوم‬


‫يف ضوء ما تقدم من أراكن الصوم وواجباته ومبطالته‬
‫ومستحباته ومكروهاته‪ ،‬يمكن القول بأن انلاس يف الصوم‬
‫ىلع ثالث مراتب‪:‬‬
‫صوم العموم‪ ،‬وصوم اخلصوص‪ ،‬وصوم خصوص‬
‫اخلصوص‪.‬‬
‫ُّ‬
‫أما صوم العموم فهو‪ :‬كف ابلطن والفرج عن قضاء‬
‫رُّ‬ ‫َّ‬
‫الشهوة‪ ،‬اكألكل والشب واجلماع‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وأما صوم اخلصوص فهو‪ :‬كف ابلطن والفرج‪ ،‬مع‬
‫ِّ‬ ‫(الس ْمع َ‬ ‫ِّ‬
‫وابل رَص والل َسان وايلد‬ ‫َّ‬ ‫كف اجلوارح الستة‪ ،‬ويه‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ‬
‫والرجل والف ْرج) عن اآلثام‪ ،‬فإن ما يرتكبه املسلم من آثامٍ‬
‫أثناء صومه تنقص من ثوابه‪ ،‬وحتجب عنه الكثري من نفحات‬
‫هذا الشهر الكريم؛ حيث إن الصوم الصحيح غري املقرتن‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ومالبَسة الصائم‬
‫حد ذاته واق لصاحبه من انلار‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫باملعايص يف‬
‫ُ ْ َبرَ َ ْ ً‬
‫للمعايص تعت خرقا هلذا الوايق‪ ،‬وهذا املعىن مروي عن‬

‫‪ 31 ‬‬
‫«الص ْو ُم‬ ‫سيدنا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف قوهل‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫َ يخَ ْ ْ ُ‬ ‫َّ ٌ‬
‫ُجنة‪َ ،‬ما ل ْم ِرقه»(((‪ ،‬ومعىن ُجن َة‪ :‬وقاية‪ ،‬قال ابن العريب‪:‬‬
‫ات‪،‬‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َّ ُ ْ َ ٌ َ‬ ‫الص ْو ُم ُج َّن ًة ِم َن َّ‬ ‫"إ َّن َما كاَ َن َّ‬
‫انلار؛ لأِ نه إِمساك عنلحْالشهو َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫محَ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اصل أنه‬ ‫ات"‪ .‬قال ابن حجر معقبا‪" :‬فا َ لهَِ‬ ‫وانلار فوفة بِالشهو ِ‬
‫ُّ ْ كاَ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ َ ْ ُ‬
‫ادلنيَا ن ذلِك َساتِ ًرا ُ ِم َن‬ ‫ِإذا كف نف َسه َع ِن الش َه َوات يِف‬
‫لآْ‬
‫انلار يِف ا ِخ َرة"(((‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فاخلصوص من املؤمنني هم اذلين يسعون لسالمة‬
‫ِّ‬
‫صيامهم من اآلثام‪ ،‬جماهدين ألنفسهم يف ذلك‪ ،‬بكف‬
‫جوارحهم عن املعايص‪.‬‬
‫ُ‬
‫فكف السمع‪ :‬بعدم اإلصغاء إىل ما ن يِ َ‬
‫ه عنه‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫اكتلجسس ىلع انلاس‪ ،‬وسائر األقوال املحرمة اكل ِغيبة‬ ‫ُّ‬
‫قهرا‬‫وانلميمة وغري ذلك‪ ،‬خبالف ما إذا دخل عليه ذلك ً‬
‫وكرهه‪ ،‬ولزمه اإلنكار إن قدر‪.‬‬
‫‪ ،‬وإىل ما‬ ‫رشعاً‬ ‫وكف البرص‪ :‬بعدم انلظر إىل ما يُذم‬ ‫ُّ‬
‫يشغل القلب ويليه عن ذكر اهلل‪ ،‬فيجب ىلع الصائم أن‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حيفظ عينه عن املحرمات‪ ،‬فإنما خلقت العني يلُهتَ َدى بها يف‬
‫الظلمات‪ ،‬ويستعان بها يف احلاجات‪ ،‬وينظر بها إىل عجائب‬
‫ملكوت األرض والسماوات ويعترب بما فيها من اآليات‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫انليب صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫ومما ورد يف كف ابلرص قول‬

‫((( أخرجه ابن خزيمة يف صحيحه (‪.)194/3‬‬


‫((( ينظر‪ :‬فتح ابلاري رشح صحيح ابلخاري (‪.)104/4‬‬
‫‪ 32 ‬‬
‫َّ ْ َ َ َّ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ لىَ‬ ‫ُْ‬ ‫ل‪« :‬يَا لَ ُّ‬
‫ع ال تت ِب ِع انلظرة انلظرة‪ ،‬ف ِإن لك األو‬ ‫يِ‬ ‫وسلم ِل َع ٍّ‬
‫َ ُ (((‬ ‫َ َ ْ َ ْ يِ َ َ‬
‫اآلخرة» ‪.‬‬ ‫وليست لك ِ‬
‫وروي عن سيدنا عيىس ‪-‬عليه السالم‪ -‬أنه قال‪:‬‬
‫((( ُ َ‬
‫وس ِئل‬ ‫"إيَّاكم وانلظرة‪ ،‬فإنها تزرع يف القلب شهوة" ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ـجنَيْد ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬بِ َم يُستعان ىلع غض ابلرص؟ فقال‪:‬‬ ‫الْ ُ‬
‫بعلمك أن نظر اهلل إيلك أسبق من نظرك إىل ما تنظره(((‪.‬‬
‫وكف اللسان‪ :‬حببسه عن اهلذيان والكذب وال ِغيبة‬ ‫ُّ‬
‫وانلميمة والفحش‪ ،‬واالستهزاء بانلاس‪ ،‬وشهادة الزور‪،‬‬
‫واخلُلف يف الوعد‪ ،‬إذا وعده وهو يضمر اخلُلف‪.‬‬
‫َ‬ ‫وكف اليد‪ :‬حبَبْسها عن ابلطش ب ُم َّ‬
‫حرم من كسب أو‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫رَّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٍّ‬
‫فاحشة أو تعد‪ ،‬اكتلطفيف يف الكيل والوزن‪ ،‬والسقة‪ ،‬وأخذ‬
‫الرشوة وإعطائها‪ ،‬ولعب امليرس ‪-‬وهو لك ما فيه قمار‪ ،-‬وكتابة‬
‫ما حيرم انلطق به‪ ،‬واتلطاول ىلع انلاس باألذى والرضب‪.‬‬
‫وكف الرجل‪ :‬حببسها عن السيع إىل ما لم يؤمر به ولَمْ‬
‫ُّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫يُندب إيله‪ ،‬اكمليش يف وشاية بِمس ِلم إىل حاكم أو غريه‪ ،‬والسيع‬
‫ً‬
‫قصدا من غري حاجة‪.‬‬ ‫إىل احلرام‪ ،‬واملرور بني يدي املصيل‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)652/1‬ط دار الفكر‪ ،‬والرتمذي (‪ ،)101/5‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫غريب‪.‬‬
‫((( أخرجه ابليهيق يف الزهد الكبري (ص‪ ،)167‬ط‪ 1‬دار اجلنان‪ ،‬مؤسسة الكتب اثلقافية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬سنة ‪1408‬ـه‪ ،‬وابن األعرايب يف الزهد وصفة الزاهدين (ص‪ ،)72‬ط‪ 1‬دار الصحابة‬
‫للرتاث‪ ،‬طنطا‪ ،‬سنة ‪1408‬ـه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬البن رجب احلنبيل (ص‪ ،)162‬ط‪ 1‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫سنة ‪1408‬ـه‪.‬‬
‫‪ 33 ‬‬
‫ُّ‬ ‫وكف الفرج‪ :‬بمنعه َّ‬
‫عما ال حيل للصائم يف نهار‬ ‫ُّ‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫رمضان اكجلماع‪ ،‬وكفه أيضا َّ‬
‫عما ال حيل للصائم وال لغريه‪:‬‬
‫اكلزنا‪ ،‬واللواط‪ ،‬وإتيان ابلهائم‪ ،‬واالستمناء بايلد‪ ،‬والوطء يف‬ ‫ِّ‬
‫احليض‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وقد أمر انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم بكف‬
‫ِّ‬
‫عن قبائح األفعال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اجلوارح‬ ‫وكف‬ ‫اللسان عن قبائح األقوال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كاَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ َ ُ َّ‬
‫ام ُجنة‪ ،‬ف ِإذا َ ن أ َح ُدك ْم َصائِ ًما‬ ‫جامع‪ ،‬فقال‪« :‬الصي‬
‫ٍ‬ ‫يف كالمٍ‬
‫ْ ُ ٌ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ ْ ِنيِّ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ َ يجَ ْ َ ْ َ‬
‫فال يرفث وال هل‪ ،‬ف ِإ ِن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل‪ :‬إ‬
‫بالرفث‬
‫َّ َ‬
‫بضم الفاء وكرسها‪ ،‬واملراد‬ ‫َصائ ٌم إِنيِّ َصائ ٌم»(((‪ .‬ويرفث ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫هنا‪ :‬الكالم الفاحش‪ ،‬وهو يطلق ىلع هذا وىلع اجلماع وىلع‬
‫مقدماته(((‪.‬‬
‫ً‬
‫وما ذكرناه من كف اجلوارح واجب مطلقا يف الصوم‬
‫لحْ‬
‫واإلفطار‪ ،‬وإنما ذكرناه يف خصوص الصيام؛ ألن ا ُ ْر َمة فيه‬
‫ُّ‬
‫أشد من احلرمة يف غريه‪ ،‬قال القرطيب‪" :‬ال يُفهم من هذا أن‬
‫غري الصوم يباح فيه ما ذكر‪ ،‬وإنما املراد أن املنع من ذلك‬
‫يتأكد بالصوم"(((‪ ،‬فينبيغ للصائم أن حيفظ جوارحه من لك ما‬
‫فيه حرمة‪ ،‬كما قيل‪:‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)806/2‬وأبو داود يف سننه (‪ ،)720/1‬وابن ماجه يف سننه (‪،)539/1‬‬
‫واللفظ أليب داود‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح ابلاري برشح صحيح ابلخاري (‪.)104/4‬‬
‫((( املرجع السابق‪.‬‬
‫‪ 34 ‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫تصام ٌم‬ ‫مع مين‬
‫إذا لم يكن يف الس ِ‬
‫ت‬‫ويف ُم ْقلَيت َغ ٌّض ويف َمنطيق َص ْم ُ‬
‫ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ ِّ ً‬
‫إذا من َص ْو يِ َ‬
‫م اجلوع والظما‬ ‫فحظي‬
‫يوما َف َما ُص ْم ُ‬
‫ت‬ ‫ت ً‬‫ت إين ُص ْم ُ‬‫وإن قُلْ ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متبعا هواه اعكفا ىلع معصية‬ ‫فإذا لم يزل اإلنسان‬
‫مواله‪ ،‬فليعلم أنه لم ينل ثواب صوم رمضان‪ ،‬وإنما هو جائع‬
‫َْ‬
‫«ر َّب َصائِ ٍم لي َس‬ ‫عطشان‪ .‬قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ُ :‬‬
‫ِلاَّ‬ ‫َّ َ َ ْ لهَ‬ ‫ِلاَّ لجْ ُ‬ ‫لهَ‬
‫ُ ِم ْن ِصيَا ِم ِه إ ا ُوع‪َ ،‬و ُرب قائِ ٍم لي َس ُ ِم ْن ِقيَا ِم ِه إ‬
‫َ َ ْ َ للِهَّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُّ‬ ‫َّ َ ُ (((‬
‫ور َوال َع َمل بِ ِه فليس ِ‬ ‫السه ٌر» ‪ْ َ ،‬وقال‪«َ :‬من لم يد رَع قول الز ِ‬
‫ََ َ َ َُ َ َ ُ‬ ‫َح َ‬
‫شابَه»(((‪.‬‬ ‫اجة يِف أن يدع طعامه و‬
‫وأما صوم خصوص اخلصوص‪ :‬فهو زيادة ىلع ما‬
‫ادل ِن َّية‪ ،‬واخلواطر الشهوانية‪،‬‬ ‫سبق‪ :‬صوم القلب عن اهلمم َّ‬
‫َْ‬
‫وكفه عما سوى اهلل باللكية(((‪ ،‬فال يتعلق قلبُه إال باهلل‪ ،‬مع‬
‫ممارسته حلياته العادية تلحقيق مراد اهلل يف إعمار الكون‪.‬‬

‫‪‬‬
‫((( أخرجه النسايئ يف السنن الكربى (‪ ،)239/2‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة‬
‫‪1411‬ـه‪ ،‬وابن ماجه يف سننه (‪.)539/1‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪.)673/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مرشد العوام يف أحاكم الصيام (ص‪.)24 -22‬‬
‫‪ 35 ‬‬
‫فصل فيام يتعلق هبذا الشهر الكريم من‬
‫طاعات‬
‫مدارسة القرآن وتالوته وختمه‪:‬‬
‫العالقة بني شهر رمضان املعظم والقرآن ُ الكريم‬
‫َ ۡ ُ َ َ َ َ ذَّ ٓ َ‬
‫نزل فِيهِ‬ ‫فقد قال تعاىل‪{ :‬شه ۡر رمض ۡانُ َٱلِي َأ ِ‬ ‫عالقة وثيقة‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُۡ َۡ ُ ُٗ‬
‫ان ف َمن ش ِه َد‬ ‫َ ىَ ِ ۚ‬‫ق‬ ‫ر‬ ‫ۡ‬ ‫ف‬ ‫ٱل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬
‫ى‬ ‫اس َو َب ّينٰت م َِن ٱل ُه َ‬
‫د‬ ‫ِ ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِلن‬ ‫ل‬ ‫ى‬‫د‬ ‫ٱلقرءان ه‬
‫َّ ‪ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫اَ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ع َسف ٖر فعِدة‬ ‫يضا أ ۡو ٰ‬ ‫ِنك ُم ُٱلش ۡه َر فل َي ُص ۡم ُهۖ َو َمن كن م ِر‬ ‫ّم ۡ َ‬
‫رَۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ُ هَّ ُ ُ ُ ۡ ُ رَۡ َ اَ‬ ‫َّ‬
‫مِن أيا ٍم أخر ۗ ي ِريد ٱلل بِكم ٱليس ول ي ِريد بِكم ٱلعس‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ع َما ه َدىٰك ۡم َول َعلك ۡم‬
‫َ‬ ‫ٱلل لَ ىَ ٰ‬
‫بوا ْ هََّ‬ ‫كُّ‬‫َ ُ ۡ ُ ْ ۡ َّ َ َ ُ َ‬
‫ولتِ ك ِملوا ٱلعِدة ولتِ رِ‬
‫َۡ ُ َ‬
‫تشك ُرون} [البقرة‪.]185 :‬‬
‫ويمدح اهلل تعاىل شهر الصيام من بني سائر الشهور‪،‬‬
‫بأن اختاره من بينها إلنزال القرآن العظيم‪ ،‬بأنه الشهر اذلي‬
‫اكنت الكتب اإلهلية تزنل فيه ىلع األنبياء‪ ،‬قال اإلمام أمحد‬
‫عن واثلة بن األسقع‪ :‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«وأنزلت صحف إبراهيم يف أول يللة من رمضان‪ ،‬وأنزلت‬
‫اتلوراة لست مضني من رمضان‪ ،‬واإلجنيل ثلالث عرشة‬
‫خلت من رمضان‪ ،‬وأنزل اهلل القرآن ألربع وعرشين خلت‬
‫من رمضان»‪ ،‬وأما الصحف واتلوراة والزبور واإلجنيل‪ ،‬فزنل‬
‫لك منها ىلع انليب اذلي أنزل عليه مجلة واحدة‪ ،‬وأما القرآن‬
‫فإنما نزل مجلة واحدة إىل بيت العزة من السماء ادلنيا‪ ،‬واكن‬
‫‪ 37 ‬‬
‫َّ ٓ‬
‫منه كما قال تعاىل‪{ :‬إِنا‬ ‫َذلك يف شهر رمضان يف يللة القدر‬
‫َّ ٓ َ َ ۡ َ ُ يَ ۡ َ ُّ َ َ َ‬ ‫َ ۡ َ ٰ ُ يَ ۡ َ ۡ َ‬
‫للةِ ٱلق ۡدرِ}‪ ،‬وقال‪{ :‬إِنا أنزلنٰه يِف للةٖ مبٰرك ٍةۚ‬ ‫أنزلنه يِف‬
‫ُ َّ ً‬ ‫َّ ُ‬
‫إِنا ك َّنا ُمنذِرِين} ثم نزل بعد مفرقا حبسب الوقائع ىلع رسول‬
‫َ‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬هكذا روي من غري وجه عن ابن‬
‫عباس(((‪.‬‬
‫واألصل يف استحباب مدارسة القرآن الكريم وتالوته‬
‫وختمه يف رمضان ما ثبت أن انليب صىل اهلل عليه وسلم اكن‬
‫يلىق جربيل عليه السالم لك يللة يف رمضان فيعرض جربيل‬
‫القرآن عليه وتارة يعرض هو صىل اهلل عليه وسلم القرآن‬
‫مجيعا يف الرواية‬ ‫ً‬ ‫ىلع جربيل عليه السالم‪ ،‬فقد ثبت األمران‬
‫فاكنت القراءة معارضة ومدارسة بينه صىل اهلل عليه وسلم‬
‫وبني جربيل ‪-‬عليهما الصالة والسالم‪ -‬فمرة هذا يقرأ ومرة‬
‫هذا يقرأ‪ ،‬فلما اكنت السنة اليت قبض فيها صىل اهلل عليه‬
‫وسلم عرضه عليه مرتني‪ ،‬فندب ختم القرآن يف رمضان مرة‬
‫تأسيًا به صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ويف احلديث «أن‬ ‫ىلع األقل ّ‬
‫جربيل ‪-‬عليه السالم‪ -‬اكن يلىق انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫دارسه القرآن»‏(((‪ ،‬وعن ابن‬ ‫ُ‬
‫وسلم يف لك يللة من رمضان في ِ‬
‫عباس قال‪" :‬اكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أجود انلاس‬
‫باخلري واكن أجود ما يكون يف رمضان واكن جربيل يلقاه‬

‫((( تفسري ابن كثري ‪.160/1‬‬


‫((( أخرجه ابلخاري (‪ 6/1‬رقم ‪ ،)6‬ومسلم (‪ 1803/4‬رقم ‪.)2308‬‬
‫‪ 38 ‬‬
‫لك يللة يف رمضان يعرض عليه انليب صىل اهلل عليه وسلم‬
‫القرآن فإذا لقيه جربيل اكن أجود باخلري من الريح املرسلة"‪.‬‬
‫َّ‬
‫متفق عليه‪ ،‬وعن ابن عباس‪-‬ريض اهلل عنهما‪ -‬أنه قال‪« :‬إن‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ كاَ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ لىَّ ُ َ‬ ‫َُ َ‬
‫اهلل َعليْ ِه َوآلهِِ َو َسل َم ن يع َرض َعليْ ِه الق ْرآن‬ ‫هلل ص‬‫رسول ا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫كلُ ِّ َ َ َ َ ً‬
‫ذلي ق ِبض ِفي ِه فإنه ُع ِرض َعليْ ِه‬ ‫َ َ‬
‫َرمضان م َّرة‪ ،‬إال العام ا ِ‬ ‫يِف‬
‫َينْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الق ْرآن م َّرت » (((‪ ،‬وعن أيب هريرة قال‪« :‬اكن يعرض ىلع انليب‬
‫صىل اهلل عليه وسلم القرآن لك اعم مرة‪ ،‬فعرض عليه مرتني‬
‫عرشا فاعتكف‬ ‫ً‬ ‫يف العام اذلي قبض‪ ،‬واكن يعتكف لك اعم‬
‫انليب صىل‬ ‫ُ‬
‫عرشين يف العام اذلي قبض»‪ .‬رواه ابلخاري‪ .‬وس ِئل ُّ‬
‫ُّ‬ ‫لحْ‬
‫ب إىل اهلل؟ قال‪« :‬ا َال‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم‪ :‬أَ ُّي الْ َع َمل أَ َح ُّ‬
‫«فتْحُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ لحْ َ ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال ُم ْرتحَِ ل»‪ ،‬قال‪ :‬يَا ََر ُسول اهلل‪ ،‬وما ا ال المرتحَِ َل؟ قال‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫كلُ َّ‬
‫آخ ِره إىل أ َّولهِ ‪َ ،‬ما َحل‬ ‫ْ‬ ‫َُُْ ْ‬ ‫الْ ُق ْ‬
‫آخ ِره‪َ ،‬و ِمن ِ‬ ‫آن َوختمه ِمن أ َّولهِِ إىل ِ‬ ‫ر‬
‫تحَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ (((‬
‫ار ل» ‪ ،‬ومما ورد يف حرص الصحابة ىلع ذلك ما ر ِوي عن‬
‫ابن مسعود ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬أنه اكن خيتم القرآن يف ثالث‬
‫ال يستعني عليه من انلهار إال باليسري(((‪ ،‬وعن األسود انلخيع‬
‫أنه اكن خيتم القرآن يف يللتني يف رمضان(((‪ ،‬واكن قتادة خيتم‬

‫((( أخرجه ابلخاري يف خلق أفعال العباد (ص‪ ،)74‬ط‪ 3‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة‬
‫‪1411‬ـه‪ ،‬وإسحاق بن راهويه يف مسنده (‪ ،)6/5‬ط‪ 1‬مكتبة اإليمان‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬سنة‬
‫‪1412‬ـه‪.‬‬
‫((( أخرجه ادلاريم يف سننه (‪ )560/2‬وحممد بن نرص املروزي يف قيام رمضان كما يف‬
‫خمترص املقريزي (ص‪ ،)146‬ط ادلار اذلهبية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫((( شعب اإليمان (‪.)398/2‬‬
‫((( أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه (‪ ،)565/1‬ط‪ 2‬املكتب اإلساليم‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1403‬ـه‪.‬‬
‫‪ 39 ‬‬
‫القرآن يف رمضان يف لك ثالث يلال مرة‪ ،‬فإذا دخل العرش‬
‫ِّ‬ ‫ٍّ‬
‫األزدي أنه اكن خيتم القرآن يف‬ ‫ختم لك يللة مرة(((‪ ،‬وعن يلع‬
‫رمضان لك يللة(((‪.‬‬
‫ومن هنا اكن من هدي السلف‪-‬رضوان اهلل عليهم‪-‬‬
‫تأسيًا بانليب صىل اهلل‬ ‫احلرص ىلع ختم القرآن يف رمضان؛ ِّ‬
‫عليه وآهل وسلم‪ ،‬حيث اكن من شأنه ذلك‪ ،‬وقد روي عن‬
‫السلف العناية بقراءة القرآن وختمه يف رمضان زيادة عن‬
‫اعدتهم يف سائر شهور السنة‪:‬‬
‫عن إبراهيم انلخيع‪ ،‬أنه‪« :‬اكن خيتم القرآن يف شهر‬
‫رمضان يف لك ثالث‪ ،‬فإذا دخلت العرش ختم يف يللتني‪،‬‬
‫واغتسل لك يللة»(((‪.‬‬
‫واكن قتادة «خيتم القرآن يف لك سبع يلال مرة ‪ ،‬فإذا‬
‫دخل رمضان ختم يف لك ثالث يلال مرة ‪ ،‬فإذا دخل العرش‬
‫ختم لك يللة مرة»(((‪.‬‬
‫القرآن وتالوته َ يف‬ ‫ويستحب أن تكون مدارسة‬
‫طا َوأ ۡق َومُ‬‫َّ َ َ َ يَّ ۡ يَِ َ َ ُّ َ ۡ ٗ‬ ‫َّ ً‬
‫خاصة‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إِن ناشِئة ٱل ِل ه أشد و ‍ٔ‬ ‫الليل‬
‫َ َ َ ۡيَّ‬
‫قِيل} [املزمل‪ ،]6 :‬و{ناشِئة ٱل ِل}‏‪ :‬يه تلك انلفوس اليت‬
‫يربيها الليل وينشئها ىلع تالوته‏‏‪ ،‬ويه أيضا تلك الواردات‬

‫((( قيام رمضان‪ ،‬حممد بن نرص املروزي (ص‪.)145‬‬


‫((( أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه (‪.)386/2‬‬
‫((( مصنف عبد الرزاق الصنعاين (‪.)254 /4‬‬
‫((( قيام رمضان ملحمد بن نرص املروزي (ص‪ ،)259 :‬وحلية األويلاء (‪.)338/2‬‬
‫‪ 40 ‬‬
‫انلورانية اليت تنكشف يف ظلمة الليل‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الروحانية واخلواطر‬
‫الصادقة‬ ‫َ‬ ‫كما يقول اإلمام الرازي يف تفسريه(((‪ -‬فتلك انلفوس‬
‫يَِ َ‬
‫{ه أش ُّد‬ ‫أنشأتها وهذبتها وربتها أنوار القرآن الليلية‏‬ ‫اليت‬
‫كاً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ ٗ ََۡ‬
‫طا وأقوم قِيل}‪،‬‏ أي‪ :‬أعظم ثباتا َوتأثريا‏‪،‬‏ فيه أكرث إدرا‬ ‫و ‍ٔ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َۡ‬ ‫ً‬
‫يف وعيها وأكرب جناحا يف سعيها‏‪{ ،‬وأقوم قِيل} ‏قد ر ِزقت‬
‫اإلخالص يف القصد‪ ،‬والسداد يف القول‪ ،‬واإلجابة يف ادلاع ‏ء‏‪،‬‬
‫كما جاء يف احلديث‏‪:‬‏ «أرشاف أميت‏‏‪ :‬محلة القرآن وأصحاب‬
‫الليل»(((‪ ،‬ويف القراءة الصحيحة األخرى‏(يه أشد ِوطاء‏)‏ أي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وانسجاما‏‪،‬‏ وهذا االنسجام كما حيصل‬ ‫وتواؤما‬ ‫ُمواطأة واتساقا‬
‫بني القلب واللسان واجلوارح عند القراءة‏‪،‬‏ فإنه حيصل ً‬
‫أيضا‬
‫لاً‬
‫من اتلوافق بني األمر الرشيع بالقراءة يل وبني األمر الكوين‬
‫ل‏‪،‬‬
‫يف نزول القرآن يللاً‏‏‪ ،‬فلكما اكنت قراءة املسلم للقرآن باللي ‏‬
‫زاد اتساقه مع الكون‏‪،‬‏ ويزداد االتساق ويتضاعف الفضل‬
‫بقراءته يف يلل رمضان‏‪،‬‏ حىت يصل إىل يللة القدر اليت يه‬
‫أعظم من ألف شهر‏(((‪.‬‬

‫((( مفاتيح الغيب (‪ ،)176 ،175/30‬ط‪ 1‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1401‬ـه‪.‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري (‪ ،)125/12‬وابليهيق يف شعب اإليمان (‪.)556/2‬‬
‫لاّ‬
‫((( من مقالة لفضيلة الع مة ادلكتور يلع مجعة‪ ،‬مفيت ادليار املرصية‪ ،‬بعنوان‪ :‬شهر‬
‫ُ‬
‫القرآن وناشئة الليل‪ ،‬ن رِشت جبريدة األهرام بتاريخ ‪2009/8/15‬م‪.‬‬
‫‪ 41 ‬‬
‫قيام ليل رمضان بصالة الرتاويح والتهجد‪:‬‬
‫ندب الرشع احلنيف إىل إحياء الليل بالعبادة‪،‬‬
‫ً‬
‫مؤكدا‪ ،‬واكن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫واستحبه استحبابًا‬
‫شكرا لربه‪ ،‬قالت اعئشة ‪-‬ريض اهلل‬ ‫ً‬ ‫وآهل وسلم جيتهد يف ذلك‬
‫عنها‪ -‬حتيك فعل انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬كاَ َن َي ُقومُ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫م َن اللَّيْل حَتىَّ َتتَ َف َّط َر قَ َد َم ُاه‪َ ،‬ف َقالَ ْ‬
‫ت عاَ ئِشة‪ :‬ل ِ َم تصنَ ُع ه َذا يَا‬ ‫ِ‬
‫ك َو َما تَأ َّخر؟َ‬ ‫َ ُ َ ِ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ‬
‫هلل وقد غفر اهلل لك ما تقدم ِمن ذنب‬ ‫رسول ا ِ‬
‫َ َ َ َلاَ ُ ُّ َ ْ َ ُ َ َ ْ ً َ ُ ً َ َ َّ ِ َ رُ َ لحَ ْ ُ ُ َ لىَّ‬
‫قال‪ :‬أف أ َ ِحب َأن أكون عبدا َشكورا‪ ،‬فلما كث مه ص‬
‫َ ً َ َ َ َ ْ َْ َ َ َ َ ََ ُ َ‬
‫ام فق َرأ ث َّم َرك َع»(((‪.‬‬ ‫جالِسا ف ِإذا أراد أن يركع ق‬
‫وقد مدح اهلل املؤمنني اذلين حييون الليل بما لم يمدح‬
‫ومشريا إىل ما يلحق صاحبه‬ ‫ً‬ ‫به غريهم‪ ،‬مرغبًا يف قيام الليل‪،‬‬
‫َ َ َ ىَ ٰ ُ ُ ُ ُ ۡ َ ۡ َ َ‬
‫جعِ‬ ‫من رشف عظيم‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬تتجاف جنوبهم عن ٱلم ِ‬
‫ا‬‫ض‬
‫َ ۡ ُ َ َ َّ ُ ۡ َ ۡ ٗ َ َ َ ٗ َ َّ َ َ ۡ َ ُ ۡ ُ ُ َ ِ َ اَ َ ۡ َُ‬
‫يدعون ربهم خوفا وطمعا ومِما رزقنٰهم ينفِقون ‪ ١٦‬فل تعلم‬
‫َ ۡ ‪ ۡ ُ ٓ َّ ٞ‬يَِ َ ُ ّ ُ َّ َ ۡ ينُ َ َ ٓ َ ۢ َ اَ ُ ْ َ ۡ َ ُ َ‬
‫نفس ما أخف لهم مِن قرة ِ أع ٖ جزاء بِما كنوا يعملون}‬
‫[السجدة‪.]17 ،16 :‬‬
‫وقد اختص اهلل تعاىل سااعت الليل األخرية بكرثة‬
‫انلفحات اإلهلية‪ ،‬ونسمات القرب املباركة اليت حتيي القلوب‪،‬‬
‫َّ َّ‬
‫عز وجل‬ ‫وتنعش األرواح‪َ ،‬و َو َعد من حيييها بالرضوان من اهلل‬
‫وجزيل اثلواب‪ ،‬سواء أحياها بالصالة أم بادلاعء أم باالستغفار‬
‫أم بالصالة ىلع سيدنا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬أم‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪.)385/1‬‬
‫‪ 42 ‬‬
‫بالتسبيح‪ ،‬أم بأي نوع من أنواع العبادة واذلكر‪ ،‬قال تعاىل يف‬
‫ٗ‬ ‫َ ذَّ َ َ ُ َ‬
‫يتون ل َِر ّب ِ ِه ۡم ُ ُس َّجدا َوق َِيٰ ٗما}‬ ‫وصف عباد الرمحن‪{ :‬وٱلِين يب ِ‬
‫ْ َ ٰٓ َ جُ ۡ َ ۡ َ‬
‫[الفرقان‪ ]64 :‬ثم ذكر جزاءهم بقوهل تعاىل‪{ :‬أولئِك يزون‬
‫ِيها ۚ‬ ‫ِين ف َ‬ ‫ِيها حَت َِّي ٗة َو َس َل ٰ ًما ‪َ ٧٥‬خ ٰ دِل َ‬ ‫بوا ْ َو ُيلَ َّق ۡو َن ف َ‬ ‫ۡٱل ُغ ۡرفَ َة ب َما َص رَ ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ٗ‬ ‫َ ُ َ ۡ ُ ۡ َ َ ّٗ َ ُ َ‬
‫حسنت مستقرا ومقاما} [الفرقان‪ ،]76 ،75 :‬وقال جل شأنه‬
‫ذَّ َ َّ َ ۡ ْ َ َ ّ ۡ َ َّ ٰ ‪ ٞ‬جَ ۡ‬
‫ت ت ِري مِن‬ ‫موضع آخر‪{ :‬ل ِلِين ٱتقو َا عِند رب ِ ِهم جن‬ ‫أَۡ‬ ‫يف‬
‫هَّ‬ ‫‪ٞ‬‬
‫تت َها ٱلن َه ٰ ُر َخ ٰ دِل َ َ ۡ َ ‪ّ َ ۡ ٞ َّ َ ُّ ٞ‬‬ ‫ۡ‬ ‫حَ ۡ‬
‫ِين ف ذَِّيها َوأزوٰج مطه َرة َورِضوٰن م َِن ٱللِۗ‬ ‫ِ‬
‫َ ۡ‬ ‫ٓ َّ ٓ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ هَّ ُ َ ُ ۡ‬
‫ِين َيقولون َر َّب َنا إِن َنا َء َام َّنا فٱغفِ ۡر لنََا‬ ‫ري ۢ بِٱلعِ َبادِ ‪ ١٥‬ٱل‬ ‫وٱلل ب ِص‬
‫ِني َو ۡٱل َقٰنِتنيَ‬ ‫َّ ٰ َ َ َّ‬
‫ٱلص ٰ ِدق َ‬ ‫بين و‬ ‫نلَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ذن ۡوبنا وق ِنا ۡعذاب ٱ ارِ ‪١٦‬أَۡ ٱلص رِ ِ‬
‫حارِ} [آل عمران‪.]17 ،15 :‬‬ ‫ين بٱل ۡس َ‬ ‫ني َوٱل ُم ۡس َت ۡغ ِفر َ‬ ‫َوٱل ُمنفق َ‬
‫ِِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تحُ َ ِّ ُ َ‬
‫وقالت اعئشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ -‬دث عن صال ِة‬
‫كاَ َ‬ ‫هَّ‬
‫ول اللِ صىل اهلل عليه وآهل وسلم آخر الليل‪ « :‬ن‬ ‫ِ‬ ‫سيدنا َر ُس‬
‫َ يِّ‬
‫آخ َر ُه فيُ َصل»(((‪.‬‬ ‫وم‬‫ام أَ َّولهَ ُ َو َي ُق ُ‬
‫َينَ ُ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫وقال انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم مرغبًا يف ادلاعء‬
‫ُ‬ ‫َّ ْ َ َ َ ً‬ ‫َّ‬
‫اعة ال يُ َ َوافِق َها‬ ‫ومناجاة اهلل يف َسااعت الليل‪« :‬إِ َن يِف اللي ِل لس‬
‫ِلاَّ ْ‬ ‫ْ ْ ُّ ْ َ‬ ‫َ ُ ٌ ُ ْ ٌ َ ْ ُ هََّ َيرْ‬
‫اآلخ َر ِة إ أع َط ُاه‬ ‫رجل مس ِلم يسأل الل خ ً ا ِمن أم ِر ادلنيا َو ِ‬
‫َّ ُ َ َ َ كلُ َّ ليَ َ‬
‫ْل ٍة»(((‪ ،‬فمن باب أوىل استثمار هذا الوقت يف‬ ‫ِإياه وذلِك‬
‫شهر رمضان‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)385/1‬ومسلم (‪.)510/1‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪.)521/1‬‬
‫‪ 43 ‬‬
‫ولقد اتفق املسلمون ىلع سنية قيام يلايل رمضان‬
‫َ ْ َ َ ََ َ َ َ ً‬
‫يمانا‬ ‫عمال بقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬من قام رمضان ِإ‬
‫َّ ً‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ُ لهَ‬ ‫ْ‬
‫وخاصة الليايل العرش‬ ‫َواحتِ َسابًا غ ِف َر ُ َما تقد َم ِم ْن ذن ِب ِه»(((‪،‬‬
‫األخرية؛ طلبًا لليلة القدر‪ .‬قال رسول َاهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ُ‬ ‫((( َ كاَ َ‬ ‫«اطلُبُوا ليَ ْلَ َة الْ َق ْدر ف الْ َ‬ ‫وسلم‪ْ :‬‬
‫«و ن َر ُسول‬ ‫‪،‬‬ ‫»‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫اخ‬‫ِ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫األ‬ ‫ش‬‫رِْ‬ ‫ع‬ ‫يِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ َ رْ ُ َ ْ‬ ‫لىَّ‬
‫ش أحيَا الليْل‬ ‫هلل َص َ اهلل علي ِه وآلهِِ وسلم ِإذا دخل الع‬ ‫اَ ِ‬
‫زْ‬ ‫ْ‬
‫َوأ ْيق َظ أهل ُه َو َج َّد َوش َّد الم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ئ َر»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وقد اجتمع بعض الصحابة خلف رسول اهلل صىل اهلل‬
‫َّ‬
‫عليه وآهل وسلم وهو يصيل قيام رمضان يف املسجد فصل ْوا‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫بصالته مرتني أو ثالثا‪ ،‬ثم تأخر انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ُ‬ ‫جمَ‬
‫فرض عليهم‪ ،‬فقد‬ ‫َ‬ ‫وسلم ُعن ْ ِعهم عليها؛ شفقة بأمته ئلال ت‬
‫هلل‬
‫َّ َ ُ َ‬ ‫‪-‬ر يِ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ني عاَ ئ َش ُة َ‬ ‫روت أ ُّم ال ْ ُم ْؤمن َ‬
‫ض اهلل ليَعنها‪«ْ -‬أن رسول ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ َ لىَّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ لىَّ َ َ ْ َ‬ ‫لىَّ‬
‫َص اهلل علي ِه وآلهِِ وسلم ص ذات ل ٍة يِف المس ِج ِد فص‬
‫َ‬
‫َ ٌ ُ َّ َ لىَّ َ ْ َ َ َ َ رُ َ َّ ُ ُ ْ‬
‫اس‪ ،‬ث َّم اجتَ َم ُعوا‬ ‫بِ َصالتِ ِه ناس‪ ،‬ثم َص ِمن القابِل ِة فكث انل‬
‫َ لىَّ‬ ‫َّ َ َ َ ْ يخَ ْ ْ ِليَ ْ ْ َ ُ ُ‬ ‫َ َّ ْ َ َّ َ‬
‫هلل ص‬ ‫ِمن الليل ِة اثلالثِ ِة أ ِو الرابِع َِة‪ ،‬فلم ُرج إ َِهم رسول ا ِ‬
‫ْ‬
‫ت الذَِّ َي َصنَعتُ ْم‪،‬‬ ‫اهلل َعلَيْه َوآ َو َسلَّ َم‪ ،‬فَلَ َّما أ ْصبَ َح قَ َال‪ :‬قَ ْد َرأي ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫لهِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ ُْ َ‬ ‫ِليَ ُ ِلاَّ َ نيِّ َ‬ ‫لخْ ُ‬ ‫َْ َ َْْ‬
‫يت أن تف َرض‬ ‫وج إ ْك ْم إ أ خ ِش‬ ‫َولم يمنع يِن ِم َن ا ُر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫َعليْك ْم»‪َ ،‬وذلِك يِف َر َم َضان(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ 22/1‬رقم ‪ ،)37‬ومسلم (‪ 523/1‬رقم ‪.)759‬‬


‫((( أخرجه أمحد بن حنبل يف مسنده (‪ ،)71/3‬والطرباين يف املعجم الكبري (‪.)227/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)711/2‬ومسلم (‪.)832/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)380/1‬ومسلم (‪.)524/1‬‬
‫‪ 44 ‬‬
‫وروى احلاكم عن انلعمان بن بشري ريض اهلل عنهما‬
‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ لىَّ‬ ‫ُ‬
‫اهلل َعليْ ِه َوآلهِِ َو َسل َم يِف‬ ‫هلل ص‬ ‫ِ‬ ‫ول ا‬ ‫ِ‬ ‫أنه قال‪« :‬ق ْمنَا َم َع َر ُس‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ ُ‬ ‫َ ِلىَ ُ ُ‬ ‫ان ليَ ْلَ َة ثَالث َ‬ ‫َ ْ ََ َ َ‬
‫ث الليْ ِل ‪ ،‬ث َّم ق ْمنَا َم َعه‬ ‫ِ‬ ‫شين إ ثل‬ ‫رِْ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫شه ِر رمض‬
‫َّ ْ ‪ُ ،‬ث َّم ُق ْمنَا َم َع ُه ليَ ْلَ َة َسبعْ‬ ‫َ ِلىَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ليَ ْ َ َ خمَ ْ‬
‫ٍ‬ ‫شين إ نِص ِف اللي ِل‬ ‫ِلىَ رِْ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ٍ‬ ‫لة‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ليَ‬
‫ين إ نِصف الليل‪ ،‬ثم قمنا معه ْلة سبع َو ِعش َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َو ِعش َ‬
‫ين‬ ‫رِْ‬
‫َ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫رِْ‬
‫الح‪َ ،‬وأ ْنتُمْ‬ ‫يها ال َف َ‬ ‫الح‪َ ،‬و ُك َّنا ن ُ َس ِّم َ‬ ‫ْ‬
‫حَتىَّ َظنَ َّنا أ ْن ال نُ ْدر َك ال َف َ‬
‫ِ‬ ‫ُ َ ُّ َ‬
‫ور»‪ .‬قال احلاكم‪" :‬فيه ادليلل الواضح أن صالة‬ ‫ح َ‬ ‫الس ُ‬ ‫ون َّ‬ ‫تسم‬
‫ُ َّ ٌ‬
‫الرتاويح يف مساجد املسلمني سنة مسنونة‪ ،‬وقد اكن يلع بن‬
‫ُّ‬
‫طالب ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬حيث عمر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬ىلع‬ ‫ٍ‬ ‫أيب‬
‫إقامة هذه السنة إىل أن أقامها"(((‪.‬‬
‫فيف عهده ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬اجتمع املسلمون ىلع‬
‫َّحمْ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫الر َ ِن ب ْ ِن‬ ‫فع ْن عبْ ِد‬ ‫إقامة صالة َالليل يف رمضان بأمره‪،‬‬
‫ض‬ ‫‪-‬ر يِ َ‬ ‫ت َم َع ُع َم َر بْن الخْ َ َّطاب َ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ ْ ْ َ ِّ َّ ُ َ َ َ َ ْ‬
‫اري أنه قال‪ :‬خر‬
‫َ ِ َ َّ ُ ِ َ ْ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ِلىَ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ليَ‬ ‫عب ٍد َال ْ ُق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل عنه‪ْ -‬لة يِف َرمضان إ ال َم ْس ِج ِد‪ ،‬ف ِإذا انلاس أوزاع‬ ‫ُ‬
‫َ ُ َ يِّ َّ ُ َ يِّ‬ ‫ُ َ َ ِّ ُ َ ُ َ يِّ َّ ُ ْ‬
‫الر ُجل فيُ َصل بِ َصالتِ ِه‬ ‫الر ُجل لنِ َ َف ِس ِه‪ ،‬ويصل‬ ‫متفرقون يصل‬
‫َ‬ ‫َّ ْ ُ َ َ َ ُ َ ُ ِنيِّ َ َ ْ جمَ َ ْ ُ َ ُ علَىَ َ‬
‫اح ٍد‬ ‫ئو ِ‬ ‫ار ٍ‬ ‫ال عمر‪ :‬إ َ أرى لوعلَىَ ُبيَعت هؤ َ ْال ِء ق ِ‬ ‫ط‪ ،‬فق‬ ‫َ‬ ‫الره‬
‫ب ريض اهلل عنه‪،‬‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫لَكاَ ن أمثل‪ .‬ثم ع َزم فجمعهم أ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ُّ ٍ‬
‫ون ب َصالة قَارئهم‪ْ،‬‬ ‫ُ َّ َ َ ْ ُ َ َ ُ ليَ ْ َ ً ُ ْ َ َ َّ ُ ُ َ َ‬
‫انلاس َ يصل ِ َ ْ ِ ُ ِ ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ثم خرجت معه لة أخرى‪ ،‬و‬
‫َ ُ َ َْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫امون عن َها أف َضل ِم َن‬ ‫قال ع َم ُر‪ :‬نِع َم البِْد َعة ه ِذهِ‪َ ،‬وال يِت ين‬

‫((( املستدرك ىلع الصحيحني (‪ ،)607/1‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1411‬ـه‪.‬‬
‫‪ 45 ‬‬
‫َّ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َّ ْ َ كاَ َ َّ ُ َ ُ ُ َ َ لهَ‬
‫ومون أ َّو ُ(((‪.‬‬ ‫آخر اللي ِل‪ ،‬و ن انلاس يق‬
‫ال يِت يقومون‪ .‬ي ِريد ِ‬
‫قال احلافظ السيويط‪« :‬فسماها بدعة؛ يعين بدعة‬
‫حسنة‪ ،‬وذلك رصيح يف أنها لم تكن يف عهد رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وقد نص ىلع ذلك اإلمام الشافيع ورصح‬
‫به مجااعت من األئمة منهم الشيخ عز ادلين بن عبد السالم‬
‫حيث قسم ابلدعة إىل مخسة أقسام وقال‪ :‬״ومثال املندوبة‬
‫صالة الرتاويح״‪ ،‬ونقله عنه انلووي يف تهذيب األسماء‬
‫مناقب الشافيع‬ ‫ُ‬ ‫واللغات‪ ،‬ثم قال‪ :‬وروى ابليهيق بإسناده يف‬
‫ُ َ‬
‫حدث مما‬ ‫قال‪ :‬المحدثات يف األمور رضبان‪ ،‬أحدهما‪ :‬ما أ ِ‬
‫أثرا أو إمجاعاً فهذه ابلدعة الضاللة‪.‬‬ ‫خالف كتابًا أو سنة أو ً‬
‫ُ‬
‫حدث من اخلري وهذه حمدثة غري مذمومة وقد‬ ‫واثلاين‪ :‬ما أ ِ‬
‫قال عمر يف قيام شهر رمضان‪ :‬نعمت ابلدعة هذه؛ يعين‪ :‬أنها‬
‫حمدثة لم تكن‪ .‬هذا آخر كالم الشافيع»(((‪.‬‬
‫وع َم َّ‬‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫رية يف‬ ‫نبوية يف أصلها‪،‬‬ ‫فصالة الرتاويح ُسنة‬
‫كيفيتها‪ ،‬والرتاويح يف اللغة‪ :‬مجع تروحية‪ ،‬ويه املرة الواحدة‬
‫وس ِّميت‬‫السالم‪ُ -‬‬ ‫من الراحة‪ ،‬تَفعيلة منها ‪-‬مثل تسليمة من َّ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫الرتوحية يف شهر رمضان؛ السرتاحة القومِ بعد لك أربع‬
‫َ‬
‫ركعات(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)707/2‬ومسلم (‪.)524/1‬‬


‫((( املصابيح يف صالة الرتاويح‪ ،‬ضمن كتاب احلاوي للفتاوي‪ ،‬للحافظ السيويط‬
‫(‪ ،)335/1‬ط دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مقاييس اللغة (روح)‪ ،‬ولسان العرب (روح)‪.‬‬
‫‪ 46 ‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫وصالة الرتاويح عرشون ركعة ِمن غري الوتر‪ ،‬وثالث‬
‫وعرشون ركعة بالوتر‪ ،‬وهذا بإمجاع الصحابة من عهد عمر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ريض اهلل عنه‪ ،‬وهو ما عليه عمل املسلمني سلفا وخلفا يف‬
‫عتم ُد املذاهب الفقهية األربعة‪.‬‬ ‫اجتماعهم هلذه الصالة‪ ،‬وهو ُم َ‬
‫فعن السائب بن يزيد ريض اهلل عنه قال‪" :‬اكنوا‬
‫يقومون ىلع عهد عمر بن اخلطاب يف شهر رمضان بعرشين‬

‫َ َ ُ َُْ‬ ‫َ‬ ‫ركعة"‪ َ ْ َ .‬لحْ ْ َ َ َّ لَ ْ َ َ‬


‫ب رضىِ اهلل عنه‬ ‫ع بن أ ىِب طا ِل‬ ‫وعن أب ا َسنا ِء أن َّ‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ (((‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ لاً َ ْ ُ يِ َ يِّ َ َّ خمَ ْ يِ َ َ‬
‫شين ركعة ‪.‬‬ ‫ات ِع رِْ‬ ‫اس س تر ِوحي ٍ‬ ‫أمر رج أن يصل بِانل ِ‬
‫وقال أبو بكر الاكساين احلنيف‪" :‬وأما قدرها فعرشون‬
‫ركعة يف عرش تسليمات‪ ،‬يف مخس تروحيات‪ ،‬لك تسليمتني‬
‫تروحية‪ ،‬وهذا قول اعمة العلماء"(((‪.‬‬
‫وقال العالمة الطحطاوي احلنيف‪" :‬قوهل (الرتاويح‬
‫سنة) بإمجاع الصحابة ومن بعدهم من األمة‪ ،‬منكرها مبتدع‬
‫ضال مردود الشهادة"(((‪.‬‬
‫وقال اإلمام انلووي الشافيع‪" :‬مذهبنا أنها عرشون‬
‫ركعة بعرش تسليمات غري الوتر‪ ،‬وذلك مخس تروحيات‪،‬‬

‫((( أخرجهما ابليهيق يف السنن الكربى (‪ ،)497/2‬ط مكتبة دار ابلاز‪ ،‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫سنة ‪1414‬ـه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)288/1‬ط دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫((( حاشية ىلع مرايق الفالح رشح نور اإليضاح‪ ،‬الطحطاوي (ص‪ ،)270 :‬ط مطبعة‬
‫بوالق سنة ‪1318‬ـه‪.‬‬
‫‪ 47 ‬‬
‫والرتوحية أربع ركعات بتسليمتني‪ ،‬هذا مذهبنا‪ ،‬وبه قال‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وداود‪ ،‬وغريهم‪ ،‬ونقله القايض‬
‫ِعياض عن مجهور العلماء‪ .‬وحيك أن األسود بن يزيد اكن‬
‫يقوم بأربعني ركعة ويوتر بسبع‪ .‬وقال مالك‪ :‬الرتاويح تسع‬
‫تروحيات‪ ،‬ويه ست وثالثون ركعة غري الوتر‪ .‬واحتج بأن أهل‬
‫املدينة يفعلونها هكذا" (((‪ ،‬وما ذكره من قول مالك قول غري‬
‫وملالك قول آخر موافق ملا عليه‬ ‫ٍ‬ ‫مشهور يف املذهب املاليك‪،‬‬
‫اجلمهور‪ ،‬وهو املعتمد يف املذهب املاليك(((‪.‬‬
‫ً َّ‬ ‫َ‬
‫ومن ذكر من العلماء عددا أقل من عرشين ركعة‬
‫فإنما هو فيما جيزئ من قيام رمضان وغريه‪ ،‬أما تسمية القيام‬
‫بــ"صالة الرتاويح" فال يطلق إال ىلع العدد املذكور؛ فلكمة‬
‫ُّ‬
‫"الرتاويح" يف اللغة تدل ىلع ذلك؛ ألنها ىلع وزن (تفاعيل)‬
‫ويه من صيغ منتىه اجلموع‪ ،‬واألصل يف اجلمع أنه يطلق ىلع‬
‫ما زاد ىلع االثنني‪ ،‬والركعات اثلماين ليس فيها إال تروحيتان‪،‬‬
‫حق اثلماين الركعات‪ ،‬بل املراد عدد‬ ‫فال تُقال "الرتاويح" يف ِّ‬
‫الركعات اذلي تتخلله تراويح جمموعة ‪-‬أكرث من تروحيتني‪،-‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو ما عليه املسلمون سلفا وخلفا كما سبق‪.‬‬
‫رِّ ُّ‬
‫"والس يف العرشين‪:‬‬ ‫قال أبو زرعة العرايق الشافيع‪:‬‬
‫َّ‬
‫أن الراتبة يف غري رمضان عرش ركعات‪ ،‬فضوعفت فيه؛ ألنه‬

‫((( ينظر‪ :‬املجموع (‪.)527/3‬‬


‫لاَّ‬
‫((( ينظر‪ :‬الرشح الصغري حباشية الع مة الصاوي (‪ ،)405 ،404/1‬ط دار املعارف‪.‬‬
‫‪ 48 ‬‬
‫وقت جد وتشمري"(((‪.‬‬
‫فمن‬ ‫وصالة الرتاويح ُس َّن ٌة مؤكدة‪ ،‬وليست واجبة‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ومن‬ ‫ومن زاد عليها فال حرج عليه‪َ ،‬‬ ‫عظيما‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫تركها ُحرم ً‬
‫أجرا‬ ‫ِ‬
‫نقص عنها فال حرج عليه‪.‬‬
‫ويستحب ختم القرآن يف صالة الرتاويح خالل شهر‬
‫رمضان‪ ،‬قال العالمة ادلردير يف "الرشح الصغري"‪(" :‬و) ندب‬
‫جزءا يفرقه ىلع‬ ‫(اخلتم فيها)‪ :‬أي الرتاويح‪ ،‬بأن يقرأ لك يللة ً‬
‫العرشين ركعة"(((‪.‬‬
‫ولقد جرت اعدة انلاس يف عرصنا ىلع ختصيص عدد‬
‫سم ْوها‬‫من الركعات يف آخر سااعت الليل غري صالة الرتاويح َّ‬
‫اتلهجد‪ ،‬وذلك يف الليايل العرش األخرية من رمضان‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫صالة‬
‫وهو أمر حممود؛ ملا فيه من االتلماس لربكة هذا الوقت‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫فضل قيامه وإجابة داعء السائلني فيه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ولألحاديث الواردة يف‬
‫َ َ‬ ‫تحَ‬
‫نتحراها لفضلها‪ .‬وادليلل‬ ‫َّ‬ ‫و َ ِّر ًيا لِليْلة القدر اليت أ ِم ْرنا أن‬
‫َ َ ٗ َّ َ‬
‫ك َع ىَ ٰٓ‬ ‫َ َ يَّ ۡ َ‬
‫س‬ ‫ٱل ِل ف َت َه َّج ۡد بِهِۦ ناف ِلة ل‬ ‫ىلع ذلك قوهل تعاىل‪{ :‬ومِن‬
‫َ َ ۡ َ َ َ َ ُّ َ َ َ ٗ حَّ ۡ ُ ٗ‬
‫أن يبعثك ربك مقاما ممودا} [اإلرساء‪ ،]79 :‬وما ورد عن‬
‫سيدنا عمر بن اخلطاب باستحباب القيام يف هذا الوقت كما‬
‫تقدم‪.‬‬

‫((( طرح اتلرثيب يف رشح اتلقريب‪ ،‬ويل ادلين أبو زرعة العرايق (‪ ،)89/3‬ط دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الرشح الصغري حباشية العالمة الصاوي (‪.)405 ،404/1‬‬
‫‪ 49 ‬‬
‫تفطري الصائم‪:‬‬
‫َ َ‬
‫«م ْن ف َّط َر‬ ‫وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫اهلل عليه وآهل‬ ‫َ‬ ‫قال رسول َاهلل صىل‬
‫جره َغيرْ َ أن ُه ال ينق ُص م ْن أجر َّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ً كاَ َ لهَ ُ ْ ُ ْ‬
‫الصائِ ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫شيَصائِما ن ِمثل أ ِ‬
‫ْ ٌء»(((‪ ،‬وال يشرتط أن يتلكف املسلم فوق طاقته تلفطري‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫تعويدا‬ ‫أخيه‪ ،‬بل إن ثواب تفطري الصائم حيصل بأقل القليل‪،‬‬
‫للناس ىلع اتلآلف واتلاكفل‪ ،‬واالجتماع يف هذه الساعة‪ ،‬فيه‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫ساعة ِذك ٍر وإجاب ِة داع ٍء وفرحة بال ِف ْطر‪ ،‬قال رسول اهلل صىل‬
‫كاَ َ ْ ً ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫«م ْن ف َّط َر ِفي ِه َ َصائِ ًما ن َمغ ِفَ َرة لذِ نوبِ ِه‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫ْ َُْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ َ كاَ َ لهَ ُ ْ ُ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬
‫ار‪ ،‬و ن ِمثل أج ِرهِ ِمن غيرِْ أن ينقص‬ ‫ِ‬ ‫َو ِعت ََق َرقبَ ِت ِه ِمن انل‬
‫فط ُر‬ ‫ول اهلل لَيْ َس كلُ ُّنا د َما يُ ِّ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ شيَ‬
‫ِم ْن أج ِر ِه ْ ٌء»‪ .‬قالوا‪ :‬يا رس‬
‫يجَِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ُْ‬ ‫به َّ‬
‫اهلل هذا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ط‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫الصائِ َم؟ قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪«َ :‬ي‬ ‫ِِ‬
‫شبةَ‬ ‫اب ل َم ْن َف َّط َر فيه َصائ ًما علَىَ َم ْذقَة لَ نَب‪ ،‬أ ْو َت ْم َرة‪ ،‬أ ْو رَ ْ‬ ‫اثلَّ َو َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َماءٍ‪َ ،‬و َم ْن أَ ْشبَ َع فيه َصائ ًما كاَ َن لهَ ُ َم ْغف َر ًة ُ نُوبه ‪َ ،‬و َس َق ُاه َر ُّب ُه منْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ لذِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫رَ ْ َ ً َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ً َ كاَ َ لهَ ُ ِ ْ ُ َ ْ‬ ‫َح ْ‬
‫يرِْ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬‫د‬ ‫ب‬‫أ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ش‬ ‫ض‬ ‫يِ‬ ‫و‬
‫ْ ٌ (((‬
‫ْ َ ْ شيَ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُْ‬
‫أن ينقص ِمن أج ِرهِ ء» ‪.‬‬
‫الصدقة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َُ‬
‫يه من أعظم األعمال اليت يثاب املسلم عليها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ىَ ۡ‬
‫{و َسارِ ُع ُ ٓوا إ ِ ٰل َمغفِ َرة ٖ ّمِن َّر ّبِك ۡم َو َج َّن ٍة َع ۡرض َها‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ذَّ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ۡ ۡ‬ ‫َّ َ ٰ َ ٰ ُ َ أَۡ ُ‬
‫ٱلسموت وٱلۡرض أعِدت ل ِلمتقِني ‪ ١٣٣‬ٱلِين ينفِقون يِف‬
‫((( أخرجه الرتمذي يف سننه (‪ ،)171/3‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وأمحد بن حنبل‬
‫يف مسنده (‪.)114/4‬‬
‫((( أخرجه ابن خزيمة يف صحيحه (‪ ،)191/3‬ط املكتب اإلساليم‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1390‬ـه‪.‬‬
‫‪ 50 ‬‬
‫اس َو هَّ ُ‬ ‫ِني َع ِن ٱنلَّ ِۗ‬ ‫ني ۡٱل َغ ۡي َظ َو ۡٱل َعاف َ‬ ‫كٰظم َ‬ ‫رََّّ ٓ َ رََّّ ٓ َ ۡ َ‬
‫ٱلل‬ ‫ٱلساءِ وٱلضاءِ وٱل ِ ِ‬
‫سن َ‬ ‫حُي ُّ ۡ ۡ‬
‫ني} [آل عمران‪ ،]134 ،133 :‬وقال رسول اهلل‬ ‫ِب ٱل ُمح ِ ِ‬
‫ب‬ ‫س‬ ‫«م ْن تَ َص َّد َق بع ْدل َت ْم َرة م ْن َك ْ‬ ‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪َ :‬‬
‫ٍُ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ لاَ َ ْ َ ُ هَّ ُ ِلاَّ َّ ِّ َ َ َّ هََّ َ َ ُ‬
‫الل يتَق َّبل َها ِبيَ ِمي ِن ِه‪ ،‬ث َّم‬ ‫الطيب‪ ،‬وإِن‬ ‫بيِّ َ‬ ‫إ‬ ‫الل‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬‫ٍ‬
‫َطيِّ‬
‫َ ُ َ َْ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬
‫اح ِب ِه ك َما يُ َر أ َح ُدك ْم فل َّو ُه‪ ،‬حَتىَّ تكون ِمثل‬ ‫ُ ِّ َ َ‬
‫ي َرلجْبيها لِص ِ‬
‫الص ِغري‬ ‫الم ْهر‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫–أو‪ :‬الفلْو لُ َغتَان‪ :-‬هو ُ‬ ‫والفلُ ُّو ْ‬ ‫َ‬
‫ا َبَ ِل»(((‪،‬‬
‫ِ‬
‫حتتاج إىل مبالغة يف االهتمام به‬ ‫تربيته‬ ‫فإن‬ ‫س‪،‬‬ ‫ِم ْن أوالد الْ َف َ‬
‫ر‬
‫أي‪ :‬فُصل ُ‬
‫وع ِزل(((‪.‬‬ ‫وس يِّم بذلك ألنه فَلاَ َع ْن أُ ِّمه‪ْ ،‬‬ ‫اعدة‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫والصدقة عظيمة الربكة ىلع صاحبها وىلع لك َم ْن‬
‫ساهم فيها بوجه َما‪ ،‬فيعمهم اثلواب واخلري وإن قَلَّ ْ‬
‫ت أياديهم‬ ‫ٍ‬
‫فيها‪ ،‬كما ورد يف احلديث الرشيف عن انليب صىل اهلل عليه‬
‫ب‪،‬‬ ‫الل َع َّز َو َج َّل ليَ ُ ْدخ ُل بلُ ْق َمة الخْ ُ‬ ‫وآهل وسلم أنه قال‪« :‬إ َّن هََّ‬
‫ِ ِ َ َ ً ِ لجْ َّ َزِْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو َقبْ َضة َّ ْ‬
‫َ‬
‫كني‪ ،‬ثالثة ا نة‪:‬‬ ‫اتلم ِر‪َ ،‬و ِمث ِل ِه ِمما ينت ِفع بِ ِه ال ِمس لخِْ‬ ‫لبْ ِ‬
‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ ُ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫اول‬ ‫الزوجةلىَّتص هَّ ِلحه‪ َ ،‬وا ا ِدم ا َّلذَِّ ي ينلحْ ِ‬ ‫ت اآل ِمر بِ ِه‪ ،‬و‬ ‫ر ْب ا ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ هَّ‬ ‫َ َ‬
‫الل َعليْ ِه وآهل َو َسل َم‪« :‬ا َ ْم ُد‬ ‫ني»‪َ ،‬وقال َر ُسول اللِ َص‬ ‫الم ْسك َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫للِهَّ‬
‫ِ الذَِّ ي لم ينس خدمنا»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)511/2‬ومسلم (‪.)702/2‬‬


‫((( ينظر‪ :‬املنهاج رشح صحيح مسلم بن احلجاج‪ ،‬انلووي (‪ ،)99/7‬ط‪ 2‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1392‬ـه‪ ،‬وحاشية السندي ىلع النسايئ (‪ ،)58/5‬ط‪ 2‬مكتب‬
‫املطبواعت اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬سنة ‪1406‬ـه‪.‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم األوسط (‪ ،)278/5‬ط دار احلرمني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1415‬ـه‪،‬‬
‫واحلاكم يف املستدرك (‪ ،)149/4‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1411‬ـه‪.‬‬
‫‪ 51 ‬‬
‫َّ‬
‫بشلك اعم‪ ،‬فإن الصدقة‬ ‫ٍ‬ ‫ومع عظيم فضل الصدقة‬
‫يف رمضان أفضل من غريه من الشهور‪ ،‬فقد ُروي عن‬
‫أنس ‪-‬ريض اهلل عنه‪ُ :-‬سئل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫وسلم‪ :‬أي الصدقة أفضل؟ قال‪« :‬صدقة يف رمضان»(((‪.‬‬
‫ْ َ َّ رَُ‬
‫واتلوسعة يف رمضان ىلع الفقراء مطلوبة‪ ،‬إذ لما كثت‬
‫العطايا الربانية واملنن اإلهلية‪ ،‬وازداد سطوع األنوار القرآنية‬
‫ُّ ً‬ ‫َ ُ‬
‫يف هذا الشهر عظم ابلاعث ىلع اجلود؛ ختلقا بأخالق اهلل‬
‫تعاىل؛ وذلا اكن املصطىف صىل اهلل عليه وآهل وسلم أجود ما‬
‫كاَ َ‬
‫عباس‪-‬ريض اهلل عنهما‪ «َ :-‬ن‬ ‫َ‬ ‫يكون يف رمضان‪ ،‬قال ابن‬
‫لخْ َ َ كاَ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب صىل اهلل عليه وآهل وسلم أج َود َّ‬ ‫انل ُّ‬ ‫َّ‬
‫اس بِا يرِْ ‪ ،‬و ن أجود‬ ‫انل ِ‬ ‫يِ‬
‫ُ ََ‬ ‫ُ كاَ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫‪-‬عليْ ِه‬ ‫ني يَلق ُاه جِبرِْ يل‪َ ،‬و ن جِبرِْ يل‬ ‫َما يَكون يِف َر َم َضان‪ِ ،‬ح‬
‫َ‬ ‫ْ َ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ ْ َ ُ كلُ َّ ليَ َ‬
‫ْل ٍة يِف َر َم َضان حَتىَّ يَن َس ِلخ‪ ،‬يع ِرض َعليْ ِه‬ ‫السالم‪ -‬يلقاه‬
‫ُ‬ ‫ُْ ْ َ َ َ َ َُ‬ ‫انل ُّ‬ ‫َّ‬
‫عليه وآهل وسلم القرآن‪ ،‬ف ِإذا ل ِقيه جِبرِْ يل‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ب صىل اهلل‬ ‫يِ‬
‫ْ َ‬ ‫لخْ‬
‫َ َ ْ َّ ُ كاَ َ ْ َ َ َ‬
‫يح ال ُم ْر َسل ِة»(((‪.‬‬ ‫َ ِّ‬
‫علي ِه السالم‪ -‬ن أجود بِا يرِْ ِمن الر ِ‬
‫االعتكاف‪:‬‬
‫وهو لغة‪ :‬اللبث واحلبس واملالزمة ىلع اليشء ً‬ ‫ُّ‬
‫خريا‬
‫َ اَ ُ َ ٰ ُ ُ َّ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫نت ۡم عٰكِفون يِف‬ ‫اكن أو رشًّ ا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ول تب رِشوهن وأ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫{ما هٰ ِذه ِ ٱتلَّ َماثِيل‬ ‫جدِ} [البقرة‪ ،]187 :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٱل ۡ َم َ ٰ‬
‫س‬
‫َّ ٓ َ ُ ۡ َ َ َ ٰ ُ َ‬
‫ٱل يِت أنتم لها عكِفون} [األنبياء‪.]52 :‬‬
‫((( أخرجه الرتمذي يف سننه (‪ ،)51/3‬ط دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)672/2‬ومسلم (‪.)1803/4‬‬
‫‪ 52 ‬‬
‫َ ْ‬ ‫ُّ‬
‫ورشعاً ‪ :‬هو اللبث يف املسجد من شخ ٍص خمصوص‬
‫َّ‬
‫بنية‪.‬‬
‫َ‬
‫وه َّن َوأ ُ‬ ‫َ اَ ُ َ ٰ ُ ُ‬
‫نت ۡم‬ ‫وادليلل فيه قوهل تعاىل‪{ :‬ول تب رِش‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ٰ‬ ‫َۡ َ‬ ‫َٰ ُ َ‬
‫املساجد المختصة‬ ‫َ‬ ‫إىل‬ ‫ة‬ ‫اف‬ ‫ض‬ ‫فاإل‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ}‪،‬‬ ‫د‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫ف‬‫يِ‬ ‫ون‬ ‫عكِف‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫بالق َر ِب‪ ،‬وترك الوطء المباح ألج ِل ِه د يِلل ىلع أنه قربة(((‪.‬‬
‫ُّ َّ‬
‫السنة ما روي عن انليب صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫َ ومن‬
‫َُّ‬ ‫َّ ُ‬
‫وسلم أنه اعتكف العرش األواخر من رمضان حتىَّ توفاه اهلل‬
‫أزواجه من بعده(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تعاىل‪ ،‬ثم اعتكف‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وقد أمجعت األمة ىلع سنيته(((‪ ،‬وهو من الرشائع‬
‫ب يف لك وقت‪ ،‬سواء أكان يف‬ ‫القديمة‪ ،‬واالعتاكف ُم ْستَ َ‬
‫ح ٌّ‬
‫رمضان أم يف غريه‪ ،‬وهو يف العرش األواخر من رمضان أفضل‬
‫منه يف غريه؛ لطلب يللة القدر بالصالة والقراءة وكرثة ادلاعء‪،‬‬
‫َ‬ ‫يَ ۡ َ ُ ۡ َ‬
‫{للة ٱلق ۡدرِ خ رۡي‪ّ ٞ‬م ِۡن‬ ‫َفإنها أفضل يلايل السنة؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ۡ َ‬
‫أل ِف ش ۡه ٖر} [القدر‪ ،]3 :‬أي‪ :‬خري من العمل يف ألف شهر ليس‬
‫فيها يللة القدر‪ ،‬واجلمهور ىلع احنصارها يف العرش األخرية(((‪.‬‬
‫َْ‬
‫واجبًا عند نذ ِرهِ‪ ،‬بمعىن أن‬ ‫وقد يكون االعتاكف ِ‬
‫لعيَ‬
‫ينذر املسلم االعتاكف‪ ،‬كأن يقول‪ :‬هلل َّ أن أعتكف‪ ،‬أو‬
‫انلذر‪.‬‬ ‫نذرت االعتاكف هلل أو حنو ذلك بما يقع به َّ‬

‫((( املبسوط‪ ،‬الرسخيس (‪ ،)114/3‬ط دار املعرفة‪.‬‬


‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)713/2‬ومسلم (‪.)830/2‬‬
‫((( املجموع‪ ،‬اإلمام انلووي (‪ ،)501/6‬ط املطبعة املنريية‪.‬‬
‫((( مغين املحتاج‪ ،‬اخلطيب الرشبيين (‪.)189/2‬‬
‫‪ 53 ‬‬
‫ُ َ‬ ‫َّ‬
‫وأقل مد ٍة لالعتاكف يه ما ي ْطل ُق عليه اسم االعتاكف‬
‫ً‬
‫ُع ْرفا؛ وهذا ما ذهب إيله متأخرو احلنفية‪ ،‬والشافعية‪،‬‬
‫واحلنابلة؛ فإن االعتاكف يف اللغة يقع ىلع القليل والكثري‪،‬‬
‫ولم حيده الرشع بيشء خيصه فبيق ىلع أصله(((‪ ،‬لكن العلماء‬
‫ْ ترَ‬
‫يوما؛ يلخرج ِمن خالف َمن يَش ط‬ ‫استحبوا إتمام االعتاكف ً‬
‫ب دلاخل‬ ‫ح ُّ‬‫يوما فأكرث(((‪ ،‬كما نصوا ىلع أنه يُستَ َ‬ ‫االعتاكف ً‬
‫ُْ‬
‫ً‬
‫يسريا(((‪.‬‬ ‫املسجد َأن ينوي االعتاكف ولو اكن ُمكثه‬
‫َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫وأ َّ‬
‫لالعتاكف فال َحد هلا؛ قال انلووي‪:‬‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫أكرث‬ ‫ا‬‫م‬
‫ُ‬ ‫أل ْكثه‪ ،‬بل ُّ‬ ‫رُ‬ ‫كلُ َّ‬
‫يصح اعتاكف ُعمر‬ ‫رَِ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وال‬ ‫أفضل‪،‬‬ ‫اكن‬ ‫كث‬ ‫ما‬ ‫"و‬
‫اعتاكف العمر"(((‪.‬‬ ‫نذر‬ ‫ُّ‬
‫ويصح ُ‬ ‫اإلنسان مجيعه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫جمْ‬‫َ‬
‫العلماء ىلع أن ال حد‬ ‫ُ‬ ‫وقال ابن امللقن‪" :‬وأ َع‬
‫ألكرثه"(((‪.‬‬
‫ُ َْ‬ ‫ْ‬
‫كف بنفسه‪،‬‬ ‫وبداية االعتاكف ونهايته حيددها المعت ِ‬
‫فإن نوى اعتاكف مدة معلومة استُحب هل الوفاء بها بكماهلا‪،‬‬
‫فإن خرج قبل إكماهلا جاز؛ ألن اتلطوع ال يلزم بالرشوع‪ ،‬وإن‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ِّ‬
‫أطلق انلِّ َّية ولم يقدر شيئًا دام اعتاكفه ما دام يف املسجد(((‪.‬‬

‫((( املجموع (‪.)515/6‬‬


‫((( املجموع (‪.)513/6‬‬
‫((( نهاية املحتاج‪ ،‬الشمس الرميل (‪ ،)219/3‬ط دار الفكر‪.‬‬
‫((( املجموع (‪.)514/6‬‬
‫((( اإلعالم بفوائد عمدة األحاكم (‪ ،)430/5‬ط ‪ 1‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬سنة ‪1417‬ـه‪.‬‬
‫((( املجموع (‪.)514/6‬‬
‫‪ 54 ‬‬
‫ويستحب ملن أراد االعتاكف يف العرش األواخر من‬
‫رمضان أن يدخل املسجد قبل غروب الشمس من يللة‬
‫حب هل أن يبيت يللة‬ ‫احلادي والعرشين من رمضان‪ ،‬وي ُ ْستَ ُّ‬
‫العيد فيغدو إىل مصىل العيد من معتكفه يف املسجد‪ ،‬وإن‬
‫خرج قبل ذلك جاز‪.‬‬
‫َ‬
‫قال انلووي‪" :‬قال الشافيع واألصحاب‪ :‬ومن أراد‬
‫االقتداء بانليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف االعتاكف يف‬ ‫َ‬
‫العرش األواخر من رمضان فينبيغ أن يدخل املسجد قبل‬
‫غروب الشمس يللة احلادي والعرشين منه؛ ليك ال يفوته‬
‫َ‬
‫يشء منه‪ ،‬وخيرج بعد غروب الشمس يللة العيد‪ ،‬سواء ت َّم‬
‫الشهر أو نقص‪ ،‬واألفضل أن يمكث يللة العيد يف املسجد‬
‫حىت يصيل فيه صالة العيد‪ ،‬أو خيرج منه إىل املصىل لصالة‬
‫العيد إن صلوها يف املصىل"(((‪.‬‬
‫وماكن االعتاكف هو املسجد‪ ،‬فقد اتفقت املذاهب‬
‫يصح إال يف املسجد؛ لقوهل‬ ‫ُّ‬ ‫األربعة ىلع أن اعتاكف الرجل ال‬
‫َ اَ ُ َ ٰ ُ ُ َّ َ َ ُ ۡ َ ٰ ُ َ ۡ َ َٰ‬
‫جدِ} وإن اكن‬ ‫تعاىل‪{ :‬ول تب رِشوهن وأنتم عكِفون يِف ٱلمس ِ‬
‫األصل أن اإلخبار عن واقع احلال ال يفيد الرشطية‪ ،‬ولكن‬
‫ذكر املساجد هنا ال يصلح أن يكون علة ملنع املعتكف فيها‬
‫من مبارشة الزوجة؛ ألن هذه املبارشة ممنوعة ىلع املعتكف‬
‫خارج املسجد‪ ،‬وممنوعة ىلع غري املعتكف داخل املسجد‬
‫((( املجموع (‪.)516/6‬‬
‫‪ 55 ‬‬
‫رشطا لصحة االعتاكف(((‪ ،‬وقال‬ ‫أيضا‪ ،‬فتعَينَّ كون املساجد ً‬ ‫ً‬
‫القرطيب‪" :‬أمجع العلماء ىلع أن االعتاكف ال يكون إال يف‬
‫املسجد"(((‪.‬‬
‫واختلفوا يف املسجد اذلي يصح االعتاكف فيه‪،‬‬
‫أي مسجد‬ ‫فذهب املالكية والشافعية إىل جواز االعتاكف يف ِّ‬
‫َ اَ ُ َ ٰ ُ ُ َّ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫نت ۡم عٰكِفون يِف‬ ‫من املساجد؛ لقوهل تعاىل‪{ :‬ول تب رِشوهن وأ‬
‫َ‬
‫جدِ} فقد ع َّم اهلل املساجد لكها‪ ،‬ولم خيص منها شيئا‪،‬‬ ‫ٱل ۡ َم َ ٰ‬
‫س ِ‬
‫فال ديلل ىلع ختصيص بعضها باجلواز(((‪.‬‬
‫وذهب اإلمام أبو حنيفة واإلمام أمحد إىل اشرتاط‬
‫ً ًّ ُ َ‬
‫اعما تقام فيه الصلوات اخلمس وصالة‬ ‫كون املسجد جامعا‬
‫اجلماعة‪.‬‬
‫ً‬
‫واملسجد اجلامع وإن لم يكن مرشوطا لصحة‬
‫االعتاكف‪ ،‬فاالعتاكف فيه أفضل؛ للخروج من خالف من‬
‫أوجب االعتاكف فيه‪ ،‬ولكرثة اجلماعة فيه‪ ،‬ولالستغناء عن‬
‫اخلروج للجمعة(((‪.‬‬
‫وال جيوز للمعتكف اخلروج من املسجد‪ ،‬إال ملا ال بد‬
‫نزُ‬
‫هل منه‪ ،‬فإن خرج املعتكف من املسجد بال ُعذر ك هة‪ ،‬أو‬

‫((( مغين املحتاج (‪.)189/2‬‬


‫((( تفسري القرطيب (‪ ،)333/2‬ط دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1405‬ـه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املوطأ (‪ ،)313/1‬ط دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬مرص‪ ،‬ومغين املحتاج (‪.)189/2‬‬
‫((( مغين املحتاج (‪.)190/2‬‬
‫‪ 56 ‬‬
‫حرم عليه ذلك وانقطع اعتاكفه‪،‬‬ ‫أمر غري رضوري أو حايج ُ‬
‫أي‪ :‬بطل‪.‬‬
‫َّ‬
‫أما إذا خرج لعذر؛ فإن اكن خروجه لعذر معتاد‪،‬‬
‫كقضاء حاجة من بَ ْو ٍل واغئط‪ ،‬واكخلروج لليقء وغسل جناسة‪،‬‬
‫ووضوء وحنوه من الطهارة الواجبة‪ ،‬فله اخلروج ذللك‪ ،‬ولم‬
‫حيرم ولم ينقطع تتابع اعتاكفه؛ ألن لك ما سبق ذكره مما ال بد‬
‫ُْ‬
‫ك ُن فعل أغلبه يف املسجد‪ ،‬فلو بطل االعتاكف‬ ‫منه‪ ،‬وال يم ِ‬
‫خبروجه إيله لم يصح ألحد االعتاكف؛ وألن انليب صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم اكن يعتكف‪ ،‬وقد علمنا أنه اكن خيرج‬
‫لقضاء حاجته‪ ،‬روي عن السيدة اعئشة‪-‬ريض اهلل عنها‪ -‬أنها‬
‫قالت‪« :‬اكن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم إذا اعتكف يدين‬
‫ل رأسه فأرجله‪ ،‬واكن ال يدخل ابليت إال حلاجة اإلنسان»(((‪.‬‬ ‫إ يَ َّ‬
‫ِ‬
‫قال ابن املنذر‪" :‬وأمجعوا ىلع أن للمعتكف أن خيرج‬
‫عن معتكفه للغائط وابلول"(((‪.‬‬
‫إحياء ليلة القدر‪:‬‬
‫«م ْن قَ َ‬
‫ام‬ ‫قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪َ :‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ُ لهَ‬ ‫ليَ ْ َ َ ْ َ ْ َ ً ْ‬
‫يمانا َواح ِت َسابًا غ ِف َر ُ َما تقد َم ِم ْن ذن ِب ِه»(((‪ ،‬كما‬ ‫لة القد ِر ِإ‬

‫((( أخرجه ابلخاري‪ ،)714/2( :‬ومسلم (‪ ،)244/1‬واللفظ هل‪.‬‬


‫((( ينظر‪ :‬اإلمجاع البن املنذر (ص‪ ،)60‬ط‪ ،2‬مكتبة الفرقان‪ ،‬مكتبة مكة اثلقافية‪ ،‬دولة‬
‫اإلمارات العربية‪ ،‬سنة ‪1420‬ـه‪ ،‬واملغين البن قدامة ‪ ،68/3‬ط دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪.)672/2‬‬
‫‪ 57 ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َّبه صىل اهلل عليه وآهل وسلم ىلع ِعظ ِم خسارة َم ْن لم يغتنم‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َ َّ ْ َ ْ‬
‫الليلة‪ ،‬فقال‪ِ « :‬إن هذا الشه َر قد حَضرَ َ ك ْم‪َ ،‬و ِفي ِه‬ ‫َ‬ ‫فضل هذه‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫كلُ‬ ‫لخْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ليَ َ ٌ‬
‫ْلة خَيرْ ٌ ِم ْن أل ِف شه ٍر‪َ ،‬م ْن ُح ِر َم َها فقد ُح ِر َم ا َيرْ َ ه‪َ ،‬وال‬
‫وم»(((‪.‬‬ ‫يحُ ْ َر ُم خَيرْ َ َها إِلاَّ محَ ْ ُر ٌ‬
‫ٌ‬
‫ويللة القدر يه يللة من يلايل شهر رمضان‪ ،‬تزنل فيها‬
‫مقادير اخلالئق إىل السماء ادلنيا‪ ،‬ويستجيب اهلل فيها ادلاعء‪،‬‬
‫َّ‬
‫ويه الليلة اليت نزل فيها القرآن العظيم(((‪.‬‬
‫ُ َ َّ‬
‫فيها ما يكون‬ ‫ألنه ي ُق لُ ُّ َ‬
‫ر‬ ‫د‬ ‫وسميت يللة القدر بذلك؛‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ َۡ‬ ‫َّ َ‬
‫ِيم}‬ ‫يف تلك السنة؛ لقوهل تعاىل‪{ :‬فِيها يفرق ك أم ٍر حك ٍ‬
‫[الدخان‪ ،]4 :‬وقيل‪ :‬سميت به لعظم قدرها عند اهلل‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫لضيق األرض عن املالئكة اليت تزنل فيها‪ ،‬وقيل‪ :‬ألن‬
‫َْ‬
‫للطااعت فيها قد ًرا(((‪.‬‬
‫و ِم َّما جاء يف سبب تسمية هذه الليلة بـ "يللة القدر"‪:‬‬
‫َ‬ ‫قدر ُ‬ ‫َّ‬
‫املقادير‬ ‫اهلل تعاىل‬ ‫ما قيل للحسني بن الفضل‪ :‬أليس قد‬
‫يخَ ُ‬
‫قبل أن لق السماوات واألرض؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فما معىن‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ليَ َ َ ْ‬
‫"س ْوق املقادير إىل املواقيت‪ ،‬وتنفيذ القضاء‬ ‫ْل ِة القدر؟ قال‪:‬‬
‫ُ َ َّ‬
‫المقدر"‪ ،‬فاهلل تعاىل يُظهر األمور واألحاكم‪ ،‬واألرزاق واآلجال‪،‬‬
‫ويأمرهم بفعل ما هو من‬ ‫ُ‬ ‫السنَة ملالئكته‪،‬‬ ‫ولك ما يقع يف تلك َّ‬
‫وظيفتهم يف ذلك‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه يف سننه (‪ ،)526/1‬ط دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫((( معجم لغة الفقهاء (ص‪ ،)358‬ط‪ 2‬دار انلفائس‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1408‬ـه‪.‬‬
‫((( كشاف القناع عن منت اإلقناع (‪ ،)344/2‬ط دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ 58 ‬‬
‫وشفها عند اهلل‪،‬‬ ‫ت بذلك؛ ِلع َظم قَ ْدرها رَ َ‬ ‫وقيل‪ُ :‬س ِّميَ ْ‬
‫ِ‬
‫(((‪.‬‬‫اه‬ ‫أي‪َ :‬م لَ ٌة َو َ‬
‫ج‬ ‫كما يُقال‪ :‬لفالن قَ ْد ٌر عند األمري‪ْ ،‬‬
‫َّ ٓ َ َ ۡ‬ ‫نزِْ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وسماها اهلل تعاىل مباركة‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬إِنا أنزلنٰه يِف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ين} [الدخان‪ .]3 :‬ويه يللة القدر؛‬ ‫للَةٖ ُّم َبٰ َر َك ٍةۚ إنَّا ُك َّنا ُمنذِر َ‬
‫ِ‬ ‫يَ ۡ‬
‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫َّ ٓ َ َ ۡ َ ٰ ُ يَ ۡ َ ۡ َ‬
‫بديلل قوهل سبحانه‪{ :‬إِنا أنزلنه يِف للةِ ٱلقدرِ} [القدر‪. ]1 :‬‬
‫(((‬
‫ُ َ َ ُّ َ‬
‫ب َطلبُها يف مجيع يلايل رمضان‪ ،‬ويف العرش‬ ‫ويستح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الوتر منه آكد؛ فقد قال انليب صىل‬ ‫يلايل‬ ‫ويف‬ ‫د‪،‬‬ ‫آك‬ ‫األواخر‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫تحَ َ َّ ِ ْ ليَ ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫ش‬
‫وسلم‪ « :‬روا لة القد ِر يِف ال ِوت ِر ِمن الع رِْ‬ ‫اهلل عليه وآهل‬
‫‪.‬‬ ‫»‬
‫َ‬
‫ان‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫الأْ َ َواخر ِم ْن َ‬
‫ر‬ ‫ِ ِ‬
‫(((‬

‫ُ‬ ‫َ ْ ىَ‬
‫واختلف أهل العلم يف أرج هذه الليايل‪ ،‬فروي أنها‬
‫ليَ َ ُ‬ ‫وروي ً‬ ‫إح َدى وعرشين‪ُ ،‬‬ ‫ليَ ْ َ ُ ْ‬
‫ثالث وعرشين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا أنها ْلة‬ ‫ليَل ْةَ ُ َ‬
‫وعِرشين‪ ،‬و ْليَلَ ُة َسبعْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫((( ْليَ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫و لة أرب ٍع وعِرشين ‪ ،‬و لة خـم ٍس‬
‫ََ ْ‬ ‫ُ ليَ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫وعشين‪ ،‬وليَ ْلَ ُة ت ْ‬
‫وآخر ل ٍة‪ ،‬فقد وردت يف‬ ‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ين‬ ‫ش‬‫ِ ٍ ٌ رِْ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫كلُ ِّ ِ رِْ‬
‫ينْ‬ ‫ُ‬ ‫جمَ‬ ‫َّ‬
‫أهل العلم َب َ هذه‬ ‫يايل ْ َ ِر ُواياتليَ‪ ،‬و ع رْبعض ِ‬
‫َ ََ‬ ‫هذه الل‬
‫العش‪.‬‬ ‫الروايات بأنها تَنتقل يف ايل َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاَ َ َ َ‬ ‫ُّ‬
‫الشافيع‪-‬ريض اهلل عنه‪ " :-‬ن هذا‬ ‫قال اإلمام‬
‫َ َ كاَ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ لىَّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ي‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن انليب ص اهلل علي ِه وآلهِِ وسلم ن‬ ‫ِعن ِد‬

‫((( املرجع السابق‪.‬‬


‫((( كشاف القناع عن منت اإلقناع (‪.)344/2‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪.)710/2‬‬
‫ش َ‬ ‫ُْ َ ُْ ْ ُ‬
‫آن َأل ْر َبع َوع رِْ‬
‫ين‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫«أ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أنه‬ ‫وسلم‬ ‫وآهل‬ ‫عليه‬ ‫اهلل‬ ‫((( ألنه روي عن انليب صىل‬
‫َ‬ ‫َخلَ ْ‬
‫ت ِم ْن َر َم َضان»‪ .‬أخرجه أمحد بن حنبل يف مسنده (‪.)107/4‬‬
‫‪ 59 ‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ علَىَ نحَ ْ‬
‫ِو َما ي ُ ْسأل"‪ .‬فعىل هذا اكنت يف بعض السنني يللة‬ ‫يجُِ يب‬
‫َ‬
‫ثالث وعرشين‪ ،‬ويف بعضها‬ ‫ٍ‬ ‫إحدى وعرشين‪ ،‬ويف بعضها يللة‬
‫يللة سبع وعرشين‪ ،‬وقد تُرى عالمتُ‬ ‫َ‬
‫الليايل‪.‬‬ ‫هذه‬
‫َّ ْ َ َ علَىَ ُ‬ ‫غري‬ ‫يف‬ ‫ها‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ َ ُ َ لىَ َ‬
‫األم ِة؛‬ ‫اهلل ت َعا ه ِذه الليلة‬ ‫قال بعض أهل العلم‪ :‬أبهم‬
‫الش ْهر كلُ ِّه َط َمعاً‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫يِلَجت ِهدوا يِف طل َِبها‪ ،‬ويجَِ دوا يِف ال ِعباد ِة يِف لجْ ِ ِ‬
‫َُُ ُ ْ‬ ‫اع َة َ‬ ‫خىف َس َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ‬
‫ثوا‬ ‫ك رِ ُ‬ ‫اإلجابَ ِة يِف يَ ْومِ ا مع ِة؛ يِل‬ ‫َ‬ ‫يِف ِإدرا ِكها‪ ،‬كما أ‬
‫اس َم ُه األع َظ َم ف ْ‬ ‫ْ‬ ‫ادلعاَ ء ف اليْ َ ْو ه‪َ ،‬وأخىف ْ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫كلُ‬
‫األس َماءِ‪،‬‬ ‫َيِ‬ ‫َ‬ ‫مِ ِ‬ ‫ِ يِ‬
‫م َن ُّ‬
‫ِ‬
‫خىف األ َج َل َوقيَامَ‬ ‫جمَ ْ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫و ِرضاه يِف الطا ِت؛ يِلجت ِهدوا يِف ِعها‪ ،‬وأ‬ ‫عاَ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اع ِة‪ ،‬يِلَج َّد َّ‬
‫اس يِف ال َع َم ِل‪َ ،‬حذ ًرا ِمن ُهما(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫انل ُ‬
‫ِ‬
‫الس َ‬ ‫َّ‬
‫عالمات يللة‬ ‫بيَُ‬ ‫وقد ورد يف احلديث الرشيف أنه من‬
‫القدر أن تطلع الشمس ال شعاع هلا‪ ،‬فقد ورد عن أ ِّ بن‬
‫القدر كما َأخرب انليب صىل اهلل‬ ‫كعب يف ذكر عالمة يللة‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ ََ‬
‫عليه وآهل وسلم أصحابه أن أمارتها «أن تطلع الشمس يِف‬
‫ُ َ َ‬ ‫يح ِة يَ ْو ِم َها َبيْ َض َ‬
‫اء ال ش َعاع ل َها»(((‪ .‬ويف بعض األحاديث‪:‬‬ ‫َصب َ‬
‫َ َِ‬
‫َّ َ َ ْ ٌ » (((‬
‫وآهل وسلم‬ ‫«كأنها طست ‪ .‬وروي عن انليب صىل اهلل عليه‬
‫ار ٌة َولاَ بَار َد ٌة‪َ ،‬كأَ َّن فيهاَ‬ ‫ج ٌة((( لاَ َح َّ‬ ‫«ه َطلْ َق ٌة((( بَلْ َ‬ ‫أنه قال‪ :‬يِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((( ينظر‪ :‬املغين البن قدامة (‪.)62 ،61/3‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)525/1‬‬
‫حناس أبيض‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫طست‬ ‫كأنها‬ ‫واملعىن‪:‬‬ ‫(‪،)130/5‬‬ ‫مسنده‬ ‫يف‬ ‫حنبل‬ ‫((( أخرجه أمحد بن‬
‫(اتليسري برشح اجلامع الصغري ‪ ،646/2‬ط‪ 3‬مكتبة اإلمام الشافيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬سنة ‪1408‬ـه)‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أي‪َ :‬طيِّبة ال َح َّر فيها وال بَ ْرد (تاج العروس ط ل ق)‪ ،‬ووصفتها روايات أخرى بأنها‪:‬‬
‫((( ْ‬
‫ْ‬
‫سمحة صافية‪.‬‬
‫((( أي‪ :‬مرشقة (فيض القدير ‪ ،)504/5‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1415‬ـه‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪ 60 ‬‬
‫َ َ ً َ ْ َ ُ َ َ َ َ لاَ يخَ ْ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َتىَّ يخَ ْ َ ْ َ‬
‫ُر َج فج ُرها»(((‪.‬‬ ‫رج شيطانها ح‬ ‫قمرا يفضح كوا ِكبها‬
‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫شيَ‬ ‫َّ‬ ‫كلُ‬ ‫َّ ْ‬
‫اجدا‪،‬‬ ‫ٍء ْس ِ‬ ‫وقيل‪ :‬إن ال ُم َّط ِل َع ىلع يللة القدر يَ َرى‬
‫ََ‬ ‫َتىَّ‬ ‫َ َ َ ً كلُ ِّ َ كاَ‬ ‫َ‬
‫اض ِع‬ ‫م ٍن ح يِف المو ِ‬ ‫اطعة َيف‬ ‫وقيل‪ :‬ي َرى األنوار س ِ‬
‫الما أ ْو ِخ َطابًا ِم َن املالئكة‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫ال ْ ُم ْظل َمة‪ .‬وقيل‪ :‬ي َ ْس َم ُع َس ً‬
‫ِ‬
‫جابَ ُة دُعاَ ء َم ْن ُو ِّف َق لَها‪َ.‬‬ ‫َ‬ ‫المات َها استْ‬ ‫م ْن َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لهُ‬ ‫َ‬
‫وال ينبيغ أن يُعتقد أن يللة القدر ال ينا ا إال من رأى‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫قائم تلك الليلة لم‬ ‫هلل تعاىل واسع‪ ،‬ورب ٍ‬ ‫اخلوارق‪ ،‬بل فضل ا ِ‬
‫َ‬ ‫يحَ‬
‫خارق‪ ،‬وآخ َر رأى‬ ‫رؤي ِة ِ‬ ‫ُصل منها إال ىلع العبادة من غري‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اخلوارق ِم ْن غري عبادة‪ ،‬واذلي َح َصل ىلع العبادة أفضل‪،‬‬
‫والعربة إنما يه باالستقامة‪ ،‬خبالف اخلارقَة‪ ،‬فإنها قد َت َقعُ‬ ‫ُِ‬
‫ِ ِ‬
‫ً َْ ََ ْ ً‬
‫كرامة‪ ،‬وقد تق ُع فِتنَة(((‪.‬‬
‫ويستحب أن جيتهد املسلم فيها بادلاعء‪ ،‬ويدعو بما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اعئشة ِّ‬
‫عنها‪ ،‬أنها قالت‪ :‬يَا َر ُسول‬ ‫َ‬ ‫اهلل‬ ‫ريض‬ ‫املؤمنني‬ ‫أم‬ ‫َ‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫ورد‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ْلة القدر ب َم أدعو؟ قال‪« :‬تقول َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ليَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت إن َوافق ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اللِ‪ ،‬أ َرأي َ‬ ‫هَّ‬
‫ني‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ َّ َّ َ َ ُ ٌّ ُّ ْ ْ َ ْ ُ َ‬
‫ب ال َعف َو فاعف ع يِّن»(((‪.‬‬ ‫اللهم إِنك عفو تحُِ‬
‫ال ُع ْمرة‪:‬‬
‫ُ ِّ‬ ‫َ َّ ً‬ ‫َْ‬
‫ويه تع ِدل حجة يف اثلواب إذا أديت يف رمضان –‬
‫ال أنها تقوم مقامها يف إسقاط الفرض‪ -‬قال رسول اهلل صىل‬

‫((( أخرجه ابن حبان يف صحيحه (‪ ،)437/8‬ط‪ 2‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1414‬ـه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬نيل األوطار (‪ ،)330 ،329/4‬ط دار احلديث‪.‬‬
‫((( أخرجه أمحد بن حنبل يف مسنده (‪.)208/6‬‬
‫‪ 61 ‬‬
‫ً‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ُ ٌ‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬ع ْم َرة يِف َر َم َضان تع ِدل َح َّجة»(((‪ ،‬ويف‬
‫ُ‬ ‫َ ً‬
‫الع ْم َرة هذا‬
‫"حديث ُ‬ ‫«ح َّجة ميع»‪ ،‬قال ابن العريب‪:‬‬ ‫رواية‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت العمرة مزنلة‬ ‫صحيح‪ ،‬وهو فضل من اهلل ونِعمة‪ ،‬فقد أدرك ِ‬
‫احلج بانضمام رمضان إيلها"‪ ،‬فثواب األعمال يزيد بزيادة‬
‫رشف الوقت‪ ،‬أو خلوص القصد‪ ،‬أو حضور قلب العامل(((‪.‬‬
‫اإلكثار من فعل النوافل‪:‬‬
‫فإن الطاعة يف شهر رمضان هلا َم ِز َّية‪ ،‬وثوابها فيه‬
‫َ ََ‬
‫«م ْن تق َّر َب ِفي ِه‬ ‫مضاعف‪ ،‬قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫يما س َواه‪ُ،‬‬ ‫يض َة ف َ‬ ‫َ ْصلَة م ْن خ َصال الخْ َ كاَ َن َك َم ْن أَ َّدى الْ َفر َ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٍ َّ ِ ِ َ ِ ًيرِْ‬
‫كاَ‬
‫بخِ‬
‫ني فريضة فيماَ‬ ‫َ‬ ‫يضة ن ك َم ْن أدى َسبع َ‬ ‫َو َم ْن أدى فيه فر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ِّ ْ‬
‫القلب واجلوارح‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِس َو ُاه»(((‪ ،‬ومن انلوافل كرثة اذلكر‪َ ،‬فإنه ينري‬
‫يح ٍة يِف‬ ‫ان أفْ َض ُل م ْن ألْف ت َ ْسب َ‬ ‫َْ َ ٌ ََ َ َ‬
‫قال الزهري‪" :‬تس ِبيحة يِف رمض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫غيرِْهِ"(((‪.‬‬

‫‪‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ 631/2‬رقم ‪ ،)1690‬ومسلم (‪ 917/2‬رقم ‪.)1256‬‬


‫((( ينظر‪ :‬فتح ابلاري البن حجر (‪.)605 ،604/3‬‬
‫((( أخرجه ابن خزيمة يف صحيحه (‪.)191/3‬‬
‫((( أخرجه الرتمذي يف سننه (‪ ،)514/5‬وابن أيب شيبة يف مصنفه (‪.)137/7‬‬
‫‪ 62 ‬‬
‫فتاوى متعلقة بالصوم‬
‫فتاوى متعلقة باألحكام العامة‬
‫س‪ :‬ما مرشوعية التهنئة بقدوم شهر رمضان؟‬
‫نظرا لفضل هذا الشهر العظيم‪ ،‬وعموم‬ ‫اجلواب‪ً :‬‬
‫الرمحة فيه‪ ،‬وكرثة املنن اليت يمنها اهلل تعاىل فيه ىلع عباده‪،‬‬
‫بعضهم ً‬ ‫انلاس ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫بعضا بقدومه‪ ،‬واتلهنئة‬ ‫اكن حقيقا بأن يهنئ‬
‫ٌ‬
‫ومندوب إيلها‪ ،‬قال‬ ‫باألعياد والشهور واألعوام مرشوعة‬
‫َ َ ٰ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ َُ‬ ‫ٱلل َوب َر مَۡ‬ ‫هَّ‬ ‫ُۡ َ ۡ‬
‫حتِهِۦ فبِذل ِك فليفرحوا هو‬ ‫ِ ِ‬ ‫تعاىل‪{ :‬قل بِفض ِل‬
‫َ‬ ‫جَ ۡ‬ ‫َ‬
‫خ رۡي‪ّ ٞ‬م َِّما ي َم ُعون} [يونس‪ ،]58 :‬واتلهنئة َمظ َه ٌر من مظاهر‬
‫ْ‬
‫الفرح‪ ،‬وجاء يف القرآن الكريم تهنئة املؤمنني ىلع ما ينالون‬
‫ِيۢا ب َما ُك ُ‬
‫نت ۡم‬ ‫‍‬
‫ٔ‬ ‫ٱش ُبوا ْ َهن ٓ َ‬
‫{كُوا ْ َو رَۡ‬
‫لُ‬
‫من نعيم‪ ،‬وذلك يف قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ت ۡع َملون} [الطور‪ ،]19 :‬واكن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ِّ‬
‫يهنئ أصحابه بقدوم شهر رمضان‪ ،‬فعن أيب هريرة‪-‬ريض اهلل‬
‫ش‬ ‫اهلل َعلَيْ ِه َوآلهِِ َو َسلَّ َم يُبَ رِّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ لىَّ‬
‫هلل ص‬
‫كاَ َ َ ُ ُ‬
‫َعنه‪ -‬قال‪ :‬ن رسول ا ِ‬
‫ان‪َ ،‬ش ْه ٌر ُمبَ َ‬ ‫َ َ ُ ْ ََ َ ُ‬ ‫ْ َ ُ َُ‬
‫ار ٌك»(((‪.‬‬ ‫حابَه يقول‪« :‬جاءكم رمض‬ ‫أص‬
‫نص العلماء ىلع استحباب اتلهنئة بانلعم ادلينية‬ ‫وقد َّ‬
‫َّ َ ْ‬
‫إذا جتددت‪ ،‬فقال احلافظ العرايق الشافيع‪« :‬تستحب املبادرة‬

‫((( أخرجه النسايئ (‪ ،)129/4‬وأمحد بن حنبل يف مسنده (‪ ،)230/2‬وإسحاق بن راهويه‬


‫يف مسنده (‪.)73/1‬‬
‫‪ 63 ‬‬
‫تلبشري من جتددت هل نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بلية‬
‫ظاهرة»(((‪.‬‬
‫وقال ابن حجر اهليتيم‪« :‬إنها مرشوعة»‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫«وحيتج لعموم اتلهنئة ملا حيدث من نعمة أو يندفع من نقمة‬
‫بمرشوعية سجود الشكر‪ ،‬واتلعزية‪ ،‬وبما يف الصحيحني عن‬
‫كعب بن مالك ريض اهلل عنه يف قصة توبته ملا ختلف عن‬
‫غزوة تبوك أنه ملا برش بقبول توبته ومىض إىل انليب صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم قام إيله طلحة بن عبيد اهلل ريض اهلل عنه‬
‫فهنأه»(((‪.‬‬
‫وكذلك نقل القليويب عن ابن حجر أن اتلهنئة باألعياد‬
‫والشهور واألعوام مندوبة(((‪ .‬قال ابليجوري‪« :‬وهو املعتمد»(((‪.‬‬
‫وقال أبو عبد اهلل ابن مفلح املقديس احلنبيل‪:‬‬
‫«تستحب اتلهنئة ب ِن َع ٍم دينية جتددت؛ لقصة كعب بن مالك‬
‫َّ َ‬
‫ريض اهلل عنه‪ ،‬ويف الصحيحني أنه ملا أنزل اهلل‪{ :‬إِنا ف َت ۡح َنا‬
‫َ َ‬
‫ك َف ۡت ٗحا ُّمب ٗ‬
‫ينا} [الفتح‪ ]1 :‬قال أصحاب انليب صىل اهلل عليه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وآهل وسلم‪ :‬هنيئا مريئا»(((‪.‬‬

‫((( طرح اتلرثيب (‪.)69/8‬‬


‫((( مغين املحتاج إىل معرفة ألفاظ املنهاج (‪ ،)596/1‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬وحديث‬
‫كعب بن مالك أخرجه ابلخاري (‪ ،)1603/4‬ومسلم (‪.)2120/4‬‬
‫((( حاشيتا قليويب وعمرية (‪ ،)359/1‬ط دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫((( حاشية ابليجوري ىلع رشح ابن قاسم الغزي (‪ ،)224 /1‬ط عيىس احلليب‪.‬‬
‫((( اآلداب الرشعية واملنح املرعية (‪ ،)229/3‬واحلديث أخرجه ابلخاري (‪،)1530/4‬‬
‫ومسلم (‪.)1413/3‬‬
‫‪ 64 ‬‬
‫إجابة املهنِّئ وتهنئتَ‬ ‫ُ‬ ‫وت ُ َس ُّ‬
‫منها؛‬
‫ٓ َ‬ ‫أحسن‬ ‫أو‬ ‫بمثلها‬ ‫ه‬
‫َ ُ ّ ُ َ َّ َ َ ْ َ‬ ‫ن‬
‫ح ُّيوا بِأ ۡح َس َن م ِۡن َها أ ۡو‬ ‫حي ٖة ف‬‫لقوهل تعاىل‪ِ{ :‬إَوذا حيِيتم بِت ِ‬
‫ش ٍء َحس ً‬ ‫ك يَ ۡ‬‫ُ ُّ َ ٓ َّ هََّ اَ َ لَ ىَ ٰ لُ ّ‬
‫ِيبا} [النساء‪.]86 :‬‬ ‫ردوها ۗ إِن ٱلل كن ع ِ‬
‫س‪ :‬ما هي طرق إثبات دخول شهر رمضان الكريم؟‬
‫اجلواب‪ :‬يثبت دخول شهر رمضان كغريه من األشهر‬
‫َ‬
‫العربية القمرية برؤية اهلالل‪ ،‬وي ُ ْستَ ْطلع بغروب شمس يوم‬
‫اتلاسع والعرشين من شهر شعبان‪ ،‬فإذا تمت رؤية اهلالل فقد‬
‫بدأ شهر رمضان‪ ،‬وإذا لم تتم رؤيته فيجب إكمال شهر شعبان‬
‫ْ‬ ‫«ص ُ‬ ‫ثالثني ً‬
‫يوما؛ لقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ُ :‬‬
‫وموا ل ِ ُرؤ َي ِت ِه‪،‬‬
‫َّ َ َ ْ َ‬ ‫َ ُ ََ ْ ُ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫َوأف ِط ُروا ل ِ ُرؤ َي ِت ِه‪ ،‬ف ِإن غبيِّ َ َعليْك ْم فأك ِملوا ِعدة شعبَان‬
‫َ (((‪ ،‬وبهذه الطريقة ً‬ ‫َ‬
‫أيضا يثبت دخول شهر شوال‪.‬‬ ‫ثال ِثني»‬
‫واالعتماد ىلع الرؤية ابلرصية هو األصل رشاع‪ ،‬مع‬
‫االستئناس باحلساب الفليك؛ إذ املختار للفتوى أن احلساب‬
‫ْ‬ ‫َْ‬
‫الفليك ينيف وال يُث ِبت‪ ،‬فيؤخذ به يف نيف إماكنية طلوع اهلالل‬
‫وال عربة بدعوى الرؤية ىلع خالفه‪ ،‬وال يعتمد عليه يف‬
‫اإلثبات‪ ،‬حيث يؤخذ يف إثبات طلوع اهلالل بالرؤية ابلرصية‬
‫عندما ال يمنعه احلساب الفليك‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ )27/3‬واللفظ هل‪ ،‬ومسلم (‪.)762/2‬‬


‫‪ 65 ‬‬
‫ُْ‬
‫فإذا نىف احلساب إماكن الرؤية فإنه ال تقبَل شهادة‬
‫الشهود ىلع رؤيته حبال؛ ألن الواقع اذلي أثبته العلم الفليك‬
‫َ ِّ‬
‫القطيع يُكذبهم‪.‬‬
‫جمَ‬
‫ويف هذا ْ ٌع بني األخذ بالرؤية ابلرصية وبني األخذ‬
‫بالعلوم الصحيحة سواء اتلجريبية أو العقلية‪ ،‬والكهما أمرنا‬
‫الرشع بالعمل به‪ ،‬وهو ما اتفقت عليه قرارات املجامع‬
‫الفقهية اإلسالمية‪.‬‬
‫فرضا عىل الفتى أن يصوم؟ وما هي السن‬ ‫س‪ :‬متى يكون ً‬
‫الرشعية لوجوب صوم الفتى والفتاة؟‬
‫اجلواب‪ :‬الصيام ركن من أراكن اإلسالم اخلمس َلقوهل‬
‫َ َ َ ْ لاَ‬ ‫ُ َ ْ لاَ ُ علَىَ خمَ‬
‫ْ ٍس‪ :‬شهاد ِة أن‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم‪ « :‬بن اإلس م‬
‫َّ كاَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ لاَ‬ ‫ِلهَ َ ِلاَّ هَّ ُ َ َ َّ محُ َ َّ ً َ ُ يِ ُ هَِّ َ َ‬
‫إ إ الل وأن مدا رسول اللِ‪ ،‬وإِقامِ الص ِة‪ ،‬وإِيتا ِء الز ِة‪،‬‬
‫َ‬ ‫لحْ‬
‫َوا َ ِّج‪َ ،‬و َص ْومِ َر َم َضان»(((‪ .‬واملسلم خماطب وملكف من وقت‬
‫بلوغه أن يلزتم بهذه األراكن اليت منها صيام شهر رمضان‪،‬‬
‫ويكون ابللوغ للفىت باالحتالم وللفتاة بظهور احليض‪ ،‬فإن‬
‫لم يظهر ذلك منهما فببلوغ مخس عرشة سنة قمرية للكيهما‪.‬‬
‫س‪ :‬هل اإلفطار يف رمضان يكون بمدفع اإلفطار أم باألذان؟‬
‫اجلواب‪ :‬أذان املغرب عالمة ُوضعت لدلاللة ىلع‬
‫غروب الشمس‪ ،‬والفطر للصائم يكون بغروب الشمس‪،‬‬
‫((( سبق خترجيه ص ‪.4‬‬
‫‪ 66 ‬‬
‫فال جيوز الفطر قبل‬ ‫فإذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم‪ً ،‬‬
‫حىت ولو أذن املؤذن خطأ للمغرب أو أطلق‬ ‫غروب الشمس ً‬
‫مدفع َاإلفطار خطأ قبل غروب الشمس‪ ،‬فقد قال تعاىل‪:‬‬
‫ٱل ِل} [البقرة‪ ]187 :‬فالعربة بغروب‬ ‫ام إ ِ ىَل يَّ ۡ‬ ‫ْ ّ‬
‫ٱلص َي َ‬ ‫ُ‬
‫{ث َّم أت ُِّموا ِ‬
‫اب‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ ََ ْ‬
‫فعن عمر ب َ ِن اخل َّط ِ‬ ‫الشمس ال باألذان وال بمدفع اإلفطار‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫لىَّ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ هَّ‬
‫اهلل علي ِه َو َسل َم‪:-‬‬ ‫ُ‬ ‫اللِ َ‬
‫‪-‬ص‬ ‫‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رس َول‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ُ ْ َ ُ‬
‫ت‬ ‫«إِذا أقبل اللي َل ِمن ها هنا‪ ،‬وأدبر انلهار ِمن ها هنا‪ ،‬وغرب ِ‬
‫الصائِ ُم» أخرجه ابلخاري يف صحيحه‪.‬‬ ‫الش ْم ُس َف َق ْد أ ْف َط َر َّ‬
‫َّ‬

‫س‪ :‬هل الفطر يكون قبل صالة املغرب أم بعدها؟‬


‫َ اجلواب‪ :‬يستحب أن يكون الفطر قبل صالة املغرب‪،‬‬
‫ُ هَّ‬ ‫كاَ َ‬ ‫َ‬
‫فعن أن ِس ب ْ ِن َمال ِ ٍك ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬قال‪َ « :‬ن َر ُسول اللِ‬
‫َ لىَّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ُ ْ ُ علَىَ ُ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ يِّ َ َ ْ‬
‫ل‪ ،‬ف ِإن‬ ‫ات قبل أن يص‬‫‪-‬ص اهلل علي ِه وسلم‪ -‬يف ِطر رطب ٍ‬
‫ات‬ ‫َ ْ َْ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ ٌ َ َ لىَ َ َ َ‬
‫ات‪ ،‬ف ِإن لم تكن حسا حسو ٍ‬ ‫لم تكن رطبات‪ ،‬فع تمر ٍ‬
‫ِم ْن َماءٍ» أخرجه أبو داود يف سننه‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم من أكل أو رشب ناس ًيا وهو صائم؟ وهل هناك‬
‫فرق بني صوم الفرض والنفل؟‬
‫اجلواب‪ :‬املفىت به أن من أكل أو رشب ناسيًا يف نهار‬
‫رمضان أو يف صيام اتلطوعَ ال يبطل صومه‪ ،‬وال جيب عليه‬
‫َََُْ َ َ ُ َُْ َ َ‬ ‫القضاء وال الكفارة‪َ ،‬‬
‫اهلل عنه‪ -‬قال‪:‬‬ ‫فع ْن أ يِب هريرة ‪-‬ر يِض‬
‫َ لىَّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ َ َُ ُ‬
‫س َوه َو َصائِ ٌم‪،‬‬‫هلل ‪-‬ص اهلل علي ِه وسلم‪« :-‬من ن يِ‬‫قال رسول ا ِ‬
‫‪ 67 ‬‬
‫َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ‬
‫اهلل َو َسق ُاه» أخرجه‬ ‫شب‪ ،‬فلي ِتم صوم َه‪ ،‬ف ِإنما أطعمه‬ ‫فَأَ َك َل أَ ْ‬
‫و‬
‫رَِ‬
‫الل َعنْ ُه‪ -‬أيضاً‬ ‫ض هَّ ُ‬ ‫‪-‬ر يِ َ‬ ‫وع ْن أب ُه َريْ َر َة َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫صحيحه‪ ،‬لىَّ يِ‬‫هَّ‬ ‫ُ‬
‫مسلم يف‬
‫َ َ َ َ‬
‫اهلل َعليْه َو َسل َم‪« :-‬إذا أكل َّ‬
‫الصائِ ُم‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬ص‬ ‫اللِ َ‬ ‫قال‪ :‬ق َال َر ُسول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الل إِليَ ْ ِه‪َ ،‬ولاَ قَ َض َ‬
‫اء‬ ‫نَاسيًا أ ْو ش َب نَاسيًا فَإ َّن َما ُه َو ر ْز ٌق َساقَ ُه هَّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫رَِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َعلي ِه» أخرجه ادلارقطين يف سننه‪.‬‬
‫فهذه األحاديث الرشيفة أدلة ىلع أن الصائم إذا أكل‬
‫يتم صومه‪ ،‬وال قضاء عليه‪ ،‬ويومه‬ ‫أو رشب ناسيًا فعليه أن َّ‬
‫اذلي أتم صيامه صحيح وجيزئه‪ ،‬وال فرق يف ذلك بني صيام‬
‫انلفل والفريضة‪ ،‬وهذا هو ما ذهب إيله مجهور الفقهاء من‬
‫احلنفية والشافعية واحلنابلة‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم الصيام يف دول الشامل «اإلسكندنافية»؛ حيث يمتد‬
‫اليوم بحيث يكون الفرق بني الغروب والفجر يف جنوب البالد‬
‫حوايل الساعتني‪ ،‬ويف شامل البالد يمتد اليوم إىل ‪ 24‬ساعة ال‬
‫تنزل فيها الشمس مطل ًقا؟‬
‫ُ ترَ‬
‫المق َ ُح ألهل تلك ابلالد‪ :‬أن يسري تقدير الصوم‬
‫عندهم ىلع مواقيت مكة املكرمة؛ حيث إن اهلل قد عدها َّ‬
‫أم‬
‫القرى‪ ،‬واألم يه األصل‪ ،‬ويه مقصودة ً‬
‫دائما؛ ليس يف القبلة‬
‫فقط‪ ،‬بل يف تقدير املواقيت إذا اختلت‪.‬‬
‫ًّ‬
‫أما اتلقدير بأقرب ابلالد فهو تقدير مضطرب جدا‪،‬‬
‫والقائلون به يشرتطون سهولة معرفة احلساب ادلقيق ألقرب‬
‫لاً‬
‫ابلدلان اعتدا من غري مشقة أو اضطراب يف ذلك‪ ،‬وذلك‬
‫‪ 68 ‬‬
‫املسلم يف حَيرْ َ ٍة‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫دخل‬ ‫ي‬ ‫إنه‬ ‫بل‬ ‫واملمارسة‪،‬‬ ‫باتلجربة‬ ‫ف‬ ‫لكُّه ُمنْتَ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َيرْ‬ ‫َّ‬
‫أشد ِمن ح تِه األوىل؛ وهذا ما داع فضيلة اإلمام األكرب‬
‫شيخ األزهر األسبق الشيخ جاد احلق إىل امليل إىل استبعاده‬
‫خيارا ثانيًا‪ ،‬داعيًا أهل ابلالد اليت يطول فيها‬ ‫ً‬ ‫بعد أن ذكره‬
‫انلهار إىل العمل بمواقيت مكة املكرمة أو املدينة املنورة‬
‫فقال رمحه اهلل تعاىل‪ :‬״وقد يتعذر معرفة احلساب ادلقيق‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لاً‬
‫ألقرب ابلالد اعتدا إىل الرنويج‪ ،‬و ِمن ث َّم أميل إىل دعوة‬
‫املسلمني املقيمني يف هذه ابلالد إىل صوم عدد السااعت اليت‬
‫يصومها املسلمون يف مكة أو املدينة‪ ،‬ىلع أن يبدأ الصوم من‬
‫طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم ىلع األرض‪ ،‬دون نظر‬
‫أو اعتداد بمقدار سااعت الليل أو انلهار‪ ،‬ودون توقف يف‬
‫الفطر ىلع غروب الشمس أو اختفاء ضوئها بدخول الليل‬
‫لاً‬
‫فع ؛ وذلك اتباعاً ملا أخذ به الفقهاء يف تقدير وقت الصالة‬
‫لاً‬ ‫ً‬
‫استنباطا من حديث ادلجال سالف اذلكر‪ ،‬وامتثا‬ ‫والصوم‪،‬‬
‫ألوامر اهلل وإرشاده يف القرآن الكريم رمحة بعباده״ اـه‪.‬‬
‫وإىل إجازة اتلقدير بمواقيت مكة املكرمة يف صوم‬
‫أهل ابلالد اليت يطول نهارها ويقرص يللها ذهب مجاعة من‬
‫بدءا ِمن‬ ‫كبار أهل العلم يف العرص احلديث إىل يومنا هذا؛ ً‬
‫مفيت ادليار املرصية فضيلة األستاذ اإلمام الشيخ حممد عبده‬
‫َّ‬
‫‪-‬رمحه اهلل‪ -‬وقد قدم هذا الرأي يف اذلكر ىلع غريه وجعله من‬
‫ُ‬
‫أقوال الفقهاء يف املسألة كما سبق نقله عنه‪ ،‬وهذا هو اذلي‬
‫‪ 69 ‬‬
‫بدءا من فضيلة الشيخ‬‫بعد؛ ً‬‫اعتمدته دار اإلفتاء املرصية فيما ُ‬
‫اإلمام جاد احلق يلع جاد احلق [فتوى رقم ‪ 214‬لسنة ‪1981‬م]‪،‬‬
‫ومرورا بفضيلة الشيخ عبد اللطيف محزة [فتوى رقم ‪160‬‬ ‫ً‬
‫لسنة ‪1984‬م]‪ ،‬وفضيلة الشيخ اإلمام األستاذ ادلكتور حممد‬
‫سيد طنطاوي [فتوى رقم ‪ 171‬لسنة ‪1993‬م‪ ،‬ورقم ‪ 579‬لسنة‬
‫‪1995‬م]‪ ،‬وفضيلة األستاذ ادلكتور الشيخ نرص فريد واصل‬
‫[فتوى رقم ‪ 438‬لسنة ‪1998‬م]‪ ،‬وفضيلة األستاذ ادلكتور يلع‬
‫مجيعا ىلع‬‫ً‬ ‫مجعة [فتوى رقم ‪ 1256‬لسنة ‪] 2010‬؛ حيث ُّ‬
‫نصوا‬
‫ذلك يف فتاواهم املذكورة‪ .‬وهو رأي فضيلة الشيخ األستاذ‬
‫ادلكتور حممد األمحدي أبو انلور وزير األوقاف األسبق‬
‫وعضو جممع ابلحوث اإلسالمية عن جلنة الفتوى باألزهر‬
‫لاَّ‬
‫الصادر بتاريخ ‪1983/  4/  24‬م‪ ،‬وفضيلة الشيخ الع مة‬
‫مصطيف الزرقا‪ ،‬وادلكتور حممد محيد اهلل يف كتابه «اإلسالم»‪،‬‬
‫وفضيلة الشيخ حممود اعشور وكيل األزهر األسبق وعضو‬
‫جممع ابلحوث اإلسالمية‪ ،‬وغريهم من أهل العلم املعارصين‪،‬‬
‫وهو ما عليه الفتوى دلى مجاعة من هيئات اإلفتاء الرشيع‬
‫َ‬
‫يف العالم؛ كدائرة اإلفتاء يف ع ّمان باململكة األردنية اهلاشمية‬
‫العام فضيلة الشيخ حممد عبده هاشم بتاريخ‬ ‫ّ‬ ‫بتوقيع املفيت‬
‫‪1399/  9/  19‬ـه‪ ،‬وهذا هو اذلي نراه أوفق ملقاصد الرشع‬
‫اللكية‪ ،‬وأرفق بمصالح اخللق املرعية‪.‬‬

‫‪ 70 ‬‬
‫التربد باملاء أثناء الصوم؟‬ ‫س‪ :‬ما حكم ُّ‬
‫يغتسل أو يَ ُص َّ‬ ‫َ‬ ‫اجلواب‪ُّ :‬‬
‫ب‬ ‫تربد الصائم باملاء ‪-‬بأن‬
‫فسد‬ ‫ُ‬
‫وال ي ِ‬
‫جائز رشعاً‬ ‫ٌ‬ ‫للحر أو العطش‪-‬‬ ‫ِّ‬ ‫ىلع بدنه املاء اتّ ً‬
‫قاء‬
‫ب صىل اهلل‬ ‫انل َّ‬ ‫الصوم؛ ملا روت عاَ ئ ِ َش ُة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ -‬أن َّ‬
‫َ يِ َ َ َ‬ ‫كاَ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ‬
‫ان‪ ،‬منْ‬
‫ِ‬ ‫عليه وآهل وسلم « ن يُد ِركه الفج ُر ُجنُبًا يِف رمض‬
‫ابلخاري عن أنس َبن‬ ‫ُّ‬ ‫وذكر‬ ‫‪،‬‬‫ُ (((‬
‫»‬ ‫وم‬ ‫َغ ُحلُم َفيَ ْغتَس ُل َو َي ُ‬
‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يرِْ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫مالك ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬أنه قال‪« :‬إِن يِل أبزن أتقحم ِفي ِه وأنا‬
‫َصائِ ٌم»(((‪ ،‬واألبزن‪ :‬هو حوض االستحمام‪.‬‬
‫وىلع الصائم أن حيرص ىلع عدم دخول املاء إىل جوفه‬
‫من الفم أو األنف‪ ،‬فإذا حصل دخول جزء من املاء يف اجلسم‬
‫فطر إنما هو ادلاخل من‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫بواسطة املسام فإنه ال تأثري هل؛ ألن الم ِ‬
‫املنافذ املفتوحة ِح ًّسا للجوف‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم استخدام العطور يف هنار رمضان للتطيب؟‬
‫اجلواب‪ :‬العطر يف نهار رمضان ال يفسد الصيام ‪.‬‬
‫س‪ :‬هل استخدام املراهم والكريامت عىل سطح اجللد يبطل‬
‫الصوم؟‬
‫اجلواب‪ :‬استخدام املراهم والكريمات وحنوها مما‬
‫يدهن ىلع سطح اجلدل يف نهار رمضان ال يبطل الصيام؛ إذ ال‬
‫تدخل هذه األشياء إىل اجلوف من منفذ معتاد‪.‬‬
‫((( متفق عليه‪ :‬ابلخاري (‪ ،)29 /3‬ومسلم (‪.)779 /2‬‬
‫((( صحيح ابلخاري (‪.)30 /3‬‬
‫‪ 71 ‬‬
‫س‪ :‬ما حكم املضمضة واالستنشاق أثناء الصوم؟‬
‫اجلواب‪ :‬جيوز للصائم املضمضة واالستنشاق‪ ،‬ويكره‬
‫املبالغة فيهما‪.‬‬
‫س‪ :‬هل الصوم يف شدة احلر له ثواب أكرب من الصوم يف األيام‬
‫العادية؟‬
‫اجلواب‪ :‬الصوم من أفضل العبادات اليت يتقرب بها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫العبد إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فمن صام هلل ً‬
‫واحدا إيمانا‬ ‫َ‬ ‫يوما‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ً‬
‫واحتسابا باعده اهلل عن انلار سبعني سنة‪ ،‬فعن أ يِب س ِع ٍ‬
‫ُ ْ ِّ َ َ هَّ ُ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ َّ َّ َ لىَّ ُ َ‬
‫اهلل َعليْ ِه‬ ‫اخلد ِري ‪-‬ر يِض الل عنه‪ -‬قال‪ :‬س ِمعت انلب ‪-‬ص‬
‫َ‬ ‫هَّ يِ َ َّ َ هَّ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫ام يَ ْو ًما ف َ‬ ‫«م ْن َص َ‬ ‫ول‪َ :‬‬‫َ َ َّ َ َ ُ ُ‬
‫يل اللِ‪ ،‬بعد الل وجهه ع ِن‬ ‫ب‬
‫يِ ِ ِ‬ ‫س‬ ‫وسلم‪ -‬يق‬
‫َّ َ ْ َ َ ً‬
‫ار سب ِعني خ ِريفا» أخرجه ابلخاري‪.‬‬ ‫انل ِ‬
‫حر فإن‬ ‫فإذا اكن يف الصيام مشقة لطول ايلوم وشدة ٍّ‬
‫انلبَّ‬ ‫فع ْن عاَ ئ ِ َش َة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ -‬أَ َّن َّ‬ ‫ثوابه يكون أعظم‪َ ،‬‬
‫لأْ َ يِ ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ لىَّ ُ َ‬
‫اهلل َعليْ ِه َو َسل َم‪ -‬قال ل َها يِف ع ْم َرتِ َها‪ِ « :‬إن ل ِك ِم َن ا ج ِر‬ ‫‪-‬ص‬
‫ََََ‬ ‫َ ْ َ ََ‬
‫قدر نص ِب ِك ون َفق ِت ِك» سنن ادلارقطين‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُْ‬ ‫لىَ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ىَ‬ ‫َ‬
‫اهلل ت َعا عنه‪ -‬قال‪ :‬خ َرجنَا‬ ‫وع ْن أ يِب ُموس ‪-‬ر يِض‬
‫لبْ َ ْ َ َ ْ َ َ نحَ ْ ُ َ ِّ ُ لنَ َ َ ِّ َ ٌ َ رِّ َ ُ لنَ‬ ‫غاَ ز َ‬
‫الشاع َا‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫يح‬ ‫الر‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫ر‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫يِ‬ ‫ين‬
‫كم‪ْ،‬‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ ُ ُ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُِ ٌ َ َ ْ َ ُ َ ً ُ‬
‫ِ‬
‫مرفوع‪،‬لىَفس ِمعنا منا ِد َيا ينا ِدي‪ :‬يا أهل الس ِفين ِة‪ِ ،‬قفوا أخبرِ‬
‫َ َ َ ُ ُ ىَ َ ُ ْ ُ علَىَ َ ْ‬ ‫حَتىَّ َوا َبينْ َ َسبْ َع ِة أ ْص َ‬
‫وس‪ :‬فقمت َ صد ِر‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ب‬‫أ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ات‬
‫ٍ‬ ‫و‬
‫ت؟ أَ َو َما تَ َرى أ ْي َن نحَ ْن؟ُ‬ ‫ت؟ َوم ْن أَ ْي َن أَن ْ َ‬
‫ِ‬
‫ت‪َ :‬م ْن أَن ْ َ‬ ‫السفينَة َف ُقلْ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ ُ لاَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َْ َ ُ ُ ً َ َ َ‬
‫الص ْوت‪« :‬أ أخبرِ ُ ك ْم‬ ‫يع ُوقوفا؟ قال‪ :‬فأ َجابَ يِن‬ ‫وهل نست ِط‬
‫‪ 72 ‬‬
‫َ َ ُ ْ ُ لىَ َ ْ َ‬ ‫َّ علَىَ َ ْ‬ ‫ب َق َضا ٍء قَ َض ُاه ُ‬
‫ت‪ :‬بَ أخبرِ ْ نا‪،‬‬ ‫اهلل َع َّز َو َجل نف ِس َِه؟ قال‪ :‬قل‬
‫َّ ُ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ُ للِهَّ‬ ‫ِ َ َ َ َّ َ َ َ لىَ َضىَ علَىَ َ ْ‬
‫نف ِس ِه أنه َمن عطش نفسه ِ‬ ‫قال‪ :‬ف ِإن اهلل تعا ق‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ار َن َحقا اهلل أن يَ ْرو َي ُه يَ ْو َم القيَ َ‬ ‫علَىَ‬ ‫ًّ‬ ‫كاَ‬ ‫َع َّز َو َج َّل ف يَ ْومٍ َح ٍّ‬
‫ام ِة»‬ ‫لحْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َكاَ َ يِ َ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لحْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ليْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ىَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ىَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬ف ن أبو موس يتوخ ذلِك ا وم ا َار الش ِديد ا َر الذَِّ ي‬
‫َْ ُ ََ ُ ُُ‬ ‫َ ُ ْ ُ‬
‫ومه‪ .‬أخرجه عبد الرزاق يف‬ ‫يَكاد يَن َس ِلخ ِفي ِه الإِْ نسان فيص‬
‫مصنفه وابليهيق يف الشعب وأبو نعيم يف حلية األويلاء‪.‬‬
‫وىلع هذا فأجر الصيام عظيم ولكنه يف شدة احلر‬
‫يكون أعظم ً‬
‫أجرا‪.‬‬
‫نظرا لطبيعة عمله؟‬
‫س‪ :‬هل ُي َر َّخ ُص الفطر ملن يداوم عىل السفر ً‬
‫اجلواب‪ :‬رخص اهلل سبحانه وتعاىل للصائم املسافر أن‬
‫ُ َ َّ‬
‫يفطر مىت اكنت مسافة سفره ال تقل عن مرحلتني وتقدران‬
‫كيلومرتا ونصف الكيلومرت‪ ،‬برشط أن‬ ‫ً‬ ‫بنحو ثالثة وثمانني‬
‫ال يكون سفره هذا بغرض املعصية‪ ،‬وأناط الرشع رخصة‬
‫الفطر بتحقق علة السفر فيه من دون نظر إىل ما يصاحب‬
‫السفر اعدة من املشقة؛ فصلح السفر أن يكون علة ألنه‬
‫وصف ظاهر منضبط يصلح تلعليق احلكم به‪ ،‬واحلكم‬
‫ً‬
‫وعدما‪ ،‬فإذا ُوجد السفر ُو ِج َدت‬
‫ً‬ ‫يدور مع علته وجودا‬
‫الرخصة‪ ،‬وإذا انتىف انتفت‪َّ ،‬‬
‫أما املشقة فيه حكمة غري‬
‫منضبطة؛ ألنها خمتلفة باختالف انلاس‪ ،‬فال يصلح إناطة‬
‫احلكم بها‪ ،‬وذللك لم يرتتب هذا احلكم عليها ولم يرتبط‬

‫‪ 73 ‬‬
‫َ َ اَ َ َ ً َ ۡ لَ ىَ ٰ َ‬
‫ع َسف ٖر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعدمُا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ومن كن م ِريضا أو‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫وجود‬ ‫بها‬
‫ُ‬ ‫اَ‬
‫س َول يُر ُ‬ ‫ۡ‬
‫ك ُم ٱل ُي رَۡ‬ ‫ُ‬ ‫يد هَّ ُ‬ ‫فَعِ َّدة ‪ّ ٞ‬م ِۡن أيَّام أ َخ َر ۗ يُر ُ‬
‫يد بِك ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ٱلل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫س} [البقرة‪ ،]185 :‬فمىت حتقق وصف السفر يف الصائم‬ ‫ۡٱل ُع رَۡ‬
‫ولم يكن إنشاؤه بغرض املعصية جاز هل الفطر؛ سواء أشتمل‬
‫سفره هذا أم ال‪ ،‬حىت‬ ‫سفره ىلع مشقة أم ال‪ ،‬وسواء أتكرر ُ‬
‫لو اكنت مهنتُه تقتيض سفره املستمر فإن هذا ال يرفع عنه‬
‫خري‬ ‫اهلل سبحانه مع ذلك أن الصوم َ َ‬ ‫الرخصة الرشعية‪ ،‬وبني‬
‫ُ َ ِّ‬
‫هل وأفضل مع وجود المرخص يف الفطر بقوهل تعاىل‪{ :‬وأن‬
‫َ ُ ُ ْ َ َّ ُ‬
‫وموا خ رۡي‪ ٞ‬لك ۡم} [البقرة‪ ،]184 :‬والصوم خري هل من الفطر‬ ‫تص‬
‫َ ُُّ‬
‫يف هذه احلالة وأكرث ثوابًا ما دام ال يشق عليه؛ ألن الصوم يف‬
‫غري رمضان ال يساوي الصوم يف رمضان وال يُدانيه وذلك ملن‬
‫ُ‬
‫قدر عليه‪ ،‬فإذا ظن املسافر الرضر ك ِره هل الصوم‪ ،‬وإن خاف‬
‫اهلالك وجب الفطر‪.‬‬
‫ما حكم الصيام ملرىض السكر عىل اختالف درجاهتم‪ ،‬حيث تم‬
‫تقسيمهم طب ًّيا إىل ثالث فئات‪:‬‬
‫ِ‬
‫الفئة األوىل‪ :‬املرىض ذوو االحتامالت الكبرية جدًّ ا للمضاعفات‬
‫مؤكدة طب ًّيا‪ ،‬وهذه الفئة يقول املتخصصون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصورة شبه‬ ‫اخلطرية‬
‫ٍ‬
‫بأهنا معرضة حلصول رضر بال ٍغ عند الصيام‪.‬‬
‫الفئة الثانية‪ :‬املرىض ذوو االحتامالت الكبرية للمضاعفات‬
‫نتيجة الصيام‪ ،‬وهذه الفئة يغلب عىل ظن األطباء املتخصصني‬
‫رضر بال ٍغ عليهم عند الصيام‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقوع‬

‫‪ 74 ‬‬
‫الفئة الثالثة‪ :‬املرىض ذوو االحتامالت املتوسطة أو املنخفضة‬
‫ملضاعفات نتيجة الصيام‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫للتعرض‬
‫فام حكم الصوم هلذه الفئات عىل اختالف درجاهتم؟‬
‫ٌ‬
‫اجلواب‪ :‬الصوم فريضة من فرائض اإلسالم أناطها‬
‫الصوم باالمتناع‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫املسلم‬ ‫اهلل تعاىل باالستطاعة؛ فإذا لم يستطع‬
‫عن املفطرات من الطعام والرشاب وحنوهما من الفجر إىل‬
‫املغرب‪ ،‬فإن هل رخصة اإلفطار‪ ،‬بل إذا اكن الصوم يضرُ ّ‬
‫بصحته ‪-‬بقول األطباء املتخصصني‪ -‬فيجب عليه أن يفطر؛‬
‫ك ْم ف ّ‬ ‫ََ َ ََ َ َْ ُ‬ ‫ً‬
‫ِين‬ ‫ِ‬ ‫ادل‬ ‫يِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫م‬‫{و‬ ‫تعاىل‪:‬‬ ‫قال‬ ‫صحته؛‬ ‫ىلع‬ ‫ا‬ ‫حفاظ‬
‫ِيكمْ‬ ‫ُ‬ ‫{و اَل تُلْ ُقوا ب َأيدْ‬ ‫م ِْن َح َر ٍج} [احلج‪ ،]78 :‬وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ىَ‬
‫إِل اتلَّ ْهلكةِ} [البقرة‪ ،]195 :‬وقال سبحانه يف خصوص‬
‫س}‬ ‫ك ُم الْ ُع رَْ‬ ‫ُ‬
‫يد ِب‬ ‫س َو اَل يُر ُ‬ ‫ك ُم الْ ُي رَْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫الصوم‪{ :‬ي ِريد اهلل ب ِ‬
‫ريض اهلل عنه َ عن ْانليب صىل‬ ‫َ‬ ‫[البقرة‪ ،]185 :‬وعن أيب هريرة‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫«وإِذا أ َم ْرتك ْم بِأم ٍر فأتوا ِمنه َما‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم قال‪َ :‬‬
‫عليه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫متفق‬ ‫»‬ ‫استَ َط ْعتُ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫ً َ‬ ‫اَ َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫تعاىل‪{ :‬ف َم ْن كن مِنك ْم َم ِريضا أ ْو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ويقول اهلل‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫ِين يُطيقون ُه ف ِديَة َط َع ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذَّ‬ ‫ىَ‬ ‫لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع َس َفر فَع َّدةٌ م ِْن أيَّ‬ ‫لَ ىَ‬
‫ام‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫ٍ ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫ْ‬
‫ِني} [البقرة‪ ،]184 :‬واملعىن‪ :‬أنه يرخص للمسلم امللك ِف‬ ‫مِسك ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ىَ‬ ‫املريض ً‬
‫‪-‬وللمسافر‬
‫ِ‬ ‫الصوم‬ ‫مرضا يُرج بُرؤه وال يستطيع معه‬ ‫ِ‬
‫القضاء بعد زوال‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‪ -‬اإلفطار يف رمضان‪ ،‬ثم عليهما‬ ‫ُ‬
‫العذر واتلمكن من الصيام‪.‬‬

‫‪ 75 ‬‬
‫ً‬
‫فإن اكن املرض طارئا فعىل املسلم أن يقيض ما أفطره‬
‫ىَ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مرضا ال يُرج‬ ‫مريضا‬ ‫عندما يزول العارض‪ ،‬أما إذا اكن‬
‫َ َْ‬ ‫شفاؤه ‪-‬وهو ما يُ َ‬
‫عرف باألمراض املزمنة‪ -‬وال يقوى معه‬
‫كبريا يف السن؛ حبيث يعجز عن الصيام‬ ‫ً‬ ‫ىلع الصيام‪ ،‬أو اكن‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تحُ‬
‫وتلحقه مشقة شديدة ال تمل اعدة فال جيب عليه الصيام‪،‬‬
‫إطعام مسكني عن لك يوم من األيام اليت‬ ‫ُ‬ ‫وعليه فدية؛‬
‫ٌّ‬
‫يفطرها من رمضان‪ ،‬وقدر هذه الفدية ُمد من الطعام من‬
‫اغلب قوت ابلدل؛ واملد عند احلنفية‪ :‬يساوي رطلني بالعرايق؛‬
‫جراما‪ ،‬وعند اجلمهور‪ :‬رطل وثلث بالعرايق؛ أي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أي‪812.5 :‬‬
‫لىَ‬ ‫ً‬
‫جراما؛ واملفىت به‪ :‬جواز دفع القيمة‪ ،‬بل ذلك أو ؛ ألنه‬ ‫‪510‬‬
‫خُ‬ ‫ً‬
‫أنفع للمسكني وأكرث حتقيقا ملصلحته‪ ،‬وت َرج من تركته إذا‬
‫َ‬ ‫ترك ً‬
‫وفاء‪ ،‬فإن ق ِوي بعد ذلك ىلع الصيام فال قضاء عليه‪ ،‬بل‬
‫ابتداء مع حاتله املذكورة‪.‬‬‫ً‬ ‫اطب بها‬ ‫جتب عليه الفدية؛ ألنه مخُ َ‬
‫ومرض السكر ىلع اختالف درجاته هو من األمراض‬
‫املزمنة‪ ،‬ومعرفة أحاكم مرضاه من جهة الصوم الواجب مبنية‬
‫طبيا يف لك فئة من الفئات‬ ‫ىلع معرفة طرق العالج املتاحة هلم ًّ‬
‫املذكورة‪.‬‬
‫ومن املعلوم طبيا ‪-‬كما يذكر املتخصصون‪ -‬أن‬ ‫ًّ‬
‫اتلعامل مع مرىض السكر ىلع اختالف فئاتهم يكون من‬
‫خالل عدة طرق‪:‬‬

‫‪ 76 ‬‬
‫الطريقة األوىل‪ :‬ويه ما يتم عالج املريض فيها عن‬
‫طريق تنظيم الوجبات الغذائية مع ممارسة اتلدريبات ابلدنية‪.‬‬
‫فهؤالء عليهم أن يصوموا‪ ،‬وال خوف عليهم من ذلك؛ ألن‬
‫مرضهم من انلوع اخلفيف اذلي ال يؤثر عليه الصيام‪ ،‬ولكن‬
‫إذا تبني وجود رضر عند الصيام عن طريق رأي الطبيب‬
‫فعليهم باألخذ بالرخصة ويه اإلفطار وإخراج الفدية عن لك‬
‫يوم إطعام مسكني‪.‬‬
‫الطريقة اثلانية‪ :‬وهم املرىض املوصوف هلم بعض‬
‫العقاقري‪ ،‬مع برنامج الغذاء املحدد‪ ،‬وهم نواعن‪:‬‬
‫‪ -1‬نوع يأخذ عقاقري السكر مرة واحدة يف ايلوم‪،‬‬
‫فهذا ال إشاكل يف صومه‪ ،‬ألنه من املمكن أن يأخذها قبل‬
‫الفجر مبارشة‪.‬‬
‫‪ -2‬ونوع يتناول احلبوب مرتني أو ثالث مرات يوميا‪ًّ،‬‬
‫و يف هذه احلالة إذا أمكنه أن يأخذ احلبوب قبل الفجر‪ ،‬وبعد‬
‫اإلفطار‪ ،‬دون رضر يلحقه فعليه أن يصوم‪ ،‬وإن اكن يرض به‬
‫تأخري احلبوب فعليه أن يأخذها ويرتك الصوم‪.‬‬
‫الطريقة اثلاثلة‪ :‬وهم املرىض اذلين يتعاطون حقن‬
‫األنسولني مرة أو مرتني أو أكرث يف ايلوم فإن صام مريض‬
‫ُّ َّ‬
‫السكر اذلي يعالج باألنسولني فهذا جائز رشعاً وال يفسد‬
‫ً‬ ‫الصيام؛ ألن ُ‬
‫عمدا إىل‬ ‫المضرِ َّ بالصيام إنما هو ما وصل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حمسوسا؛ وانفتاح املسام‬ ‫ظاهرا‬ ‫انفتاحا‬ ‫اجلوف املنفتح أصالة‬
‫‪ 77 ‬‬
‫ْ‬
‫والشعريات ادلموية واألوردة والرشايني باحلَقن الوريدي أو‬
‫ً‬
‫حمسوسا‪،‬‬ ‫ً‬
‫ظاهرا وال‬ ‫اجلدلي أو العضيل أو حنو ذلك ليس‬
‫ْ ُ‬
‫فال يَص ُدق ىلع املادة املحقونة بها أنها وصلت إىل اجلوف‬
‫َْ‬
‫عن طريق َمنف ٍذ َطبَ يِع مفتوح؛ سواء أكانت يف الوريد أم يف‬
‫ً‬
‫غذاء‪.‬‬ ‫العضل أم حتت اجلدل‪ ،‬وسواء أكانت ً‬
‫دواء أم‬
‫يقول العالمة الشيخ حممد خبيت املطييع مفيت ادليار‬
‫املرصية األسبق بعد أن ساق نصوص أهل املذاهب األربعة يف‬
‫َ‬
‫ذلك‪[ :‬ومن هذا يُعلم أن احلقنة حتت اجلدل ال تفسد الصوم‬
‫باتفاق املذاهب األربعة‪ ،‬سواء اكنت للتداوي أو للتغذية‬
‫أو للتخدير‪ ،‬ويف أي موضع من ظاهر ابلدن؛ ألن مثل هذه‬
‫ً‬
‫احلقنة ال يصل منها يشء إىل اجلوف من املنافذ املعتادة أصال‪،‬‬
‫ام فقط‪ ،‬وما تصل‬ ‫الم َس ّ‬
‫وىلع فرض الوصول فإنما تصل من َ‬
‫إيله ليس جوفًا وال يف حكم اجلوف‪ ،‬وليست تلك َ‬
‫الم َس ُّ‬
‫ام‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َْ ً‬
‫منفتحا ال ُعرفا وال اعدة‪ ،‬ومثل احلقنة حتت اجلدل فيما‬‫ً‬ ‫َمنفذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذ ِكر‪ :‬احلقنة يف العروق اليت ليست يف الرشايني‪ ،‬واحلقنة‬
‫اليت تكون يف الرشايني‪ ،‬والكهما ً‬
‫أيضا ال يصل منه يشء‬
‫إىل اجلوف‪ ،‬لكن الفرق أن احلقنة اليت يف الرشايني تكون‬
‫يف ادلورة ادلموية؛ وذللك ال يُعطيها إال الطبيب‪ .‬فاحل َ ُّق أن‬
‫احلقنة جبميع أنواعها املتقدمة ال تفطر] اـه‪ .‬من جملة اإلرشاد‪،‬‬
‫ُ‬
‫غ َّرة رمضان سنة ‪1351‬ـه‪ ،‬العدد اثلاين من السنة األوىل‪ :‬ص‬
‫(‪ )42‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 78 ‬‬
‫فإن غلب ىلع ظن املريض أنه إن صام حصلت هل‬
‫مشقة‪ ،‬أو صام ثم حصلت هل املشقة؛ سواء باشتداد وطأة‬
‫املرض عليه‪ ،‬أم احتاج إىل تناول ادلواء‪ ،‬أم غلبه اجلوع أو‬
‫ُّ َّ‬
‫السكر‪ -‬جاز هل أن‬ ‫العطش ‪-‬وهذا هو حال اغلب مرىض‬
‫يفطر‪ ،‬بل وجيب عليه أن يفطر إذا َخيش ىلع نفسه من‬
‫اَ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َْ ُ ُْ‬
‫اهلالك؛ لقول اهلل تعاىل‪﴿ :‬وَال تق ُتلوا أنف َسك ْم إِن َاهللَ كن‬
‫ُ‬ ‫ُُْ‬ ‫ُ‬
‫ِيما﴾ [النساء‪ ،]29 :‬وقوهل تعاىل‪﴿ :‬وَال تلقوا بِأيْدِيك ْم‬‫ك ْم َرح ً‬ ‫ب‬
‫ِ ىَ تلَّ ْ ُ َ‬
‫إِل ا هلكةِ﴾ [البقرة‪.]195 :‬‬
‫لاّ‬
‫قال الع مة اخلطيب الرشبيين يف «مغين املحتاج»‬
‫(‪ ،169/2‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪[ :‬وإن اعد املرض واحتاج‬
‫إىل اإلفطار أفطر‪ ،‬وجيب الفطر إذا خيش اهلالك؛ كما رصح‬
‫به الغزايل وغريه‪ ،‬وجزم به األذريع‪ ،‬وملن غلبه اجلوع أو‬
‫العطش حكم املريض]‪ .‬اـه‪.‬‬
‫وبناء ىلع ذلك ويف واقعة السؤال‪ :‬فإن أحاكم الصيام‬
‫لفئات مرىض السكر مرتتبة ىلع الطرق العالجية اليت يمكن‬
‫اتلعامل بها مع لك فئة بما يناسبها ىلع اتلفصيل املذكور‪.‬‬
‫فإذا تأكدت احتماالت الرضر من الصيام ملريض‬
‫السكر ‪-‬كما هو مذكور يف الفئة األوىل‪ -‬وجب ىلع املريض‬
‫طاعة الطبيب يف اإلفطار‪ ،‬ويأثم إن صام‪.‬‬

‫‪ 79 ‬‬
‫وإذا غلب احتمال الرضر ىلع ظن األطباء املتخصصني‬
‫‪-‬كما هو مذكور يف الفئة اثلانية‪ -‬وجب اإلفطار وطاعة‬
‫َ َّ‬ ‫َ َّ ُنزَ‬
‫المئِنة‪.‬‬ ‫الم ِظنة ت َّ ل مزنلة‬ ‫الطبيب كذلك؛ ألن‬
‫ً‬
‫أما إذا اكن احتمال الرضر من الصوم متوسطا أو‬
‫ً‬
‫ضعيفا ‪-‬كما يف الفئة اثلاثلة‪ :-‬فإن األخذ برخصة اإلفطار‬
‫تقديريا؛ أي أن مرجعه يف معرفة رضر‬ ‫ًّ‬ ‫حينئذ يكون ً‬
‫أمرا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫الصوم وما قد جيره عليه من أذى هو إىل الطبيب املتخصص‬
‫من جهة معرفة حاتله ومضاعفاتها‪ ،‬وإىل املريض من جهة‬
‫ِّ‬
‫طاقته وقدرته ىلع الصيام واحتماهل هل؛ فيُقدر الطبيب مدى‬
‫تأثري الصوم ىلع حالة املريض من حيث إماكنية الصوم من‬
‫عدمه‪ ،‬ويقدر املريض مدى قدرته واحتماهل للصوم‪.‬‬
‫مع اتلنبيه ىلع أنه جيب ىلع املريض يف لك فئة من هذه‬
‫الفئات اثلالث أن يستجيب للطبيب إن رأى رضورة إفطاره‬
‫وخطورة الصوم عليه‪.‬‬
‫س‪ :‬جئنا من مرص عىل الطائرة املرصية إىل كندا‪ ،‬وأفتى لنا أحد‬
‫العلامء بالصوم مع أن الطائرة سوف حتلق ملدة إحدى عرشة‬
‫ظهرا‪ ،‬وأفطرنا عىل‬
‫ساعة تقري ًبا‪ ،‬وركبنا من الساعة الواحدة ً‬
‫توقيت مرص‪ ،‬ولكن املشكلة أننا أفطرنا والشمس ما زالت‬
‫ساطعة ومل تغرب إال يف آخر الرحلة‪ ،‬أي بعد إحدى عرشة‬
‫دت أحد أفراد طاقم الطائرة أن أرد عليه من‬ ‫ساعة‪ ،‬وقد و َع ُ‬
‫خالل فتواكم‪ ،‬فام رأيكم؟‬
‫‪ 80 ‬‬
‫اجلواب‪ :‬الصائم يفطر يف اجلو عندما تغيب الشمس‬
‫عنده ويف انلقطة اليت هو فيها‪ ،‬وال يفطر بتوقيت بدله أو ابلدل‬
‫اليت يمر عليها‪ ،‬بل عند غروب الشمس بكامل قرصها يف‬
‫عينه هو‪ .‬فإذا شق عليه ذلك فليفطر للمشقة الزائدة املركبة‬
‫يف السفر‪ ،‬وليس النتهاء ايلوم‪ .‬فلو أفطر حينئذ فإنه يكون‬
‫يوما ماكن ما أفطر‪ ،‬وما يقوهل قادة الطائرات‬‫عليه أن يقيض ً‬
‫من اإلفطار ىلع ميقات ابلدل األصيل أو ابلدل احلايل من دون‬
‫مرااعة غياب الشمس أمامهم غري صحيح رشعاً ‪ .‬وهناك حالة‬
‫تغيب فيها الشمس ثم خترج مرة أخرى من جهة املغرب‬
‫فطر الصائم وال يلتفت لردها وعودتها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لرسعة الطائرة‪ ،‬وهنا ي ِ‬
‫س‪ :‬ما احلكم فيمن صام رمضان ولكنه ال يصيل؛ هل ذلك‬
‫أجرا؟‬ ‫ِ‬
‫ُيفسد صيامه وال ينال عليه ً‬
‫ترك الصالة‪ ،‬وقد اشتد وعيد‬ ‫اجلواب‪ :‬ال جيوز ملسلم ُ‬
‫ٍ‬
‫اهلل تعاىل ورسوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ملن تركها وفرط يف‬
‫ْ ْ‬
‫شأنها‪ ،‬حىت قال انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬ال َعه ُد الذَِّ ي‬
‫َ َ ََ ْ ََ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ُ َّ َ ُ َ‬
‫الصالة‪ ،‬ف َم ْن ت َرك َها فقد كف َر» أخرجه اإلمام‬ ‫بيننا وبينهم‬
‫أمحد والرتمذي والنسايئ وابن ماجه‪ ،‬وصححه الرتمذي وابن‬
‫حبان واحلاكم‪ ،‬ومعىن «فقد كفر» يف هذا احلديث الرشيف‬
‫ً‬ ‫لاً‬
‫كبريا وشابه‬ ‫وغريه من األحاديث اليت يف معناه‪ :‬أي أىت فع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكفار يف عدم صالتهم‪ ،‬فإن الكبائر من ش َعب الكفر كما‬

‫‪ 81 ‬‬
‫ُ‬
‫أن الطااعت من ش َعب اإليمان‪ ،‬ال أنه قد خرج بذلك عن‬
‫ً‬
‫ملة اإلسالم ‪-‬عياذا باهلل تعاىل‪ -‬فإن تارك الصالة ال يكفر‬
‫حىت جيحدها ويكذب بها‪ ،‬ولكنه مع ذلك مرتكب لكبرية‬
‫من كبائر اذلنوب‪.‬‬
‫واملسلم مأمور بأداء لك عبادة رشعها اهلل تعاىل من‬ ‫ٌ‬
‫الصالة والصيام والزاكة واحلج وغريها مما افرتض اهلل عليه إن‬
‫مجيعا كما قال اهلل‬ ‫ً‬ ‫أهل وجوبه‪ ،‬وعليه أن يلزتم بها‬ ‫اكن من‬
‫ّ ۡ َ َّ ٗ‬ ‫َ َ ُّ َ ذَّ َ َ َ ُ ْ ۡ ُ ُ ْ‬
‫{يأيها ٱلِين ءامنوا ٱدخلوا يِف ٱلسِل ِم كٓافة} [البقرة‪:‬‬ ‫ٰٓ‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫‪ ،]208‬وجاء يف تفسريها‪ :‬أي الزتموا بكل رشائع اإلسالم‬
‫ؤد َي ً‬ ‫ُ ِّ‬
‫بعضا ويرتك‬ ‫وعباداته‪ ،‬وال جيوز هل أن يتخري َبينها وي‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ‬ ‫َ‬ ‫َُۡ ُ‬ ‫ً‬
‫ب‬‫بعضا فيقع بذلك يف قوهل تعاىل‪{ :‬أفتؤمِنون بِبع ِض ٱلكِتٰ ِ‬
‫َ ۡ ُ َ‬
‫َوتكف ُرون ب ِ َب ۡع ٖض} [البقرة‪.]85 :‬‬
‫ولك عبادة من هذه العبادات املفروضة هلا أراكنها‬
‫َ ُّ‬
‫ورشوطها اخلاصة بها‪ ،‬وال ت َعلق هلذه األراكن والرشوط بأداء‬
‫َّ‬
‫العبادات األخرى‪ ،‬فإن أداها املسلم ىلع الوجه الصحيح مع‬
‫تركه لغريها من العبادات فقد أجزأه ذلك وبرئت ذمتُه من‬
‫جهتـها‪ ،‬ولكنه يأثم لرتكه أداء العبـادات األخرى‪ ،‬فمن صـام‬
‫ترَ‬
‫وهو ال يصيل فصومه صحيح غري فاسد؛ ألنه ال يُش َط لصحة‬
‫آثم رشعاً من جهة تركه للصالة‬ ‫الصوم إقامة الصالة‪ ،‬ولكنه ٌ‬
‫ومرتكب بذلك لكبرية من كبائر اذلنوب‪ ،‬وجيب عليه أن‬
‫يبادر باتلوبة إىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ 82 ‬‬
‫أما مسألة األجر فموكولة إىل اهلل تعاىل‪ ،‬غري أن الصائم‬
‫ً َ لاً‬ ‫ُ يِّ‬
‫وأجرا وقبو ممن ال يصيل‪.‬‬ ‫الم َصل أرىج ثوابًا‬
‫س‪ :‬ما حكم اخلطأ يف ظن طلوع الفجر وغروب الشمس يف‬
‫الصيام؟‬
‫ًّ‬
‫اجلواب‪ :‬من أكل بعد الفجر ظانا عدم طلوعه أو‬
‫ًّ‬
‫أكل قبل غروب الشمس ظانا غروبها ثم تبينَّ هل خطؤه فعليه‬
‫القضاء كما هو مذهب مجهور الفقهاء؛ ألنه ال عربة بالظن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ابلينِّ خطؤه‪.‬‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫فعن ُش َعيْب بْن َع ْمرو بْن ُسلَيْم األن ْ َ‬
‫ار ِّي قال‪ :‬أف َط ْرنا‬‫ِ‬ ‫ص‬ ‫ٍ‬ ‫لخْ َ ِ ِ َ ِ ِ‬
‫َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َم َع ُص َهيب ا َيرِْ أنا َوأ يِب يف شه ِر رمضان يف يومِ غي ٍم وطش‪،‬‬
‫َّ ْ ُ َ َ َ ُ َ ْ ٌ ُ ْ ُ‬
‫«طع َمة‬ ‫ت الشمس‪ ،‬فقال صهيب‪:‬‬ ‫َفبَيْنَا نحَ ْ ُن َنتَ َع ىَّش إ ْذ َطلَ َ‬
‫ع‬
‫ِ‬
‫َ ُ (((‬
‫َ َ ُ ِ ْ ِلىَ َّ ْ َ ْ ُ َ ْ ً َ كاَ‬ ‫َ‬
‫هلل؛ أتِ ُّموا ِصيامكم إ اللي ِل واقضوا يوما م نه» ‪.‬‬ ‫ا ِ‬
‫س‪ :‬ما حكم تقبيل الزوجة يف الصيام؟‬
‫ٌ‬
‫مكروه للصائم‬ ‫اجلواب‪ :‬تقبيل الزوجة بقصد الذلة‬
‫عند مجهور الفقهاء؛ ل ِ َما قد جير إيله من فساد الصوم‪ ،‬وتكون‬
‫حراما إن غلب ىلع ظنه أنه ُي ل بها‪ ،‬وال يُ َ‬
‫كره‬ ‫ً‬ ‫القبلة‬
‫نزِْ‬
‫اتلقبيل إن اكن بغري قصد الذلة كقصد الرمحة أو الوداع إال إن‬
‫اكن الصائم ال يملك نفسه‪ ،‬فإن ملك نفسه فال حرج عليه؛‬
‫كاَ َ‬
‫حلديث السيدة اعئشة أم املؤمنني ريض اهلل عنها قالت‪ « :‬ن‬
‫((( أخرجه ابليهيق يف السنن الكربى (‪.)368 / 4‬‬
‫‪ 83 ‬‬
‫ول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ُي َقبِّ ُل َو ُه َو َصائِ ٌم‪َ ،‬و ُيبَ رِ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫اش‬ ‫رس‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫كاَ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َو ُه َو َصائ ٌم‪َ ،‬ولكنه ن أملكك ْم إل ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪.‬‬‫(((‬
‫ِ ِ َ َّ َ ُ لاً َ َ‬ ‫»‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫وعن أيب هريرة ريض اهلل عنه «أن رج سأل انل َّ‬
‫ب‬
‫لصائم‪ ،‬فَ َر َّخ َص يِلهَ ‪ُ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ ُ َ رَ َ‬
‫عليه وآهل وسلم ع ِن المباش ِة ل ِلهَ ِ ِ‬ ‫صىل اهلل‬
‫آخ ُر فَ َسأَلهَ ُ‪َ ،‬فنَ َه ُاه‪ .‬فَإ َذا الذَِّ ي َر َّخ َص ُ َشيْ ٌخ َوالذَِّ ي َن َهاهُ‬
‫َََ ُ َ‬
‫وأتاه‬
‫ِ‬
‫َش ٌّ‬
‫اب»(((‪.‬‬
‫س‪ :‬يعتقد بعض الناس أن مجاع الزوج لزوجته يف ليايل رمضان‬
‫حرام‪ ،‬فام حكم اجلامع بني الزوجني يف ليايل رمضان؟‬
‫اجلواب‪ :‬مجاع الزوج لزوجته يف يلايل رمضان جائز‬
‫رشعاً ‪ ،‬ما ُلم يكن هناك عذر رشيع اكحليض وانلفاس‪ ،‬قال‬
‫ٓ ُ ُ‬ ‫َّ َ ُ ىَ‬ ‫ك ۡم يَ ۡ َ َ ّ‬‫َّ َ ُ‬
‫ٱلرف َث إ ِ ٰل ن َِسائِك ۡ ۚم ه َّن‬ ‫ٱلص َي ِ‬
‫ام‬ ‫للة ِ‬ ‫تعاىل‪{ :‬أحِل ل‬
‫بَِ ‪ ۡ ُ َ َ ۡ ُ َّ ٞ‬بَِ ‪ َ َ َّ ُ َّ ٞ‬هَّ ُ َّ ُ ۡ ُ ُ ۡ خَ ۡ َ ُ َ‬
‫َلاس لكم وأنتم لاس لهنۗ عل ِم ٱلل أنكم كنتم تتانون‬
‫ُ َ ُ ۡ َ َ َ َ َۡ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ َٰ ُ ُ‬
‫شوه َّن‬ ‫أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكمۖ فٱلَٰٔـن ب رِ‬
‫َ ۡ َ ُ ْ َ َ َ َ هَّ ُ َ ُ ۡ َ لُ ُ ْ َ رَۡ ُ ْ َ ىَّ ٰ َ َ َينََّ َ ُُ‬
‫وٱبتغوا مأَۡا كتب ٱلل لك ۚم أَۡوكوا وٱشبوا حت َيتب لكم‬
‫ٱلص َي َ‬‫ْ ّ‬ ‫َۡ ۡ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫خَۡ‬ ‫ۡ ُ‬ ‫خَۡ ُ‬
‫ام‬ ‫ٱل ۡيط ٱلب َيض م َِن ٱل ۡي ِط ٱلس َودِ م َِن ٱلفج ِرۖ ث َّم أت ُِّموا ِ‬
‫إ ِ ىَل يَّ ۡ‬
‫ٱل ِل} [ابلقرة‪.]187 :‬‬
‫قال اجلصاص يف َ«أحاكم القرآن» َ (‪ )237 /1‬عند‬
‫الش َب يِف‬ ‫اع َوالأْ ْك َل َو رُّ ْ‬
‫َ َ‬
‫اح الجِْ م‬ ‫تفسريه لآلية السابقة‪[ :‬فَأبَ َ‬
‫َّ ْ ْ َ َّ َ لىَ ُ ُ ِ ْ َ ْ‬ ‫ليَ‬
‫َ يِال الصومِ ِمن أولِها إ طلوع الفج ِر]‪.‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)30 /3‬ومسلم (‪ )777 /2‬واللفظ هل‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪.)312 /2‬‬
‫‪ 84 ‬‬
‫وعليه فجماع الزوج لزوجته يف يلايل رمضان جائز‬
‫رشعاً ‪ ،‬إذا لم يكن هناك عذر رشيع يمنع اجلماع اكحليض‬
‫وانلفاس‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم من أصبح وهو ُجنب يف هنار رمضان؟‬
‫اجلواب‪ :‬ىلع الصائم أن يغتسل وصيامه صحيح‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم الرشع يف صالة الرتاويح يف رمضان؟‬
‫اجلواب‪ :‬صالة الرتاويح يه صالة قيام الليل يف رمضان‬
‫لاً‬
‫ويه سنة تصىل يل يف رمضان بعد صالة العشاء‪ ،‬ويه سنة‬
‫مؤكدة للرجال والنساء‪ .‬وعن أيب هريرة ريض اهلل عنه قال‪:‬‬
‫اكن انليب صىل اهلل عليه وسلم يرغب يف قيام رمضان من‬
‫غري أن يأمرهم فيه بعزيمة –أي أمر ندب وترغيب– فيقول‪:‬‬
‫ً‬
‫«من قام رمضان إيمانا واحتسابًا غفر هل ما تقدم من ذنبه»‬
‫َ‬
‫ق صىل اهلل عليه وسلم ربه واألمر ىلع ذلك يف خالفة‬ ‫وقد ل يِ َ‬
‫وصدرا من خالفة عمر ثم أمر عمر ريض اهلل عنه‬ ‫ً‬ ‫أىب بكر‬
‫باجلماعة يف القيام ‪.‬‬
‫س‪ :‬هل جيوز للمرء املسلم أن يصيل صالة الرتاويح يف منزله؟‬
‫اجلواب‪ :‬جيوز للمسلم أن يصيل صالة الرتاويح يف‬
‫املزنل‪ ،‬ولكن صالتها يف اجلماعة أفضل ىلع املفىت به‪ ،‬وهو‬
‫مذهب مجهور الفقهاء من احلنفية والشافعية واحلنابلة‪.‬‬
‫‪ 85 ‬‬
‫َ ُْ ْ َ ُ ْ‬
‫ار ِعن َد‬ ‫وقال ابن قدامة يف «املغين» (‪[ :)123 /2‬والمخت‬
‫لجْ َ َ َ َ َ‬ ‫هَّ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اع ِة‪ ،‬قال يِف ِر َوايَ ِة‬ ‫أ يِب عبْ ِد اللِ ِفعل َها –أي الرتاويح‪ -‬يِف ا َ م‬
‫ٌ‬ ‫ْ كاَ َ‬
‫يح أف َضل‪َ ،‬وإِن ن َر ُجل‬
‫ْ ُ‬ ‫اع ُة ف الترَّ َ‬‫وس‪ :‬الجْ َ َم َ‬ ‫ُ ُ َ ْ ُ ىَ‬
‫او ِ‬ ‫يِ‬ ‫يوسف بن م‬
‫ََْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َِ ْ َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ََُْ ِ َ َ َ‬
‫يقتدى بِ ِه فصالها يِف بي ِت ِه ِخفت أن يقت ِدي انلاس بِ ِه‪ ،‬وقد‬
‫لخْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ب ‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪« :-‬اقتَ ُدوا بِا ُلفاءِ»‪،‬‬ ‫انل ِّ‬
‫يِ‬
‫اء َعن َّ‬
‫ِ‬
‫َج َ‬
‫اع ِة]‪.‬‬ ‫اء َع ْن ُع َم َر َأنَّ ُه كاَ َن يُ َص يِّل ف الجْ َ َم َ‬ ‫َوقَ ْد َج َ‬
‫يِ‬
‫وذهب السادة املالكية إىل ندب صالة الرتاويح يف‬
‫املزنل‪ ،‬ولكن هذا انلدب مرشوط بثالثة أمور ذكرها‪:‬‬
‫َ لهُ‬
‫الصاوي يف «حاشيته ىلع الرشحَ الصغري» فقال‪[ :‬ق ْو ُ‪:‬‬
‫اد ب َها) إلَ ْخ‪َ :‬حاصلُ ُه أ َّن نَ ْد َب ف ْعل َها ف البْ ُيُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫(ونُد َ‬
‫وت‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َيِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫لاِ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫َ ِ‬
‫ْ ْ َ‬
‫اج ُد‪َ ،‬وأن يَنش َط‬ ‫س‬ ‫شوط ثَلاَ ثَة‪ :‬أ ْن لاَ ُت َع َّط َل ال ْ َم َ‬ ‫وط ب رُ ُ‬ ‫ش ٌ‬ ‫َم رْ ُ‬
‫ِ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ يرْ َ َ ٍّ لحْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ خَ َ َّ َ‬ ‫ْ َ‬
‫اق بِا َ َر َمينِْ ‪ ،‬ف ِإن تلف‬ ‫ِل ِفع ِلها يِف بي ِت ِه‪ ،‬وأن ُيكون ْغ آف َيِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ رَ ْ كاَ َ ْ‬
‫ش ٌط ن ِفعل َها يِف ال َم ْس ِج ِد أف َضل]‪ .‬وعليه فصالة‬ ‫ِمنها‬
‫الرتاويح يف املسجد أفضل من صالتها يف املزنل‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم وجود مجاعتني يف وقت واحد إحدامها للمتأخرين‬
‫عن أداء اجلامعة األوىل يف العشاء واألخرى للمصلني صالة‬
‫الرتاويح؟‬
‫اجلواب‪ :‬ذهب مجهور الفقهاء من احلنفية واملالكية‬
‫والشافعية إىل كراهة صالة اجلماعة اثلانية يف مسجد هل إمام‬
‫راتب ومؤذن‪ ،‬وذهب احلنابلة إىل جواز هذه اجلماعة من غري‬
‫كراهة‪.‬‬
‫‪ 86 ‬‬
‫وللخروج من اخلالف جيوز ملن فاتته صالة العشاء‬
‫يأتم بإمام صالة الرتاويح ب ِنية صالة العشاء‪،‬‬ ‫يف مجاعة أن َّ‬
‫ويتم صالة العشاء بعد تسليم اإلمام‪.‬‬ ‫َّ‬
‫س‪ :‬هل جيوز قضاء صالة الرتاويح ملن فاتته؟‬
‫اجلواب‪ :‬إذا فاتت صالة الرتاويح عن وقتها بطلوع‬
‫الفجر‪ ،‬فقد ذهب احلنفية يف األصح عندهم واحلنابلة يف‬
‫ظاهر كالمهم إىل أنها ال تقىض؛ ألنها ليست بآكد من سنة‬
‫املغرب والعشاء‪ ،‬وتلك ال تقىض فكذلك هذه‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬لو فات انلفل املؤقت ندب قضاؤه‪،‬‬
‫ََ‬
‫[(ول ْو‬ ‫قال اخلطيب الرشبيين يف «مغين املحتاج» (‪:)457 /1‬‬
‫َ ْ لاَ‬ ‫َ َ لاَ ْ‬ ‫َ َ َّ ُ ْ ُ َ َّ ُ ُ َّ لجْ َ َ َ ُ‬
‫يد أو‬ ‫اع َة ِفي ِه كص ِة ال ِع ِ‬ ‫تا م‬ ‫فات انلفل المؤقت) سن ِ‬
‫الصحيحَ‬ ‫اؤ ُه ف الأْ ْظ َهرِ) َديث َّ‬ ‫ُّ حىَ ُ َ َ َ ُ‬
‫ض‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫(ن‬ ‫الض‬ ‫ة‬
‫َ َ لاَ‬
‫كص‬
‫ينِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لحِ‬ ‫يِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َّ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ َ لاَ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ِّ َ َ َ َ َ َ‬
‫«من نام عن ص ٍة أو ن ِسيها فليصلها إذا ذكرها»‪« ،‬ولأِ نه‬
‫ْ‬ ‫جر ل َ َّما نَ َ‬ ‫َ لىَّ هَّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َضىَ َ ْ َ ْ َ ْ‬
‫ام يِف ال َوا ِدي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬ص الل علي ِه وسل َم‪ -‬ق ركعتيَِ الف‬
‫الش ْم ُس» َر َو ُاه أبُو َد ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ لىَ ْ َ‬ ‫لاَ‬ ‫َ‬
‫اود بِ ِإ َ ْسنَا ٍد‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫الصبْ ِح إ أن َطل َع‬ ‫ع ْن َص ِة‬
‫َّ ُّ ْ ْ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ نحَ ْ ُ ُ َ َضىَ‬
‫«وق َ َركعَتيَ ْ ُسن ِة الظه ِر ال ُمتَأخ َر ِة‬ ‫يح‪ ،‬و يِف مس ِل ٍم وه‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫َص ِح‬
‫ت‬ ‫َ َّن َها َصلاَ ٌة ُم َؤ َّقتَ ٌة َف ُقضيَ ْ‬
‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ان‬
‫َ َ ُ َّ ْ َ‬
‫خ‬ ‫ي‬ ‫الش‬ ‫اه‬ ‫و‬‫ر‬ ‫»‬ ‫ص‬ ‫َب ْع َد الْ َ‬
‫ع‬
‫ْ ِ‬ ‫لأِ‬
‫ْ ُ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫صرَ‬ ‫َ‬ ‫كاَ ْ َ َ رِْ َ َ َ ٌ َّ َ ُ َ ِلحْ َضرَ ُ َ‬
‫كما ح بِ ِه ابن المق ِري]‪.‬‬ ‫لفرائِ ِض‪ ،‬وسواء السفر وا‬
‫وعليه فمن فاتته صالة الرتاويح ندب هل قضاؤها ىلع‬
‫املفىت به‪.‬‬

‫‪ 87 ‬‬
‫س‪ :‬ما املطلوب من املسلم فعله يف العرش األواخر من شهر‬
‫رمضان؟‬
‫اجلواب‪ :‬ينبيغ ىلع املسلم أن يتبع هدي رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وسلم يف العرش األواخر من رمضان فقد ورد‬
‫أنه صىل اهلل عليه وسلم إذا دخل العرش األواخر شد مزئره‬
‫وأيقظ أهله وأحيا يلله ‪ .‬فيجب ىلع املسلم أن جيتهد يف‬
‫العبادة وحيث أهله ىلع ذلك حىت يكون يف توديع هذا الشهر‬
‫الكريم‪ ،‬وال حيرم نفسه من قيام يللة القدر اليت يه خري من‬
‫ألف شهر ‪.‬‬
‫س‪ :‬ما احلكم فيمن مات وعليه صوم؟‬
‫اجلواب‪ :‬إن من مات وعليه صوم جيب ىلع ورثته‬
‫إخراج فدية هذا الصيام من الرتكة قبل توزيعها بواقع إطعام‬
‫مسكني عن لك يوم من أوسط ما اكن يأكله هذا املتوىف بما‬
‫ٌّ‬
‫مقداره مد‪ ،‬وهو مكيال يساوي بالوزن ‪ 510‬جرامات من‬
‫القمح‪ ،‬وجيوز إخراج قيمتها ودفعها للمسكني ىلع ما عليه‬
‫الفتوى‪ .‬وإن لم يكن هل تركة فيستحب ألوالده وأقاربه أن‬
‫خيروجوا عنه هذه الفدية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪ 88 ‬‬
‫فتاوى متعلقة باملفطرات وما يفسد الصوم‬
‫س‪ :‬ما حكم بلع البلغم؟‬
‫اجلواب‪ :‬بلع ابللغم أثناء الصيام ال يفطر عند اجلمهور‬
‫ً‬
‫مفطرا‪.‬‬ ‫إال إذا أخرجه الصائم ثم ابتلعه فإنه يكون‬
‫س‪ :‬هل القيء يفسد الصيام؟‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب منه‬ ‫اجلواب‪ :‬إذا غلب اليقء الصائم من غري تسب ٍ‬
‫فصيامه صحيح وال قضاء عليه‪ ،‬ولكن عليه أن ال َّ‬
‫يتعمد‬
‫ابتالع يشء مما خرج من جوفه وأن ال يُ رِّ‬
‫قص يف ذلك‪ ،‬فإذا‬ ‫ٍ‬
‫سبق إىل جوفه يشء فال يرضه‪ ،‬أما َم ْن َت َع َّم َد اليقء وهو مخُ ْتارٌ‬
‫يشء منه إىل‬ ‫ٌ‬ ‫صومه يفسد ولو لم يرجع‬ ‫َ‬ ‫ذا ِك ٌر لصومه فإن‬
‫يوما ماكنه؛ لقول انليب صىل اهلل عليه‬ ‫جوفه‪ ،‬وعليه أن يقيض ً‬
‫استَ َق َ‬
‫اء‬ ‫«م ْن َذ َر َع ُه الْقيَ ْ ُء فَلَيْ َس َعلَيْ ِه قَ َض ٌ‬
‫اء‪َ ،‬و َمن ْ‬ ‫وآهل وسلم‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬
‫ع ْم ًدا فليَق ِض»(((‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم وضع النقط يف األنف أو األذن أثناء الصيام؟‬
‫ُ‬
‫فسد للصوم إذا‬ ‫اجلواب‪ :‬وضع انلقط يف األنف م ِ‬
‫وصل ادلواء إىل ادلماغ‪ ،‬فإذا لم جياوز اخليشوم فال قضاء فيه‪.‬‬
‫صحة صوم َمن َص َّ‬
‫ب يف أذنه‬ ‫وقد اختلف الفقهاء يف َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شيئًا أثناء الصوم؛ طبقا الختالفهم فيما إذا اكنت األذن منفذا‬
‫لاً‬ ‫ً‬
‫مفتوحا موص إىل ادلماغ أو احللق أو ال؛ واالختالف يف‬
‫((( أخرجه الرتمذي (‪ ،)98/3‬وابن ماجه (‪ ،)536/1‬وأمحد يف مسنده (‪.)498/2‬‬
‫‪ 89 ‬‬
‫ٌ‬
‫اتلصوير واتلكييف ينبين عليه اختالف يف حكم املسألة؛‬
‫لاً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مفتوحا موص إىل ادلماغ أو احللق‬ ‫فمن اعتربها منفذا‬
‫يشء من ذلك إىل‬‫ٌ‬ ‫قال بفساد الصوم باتلقطري فيها إذا وصل‬
‫ادلماغ أو احللق‪ ،‬ومن لم يعتربها كذلك قال بعدم فساد‬
‫ذلك يف احللق أو ال‪.‬‬ ‫الصوم باتلقطري فيها؛ سواء وجد أثر‬
‫ُُ‬
‫وعليه فإن استعمال قطرة األذن أثناء الصوم من‬
‫املسائل املختلف فيها‪ ،‬واملختار للفتوى أنها ال تفطر ما دامت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫طبلة األذن سليمة تمنع وصول مكوناتها إىل احللق مبارشة‪،‬‬
‫أثر انلقط يف احللق أو لم‬ ‫صحيح؛ سواء َظ َه َر ُ‬
‫ٌ‬ ‫حينئذ‬
‫ٍ‬ ‫والصوم‬
‫سم ُح بوصول تلك‬ ‫َي ْظ َهر‪ ،‬فإن قرر الطبيب أن فيها ثقبًا حبيث ي َ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫حينئذ تفطر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫املكونات إىل احللق مبارشة فإنها‬
‫س‪ :‬هل استعامل احلقنة الوريدية أو يف العضل للعالج أو للتقوية‬
‫مبطلة للصوم؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال يبطل الصوم بيشء ِم َّما ذكر؛ ألن رشط‬
‫منفذ طبَيع‬
‫ٍ‬ ‫نقض الصوم أن يصل ادلاخل إىل اجلوف من‬
‫ظاهرا ِح ًّسا‪ ،‬واملادة اليت حيقن بها ال تصل إىل اجلوف‬
‫ً‬ ‫مفتوح‬
‫ظاهرا ِح ًّسا‪ ،‬فوصوهلا‬
‫ً‬ ‫مفتوح‬
‫ٍ‬ ‫منفذ طبَيع‬
‫ٍ‬ ‫أصال‪ ،‬وال تدخل من‬
‫ِّ‬
‫املسام ال ينقض الصوم‪.‬‬ ‫إىل اجلسم من طريق‬
‫س‪ :‬ما حكم استعامل احلقن الرشجية أثناء الصوم؟‬
‫اجلواب‪ :‬مذهب مجهور العلماء أنها مفسدة للصوم‬
‫إذا استُعملَ ْ‬
‫الع ْمد واالختيار؛ ألن فيها إيصاال للمائع‬‫ت مع َ‬
‫ِ‬
‫‪ 90 ‬‬
‫ٌ‬ ‫َْ‬
‫املحقون بها إىل اجلوف من َمنف ٍذ مفتوح‪ ،‬وهناك قول للمالكية‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫قول آخر‬
‫فطر‪ ،‬وهو وجه عند الشافعية‪ ،‬ويف ٍ‬ ‫أنها مباحة ال ت ِ‬
‫عند املالكية أنها مكروهة يُستحب قضاء الصوم باستعماهلا‪.‬‬
‫وبناء ىلع ذلك‪ :‬فيمكن تقليد هذا القول عند‬ ‫ً‬
‫املالكية ملن ابتيل باحلقنة الرشجية وحنوها يف الصوم ولم يكن‬
‫هل جمال يف تأخري ذلك إىل ما بعد اإلفطار‪ ،‬ويكون صيامه‬
‫صحيحا وال جيب القضاء عليه‪ ،‬وإن اكن يستحب‬ ‫ً‬ ‫حينئذ‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫القضاء خروجا من خالف مجهور العلماء‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم استعامل بخاخة الربو أثناء الصيام؟‬
‫اجلواب‪ :‬يبطل الصوم باستعمال خباخة الربو وجيب‬
‫القضاء؛ ألنها توصل ادلواء السائل إىل اجلوف ىلع هيئة رذاذ‬
‫منفذ مفتوح َطبْ ًعا‪ ،‬وهو الفم‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫ٍ‬ ‫هل ِج ْر ٌم عن طريق‬
‫املريض القضاء‪ ،‬واكن املرض مزمنًا فعليه الفدية عن لك يوم‬
‫ّ‬
‫إطعام مسكني بما مقداره مد من طعام من قوت ابلدل اكألرز‬
‫ُ ّ‬
‫والمد مكيال (حجم) يساوي بالوزن ‪ 510‬جرامات من‬ ‫مثال‪)،‬‬
‫القمح‪ ،‬وجيوز إخراج قيمتها ودفعها للمسكني ىلع ما عليه‬
‫الفتوى‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم أخذ إبر األنسولني خالل الصوم؛ حيث إن الطبيب‬
‫املعالج أوضح أنه جيب أخذ إبرة األنسولني قبل تناول الطعام‬
‫بنصف ساعة‪ ،‬فهل جيوز أخذها يف نصف الساعة األخرية من‬
‫الصوم؟‬
‫‪ 91 ‬‬
‫اجلواب‪ :‬ال مانع رشعاً من أخذ حقن األنسولني حتت‬
‫ً‬
‫صحيحا ألنها وإن‬ ‫اجلدل أثناء الصيام ويكون الصيام معها‬
‫وصلت إىل اجلوف فإنها تصل إيله من غري املنفذ املعتاد ومن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫صحيحا‪.‬‬ ‫ث َّم يكون الصوم معها‬
‫س‪ :‬ما حكم احلجامة‪ ،‬ونقل الدم أثناء الصوم؟‬
‫ُ‬
‫فسد‬
‫اجلواب‪ :‬مجهور الفقهاء ىلع أن احلجامة ال ت ِ‬
‫الصوم؛ ألن الفطر مما دخل ال مما خرج‪ ،‬وهذا ضابط أغليب‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ومثل احلجامة يف احلكم نقل ادلم؛ فإنه ال يؤثر ىلع صحة‬
‫الصوم‪ ،‬لكن برشط أن يأمن الصائم ىلع نفسه الضعف‬
‫والرضر‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم تناول املرأة ألدوية تؤخر احليض لتصوم الشهر‬
‫كامال؟‬
‫َ اجلواب‪ :‬جيوز هلا ذلك ما لم يثبت رضر ذلك ِطبِّ ًّيا‪،‬‬
‫واأل ْوىل واألفضل تركه؛ ألن وقوف املرأة املسلمة مع مراد‬
‫َّ‬
‫اهلل تعاىل وخضوعها ملا قدره اهلل عليها من احليض ووجوب‬
‫ْ‬
‫اإلفطار أثناءه‪ ،‬وقضاءها ل ِ َما أفطرته بعد ذلك أث َوب هلا وأعظم‬
‫ً‬
‫أجرا‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم عمل الفحص املهبيل أثناء الصيام؟‬
‫اجلواب‪ :‬الفحص املهبيل اذلي يتم فيه إدخال آلة‬
‫الكشف الطيب يف فرج املرأة يفسد الصوم عند اجلمهور‪،‬‬
‫‪ 92 ‬‬
‫ً‬
‫خالفا للمالكية؛ حيث إن االحتقان باجلامد –يف ادلبر أو‬
‫فرج املرأة‪ -‬ال يفسد الصوم عندهم‪.‬‬
‫وىلع ذلك فيمكن ملن احتاجت إىل ذلك من النساء‬
‫حينئذ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫حال صيامها أن تقدل املالكية‪ ،‬وال يفسد الصوم بذلك‬
‫ً‬
‫خروجا من اخلالف‪.‬‬ ‫وإن اكن يستحب هلا القضاء‬
‫س‪ :‬ما حكم التدخني أثناء الصيام؟‬
‫اجلواب‪ :‬اتلدخني مع كونه اعدة سيئة حمرمة ترض‬
‫ْ ٌ‬
‫موجب للقضاء؛ ألن‬‫ٌ‬ ‫بصحة اإلنسان فهو أيضا ُمف ِسد للصوم‬
‫ادلخان انلاتج عن حرق اتلبغ يتاكثف فيصري ِج ْر ًما دخل‬
‫جوف اإلنسان بتجاوزه احللقوم‪.‬‬
‫س‪ :‬والده املتوىف تزوج أمه يف رمضان وظنا منه أن الزواج عذر‬
‫لإلفطار فقد قام العروسان بإفطار رمضان كله‪ ،‬األم تقول إهنا‬
‫قضت الصيام بينام زوجها املتوىف مل يفعل‪ .‬فهل يمكن لولده أن‬
‫يقيض صيام والده؟ و هل هناك التزامات أخرى؟‬
‫اجلواب‪ :‬إذا اكن ذلك الرجل قد أفطر بأكل ورشب‬
‫ولم يعقد انلية أصلاً لصيام رمضان ظانًّا أنه ليس ً‬
‫فرضا‬
‫عليه وهو حديث عهد بزواج وهو ظن خطأ فإنه يكون‬
‫عليه قضاء رمضان من غري كفارة؛ ألن ما أحدثه من مجاع‬
‫اكن بعد إفطاره أو يف حالة عدم انعقاد صومه‪ ،‬وىلع ودله أن‬
‫خيرج عنه فدية طعام مسكني وجبتني عن لك يوم من األيام‬
‫‪ 93 ‬‬
‫اليت أفطرها‪ .‬ويف واقعة السؤال‪ :‬يطعم ثالثني مسكينًا للك‬
‫مسكني وجبتان مشبعتان كفارة عن وادله املتوىف‪.‬‬
‫س‪ :‬هل الغسيل الكلوي أثناء الصيام يفطر أم جيب أن يكون‬
‫بعد اإلفطار؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال يرض الصيام طاملا اكن من األوردة‬
‫والرشايني‪ .‬وعليه فإن الصوم ال يفسد بالغسيل اللكوي ‪.‬‬
‫س‪ :‬هل خلع األسنان يف هنار رمضان يبطل الصوم؟‬
‫اجلواب‪ :‬خلع األسنان للصائم جائز‪ ،‬وال يبطل الصوم‬
‫بذلك‪ ،‬إذا لم يدخل يشء إىل اجلوف‪ ،‬وخروج ادلم من خلع‬
‫األسنان ال يؤثر يف الصوم‪ ،‬ولكن جيب ىلع الصائم أن يتحرز‬
‫من ابتالع ادلم‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم استعامل السواك أو املعجون وفرشاة األسنان أثناء‬
‫الصوم؟‬
‫اجلواب‪ :‬جيوز للصائم استعمال السواك تلنظيف الفم‬
‫مستحب خاصة يف الصباح بعد‬ ‫ٌّ‬ ‫واألسنان واللسان‪ ،‬بل هو‬
‫ايلقظة من انلوم‪ ،‬وعند تغري الفم‪ ،‬وقد كره اإلمام الشافيع‬
‫استعمال السواك بعد الزوال للصائم؛ ل ِ َما جاء يف احلديث‬
‫الرشيف من أن خلوف فم الصائم أطيب عند اهلل من ريح‬
‫املسك‪ ،‬وهذا معىن حسن إن اكن انلاس ال جيدون راحئته‪،‬‬

‫‪ 94 ‬‬
‫َ‬
‫فإن األفضل هل أن يغري‬ ‫فإن اكن الصائم يتعامل مع انلاس‬
‫َ َ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫راحئة فمه ولو بعد الزوال؛ توقيًا من تأذيهم براحئته؛ ألن درء‬
‫َّ‬
‫املفاسد مقد ٌم ىلع جلب املصالح‪.‬‬
‫وكذلك احلال يف استعمال املعجون وفرشاة األسنان‬
‫ً‬ ‫ُ قىَّ‬
‫جيدا من آثار‬ ‫يف نهار رمضان‪ ،‬برشط أن ينَ الفم باملاء‬
‫املعجون حىت ال تترسب مادته إىل احللق‪ ،‬فإن بقيت راحئة‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫املعجون أو طعمه فإن ذلك ال يُؤثر ما دامت مادة املعجون‬
‫نفسها قد زالت‪.‬‬
‫َّ‬
‫هذا‪ ،‬ومن السنن املؤكدة يف حق الصائم أن خيلل ما‬
‫ُ َّ‬ ‫ً‬
‫ويفضل أن يستعمله لكما دعت‬ ‫جيدا بالسواك‪،‬‬ ‫بني أسنانه‬
‫احلاجة إىل استعماهل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومن اآلداب اإلسالمية اليت ينبيغ مرااعتها أال‬
‫يستخدم السواك أمام انلاس ويف األماكن العامة اكملواصالت‬
‫وماكتب العمل أو بعد إقامة الصالة وقبل تكبرية اإلحرام؛‬
‫ألن استخدام السواك حيتاج إىل مضمضة الفم باملاء بعد‬
‫استخدامه وغسل السواك بعد االستعمال‪.‬‬
‫س‪ :‬هل وضع مرطب للشفاه يف هنار رمضان مفطر؟‬
‫اجلواب‪ :‬وضع مرطب الشفاه يف نهار رمضان ال يبطل‬
‫الصوم‪ ،‬ما لم يبتلع منه الصائم شيئًا‪.‬‬

‫‪ 95 ‬‬
‫س‪ :‬هل وضع قطرة العني تفسد الصيام؟‬
‫اجلواب‪ :‬إن مذهب اإلمام مالك أن لك ما دخل من‬
‫الفم ووصل إىل احللق‪ ،‬واجلوف فإنه يفطر‪ ،‬وعند أيب حنيفة‬
‫لك ما وصل يشء من اخلارج إىل اجلوف فهو مفسد للصوم‬
‫حىت احلصاة أو انلواة أو الرتاب‪ ،‬ومثل ذلك لو وصل إىل جوف‬
‫الرأس باإلقطار يف األذن‪ ،‬ومذهب الشافيع أن ادلاخل املقطر‬
‫بالعني الواصلة من الظاهر إىل ابلاطن يف منفذ إىل ابلطن ال‬
‫يفطر‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم الرشع يف صيام من غاب عنه برصه وسمعه‪ ،‬وكيف‬
‫يكون صيامه؟‬
‫اجلواب‪ :‬يصوم من اغب عنه برصه وسمعه وصيامه‬
‫كصيام اعمة املسلمني‪ ،‬وىلع ويله أو من يقوم باإلرشاف‬
‫عليه أن ينبهه بأي طريقة يفهمها هذا املريض‪ ،‬وإذا لم جيد‬
‫اَ‬
‫من ينبهه وال يقوم ىلع أمره فيجتهد قدر استطاعته‪{ :‬ل‬
‫َ‬ ‫ٱلل َن ۡف ًسا إ اَّل ُو ۡس َع َها ۚ ل َ َها َما َك َس َب ۡ‬
‫ت َو َعل ۡي َها َما‬ ‫ك ّل ُِف هَّ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ي‬
‫ِ‬
‫ت} [البقرة‪.]286 :‬‬ ‫ٱكتَ َس َب ۡ‬
‫ۡ‬

‫س‪ :‬ما حكم االستمناء يف هنار رمضان؟‬


‫اجلواب‪ :‬الصحيح اذلي عليه مجاهري العلماء أن‬
‫االستمناء بايلد يبطل الصيام‪ ،‬وذهب ابن حزم من الظاهرية‬
‫وأبو بكر بن اإلساكف وأبو القاسم من احلنفية إىل أنه ال‬
‫‪ 96 ‬‬
‫يبطل الصوم‪ ،‬ولكن الصحيح هو قول اجلمهور؛ ألن اإليالج‬
‫من غري إنزال مفطر‪ ،‬فاإلنزال بشهوة أوىل‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم االحتالم يف رمضان؟‬
‫اجلواب‪ :‬االحتالم يف انلوم أثناء الصوم ال يفسده‪ ،‬ولك‬
‫َّ‬
‫ما ىلع اإلنسان إذا استيقظ أن يغتسل حىت يصيل‪ ،‬ولو أخر‬
‫أذن املغرب فصومه صحيح ً‬ ‫َّ‬
‫أيضا‪ ،‬واملبادرة‬ ‫االغتسال حىت‬
‫إىل الغسل أوىل وأحوط‪.‬‬
‫س‪ :‬هل جيوز للصائم أن يبلع ريقه يف رمضان أثناء الصيام؟‬
‫اجلواب‪ :‬جيوز للصائم أن يبلع ريقه؛ ألن الفقهاء‬
‫ذكروا أن من األشياء اليت ال تفطر ‪-‬لعموم ابللوى بها‪ -‬ما ال‬
‫يمكن االحرتاز منه كبلع الريق وشم الروائح الطيبة وغبار‬
‫الطريق وغري ذلك من لك ما ال يمكن االحرتاز منه ‪.‬‬
‫س‪ :‬من نام أكثر اليوم يف هنار رمضان هل يبطل صومه؟‬
‫اجلواب‪ :‬انلوم أكرث انلهار يف رمضان ال يبطل الصوم‪،‬‬
‫بل لو نام الصائم انلهار لكه فصومه صحيح‪ ،‬قال اإلمام انلووي‬
‫يع‬‫َ‬ ‫يف «روضة الطابلني وعمدة املفتني» (‪َ َ ْ َ َ :)366/2‬‬
‫[ولو نام جمَِ‬
‫َْ ْ‬ ‫انل َهار َص َّح َص ْو ُم ُه علَىَ َّ‬
‫َّ‬
‫وف]‪.‬‬‫يح المع ُر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِح‬ ‫ِ‬
‫َّ لاَ ِّ‬
‫[انل ْو ُم يُ َؤث ُر‬ ‫وقال ابن قدامة يف «املغين» َ(‪:)116 /3‬‬
‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ ْ َ َ ٌ َ‬
‫ار أ ْو َبع ِض ِه]‪.‬‬
‫يع انله ِ‬ ‫يِف الصومِ ‪ ،‬سواء ُو ِجد يِف جمَِ ِ‬
‫‪ 97 ‬‬
‫فتاوى متعلقة باملرأة الصائمة‬
‫س‪ :‬هل جيوز للمرأة اإلفطار يف رمضان من أجل استكامل‬
‫إجراءات التلقيح املجهري؟‬
‫اجلواب‪ :‬طاملا أن حالة املرأة تستلزم إفطارها بنصح‬
‫األطباء للحفاظ ىلع جنينها فيجوز هلا اإلفطار رشاع‪ ،‬وعليها‬
‫القضاء عندما يتيرس هلا ذلك‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم انقطاع دم احليض قبل الفجر بوقت ال يسع الغسل‪،‬‬
‫هل جيب الصوم عىل احلائض؟‬
‫اجلواب‪ :‬إذا انقطع دم احليض قبل الفجر جيب ىلع‬
‫املرأة الصوم حىت ولو لم تغتسل قبل الفجر فتعقد انلية‬
‫بالصوم وتغتسل بعد الفجر‪ ،‬وتأخري الغسل ال يبطل الصوم‪.‬‬
‫قال اإلمام انلووي يف «روضة الطابلني وعمدة املفتني»‬
‫ْ َ‬ ‫يم َّ‬
‫الص ْومِ ‪َ ،‬وإِن ل ْم‬ ‫«وإ َذا ْان َق َط َع الحْ َيْ ُض ْ‬
‫ار َت َف َع تحَ ْر ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫‪ِ :)137‬‬ ‫(‪/1‬‬
‫ََْ ْ‬
‫تغت ِسل»‪.‬‬
‫وقد نص احلنابلة ىلع أنه لو نوت احلائض صوم غد‪،‬‬
‫لاً‬
‫«كشاف‬ ‫يف‬ ‫ابلهويت‬ ‫قال‬ ‫صح‪،‬‬ ‫وقد عرفت أنها تطهر يل‬
‫ت َحائ ٌض) أَوْ‬ ‫ََْ ََ ْ‬
‫القناع عن منت اإلقناع» (‪(« :)315 /2‬ولو نو‬
‫ِ‬
‫ُ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ُ ليَ ْلاً َ َّ َ َ َّ‬
‫صح) لِمشق ِة‬ ‫نفساء (صوم غ ٍد وقد عرفت أنها تطهر‬
‫ُْ َ ََ‬
‫ارن ِة»‪.‬‬ ‫المق‬

‫‪ 98 ‬‬
‫س‪ :‬جاءت الدورة الشهرية وأنا يف سن ‪ 14‬عاما‪ ،‬وكنت أفطر‬
‫ملدة سبعة أيام وال أقضيها‪ .‬فهل جيوز يل اآلن أن أصوم هذه‬
‫األيام ولو كل أسبوع يوما أو يومني؟‬
‫اجلواب‪ :‬قد اتفق الفقهاء ىلع أنه جيب الفطر ىلع‬
‫احلائض وانلفساء وحيرم عليهما الصيام‪ ،‬وإذا صامتا ال يصح‬
‫صومهما ويقع باطال‪ ،‬وأمجع الفقهاء ىلع أن احليض يوجب‬
‫ٍّ‬
‫القضاء فقط‪ ،‬وقضاء رمضان إذا لم يكن عن تعد ال جيب‬
‫ً‬
‫موسعا يف خالل العام اتلايل وقبل‬ ‫ً‬
‫وجوبا‬ ‫ىلع الفور بل جيب‬
‫حلول رمضان من العام القابل؛ فقد صح عن أم املؤمنني‬
‫اعئشة ريض اهلل عنها «أنها اكنت تقيض ما عليها من رمضان‬
‫يف شعبان»(((‪ .‬فإن أخرت القضاء حىت دخل عليها شهر‬
‫رمضان اآلخر صامت رمضان احلارض ثم تقيض بعده ما‬
‫عليها‪ ،‬وال فدية عليها سواء اكن اتلأخري لعذر أو لغري عذر‬
‫ىلع ما ذهب إيله األحناف واحلسن وابلرصي‪.‬‬
‫وذهب مالك والشافيع وأمحد إىل أنه جيب عليها‬
‫بعذر‪ ،‬أما إذا اكن اتلأخري بدون‬
‫ٍ‬ ‫القضاء فقط إن اكن اتلأخري‬
‫عذر فيلزمها القضاء والفدية‪ ،‬وال يشرتط اتلتابع يف القضاء؛‬
‫ملا روي عن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف قضاء رمضان‬
‫«إن شاء فرق وإن شاء تابع»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)35 / 3‬ومسلم (‪.)802 / 2‬‬


‫((( أخرجه ادلارقطين يف السنن (‪.)173/ 3‬‬
‫‪ 99 ‬‬
‫وبناء ىلع ما سبق ويف واقعة السؤال‪ :‬فإنه جيب ىلع‬
‫السائلة قضاء ما عليها عن السنوات املاضية وأن تعجل بهذا‬
‫قبل دخول رمضان القادم ‪.‬‬
‫س‪ :‬زوجتي حامل وقد منعها الطبيب من الصيام‪ ،‬فهل عليها‬
‫كفارة أو فدية‪ ،‬ويف حالة الوجوب ماذا يكون مقدارها ويف أي‬
‫وقت تسدد؟‬
‫اجلواب‪ :‬إذا قرر الطبيب املسلم عدم قدرة زوجة‬
‫السائل ىلع الصيام فال مانع أن تفطر‪ ،‬وعليها أن تقيض األيام‬
‫اليت أفطرتها بعد انتهاء العذر اذلي منعها من الصيام عن لك‬
‫يوم ً‬
‫يوما‪.‬‬
‫أما إذا اكنت غري مستطيعة للصيام حىت بعد انتهاء‬
‫العذر واكن ذلك ىلع ادلوام وقرر ذلك الطبيب املؤتمن فعليها‬
‫أن تطعم عن لك يوم مسكينًا وجبتني من أوسط طعامها‪.‬‬
‫س‪ :‬أعمل طبيبا ألمراض النساء وأسأل هل الكشف عىل‬
‫املريضة هنار رمضان أمراض نساء يفطرها؟‬
‫اجلواب‪ :‬من املقرر رشعاً أن جسد املرأة لكه عورة ما‬
‫عدا الوجه والكفني‪ ،‬والقدمني عند بعض الفقهاء‪ ،‬وأنه حيرم‬
‫ىلع غري زوجها انلظر إىل مواضع العورة ‪-‬اليت ال حتل إال هل‪-‬‬
‫إال للرضورة‪ ،‬اكلطبيب املعالج ىلع أن يكون نظر الطبيب‬
‫لعورة املرأة بقدر ما تقتضيه ظروف الفحص والعالج‪.‬‬
‫وبناء ىلع ذلك ويف واقعة السؤال‪ :‬فإن كشف طبيب‬ ‫ً‬
‫‪ 100 ‬‬
‫النساء ىلع املرأة املريضة يف شهر رمضان ال يبطل صومه‪،‬‬
‫أما بالنسبة للمرأة املريضة فإنه يفسد صومها عند اجلمهور‪،‬‬
‫خالفا للمالكية؛ حيث إن االحتقان باجلامد ‪-‬يف ادلبر أو فرج‬
‫املرأة‪ -‬ال يفسد الصوم عندهم‪.‬‬
‫وىلع ذلك فيمكن ملن احتاجت إىل ذلك من النساء‬
‫حال صيامها أن تقدل املالكية‪ ،‬وال يفسد الصوم بذلك حينئذ‪،‬‬
‫ً‬
‫خروجا من اخلالف‪ ،‬وينبيغ أن‬ ‫وإن اكن يستحب هلا القضاء‬
‫تتحرى قدر االستطاعة أن يكون الكشف بعد اإلفطار‪.‬‬
‫س‪ :‬أنا سيدة حامل يف الشهر الثاين وقد أوصت الطبيبة املعاجلة‬
‫يل بأن أفطر يف شهر رمضان وعىل حد علمي أن هذا مرخص‬
‫يل به‪ ،‬لذلك فقد قدرين اهلل سبحانه وتعاىل عىل أن أفدي عن‬
‫يوما فقد قمت بإطعام ثالثني مسكينًا‪ .‬سؤايل اآلن هو‪:‬‬‫الثالثني ً‬
‫يوما بعد الوضع؟ علماً بأنني إذا‬
‫أيضا أن أقيض الثالثني ً‬
‫عيل ً‬‫هل ّ‬
‫أيضا‬
‫قدرين اهلل تعاىل عىل أن أقوم بالرضاعة الطبيعية فهذه املدة ً‬
‫غري مستحب فيها الصيام؛ حيث إنه مقدر يل أن أضع مولودي‬
‫يف مايو املقبل بمشيئة اهلل تعاىل‪ .‬لذلك فإن شهر رمضان املقبل‬
‫سوف يأيت يف مدة الفصال‪ .‬أرجو أن تفيدوين باألمر القاطع‬
‫أيضا؟‬
‫بمعنى هل يكفي إفداء الثالثني مسكينًا أم جيب أن أقيض ً‬
‫وكيف ومتى؟‬
‫اجلواب‪ :‬طاملا أن الطبيبة املختصة قد أمرتك‬
‫فلك أن تفطري ويلزمك القضاء بعد‬ ‫باإلفطار بسبب احلمل ِ‬
‫‪ 101 ‬‬
‫رمضان وال جتزئ الفدية عن القضاء إذا كنت قادرة ىلع‬
‫الصيام بعد وضع احلمل‪ .‬وقضاء رمضان ال جيب ىلع الفور‬
‫موسعا يف أي وقت‪ .‬فقد صح عن اعئشة ريض‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وجوبا‬ ‫بل جيب‬
‫اهلل عنها أنها اكنت تقيض ما عليها من رمضان يف شعبان‬
‫فإن تأخر القضاء حىت دخل رمضان آخر صامت رمضان‬
‫احلارض ثم تقيض ما عليها‪ ،‬وال فدية عليها إن اكن اتلأخري‬
‫بعذر أما إن اكن اتلأخري بغري عذر فيلزمها القضاء والفدية‪.‬‬
‫وىلع ذلك فعىل السيدة اليت أمرتها الطبيبة باإلفطار قضاء‬
‫ً‬
‫قضاء‬ ‫ما عليها يف أي وقت تستطيع فيه القضاء سواء اكن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متتابعا أو متفرقا وما دفعته َ من ُفدية ال يغين عن القضاء‬
‫َ‬ ‫َ ‪ٞ‬‬
‫لقولـه تعــاىل‪{ :‬فعِ َّدة ّم ِۡن أيَّا ٍم أخ َر} [البقرة‪ .]184 :‬حيث‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إنها تستطيع الصيام يف أيام أخر وهو ديْن هلل يف ذمتها‪ ،‬وديْن‬
‫اهلل أحق بالقضاء‪.‬‬
‫س‪ :‬أنا غري حمجبة‪ ،‬فهل يقبل اهلل صاليت وصيامي؟‬
‫اجلواب‪ :‬الزي الرشيع للمرأة املسلمة هو أمر فرضه‬
‫ُ‬
‫اهلل تعاىل عليها‪ ،‬وحرم عليها أن ت ِ‬
‫ظهر ما أمرها بسرته عن‬
‫الرجال األجانب‪ ،‬والزي الرشيع هو ما اكن ً‬
‫ساترا للك جسمها‬
‫ما عدا وجهها وكفيها؛ حبيث ال يكشف وال يصف وال‬
‫يشف‪.‬‬
‫والواجبات الرشعية املختلفة ال تنوب عن بعضها‬
‫ُ ِّغاً‬ ‫لاً‬
‫سو هل أن يرتك‬ ‫يف األداء؛ فمن صىل مث فإن ذلك ليس م‬
‫‪ 102 ‬‬
‫الصوم‪ ،‬ومن صلت وصامت فإن ذلك ال يربر هلا ترك ارتداء‬
‫الزي الرشيع‪.‬‬
‫بالز ِّي اذلي‬
‫واملسلمة اليت تصيل وتصوم وال تلزتم ِّ‬
‫ٌ‬
‫أمرها اهلل تعاىل به رشعاً يه حمسنة بصالتها وصيامها‪ ،‬ولكنها‬
‫ٌ‬
‫ُمسيئة برتكها حلجابها الواجب عليها‪ ،‬ومسألة القبول هذه‬
‫يحُ‬ ‫َّ ٌ‬
‫أمرها إىل اهلل تعاىل‪ ،‬غري أن املسلم ملكف أن ِس َن الظن‬
‫بربه سبحانه حىت ولو قارف ذنبًا أو معصية‪ ،‬وعليه أن‬
‫أن جعل احلسنات يُذه نْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫أن من رمحة ِّ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ربه سبحانه به‬ ‫يعلم‬
‫السيئات‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وأن يفتح مع ربه صفحة بيضاء‬
‫َ ًَ‬
‫منطلقا لألعمال‬ ‫يتوب فيها من ذنوبه‪ ،‬وجيعل شهر رمضان‬
‫الصاحلات اليت تسلك به الطريق إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وجتعله يف‬
‫حمل رضاه‪ .‬وىلع املسلمة اليت أكرمها اهلل تعاىل بطاعته‬
‫وااللزتام بالصالة والصيام يف شهر رمضان أن تشكر ربها ىلع‬
‫َّ‬ ‫ذلك بأداء الواجبات اليت رَّ َ‬
‫قصت فيها؛ فإن من عالمة قبول‬
‫َ‬
‫اتلوفيق إىل احلسنة بعدها‪.‬‬ ‫احلسنة‬
‫س‪ :‬مل أتم قضاء األيام التي أفطرت فيها يف رمضان املايض‪،‬‬
‫وجاء رمضان التايل‪ ،‬فام حكم الرشع يف ذلك؟‬
‫اجلواب‪ :‬قضاء رمضان واجب ىلع الرتايخ‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك مقيد عند اجلمهور بأال يدخل رمضان آخر‪ ،‬واحتجوا‬
‫يف ذلك بما ورد عن اعئشة ريض اهلل تعاىل عنها قالت‪« :‬اكن‬

‫‪ 103 ‬‬


‫َ لاَّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يكون َّ‬
‫أستطيع أن أقضيه إ‬ ‫الصوم من رمضان‪ ،‬فما‬ ‫يلع‬
‫َ ُّ ُ ُ‬
‫هلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬أو‬ ‫يف شعبان؛ الشغل من رسول ا ِ‬
‫هلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم»(((‪.‬‬ ‫برسول ا ِ‬
‫فإن أخره من غري عذر حىت دخل رمضان اتلايل فإنه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إطعام مسكني عن لك يوم؛‬ ‫يأثم‪ ،‬وعليه مع القضا ِء الفدية‪:‬‬
‫ل ِ َما ُروي عن ابن عباس وابن عمر وأيب هريرة ريض اهلل عنهم‬
‫قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حىت أدركه رمضان آخر‪:‬‬
‫״عليه القضاء وإطعام مسكني للك يوم״‪.‬‬
‫وعند احلنفية ووجه عند احلنابلة أن القضاء ىلع‬
‫الرتايخ بال قيد؛ فلو جاء رمضان آخر ولم يقض الفائت قدم‬
‫صوم األداء ىلع القضاء‪ ،‬حىت لو نوى الصوم عن القضاء لم يقع‬
‫باتلأخري إيله‪ ،‬إلطالق انلص‪،‬‬‫َُ‬ ‫عليه ۡ ََّ‬ ‫إال عن األداء‪ ،‬وال فدية‬
‫َ ‪ٞ‬‬
‫ولظاهر قوهل تعاىل‪{ :‬فعِ َّدة ّمِن أيا ٍم أخ َر} [البقرة‪.]184 :‬‬
‫س‪ :‬هل جيوز للمرأة أن تستأجر رجلاً أجنب ًّيا للصيام عنها عند‬
‫االستطاعة؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال جيوز ذلك؛ ألن الصيام عبادة بدنية ال‬
‫ينوب فيها أحد عن أحد‪.‬‬
‫وأفطر ْت تسعة أيام يف‬
‫َ‬ ‫س‪ :‬تزوجت امرأ ٌة منذ عرشين عاما‪،‬‬
‫رمضان‪ :‬منها مخسة أيام يف أيام ال ُعرس‪ ،‬وأربعة أيام يف العام‬
‫((( سبق خترجيه ص ‪.99‬‬
‫‪ 104 ‬‬
‫التايل؛ وكان هذا بسبب اجلامع يف هنار رمضان‪ ،‬وكان هذا األمر‬
‫عىل جهل منها‪ ،‬ومل تكن تعلم أو تشعر بخطورة هذا الذنب‪ ،‬وقد‬
‫سألت بعد ذلك فنصحها البعض بصيام شهرين متتابعني‪ ،‬وقال‬
‫البعض‪ :‬ال حرج عليك فاإلثم كله عىل الزوج‪ ،‬وحينام نصحها‬
‫البعض بإحضار مبلغ معني حتى يتم إطعام ستني مسكينا رفض‬
‫عيل أن أفعل؟ وماذا عىل‬
‫زوجها كام رفض الصيام ‪ .‬وتسأل‪ :‬ماذا ّ‬
‫زوجي أن يفعل؟‬
‫اجلواب‪ :‬إذا اكن احلال كما ورد بالسؤال فيف هذه‬
‫احلالة يكون قد وجب عليهما ‪-‬يه وزوجها– القضاء وذلك‬
‫بصيام تسعة أيام للك منهما‪ ،‬كما جيب عليه وحده الكفارة‬
‫جزاء اتلعدي ىلع حدود اهلل ويه صيام شهرين متتابعني عما‬
‫أفطره من أيام‪ ،‬فإن عجز عن اتلكفري عن لكها أو بعضها‬
‫بالصيام أطعم عن املعجوز عنه ستني مسكينا من أوسط‬
‫ما يطعم منه أهله؛ ألن احلديث الصحيح اذلي جاء فيه‬
‫الصحايب يشتيك إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أنه وقع‬
‫بأهله يف نهار رمضان وقد ورد فيه حكمه صىل اهلل عليه‬
‫وسلم بالكفارة عليه وحده‪ ،‬ولم خيربه بكفارة ىلع امرأته‪،‬‬
‫وهذا وقت احلاجة إلظهار احلكم‪ ،‬وتأخري ابليان عن وقت‬
‫احلاجة ال جيوز‪ ،‬فلم جيب ىلع املرأة إال القضاء فقط‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪ 105 ‬‬
‫أحكام صدقة الفطر‬
‫زاكة الفطر‪ :‬يه الزاكة اليت جيب إخراجها ىلع املسلم‬
‫ُ‬
‫وت‬
‫قبل صالة عيد الفطر بِمقدار حمدد –صاع من اغلب ق ِ‬
‫كلُ ِّ َ ْ‬
‫ابلدل‪ -‬ىلع نف ٍس من املسلمني؛ حلديث ابن عمر‪-‬ريض‬
‫اهلل عنهما‪« :-‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فرض‬
‫َزكاَ َة الف ْطر من رمضان ىلع انلاس صاعاً من َت ْمر أو صاعاً‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫من شعري ىلع لك حر أو عب ٍد ذكر أو أنىث من املسلمني»(((‪،‬‬
‫عمن تلزمه نفقته‪.‬‬ ‫وخيرجها العائل َّ‬

‫حكمها‪:‬‬
‫رشط وجوبها هو اليسار‪َّ ،‬‬
‫أما الفقري املعرس اذلي لم‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ُ‬
‫ٌ‬
‫يشء‬ ‫ويومه‬ ‫وت َم ْن يف نفقته يللة العيد‬
‫يفضل عن قوتِه وق ِ‬
‫فال جتب عليه زاكة الفطر؛ ألنه ُ‬
‫غري قا ِدر‪.‬‬
‫الحكمة من مشروعيتها‪:‬‬
‫ْ ً‬
‫رشعها اهلل تعاىل ُطه َرة للصائم من اللغو والرفث‪،‬‬
‫وإغناء للمساكني عن السؤال يف يوم العيد اذلي يفرح‬ ‫ً‬
‫املسلمون بقدومه؛ حيث قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم‪« :‬أغنوهم عن طواف هذا ايلوم»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)130 / 2‬ومسلم (‪.)677 / 2‬‬


‫((( سنن ادلارقطين (‪ ،)152/2‬ط دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1386‬ـه‪ ،‬والسنن الكربى‬
‫للبيهيق (‪ ،)175/4‬واللفظ هل‪.‬‬
‫‪ 107 ‬‬
‫وقت وجوبها‪:‬‬
‫جتب زاكة الفطر بدخول فجر يوم العيد عند احلنفية‪،‬‬
‫بينما يرى الشافعية واحلنابلة أنها جتب بغروب شمس آخر‬
‫يوم من رمضان‪ ،‬وأجاز املالكية واحلنابلة إخراجها قبل وقتها‬
‫بيوم أو يومني؛ فقد اكن ابن عمر‪-‬ريض اهلل عنهما‪ -‬ال يرى‬
‫بأسا إذا جلس من يقبض زاكة الفطر‪ ،‬وقد ورد عن‬ ‫بذلك ً‬
‫ُ َ ِّ َ‬ ‫احلسن أنه اكن ال يرى ً‬
‫جل الرجل صدقة الفطر‬ ‫بأسا أن يع‬
‫قبل الفطر بيوم أو يومني(((‪.‬‬
‫وال مانع رشعاً من تعجيل زاكة الفطر من أول دخول‬
‫رمضان‪ ،‬كما هو الصحيح عند الشافعية؛ ألنها جتب بسببني‪:‬‬
‫بصوم رمضان والفطر منه‪ ،‬فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه‬
‫ىلع اآلخر‪.‬‬
‫ويمتد وقت األداء هلا عند الشافعية إىل غروب شمس‬
‫يوم العيد‪ ،‬ومن لم خيرجها لم تسقط عنه وإنما جيب عليه‬
‫إخراجها قضاء‪.‬‬
‫مصارفها‪:‬‬
‫زاكة الفطر خترج للفقراء واملساكني وكذلك بايق‬
‫األصناف اثلمانية اليت ذكرهم اهلل تعاىل يف آية مصارف الزاكة‪،‬‬
‫َّ َ َّ َ َ ُ ۡ ُ َ َ ٓ َ ۡ َ َ‬
‫سكِني َو ۡٱل َعٰمل َ‬
‫ِني‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬إِنما ٱلصدقٰت ل ِلفقراءِ وٱلم ٰ ِ‬

‫((( مصنف ابن أيب شيبة (‪.)115/3‬‬


‫‪ 108 ‬‬
‫هَّ‬
‫يل ٱللِ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ٱلرقَاب َو ۡٱل َغٰرم َ‬
‫ِني َوف َ‬ ‫َعلَ ۡي َها َوٱل ۡ ُم َؤ َّل َفةِ قُلُ ُ‬
‫وب ُه ۡم َوف ّ‬
‫يِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يِ ِ ِ‬
‫‪ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٱللِ َو هَّ ُ‬
‫هَّ‬ ‫ٱلسب َ َ ٗ ّ‬ ‫َوٱبۡن َّ‬
‫ٌ‬
‫ٱلل عل ِيم حكِيم} [التوبة‪.]60:‬‬ ‫يلۖ ف ِريضة م َِن ۗ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وجيوز أن يعطي اإلنسان زاكة فطره لشخص واحد كما‬
‫جيوز هل أن يوزعها ىلع أكرث من شخص‪ ،‬واتلفاضل بينهما‬
‫إنما يكون بتحقيق إغناء الفقري فأيهما اكن أبلغ يف حتقيق‬
‫اإلغناء اكن هو األفضل‪.‬‬
‫مقدارها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫عاً‬
‫وت ابلدل اكألرز‬
‫زاكة الفطر تكون صا من اغلب ق ِ‬
‫أو القمح مثال‪ ،‬والصاع الواجب يف زاكة الفطر عن لك إنسان‪:‬‬
‫ٌ‬
‫بصاع سيدنا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وهو‬‫ِ‬ ‫صاع‬
‫من املاكييل‪ ،‬ويساوي بالوزن ‪ 2.04‬كجم تقريبًا من القمح‪،‬‬
‫ً‬
‫ومن زاد ىلع هذا القدر الواجب جاز‪ ،‬ووقع هذا الزائد صدقة‬
‫َُ‬
‫عنه يثاب عليها إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫حكم إخراجها قيمة‪:‬‬
‫طعاما هو األصل املنصوص عليه‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫إخراج زاكة الفطر‬
‫يف السنة انلبوية املطهرة‪ ،‬وعليه مجهور فقهاء املذاهب َّ‬
‫املتبَعة‪،‬‬
‫ٌ مجُ ْ‬ ‫إال أن إخراجها بالقيمة ٌ‬
‫جائز و ِزئ‪ ،‬وبه قال فقهاء‬ ‫أمر‬
‫ً‬
‫قديما‬ ‫احلنفية‪ ،‬ومجاعة من اتلابعني‪ ،‬وطائفة من أهل العلم‬
‫مخُ َ‬ ‫وحديثًا‪ ،‬وهو ً‬
‫أيضا رواية َّرجة عن اإلمام أمحد‪ ،‬بل إن اإلمام‬
‫الرميل الكبري من الشافعية قد أفىت يف فتاويه جبواز تقليد‬
‫‪ 109 ‬‬
‫اإلمام أيب حنيفة‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬يف إخراج بدل زاكة الفطر‬
‫دراهم ملن سأهل عن ذلك(((‪ ،‬وهذا هو اذلي عليه الفتوى اآلن؛‬
‫ألن مقصود الزاكة اإلغناء‪ ،‬وهو حيصل بالقيمة واليت يه أقرب‬
‫إىل منفعة الفقري؛ ألنه يتمكن بها من رشاء ما حيتاج إيله‪،‬‬
‫وجيوز إعطاء زاكة الفطر هليئة خريية تكون كوكيلة عن‬
‫صاحب الزاكة يف إخراجها إىل مستحقيها‪.‬‬
‫من تجب عليهم‪:‬‬
‫ب زاكة الفطر عن امليت اذلي مات قبل غروب‬ ‫ال ُ‬
‫تجَِ‬
‫شمس آخر يومٍ من رمضان؛ ألن امليت ليس من أهل الوجوب‪،‬‬
‫وال جيب إخراج زاكة الفطر عن اجلنني إذا لم يودل قبل مغرب‬
‫يللة العيد كما ذهب إىل ذلك مجاهري أهل العلم‪ ،‬فاجلنني ال‬
‫يثبت هل أحاكم ادلنيا إال يف اإلرث والوصية برشط خروجه‬
‫حيا‪ ،‬لكن من أخرجها عنه فحسن؛ ألن بعض العلماء‬ ‫ًّ‬
‫‪-‬اكإلمام أمحد‪ -‬استحب ذلك؛ ملا روي من أن عثمان بن‬
‫عفان‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬اكن يعطي صدقة الفطر عن الصغري‬
‫والكبري حىت عن احلمل يف بطن أمه؛ وألنها صدقة عمن ال‬
‫جتب عليه‪ ،‬فاكنت مستحبة كسائر صدقات اتلطوع‪.‬‬

‫‪‬‬
‫((( فتاوى الرميل (‪ ،)56 ،55/2‬ط املكتبة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 110 ‬‬
‫أحكام عيد الفطر‬
‫َ‬ ‫َّ ٌ‬
‫األعياد ُسنة فِ ْط ِر َّية ُج ِبل انلاس ىلع اختاذها‪ ،‬فاكنوا‬
‫أياما لالحتفال واالجتماع وإظهار‬ ‫خيص ُصون ً‬ ‫ِّ‬ ‫منذ القدم‬
‫بات حصلت يف مثل تلك األيام‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الفرح إلحياء ذكرى مناس ٍ‬
‫ٌ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ِكلُ‬
‫ظهر‬‫واكن ل أمة أيام معلومة ت ِ‬ ‫كأيام انلرص وأيام امليالد‪،‬‬
‫ُ‬
‫فيها زينتَها وتعلن رسورها وت ِّ‬
‫رسي عن نفسها ما يُصيبها‬
‫ُّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫انليب صىل‬ ‫السنة َو َجد‬ ‫من َرهق احلياة وعنَ ِتها‪ ،‬وىلع هذه‬
‫األنصار يف املدينة بعد هجرته إيلها‬ ‫َ‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خِّ‬ ‫ُ‬
‫اجلاهلية‪ ،‬فلم‬ ‫يلعبون يف يومني‪َ ،‬و ِرثوا اتاذهما ِعيدا عن‬
‫ُ ْ ْ َ‬
‫أصل الفكرة‪ ،‬وأباح اختاذ العيد حتصيال ملزاياه القومية‬ ‫كر‬ ‫ين ِ‬
‫واالجتماعية وادلينية‪ ،‬ولكنه استبدل بيويم اجلاهلية يومني‬
‫آخرين مرتبطني بشعريتني من أعظم شعائر اإلسالم‪ ،‬وهما‬
‫يوما الفطر واألضىح‪.‬‬
‫ً‬
‫عيدا للمسلمني‪ ،‬فيه‬ ‫فقد جعل اهلل يوم الفطر‬
‫يتبادلون اتلهاين والزتاور‪ ،‬وفيه يتعاطفون ويرتامحون‪ ،‬وفيه‬
‫ويزتينون‪ ،‬وفيه َّ‬
‫يتمتعون بطيِّبات ما رزق اهلل‪ ،‬وفيه‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يتجملون‬
‫كلُ ُّ‬ ‫ِّ‬
‫يُ َوثقون بينهم عرى املحبة واإلخاء‪ ،‬وحىت يَ ِت َّم هذا باسم‬
‫اهلل ويف ظ ِّل رمحته جعل افتتاح هذا ايلوم السعيد اجتماعاً‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫اعما للمسلمني يؤدون فيه مجيعا ىلع اختالف طبقاتهم ويف‬
‫ُ ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وي َهللون ويشكرون‬ ‫صعيد واحد صالة ال ِعيد‪ ،‬يُكبرِّ ُ ون فيها‬ ‫ٍ‬
‫ويعطفون ىلع إخوانهم الفقراء واملساكني‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ىلع ما هداهم‪،‬‬
‫‪ 111 ‬‬
‫ويلقوا‬‫وأرباب احلاجات؛ ليستغنوا عن السؤال يف هذا ايلوم‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ع ْ‬
‫ب َء احلياة خلف ظهورهم قليال بمشاركتهم إخوانهم يف‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َ‬
‫الصالة ومباد ِتلهم اتلحية واملحبة‪ ،‬واتله ِنئة واملودة‪ ،‬فيكون‬
‫جمَ‬
‫املسلم قد َ َع يف هذا ايلوم بني اتصاهل بربه عن طريق العبادة‪،‬‬
‫واالتصال بانلاس عن طريق اتلعاون والرتاحم واإلخاء‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ولوم الفطر إحياءات بنعم اهلل عز وجل منها‪ :‬أنه أول‬ ‫يِ‬
‫يوم بعد رمضان حيث تعود فيه إىل املؤمن حريته الشخصية‬
‫َّ َّ‬ ‫َّ‬
‫عز وجل‬ ‫يف مأكله ومرشبه‪ ،‬بعد أن اكن قد سل َمها إىل مواله‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خمتارا‪ ،‬إيذانا بأنه ال يضيح بها إال يف‬ ‫طائعا‬ ‫خالل رمضان‬
‫سبيل ما هو أعز منها وهو رضوان اهلل ومغفرته‪ ،‬أما فيما‬
‫َ‬ ‫ِّ َ‬
‫عدا ذلك فدون َسلها خ ْر ُط القتَا ِد‪ ،‬ومنها أن املسلم يشعر‬
‫فيه بفرحتني عظيمتني هلما أكرب األثر يف حياته وقوته‪ :‬فرحة‬
‫واجب الطاعة واالمتثال ألمر اهلل‪ ،‬وفرحة‬ ‫ِ‬ ‫القيام بالواجب‪،‬‬
‫اثلقة حبسن اجلزاء من اهلل‪ ،‬وهو ما يشري إيله الرسول صىل‬
‫لصائم فَ ْر َحتَ َ َ ٌ ْ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫ان ف ْرحة ِعند فِط ِرهِ‬
‫ِ‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم بقوهل‪« :‬ل ِ ِ ِ‬
‫َ ٌ ْ َ‬
‫َوف ْر َحة ِعن َد ِلقا ِء َر ِّب ِه»(((‪.‬‬
‫إحياء ليلة العيد‪:‬‬
‫يسن إحياء يللة العيد بالعبادة من ذكر أو صالة‬
‫أو غري ذلك من العبادات‪ ،‬ال سيما صالة التسابيح‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)673/2‬ومسلم (‪.)806/2‬‬


‫‪ 112 ‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ للِهَّ ْمحُ َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ت ِسبًا ل ْم‬ ‫ام ليَلتيَِ ال ِعيدي ِن ِ‬ ‫لفضلها(((؛ حلديث‪« :‬من ق‬
‫وب»(((‪ ،‬واملراد بموت القلوب شغفها‬ ‫وت الْ ُقلُ ُ‬
‫َ ُ ْ َ ُُْ َْ َ َ ُ ُ‬
‫يمت قلبه يوم تم‬
‫حبب ادلنيا‪ ،‬وقيل الكفر‪ ،‬وقيل الفزع يوم القيامة‪ ،‬وحيصل‬
‫اإلحياء بمعظم الليل اكملبيت بمىن‪ ،‬وقيل بساعة منه‪ ،‬وعن‬
‫ابن عباس‪-‬ريض اهلل تعاىل عنهما‪ :-‬״بصالة العشاء مجاعة‬
‫والعزم ىلع صالة الصبح مجاعة‪ ،‬وادلاعء فيهما״‪.‬‬
‫تكبري العيد‪:‬‬
‫َّ‬
‫اتلكبري يف العيدين ُسنة عند مجهور الفقهاء‪ ،‬قال اهلل‬
‫بوا ْ هََّ‬
‫ٱلل‬ ‫كُّ‬‫َ ُ ۡ ُ ْ ۡ َّ َ َ ُ َ‬
‫تعاىل بعد آيات الصيام‪{ :‬ولتِ ك ِملوا ٱلعِدة ولتِ رِ‬
‫ع َما ه َدىٰك ۡم} [البقرة‪ ،]185 :‬وحمُِ ل اتلكبري يف اآلية ىلع‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لَ ىَ ٰ‬
‫َ ۡ ُُ ْ‬
‫تكبري َ عيد الفطر‪ ،‬وقال سبحانه يف آيات احلج‪{ :‬وٱذكروا‬
‫َّ ۡ َ ُ ْ‬ ‫ودٰت} [البقرة‪ ،]203 :‬وقال ً‬ ‫هََّ ٓ َّ َّ ۡ ُ َ‬
‫أيضا‪{ :‬ل ِيشهدوا‬ ‫ٖ‬ ‫ٱلل يِف أيا ٖم معد‬
‫َ َ ٰ َ َ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ْ ۡ َ هَّ ٓ َ َّ َّ ۡ ُ َ ٰ لَ ىَ ٰ َ َ َ َُ‬
‫ت ع ما رزقهم‬ ‫منفِع لهم ويأَۡذكروا ٱسم ٱللِ يِف أيا ٖم معلوم ٍ‬
‫َ َ ٰ َ َ َّ َ َ‬ ‫َۡ‬ ‫ّ ِم ۢن بَه َ‬
‫يمةِ ٱلنع ٰ ِم} [احلج‪ ،]28 :‬وقال تعاىل‪{ :‬كذل ِك سخرها‬ ‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ ُ ۡ ُ َ ّ ُ ْ هََّ لَ ىَ ٰ َ َ َ ٰ ُ‬
‫لكم لتِ ك رِبوا ٱلل ع ما هدىكم} [احلج‪ ،]37 :‬وحمُِ ل اذلكر‬
‫واتلكبري يف اآليات السابقة ىلع ما يكون يف عيد األضىح‪.‬‬

‫((( ينظر‪( :‬قليويب وعمرية ‪ ،)359/1‬واحلديث الوارد يف فضلها رواه أبو رافع‪ ،‬ينظر احلديث‬
‫يف سنن الرتمذي يف باب ما جاء يف صالة التسبيح‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه يف سننه (‪ ،)567/1‬والطرباين يف املعجم األوسط (‪ ،)57/1‬وابليهيق‬
‫يف السنن الكربى (‪.)319/3‬‬
‫‪ 113 ‬‬
‫معنى التكبير‪:‬‬
‫اتلعظيم‪ ،‬واملراد به يف تكبريات العيد‬ ‫اتلكبري هو َّ‬
‫َّ‬
‫تعظيم اهلل عز وجل ىلع وجه العموم‪ ،‬وإثبات األعظمية هلل يف‬
‫لكمة (اهلل أكرب) كناية عن وحدانيته باإلهلية؛ ألن اتلفضيل‬
‫يستلزم نقصان من عداه‪ ،‬وانلاقص غري مستحق لإلهلية؛‬
‫رُ‬
‫ألن حقيقة اإلهلية ال تاليق شيئا من انلقص‪ ،‬وذللك شع‬
‫رُ‬
‫اتلكبري يف الصالة إلبطال السجود لغري اهلل‪ ،‬وشع اتلكبري‬
‫ُْ‬
‫ابلدن يف احلج إلبطال ما اكنوا يتقربون به إىل‬ ‫عند حنر‬
‫أصنامهم‪ ،‬وكذلك رشع اتلكبري عند انتهاء الصيام؛ إشارة إىل‬
‫أن اهلل يعبد بالصوم وأنه متزنه عن رضاوة األصنام((( باآلية‬
‫السابقة‪ ،‬ومن أجل ذلك مضت السنة بأن يكبرِّ املسلمون‬
‫عند اخلروج إىل صالة العيد ويكبرِّ اإلمام يف خطبة العيد‪.‬‬
‫وقته‪:‬‬
‫يُندب اتلكبري بغروب الشمس يلليت العيد يف املنازل‬
‫والطرق واملساجد واألسواق برفع الصوت للرجل؛ إظهارا‬
‫لشعار العيد‪ ،‬واألظهر إدامته حىت حيرم اإلمام بصالة العيد‪،‬‬
‫ِّ‬
‫أما من لم يصل مع اإلمام فيكبرِّ حىت يفرغ اإلمام من صالة‬
‫العيد ومن اخلطبتني(((‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬اتلحرير واتلنوير‪ ،‬الطاهر بن اعشور (‪ ،)176/2‬والرضاوة‪ :‬يه العادة‪ ،‬واملعىن أن‬
‫اهلل مزنه عن اتلعبد هل بمثل ما اعتاده املرشكون يف اتلعبد ألصنامهم من الزتلف باألكل‬
‫واتللطيخ بادلماء‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬مغين املحتاج إىل معرفة ألفاظ املنهاج (‪.)593/1‬‬
‫‪ 114 ‬‬
‫صيغته‪:‬‬
‫لم يرد يف صيغة اتلكبري يشء خبصوصه يف السنة‬
‫املطهرة‪ ،‬ولكن درج بعض الصحابة منهم سلمان الفاريس‬
‫ىلع اتلكبري بصيغة‪" :‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬ال هلإ إال‬
‫السعة؛‬‫اهلل‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬وهلل احلمد" واألمر فيه ىلع َّ‬
‫َ ُ َُّ ْ‬
‫ألن انلص الوارد يف ذلك مطلق‪ ،‬وهو قـوهل تعاىل‪{ :‬ولتِ ك رِبوا‬
‫ْ َ ْ َ ُ‬
‫ع َما ه َدىٰك ۡم} [البقرة‪ ،]185 :‬وال ُم ْطلق يُؤخـذ ىلع‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٱلل لَ ىَ ٰ‬
‫هََّ‬
‫رَّ‬
‫إطالقه حىت يأيت ما يقيده يف الشع‪.‬‬
‫املرصيون من قديم الزمان ىلع الصيغة املشهورة‬ ‫ُّ‬ ‫ودرج‬
‫ويه‪" :‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬ال هلإ إال اهلل‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل‬
‫كثريا‪ ،‬وسبحان‬ ‫ً‬ ‫كبريا‪ ،‬واحلمد هلل‬ ‫ً‬ ‫أكرب‪ ،‬وهلل احلمد‪ ،‬اهلل أكرب‬
‫اهلل بكرة وأصيال‪ ،‬ال هلإ إال اهلل وحده‪ ،‬صدق وعده‪ ،‬ونرص‬
‫عبده‪ ،‬وأعز جنده‪ ،‬وهزم األحزاب وحده‪ ،‬ال هلإ إال اهلل‪ ،‬وال‬
‫مخُ ْ‬
‫نعبد إال إيَّ ُاه‪ِ ،‬ل ِصني هل ادلين ولو كره الاكفرون‪ ،‬امهلل صل‬
‫ىلع سيدنا حممد‪ ،‬وىلع آل سيدنا حممد‪ ،‬وىلع أصحاب سيدنا‬
‫حممد‪ ،‬وىلع أنصار سيدنا حممد‪ ،‬وىلع أزواج سيدنا حممد‪ ،‬وىلع‬
‫كثريا"‪ ،‬ويه صيغة مرشوعة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تسليما‬ ‫ذرية سيدنا حممد وسلم‬
‫صحيحة استحبها كثري من العلماء ونصوا عليها يف كتبهم‪،‬‬
‫َ‬
‫وقال عنها اإلمام الشافيع‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪" :-‬وإن كبرَّ ىلع ما‬

‫‪ 115 ‬‬


‫ً‬
‫تكبريا فحسن‪،‬‬ ‫يكرب عليه انلاس ايلوم فحسن‪ ،‬وإن زاد‬
‫وما زاد مع هذا من ذكر اهلل أحببتُه"(((‪.‬‬
‫حكم زيادة الصالة على النبي ﷺ‪:‬‬
‫زيادة الصالة والسالم ىلع سيدنا حممد وآهل وأصحابه‬
‫َّ‬
‫وأنصاره وأزواجه وذريته يف ختام اتلكبري أمر مرشوع؛ فإن‬
‫أفضل اذلكر ما اجتمع فيه ذكر اهلل ورسوهل صىل اهلل عليه‬
‫صىل اهلل عليه‬ ‫انليب َ ٌ َ‬ ‫وآهل وسلم‪ ،‬كما أن الصالة والسالم ىلع‬
‫ً‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫اب القبُول فإنها مقبولة أبدا حىت من‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وآهل وسلم تفتَ ُح للعمل ب‬
‫ِّ َ ٌ‬
‫املنافق‪ ،‬كما نص ىلع ذلك أهل العلم؛ ألنها ُمتَ َعلقة باجلناب‬
‫ِّ‬
‫األجل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫ما يسن فعله قبل صالة العيد‪:‬‬
‫يستحب الغسل والطيب للعيدين‪ ،‬من خرج للصالة‬
‫ومن لم خيرج هلا‪ ،‬ويستحب لبس احلسن من اثلياب للقاعد‬
‫كاَ َ‬
‫واخلارج‪ ،‬فيف حديث ابن عباس‪-‬ريض اهلل عنهما‪ « :-‬ن‬
‫ْ‬ ‫ََْ ُ‬ ‫ُ هَّ‬
‫َر ُ َسول اللِ صىل اهلل عليه وآهل وسلم يغت ِسل يَ ْو َم ال ِف ْط ِر َو َي ْو َم‬
‫الل َت َعالىَ‬ ‫ٍّلَ َ َ ُ هَّ‬ ‫لحْ َ‬‫َ‬ ‫األ ْضحىَ »(((‪ ،‬وملا ُرو َي َ‬
‫ض‬‫يِ‬ ‫‪-‬ر‬ ‫ع‬ ‫بن‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫ُ ِ هَّ ِ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ َ َ َِ‬
‫َْ‬ ‫يِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َعنْ ُهما‪ -‬قال‪« :‬أ َم َ‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم أن‬ ‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ‬
‫ن ُد»(((‪.‬‬‫جَِ‬ ‫ا‬ ‫ج َود َ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫ند‪ ،‬وأن نتطيب بِأ‬ ‫نلبس أجود ما جَِ‬
‫((( ينظر‪ :‬األم لإلمام الشافيع (‪.)276 / 1‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه يف سننه (‪ ،)417/1‬وابليهيق يف السنن الكربى (‪.)278/3‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري (‪ ،)90/3‬واحلاكم يف املستدرك (‪.)256/4‬‬
‫‪ 116 ‬‬
‫ويستحب أن يزتين الرجل ويتنظف وحيلق شعره‪،‬‬
‫أنس‪-‬ريض‬ ‫وي ْط َعم شيئا؛ ملا روي عن‬ ‫ويستحب أن ي َ ْستَاك‪َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫كاَ َ َ ُ ُ هَّ َ لىَّ هَّ ُ َ‬
‫الل َعليْ ِه َوآلهِِ ْ َو َسل َم‬ ‫اهلل عنه‪ -‬أنه قال‪ « :‬ن ر ْسول اللِ ص‬
‫لاَ َي ْغ ُدو يَ ْو َم الْ ِف ْطر حَتىَّ يَأ ُك َل َت َم َرات»‪ ،‬ويف رواية‪َ :‬‬
‫«و َيأ ُكلُ ُهنَّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِوت ًرا»(((؛ ولكون ايلوم يوم فطر بعد أيام الصيام‪ ،‬وخيرج‬
‫اس‪-‬‬ ‫ْ َ َّ‬
‫خيرج؛ ملا روي عن اب ِن عب ٍ‬ ‫َ‬ ‫فطرته‪-‬زاكة الفطر‪ -‬قبل أن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫خَ‬
‫الس َّنة أن ال ت ُر َج يَ ْو َم الف ْطر حَتىَّ‬‫ْ‬ ‫ريض اهلل عنهما‪ -‬قَ َال‪" :‬م َن ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خَ‬ ‫ْ‬ ‫خُ ْ َ َّ َ َ َ َ َ ْ َ َ َِ ْ ً َ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ت ِرج الصدقة‪ ،‬وتطعم شيئا قبل أن ترج"(((؛ وألنه مسارعة‬
‫ً‬
‫مندوبا إيله‪.‬‬ ‫إىل أداء الواجب فاكن‬
‫صالة العيد‪:‬‬
‫حكمها‪:‬‬
‫َّ ٌ‬
‫صالة العيد ُسنة مؤكدة واظب عليها انليب صىل‬
‫اهلل عليه وآلـه وسلم‪ ،‬وأمر الرجال والنساء –حىت احل ُ َّيض‬
‫منهن‪ -‬أن خيرجوا هلا‪.‬‬
‫وقتها‪:‬‬
‫وقت صالة العيد عند الشافعية ما بني طلوع‬ ‫ُ‬
‫الشمس وزواهلا‪ ،‬وديللهم ىلع أن وقتها يبدأ بطلوع الشمس‬
‫ُ ىَ‬ ‫ٌ‬
‫أنها صالة ذات سبب فال تراع فيها األوقات اليت ال جتوز‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪.)325/1‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري (‪.)141/11‬‬
‫‪ 117 ‬‬
‫بتدئ عند ارتفاع‬ ‫َ‬
‫فيها الصالة(((‪ ،‬أما عند اجلمهور فوقتها ي ِ‬
‫الشمس قدر رمح حبسب رؤية العني املجردة ‪-‬وهو الوقت‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫اذلي حتل فيه انلافلة‪ -‬ويمتد وقتُها إىل ابتداء الزوال(((‪.‬‬
‫ُّ‬
‫خالف بني العلماء‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫واألفضل يف ماكن أدائها حمل‬
‫ً‬ ‫ْ لىَّ‬ ‫َ َّ‬
‫منهم َم ْن فضل اخلالء وال ُم َص خارج املسجد؛ استنانا‬
‫بظاهر فعل انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ومنهم من رأى‬
‫ُ ِّ‬ ‫َّ‬
‫للم َصلني –وهم الشافعية‪ ،-‬وقالوا‬ ‫املسجد أفضل إذا ات َسـع‬
‫لىَّ‬ ‫َ َّ‬
‫إن املسجد أفضل لرشفه‪ ،‬وردوا ىلع ديلل َم ْن فضل املص‬
‫سع ِة‬ ‫عدم َ‬‫ُ‬ ‫بأن علة صالة انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم فيه‬
‫مسجده الرشيف ألعداد املصلني اذلين يأتون لصـالة العيد‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وعليه فإذا ات َسع املسجد ألعداد املصلني زالت ال ِعلة واعدت‬
‫األفضلية للمسجد ىلع األصل؛ ألن العلة تدور مع املعلول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعدما‪.‬‬ ‫وـجودا‬
‫كيفية أدائها‪:‬‬
‫صالة العيد ركعتان جتزئ إقامتهما كصفة سائر‬
‫الصلوات وسننها وهيئاتها ‪-‬كغريها من الصلوات‪ ،-‬وينوي‬
‫بها صالة العيد‪ ،‬هذا أقلها‪ ،‬وأما األكمل يف صفتها‪ :‬فأن‬
‫يكرب يف األوىل سبع تكبريات سوى تكبرية اإلحرام‬

‫((( ينظر‪ :‬نهاية املحتاج‪ ،‬للرميل (‪ ،)276/2‬ط مصطيف احلليب ‪1357‬ـه‪.‬‬


‫((( ينظر‪ :‬رد املحتار ىلع ادلر املختار (‪ ،)558/1‬ط إحياء الرتاث‪ ،‬وحاشية ادلسويق ىلع‬
‫الرشح الكبري (‪ ،)396/1‬ط دار الفكر‪ ،‬وكشاف القناع (‪.)50/2‬‬
‫‪ 118 ‬‬
‫تكبري ِة القيام‬ ‫سوى‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫مخس‬ ‫وتكبرية الركوع‪ ،‬ويف اثلانية‬
‫َ َّ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫هلل‬
‫والركوع‪ ،‬واتلكبريات قبل القراءة؛ ْملا روي «أن ْرسول ا ِ‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم َكبرَّ َ ف الع َ‬
‫يدي ْ ِن يَ ْو َم ال ِف ْط ِر َو َي ْو َم‬ ‫ِ‬ ‫ُ لىَ يِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ خمَ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ حىَ َ ْ ً َخمَ‬
‫اآلخر ِة سا‪ِ ،‬سوى‬ ‫األض سبعا و سا‪ ،‬يِف األو سبعا‪ ،‬و يِف ِ‬
‫رية َّ‬ ‫َ ْ‬
‫الصال ِة»(((‪ ،‬وملا روى كثري بن عبد اهلل عن أبيه عن‬ ‫تك ِب َ َ ِ‬
‫ب صىل اهلل عليه وآهل وسلم َكبرَّ َ ف الْع َ‬ ‫جده‪« :‬أ َّن َّ‬
‫يدي ْ ِن يِف‬ ‫يِ ْ ِ‬ ‫انل َّ‬
‫َ َ (((‬ ‫َ خمَ ْ ً َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ لىَ َ ْ ً َ يِ ْ َ ْ‬
‫اآلخر ِة سا قبل ال ِقراء ِة» ‪.‬‬ ‫األو سبعا قبل ال ِقراء ِة‪ ،‬و يِف ِ‬
‫سنن صالة العيد‪:‬‬
‫َُ‬ ‫ََ‬ ‫ُّ َّ ُ ُ‬
‫السنة أن تصىل مجاعة؛ ويه الصفة اليت نقلها اخلَلف‬
‫عن السلف‪ ،‬فإن حرض وقد سبقه اإلمام باتلكبريات أو‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫ببعضها لم يقض؛ ألنه ِذك ٌر مسنون فات حمله‪ ،‬فلم يقضه‬
‫ُّ َّ ُ‬
‫والسنة أن يرفع يديه مع لك تكبرية؛ ملا‬ ‫كداعء َ االستفتاح‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كاَ‬ ‫َ َ هَّ ُ َ ُ‬
‫ْ‬ ‫لخْ‬
‫روي "أ َّن ُع َم َر ْب َن ا َ َّ‬
‫الل عنه‪ -‬ن يَ ْرف ُع يَ َدي ْ ِه‬ ‫اب‪-‬ر يِض‬ ‫ْ ِ‬ ‫ط‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ (((‬ ‫كب َ‬ ‫َ َ كلُ ِّ َ ْ‬
‫ري ٍة يِف ال ِعيدي ِن" ‪ ،‬ويستحب أن يقف بني لك‬ ‫مع ت ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تكبريتني بقدر آية يذكر اهلل تعاىل؛ ملا ر ِوي أن ابن مسعو ٍد‬
‫َ َ َ ُ ىَ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ ِليَ ْ ُ ْ َ ُ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫يد‬‫وأبا موس وحذيفة ْخرج إ ِهم الو يِلد بن عقبة قبل ال ِ ِ‬
‫ع‬
‫ََ َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َْ ََ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ري ِفي ِه؟ فقال‬ ‫كب ُ‬
‫ِ‬ ‫يد قد دنا فكيْف اتل‬ ‫فقال ل ُه ْم‪ :‬إِن ُ هذا ال ِع‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َ برِّ ُ َ ْ َ ً َ ْ َ ُ َ َّ َ تحَ ْ‬ ‫َُْ‬
‫الصالة َو َم ُد َر َّبك‬ ‫هلل‪ :‬تبدأ فتك تك ِبرية تفت ِتح بِها‬ ‫عبد ا ِ‬

‫((( أخرجه ادلارقطين يف سننه (‪ ،)48/2‬وابليهيق يف السنن الكربى (‪.)285/3‬‬


‫((( أخرجه الرتمذي يف سننه (‪ ،)416/2‬وابن ماجه يف سننه (‪.)407/1‬‬
‫((( أخرجه ابليهيق يف السنن الكربى (‪.)293/3‬‬
‫‪ 119 ‬‬
‫كبرِّ ُ‬‫َ ُ َ يِّ علَىَ َّ ِّ َ لىَّ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ُ َّ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫وتصل انل يِب ص اهلل علي ِه وآلهِِ وسلم‪ ،‬ثم تدعو وت‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ُ َّ ُ َ برِّ ُ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫ك‪ُ ،‬ث َّم تكبرِّ ُ‬ ‫وتفعل ِمثل ذلِك‪ ،‬ثم تك وتفعل ِمثل ذل ِ‬
‫َْ ُ َْ َ َ‬ ‫َْ ُ َْ َ َ ُ ُ َ‬
‫َوتف َعل ِمثل ذلِك‪ ،‬ث َّم تكبرِّ ُ َوتف َعل ِمثل ذلِك‪ ...‬احلديث(((‪،‬‬
‫رواية أخرى‪ :‬فقال األشعري وحذيفة‪-‬ريض اهلل عنهما‪:-‬‬ ‫َ‬ ‫ويف‬
‫َ‬ ‫حمْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫«صدق أبو عب ِد َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ِن»(((‪.‬‬
‫ب‬ ‫ح ُّ‬‫قال اإلمام انلووي‪" :‬قال الشافيع وأصحابنا‪ :‬يُستَ َ‬
‫أن يقف بني لك تكبريتني من الزوائد قدر قراءة آية ال‬
‫طويلة وال قصرية؛ يهلل اهلل تعاىل ويكربه وحيمده ويمجده‪،‬‬
‫هذا لفظ الشافيع يف "األم" و"خمترص املزين" لكن ليس يف‬
‫"األم" ويمجده‪ ،‬قال مجهور األصحاب‪ :‬يقول‪« :‬سبحان اهلل‪،‬‬
‫واحلمد هلل‪ ،‬وال هلإ إال اهلل‪ ،‬واهلل أكرب‪ ،‬ولو زاد عليه جاز»(((‪.‬‬
‫ُّ َّ ُ‬
‫والسنة أن يقرأ بعد الفاحتة بــ "األىلع" يف األوىل‬
‫و"الغاشية" يف اثلانية‪ ،‬أو بــ"ق" يف األوىل و"اقرتبت" يف‬
‫اثلانية؛ كما اكن يفعل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم(((‪،‬‬
‫ُّ َّ ُ‬
‫والسنة أن جيهر فيهما بالقراءة نلقل اخللف عن السلف(((‪.‬‬
‫ُّ َّ ُ‬
‫والسنة إذا فرغ من الصالة أن خيطب ىلع املنرب‬
‫ْ‬ ‫َْ‬
‫َ‬
‫يستفتح‬ ‫خطبتني‪ ،‬يف ِصل بينهما جبَلسة‪ ،‬واملستحب أن‬
‫((( أخرجه ابليهيق يف السنن الكربى (‪.)291/3‬‬
‫((( أخرجه الطحاوي يف رشح معاين اآلثار (‪ ،)348/4‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫سنة ‪1399‬ـه‪.‬‬
‫((( املجموع رشح املهذب‪ ،‬اإلمام انلووي (‪ ،)17/5‬ط دار الفكر‪.‬‬
‫((( أخرجهما مسلم (‪.)21 ،15/3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع رشح املهذب (‪.)21 ،20/5‬‬
‫‪ 120 ‬‬
‫ويذكر هََّ‬
‫الل‬ ‫َ‬ ‫بسبع‪،‬‬ ‫اخلطبة األوىل بتسع تكبريات‪ ،‬واثلانية‬
‫ٍ‬
‫ويذكر رسوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ويويص‬ ‫َ‬ ‫تعاىل فيهما‪،‬‬
‫ِّ‬
‫انلاس بتقوى اهلل تعاىل وقراءة القرآن‪ ،‬ويعلمهم صدقة‬
‫ُ‬ ‫الفطر‪ ،‬وي ُ ْستَ َ‬
‫ح ُّ‬
‫ب للناس استماع اخلطبة؛ ملا روي عن أيب‬
‫مسعود ريض اهلل عنه أنه قال يوم عيد‪" :‬أول ما يبدأ به أو‬
‫يقىض يف عهدنا هذه الصالة ثم اخلطبة ثم ال يربح أحد‬
‫حىت خيطب"(((‪ ،‬فإن دخل رجل واإلمام خيطب‪ ،‬فإن اكن يف‬
‫لىَّ‬
‫املص ‪-‬ال املسجد‪ ،‬وهو املخصص لصالة العيد فقط دون‬
‫بقية الصلوات‪ -‬استمع اخلطبة وال يشتغل بصالة العيد؛‬
‫ألن اخلطبة من سنن العيد وخيىش فواتها‪ ،‬والصالة ال خيىش‬
‫فواتها فاكن االشتغال باخلطبة أوىل‪ ،‬وإن اكن يف املسجد ففيه‬
‫وجهان‪ :‬أن يصيل حتية املسجد وال يصيل صالة العيد؛ ألن‬
‫اإلمام لم يفرغ من سنة العيد فال يشتغل بالقضاء‪ ،‬والوجه‬
‫اآلخر‪ :‬أن يصيل العيد‪ ،‬وهو أوىل؛ ألنها أهم من حتية املسجد‬
‫وآكد‪ ،‬وإذا صالها سقط بها اتلحية فاكن االشتغال بها أوىل‬
‫كما لو حرض وعليه مكتوبة(((‪.‬‬
‫حكم من فاتته صالة العيد‪:‬‬
‫يرشع قضاء صالة العيد ملن فاتته مىت شاء يف بايق‬
‫ايلوم أو يف الغد وما بعده أو مىت اتفق كسائر الرواتب‪ ،‬وإن‬
‫((( أخرجه ابن املنذر يف األوسط (‪ 272/4‬رقم ‪ ،)2148‬ط‪ 1‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬سنة ‪1412‬ـه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع رشح املهذب (‪.)27/5‬‬
‫‪ 121 ‬‬
‫شاء صالها ىلع صفة صالة العيد بتكبري‪ .‬وإىل ذلك ذهب‬
‫اإلمامان‪ :‬مالك والشافيع ‪-‬ريض اهلل عنهما‪-‬؛ ملا ُر ِو َي عن‬
‫أنس‪-‬ريض اهلل عنه‪ ،-‬أنه اكن إذا لم يشهد العيد مع اإلمام‬ ‫ٍ‬
‫بابلرصة مجع أهله وموايله‪ ،‬ثم قام عبد اهلل بن أيب عتبة مواله‬
‫َ‬
‫فيصيل بهم ركعتني‪ ،‬يُكبرِّ ُ فيهما؛ وألنه قضاء صال ٍة‪ ،‬فاكن‬
‫مخُ َ‬
‫ىلع صفتها‪ ،‬كسائر الصلوات‪ ،‬وهو يرَّ ٌ ‪ ،‬إن شاء صالها‬
‫ْ لىَّ‬ ‫َ‬
‫وحد ُه‪ ،‬وإن شاء يف مجاعة‪ ،‬وإن شاء مىض إىل ال ُم َص ‪ ،‬وإن‬
‫ُ‬
‫شاء حيث شاء‪.‬‬
‫ركعات‪،‬‬
‫ٍ‬
‫يصل َ‬
‫أربع‬ ‫يِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُْ‬
‫وجيوز ملن فاتته صالة العيد أن‬ ‫ُ‬
‫َينْ َ كلُ ِّ‬
‫ركعتني؛‬ ‫كصالة اتلطوع‪ ،‬وإن أحب فصل بسالمٍ ب‬
‫وذلك ملا ُر ِوي عن عبد اهلل َ بن مسعود ريض اهلل عنه أنه‬
‫يلع بن أيب‬ ‫ور ِو َي عن ّ‬ ‫"م ْن فَاتَ ُه الْع ُ‬
‫يد فَلْيُ َص ِّل أ ْر َب ًعا"(((‪ُ ،‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫انل ِ‬‫ل ب َض َع َف ِة َّ‬ ‫ب‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬أنه "أ َم َر َر ُجال أ ْن يُ َص يِّ َِ‬ ‫طا ِل ْ ٍ‬
‫َ‬ ‫يِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حىً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أ ْر َب ًعا"(((؛‬ ‫يِف ال َم ْس ِج ِد يَ ْو َم ِف ْط ٍر أ ْو يَ ْو َم أض ‪َ ،‬وأم َر ُه أن يُ َص َ‬
‫أربعا كصالة اجلمعة‪ ،‬وإن شاء‬ ‫وألنه قضاء صالة عيد‪ ،‬فاكن ً‬
‫ِ‬
‫ُّ‬
‫أن يصيل ركعتني كصالة اتلطوع فال بأس؛ ألن ذلك تطوع‪.‬‬
‫َّ‬
‫وإن أدرك اإلمام يف التشهد جلس معه‪ ،‬فإذا َسلم‬
‫لىَّ‬
‫اإلمام قام فص ركعتني‪ ،‬يأيت فيهما باتلكبري؛ ألنه أدرك‬

‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري (‪.)306/9‬‬


‫((( أخرجه ابليهيق يف السنن الكربى (‪.)310/3‬‬
‫‪ 122 ‬‬
‫ًَ‬
‫بعض الصالة اليت ليست ُمبدلة من أربع‪ ،‬فقضاها ىلع صفتها‬
‫كسائر الصلوات(((‪.‬‬
‫ومن السنن املستحبة يف العيد‪:‬‬
‫التوسعة على األهل‪:‬‬
‫َ‬ ‫عة يف العيد ىلع األهل ِّ‬ ‫ُ َ ُّ َّ ْ ُ‬
‫بأي يش ٍء اكن من‬ ‫تسن اتلو ِس‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫املأكول؛ إذ لم يَ ِرد الرشع فيه بيش ٍء معلوم‪ ،‬فمن وسع ىلع‬
‫ُ َ َ‬ ‫ُّ َّ‬
‫ٌ‬
‫طعام معلوم؛‬ ‫السنة‪ ،‬وجيوز أن ي َّتخذ فيه‬ ‫أهله فيه فقد امتثل‬
‫إذ هو من املباح‪ ،‬لكن برشط عدم اتللكف فيه‪ ،‬وبرشط‬
‫ُّ‬ ‫َّ ً تنَ‬ ‫يجُ‬
‫أن ال َعل ذلك ُسنة يُس ُّ بها فيُ َعد َم ْن خالف ذلك كأنه‬
‫ٌ‬
‫رتكب لكبرية‪.‬‬ ‫ُم‬
‫إظهار السرور‪:‬‬
‫إظهار الرسور يف العيدين مندوب‪ ،‬فذلك من الرشيعة‬
‫َّ‬
‫اجلاهلية بالعيدين‬ ‫اليت رشعها اهلل لعباده؛ إذ يف إبدال عيد‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫داللة ىلع أنه يُ َ‬
‫فعل يف العيدين املرشوعني ما تفعله‬ ‫املذكورين‬
‫شاغل عن طاعة‪،‬‬ ‫بمحظور وال‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اجلاهلية يف أعيادها ِمما ليس‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وإنما خالفهم يف تعيني الوقتني‪ ،‬وأما اتلوسعة ىلع العيال يف‬
‫األعياد بما حصل هلم من ترويح ابلدن وبسط انلفس من‬
‫لكف العبادة فهو مرشوع (((‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املغين البن قدامة (‪.)125 ،124/2‬‬
‫((( ينظر‪ :‬سبل السالم (‪ ،)436/1‬ط دار احلديث‪.‬‬
‫‪ 123 ‬‬
‫الصلة والتزاور‪:‬‬
‫َ‬
‫ل َّما اكن العيد حمال للرسور وإظهار الفرح فإن فضل‬
‫ُۡ‬
‫فر ُح به املؤمن‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬قل‬ ‫اهلل تعاىل ورمحته أوىل ما يَ َ‬
‫َ‬ ‫جَ ۡ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫هَّ َ َ مَۡ َ َ َ َ ۡ ۡ‬ ‫َ ۡ‬
‫حتِهِۦ فبِذٰل ِك فل َيف َر ُحوا ه َو خ رۡي‪ّ ٞ‬م َِّما ي َم ُعون}‬ ‫بِفض ِل ٱللِ وبِر‬
‫سن نلا أعماال جند‬ ‫[يونس‪ ،]58 :‬وإن من فضل اهلل تعاىل أن َّ‬
‫ُ ً‬
‫سعادتنا يف عملها وجعلها ق ْر َبة نليل رضوانه يف ذات الوقت‪،‬‬
‫َُ‬ ‫ُ‬
‫وصلة األرحام‪ ،‬األحياء‬ ‫ِ‬ ‫ومن هذه األعمال زيارة الصاحلني‬
‫اًّ‬
‫منهم واألموات‪ ،‬اليت تستحب يف العيد؛ لكونه حمل للطااعت‬
‫ُ‬
‫والق ُربات‪.‬‬
‫ٌ‬
‫والزتاور يف العيدين مرشوع يف َاإلسالم؛ ملا ُر ِو َي‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬
‫عنها‪ -‬قالت‪ :‬دخل أبُو بَك ٍر َو َ ِعن ِدي‬ ‫َ‬ ‫عن اعئشة‪-‬ريض اهلل‬
‫ْ‬
‫اولت ا ن َص ُ‬ ‫لأْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫لأْ‬
‫َجار َيتَان م ْن َج َواري ا ن َصار ُتغنِّيَ‬
‫ار‬ ‫ان بِما َ تق َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كر‪ :‬أ َم َزا ِمريُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ِ ُ َ َ َ َ ْ ِ َ َ ْ َ َ ُ َ ِ ِّ‬
‫يوم بعاث‪ ،‬قالت‪ :‬وليستا بِمغنيتينِْ ‪ ،‬فقال أبو ب‬
‫َ َ ٍ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ لىَّ هَّ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫الل َعليْ ِه وآلهِِ وسلم‪ ،‬وذلِك‬ ‫َْ‬
‫هلل ص‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َر ُس‬ ‫ان يِف بي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشيْ َط‬
‫َّ‬ ‫َ لىَّ هَّ ُ َ‬ ‫ََ َ َُ ُ‬
‫الل َعليْ ِه َوآلهِِ َو َسل َم‪« :‬يَا‬ ‫هلل ص‬ ‫يد‪ ،‬فقال رسول ا ِ‬
‫َْ‬
‫يِ َف يومِ ِع ٍ‬
‫َُ‬ ‫ً َ َ‬ ‫َّ ِكلُ ِّ َ‬ ‫ْ‬
‫يدنا»(((‪ ،‬قال احلافظ ابن‬ ‫يدا‪َ ،‬وهذا ِع‬ ‫أبَا بَك ٍر‪ ،‬إِن ل ق َ ْومٍ ِع‬
‫َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫"و َج َ‬
‫اء أبُو بَك ٍر" ويف رواية هشام بن عروة "دخل‬ ‫حجر‪ :‬قوهل‪َ :‬‬
‫ُّ‬ ‫كر"‪ ،‬وكأنه جاء ً‬ ‫لَيَ َّ َ ُ َ ْ‬
‫انليب صىل‬ ‫زائرا هلا بعد أن دخل‬ ‫ع أبو ب ٍ‬
‫َ‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم بيته(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)324/1‬ومسلم (‪.)607/2‬‬


‫((( ينظر‪ :‬فتح ابلاري (‪.)442/2‬‬
‫‪ 124 ‬‬
‫كما نقل ابن حجر يف احلكمة من خمالفته صىل اهلل‬
‫َ‬
‫أقاربه‬ ‫الطريق يوم العيد((( أقْ َواال منها‪" :‬ل ُِيزَ َ‬
‫ور‬ ‫َ‬ ‫عليه وآهل وسلم‬
‫ِّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِم َن األحيا ِء واألموات‪ ،‬و ِقيل‪ :‬يِلَ ِصل َرحمِ َه"‪ ،‬ولم يضعف هذين‬
‫القولني كما فعل مع بعض األقوال(((‪.‬‬
‫ب ىلع ْ‬ ‫ورتَّ َ‬‫الرحم‪َ ،‬‬
‫وص ِلها‬ ‫وقد أمر الشارع بصلة َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واآلخرة‪ ،‬فجعلها سببًا يف ت ْو ِس َع ِة‬ ‫ادلنيا‬ ‫يف‬ ‫َ‬
‫العظيم‬ ‫اثلواب‬
‫حقيقة‪ ،‬أَ ْو‪ :‬ببَقاء ذ ْك َرى صاحبها بعدَ‬ ‫ً‬ ‫الرزق وطول ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ُمر‬
‫ْ ْ لهَ‬
‫«م ْن سرَ َّ ُه أن يُب َس َط ُ يِف‬ ‫وفاته‪ ،‬قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ر ْزقه‪َ ،‬وأَ ْن يُنْ َسأَ لهَ ُ ف أَثَره‪ ،‬فَلْيَص ْل َرحمِ َ ُه»(((‪ ،‬كما جعلها سبباً‬
‫ِ‬ ‫يِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫وص َو ِرها‪ ،-‬قال صىل‬ ‫يف صلة اهلل تعاىل للعبد‪-‬بكل معانيها ُ‬
‫الرح ُم َش َق ْقتُ‬ ‫ه َِّ‬ ‫الرحمْ َ ُن َو يِ َ‬ ‫اهلل‪ :‬أَنَا َّ‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬قَ َال ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل َ َها ْ‬
‫اس يِم َم ْن َو َصل َها َو َصلتُه َو َم ْن ق َط َع َها بَت ُّته»(((‪ ،‬ثم‬ ‫اس ًما م َن ْ‬
‫ِ‬
‫ُ َ ِّ‬ ‫ً‬
‫صات‬‫جعلها سببا يف دخول اجلنة يوم القيامة بسالمٍ من منغ ِ‬
‫حلساب؛ ألن صاحبَها اعمل ب ِ َسالمٍ أقاربه يف‬ ‫العذاب وا ِ‬
‫قال صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫السالم يوم القيامة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ح َّق‬ ‫ادلنيا‪ ،‬فاستَ َ‬
‫َّ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ ُ ْ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫وسلم‪« :‬يا أيها انلاس أفشوا السالم‪ ،‬وأط ِعموا الطعام‪ ،‬و ِصلوا‬
‫َّ ْ َ َّ ُ َ ٌ َ ْ ُ ُ لجْ َّ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫األ ْر َح َ‬
‫ام‪ ،‬تدخلوا ا َنة ب ِ َسالمٍ »(((‪.‬‬ ‫ام‪َ ،‬و َصلوا بِاللي ِل وانلاس ِني‬
‫َ َ كاَ َ‬ ‫هَّ ُ َ ْ‬ ‫هَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الل عن ُه َما‪ -‬قال‪ « :‬ن‬ ‫((( أخرج ابلخاري يف صحيحه ع ْن َجابِ ِر ب ْ ِن عبْ ِد اللِ‪-‬ريض‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُّ َ لىَّ هَّ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ كاَ َ‬
‫يد خالف الط ِريق» (‪.)334/1‬‬ ‫انل يِب ص الل علي ِه وآلهِِ وسلم ِإذا ن يوم ِع ٍ‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح ابلاري (‪ ،)473/2‬ونقل العيين مثل ذلك يف‪ :‬عمدة القاري (‪.)443/6‬‬
‫((( أخرجه ابلخاري (‪ ،)2232/5‬ومسلم (‪.)1982/4‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪.)530/1‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه يف سننه (‪ ،)1083/2‬وأمحد بن حنبل يف مسنده (‪.)451/5‬‬
‫‪ 125 ‬‬
‫حكم زيارة األموات‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫زيارة القبور ُس َّن ٌة يف أصلها‪ُ ،‬‬
‫للرجال باتفاق‬ ‫ستحبة‬ ‫م‬
‫َ ِنيِّ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫اكفة العلماء؛ لقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬أال إ قد‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ْم َع ْن ثَالث ُث َّم بَ َ‬ ‫ُ ْ ُ ََ ُْ ُ‬
‫يه َّن‪ :‬ن َهيْتُك ْم ع ْن‬ ‫ِ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫يِ‬ ‫ا‬‫د‬ ‫ٍ‬ ‫كنت نهيت‬
‫ب َوتُ ْد ِم ُع الْ َعينْ َ َوتُ َذ ِّكرُ‬ ‫ارة الْ ُقبُور‪ُ ،‬ث َّم بَ َدا ل َأ َّن َها تُر ُّق الْ َقلْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫يِ‬ ‫ِ‬ ‫ِزي ِ‬
‫َُ ُ ُ ْ‬ ‫ََ َُ ُ َ‬
‫وروها وال تقولوا هجرا‪ ...‬احلديث» (((؛ ولقوهل‬ ‫اآلخرة فز‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ ْ ُ ُ َ َ َّ َ ُ َ ِّ ُ ُُ‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪« :‬زوروا القبور ف ِإنها تذكركم‬
‫َ‬
‫اآلخ َرة»(((؛ والنتفاع امليت بثواب القراءة وادلاعء والصدقة‪،‬‬ ‫ُ ِ‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫وأن ِسه بالزائر؛ ألن روح امليت هلا ارتباط بقربه ال تفارقه أبدا؛‬
‫«ما‬ ‫وذللك يعرف من يزوره‪ ،‬قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪َ :‬‬
‫ُّ ْ َ ُ َ ِّ ُ َ َ ْ ِلاَّ‬ ‫كاَ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِم ْن عب ٍد ي ُم ُّر بِقبرِْ َر ُج ٍل ن يع ِرفه يِف ادلنيا فيسلم علي ِه‪ ،‬إ‬
‫الم»(((‪ ،‬كما رغب انليب صىل اهلل عليه‬
‫َّ‬ ‫الس َ‬‫َع َرفَ ُه َو َر َّد َعلَيْه َّ‬
‫ِ‬
‫«منْ‬ ‫وآهل وسلم يف زيارة القبور بالوعد باملغفرة واثلواب فقال‪َ :‬‬
‫ار َقبرْ َ أَبَ َويْه أَ ْو أَ َحده َما ف كلُ ِّ جمُ ُ َعة ُغف َر لهَ ُ َو ُكت َ‬
‫ب بَ ًّرا»(((‪.‬‬ ‫َز َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫يِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫وزيارة القبور مستحبة للنساء عند األحناف‪ ،‬وجائزة‬
‫عند اجلمهور‪ ،‬ولكن مع الكراهة يف زيارة غري قرب انليب صىل‬
‫در َّ‬ ‫قلوبهن وعدمِ قُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تهن ىلع‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم؛ وذلك ل ِ ِرق ِة‬
‫الصرب‪.‬‬
‫((( أخرجه أمحد بن حنبل يف مسنده (‪.)237/3‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه يف سننه (‪.)500/1‬‬
‫((( أخرجه اخلطيب يف تاريخ بغداد (‪ ،)137/6‬ط دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬وابن‬
‫عساكر يف تاريخ دمشق (‪ ،)380/10‬ط‪ 1‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1419‬ـه‪.‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم األوسط (‪ ،)175/6‬وابليهيق يف شعب اإليمان (‪.)201/6‬‬
‫‪ 126 ‬‬
‫وقت ُمعَينَّ ‪ ،‬واألمر يف ذلك واسع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وليس للزيارة‬
‫إال أن اهلل تعاىل جعل األعياد للمسلمني بهجة وفرحة؛ فال‬
‫حب جتديد األحزان ْيف مثل هذه األيام‪ ،‬فإن لم يكن يف‬ ‫يُستَ ُّ‬
‫ٌ‬
‫ذلك جتديد لألحزان فال بَأ َس بزيارة األموات يف األعياد‪ ،‬كما‬
‫زارون يف حياتهم يف األعياد‪.‬‬‫اكنوا يُ ُ‬

‫‪‬‬

‫‪ 127 ‬‬


‫ست من شوال‬
‫صيام ٍّ‬
‫ح َّبة املتعلقة بشهر‬ ‫ومن األعمال الصاحلة ال ْ ُم ْستَ َ‬
‫صيام َّ‬
‫ُ‬
‫ستة أيامٍ من َشوال؛ لقوهل صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫رمضان‬
‫ان ُث َّم أ ْتبَ َع ُه س ًّتا م ْن َش َّوال كاَ َن َكصيامَِ‬ ‫َ ْ َ َ ََ َ َ‬
‫وسلم‪« :‬من صام رمض‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّ ْ‬
‫ادله ِر»(((‪.‬‬
‫َ‬
‫احلسنة بعرش‬ ‫ووجه تشبيه ذلك بصيام ادلهر هو أن‬
‫َ‬ ‫َ َ ٓ َ حَۡ َ َ َ َ ُ َ رۡ ُ َ ۡ َ‬
‫أمثاهلا؛ لقوهل تعاىل‪{ :‬من جاء بِٱلسنةِ فلهۥ عش أمثال ِها}‬
‫شهر بعرشة أشهر‪ ،‬وصيام ستة أيام‬ ‫ُ‬
‫فصيام‬ ‫[األنعام‪،]160 :‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫أجر صيامِ َسنة‪ ،‬وإن‬ ‫بشهرين‪-‬ستني يوما‪ ،-‬فيكون قد حاز َ‬
‫َّ كلُ ِّ‬ ‫َد َ‬
‫اهلل عليه وآهل‬ ‫َ‬ ‫صىل‬ ‫قال‬ ‫ه‪،‬‬ ‫هر‬
‫ِ‬ ‫او َم ىلع ذلك اكن كصيام ادل‬
‫ُ‬ ‫ُ لحْ َ َ َ َ َ رْ َ َ ْ ٌ َ رَ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ش ِة أش ُه ٍر‪َ ،‬و ِس َّتة‬ ‫ش‪ ،‬فشهر بِع‬ ‫اهلل ا سنة بِع ٍ‬ ‫«ج َعل‬ ‫َوسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫أيَّامٍ َبعد ال ِفط ِر تمام السن ِة»(((‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويستحب أن يصومها متتابعة يف أول شوال بعد يوم‬
‫العيد –فال جيوز صوم يوم العيد(((‪-‬؛ ملا يف ذلك من املسارعة‬
‫َّ‬ ‫إىل اخلري‪ ،‬وإن حصلت الفضيلة بغريه‪ ،‬فإن َّ‬
‫فرقها أو أخرها‬
‫عن شوال جاز‪ ،‬واكن فاعال ألصل هذه السنة؛ لعموم احلديث‬
‫وإطالقه(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)822/2‬‬


‫((( أخرجه النسايئ يف السنن الكربى (‪.)163/2‬‬
‫((( خالف األحناف يف ذلك فقالوا‪ :‬صوم يوم العيد مكروه‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املجموع رشح املهذب (‪.)427/6‬‬
‫‪ 129 ‬‬
‫ْ‬
‫ومن أفطر يف رمضان ِل ُعذ ٍر فيستحب هل قضاء ما فاته‬
‫أوال‪ ،‬ثم يصوم ًّ‬ ‫َّ‬
‫ستا من شوال؛ فقد كره مجاعة من أهل العلم‬
‫بعذر أن يتطوع بصومٍ قبل القضاء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ل ِ َم ْن عليه قضاء رمضان‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫وجوبا‬ ‫–أي‪ :‬أفطر بال عذر‪ -‬فيلزمه‬ ‫أما من تعدى بفطره‬
‫فورا(((‪.‬‬ ‫القضاء ً‬
‫ومن أفطر رمضان لكه لعذر‪ :‬قضاه يف شوال وأتبعه‬
‫ب قضاء الصوم‬ ‫ح ُّ‬ ‫بصيام ستة أيام من ذي القعدة؛ ألنه يُستَ َ‬
‫بقول َم ْن قال بإجزائها وحصول ثوابها ملن‬ ‫ِ‬ ‫الراتب‪ ،‬أو عمال‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أخرها عن شوال؛ وذلك حتصيال ثلواب صيام السنة‪.‬‬
‫يزيد ىلع‬‫ض ما أفطره من رمضان وال َ‬ ‫ومن أحب أن َي ْق يِ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه تربأ ذمته بقضاء هذه األيام من رمضان يف شوال‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫استَ ْويف َع َددها يف‬ ‫شوال إن ْ‬ ‫ت من ّ‬ ‫الس ِّ‬ ‫ثواب صيام ِّ‬ ‫وحيصل هل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قضائه‪ ،‬ىلع أن يُ َو ِّجه نيَّته إىل ِصيامِ ما فاته ِم ْن رمضان فقط‪،‬‬
‫ت ِم ْن ّ‬ ‫الس ِّ‬‫صيام ِّ‬‫َ‬ ‫َْ‬
‫شوال‪ ،‬وبوقوع هذا الصيامِ يف‬ ‫وال ين ِوي بها‬
‫ْ‬ ‫ِّ يحَ ْ ُ لهَ‬
‫الست ُصل ُ األج ُر‪ ،‬وىلع ذلك نص مجاعة من الفقهاء‪،‬‬ ‫أيامِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫لاّ‬ ‫تىَ‬ ‫َّ َ ْ ْ‬
‫ل ‪-‬رمحه‬ ‫وهو املعتمد عند الشافعية‪ ،‬فقد أف الع مة الرم ُّ‬
‫ٌ ْ يِ‬
‫شخص عليه صوم ِمن رمضان‬ ‫ٍ‬ ‫سؤال عن‬ ‫اهلل‪ -‬بهذا يف إجاب ِة ْ ٍ‬
‫وثواب ستةَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ يحَ ْ‬
‫ِ ِ أيامٍ‬ ‫قضاء رمضان‬ ‫ُ‬ ‫شوال‪ :‬هل ُصل هل‬ ‫وقضاء يف ّ‬ ‫ٌ‬
‫َّ ُ يحَ ْ ُ‬ ‫ٌَْ‬ ‫َْ‬
‫شوال‪ ،‬وهل يف ذلك نقل؟ فأجاب‪" :‬بأنه ُصل بصومه‬ ‫من ّ‬
‫ثواب ِس َّت ٍة ِم ْن‬ ‫ُ‬ ‫ويص ُل لهَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ يرْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قضاء رمضان‪ ،‬وإن نوى بِ ِه غ ه‪ِ ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حتفة املحتاج يف رشح املنهاج (‪ ،)457/3‬ط دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ 130 ‬‬
‫أيضا؛‬
‫َ‬
‫وذلك ً‬ ‫مجاعة ِم َن ال ْ ُمتَأَ ِّخ َ‬
‫رين"(((‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫شوال‪َ ،‬وقد ذك َر املسألة‬ ‫ّ‬
‫َ لىَّ‬ ‫ق ً‬
‫املسجد فص ركعتني قبل أن جيلس‪،‬‬ ‫ياسا ىلع من دخل‬ ‫ِ‬
‫تيَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫بنِي ِة صالة الفرض‪ ،‬أو سن ٍة راتِب ٍة‪ ،‬فيحصل هل ثواب ركع ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫حتي ِة املسجد‪.‬‬

‫‪‬‬

‫((( ينظر‪ :‬فتاوى الرميل (‪.)66/2‬‬


‫‪ 131 ‬‬
‫خامتة‬
‫ِّ‬ ‫ويف نهاية املطاف يَ ُ‬
‫طيب دلار اإلفتاء املرصية أن تهنئ‬
‫كلُ ِّ‬
‫قاع األرض حبلول شهر رمضان املبارك‪،‬‬ ‫مجيع املسلمني يف بِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫الشهر‬ ‫تتطل ُع إىل أن يكون هذا‬ ‫بة الكريمة‬ ‫ُ‬ ‫املناس‬ ‫ويه بهذه‬
‫تحَ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ُِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫يق‬ ‫ورفع ُّ ِت ًها و ِق ِ‬ ‫إىل علوها ِ‬ ‫اإلسالمية‬ ‫الكريم آخذا باألمة‬
‫َ َ َ َ َ ًَ‬ ‫َ‬
‫ارة لِألرض‪ ،‬وختلقا بأخالق‬ ‫خيرِْ َّي ِت َها ِدينًا ودنيا‪ ،‬وعمال و ِعم‬
‫َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫حق ُق بطاعة اهلل تعاىل‬ ‫السعداء اليت َسادوا بها‪ َ ،‬وإن ذلك يلت‬ ‫ُّ‬
‫َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َ‬
‫وحثنا عليه‪ ،‬واغتنامِ‬ ‫واتلق ُّر ِب إيله بكل ما أ َم َرنا تعاىل به‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اًّ‬ ‫َ ْ‬
‫ارات‬ ‫أوقات َالفضل يف ذلك؛ لكونها حمل للعطايا واالن ِتص ِ‬ ‫ِ‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ِّ ْ‬
‫وعلو األقدار‪ ،‬فبذلك يصلح نلا أمر دينِنا ودنيانا‪.‬‬
‫وقد جاء عن انليبَ صىل اهلل عليه وآهل وسلم أنه قال‪:‬‬
‫َ‬
‫ات‪ ،‬فتَ َع َّر َُضوا ل َها‪،‬‬
‫َ‬ ‫ك ْم َع َّز َو َج َّل ف أيَّامِ َد ْهر ُك ْم َن َف َ‬
‫ح‬
‫َّ َ ِّ ُ‬
‫« ِإن ل ِ َرب‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يِ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫حة‪ ،‬ال يَش َبعدها أبَدا»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قىَ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫لَ َع َّل أ َحدك ْم أن تصيبَه من َها نف َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«اف َعلُوا الخْ َيرْ َ َد ْه َر ُكم‪ْ،‬‬ ‫ْ‬
‫وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫حات م ْن َرحمْ َته يُصيبُ‬ ‫اللِ ‪،‬فَإ َّن للِهَّ ِ َن َف َ‬ ‫َحمْ َ هَّ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫ات‬ ‫َو َت َع َّر ُضوا َ َف َ‬
‫ح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لنِ‬
‫َ َ ُ هََّ َ ْ َ ْ ترُ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب َها َم ْن ي َ َش ُ‬
‫اء ِمن ِعبا ِد ِه‪ ،‬وسلوا الل أن يس عوراتِكم‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ (((‬ ‫عاَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يؤمن رو تِكم» ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رِّ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫لىَ‬ ‫ُ‬
‫أعظم ف ْر َصة‬ ‫َ‬ ‫املقص‬ ‫وهذه األوقات الفض تعطي‬
‫هلل‬
‫ملغ ِفرة ذنوبه‪ ،‬باغتنامها يف اتلوبة والرجوع واإلنابة إىل ا ِ‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم األوسط (‪ ،)180/3‬ويف املعجم الكبري (‪.)250/1‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري (‪ ،)250/1‬وابليهيق يف شعب اإليمان (‪.)42/2‬‬
‫‪ 133 ‬‬
‫السعادة‬ ‫وحلُول أسباب َّ‬ ‫الرحمَ َات والعطايا‪ُ ،‬‬ ‫تعاىل فيها؛ لكرثة َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُْ‬
‫أسباب الشقاء‪ ،‬فقد ورد عن سيدنا رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫ِ‬ ‫وبع ِد‬
‫ني»‪ ،‬فقيل‬ ‫ني‪ ،‬آم َ‬ ‫ني‪ ،‬آم َ‬ ‫ق املنرب فقال‪« :‬آم َ‬ ‫عليه وآهل وسلم أنه َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ يِ َ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫هلل‪ ،‬ما كنت تصنع هذا؟! فقال‪« :‬قال يِل جِبرِْ يل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ول ا‬ ‫هل‪ :‬يا رس‬
‫ت‪ :‬آمني‪َ،‬‬ ‫ان فَلَ ْم ُي ْغ َف ْر لهَ ُ ‪َ ،‬ف ُقلْ ُ‬‫َْ َ َ ُ ََْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫أرغم اهلل أنف عب ٍد دخل رمض‬
‫ُ َّ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ ْ ْ ُ‬
‫ثم قال‪ :‬ر ِغم أنف عب ٍد أدرك وا َلدِ ي ِه أو أحدهما لم يد ِخله‬
‫ُْ َ ُ َ ْ ََ‬
‫ني‪ ،‬ث َّم قال‪َ :‬ر ِغ َم أنف عبْ ٍد ذ ِك ْرت ِعن َد ُه فل ْم‬
‫َ ُ َ َ‬
‫ت‪ :‬آ ِم‬‫الجْ َ َّن َة‪َ ،‬ف ُقلْ ُ‬
‫ني»(((‪.‬‬ ‫ت‪ :‬آم َ‬ ‫ك‪َ ،‬ف ُقلْ ُ‬ ‫ُ َ ِّ َ َ ْ َ‬
‫يصل علي‬
‫ِ‬
‫ُ َ ِّ َ‬ ‫َّ‬
‫نسأل املوىل جل وعال أن يوفقنا خلري العمل يف هذا‬
‫َ‬ ‫كر َمنا باملغف َر ِة ِّ‬ ‫ُ ْ‬
‫والرضا والقبُول‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫الشهر الكريم‪ ،‬وأن ي ِ‬
‫آ ِمني‪.‬‬

‫ِّ‬
‫وصل اللهم على سِّي ِدنا و َم ْوالنا مح َّمد وآلِه وصحبه وسِلّم‬

‫وآخ ُر َد ْعوانا َأ ِن الح ْم ُد ِ‬


‫هلل َر ِّب العالَ ِمين‬ ‫ِ‬

‫‪‬‬

‫((( أخرجه ابن خزيمة يف صحيحه (‪ ،)192/3‬وابن حبان يف صحيحه (‪ ،)140/2‬والطرباين‬


‫يف املعجم األوسط (‪ ،)17/9‬ويف املعجم الكبري (‪.)243/2‬‬
‫‪ 134 ‬‬
‫املحتويات‬
‫تقديم‪3..............................................................‬‬
‫مقدمة ‪5.............................................................‬‬
‫‪ -1‬اختصاصه بفرضية الصيام فيه‪5.......................... :‬‬
‫‪ -2‬نزول القرآن فيه‪6....................................... :‬‬
‫‪ -3‬تفتح أبواب اجلنة وأبواب اخلري فيه‪8......................:‬‬
‫‪ -4‬اشتامله عىل ليلة القدر‪10................................ :‬‬
‫‪ -5‬اختصاصه بكثري من املستحبات يتأكد فعلها فيه‪11....... :‬‬
‫فضائل الصوم ‪13...................................................‬‬
‫الصوم تعريفه وحكمته وأحكامه ‪17.................................‬‬
‫تعريف الصوم‪17................................................‬‬
‫احلكمة من مرشوعية الصوم ‪17..................................‬‬
‫حكم صوم رمضان ‪20...........................................‬‬
‫رشوط وجوب الصوم ‪21........................................‬‬
‫رشوط صحة الصوم‪22..........................................‬‬
‫الفرق بني رشط الصحة ورشط الوجوب‪22................. :‬‬
‫أركان الصوم‪23.................................................‬‬
‫مبطالت الصوم (املفطرات) ‪24..................................‬‬
‫ٍ‬
‫لعذر منها‪25...............‬‬ ‫األعذار املبيحة للفطر وحكم من أفطر‬
‫حكم اإلفطار لغري عذر من األعذار املذكورة‪26..............:‬‬
‫والكفارة ثالث خصال‪27.................................. :‬‬
‫مستحبات الصوم‪28.............................................‬‬
‫أشياء يباح للصائم فعلها‪29......................................‬‬
‫مكروهات الصوم ‪30............................................‬‬
‫مراتب الناس يف الصوم ‪31.......................................‬‬
‫فصل فيام يتعلق هبذا الشهر الكريم من طاعات ‪37....................‬‬
‫‪ 135 ‬‬
‫مدارسة القرآن وتالوته وختمه‪37............................:‬‬
‫قيام ليل رمضان بصالة الرتاويح والتهجد‪42.................:‬‬
‫تفطري الصائم‪50............................................ :‬‬
‫الصدقة‪50................................................. :‬‬
‫االعتكاف‪52............................................... :‬‬
‫إحياء ليلة القدر‪57..........................................:‬‬
‫ال ُع ْمرة‪61................................................... :‬‬
‫اإلكثار من فعل النوافل‪62.................................. :‬‬
‫فتاوى متعلقة بالصوم ‪63............................................‬‬
‫فتاوى متعلقة باألحكام العامة‪63.................................‬‬
‫حكم الصيام ملرىض السكر ‪74................................‬‬
‫موعد اإلفطار للمسافر بالطائرة‪80............................‬‬
‫حكم من صام رمضان ولكنه ال يصيل‪81......................‬‬
‫حكم اخلطأ يف ظن طلوع الفجر وغروب الشمس ‪83..........‬‬
‫حكم تقبيل الزوجة يف الصيام‪83..............................‬‬
‫حكم اجلامع بني الزوجني يف ليايل رمضان ‪84..................‬‬
‫حكم من أصبح ُجنبا يف هنار رمضان ‪85.......................‬‬
‫حكم الرشع يف صالة الرتاويح يف رمضان ‪85..................‬‬
‫هل تصح صالة الرتاويح يف املنزل‪85..........................‬‬
‫حكم وجود مجاعتني إحدامه�ا للمتأخرين عن أداء اجلامعة األوىل‬
‫يف العشاء واألخرى للمصلني صالة الرتاويح ‪86..............‬‬
‫هل جيوز قضاء صالة الرتاويح ملن فاتته ‪87....................‬‬
‫املطلوب عىل املسلم فعله يف العرش األواخر‪88.................‬‬
‫احلكم فيمن مات وعليه صوم ‪88.............................‬‬
‫فتاوى متعلقة باملفطرات وما يفسد الصوم ‪89.....................‬‬
‫حكم بلع البلغم ‪89..........................................‬‬
‫هل القيء يفسد الصيام‪89....................................‬‬
‫‪ 136 ‬‬
‫حكم وضع النقط يف األنف أو األذن أثناء الصيام ‪89...........‬‬
‫حكم استعامل احلقنة الوريدية أو يف العضل‪90.................‬‬
‫حكم استعامل احلقن الرشجية أثناء الصوم ‪90.................‬‬
‫حكم استعامل بخاخة الربو أثناء الصيام‪91....................‬‬
‫حكم أخذ إبر األنسولني خالل الصوم ‪91.....................‬‬
‫حكم احلجامة‪ ،‬ونقل الدم أثناء الصوم ‪92.....................‬‬
‫حكم تناول املرأة ألدوية تؤخر احليض ‪92.....................‬‬
‫حكم عمل الفحص املهبيل أثناء الصيام ‪92....................‬‬
‫حكم التدخني أثناء الصيام ‪93................................‬‬
‫حكم اإلفطار ظنا أن الزواج عذر لإلفطار ‪93..................‬‬
‫حكم الغسيل الكلوي أثناء الصيام‪94.........................‬‬
‫هل خلع األسنان يف هنار رمضان يبطل الصوم؟ ‪94............‬‬
‫حكم السواك أو املعجون والفرشاة أثناء الصوم ‪94............‬‬
‫هل وضع مرطب للشفاه يف هنار رمضان مفطر؟ ‪95............‬‬
‫هل وضع قطرة العني تفسد الصيام؟ ‪95.......................‬‬
‫حكم الرشع يف صيام من غاب عنه برصه وسمعه ‪96...........‬‬
‫حكم االستمناء يف هنار رمضان ‪96...........................‬‬
‫حكم االحتالم يف رمضان ‪97.................................‬‬
‫هل جيوز للصائم أن يبلع ريقه أثناء الصيام ‪97.................‬‬
‫من نام أكثر اليوم يف هنار رمضان هل يبطل صومه؟‪97.........‬‬
‫فتاوى متعلقة باملرأة الصائمة ‪98..................................‬‬
‫هل جي�وز للمرأة اإلفطار يف رمضان من أجل اس�تكامل إجراءات‬
‫التلقيح املجهري؟‪98.........................................‬‬
‫حكم انقطاع دم احليض قبل الفجر بوقت ال يسع الغسل ‪98...‬‬
‫حكم تأخري قضاء ما فات بسبب احليض‪99...................‬‬
‫هل عىل احلامل كفارة إذا أفطرت ‪100.........................‬‬
‫هل الكشف عىل املريضة هنار رمضان يفطرها؟‪100............‬‬
‫‪ 137 ‬‬
‫ه�ل جي�ب على م�ن أفط�رت للحم�ل القض�اء أم تكف�ي‬
‫الكفارة؟‪101.................................................‬‬
‫أنا غري حمجبة‪ ،‬فهل يقبل اهلل صاليت وصيامي؟‪102.............‬‬
‫حكم تأخري القضاء حتى يأيت رمضان آخر ‪103................‬‬
‫ه�ل جي�وز للم�رأة أن تس�تأجر رجًل�اً أجنب ًّي�ا للصي�ام عنه�ا‬
‫عند االستطاعة؟ ‪104.........................................‬‬
‫كفارة اجلامع يف هنار رمضان ‪104..............................‬‬
‫أحكام صدقة الفطر ‪107.............................................‬‬
‫حكمها‪107................................................. :‬‬
‫احلكمة من مرشوعيتها‪107.................................. :‬‬
‫وقت وجوهبا‪108........................................... :‬‬
‫مصارفها‪108............................................... :‬‬
‫مقدارها‪109................................................ :‬‬
‫حكم إخراجها قيمة‪109.....................................:‬‬
‫من جتب عليهم‪110......................................... :‬‬
‫أحكام عيد الفطر ‪113...............................................‬‬
‫إحياء ليلة العيد‪115......................................... :‬‬
‫تكبري العيد‪115............................................. :‬‬
‫معنى التكبري‪116............................................ :‬‬
‫وقته‪116.................................................... :‬‬
‫صيغته‪117.................................................. :‬‬
‫حكم زيادة الصالة عىل النبي ﷺ‪118........................ :‬‬
‫ما يسن فعله قبل صالة العيد‪118............................ :‬‬
‫صالة العيد‪119............................................. :‬‬
‫حكمها‪119................................................. :‬‬
‫وقتها‪120................................................... :‬‬
‫كيفية أدائها‪121............................................. :‬‬
‫‪ 138 ‬‬
‫سنن صالة العيد‪121........................................ :‬‬
‫حكم من فاتته صالة العيد‪124...............................:‬‬
‫ومن السنن املستحبة يف العيد‪125............................ :‬‬
‫التوسعة عىل األهل‪125......................................:‬‬
‫إظهار الرسور‪125...........................................:‬‬
‫الصلة والتزاور‪126..........................................:‬‬
‫حكم زيارة األموات‪128.................................... :‬‬
‫ست من شوال ‪131............................................‬‬‫صيام ٍّ‬
‫خامتة ‪135...........................................................‬‬

‫‪‬‬

‫‪ 139 ‬‬

You might also like