You are on page 1of 5

‫ها قد أقبل شهر رمضان فأحسنوا العمل فيه وارهبوا الفطر والذنوب‬

‫الخطبة األولى‪ :‬ــــــــــــــــــــــــــ‬


‫للصائمين مِن ال َّنار‪ ،‬وزياد ًة لهم في األجْ ِر‬
‫َ‬ ‫هلل الذي جع َل الصيا َم ُج َّن َة‬
‫الحم ُد ِ‬
‫ضال‪ ،‬وأشه ُد أنْ ال إله إال هللاُ الكبي ُر ال ُم َتعال‪ ،‬وأشهد أنَّ محم ًدا عب ُده‬ ‫واإل ْف َ‬
‫وصا َم وقا َم وقرَأ القرآن‪.‬‬‫صلَّى لِربِّه َ‬ ‫ورسولُه‪ ،‬خي ُر َمن َ‬
‫أ َّما بعد‪ ،‬أ ُّيها المسلمون‪:‬‬
‫كثر‪ ،‬فما تأتي ن ٌ‬
‫ِعمة إال أعقب ْتها‬ ‫ضلُ ُه علينا َي ُ‬
‫هللا علينا َتتابع‪ ،‬و َت َف ُّ‬
‫فال َتزا ُل ن َِع ُم ِ‬
‫ُحتاجين إلى عونِه و ُغفرانِه وإنعامِه وإكرامِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُأ ْخرى‪َ ،‬يرح ُم بها عبادَ ه الم‬
‫أال وإنَّ مِن أج ِّل ن َِع ِم ِه وأرفعِها وأجملِها‪:‬‬
‫أدراك ما رمضان‪ ،‬إذ ص َّح عن‬ ‫َ‬ ‫شهر رمضان‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬ ‫إيجا َب ُه علينا صو َم‬
‫ضانُ فُ ِّت َح ْت‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم أ َّنه قال في شأنه‪ِ (( :‬إ َذا َ‬
‫دَخل َ َر َم َ‬
‫ش َياطِ ينُ ))‪َ ،‬ف َيا ل َ‬
‫ِسعاد ِة َمن‬ ‫ت ال َّ‬‫س ْلسِ َل ِ‬ ‫الج َّنةِ‪َ ،‬و ُغ ِّل َق ْت َأ ْب َو ُ‬
‫اب َج َه َّن َم‪َ ،‬و ُ‬ ‫اب َ‬ ‫َأ ْب َو ُ‬
‫العظيم المُباركِ رمضان‪ ،‬وشم ََّر عن‬ ‫ِ‬ ‫الشهر‬
‫ِ‬ ‫مام نفسِ ه في هذا‬ ‫بز ِ‬ ‫ك ِ‬‫أم َس َ‬
‫لك بها َسبي َل الج َّنة‪ ،‬وج َّنبها سُب َل ال َّنار‪ ،‬ويا خسار َة َمن َسل َ‬
‫ك‬ ‫فس َ‬‫ساع ِد الجِّ دِ‪َ ،‬‬
‫وأغضب ر َّب ُه‬
‫َ‬ ‫موار َد الهالك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وأوردَ ها‬
‫َ‬ ‫وان‪،‬‬
‫طريق المعصي ِة وال َه ِ‬ ‫َ‬ ‫بها‬
‫ص ِّفدت‪.‬‬‫ت الشياطينُ و ُ‬ ‫الرحمن‪ ،‬وقد ُيس َِّرت له األسباب‪ L،‬فسُلسِ ل ِ‬
‫أ ُّيها المسلمون‪:‬‬
‫رمضان‬
‫َ‬ ‫ب في‬ ‫رمضان فم َتى َيتوب؟ و َمن لم يُقلِعْ عن ُّ‬
‫الذنو ِ‬ ‫َ‬ ‫َمن لم َي ْتبْ في‬
‫ثبت عن‬ ‫الصيام فم َتى َيرحمُها؟ وقد َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وقت‬ ‫نفس ُه‬
‫رحم َ‬ ‫فم َتى يُقلِع‪ ،‬و َمن لم َي َ‬
‫ص ِع َد المِن َب َر قا َل‪ (( :‬آمِينَ ‪ ،‬آمِينَ ‪،‬‬ ‫حين َ‬ ‫النبيِّ صلى هللا عليه وسلم أ َّنه َ‬
‫سول َ هَّللا ِ ِإ َّن َك حِينَ َ‬
‫صعِدْ َت ا ْل ِم ْن َب َر قُ ْل َت‪ :‬آمِينَ ‪ ،‬آمِينَ ‪،‬‬ ‫آمِينَ ‪َ ،‬فقِيلَ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ضانَ َف َل ْم ُي ْغ َف ْر َل ُه‬ ‫آمِينَ ‪َ ،‬ف َقالَ‪ِ :‬إنَّ ِج ْب ِريل َ َأ َتانِي َف َقالَ‪َ :‬منْ َأدْ َر َك َ‬
‫ش ْه َر َر َم َ‬
‫ُؤس‬
‫ت‪ :‬آمِينَ ))‪ ،‬فيا ل َِحسر ِة وب ِ‬ ‫ار‪َ ،‬فَأ ْب َعدَ هُ هَّللا ُ‪ ،‬قُلْ‪ :‬آمِينَ ‪َ ،‬فقُ ْل ُ‬ ‫َف َ‬
‫دَخل َ ال َّن َ‬
‫وتأمين س ِّي ِد ول ِد آد َم‬‫ِ‬ ‫وشِ قو ِة مِن دخ َل في دعو ِة جبري َل ــ علي ِه السال ُم ــ هذِه‪،‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم عليها‪ ،‬فأبع َدهُ هللاُ وأخزاهُ وأهانه‪.‬‬
‫شهر شعبانِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ‪   *  ‬حتى عصى َر َّب ُه في‬ ‫رج ٍ‬
‫ب في َ‬ ‫ف َيا ذا الذي ما َكفاهُ َّ‬
‫الذ ْن ُ‬
‫صيـان‬
‫ِ‬ ‫شهر عِ‬
‫َ‬ ‫الصـوم بعـدَ هُما ‪   *  ‬فال ُتص ِّي ْرهُ أي ً‬
‫ضا‬ ‫ِ‬ ‫لقدْ أظ َّل َك شـه ُر‬

‫‪1‬‬
‫رمضان أ ْق ِبل على الصالحا ِ‪L‬‬
‫ت واستكثِر‪ ،‬ويا باغِ َي ال َّش ِر‬ ‫َ‬ ‫الخير في‬
‫ِ‬ ‫ويا باغِ َي‬
‫أ ْقصِ ر عن اآلثام واهْ جُر‪.‬‬
‫بصوم رمضان‪ ،‬فقد ص َّح أنَّ النبيَّ‬ ‫ِ‬ ‫ولِئن كنت ُتري ُد مغفر َة الخطايا‪ ،‬فعلي َ‬
‫ك‬
‫سا ًبا ُغف َِر َل ُه َما‬ ‫اح ِت َ‬‫ضانَ ِإي َما ًنا َو ْ‬ ‫صا َم َر َم َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم قال‪َ (( :‬منْ َ‬
‫َت َقدَّ َم مِنْ َذ ْن ِب ِه ))‪.‬‬
‫فعليك بالصوم‪ ،‬فقد ص َّح عن النبيِّ‬ ‫َ‬ ‫ضاعفة الحسناتِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كنت ُتري ُد ُم‬ ‫َ‬ ‫وإنْ‬
‫ش ُر‬ ‫س َن ُة َع ْ‬ ‫ف‪ ،‬ا ْل َح َ‬ ‫اع ُ‬‫ض َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم أ َّنه قال‪ُ (( :‬كل ُّ َع َم ِل ا ْب ِن آدَ َم ُي َ‬
‫الص ْو َم‪َ ،‬فِإ َّن ُه لِي َوَأ َنا‬ ‫َّ‬ ‫س ْبعمِاَئ ة ضِ ْعفٍ‪َ ،‬قال َ هللاُ َع َّز َو َجلَّ‪ِ :‬إاَّل‬ ‫َأ ْم َثالِ َها ِإ َلى َ‬
‫ش ْه َو َت ُه َو َط َعا َم ُه مِنْ َأ ْجلِي ))‪.‬‬ ‫َأ ْج ِزي ِبهِ‪َ ،‬ي َد ُع َ‬
‫صوم‬
‫ِ‬ ‫عداء‪ ،‬فال َتغف ْل عن‬ ‫س ِ‬ ‫أهل الج َّن ِة ال ُّ‬
‫كنت ُتري ُد أنْ تكونَ مِن ِ‬ ‫َ‬ ‫وإنْ‬
‫س ُك ْم‪،‬‬ ‫صلُّوا َخ ْم َ‬ ‫ثبت أنَّ النبيَّ صلى هللا عليه وسلم قال‪َ (( :‬‬ ‫رمضان‪ ،‬فقد َ‬
‫ش ْه َر ُك ْم‪َ ،‬وَأدُّوا َز َكا َة َأ ْم َوالِ ُك ْم‪َ ،‬وَأطِ ي ُعوا َذا َأ ْم ِر ُك ْم َتدْ ُخلُوا َج َّن َة‬ ‫صو ُموا َ‬ ‫َو ُ‬
‫َر ِّب ُك ْم ))‪.‬‬
‫ثبت‬ ‫ك رمضان‪ ،‬فقد َ‬ ‫الرفيعة‪ ،‬ف ُدو َن َ‬ ‫للمنازل العالي ِة َّ‬
‫ِ‬ ‫وق‬‫س ُك َت ُت ُ‬ ‫وإنْ كانت نف ُ‬
‫سول َ هَّللا ِ‪َ :‬أ َرَأ ْي َت ِإنْ‬ ‫أنَّ رجاًل أ َتى النبيَّ صلى هللا عليه وسلم فقال‪َ (( :‬يا َر ُ‬
‫س‪،‬‬ ‫ت ا ْل َخ ْم َ‬ ‫ص َل َوا ِ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ص َّل ْي ُ‬ ‫سول ُ هَّللا ِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ت َأنْ اَل ِإ َل َه ِإاَّل هَّللا ُ‪َ ،‬وَأ َّن َك َر ُ‬ ‫ش ِهدْ ُ‬ ‫َ‬
‫الصدِّ يقِينَ‬
‫ِّ‬ ‫ضانَ َوقُ ْم ُت ُه‪َ ،‬ف ِم َّمنْ َأ َنا؟ َقالَ‪ :‬مِنَ‬ ‫ت َر َم َ‬ ‫ص ْم ُ‬‫الز َكا َة‪َ ،‬و ُ‬ ‫ت َّ‬ ‫َوَأدَّ ْي ُ‬
‫اء ))‪.‬‬ ‫ش َهدَ ِ‬‫َوال ُّ‬
‫أ ُّيها المسلمون‪:‬‬
‫أركان دِي ِن ِه اإلسالم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ها قد أق َب َل شه ُر رمضان‪ ،‬شه ٌر َجع َل هللاُ صيا َمه أحدَ‬
‫ص َّف ُد الشياطينُ ‪ ،‬و ُت َف َّتح أبوابُ ال ِجنان‪،‬‬ ‫شه ٌر َن َز َل فيه القرآن‪ ،‬شه ٌر فيه ُت َ‬
‫ض‬
‫الغر َ‬‫و ُت َغلَّ ُق أبوابُ ال ِّنيران‪ ،‬فاحرصوا شدي ًدا على أنْ تكونوا ِممَّن يُح ِّقق َ‬
‫هللا سبحا َنه‪ ،‬أال وهو أنْ َيزج َُر ُكم الصيا ُم‬ ‫مِن صيامه‪ ،‬أال وهو تقوى ِ‬
‫ويُبعِدَ ُكم عن معصي ِة ربِّكم‪ ،‬و َيد َف َع ُكم ويُقو َّي ُكم على العبادة‪ ،‬و َيجع َل ُكم معها‬
‫طاعة لربِّكم سبحا َنه القائلُ‪َ { :‬يا َأ ُّي َها ا َّلذِينَ‬ ‫ً‬ ‫وإحسان و ُخشوع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫في ازديا ٍد‬
‫ِب َع َلى ا َّلذِينَ مِنْ َق ْبلِ ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت َّتقُونَ }‪.‬‬ ‫ِب َع َل ْي ُك ُم ِّ‬
‫الص َيا ُم َك َما ُكت َ‬ ‫آ َم ُنوا ُكت َ‬
‫أ ُّيها المسلمون‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ت ل ُك ُث ٌر ج ًدا‪،‬‬ ‫ُفطرا ِ‬ ‫ب وال ِجماع وباقِي الم ِّ‬
‫ِ‬ ‫الطعام وال َّشرا ِ‬ ‫ِ‬ ‫إنَّ الصُّوا َم بترْ كِ‬
‫ثبت عن عد ٍد مِن تالمذ ِة الصحاب ِة ــ رضي هللا عنهم‬ ‫وهو َسه ٌل عليهم‪ ،‬وقد َ‬ ‫َ‬
‫ب ))‪.‬‬ ‫ش َرا ِ‬ ‫الط َع ِام َوال َّ‬ ‫الص ْو ِم َت ْر ُك َّ‬ ‫َّ‬ ‫ــ أ َّنهم قالوا‪ِ ((:‬إنَّ َأهْ َونَ‬
‫ت جوار ُح ُه عن اآلثام‪ ،‬ولِسا ُن ُه عن ك ِّل‬ ‫ولكنَّ الصائ َم ال ُمس َّددَ هو‪َ :‬من صا َم ْ‬
‫ماع واالستمنا ِء‬ ‫قول مُحرَّ م‪ ،‬وبط ُن ُه عن الطعام والشراب‪ L،‬وفرْ جُه عن ال ِج ِ‬ ‫ٍ‬
‫المال‬
‫ِ‬ ‫النظر إلى المُحرَّ ماتِ‪ ،‬وكسْ ُب ُه وإنفاقُ ُه عن‬ ‫ِ‬ ‫وعي ُنه عن‬ ‫والفُجور‪َ ،‬‬
‫قطعان الصيا َم ويُفسِ دانِه‪ ،‬فكذلك اآلثام‬ ‫ِ‬ ‫راب َي‬ ‫الحرام‪ ،‬وكما أنَّ الطعا َم وال َّش َ‬
‫صي َِّر صاح َب ُه بمنزل ِة َمن لم َيصُم‪ ،‬وقد‬ ‫ثمر َته‪ ،‬حتى ُت َ‬ ‫َتقط ُع ثوا َبه‪ ،‬و ُتفسِ ُد َ‬
‫ور َوال َع َمل َ‬ ‫الز ِ‬ ‫ص َّح أنَّ النبيَّ صلى هللا عليه وسلم قال‪َ (( :‬منْ َل ْم َيد َْع َق ْول َ ُّ‬
‫جميع‬‫ِ‬ ‫ور‪:‬‬ ‫بالز ِ‬ ‫ش َرا َب ُه ))‪ ،‬وال ُمرا ُد ُّ‬ ‫دَع َط َعا َم ُه َو َ‬ ‫اج ٌة فِي َأنْ َي َ‬ ‫س هَّلِل ِ َح َ‬ ‫ِبهِ‪َ ،‬ف َل ْي َ‬
‫اِئم َح ُّظ ُه‬ ‫ص ٍ‬ ‫وثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أ َّنه قال‪ُ (( :‬ر َّب َ‬ ‫َ‬ ‫الكالم المُحرَّ م‪،‬‬
‫ِ‬
‫ص َحا َب ُه َكا ُنوا‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫ش ))‪ ،‬وصحَّ‪ (( :‬أنَّ َبا ه َُر ْي َر َة َو ْ‬ ‫مِنْ صِ َيا ِم ِه ا ْل ُجو ُع َوا ْل َع َط ُ‬
‫صا ُموا َق َعدُوا فِي ا ْل َم ْس ِج ِد َو َقالُوا‪ُ :‬ن َط ِّه ُر صِ َيا َم َنا ))‪.‬‬ ‫ِإ َذا َ‬
‫أ ُّيها المسلمون‪:‬‬
‫وازادَوا مِن ُه شدي ًدا‪ ،‬ف َلقد‬ ‫رمضان كثيرً ا‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫شهر‬
‫ِ‬ ‫القرآن في‬‫ِ‬ ‫أقبلوا على تالو ِة‬ ‫ِ‬
‫رمضان إقبا كبيرً ا‪،‬‬ ‫اًل‬ ‫َ‬ ‫لون علي ِه في‬ ‫ُقب َ‬ ‫كان السَّلفُ الصال ُح ــ رحمه ُم هللاُ ــ ي ِ‬
‫فكان الشافعيُّ‬ ‫َ‬ ‫دون مِن تالوتِه كثيرً ا‪،‬‬ ‫ويتزو َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّون ِبه اهتمامًا عظيمًا‪،‬‬ ‫و َيهتم َ‬
‫ُأ‬ ‫رمضان َختمتين‪،‬‬
‫وكان البُخاريُّ َيقر في ك ِّل ٍ‬
‫يوم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اليوم والليل ِة مِن‬ ‫ِ‬ ‫َيخت ُم في‬
‫كان َيخت ُم في ك َّل ثالث ِة أيَّام‪،‬‬ ‫ختمة واحدة‪ ،‬وبعضُ السَّلفِ َ‬ ‫ً‬ ‫رمضان‬
‫َ‬ ‫وليل ٍة مِن‬
‫وكيف ال‬ ‫َ‬ ‫كان َيخت ُم ك َّل خمس ِة أيَّام‪ ،‬ومِنهم َمن َيخت ُم ك َّل جُمعة‪،‬‬ ‫وبعضُهم َ‬
‫يكونُ هذا حالُهم مع القرآن‪ ،‬ورمضانُ هو شه ُر ُنزولِه‪ ،‬وشه ُر مدارس ِة‬
‫ُ‬
‫والحسنات‬ ‫ِجبري َل له مع لنبيِّ صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وز َم ُن ُه أفض ُل األزمان‪،‬‬
‫ضانَ ا َّلذِي ُأ ْن ِزل َ فِي ِه ا ْلقُ ْرآنُ‬ ‫ش ْه ُر َر َم َ‬ ‫في ِه مُضاعفة‪ ،‬وقد قال هللا سبحانه‪َ {:‬‬
‫ابن مسعو ٍد ــ رضي‬ ‫ان }‪ ،‬وص َّح أنَّ َ‬ ‫ت مِنَ ا ْل ُهدَ ى َوا ْلفُ ْر َق ِ‬ ‫اس َو َب ِّي َنا ٍ‬ ‫ُهدًى لِل َّن ِ‬
‫ش ُر‬‫ف ِم ْن ُه َع ْ‬ ‫ب ِب ُكل ِّ َح ْر ٍ‬ ‫هللاُ عنه ــ أ َّنه قال‪َ (( :‬ت َع َّل ُموا ا ْلقُ ْرآنَ َفِإ َّن ُه ُي ْك َت ُ‬
‫س ِّيَئ اتٍ‪َ ،‬أ َما ِإ ِّني اَل َأقُولُ‪ { :‬الم } َو َلكِنْ َأقُولُ‪:‬‬ ‫ش ُر َ‬ ‫س َناتٍ‪َ ،‬و ُي َك َّف ُر ِب ِه َع ْ‬ ‫َح َ‬
‫ش ٌر ))‪.‬‬ ‫ش ٌر‪َ ،‬ومِي ٌم َع ْ‬ ‫ش ٌر‪َ ،‬واَل ٌم َع ْ‬ ‫ِف َع ْ‬ ‫َأل ٌ‬
‫أ ُّيها المسلمون‪:‬‬
‫اس‪َ ،‬و َكانَ‬ ‫لقد ص َّح أنَّ رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم‪َ (( :‬كانَ َأ ْج َودَ ال َّن ِ‬
‫َأ ْج َو ُد َما َي ُكونُ فِي َر َم َ‬
‫ضانَ حِينَ َي ْل َقاهُ ِج ْب ِريلُ‪َ ،‬و َكانَ َي ْل َقاهُ فِي ُكل ِّ َل ْي َل ٍة مِنْ‬
‫‪3‬‬
‫سول ُ هَّللا ِ صلى هللا عليه وسلم َأ ْج َو ُد ِب َ‬
‫الخ ْي ِر‬ ‫س ُه القُ ْرآنَ ‪َ ،‬ف َل َر ُ‬ ‫ضانَ َف ُيدَ ِار ُ‬ ‫َر َم َ‬
‫س َل ِة ))‪ ،‬فاقت ُدوا بنب ِّي ُكم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وجُودوا في‬ ‫يح ال ُم ْر َ‬ ‫الر ِ‬‫مِنَ ِّ‬
‫راهم‪ ،‬وخش َي َتها مِن الفقر أو‬ ‫ف ال َّد ِ‬ ‫رمضان كثيرً ا‪ ،‬وأذهِبوا عن أنفسِ كم َل َه َ‬ ‫َ‬
‫الحاجة‪ ،‬فقد قال هللاُ تعالى معاتبًا ومُر ِّهبًا‪ { :‬هَا َأ ْن ُت ْم هَُؤ اَل ِء ُتدْ َع ْونَ لِ ُت ْنفِقُوا‬ ‫َ‬
‫يل هَّللا ِ َف ِم ْن ُك ْم َمنْ َي ْب َخل ُ َو َمنْ َي ْب َخلْ َفِإ َّن َما َي ْب َخل ُ َعنْ َن ْفسِ ِه َوهَّللا ُ ا ْل َغن ُِّي‬ ‫س ِب ِ‬‫فِي َ‬
‫َوَأ ْن ُت ُم ا ْلفُ َق َرا ُء َوِإنْ َت َت َو َّل ْوا َي ْس َت ْب ِدلْ َق ْو ًما َغ ْي َر ُك ْم ُث َّم اَل َي ُكو ُنوا َأ ْم َثا َل ُك ْم }‪،‬‬
‫وص َّح أنَّ النبيَّ صلى هللا عليه وسلم قال‪َ (( :‬فَأ ْبشِ ُروا َوَأ ِّملُوا َما َي ُ‬
‫س ُّر ُك ْم‪،‬‬
‫س َط َع َل ْي ُك ُم ال ُّد ْن َيا َك َما‬ ‫شى َأنْ ُت ْب َ‬ ‫شى َع َل ْي ُك ْم‪َ ،‬و َل ِك ِّني َأ ْخ َ‬ ‫َف َوهَّللا ِ َما ال َف ْق َر َأ ْخ َ‬
‫سوهَا‪َ ،‬و ُت ْهلِ َك ُك ْم َك َما‬ ‫سوهَا َك َما َت َنا َف ُ‬ ‫ُبسِ َط ْت َع َلى َمنْ َكانَ َق ْب َل ُك ْم‪َ ،‬ف َت َنا َف ُ‬
‫َأهْ َل َك ْت ُه ْم ))‪ ،‬وإيَّا ُكم أنْ َتحقِروا قلي َل الصدقة‪ ،‬فت ُر َّد ُكم عن اإلنفاق‪ ،‬فقد ص َّح‬
‫ار َو َل ْو‬ ‫أنَّ النبيَّ صلى هللا عليه وسلم قال مُحرِّ ضًا ل ُكم‪َ (( :‬ف ْل َي َّتقِ َينَّ َأ َح ُد ُك ُم ال َّن َ‬
‫ِبشِ ِّق َت ْم َر ٍة ))‪.‬‬
‫يران‬
‫القراب ِة وال ِج ِ‬ ‫الصائمين مِن َ‬ ‫َ‬ ‫تفطير‬
‫َ‬ ‫أفضل ال ُجو ِد في رمضان‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وأنَّ مِن‬
‫ثبت أنَّ النبيَّ صلى هللا عليه‬ ‫وغيرهم‪ ،‬لِ َما َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ب والفقرا ِء والع َُّزا ِ‬ ‫واألصحا ِ‬
‫ِب َل ُه ِم ْثل ُ َأ ْج ِر ِه ))‪.‬‬ ‫صاِئ ًما ُكت َ‬ ‫وسلم قال‪َ (( :‬منْ َف َّط َر َ‬
‫نفعنِي هللاُ وإيَّا ُكم بما سمع ُتم‪ ،‬وحف َِظ ل َنا صيامنا عن ك ِّل ما يُفسِ ُده ويُنقِصُ‬
‫ثوا َبه‪ ،‬إ َّنه سمي ٌع مُجيب‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪ :‬ــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ت والكبريا ِء وال َع َظ َمة‪ ،‬وصلوا ُته على‬ ‫والجبرو ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫هلل ذِي ذِي الملكو ِ‬ ‫الحم ُد ِ‬
‫وأصحابه‬
‫ِ‬ ‫عبدِه ورسولِه محم ٍد خا َت ِم أنبياِئه‪ ،‬وأفض ُل خليقتِه‪ ،‬وعلى آلِه‬
‫وسلَّم تسليمًا كثيرً ا‪.‬‬
‫األخيار األبرار‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫أ َّما بعد‪ ،‬أ ُّيها المسلمون‪:‬‬
‫وأكبروا‬
‫ِ‬ ‫وعظموا أوام َِره‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫حق إجاللِه‪،‬‬ ‫حق تقواه‪ ،‬وأ ِجلُّوهُ َّ‬ ‫هللا ر َّب ُكم َّ‬ ‫فاتقوا َ‬
‫بالوقوع في ما حرَّ م‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنفس ُكم بعصيانِه‪ ،‬و ُتذلُّوا ِرقا َب ُكم‬ ‫زوا ِج َره‪ ،‬وال ُتهينوا َ‬
‫ُذر‬
‫بغير ع ٍ‬ ‫الصوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫نهار‬
‫بالفطر في ِ‬ ‫ِ‬ ‫فتنقادوا للشيطان‪ ،‬و َتخضعوا للشهوة‪،‬‬
‫غير ذلك‪ ،‬فإنَّ‬ ‫شربٍ‪ ،‬أو ِ‬ ‫أكل‪ ،‬أو ُ‬ ‫ماع‪ ،‬أو استمنا ٍء‪ ،‬أو ٍ‬ ‫َشرعيِّ ‪ ،‬إمَّا ب ِج ٍ‬
‫ب ذ ْنبٌ خطير‪ ،‬وجُر ٌم َشنيع‪ ،‬وتجاو ٌز لِحدو ِد‬ ‫ت المغر ِ‬ ‫ُلول وق ِ‬
‫اإلفطار قب َل ح ِ‬ ‫َ‬
‫ثبت أنَّ النبيَّ صلى هللا عليه وسلم قال‬ ‫حيث َ‬ ‫ُ‬ ‫للواقع فيه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هللا فظيع‪ ،‬و َمه َل َك ٌة‬
‫ِ‬
‫يوم صومِهم‪َ (( :‬ب ْي َنا َأ َنا َناِئ ٌم ِإ ْذ َأ َتانِي‬ ‫رون قبْل إنتهاء ِ‬ ‫مُب ِّي ًنا عقوب َة َمن يُفطِ َ‬

‫‪4‬‬
‫ت‪ِ :‬إ ِّني اَل ُأطِ يقُ ُه‪َ ،‬ف َقااَل ‪ِ :‬إ َّنا‬ ‫َر ُجاَل ِن‪َ ،‬فَأ َت َيا ِبي َج َباًل َو ْع ًرا‪َ ،‬ف َقااَل ‪ْ :‬‬
‫اص َعدْ ‪َ ،‬فقُ ْل ُ‬
‫شدِي َدةٍ‪،‬‬ ‫ت َ‬ ‫ص َوا ٍ‬‫اء ا ْل َج َب ِل ِإ َذا ِبَأ ْ‬ ‫س َو ِ‬
‫ت فِي َ‬ ‫ت َح َّتى ِإ َذا ُك ْن ُ‬ ‫صعِدْ ُ‬ ‫س ِّهلُ ُه َل َك‪َ ،‬ف َ‬ ‫س ُن َ‬ ‫َ‬
‫ار‪ُ ،‬ث َّم ا ْن ُطل َِق ِبي‪َ ،‬فِإ َذا َأ َنا‬ ‫ات؟ َقالُوا‪ :‬ه ََذا ُع َوا ُء َأهْ ِل ال َّن ِ‬ ‫ص َو ُ‬ ‫ت‪َ :‬ما َه ِذ ِه اَأْل ْ‬ ‫قُ ْل ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫شدَ اقُ ُه ْم دَ ًما َقالَ‪ :‬قُ ْل ُ‬‫شدَ اقُ ُه ْم‪َ ،‬تسِ يل ُ َأ ْ‬ ‫ش َّق َق ٍة َأ ْ‬
‫ِيب ِه ْم‪ُ ،‬م َ‬ ‫ِب َق ْو ٍم ُم َع َّلقِينَ ِب َع َراق ِ‬
‫ص ْو ِم ِه ْم ))‪ ،‬فإذا كانت‬ ‫َمنْ هَُؤ اَل ِء؟ َقالَ‪ :‬هَُؤ اَل ِء ا َّلذِينَ ُي ْفطِ ُرونَ َق ْبل َ َت ِح َّل ِة َ‬
‫فكيف‬
‫َ‬ ‫ت اإلفطار‪،‬‬ ‫ُلول وق ِ‬ ‫أفطر عم ًدا قبْل ح ِ‬ ‫َ‬ ‫هذ ِه هي عقوب ُة َمن صا َم ث َّم‬
‫ستكونُ عقوب ُة َمن ال يصو ُم أصاًل ‪.‬‬
‫هللا الكري َم أنْ يبلِّ َغنا رمضان بُلو ًغا حس ًنا‪ ،‬وأنْ يُعي َننا على‬ ‫هذا‪ ،‬وأسأ ُل َ‬
‫الشاكرين المُتقبَّل ِة أعمالُهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِرين‬
‫الذاك َ‬ ‫صيامِه وقيامِه‪ ،‬وأنْ يجع َلنا فيه مِن َّ‬
‫وجميع أهلينا‪ ،‬الله َّم‬‫ِ‬ ‫الله َّم ِق َنا شرَّ أنفسِ نا والشيطان‪ ،‬واغفر ل َنا ولوالِدينا‬
‫الفتن ما‬‫ِ‬ ‫المسلمين ما نز َل ِبهم مِن ضُرٍّ و َبالء‪ ،‬وأعِ ذنا وإياهُم مِن‬ ‫َ‬ ‫خ ِّفف عن‬
‫دين أبنا َءنا وبنا َت َنا‪ ،‬وس ِّدد إلى‬ ‫بطن‪ ،‬وأبع ِْد عن الفسا ِد والمُفسِ َ‬ ‫ظهر مِنها وما َ‬ ‫َ‬
‫ك سمي ُع ال َّدعاء‪.‬‬ ‫الخير وال َتنا و ُنوَّ ا َبهم‪ ،‬إ َّن َ‬
‫ِ‬
‫هللا لِي ول ُكم‪.‬‬ ‫وأقو ُل هذا‪ ،‬وأستغف ُر َ‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪5‬‬

You might also like