You are on page 1of 4

‫الخطبة األولى (المداومة بعد رمضان)‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪.‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ .‬اللهم‬
‫صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫أما بعد أيها المسلمون‬
‫ضانَ ث ُ َّم أَتْ َب َعهُ ِستًّا‬‫ام َر َم َ‬
‫ص َ‬ ‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قَا َل « َم ْن َ‬ ‫روى اإلمام مسلم في صحيحه أ َ َّن َر ُ‬
‫سو َل َّ‬
‫ام‬
‫ص َ‬ ‫ضانَ َو ِستَّةَ أَي ٍَّام ِم ْن ش ََّوا ٍل فَ َكأَنَّ َما َ‬
‫ام َر َم َ‬
‫ص َ‬‫صيَ ِام الدَّ ْه ِر»‪ .‬وفي رواية لإلمام أحمد ‪َ «:‬م ْن َ‬
‫ِم ْن ش ََّوا ٍل َكانَ َك ِ‬
‫سنَةَ ُكلَّ َها‪».‬‬
‫ال َّ‬
‫إخوة اإلسالم‬
‫لقد مر شهر رمضان الكريم ‪،‬وانقضت أيامه ولكن السعيد من استودعه األعمال الصالحة والشقي من ُحرم‬
‫فيه الغفران والسؤال ‪:‬هل تقبل هللا منا رمضان؟ هل تقبل منا الصالة والصيام والقيام؟ ‪،‬يقول هللا تعالى‪( :‬إِنَّ َما‬
‫َّللاُ ِمنَ ْال ُمتَّقِينَ ) المائدة‪ .27 :‬وكان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه‪ ،‬ثم يهتمون‬ ‫يَتَقَبَّ ُل ه‬
‫بعد ذلك بقبوله ‪ ،‬ويخافون من رده‪ ،‬فهم يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة‪ ،‬فيعطي أحدهم ‪،‬ويتصدق ‪ ،‬ويخشى‬
‫أن ال يُقبل منه‪ ،‬ويصوم ويقوم ويخشى أن ال يُكتب له األجر‪ ،‬لذا قال بعض السلف في وصفهم‪( :‬كانوا لقبول‬
‫العمل أشد منهم اهتماما ً بالعمل ذاته)‪ ،‬ويقول آخر‪( :‬لو أعلم أن هللا تقبل مني ركعتين ال أهتم بعده؛ ألنه‬
‫َّللاُ ِمنَ ْال ُمتَّقِينَ ) ‪ ،‬وإذا كان هللا تبارك وتعالى ال يتقبل العمل الصالح إال من المتقين‪ ،‬فمن‬ ‫يقول‪ِ (:‬إنَّ َما يَتَقَبَّ ُل ه‬
‫عالمات التقوى ‪ :‬االستمرار والمداومة على عمل الطاعة ‪،‬واالمتناع عن المعاصي والموبقات ‪،‬وهللا تعالى‬
‫لما ذكر صفات المؤمنين لم يقيدها بوقت ‪،‬ولم يخصها بزمان ‪،‬فقال هللا تعالى ‪(:‬قَ ْد أ َ ْفلَ َح ْال ُمؤْ ِمنُونَ (‪ )1‬الَّذِينَ‬
‫لز َكاةِ فَا ِعلُونَ (‪َ )4‬والَّذِينَ ُه ْم‬ ‫ع ِن اللَّ ْغ ِو ُم ْع ِرضُونَ (‪َ )3‬والَّذِينَ ُه ْم ِل َّ‬ ‫ص َالتِ ِه ْم خَا ِشعُونَ (‪َ )2‬والَّذِينَ ُه ْم َ‬ ‫ُه ْم فِي َ‬
‫ظونَ ) (‪ )5( :)1‬المؤمنون ‪،‬فالمؤمنون باستمرار يفعلون ذلك ‪ ،‬وليس في رمضان فقط ‪،‬فنحن‬ ‫وج ِه ْم َحافِ ُ‬ ‫ِلفُ ُر ِ‬
‫ين) الحجر‪ .99 :‬واليقين هو الموت‪،‬‬ ‫(وا ْعبُ ْد َربَّكَ َحتَّى َيأ ْ ِت َيكَ ْاليَ ِق ُ‬
‫مطالبون بالعمل إلى الموت‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫ط ِب ْر ِل ِعبَادَتِ ِه) مريم‪ .65 :‬فال بد من الصبر والمصابرة ‪،‬واالستمرار على‬ ‫ص َ‬‫وقال هللا تعالى‪( :‬فَا ْعبُ ْدهُ َوا ْ‬
‫الطاعة ولعل هذا يكون هو السبب في أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم بصيام الست من شوال‪ ،‬وذلك حتى‬
‫سنَةَ‬ ‫ام ال َّ‬
‫ص َ‬‫ضانَ َو ِستَّةَ أَي ٍَّام ِم ْن ش ََّوا ٍل فَ َكأَنَّ َما َ‬ ‫ام َر َم َ‬ ‫ص َ‬‫ال تنقطع هذه العبادة ‪،‬فقال صلى هللا عليه وسلم ‪َ «:‬م ْن َ‬
‫ُكلَّ َها»‪ .‬ففضل هللا عظيم‪ ،‬وكرمه واسع وهباته مستمرة‪ ،‬وعطاؤه ال ينقطع‪ ،‬ولكن أين العاملون؟ فمن صام‬
‫رمضان ثم صام ستا ً من شوال يكون قد صام العمر كله ‪ ،‬والعبد مهما عمل من الطاعات‪ ،‬واالعمال‬
‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا‬ ‫سو َل َّ‬ ‫الصالحات ‪،‬فلن يوفي حق نعمة واحدة من نعم هللا تعالى عليه ‪،‬ففي مسند أحمد ‪(:‬إِ َّن َر ُ‬
‫ع َّز َو َج َّل‬ ‫ضاةِ َّ‬
‫َّللاِ َ‬ ‫علَى َوجْ ِه ِه ِم ْن يَ ْو ِم ُو ِلدَ إِلَى يَ ْو ِم يَ ُموتُ ه ََرما ً فِي َم ْر َ‬ ‫عليه وسلم‪ -‬قَا َل «لَ ْو أ َ َّن َر ُجالً يُ َج ُّر َ‬
‫لَ َحقَّ َرهُ يَ ْو َم ْال ِقيَا َم ِة»‪ ،‬ولذلك فإن الناس ال يدخلون الجنة بأعمالهم‪ ،‬وإنما يدخلونها برحمة هللا تعالى‪ ،‬فليست‬
‫األعمال ثمنا ً للجنة ‪،‬ولكنها سبب لدخول الجنة‪ ،‬فبدون رحمة هللا فاألعمال ال تؤهل لدخول الجنة ‪،‬بل وال‬
‫تعدل نعمة واحدة من نعمه تعالى علينا‪.‬‬
‫أيها المسلمون‬
‫ونحن ال نقول كونوا كما كنتم في رمضان من االجتهاد ‪،‬فالنفس ال تطيق ذلك‪ ،‬ولكن نقول ال لالنقطاع عن‬
‫األعمال بالكلية‪ ،‬فال تترك الصيام بالكلية ‪،‬وال تترك القيام بالكلية وال تترك ختم القرآن بالكلية ‪،‬وال تترك‬
‫الدعاء والذكر والصدقة‪ ،‬ولكن استمر على العمل ‪،‬وإن كان أقل مما كان في رمضان‪ ،‬وفي الصحيحين‬
‫ع َملُهُ‬ ‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قَالَ ْ‬
‫ت َكانَ َ‬ ‫سو ِل َّ‬ ‫ع َم ُل َر ُ‬ ‫شةَ َكي َ‬
‫ْف َكانَ َ‬ ‫‪(:‬سئلت أ ُ َّم ْال ُمؤْ ِمنِينَ َ‬
‫عائِ َ‬
‫َّللاِ قَا َل « أَد َْو ُم َها َو ِإ ْن قَ َّل »‪،‬وفي صحيح‬
‫ي األ َ ْع َما ِل أ َ َحبُّ ِإلَى َّ‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم أ َ ُّ‬ ‫دِي َمةً)‪،‬وفيهما( ُ‬
‫س ِئ َل النَّبِ ُّ‬
‫صلَّى‬ ‫َام ِمنَ اللَّ ْي ِل أ َ ْو َم ِر َ‬
‫ض َ‬ ‫ع َمالً أَثْ َبتَهُ َو َكانَ ِإذَا ن َ‬ ‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ِ -‬إذَا َ‬
‫ع ِم َل َ‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫َكانَ َر ُ‬ ‫مسلم‬
‫ع ْش َرة َ َر ْك َعةً‪).‬‬
‫ار ثِ ْنت َْي َ‬
‫ِمنَ النَّ َه ِ‬
‫أقول قولي وأستغفر هللا لي ولكم‬
‫الخطبة الثانية ( المداومة بعد رمضان )‬
‫أما بعد أيها المسلمون‬
‫وأول ثمار المداومة على العمل الصالح ‪:‬أنها سبب لطهارة القلب من النفاق‪ ،‬وصلة القلب بربه الخالق‪ ،‬ومن‬
‫أعظم ثمار المداومة على العمل الصالح‪ :‬أنها سبب لمحبة هللا للعبد ‪،‬فالمداومة على العمل الصالح بفروضه‬
‫ونوافله سبب لمحبة هللا للعبد‪ .‬ومن ثمار المداومة‪ :‬أنها سبب لتفريج الكربات والمصائب واألزمات‪ ،‬ففي‬
‫غالَ ُم ِإنِهي‬ ‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ -‬ي ْو ًما فَقَا َل « َيا ُ‬ ‫سو ِل َّ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫َّاس قَا َل ُك ْنتُ خ َْل َ‬ ‫عب ٍ‬ ‫ع ِن اب ِْن َ‬ ‫َ‬ ‫سنن الترمذي‬
‫ظكَ احْ فَ ِظ َّ‬
‫َّللاَ‬ ‫َّللاَ يَحْ فَ ْ‬‫َّللاَ ت َِج ْدهُ ت ُ َجاهَكَ »‪ ،‬وفي رواية ألحمد ‪«:‬احْ فَ ِظ َّ‬ ‫ظكَ احْ فَ ِظ َّ‬ ‫َّللاَ يَحْ فَ ْ‬
‫ت احْ فَ ِظ َّ‬ ‫أُ َ‬
‫ع ِله ُمكَ َك ِل َما ٍ‬
‫شدَّةِ)‪ .‬فيا من داومت على العمل الصالح في الرخاء ‪ ،‬فلن‬ ‫َاء يَ ْع ِر ْفكَ فِي ال ِ ه‬ ‫الرخ ِ‬ ‫ف إِلَ ْي ِه فِي َّ‬ ‫ت َِج ْدهُ أ َ َما َمكَ تَعَ َّر ْ‬
‫يتخلى هللا عز وجل عنك في وقت الشدة والبالء‪ ،‬فالمداومة على العمل الصالح من أعظم األسباب للنجاة من‬
‫الكروب والشدائد ‪،‬والباليا والمصائب؛ ومن ثمار المداومة على العمل الصالح‪ ،‬أنها سبب لحسن الخاتمة‬
‫‪،‬والفوز بالجنات ‪،‬يقول الحافظ ابن كثير ‪(:‬لقد أجرى هللا الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات‬
‫عليه‪ ،‬ومن مات على شيء بعث عليه)؛ فإن عشت على طاعة ‪،‬وعلى عمل صالح ‪،‬اقتضى عدل هللا أن‬
‫يتوفاك على ذات الطاعة ‪،‬ونفس العمل الصالح؛ لقول النبي صلى هللا عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث‬
‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫سو َل َّ‬ ‫ع ْن أَن ٍَس أ َ َّن َر ُ‬ ‫علَ ْي ِه »‪ .‬وفي مسند أحمد ‪َ ( :‬‬ ‫علَى َما َماتَ َ‬ ‫ث ُك ُّل َ‬
‫ع ْب ٍد َ‬ ‫جابر ‪ «:‬يُ ْب َع ُ‬
‫ع ْم ِر ِه أ َ ْو ب ُْر َهةً‬ ‫ام َل يَ ْع َم ُل زَ َمانا ً ِم ْن ُ‬ ‫ظ ُروا ِب َم ي ُْخت َ ُم لَهُ فَإ ِ َّن ْال َع ِ‬‫علَ ْي ُك ْم أ َ ْن الَ ت َ ْع َجبُوا ِبأ َ َح ٍد َحتَّى ت َ ْن ُ‬ ‫وسلم‪ -‬قَا َل « الَ َ‬
‫سيِهئا ً َوإِ َّن ْالعَ ْبدَ ِليَ ْع َم ُل ْالب ُْر َهةَ ِم ْن دَ ْه ِر ِه‬ ‫ع َمالً َ‬ ‫علَ ْي ِه دَ َخ َل ْال َجنَّةَ ث ُ َّم يَت َ َح َّو ُل فَيَ ْع َم ُل َ‬‫صا ِلحٍ لَ ْو َماتَ َ‬ ‫ِم ْن دَ ْه ِر ِه بِعَ َم ٍل َ‬
‫صا ِلحا ً َو ِإذَا أ َ َرادَ َّ‬
‫َّللاُ ِب َع ْب ٍد َخيْرا ً ا ْست َ ْع َملَهُ قَ ْب َل َم ْو ِت ِه‬ ‫ع َمالً َ‬ ‫ار ث ُ َّم َيت َ َح َّو ُل فَ َي ْع َم ُل َ‬
‫علَ ْي ِه دَ َخ َل النَّ َ‬‫س ِي ٍهئ لَ ْو َماتَ َ‬ ‫ِب َع َم ٍل َ‬
‫علَ ْي ِه‪».‬‬
‫ضه ُ َ‬ ‫صا ِلحٍ ث ُ َّم يَ ْق ِب ُ‬‫ْف يَ ْست َ ْع ِملُهُ قَا َل « ي َُوفِهقُهُ ِل َع َم ٍل َ‬ ‫َّللاِ َو َكي َ‬
‫سو َل َّ‬ ‫»‪ .‬قَالُوا يَا َر ُ‬
‫اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬وارض اللهم عن الخلفاء‬
‫الراشدين‪ :‬أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬وعن سائر الصحابة األكرمين‪.‬‬
‫اللهم رحمتك نرجو‪ ،‬وإياك ندعو‪ ،‬فأدم علينا فضلك‪ ،‬وأسبغ علينا نعمك‪ ،‬وتقبل صلواتنا‪ ،‬وضاعف حسناتنا‪،‬‬
‫وتجاوز عن سيئاتنا‪ ،‬وارفع درجاتنا‪ ،‬يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم ارحم جميع المسلمين والمسلمات‪ ،‬والمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬األحياء منهم واألموات‪ ،‬إنك سميع قريب‬
‫مجيب الدعوات‪.‬‬
‫صلة االرحام الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل ذي الجالل واإلكرام‪ ،‬والفضل واإلنعام‪ ،‬أمرنا بصلة األرحام‪ ،‬ووعدنا على ذلك األجور العظام‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد هللا ورسوله‪ ،‬أوصل الناس‬
‫لرحمه‪ ،‬وأبرهم بقرابته‪ ،‬فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬فأوصيكم عباد هللا ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬قال سبحانه( ‪:‬واتقوا هللا الذي تساءلون به واألرحام إن هللا‬
‫كان عليكم رقيبا‪).‬‬
‫أيها المسلمون ‪:‬لقد حثنا هللا تعالى على تقوية أواصر العالقات‪ ،‬وتوطيد الصلة مع أولي األرحام‪ ،‬فقال‬
‫سبحانه( ‪:‬وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب هللا إن هللا بكل شيء عليم ‪).‬أي‪ :‬بعضهم أولى‬
‫ببعض في الصلة واإلحسان‪ ،‬والرحمة واإلكرام‪ .‬وأولو األرحام؛ هم ذوو القرابة من اإلخوة واألخوات‪،‬‬
‫واألجداد والجدات‪ ،‬واألخوال والخاالت‪ ،‬واألعمام والعمات‪ ،‬وما يتفرع عنهم‪ .‬والرحم مشتقة من اسم هللا‬
‫الرحمن‪ ،‬يقول تعالى في الحديث القدسي« ‪:‬أنا الرحمن‪ ،‬وأنا خلقت الرحم‪ ،‬واشتققت لها من اسمي‪ ،‬فمن‬
‫وصلها وصلته‪ ،‬ومن قطعها قطعته ‪».‬وقال النبي صلى هللا عليه وسلم موصيا أصحابه« ‪:‬أرحامكم‬
‫أرحامكم ‪».‬أي‪ :‬الزموا صلة أرحامكم‪ ،‬وأحسنوا إليهم‪ .‬وبذلك أوصى صلى هللا عليه وسلم أبا ذر‪ ،‬قال‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬أوصاني خليلي أن أصل رحمي وإن أدبرت‪ .‬أي‪ :‬وإن قطعت‪ .‬فصلة األرحام من أعظم‬
‫القربات‪ ،‬وأولى الواجبات‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬تعلموا من أنسابكم ما تصلون به‬
‫أرحامكم ‪».‬فليعرف اآلباء أبناءهم بأقاربهم من ذوي أرحامهم؛ حتى يمكنهم صلتهم‪ ،‬واإلحسان إليهم فإن‬
‫صلة األرحام من دالئل اإليمان‪ ،‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليصل‬
‫رحمه ‪».‬وصلة الرحم من أحب األعمال إلى هللا تعالى‪ ،‬فإن النبي صلى هللا عليه وسلم لما سئل عن أحب‬
‫األعمال إلى هللا؛ ذكر منها« ‪:‬صلة الرحم ‪».‬وهي من صفات أولي األلباب‪ ،‬قال هللا عز وجل( ‪:‬إنما يتذكر‬
‫أولو األلباب* الذين يوفون بعهد هللا وال ينقضون الميثاق* والذين يصلون ما أمر هللا به أن يوصل ‪).‬‬
‫فكافأهم هللا تعالى في اآلخرة بعقبى الدار‪ ،‬وهي الجنة‪ .‬فعليكم يا عباد هللا بصلة أرحامكم؛ ففي ذلك مرضاة‬
‫لربكم‪ ،‬وخير لكم في دنياكم وآخرتكم‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪:‬إن الواصل لرحمه هو الذي يبادر باإلحسان إليهم‪ ،‬ويسارع في إكرامهم‪ ،‬ويتجاوز عن‬
‫هفواتهم‪ ،‬قال رجل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن لي ذوي أرحام‪ ،‬أصل ويقطعون‪ ،‬وأعفو ويظلمون‪ ،‬وأحسن ويسيئون‪،‬‬
‫أفأكافئهم؟ أي‪ :‬أعاملهم بالمثل؟ فقال صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬ال‪ ...‬ولكن خذ بالفضل وصلهم ‪».‬وقال النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬ليس الواصل بالمكافئ‪ ،‬ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ‪».‬كما تكون‬
‫صلة األرحام بزيارتهم‪ ،‬وتلبية دعوتهم‪ ،‬ومشاركتهم في أفراحهم‪ ،‬وتفقد أحوالهم‪ ،‬واالطمئنان عليهم‪،‬‬
‫وإدخال السرور على قلوبهم‪ ،‬وبذل الهدايا لهم‪ ،‬واالتصال بهم‪ ،‬والسالم عليهم‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم« ‪:‬بلوا أرحامكم ولو بالسالم ‪».‬أي‪ :‬صلوها ولو ببذل السالم‪ .‬وكان سيدنا ونبينا محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم يتعاهد أرحامه بالزيارة‪ ،‬ويبادر صلى هللا عليه وسلم إلى صلة أعمامه وعماته‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫«عم الرجل صنو أبيه ‪».‬أي‪ :‬نظيره ومثيله‪ .‬ويحرص على زيارة خاالته‪ ،‬ويقول« ‪:‬الخالة بمنزلة األم ‪».‬‬
‫ومن هديه صلى هللا عليه وسلم أنه كان يزور المرضى من أولي أرحامه‪ ،‬ويسأل هللا تعالى لهم الشفاء‪،‬‬
‫ويحث على بذل المال لهم‪ ،‬ويقول صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬إن الصدقة ‪...‬على ذي الرحم اثنتان‪ :‬صدقة‬
‫وصلة‪».‬‬
‫وإن أفضل الصدقة ما كان سببا في صفاء قلوب أولي األرحام‪ ،‬وتطييب خواطرهم‪ ،‬وتقوية العالقات بينهم‪،‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬إن أفضل الصدقة؛ الصدقة على ذي الرحم الكاشح ‪».‬أي القاطع‬
‫لرحمه‪ ،‬المعرض عن صلتهم‪ ،‬فإن تأليف قلبه بالمال يثمر الود بين أولي األرحام‪ ،‬ويعمق الروابط األسرية‪،‬‬
‫ويكون سببا في تماسك المجتمعات‪ .‬فاللهم اجعلنا ألرحامنا واصلين‪ ،‬وبآبائنا بارين‪ ،‬وأدم علينا السعادة في‬
‫الدنيا‪ ،‬واجعلنا في اآلخرة من الفائزين‪ ،‬ولجنتك داخلين‪ ،‬ووفقنا لطاعتك أجمعين‪ ،‬وطاعة رسولك محمد‬
‫األمين صلى هللا عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته عمال بقولك( ‪:‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي األمر منكم‪).‬‬
‫نفعني هللا وإياكم بالقرآن العظيم‪،‬وبسنة نبيه الكريم صلى هللا عليه وسلم أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي‬
‫ولكم‪ ،‬فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل‪ ،‬الكريم التواب‪ ،‬جزيل الثواب‪ ،‬سريع الحساب‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن سيدنا ونبينا محمدا عبد هللا ورسوله‪ ،‬فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد‪ ،‬وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‪ ،‬وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬أوصيكم عباد هللا ونفسي بتقوى هللا عز وجل‪.‬‬
‫أيها الواصلون أرحامكم ‪:‬إن هللا تعالى يعجل لواصل الرحم ثوابه في الدنيا‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم« ‪:‬ليس شيء أطيع هللا فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم ‪».‬فيلقي هللا تعالى محبة واصل الرحم في‬
‫قلوب أهله‪ ،‬وأرحامه وأقاربه‪ ،‬ويوسع له في رزقه‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم« ‪:‬إن صلة الرحم محبة في‬
‫األهل‪ ،‬مثراة في المال‪ ،‬منسأة في األثر ‪».‬وفي اآلخرة يدخله هللا تعالى جنات تجري من تحتها األنهار‪،‬‬
‫فقد قال رجل للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة‪ ،‬ويباعدني من النار‪ .‬قال ‪:‬‬
‫«تعبد هللا ال تشرك به شيئا‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصل ذا رحمك ‪».‬فلنحرص على تعزيز‬
‫صلتنا بأرحامنا وأقربائنا‪ ،‬وتقوية أواصر العالقات بيننا‪ ،‬ونعود على ذلك أبناءنا وبناتنا؛ لينالوا رضا ربهم‪،‬‬
‫ويزيدوا من تماسك مجتمعهم‪.‬‬
‫هذا وصلوا وسلموا على خير البشر‪ ،‬وأطيعوا ربكم فيما أمر‪ ،‬فقد قال سبحانه( ‪:‬إن هللا ومالئكته يصلون‬
‫على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‪).‬‬
‫اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬وارض اللهم عن الخلفاء‬
‫الراشدين‪ :‬أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬وعن سائر الصحابة األكرمين‪.‬‬
‫اللهم رحمتك نرجو‪ ،‬وإياك ندعو‪ ،‬فأدم علينا فضلك‪ ،‬وأسبغ علينا نعمك‪ ،‬وتقبل صلواتنا‪ ،‬وضاعف حسناتنا‪،‬‬
‫وتجاوز عن سيئاتنا‪ ،‬وارفع درجاتنا‪ ،‬يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم ارحم جميع المسلمين والمسلمات‪ ،‬والمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬األحياء منهم واألموات‪ ،‬إنك سميع قريب‬
‫مجيب الدعوات‪.‬‬
‫اللهم أدم على دولة الجزائر األمان واالستقرار‪ ،‬والرخاء واالزدهار‪ ،‬وزدها تقدما ورفعة‪ ،‬وتسامحا‬
‫ومحبة‪ ،‬وأدم على أهلها السعادة يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك من الخير كله؛ عاجله وآجله‪ ،‬ما علمنا منه وما لم نعلم‪ ،‬ونعوذ بك من الشر كله؛ عاجله‬
‫وآجله‪ ،‬ما علمنا منه وما لم نعلم‪ ،‬اللهم إنا نسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك محمد صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ونعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ونسألك الجنة وما قرب إليها من‬
‫قول وعمل‪ ،‬ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل‪ ،‬ونسألك أن تجعل عاقبة كل قضاء قضيته‬
‫لنا رشدا‪.‬‬
‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة‪ ،‬وفي اآلخرة حسنة‪ ،‬وقنا عذاب النار‪ ،‬وأدخلنا الجنة مع األبرار‪ ،‬يا عزيز يا غفار‪.‬‬
‫عباد هللا ‪:‬اذكروا هللا العظيم يذكركم‪ ،‬واشكروه على نعمه يزدكم‪.‬‬
‫وأقم الصالة‪.‬‬

You might also like