Professional Documents
Culture Documents
تعتمد نظرية الوعي بالعالقات – لصاحبها ألياس بورتر -على مبدأ رئيسي مفاده أن سلوك اإلنسان
يتسق مع ما يحقق له الرضا واإلشباع الداخلي في عالقاته الشخصية مع اآلخرين ،وكذلك مع المفاهيم أو
القناعات التي يؤمن بها حول طريقة تعامله مع اآلخرين من أجل تحقيق هذا الرضا.
بالرغم من وجود العديد من النظريات حول شخصية اإلنسان ،إال أن هذه النظرية تعنى باإلنسان نفسه.
فهي تهدف إلى توفير وسيلة فعالة لفهم شخصية اإلنسان وفهم اآلخرين ،حتى تصبح العالقات الشخصية
بناءة وتحقق الرضا الداخلي لكال الطرفين.
وتفيد نظرية الوعي بالعالقات بأن الحافز الداخلي لإلنسان (أو ما يُطلق عليه اسم منظومة القيم
المحركة للدوافع )Motivational Value System يختلف في حالتين :األولى
عندما تسير األمور على ما يرام ،والثانية عندما يواجه اإلنسان صراعًا أو خالفًا.
وقد طور بورتر هذه المفاهيم كلها وجمعها في سبعة أنظمة للقيم المحركة للدوافع ،MVS'sوضعها
على شكل مثلث حتى يسهل تذكرها وشرحها وكل منظومة لها لون يميزها:
وقد اقترح بورتر مصطلح "تسلسل الصراع" الذي يشير إلى أن اإلنسان في حالة الصراع يمر
بثالث مراحل :في المرحلة األولى يكون اهتمامه بنفسه وبالمشكلة وباآلخرين؛ وفي المرحلة الثانية يركز
اهتمامه على نفسه وعلى المشكلة؛ أما في المرحلة الثالثة فيركز كل اهتمامه على نفسه فقط.
هناك تطبيقات عديدة لنظرية الوعي بالعالقات ،أولها استبيان تحديد نقاط القوة أو
Strength Deployment Inventoryوهو استبيان ذاتي يقوم الشخص بالرد عليه
لتحديد منظومة القيم المحركة للدوافع الخاصة به .وهذا االستقصاء يصنف منظومة القيم المحركة
للدوافع لدى البشر إلى سبعة أصناف ويشير إلى كل منظومة دوافع بلون مختلف على مثلث؛ األزرق
واألخضر واألحمر باإلضافة إلى المحور األوسط بالمثلث وكذلك ثالثة مناطق تجمع بين لونين مختلفين.
ومن أهم استخدامات هذا االستقصاء أنه يحدد لكل إنسان "تسلسل الصراع" الخاص به ،فكل إنسان
يمر بثالث مراحل عند التعرض لصراع كما ذكرنا سابقًا ،وهكذا نجد أن منظمة دوافع القيم لكل إنسان قد
تتغير عند مواجه صراع من اآلخرين ،فقد نرى إنسان منظومة القيم المحركة للدوافع الخاصة به تقع في
اللون األزرق من المثلث ولكن عن التعرض لصراع تتغير منظومة القيم المحركة للدوافع لتصبح في
اللون األحمر ،وبالتالي تتغير تصرفاته وسلوكياته.
والتطبيق الثاني لهذه النظرية هو "بورترية نقاط القوة الشخصية" الذي يرسم لكل شخص
بورتريه يحتوي على نقاط قوته الشخصية ويقسمها إلى ثالثة أنواع :النوع األول هو نقاط القوة
الشخصية التي يجيد اإلنسان استخدامها ويجد سهولة ويسر في استخدامها مع اآلخرين ،والنوع الثاني هو
نقاط القوة التي يجد اإلنسان مشقة في استخدامها والتأثير بها على اآلخرين ،أما النوع الثالث فهي التي ال
يجيد اإلنسان استخدامها على اإلطالق وال يلجأ الستخدامها إال في حاالت محدودة وقد يخفق في
استخدامها بالشخص الصحيح وبالتالي قد تسببه له خالفًا أو صراعًا مع اآلخرين.
وهذا التطبيق يساعد اإلنسان على حسن اختيار نقاط القوة المناسبة لكل موقف بحيث تصبح نقاط القوة
كمجموعة من األدوات يستخرج منها ما يريد في الوقت المناسب ومع الشخص المناسب وبالطريقة
المناسبة ،حتى يتجنب أي خالف أو صراع مع الغير.
وهكذا نرى أن هذه النظرية تعتبر من األهمية بمكان لنشرها بين األفراد والشركات من أجل تحسين
العالقات وتطوير طريقة التعامل بين الناس وكذلك إدارة الخالفات والصراعات بحيث تصبح خالفات
منتجة وبناءة من أجل تقليل المعارضة بين الناس بعضهم البعض ،سواء بين أفراد األسرة الواحدة أو بين
العاملين في نفس الشركة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه النظرية تعتبر ملكية خاصة لشركة برسونال سترنثز Personal
Strengthsوال يجوز ألي شخص أن يقوم بالتدريب باستخدام هذه النظرية وهذه التطبيقات إال
بعد الحصول على االعتماد المناسب من الشركة وباستخدام المواد العلمية الخاضعة لحقوق ملكية
الشركة.
-1الوعي الذاتي العام /يظهر عندما يكون الشخص هو محور االهتمام ويدرك كيف يجب أن يظهر
بالنسبة لآلخرين مثاًل عند تقديم عرض تقديمي ،أو عند تحدثه أمام مجموعة من أصدقائه ،فإنّه
يتصرف بطرق مرغوبة ومقبولة لهذا الحدث ،ولكن قد ينجم عن هذا الوعي بعض من القلق
والتوتر بشأن كيفية فهم اآلخرين له]٢[ .
-2الوعي الذاتي الخاص يظهر عندما يقوم الشخص بتقييم نفسه بنفسه ،مثاًل الشعور بوجع بالمعدة
بسبب نسيان الدراسة المتحان مهم ،فإذن يساعد الوعي الذاتي في فهم النفس وكيف ترتبط مع
اآلخرين أي تقييمها ومقارنتها مع اآلخرين ،ولكن في بعض األحيان يعكس الوعي الذاتي المفرط
باإلضافة إلى المقارنة الزائدة باآلخرين إلى حالة مزمنة تتمثل باضطراب الشخصية والقلق
والتوتر]٢[ .
ماذا يقصد بالسلوك البشري؟
ّ
نظ ًر ا الرتباط الوعي الذاتي بالسلوك البشري ،فيمكن تعريف السلوك البشري بأنه ردة الفعل
الكامنة وراء النشاط البدني والعقلي واالجتماعي خالل مراحل متتالية من النمو ،من الطفولة
وحتى الشيخوخة ،وكل مرحلة منها تتميز بمجموعة من المميزات الجسدية والسلوكية
والفسيولوجية[ .]٣يمكن الحصول من السلوك على معلومات قيمة قد تكون مجهولة حول كل
شخص ،فتتعدد أنواع السلوك البشري منها السلوكيات السلبية والسلوكيات العدوانية
والسلوكيات الحازمة والسلوكيات العاطفية والسلوك الواعي ،والسلوك الالواعي ’،والسوك
العقالني ،والسلوك غير العقالني ]٤[،ويمكن تعديل السلوك بتقديم الحوافز التعزيزية
والمكافئات أو العقاب أو وفقًا للنوايا ذاتية التوجيه التي تنبع من داخل اإلنسان]٥[.
كيف يمكن تطوير الوعي الذاتي؟
إن فهم الشخصية والقيم والرغبات يُساعد كل شخص ليصبح الوعي الذاتي هو سمة قيّمة إذ ّ
فإن معرفة المزيد عن النفس يُساعد على إنشاء حياة أكثر وعيًا بذاته ،باإلضافة إلى ذلك ّ
أفضل ،وإجراء تغييرات إيجابية لتحسين نقاط الضعف وإدراك الذات ويعزز الذكاء
العاطفي ،وفيما يأتي طرق لتطوير الوعي الذاتي:
معرفة النفس كيف يمكن معرفة الذات؟ وذلك من خالل ترتيب األولويات واألهداف من -٥
١٠أعوام ،لمعرفة ما هو مهم في هذه السنوات وترتيبها ضمن قائمة ،ث ّم اختيار أه ّم ١٠-٥
خيارات من هذه القائمة ،وترتيبها حسب األهمية وحسب األولوية القصوى؛ وباإلضافة إلى
إلن ذلك يساعد على فهم الذات تحديد نقاط القوة لتقييمها ونقاط الضعف للعمل على تحسينها ّ
أكثر ومعرفة كل ما ينبغي فعله للحصول على حياة بشكل أفضل]١[.
بناء الوعي العاطفي ما هي أهمية التأمل اليومي؟ القدرة على فهم المشاعر واالعتراف بها
هو جزء من الوعي الذاتي ،ويفضل عدم حبس المشاعر ،فمثاًل بعد يوم شاق ومتعب في
العمل يفضل إجراء مكالمة مع صديق أو القيام بالهوايات المفضلة التي تبعث األمل
والتفاؤل ،والخيارات كثيرة؛ باإلضافة إلى التركيز على اللحظة الحالية وعدم القلق بشأن
الماضي أو المستقبل ،والقيام بتمارين اليوغا مدة ١٠دقائق في اليومّ ،
إلن التأمل اليومي
يساعد على تهدئة العقل والنفس ،ويساعد على التفكير بشكل أفضل]٦[.
أخذ التغذية الراجعة من اآلخرين هل تساعد التغذية الراجعة في تحسّن األداء؟ وذلك أن
يُطلب من األشخاص المقربين الذين يعطون تقيي ًما صادقًا وبنا ًء ،أن يقوموا بإبداء رأيهم
وتحديد نقاط القوة ،وكيف يمكن تحسين نقاط الضعف ،باإلضافة إلى مراجعة التغذية
الراجعة التي يت ّم الحصول عليها من العمل أو المدرسة والتركيز على هذه التغذية الراجعة
والعمل عليها ،ويمكن أن يطلب الشخص التغذية الراجعة من مديره أو مشرفه حول عمله
وما النقاط الواجب تحسينها وتطبيقها والعمل عليها لتحسين األداء]٦[.
الوعي
بأبسط التعاريف هو اإلحساس أو الدراية بالوجود الداخلي والخارجي ]1[،ورغم آالف السنين
من التحليالت والتعاريف ,والتفسيرات والمناقشات ,بين الفالسفة والعلماء ،ما يزال الوعي أمرً ا
محيرً ا ومثيرً ا للجدل كونه «أكثر الجوانب ُألفة وأكثرها غموضًا في حياتنا» ]2[.لربما المفهوم
الوحيد المتفق عليه على نطاق واسع حول هذا الموضوع ,هو الحدس القائل بوجود ,الوعي.
تختلف اآلراء حول ما يحتاج بالضبط إلى دراسة وتفسير باعتباره وعيًا ]4[]3[.في بعض األحيان،
يُعتبر مراد ًفا للعقل ،وفي أحيان أخرى ،يُعتبر جانبًا من جوانب العقل ]5[.وفي ,الماضي ،كان
يتمثل «بالحياة الداخلية» للمرء ،وعالم االستبطان ،والتفكير ,الداخلي ،والخيال ،واإلرادة .قد
تكون هناك مستويات أو مرتبات مختلفة للوعي ،أو أنواع مختلفة من الوعي ،أو مجرد نوع
واحد مع سمات مختلفة ]6[.ثمة تساؤالت أخرى فيما إذا كان البشر وحدهم واعيين أم الحيوانات
جميعها أو حتى الكون بأكمله .يثير التباين في نطاق البحوث والمفاهيم والتكهنات شكو ًكا ,حول
[]7
ما إذا كان يتم طرح األسئلة الصحيحة.
ومن األمثلة على مجموعة األوصاف أو التعاريف أو التفسيرات ما يلي :اليقظة البسيطة ،أو
شعور المرء بالذات أو النفس عبر «النظر لدواخلنا»؛ أن يكون «تيارً ا» مجازيًا للمضمون ،أو
أن يكون حالة عقلية أو حدث عقلي أو عملية عقلية للدماغ؛ أن يتضمن نوعًا من الظواهر,
المرئية أو الكيفيات المحسوسة والذاتية؛ أن يكون «كالشيء الذي سيبدو عليه األمر» لو
«امتلكت» ذلك الشيء أو «كنت» ذلك الشيء؛ أن يكون «المسرح الداخلي» أو نظام المراقبة
[]8
التنفيذية للعقل.
محتويات
ا,ل,د,ر,ا,ي,ة ,أ,و ,ا,إل,د,ر,ا,ك ,ا,ل,ح,س,ي ,ل,ح,ق,ي,ق,ة ,ن,ف,س,ي,ة ,أ,و ,ر,و,ح,ي,ة ,ب,ا,ط,ن,ي,ة,؛ ,م,ع,ر,ف,ة ,ا,ل,م,ر,ء,
ب,ش,ي,ء ,م,ا ,ض,م,ن ,ذ,ا,ت,ه ,ا,ل,د,ا,خ,ل,ي,ة.,
ا,ل,د,ر,ا,ي,ة ,ا,ل,د,ا,خ,ل,ي,ة ,ب,ج,س,م ,أ,و ,ح,ا,ل,ة ,أ,و ,ح,ق,ي,ق,ة ,خ,ا,ر,ج,ي,ة,
ا,ل,د,ر,ا,ي,ة ,ا,أل,ب,ه,ة,؛ االهتمام ،القلق-كثيرً ا م,ا ,تُ ,س,ت,خ,د,م ,ك,ا,س,م ,إ,س,ن,ا,د,ي ( ,ك,ا,ل,و,ع,ي,
ا,ل,ط,ب,ق,ي),
,.2ا,ل,ح,ا,ل,ة ,أ,و ,ا,ل,ن,ش,ا,ط ,ا,ل,م,ت,س,م ,ب,ا,إل,ح,س,ا,س ,أ,و ,ا,ل,ع,ا,ط,ف,ة ,أ,و ,ا,إل,ر,ا,د,ة ,أ,و ,ا,ل,ت,ف,ك,ي,ر,؛ ,ا,ل,ع,ق,ل ,ب,أ,و,س,ع,
ن,ط,ا,ق ,م,م,ك,ن,؛ ,ش,ي,ء ,م,ا ,ف,ي ,ا,ل,ط,ب,ي,ع,ة ,ي,خ,ت,ل,ف ,ع,ن ,ا,ل,م,ا,د,ة,
.3ح,ص,ي,ل,ة ,ا,أل,ح,ا,س,ي,س ,و,ا,إل,د,ر,ا,ك,ا,ت ,ا,ل,ح,س,ي,ة ,و,ا,أل,ف,ك,ا,ر ,و,ا,ل,م,و,ا,ق,ف ,و,ا,ل,م,ش,ا,ع,ر ,ف,ي ,ع,ل,م ,ا,ل,ن,ف,س,
ً
مقارنة مع و,ا,ل,ت,ي ,ي,د,ر,ك,ه,ا ,ا,ل,ف,ر,د ,أ,و ,ا,ل,م,ج,م,و,ع,ة ,ف,ي ,أ,ي ,و,ق,ت ,أ,و ,خ,ال,ل ,ف,ت,ر,ة ,ز,م,ن,ي,ة ,م,ع,ي,ن,ة- ,
تيار الوعي
.4ح,ي,ا,ة ,ا,ل,ي,ق,ظ,ة,( ,ا,ل,ت,ي ,ي,ع,و,د ,إ,ل,ي,ه,ا ,ا,ل,م,ر,ء ,ب,ع,د ,ا,ل,ن,و,م ,،,و,ا,ل,غ,ش,ي ,،,و,ا,ل,ح,م,ى ,),ح,ي,ث ,ت,ع,و,د ,ج,م,ي,ع,
ا,ل,ق,و,ى ,ا,ل,ع,ق,ل,ي,ة.,
.5ا,ل,ج,ز,ء ,م,ن ,ا,ل,ح,ي,ا,ة ,ا,ل,ع,ق,ل,ي,ة ,أ,و ,ا,ل,م,ح,ت,و,ى ,ا,ل,ن,ف,س,ي ,ف,ي ,ا,ل,ت,ح,ل,ي,ل ,ا,ل,ن,ف,س,ي ,ا,ل,م,ت,ا,ح ,م,ب,ا,ش,ر,ةً,
ل,ال,ن,ا -,مقارنة بما قبل الوعي والالوعي
يعرّف قاموس كامبريدج الوعي بأنه «ح,ا,ل,ة ,ف,ه,م ,و,إ,د,ر,ا,ك ,ش,ي,ء ,م,ا .»,يعرّ ف ,قاموس أكسفورد
الحي الوعي بأنه «ح,ا,ل,ة ,د,ر,ا,ي,ة ,ا,ل,م,ر,ء ,ب,م,ح,ي,ط,ه ,و,ا,ال,س,ت,ج,ا,ب,ة ,ل,ه »,و«و,ع,ي ,ا,ل,ش,خ,ص ,أ,و,
[]11
إ,د,ر,ا,ك,ه ,ا,ل,ح,س,ي ,ل,ش,ي,ء ,م,ا »,و«ح,ق,ي,ق,ة ,د,ر,ا,ي,ة ,ا,ل,ع,ق,ل ,ب,ن,ف,س,ه ,و,ب,ا,ل,ع,ا,ل,م.»,
وقد حاول الفالسفة توضيح الفوارق التقنية عن طريق استخدام لغة اصطالحية خاصة بهم.
تعرف م,و,س,و,ع,ة ,ر,و,ت,ل,ي,د,ج ,ل,ل,ف,ل,س,ف,ة ,في عام 1998الوعي على النحو التالي:
الوعي -استخدم الفالسفة مصطلح «الوعي» ضمن أربعة مواضيع رئيسية :المعرفة بشكل عام،
والقصدية ،واالستبطان( ,والمعرفة التي يولدها على وجه التحديد) ،والتجربة الظاهرات ...إن
«واع استبطانيًا» فقط إذا استبطنه المرء أو كان مهيًا للقيام
ٍ األمر الذي يدور في ذهن المرء
بذلك .وكثيرً ا ,ما يعتقد أن التفكير الداخلي يقدم المعرفة األولية للمرء عن حياته العقلية .إن
التجربة أو الكيان العقلي «واعية ظاهراتيًا» ,فقط في حالة وجود «شيء يمكن للمرء امتالكه».
وأكثر األمثلة وضوحً ا ,:التجربة اإلدراكية الحسية ،كالتذوق ,والرؤية؛ وتجارب ,اإلثارة الجسدية
كتجارب اآلالم والدغدغة والحكة؛ والتجارب اإلبداعية كتلك المتعلقة بأفعال المرء أو مفاهيمه؛
وتيارات األفكار كتجربة التفكير «في الكلمات» أو «في الصور» .ويبدو ,أن مفهومي
االستبطان والظاهرية مفهومان مستقالن ،أو يمكن فصلهما ،رغم أن ذلك مثار جدل.
لم يكن العديد من الفالسفة والعلماء راضين عن صعوبة وضع تعريف ال يتضمن التفا ًفا أو
ً
ضبابية .ففي ق,ا,م,و,س ,م,ا,ك,م,ي,ال,ن ,ل,ع,ل,م ,ا,ل,ن,ف,س( ,طبعة عام ،)1989أعرب ستيوارت ساذرالند,
عن موقف متشكك أكثر من مجرد تعريف:
الوعي - امتالك اإلدراكات الحسية واألفكار ,والمشاعر .يستحيل تعريف ,المصطلح إال بعبارات
إشكالية دون فهم ما يعنيه الوعي .فالكثيرون يقعون في فخ مساواة الوعي بالوعي الذاتي–
ليكون المرء واعيًا ،ينبغي فقط أن نكون على وعي بالعالم الخارجي .إن الوعي ظاهرة مذهلة
ولكنها بعيدة المنال :فمن المستحيل أن نحدد ماهيته ،أو عمله ،أو سبب تطوره .ولم يُكتب حوله
شيء يستحق القراءة.
إن التعريف ,المتحيز مثل تعريف ساذرالند ,من الممكن أن يؤثر بشكل كبير على افتراضات,
الباحثين واتجاهات عملهم:
إذا كان الوعي بالبيئة ...هو معيار الوعيً ،
فإذا حتى الكائنات األولية واعية .وإذا كان الوعي
مطلوبًا ،فإن وعي القردة العليا ورضع البشر مشكوك به.
وقد جادل العديد من الفالسفة بأن الوعي مفهوم وحدوي ,يفهمه معظم ,الناس حدسيًا رغم صعوبة
تعريفه .جادل آخرون بأن حجم الخالف حول معنى الكلمة يدل على أنها إما تعني أشياء مختلفة
ألشخاص مختلفين (كالجوانب الموضوعية مقابل الجوانب الذهنية للوعي) أو أنها تشمل
مجموعة متنوعة من المعاني المتميزة مع عدم وجود عنصر بسيط مشترك.
أصناف الوعي[عدل]
تختلف مدلوالت الوعي ،من مجال إلى آخر ،فهناك من يقرنه باليقظة (في مقابل الغيبوبة أو
النوم) .وهناك من يقرنه بالشعور ويشير ,به إلى جميع العمليات السيكولوجية الشعورية .ويمكن
أن نفهم الداللة العامة للوعي فيما يلي :إنه ممارسة نشاط معين (فكري ،تخيلي ،يدوي) .ومن
ثمة يمكن تصنيف الوعي إلى أصناف ,أربعة هي:
الوعي العفوي التلقائي[عدل]
وهو ذلك النوع من الوعي الذي يكون أساس قيامنا بنشاط ,معين ،دون أن يتطلب منا مجهوداً
ذهنيا ً كبيراً ،بحيث ال يمنعنا من مزاولة أنشطة ذهنية أخرى.
الوعي التأملي[عدل]
وهو على عكس األول يتطلب حضوراً ,ذهنيا ً قوياً ،ويرتكز على قدرات عقلية
عليا ،كالذكاء ،واإلدراك ،,والذاكرة… ومن ثمة فإنه يمنعنا من أن نزاول أي نشاط آخر.
الوعي الحدسي[عدل]
وهو الوعي المباشر والفجائي الذي يجعلنا ندرك أشياء ،أو عالقات ،أو معرفة ،دون أن نكون
قادرين على اإلتيان بأي استدالل.
الوعي المعياري األخالقي[عدل]
وهو الذي يجعلنا نصدر أحكام قيمة على األشياء والسلوكات فنرفضها أو نقبلها ،بناء على
قناعات أخالقية .وغالبا ً ما يرتبط هذا الوعي بمدى شعورنا بالمسؤولية تجاه أنفسنا واآلخرين.
انطالقا ً من هذا التصنيف الداللي ،يمكن أن نترجم اإلشكالية الفلسفية لهذا الدرس من خالل
األسئلة التالية :كيف يمكن أن يحيط الوعي بالذات؟ كيف ينفتح الوعي عن العالم وعن اآلخرين؟
ما هي حدود الوعي؟
الوعي بما هو تفكير في الذات[عدل]
يرى الفيلسوف ,األلماني هيغل Hegel أن اإلنسان هو الموجود ,الوحيد ,الذي يعي ذاته ،باعتباره
يوجد كما توجد أشياء الطبيعة ،وباعتباره موجوداً ,لذاته .أما األشياء األخرى فإنها ال توجد ,إال
بكيفية واحدة .وعلى هذا األساس يجب على اإلنسان أن يعيش بوصفه موجوداً لذاته ذلك «ألنه
مدفوع إلى أن يجد ذاته ويتعرف عليها فيما يلقاه مباشرة ويعرض عليه من الخارج( ».هيغل)،
وهو يستطيع ذلك حينما يسقط ذاته وتمثالته على األشياء الخارجية .فاإلنسان يعمل دائما على
تغيير األشياء الخارجية ألنه يريد أن يرى ذاته تتحقق بشكل موضوعي .فكيف يمكن أن تتمثل
الذات نفسها؟ يرى الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن الشك هو السبيل الوحيد إلى اليقين ،فهو الذي
يجعلنا نحيط بذواتنا ,.هكذا شك ديكارت في كل شيء بما في ذلك وجوده .فلم يستطع أن يقول إن
الجسم والنفس من خواص نفسه .لكن تأكد له بوضوح ,أنه ال يستطيع ,أن يشك في أنه يفكر،
حيث أن التفكير هو الخاصية الوحيدة التي الزمت الذات منذ البداية (= بداية الشك) .فانطالقاً,
من التفكير يمكن أن ندرك بصفة حدسية وجود الذات؛ هكذا استطاع ديكارت أن يقول« :أنا
أفكر إذن أنا موجود» .فالذات والتفكير متالزمان ،فحينما تتوقف الذات عن التفكير تنقطع عن
الوجود .إال أن الفيلسوف ,برغسون Bergsonيرفض أي طابع ذاتي أو نسبي للوعي .فليس
الوعي – في نظره – لحظة شعورية مرتبطة بشيء معين؛ وإنما الوعي هو إدراك للذات
واألشياء في ديمومتها .فالوعي انفتاح على الحاضر والماضي ,والمستقبل .ومن ثمة فإنه ال يقبل
القسمة إلى لحظات معينة ألنه تدفق وسريان يصعب التمييز بين لحظاته .وانطالقا ,من هذا
نتساءل :هل يمكن أن يتم الوعي في غياب العالم واآلخرين؟
الوعي انفتاح على العالم وعلى اآلخرين
إن كانط يميز بين الوعي بالذات والمعرفة .فهو يرى أن وعي الذات لنفسها كوجود ,أخالقي ,ال
يعني بالضرورة وعينا المطلق لألشياء؛ ألننا نجهل النومينات (األشياء في ذاتها) ،ومن ثمة
يظل وعينا باألشياء وعيا نسبيا .أما الفيلسوف هوسرل E. Husserlفيرى – على خالف ذلك
– أن الوعي دائما ً قصدي =( ,وعي بشيء ما) .فقد يكون الوعي تخيالً ،أو تذكراً ،أو تفكيراً
منطقياً… إال أنه يتجه دائما ً صوب الشيء المفكر فيه .ومن ثمة فإن الوعي بالذات هو انفتاح
على الذات من خالل قصدية معينة ،والوعي بالعالم هو وعي قصدي للعالم .ويحاول ,الفيلسوف
ميرلوبنتي Merleau-Ponty ,أن يخرج الوعي من هذه النزعة الفينومينولوجية( الظاهراتية)،
فيقول بأن الوعي هو الذي يمنح للعالم معاينته التي يتجلى بها :إن «العالم كما هو في ذاته ،فإن
كل اتجاهاته وحركاته نسبية ،الشيء الذي يعني أنه ال وجود ,لها فيه» .فالذات الواعية ال
تستطيع – هي كذلك – أن تتمثل وعيها إال بإسقاطها له في العالم ،ومن ثمة فإن هناك عالقة
جدلية بين الذات والعالم :فبدون الذات يصبح العالم بدون أبعاد وال جهات ،وبدون العالم ال
تستطيع الذات أن تتمثل نفسها كوجود متعال عن العالم .هكذا نتمكن من القول بأن اإلنسان ال
يستطيع أن يتمثل نفسه في غياب العالم دون أن يسقط في «مذهب األنا وحدي» Solipsisme
لكن ما هو دور اآلخر في الوعي بالذات؟ وأما في فلسفة الوجودية عند الفيلسوف ,سارترJ.P.
Sartreأن اآلخر هو الذي يجعلني أعي ذاتي :فأنا حين أكون لوحدي أحيى ذاتي وال أفكر
فيها ،لكن بمجرد أن أرفع بصري ,فأرى اآلخر ينظر إليَّ أخجل من نفسي ،ألنني أصبحت أنظر
إلى نفسي بنظرة اآلخر إلي .فنظرة اآلخر إذن هي التي تجعلني أعي ذاتي كشيء خارج عني.
فاآلخر هو الوسيط الذي يجعلني أموضع ذاتي .هكذا يكون اآلخر الوجود ,األساسي الذي يجعلني
أجعل من ذاتي موضوعاً ,للوعي .بعد أن تعرفنا عن العالقة الواعية التي يمكن أن تكون بين
الذات ونفسها ،وبين الذات والعالم واآلخرين؛ نستطيع ,اآلن أن نتساءل :هل الوعي مطلق أم
نسبي؟
حدود الوعي[عدل]
كثيراً ما ننسى أن معالجة الفالسفة والمفكرين إلشكالية الوعي ترتبط بلحظات تاريخية تنعكس
فيها هموم ودرجات المعرفة البشرية ،ومن هذا المنطلق تختلف تمثالتهم لحدود الوعي .فعلى
سبيل المثال ،ماركس يعتبر الوعي هو ذلك البناء الفوقي ,الذي تتجلى فيه جميع األنشطة
اإلنسانية ،ويرى أنه ال نستطيع إطالقا ً أن نتمثل الوعي في معزل عن األوضاع ,االجتماعية
وبالتالي عالقات اإلنتاج .فالناس يدخلون في عالقات إنتاج معينة خارجة عن إرادتهم ،تولد
عندهم درجات متنوعة من الوعي .ومن هذا المنطلق يقول ماركس «ليس وعي الناس هو الذي
يحدد وجودهم ،وإنما وجودهم ,االجتماعي هو الذي يحدد وعيهم ».إال أن ماركس ال يعتبر
الوعي انعكاسا سلبيا للواقع ،ألنه يؤمن بوجود عالقة جدلية فيما بينهما :فالوعي ,يمكنه أن يؤثر
في الواقع ؛ فإما أن يساهم في تغيير الواقع (الوعي الصحيح) ،وإما أن يساهم في تكريسه
(الوعي الزائف) .أما نيتشه Nietzsche فيرى ,أن باإلمكان أن يعيش اإلنسان حياته في
استقالل عن الوعي تماما .لما كانت الحياة البشرية معرضة للهالك بوصفها حياة يؤطرها,
الصراع من أجل البقاء اضطر ,اإلنسان أن يعبر عن نفسه في كلمات ،ومن ثمة يكون نمو اللغة
ونمو الوعي متالزمين .هكذا اختلق اإلنسان لنفسه أوهاما أصبحت تؤطر ,حياته وأضفى عليها
صبغة حقائق تقنن واقعه (كالواجب والمسؤولية ،والحرية …إلخ) .فالحقائق في العمق ليست إال
أوهاما منسية .أما فرويد Freud فينظر إلى حياتنا نظرة مخالفة تماماً .فالحياة اإلنسانية عنده
أشبه بجبل الجليد ( icebergما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي)؛ ومن ثمة نكون مخطئين
جداً إذا نسبنا كل سلوكاتنا ,إلى الوعي ،ألن «كل هذه األفعال الواعية ،سوف ,تبقى غير متماسكة
وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى الزعم بأنه ال بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا
…»(فرويد)؛ فكثير ,من السلوكات ال تفهم إال إذا أرجعناها إلى الجانب األساسي ,من حياتنا
النفسية وهو الالشعور .وكتمثل توفيقي نستطيع القول بأن الحياة اإلنسانية حياة مركبة ،حيث
يلعب فيها كل من الوعي والالشعور ,دورا مركزيا .فإذا كان الالشعور ضروريا لتفسير كثير
من السلوكيات ,خصوصا ً منها المنحرفة والمرضية والشاذة ،فإنه ال يجب أن ننسى بأن الحياة
اإلنسانية حرية وإرادة ومسؤولية ،حيث يختار ,اإلنسان كثيراً من سلوكاته بكامل الوعي.
ما هو الوعي؟’ وكيف تطور؟
التاريخ 2016-10-06 :عدد المشاهدات 25,924 :التصنيف :علوم األعصاب وقت القراءة 11 :دقيقة,
15ثانية منذ أن نشر تشارلز داروين Charles Darwinكتابه في أصل األنواع عام ،1859أصبح
التطور بمثابة القاعدة التي تجمع نظريات األحياء .يمثل الوعي أحد أهم السمات الحيوية األساسية لدى
البشر ،وعلى الرغم من أهميته تلك ،فإن دراسته نادرة في سياق التطور .لذلك نجد معظم النظريات التي
تفسر الوعي تأتي من األديان والفلسفة والعلوم المعرفية ،لكن قلَّما نجد نظرية على أسس حيوية تطورية.
ربما لهذا السبب نجد عددًا محدودًا جدًا من النظريات التي تجيب على أسئلة أساسية من مثل :ما هي
القيمة التأقلمية للوعي؟’ متى تطور؟ وهل لدى الحيوانات وعي أيضا؟ تعتبَر "نظرية مخطط االنتباه"
) Attention Schema Theory (ASTوالتي ظهرت في السنين الخمس الماضية ،إحدى هذه
النظريات التي تُجيبنا على هذه األسئلة ،حيث تفترض النظرية أن الوعي نشأ كحلٍّ إلحدى أهم المشاكل
األساسية التي تواجه أي جهاز عصبي؛ أال وهي تدفق كم هائل من المعلومات التي يجب أن تُعالَج
معالجة كاملة ،وهذا هو ما دفع الدماغ كي يطور ويزيد من تعقيد آليات المعالجة ،من أجل أن يتمكن من
معالجة بعض المعلومات معالجة عميقة على حساب معلومات أخرى ،ووفقا ً لهذه النظرية فإن الوعي هو
ُت صحته بعد- النتيجة النهائية لهذا التتابع التطوري .إذا كانت هذه النظرية صحيحة -وهو ما ل ّما تَثب ْ
فيمكن اعتبار أن الوعي تطور تدريجيا ً على مدار النصف بليون سنة الماضية ،كما أن ذلك يعني أيضًا
أنه يوجد في بعض األنواع من الفقاريات .العصبونات تشبه مرشحي االنتخابات؛ كلٌّ يسعى إلسكات
اآلخر استغل الجهاز العصبي خدعة حوسبية بسيطة ،وذلك حتى قبل تطور الدماغ المركزي نفسه.
ولتوضيح ذلك ،دعنا نشبِّه العصبونات بمرشحي االنتخابات؛ كل منهم يصرخ في محاولة إلسكات
اآلخر ،وفي كل لحظة من اللحظات ال يفوز إال القليل من العصبونات في هذه المنافسة الشرسة ،حيث
ترتفع إشارتهم الخاصة فوق مستوى التشويش ( noiseالذي تسببه باقي الخاليا) وتصبح الخاليا الفائزة
لها القدرة على التأثير في سلوك الحيوان .تسمى هذه العملية بـ "التعزيز االنتقائي لإلشارات"
Selective signal enhancementوالتي بدونها ال يمكن للجهاز العصبي أن يقوم بأي شيء
تقريباً .يمكننا أن نخمن جيداً متى بدأ تطور التعزيز االنتقائي لإلشارات عن طريق مقارنة األنواع
المختلفة من الحيوانات ،وهي طريقة شائعة في مجال األحياء التطورية ،سنستخدم في تجربتنا الهيدرا
وهو أحد أقارب قنديل البحر البسطاء ،والذي يمتلك أبسط جهاز عصبي معروف ،فهو يمتلك ما يعرف
بالشبكة العصبية . Nerve Netإذا قمت بوخز الهيدرا في أي مكان فسيعطي استجابة عامة تشمل جميع
أجزاء جسمه وهذا ما يثبت عدم وجود أي نوع من المعالجة االختيارية ،والتي -لو ُوجدت -فإنها من
المفترض أن تُمكن الهيدرا من االستجابة لبعض الوخزات وتجاهل األخرى .وفقا ً للتحليل الجيني فإن
االنفصال بين أسالف الهيدرا والحيوانات األخرى ربما حدث منذ 700مليون سنة .وعلى األرجح أن
أول تعزيز انتقائي لإلشارة حدث بعد ذلك .أما المفصليات فتُعتبر عيونها من أفضل األمثلة على التعزيز
االنتقائي لإلشارة؛ فهي تزيد من حدة اإلشارات الخاصة بحواف الصورة وتقلل من حدة باقي اإلشارات
البصرية ،مولدة مخططًا للعالم من حولها .وبنا ًء على ذلك فإنه من المفترض أن يكون التعزيز االنتقائي
قد نشأ في وقت ما بين نشوء الهيدرا والمفصليات أي قبل حوالي 700إلى 600مليون سنة ،في وقت
قريب من بداية الحياة المعقدة لمتعددات الخاليا .وهذا التعزيز االنتقائي لإلشارة هو آلية بدائية جداً حتى
إنه ال يتطلب جها ًزا عصبيًا مركزيًا .لذلك نجد أن العين وشبكات حواس اللمس في الجسم والجهاز
السمعي ،ك ٌل له آليته المحلية لتركيز االنتباه على عدد قليل من اإلشارات المختارة .وكانت الخطوة
التطورية التالية آنذاك تتمثل في متحكم مركزي لالنتباه ،وهو متحكم يمكنه التنسيق بين كل الحواس.
وهذا المتحكم المركزي يتمثل في معظم الحيوانات بتركيب دماغي يدعى "السقف" ( Tectumكلمة "
"Tectumتعني "السقف" بالالتينية وغالبا ً ما تغطي قمة الدماغ ) .وهذا "السقف" يُنظم ما يسمى
باالنتباه الجل ّي " - "overt attentionموجها ً مستقبالت اإلحساسات في كل من العين واألذن واألنف
لتهتم أكثر باألشياء المهمة .تمتلك كل الفقاريات -األسماك والزواحف و الطيور والثدييات -سقفًا دماغيًا.
حتى األنقليس " "lampreysلديه واحد بالرغم من أن األنقليس قد ظهر مبكراً لدرجة أنه ال يمتلك ف ًكا
سفليًا .لكن وكما يعلم الجميع ،فإن الالفقاريات ليس لديها سقف دماغي ’،وهذه الحقيقة (القائلة أن
الفقاريات لديها سقف دماغ ،وأن الالفقاريات تفتقده) قد تعيننا على حصر الفترة التي تطور فيها السقف.
تبعا ً للدالئل األحفورية والجينية ،فإن الفقاريات تطورت منذ نحو 520مليون سنة .ومن المحتمل أن
يكون السقف ،والتحكم المركزي باالنتباه قد نشأ بعد ذلك ،أثناء ما يسمى باالنفجار الكامبري
Cambrian Explosionعندما كانت الفقاريات مخلوقات صغيرة ملتوية الحركة ،وتتنافس مع
أعداد كبيرة من الالفقاريات في البحر .حتى عندما تدير ظهرك لألشياء ،يمكن للقشرة الدماغية تركيز
مواردها على تلك األشياء يعد "السقف" تحفة هندسية جميلة .ومن أجل أن تحقق هذه التحفة الهندسية
تحك ًما فعااًل بالرأس والعينين ،يبني "السقف" ما يعرف بالنموذج الداخلي [،"internal model" ]1
وهي خاصية معروفة للمهندسين .ولتبسيط ذلك :النموذج الداخلي هو عملية محاكاة تتابع كل ما يقوم
الدماغ بالتحكم به وتحاكيه من أجل توقع نتائجه ،وبذلك يتيح النموذج الداخلي عمليتي التوقع والتخطيط.
أما النموذج الداخلي للسقف فهو مجموعة من المعلومات المشفرة على شكل نمط معقد من النشاط
العصبي في العصبونات .وهذه المعلومات تحاكي الحالة الحالية للعينين والرأس واألجزاء الرئيسة
األخرى في الجسم ،مكونة بذلك تنبؤات عن الكيفية التي ستتحرك بها هذه األعضاء في المرحلة التالية،
وتنبؤات كذلك عن عواقب حركتها هذه .فعلى سبيل المثال ،إذا حركت عينيك لليمين ،من الطبيعي أن
ينزاح العالم الذي تبصره عبر الشبكية نحو اليسار بطريقة يمكن التنبؤ بها ،وتكون وظيفة السقف هي
مقارنة اإلشارات البصرية المتوقعة مع المدخل البصري الفعلي ،من أجل التحقق مما إذا جرت حركتك
كما هو مخطط لها أم ال .هذه العمليات من الحوسبة معقدة بشكل هائل ،ومع ذلك فإنها تستحق ما يُصرف
عليها من الطاقة من أجل الفائدة التي نحصل عليها في التحكم بالحركة .في األسماك والبرمائيات ،يكون
السقف أكثر األجزاء المعقدة في الدماغ ،ويكون كذلك الجز َء األكبر في الدماغ .وبالنسبة للضفدع فإنه
يملك محاكاة جيدة جدًا لحركاته .مع تطور الزواحف قبل حوالي 350إلى 300مليون سنة ،بدأ تركيب
دماغي جديد بالظهور ،أال وهو البارزة السهمية [ ."the Wulst" [2وهذا التركيب الدماغي موجود
لدى الطيور اآلن ،وقد ورثته الطيور من أسالفها من الزواحف .وكذلك حصل مع الثدييات ،ولكن النسخة
التي حصلنا عليها نسميها القشرة الدماغية ،cerebral cortexوقد توسعت بشكل كبير بعد أن
ورثناها .وهي التركيب الدماغي األكبر في دماغ اإلنسان (ربما تسمع بعض األشخاص أحيانًا يشيرون
إلى دماغ الزواحف على أنه الجزء الذي يبقى من الدماغ بعد أن تزيل عنه القشرة ،ولكن هذا ليس
صحي ًح ا) .قشرة الدماغ هذه تتحدر من "النتوء السهمي" للزواحف ،وبذلك فإن المرجح أن الزواحف لها
من الذكاء أكثر مما نعزوه إليها .يمكن اعتبار القشرة على أنها نسخة أخرى من "السقف" إال أنها أرقى.
كما أن السقف لدينا مدفون بداخل الدماغ أسفل القشرة ،ومع ذلك فإنه يقوم بنفس الوظائف التي يقوم بها
في األسماك وفي البرمائيات .ولنأخذ مثااًل على طريقة عمل السقف ،لنفرض أنك سمعت صوتًا مفاجًئا أو
رأيت حركة بزاوية عينك ،فإن السقف لديك يوجه نظرك نحوه بسرعة وبدقة .أما القشرة الدماغية ،فإنها
ض ا تحصل على اإلشارات الحسية وتنسق الحركة ،ولكنها أكثر مرونة من حيث مخزنُ المعلومات أي ً
ً
لديها .وبناء على التعليمات من القشرة ،قد تنظر باتجاه الحدث أو بعيدًا عنه ،أو ربما تصدر صوتا ،أو
تقوم برقصة معينة ،أو أنك تقوم فقط بتخزين الحدث الحسي هذا في الذاكرة إن كانت هذه المعلومات
مفيدة في المستقبل .الفرق األوضح بين القشرة الدماغية وبين السقف قد يكون نوع االنتباه الذي يتحكم به
كل منهما؛ فالسقف هو سيد التحكم باالنتباه الجل ّي ( overt attentionموجهًا الجهاز الحسي باتجاه
أي شيء مهم) ،أما القشرة فتزيد ما يعرف باالنتباه الخفي covert attention؛ فأنت مثاًل ال تحتاج
ألن تنظر مباشرة إلى شيء ما من أجل أن تنتبه له "بشكل خفي"؛ فحتى لو أدرت ظهرك عن شيء ما،
ستبقى القشرة قادرة على تركيز مواردها في معالجة المعلومات على هذا الشيء .ويشابه العلماء أحيانًا
ما بين االنتباه الخفي وبين بقعة الضوء (وهي مشابَهة اقترحها أواًل عالم الجينات فرانسيس كريك
)Francis Crick؛ ففي هذه المشابهة يمكن لقشرتك الدماغية أن تحول االنتباه الخفي من النص الذي
تقرؤه أمامك إلى الشخص الجالس بجانبك ،ثم إلى األصوات الموجودة في الباحة الخلفية ،ثم إلى فكرة ما
أو ذكرى معينة .وبهذا يمكن اعتبار االنتباه الخفي على أنه تحويل المعالجة العميقة للمعلومات من
عنصر ما إلى آخر .تحتاج القشرة إلى أن تتحكم بهذه الحركة االفتراضية ،وبالتالي فإنها تحتاج إلى
نموذج داخلي (حالها كحال أي متحكم فعال) .وبعكس السقف -الذي يضع نماذج لعناصر حقيقية كالعينين
والرأس -فإن القشرة يجب عليها أن تضع نماذج ألشياء أكثر تجريدًا .وبحسب نظرية مخطط االنتباه،
فإنها تقوم بذلك عن طريق بنائها لمخطط انتباه ( attention schemaوهو مجموعة من المعلومات
يتم تحديثها بشكل مستمر ،وتصف ما يقوم به االنتباه الخفي لحظة بلحظة وتحدد ما هي العواقب
المحتملة) .ثمة شيء غير ملموس بداخلي .ليس بعين وال برأس وال ذراع .شيء بال مادة لننظر إلى
تجربة فكرية (وإن كانت بعيدة االحتمال) .لنفرض أنه بإمكانك أن تصل تمسا ًحا بجهاز خارجي يجعله
قاد ًر ا على الكالم ،وهذا الجهاز يستطيع الوصول إلى المعلومات الموجودة في مخطط االنتباه الموجود
في "النتوء السهمي" لهذا التمساح ،فإنك قد تسمع هذا التمساح المزود بهذه التقنية يقول" :لدي شيء غير
ملموس بداخلي .ليس بعين وال برأس وال بذراع ،ويوجد وال مادة له .هذا هو 'االمتالك العقلي' لألشياء
عندي ،وهو يتحرك من مجموعة أشياء إلى مجموعة أخرى .وعندما تمسك هذه العملية الغامضة بشيء
ما ،فإنها تتيح لي أن أفهم ،وأن أتذكر ،وأستجيب" .وبالطبع سيكون هذا التمساح على خطأ؛ ذلك أن
االنتباه الخفي ليس باألمر غير الملموس؛ ألن له أساسًا فيزيائيًا محسوسًا ،ولكن هذا األساس الفيزيائي
موجود على شكل تفاصيل مجهرية في العصبونات والتشابكات واإلشارات العصبية .أما الدماغ فال
حاجة له في أن يعلم بتلك التفاصيل .وبذلك يكون مخطط االنتباه مبه ًما بشكل استراتيجي .كما أن مخطط
االنتباه يصور االنتباه الخفي بصورة المترابطة فيزيائيًا ،يصورها على أنها وجود بجوهر ذي سمة ال
فيزيائية .وهذا -بحسب النظرية -هو أصل الوعي .نحن نجزم أننا نملك وعيًا ألن هناك شيًئا ما في أعماق
الدماغ ،شيًئا بدائيًا جدًا يقوم بإدراك هذا الوصف الذاتي لكل شخص (وهو وصف سحري إلى حد ما).
ولألسف ،فإن التماسيح ال يمكنها أن تتكلم ،ولكن في هذه النظرية سيكون لها على األرجح هيئة مبسطة
عن مخطط االنتباه .عندما أفكر في التطور ،يذكرني ذلك بالقول المشهور لتيدي روزيفيلت Teddy
" Rooseveltافعل ما تستطيع فعله بما تملكه ،وفي المكان الذي تكون فيه" .التطور هو سيد
االنتهازية؛ حيث تصبح فيه الزعانف أرجاًل ،والخياشيم فكو ًكا ،والنماذج عن النفس تصبح نماذج عن
الغير .وتفسير هذه األخيرة بحسب نظرية مخطط االنتباه هو أن مخطط االنتباه تطور في البداية كنموذج
لالنتباه الخفي للشخص ذاته .وبعد أن صارت أسس هذه اآللية البسيطة مرسخة ،تكيفت هذه اآللية لتشتمل
على تشكيل نماذج للحاالت االنتباهية لآلخرين ،من أجل أن تسمح بوجود "تنبؤ اجتماعي" لآلخرين .فال
الوعي إلى
َ يقتصر األمر على أن يعزو الدماغ الوعي إلى نفسه ،وإنما يعدو األم ُر ليشمل ْ
عز َو الدماغ
اآلخرين .إذا كانت هذه القابلية في عزو الوعي لآلخرين موجودة في الثدييات والطيور ،فهل كانت
موجودة في سلفهما المشترك ،الزواحف؟ عندما يدرس علماء النفس المعرفة االجتماعية social
،cognitionفإنهم غالبًا ما يركزون على شيء يدعى "نظرية العقل" ،theory of mindوهي
قابلية الشخص على أن يفهم ما يُحتمل وجوده في عقل اآلخر .وبعض األمثلة المعقدة المتعلقة بهذا األمر
محصورة في البشر والقردة .ولكن التجارب تُظهر أن الكلب مثاًل يمكنه أن ينظر إلى كلب آخر وأن
يستنتج إجابة السؤال التالي" :هل هو مدرك لوجودي؟" .يظهر كذلك أن نظرية العقل يمكن تطبيقها
بشك ٍل رائع على الغربان؛ فإذا خبأ غراب ما طعا ًما عندما يكون غراب آخر يراقبه ،فإن األول ينتظر
حتى يغيب الغراب الثاني ،ثم يخبئ نفس الطعام مرة أخرى ،وكأنه قادر على اإلحساس بأن الغراب
اآلخر يدرك وجود موقع التخبئة األول وليس الثاني .إذا كانت القابلية األساسية لعزو الوعي لآلخرين
موجودة في الثدييات والطيور ،فإن هذه القابلية قد تكون تحدرت من سلفهما المشترك ،الزواحف.
وبحسب القصة التطورية الخاصة بنظرية مخطط االنتباه ،يبدأ اإلدراك االجتماعي بالظهور بشكل
واضح بعد فترة وجيزة من نشوء النتوء السهمي لدى الزواحف .قد ال تكون التماسيح هي أكثر
المخلوقات على األرض من حيث التعقيد االجتماعي ،ولكنها تعيش في مجتمعات كبيرة وتعتني
بصغارها ،ويمكنها أن تكون مخلصة مع أنها خطيرة بعض الشيء .إذا كانت نظرية مخطط االنتباه
بشكل مترادف ،يؤثر كل منهما على ٍ صحيحة ،فإن النموذج الذاتي ،والنموذج االجتماعي قد تطورا
اآلخر ،على مدى 300مليون سنة من تطور الزواحف والطيور والثدييات .يأتي فهمنا لآلخرين عن
طريق إسقاط أنفسنا عليهم ،ولكننا كذلك نفهم أنفسنا عن طريق التفكير في الطريقة التي يمكن لآلخرين
أن يروننا بها .تشير البيانات الموجودة في المختبر الذي أعمل به أن الشبكات العصبية في الدماغ
البشري -تلك التي تسمح لنا أن نعزو الوعي لآلخرين -تتداخل بشكل كبير مع الشبكات التي تبني لنا حس
الوعي الذاتي .لربما كانت اللغة هي القفزة الكبيرة األحدث في تطور الوعي .ال أحد يعلم متى تطورت
اللغة ،ولكن المؤكد أنها كانت موجودة لدينا قبل 70ألف سنة عندما بدأ البشر باالنتشار حول العالم،
وذلك ﻷن كل المجموعات التي تفرقت كانت لها لغة معقدة .أما العالقة ما بين اللغة والوعي فهي عالقة
مختلف عليها أحيانًا ،ولكننا متأكدون على األقل من التالي :في الوقت الذي تطورت فيه اللغة لدينا،
واع
عال" :أنا ٍأضحى بإمكاننا الحديث عن الوعي وأن نتبادل األفكار عنه .يمكننا أن نقول بصوت ٍ
باألشياء ،واألمر نفسه عند هذا ،وكذلك عند هذه ،وكذلك عند هذا النهر اللعين الذي حاول مسح قريتي
عن الوجود" .إذا سمعت حفيف الريح وظننت ذلك أسدًا ،فال ضير .أما إذا فشلت في اكتشاف وجود أسد
حقيقي فإنك ستموت ،وستُقصى جيناتك من تجميعة الجينات الكلية .ربما كانت اللغة والثقافة هما السبب
(ولو جزئيًا) في ميل البشر بشكل كبير إلى عزو الوعي لكل شيء حولهم؛ فنحن نعزو الوعي إلى
الشخصيات في القصة ،والدمى والرياح واألنهار والمساحات الفارغة واألشباح .وهذا ما يدعوه جستن
باريت Justin Barretباألداة مفرطة النشاط الكاشفة عن القوى العاملة [Hyperactive ]3
) .Agency Detection Device (HADDوأحد التخمينات التي يمكن استنتاجها من هذا المبدأ
هو أنك خير حااًل حين تكون آمنًا منك حين تكون ناد ًما ""it’s better to be safe than sorry؛
فلو سمعت حفيف الريح في العشب ،وفهمت ذلك (خطًأ) على أنه أسد ،فال ضير في ذلك .أما لو فشلت
في اكتشاف وجود أسد فعليا ،فإن مصيرك يغلب عليه الموت ،وستُقصى جيناتك من تجميعة الجينات
.gene poolوبالنسبة لي على أي حال ،يمتد أثر الـ HADDإلى ما وراء اكتشاف المفترسات
واالنتباه إلى وجودها؛ فهذا المبدأ هو نتاج طبيعتنا المغالية في اجتماعيتها .ونستطيع القول أن التطور زاد
من مدى نزعتنا وميلنا ألن نبني نماذج لآلخرين .واآلن ،نحن متأقلمون مع الحاالت العقلية لآلخرين أيما
تأقلم .وهذا ما يعطينا أفضلية في التكيف والمواءمة .واألثر الجانبي الذي نتج عن ذلك هو أثر لم يكن لنا
أن نتجنبه بأي حال ،وهذا األثر بالتحديد هو نزعتنا ألن نكتشف اإليجابية الكاذبة .المالحظات]1[ :
النموذج الداخلي internal modelفي نظرية التحكم في الهندسة :هو العملية التي يتم بها تحفيز
نظام ما من أجل إنتاج استجابة ،والهدف من ذلك هو توقع ما سينتج عن اضطراب النظام ]2[ .كلمة
Wulstهي ألمانية األصل وتعني "نتوء" ،أما االسم العلمي لها فهو eminentia sagittalisوالتي
تعني "النتوء السهمي" :وهي تركيب دماغي موجود لدى الطيور ]3[ .األداة مفرطة النشاط الكاشفة عن
القوى العاملة :HADDهو مصطلح اقترحه جستن باريت ،ومفاده أن البشر يميلون ﻷن يفترضوا
وجود قوى عاملة ( )agentsفي األشياء التي "يبدو" وكأنها تتصرف كاألحياء ،حتى وإن كانت
جمادًا# ،.العصبونات #التطور #الوعي #نظرية مخطط االنتباه #الشبكة العصبية
المصدرhttps://nasainarabic.net/main/articles/view/how-consciousness- :
evolved
تفترض نظريات الوعي العليا أن الوعي يتكون من تصورات أو أفكار حول الحاالت العقلية من الدرجة
األولى ]3[ ]2[ ]1[ .على وجه الخصوص ،يُعتقد أن الوعي الظاهراتي يمثل تمثياًل عالي المستوى
للمحتويات اإلدراكية أو شبه الحسية ،مثل الصور المرئية]1[ .
تتميز نظريات الرتبة األعلى عن غيرها من التفسيرات المعرفية /التمثيلية للوعي التي تشير إلى أن
مجرد عقلية من الدرجة األولى من أنواع معينة تشكل الوعي]1[ .
التحفيز
يمكن أن تفسر نظرية المستوى األعلى التمييز بين معالجة الدماغ الالواعية والمعالجة الواعية .يتضمن
كال النوعين من العمليات العقلية عمليات تالعب من الدرجة األولى ،ووفقًا لنظرية الرتبة األعلى ،فإن
ما يجعل اإلدراك واعيًا هو المالحظة العليا للمعالجة من الدرجة األولى]1[ .
في علم األعصاب الشروط ،والدافع وراء نظرية العليا من التمييز بين المعلومات من الدرجة األولى في
المناطق الحسية في وقت مبكر مقابل تمثيل النظام العالي في الفص الجبهي و الجداري القشور : ]4[ .
66-365
أنواع
تُدعى أي ً
ض ا نظرية الحس الداخلي ،هذا اإلصدار من نظرية الرتبة األعلى يقترح أن الوعي الظاهراتي
ال يتألف من األحاسيس المباشرة ولكن في اإلحساس بمستوى أعلى لتلك األحاسيس .أو ضع طريقة
أخرى:
الحالة العقلية الواعية ظاهريًا هي حالة ذات محتوى مقصود تناظري /غير مفاهيمي ،والتي بدورها
هدف حالة مقصودة تناظرية /غير مفاهيمية عالية المستوى ،عبر عمليات ملكة "الحس الداخلي"]1[ .
أحد الدوافع لهذا النهج هو أنه يفسر الوعي الظاهراتي الذي يغيب المعتقدات أو السلوكيات المرتبطة بتلك
التجارب -بحيث ،على سبيل المثال ،يمكن أن يشعر شخص ما باأللم دون إظهار بالضرورة ردود فعل
وظيفية لأللم]1[ .
ديفيد روزنتال هو من أبرز المدافعين عن هذا الرأي .تدعي أن الحالة العقلية تكون واعية عندما تكون
موضوع فكر عالي المستوى ( .)HOTيتطابق الوعي الهائل على وجه الخصوص مع أنواع معينة من
الحاالت العقلية (على سبيل المثال ،المدخالت البصرية) التي هي موضوع السخانات .يستبعد روزنتال
الحالة الخاصة التي يتعلم فيها المرء عن حاالته الدنيا عن طريق االستنتاج الواعي .على سبيل المثال ،
إذا كان التحليل النفسي يمكن أن يكشف عن دوافع المرء الالواعية ،فإن هذا لن يجعله فجأة واعيًا]1[ .
يعكس النزعة النزعة وجهة النظر الواقعية باستثناء أن الحالة الذهنية من الدرجة األولى ال تحتاج إلى
التفكير فعليًا -يجب أن تكون متاحة فقط ليتم التفكير فيها]1[ .
في حين أن الحسابات الواقعية قد تبدو وكأنها تتطلب حسابات عالية المستوى على جميع التصورات من
الدرجة األولى ،فإن الحسابات النزعة ال تتطلب ذلك ؛ أنها تتطلب فقط توافر معلومات من الدرجة
األولى .يمكن أن يأتي هذا التوافر ،على سبيل المثال ،من البث العالمي كما هو الحال في نظرية مساحة
العمل العالمية ]1[ .
تعتبر نظريات المستوى األعلى ذات التمثيل الذاتي أن الدولة ذات الترتيب األعلى تكون تأسيسية أو
داخلية لحالتها من الدرجة األولى ]1[ .قد يكون هذا إما بسبب
الحالة األولى والدرجة األعلى متطابقة ،مع نفس الحالة تخدم دورين مختلفين ،أو
إن حاالت الرتبة األولى والحاالت األعلى هي جزء من نفس الكل ،والمجمع كله هو ما يصبح واعيًا[ .
]1
مثال على نظرية التمثيل الذاتي الثانية "جزء-كل" هي "نظرية االقتباس للوعي"’ التي وضعها فينسنت
بيكيتو والتي يتكون فيها الوعي من "االقتباس العقلي" إلدراك من الدرجة األولى]5[ .
في هذه النظرية ،تحدد المعالجة ذات المستوى األعلى أن التمثيل من الدرجة األولى يمكن االعتماد
عليه366 : ]4[ .
على غرار وجهة نظر ، HOTتقترح هذه النظرية أن الدماغ "يتعلم" عندما يكون هناك تمثيل منخفض
المستوى جدير بالثقة366 : ]4[ .
يبدو أن اإلبالغ عن التجربة الواعية يحدث في بعض الدراسات بشكل متسلسل بعد المعالجة الالواعية
وليس بالتوازي معها368 : ]4[ .
تعتبر المعالجة الالواعية قوية جدًا من تلقاء نفسها ،لذلك ليس من الواضح أن أداء المهمة يتطلب الوعي.
تتفق وجهات النظر ذات الترتيب األعلى مع هذا ،على عكس ،على سبيل المثال ،عروض مساحة
العمل العالمية368 : ]4[ .
قد يؤدي ضعف قشرة الفص الجبهي إلى إضعاف التقارير الذاتية دون التأثير على أداء المهمة .إذا كانت
قشرة الفص الجبهي تؤدي دو ًر ا في االنتباه بشكل أساسي ،فيجب أن يتدهور األداء جنبًا إلى جنب مع
إمكانية اإلبالغ369 : ]4[ .
تشير بعض التفسيرات الضطرابات معينة في الوعي إلى أنها تعمل من خالل التأثير على قشرة الفص
الجبهي ،حيث يُفترض أن تحدث أفكار ذات ترتيب أعلى71-370 : ]4[ .
يدافع إدموند رولز عن تفسير أعلى للوعي .يجادل بأن الوعي يتكون من أفكار أعلى مرتبة مما يسمح
للشخص بمراقبة األخطاء وتصحيحها و "أن أنظمة الدماغ المطلوبة للوعي واللغة متشابهة": ]6[ .
05–404تصبح Qualiaمثل األلم واعيًا عندما "يدخلون في نظام معالجة الرموز اللغوي المتخصص
،والذي يعد جز ًء ا من نظام تفكير عالي المستوى" يساعد ،من بين أمور أخرى ،في "التخطيط المرن
لألفعال"407 : ]6[ .
انتقادات
يشير بيتر كاروثرز إلى أن الحس الداخلي أو الواقعي لألفكار الساخنة حول اإلدراك من الدرجة األولى
قد يزيد بشكل كبير من قوة الحوسبة المطلوبة لمعالجة المنبهات بوعي ،ألنه ال يحتاج المرء فقط إلى
إدراك ،ولكن يحتاج المرء بعد ذلك إلى امتالك آخر (ربما يكون مفصالً للغاية) ) التصور أو التفكير في
هذا التصور]8[ ]1[ .
يشير "االعتراض الصخري" إلى أن التفكير في صخرة ال يتسبب في "إضاءة" الصخرة بوعي ،فلماذا
يؤدي التفكير في إدراك من الدرجة األولى إلى إشراقها؟ يجيب المنظرون ذوو الرتبة األعلى بأن
الحاالت من الدرجة األولى يجب أن تكون حاالت ذهنية ،وليست الصخور كذلك.
مراجع
^ ديفيد روزنتال جوش وايزبرغ (" .)2008نظريات الوعي العليا" .سكوالربيديا .4407 :)5( 3 .
دوى . scholarpedia.4407 / 10.4249 :
^ دروج ،بوال" .نظريات الرتبة العليا للوعي" .موسوعة اإلنترنت للفلسفة .تم االسترجاع 31
أغسطس . 2014صيانة :CS1معلمة غير مستحبة ( رابط )
^ أ ب ج د ه و ز ح أنا هاكوان الو ديفيد روزنتال (أغسطس " .)2011الدعم التجريبي لنظريات الرتبة
العليا للوعي الواعي" ( . )PDFاالتجاهات في العلوم المعرفية .373-365 :)8( 15 .دوى :
الوعي في الفلسفة$
طُرحت األسئلة التي تدور َحول طبيعة الوعي ’،منذ بداية البرية وفجر التاريخ ،وغالبًا ما يرتبط بمفهوم
اإلدراك ،واألنثروبولوجيًا أثبتت ممارسات الدفن في العصر الحجري الحديث أنها كانت تعبّر عن
معتقدات روحية ،ويوجد العديد من األدلة التي ظهرت منذ فجر التاريخ ودلت على وجود الحد أدنى على
األقل من التفكير التأملي في طبيعة الوعي اإلنساني ،وتم االستنتاج أن عصور ما قبل اختراع الكتابة
تضمن تجارب روحية ،مما يشير إلى درجة من التأمل في طبيعة اإلدراك الواعي[seconds 0 .]١
of 11 secondsVolume 0%سينتهي هذا اإلعالن خالل 9تعد الفلسفة الوعي هو جوهر
إن الوعي يصاحب كل أفكار اإلنسان اإلنسان وخاصيته التي تميزه عن باقي الكائنات الحيّة األخرى ،إذ ّ
ٌ
وسلوكه ،وهو ما يطلق عليه اسم (الوعي التلقائي)[ .]١كما أنه مرتبط بمجموعة األحاسيس والمشاعر
التي تكمن في أعماق الذات وهذا ما يطلق عليه (وعي سيكولوجي) ’،ويظهر هذا الوعي في الحياة العمليّة
الذي يتجسد على شكل وعي سياسي أو أخالقي على سبيل المثال ،وال يرتبط الوعي النفسي باإلنسان
لوحده بل موجود لدى الحيوان وتتمثل بالعديد من السلوكيات مثل االتصال واللعب ،واستخدام األدوات[
أن الدراسات النفسيّة والفلسفيّة قامت بوضعه موضع نق ٍد ،حيث .]٢للوعي مظاهر وأشكال عديدة ،بيد ّ
إن الوعي اعُتبر من خالل تلك الدراسات غطاء خارجي ال يمثل الجهاز النفسي العميق ،بل هو يمثل فقط
سطح الذات ،أما الالوعي فهو يمثل أعماق الذات اإلنسانيّة ،بنظر ٍة للوعي من ناحية فلسفيّة فإن الفيلسوف
اإلنجليزي جون لوك قد ربط حالة الوعي بالحواس الجسديّة الخمس[.]١
ظهرت العديد من الدراسات التي قام بها فالسفة مختلفين على مدار التاريخ ،قدموا من خاللها أبرز
النظريات في مفهوم الوعي ’،ومن أهم هؤالء الفالسفة:
الفيلسوف ديكارت اقترح الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت ()١٦٥٠-١٥٩٦م مفهو ًما ممي ًزا .1
للوعي ،وعده أساس الفكر البشري ،فالوعي باألفكار هو حالة من إدراك لها ،وهو أمر يحدث
لإلنسان تلقائيًا ،عندما يفكر في الفكرة ،وتعد نظرية ديكارت حول الوعي من أشهر النظريات،
ألنه عمل على تحول في الجانب اللغوي ،وأسس فلسفيًا لمفهوم جديد لغةً وعده خاصية للعقل
يتمتع بها اإلنسان لكونه عاقاًل [.]٣
الفيلسوف ديفيد هيوم يعد مفهوم الوعي عند الفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم من أكثر المفاهيم .2
صرامةً ،في تاريخ انجلترا ،خاصة في القرنين السابع عشر ،والقرن الثامن عشر ،فقد حاول
تأطير المفهوم إيجابيًا ،فيمكن فهم الوعي عند هيوم على أنه شكل من أشكال انعكاس معرفة
الذات ،وهذا المفهوم يظهر جليًا في كتابه الذي يحمل عنوان مقال في فهم الطبيعة البشرية ،وال
يربط هيوم بين العقل والوعي على أساس أنهما شكل من أشكال التوافق[.]٤
الفيلسوف فرويد تعد نظرية سيغموند فرويد في الوعي واحدة من أكثر النظريات الغربية .3
شيوعًا ،فقد قسّم فرويد الوعي البشري إلى ثالثة مستويات من اإلدراك :الوعي ،ما قبل الوعي،
والالوعي ،وتتداخل مستويات الوعي مع مدركات اإلنسان ،ويتوافق كل مستوى من هذه
المستويات مع األفكار المتعلقة بالهو واألنا واألنا العليا[.]٥
الفيلسوف جون لوك كان الفيلسوف البريطاني جون لوك من أوائل فالسفة القرن السابع عشر .4
اللذين قدموا دراسات خاصة بمفهوم الوعي ’،فالوعي عند لوك مرتبط بالهوية ،وغير مرتبط
بالجسد ،وهو ما يصل عبر عقل اإلنسان وذكرياته ،ويؤكد على أن الوعي يظل موجودًا بعد
الموت[.]٥
الفيلسوف ليبنيز يعد الفيلسوف ليبنيز من أشهر فالسفة العصور الحديثة ،له العديد من الكتب .5
الفلسفية ،قدم ليبنيز نظرية الفكر األعلى للوعي ،التي تقضي بأن ما يجعل حالة اإلنسان واعية،
هو أنها مصحوبة بفكر أو إدراك اإلنسان في تلك اللحظة ،ويقول أن اإلدراك الالواعي يصبح
واعيًا عندما يكون مصحوبًا بإدراكه[.]٦
الفيلسوف ايمانويل كانت وهو فيلسوف ألماني يعد من أشهر الفالسفة ،وأهمهم على اإلطالق .6
ربط مفهوم الوعي بنظرية المعرفة الكانطية ويعرف الميتافيزيقا على أنها الكشف عن المبادئ
األولية للمعرفة البشرية ،والتصورات أو المقوالت هي مفاهيم تعمل على تشكيل المعرفة،
وتنظمها عقليًا ،وال تغرسها ،والوعي هو مفهوم عقلي ،ليس للتجارب دور في تشكله ،إال إذا
كان هنالك تصورات سابقة في الذهن ،فيحدث نوع من التوليف[ .]٧لذلك الوعي يمكن تعريفه
على أنه نظرية المعرفة الكانطية ،القائمة على أساس التمثيل للعالم الخارجي في الذهن ،ويعد
المفهوم الكانطي للوعي بمثابة ثورة معرفية في تاريخ الفلسفة؛ لما أحدثه من قطيعة مع التيارات
الفلسفية السابقة[.]٧
الفيلسوف يوهان فريدريك هيربيرت وهو فيلسوف عاش في القرن الثامن عشر ،يعد من .7
مؤسسي علم النفس الحديث ،وعلوم التربية ،حدد الفيلسوف يوهان فريدريك هيربيرت مبادئ
رئيسية للوعي ،وهي[ :]٨المالحظة الذاتية ،سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة .تفسير ما
ينتج عن النشاط الشخصي ،من مالحظة اآلخرين.
الفيلسوف فرانز برنتانو $وهو فيلسوف عاش في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .8
اشتهر بأبحاثه الفلسفية ،وعلم النفس ،وهو أول من دشن مفهوم القصدية إلى الفلسفة المعاصرة،
واهتم بمفاهيم مثل العقل والميتافيزيقا ،واألنطولوجيا ،يعتقد فرانز برنتانو بوجود وعي داخلي
قادر على فهم جميع الظواهر العقلية المشتركة بين البشر ،ويرفض فكرة وجود أفعال عقلية
غير واعية؛ ألن األفعال العقلية واعية بالضرورة ،ووفقًا ألطروحته حول وحدة الوعي فإن
اإلنسان ال يمكن أن يعي أكثر من ظاهرة واحدة في الوقت ذاته ،لكن هنالك وحدة غير متزامنة
للوعي[.]٩
الفيلسوف هنري برجسون يعد الفيلسوف هنري برغسون من أشهر الفالسفة المعاصرين ،له .9
العديد من الدراسات الفلسفية ،كان ألفكاره تأثير كبير على مجريات القرن العشرين والحرب
العالمية األولى والثانية ،وفي كتابه الوقت واإلرادة الحرة :مقال عن البيانات الفورية للوعي
ارتبط مفهوم الوعي فلسفيًا بمفهوم التعددية ،فالتعدد الكمي لألشياء ولحاالت الوعي ،ينتج لنا
ذات حرة ،بعكس التفسير الكانطي الذي ربط الفعل البشري بالسببية ،لذلك اقترح بيرغسون
التفريق بين الزمان والمكان لحل معضلة الحرية ،وارتباطها بالوعي[.]١٠
خالصة
نستنتج أن مفهوم الوعي يعد من أكثر المفاهيم تعقيدًا في تاريخ الفلسفة ،وعلم النفس ،وذلك الختالف
توجهات الفالسفة ،لكن التطور الذي قام على يد علماء النفس ،وظهور تيار علم النفس التجريبي،
كان له دور كبير في محاولة جعل مفهوم الوعي أقرب إلى العلوم الطبيعية ،العتماد العلماء على
المنهج التجريبي ،والتجارب المخبرية ،بعيدًا عن التأمل المحض.
يتميّز اإلنسان عن غيره من المخلوقات بامتالكه للوعي بكل ما يدور حوله وما يعيش معه سواء في
أن الوعي يحدد صه دون سواه من المخلوقات الحية ،كما ّالطبيعة أو في الحياة االجتماعيّة وهذه ميزة تخ ّ
للشخص رأيا ً خاصا ً وموقفا ً محدداً تجاه الظواهر التي تحصل أمامه ،فالوعي عبارة عن ر ّدة فعل
الشخص تجاه جميع األمور والظواهر الطبيعيّة التي يتع ّرض لها ،كما أنّه قدرته على التعامل والتآلف
والتعايش مع هذه الظواهر seconds of 10 secondsVolume 0% 0 .يفسّر الوعي بكونه
صة ،ومفاهيم الحياة التي يملكها ،وبشكل عام هو ناتجمجموع ما يتك ّون لدى الشخص من األفكار الخا ّ
عن جميع المفاهيم الحياتيّة في مختلف المجاالت سواء كانت تلك الجوانب متساوية أو متنافرة
ومتصارعة بالكامل في عملية تط ّور الحياة ،ومن الممكن أن يكون وعي الشخص زائفا ً وال صحّة له،
ويتع ّر ض الشخص لهذه الحالة عندما يكون من ذوي وجهات النظر والمفاهيم التي ال تتطابق مع الواقع
المادي للحياة التي يعيشها والتي من حوله ،ومن الممكن أن يكون الوعي زائفا ً عندما تكون األفكار التي
يتبناها الشخص ووجهات نظره ومفاهيمه ليست واقعية ،بل إنها ال تتابع حركات التطور والتجدد في
الواقع في جميع مراحله وأزمانه.
في بعض الحاالت يكون الوعي مجرد وعي جزئي ،وذلك ناتج عن كون األفكار ووجهات النظر التي
لدى اإلنسان تقتصر على أحد الجوانب المعينة في الحياة ،أو أنها تقتصر على مستوى حياة معين وال
تشمل جميع مناحي الحياة ،والجوانب المتعددة لها ،والمستويات التي تكون مترابطة برغم اختالفها ،كما
أن هذه المستويات تؤثر على بعضها البعض في عمليات التطوّر الحياتيّة.
في حاالت أخرى يكون الوعي الذي يملكه الشخص وعيا ً طبقيا ً محدداً بمصالحه الوقتية الطبقية ،ومن
ضح معنى هذا النوع وعي الشخص اإلقطاعي بضرور استمراره الستغالل الفالحين األمثلة التي تو ّ
بدون األخد بعين االعتبار عن ما هي مصلحه الفالحين ،أو أن يهتم الفالحين والعمال بأهمية تحرّرهم من
استغالل اإلقطاعيين لهم ووعيهم بأهمية التحرر من هذا االستغالل بهدف حصولهم على كافة حقوقهم
بدون مراعاة حقوق اإلقطاعيين .فيما يخص الوعي اإلنساني المتقدم والشامل ،فهذا النوع من الوعي هو
فهم الشخص لألفكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تجعل مصلحة اإلنسان فوق كل اعتبار ،كما أنّها
الوحيدة من أصناف الوعي التي تتطابق بالكامل مع الواقع المادي والموضوعي ’،وهذا الوعي يتطور
بشكل مستمر بشكل يوكب التطور الذي يحدث في الواقع ،وهذا التطور غير محدود بأي تعصب منهجي،
أو تعصب قومي ،أو عنصري ،أو ديني متطرف ،وال أي شكل من أشكال التعصب الطبقي القصير
النظر ،وال يرتبط هذا الوعي باألهداف والمصالح المادية العابرة ،بل يكون هذا النوع عبارة عن شعور
إنساني يسيطر على صاحبه وعلى أفعاله بكاملها ،وهو ما يدفع الشخص لتكوين حياة ح ّرة وكريمة تليق
به ككائن حي عظيم الشأن ،وعلى الرغم من كون الوعي لدى الشخص يتكون نتيجة للتأثر بالعوامل
المادية في الحياة ،إال أنّه من الممكن أن يتك ّون نتيجة لبعض فترات االنتقال التاريخيّة التي يتطوّر فيها
المجتمع بكامله.
يعبر مفهوم الوعي عن حالة اإلدراك التي يصل إليها العقل من خالل تواصل الفرد مع المحيط ،ويكون
ذلك من خالل حواس اإلنسان الخمس ،ولحالة اإلدراك هذه مستويات عدة منها :اإلحساس بالذات،
واإلدراك الذاتي ،والحالة الشعورية ،والحكمة أو العقالنية ،واإلدراك الحسي بين الفرد والبيئة ،وبالتالي
فإن الوعي هو مجموعة من األفكار ،والمعرفة ،وحصيلة التجارب التي شكلت لدى الفرد مفاهيمه حول ّ
ك ّل ما هو حوله seconds of 10 secondsVolume 0% 0 .سينتهي هذا اإلعالن خالل 9
أنواع الوعي:
الوعي العفوي :هو ممارسة األفراد ألنشطة ذهنية متعددة في الوقت ذاته.
الوعي التأملي :هو ممارسة نشاط ذهني يتطلب التركيز ومستوى من الذكاء.
الوعي الحدسي :هو وعي فجائي ال يمكن االستدالل عليه.
الوعي المعياري األخالقي :هو منظومة من المعايير األخالقية التي نصدر أحكامنا على ما
حولنا من خاللها ،فإما نقبلها أو نرفضها.
مفهوم الالوعي في الفلسفة ّ
إن الالوعي ’،أو العقل الباطن ،أو الالشعور يشير إلى ك ّل ما يشكل
شخصية األفراد دون إدراكهم ،وبعيدا عن تحكمهم ،فالالوعي مخزن لتجارب األفراد المترسبة
نتيجة للكبت والقمع ،مما أدى لبقاء هذا المخزون بعيداً عن الذاكرة في أماكن ال يدركها الفرد
بوعيه ،كما يعتبر الالوعي مخزنا ً للطاقة الجنسية والنفسية والعدوانية.
آراء فلسلفية حول الوعي والالوعي
أن الوعي وخاصة الوعي بالعالم الخارجي يرتبط بشكل أساسي أبرتراند راسل يؤكد راسل على ّ
باإلدراك الحسي ،فالوعي بالنسبة له يمثل ردود الفعل التي يكونها األفراد اتجاه البيئة ،وما يميز
أن الوعي مراحل متقطعة غير مستمرة ،فاإلنسان يبقى في راسل عن غيره من العلماء اعتقاده ّ
حالة الوعي طالما هو مستيقظ ،لينقطع هذا الوعي بمجرد دخوله في حالة النوم .استخدم راسل
مفهوم الوعي الذاتي للتعبير عن إدراك الفرد لذاته من خالل تكوين صورته عن ذاته وأفكاره
وعالقاته بالعالم الخارجي من حوله ،حيث يكون اإلنسان هذا الوعي من خالل التجربة،
واإلدراك الحسي بحسب راسل0 .
ابن رشد اتبع ابن رشد منهج أرسطو في آرائه حول مفهوم الوعي ،حيث اتبع منهج االستقراء
في فهم العالم الخارجي ،وكما هو الحال عند راسل فقد أكد ابن رشد على أهمية اإلدراك الحسي
أن راسل استخدم المنهج االستبطاني في دراساته. للعالم الخارجي لتكوين المعرفة ،والوعي إال ّ
سيجموند فرويد كان فرويد أول من أطلق مفهوم الالوعي على ك ّل التصورات والرغبات التي
يكبتها األفراد نتيجة لتعارضها مع المنظور األخالقي االجتماعي ،وأضاف في تفسيراته حول
أن الالوعي يعمل جاهداً حتى يصل إلى نقطة اإلدراك لدى األفراد بدءاً من الالوعي إلى ّ
األحالم ،ووصوالً إلى زالت اللسان ،أما الوعي فعلى عكس الالوعي يعبر عن إدراك الفرد
لتصرفاته ،وسلوكه ،وعملياته النفسية والعقلية.
العالقة بين الالوعي والوعي رغم التضاد بين الوعي والالوعي عند اإلنسان إال أنّهما مرتبطان
بشدة بحاجات اإلنسان وأحالمه وحاجاته ،فالوعي الذي يمثل الشعور واليقظة بالنسبة لإلنسان
ينفذ فعليا أحالم الالوعي المكبوتة لدى الفرد ،ويتم ذلك من خالل تحقيق األحالم ،واألهداف
التي نتمناها ونفكر بها دائما في الالوعي ،فتالحقنا في الوعي لتصبح حقيقة نعيشها ،وبغض
النظر عن األحداث والخبرات التي يكتسبها الفرد خالل ممارسته للحياة ،فهي مخزنة إما في
الوعي فيستخدمها بشكل يومي ،أو مخبأة في الالوعي فيستخرجها في حاالت معينة من خزائن
الذاكرة .تتناول الفلسفة مفهوم اإلفصاح عن الذات ،والذي يشير إلى ك ّل فعل ناتج عن الوعي
والالوعي لدى األفراد ،وهو ما يشمل األفكار والمشاعر ،والتطلعات ،واألهداف ،والمخاوف
واألحالم.
جيوليو تونوني ،الخبير في مجال الوعي اإلدراكي ،يتحدث ضمن فعاليات برنامج اإلثراء الشتوي للعام
.٢٠١٩الصورة بعدسة أندريا باخوفين-إخت.
خالل برنامج اإلثراء الشتوي للعام ٢٠١٩الذي أقيم في جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية(كاوست)،
ألقى البروفيسور جوليو تونوني ،الخبير البارز في مجال الوعي اإلدراكي ’،محاضرة عن فحص الوعي
اإلدراكي.
تلقى تونوني شهادته في الطب من جامعة بيزا اإليطالية ،حيث تخصص في الطب النفسي .وهو حاليا ً
أستاذ في الطب النفسي ،وأستاذ أول في علم الوعي اإلدراكي؛ وأستاذ كرسي ديفيد بي وايت في طب
النوم في جامعة ويسكونسن ماديسون؛ ومدير معهد ويسكونسن للنوم والوعي.
أشار تونوني إلى أن "لكل شخص فكرة مختلفة عن الوعي اإلدراكي ،وأنه من المهم تحديد ماهيته".
ي تجربة عموماً ،شبيهة بمشهد مأخوذ من فيلم سينمائي .يمكن
يأتي الوعي اإلدراكي كحصيلة تجارب ،أ ّ
أن تشمل رؤية شخص أو ألوان أو أشكال؛ أو سماع أصوات أو روائح نش ّمها؛ أو مشاعر نحسّها أو
أفكار تراودنا ،وغيرها .وكل تجربة مختلفة عن األخرى.
في محاضرته ضمن فعاليات برنامج اإلثراء الشتوي للعام ٢٠١٩يناقش جيوليو تونوني ،مدير معهد
ويسكونسن للنوم والوعي ،ماهية الوعي اإلدراكي ،من خالل البدء من التجربة نفسها وسؤال النظام
الفيزيائي الذي يفسر خصائصه .الصورة بعدسة أندريا باخوفين-إخت.
ومع ذلك ،فالوعي اإلدراكي ال يتمحور فقط حول المحيط .فنحن نصل إلى مستوى آخر من الوعي
اإلدراكي عندما نحلم وعندما نكون نائمين .عالوة على ذلك ،يُظهر األشخاص المصابون بالحالة
الخضرية بعض النشاط الدماغي في المناطق ذاتها لدى البشر العاديين عند طرح األسئلة عليهم.
يوضح تونوني" :يمكنهم أن يتخيلوا أنفسهم يلعبون التنس ،ويمكنهم تذ ّكر بعض الذكريات المعروفة".
كيف يمكننا تفسير الوعي اإلدراكي في ظ ّل هذه التجارب؟ يتّبع تونوني ،كعالم أعصاب ،مقاربة غير
اعتيادية في شرح الوعي اإلدراكي .فبدالً من البدء باستكشاف هياكل الدماغ لشرح الوعي ’،يبدأ تونوني
من الوعي نفسه ويسأل عن النظام الفيزيائي الذي يمكن أن يفسر خصائصه.
ووفقا ً لجيوليو تونوني ،الخبير في مجال الوعي اإلدراكي والمتحدث في برنامج اإلثراء الشتوي للعام
فإن هناك خمس مسلَّمات لفهم الوعي بشكل أفضل: ٢٠١٩في جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنيةّ ،
الوجود الجوهري ،والتكوين ،والمعلومات ،والتكامل ،واالستبعاد .الصورة بعدسة أندريا باخوفين-إخت.
تبدأ نظريته ،التي تس ّم ى نظرية المعلومات المتكاملة ،من الظواهر ،وليس من االرتباطات السلوكية أو
العصبية .هناك خمس بديهيات لفهم الوعي بشكل أفضل ،وهي" :الوجود الجوهري"" ،التكوين"،
"المعلومات"" ،التكامل"" ،االستبعاد".
ويشير "الوجود الجوهري" إلى وجود وعي إدراكي؛ ث ّمة تجربة شخص ما هنا وهي موجودة ،وهي
حقيقية ومستقلة عن المراقبين الخارجيين .فيما يعني "التكوين" أن الوعي منظم.
يقول تونوني":على سبيل المثال ،قد أميّز في تجرب ٍة ما كتاباً ،لونا ً أزرق ،كتابا ً أزرق ،الجانب األيسر،
كتابا ً أزرق على اليسار ،وهكذا".
و"المعلومات" تعني أن الوعي محدد .كل تجربة بذاتها هي طريقة فريدة من نوعها ،وبالتالي تختلف عن
التجارب الممكنة األخرى" .التكامل" يعني أن الوعي موحد .نحن نختبر المشهد بأكمله وجميع عناصره
ككل .وأخيراً ،فإن "االستبعاد" ،كما يوضح تونوني ،هو حقيقة أن "التجربة تحتوي على ما تحتويه في
اللحظة التي نختبرها فيها ،وقد ال نسجل بعض المعلومات السياقية ،لكن ذلك ال يجعل تلك التجربة
الفريدة أقل ثرا ًء".
أشار خبير الوعي اإلدراكي البروفيسور جيوليو تونوني خالل محاضرته الرئيسية في برنامج اإلثراء
الشتوي للعام ٢٠١٩إلى أن "المستقبل سيكون ذكيا ً للغاية لكن دون وعي على اإلطالق" .الصورة
بعدسة أندريا باخوفين-إخت.
ما تقترحه نظرية المعلومات المتكاملة هو أن الوعي مرتبط بمعلومات متكاملة يمكن تمثيلها بكمية
عال جداً
حسابية دقيقة تسمى ( Φفاي) .الجزء الذي يدعم الوعي اإلدراكي في دماغنا البشري لديه مقدار ٍ
ت معقدةً للغاية وذات مغزى .وتقول النظرية ،إن من الفاي ،وبالتالي فهو شديد الوعي ’،إذ ّ
أن لديه خبرا ٍ
األنظمة ذات المستوى المنخفض ،لديها قدر ضئيل من الوعي ،فهي تمتلك فقط تجارب بسيطة وبسيطة
للغاية .واألنظمة ذات المقدار الصفري من الفاي وليست واعية على اإلطالق.
ولكن ماذا عن الذكاء أو الذكاء االصطناعي؟ الشيء يمكنه أن يكون ذكيا ً للغاية ولكن ليس واعيا ً إدراكيا ً
على اإلطالق .فأجهزة الكمبيوتر التي تحاكي سلوكنا ليست واعية ،وأجهزة الكمبيوتر التي تحاكي سلوكنا
العصبي ليست واعية ،إنّها مجرد أدوات؛ فث ّمة تفكك مزدوج بين الوعي اإلدراكي والذكاء .ويختتم
وعي على اإلطالق". ٍ تونوني مشيراً إلى أن "المستقبل سيكون ذكيا ً للغاية ولكن دون
في مجال العلم والدراسة ،تجرى كثير من األبحاث المثيرة في الوقت الحالي ،ومن بينها سلسلة من
التجارب التي تهدف في نهاية المطاف إلى زيادة الوعي البشري ،بالمعنى الحرفي للكلمة.
ويوضح الكاتب أندرياس كلوث ،في تقرير نشرته وكالة بلومبرج لألنباء ،أن الهدف من هذه التجارب
هو فهم معنى "الوعي" بشكل دقيق وكذلك كيفية عمله ،والرد على تساؤالت مثل هل تمتلك الحيوانات
وعيا ،وهل يمكن أن يخسر اإلنسان الوعي ’،وما إذا كان من الممكن أن تكتسب اآلالت وعيا ذاتيا عبر
تقنيات الذكاء االصطناعي.
وتجرى التجارب الجديدة وفق منهج علمي يعرف باسم "التعاون بين أصحاب اآلراء المتناقضة" ،فالبشر
عادة تكون لديهم نظريات عديدة لتفسير األشياء المختلفة ،وبالطبع ال يمكن أن تكون جميع هذه النظريات
صائبة .ولكن كثيرا من النظريات تعيش وتستمر إلى أجل غير مسمى داخل ما يعرف باسم "الصوامع
الفكرية" ،ومن هنا قد يكون الحل هو دعوة أصحاب األفكار المتناقضة للتعرف على نقاط االختالف
بينهم واخضاعها للدراسة ،وهو ما قد يسمح للباحثين بتحديد النظريات الخاطئة ،وبالتالي تحقيق نوع من
التقدم العلمي.
وتريد مؤسسة "تمبلتون العالمية لألعمال الخيرية" الرد على بعض من أهم األسئلة الي تشغل العقل،
والسيما تلك التي تقع في دائرة العلم والروحانيات في آن واحد ،ومن بين هذه األسئلة مفهوم الوعي الذي
حير البشرية وأثار دهشتها لسنوات طويلة ،ولعل أشهر من تطرق إلى هذه الفكرة الفيلسوف الفرنسي
رينيه ديكارت صاحب عبارة "أنا أفكر ..إذن أنا موجود".
ويتساءل كلوث قائال" :لماذا يمتلك البشر وعيا في المعتاد؟ وما الذي يحدث عندما نفقد هذا الوعي ’،في
حاالت الغيبوبة أو النوم العميق على سبيل المثال أو أثناء السكتات الدماغية أو عند التخدير؟ لماذا ال
تؤدي إصابة المخيخ الذي يحتوي على 69مليار من بين 86مليار خلية عصبية داخل المخ إلى فقدان
الوعي ،في حين أن تلف جزء آخر من المخ قد يتسبب في غياب الوعي؟".
ويطرح كلوث مزيدا من األسئلة بشأن الوعي ،فيتساءل هل يمتلك األجنة أو المواليد وعيا ،وهل القردة
أو النحل أو ذباب الفاكهة لديها وعي ،وأخيرا ماذا عن اآلالت التي نصنعها أو المعادالت الخوارزمية
التي نبتكرها وتستطيع أن تهزمنا في لعبة الشطرنج أو توجه السيارات ذاتية القيادة ،هل من الممكن أن
تمتلك وعيا يوما ما؟
ويقول الباحث الجنوب افريقي داويد بوتجيتر الذي يدير مشروع مؤسسة تمبلتون إن فريقه البحثي نجح
في تحديد مجموعة من النظريات القابلة للتصديق بشأن الوعي ،ثم جمع هذه النظريات في صورة
ثنائيات بحيث يمكن من خالل التجارب دحض نظرية واثبات االخرى المقابلة لها .ويجري تنفيذ هذا
النهج البحثي حاليا في ستة مختبرات تنتشر ما بين أوروبا والواليات المتحدة والصين ،ويقوم كل مختبر
بتكرار نفس التجارب على المشاركين من أجل تالفي احتماالت الخطأ ،أما النظريتان قيد الدراسة فهما
"نظرية مساحة العمل العالمية" التي يؤيدها الباحث ستانيسالس ديهاني من الكلية الفرنسية في باريس،
واألخرى هي "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها جوليو تونوني من جامعة ويسكونسن
األمريكية.
وتشرح الباحثة لوسيا ميلوني من معهد ماكس بالنك البحثي في مدينة فرانكفورت األلمانية نظرية
"مساحة العمل العالمية" قائلة" :تخيل لو أن نظامك العصبي يجلس في مسرح كبير ،وجميع الخاليا
العصبية تقبع في الظالم تتهامس وتتجاذب الحديث ،ولكنها ليست واعية ألي شيء ،ثم فجأة يصعد
شخص ما على خشبة المسرح ثم تضاء جميع األنوار ،وهذا الشخص هو "مساحة العمل" الذي يجذب
انتباه الخاليا العصبية ويوجه لها رسالة معينة ،فالشعور الذي يعتمل في النفس عند تلقي هذه الرسالة هو
الوعي.
أما "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها تونوني ،فهي ال تنظر إلى الوعي كما لو كان رسالة ،بل
باعتباره شبكة معقدة من العالقات السببية ،ويشرح تونوني فكرته قائال إن شبكة الخاليا العصبية هي مثل
خريطة ثنائية األبعاد لمدينة ما ،ولكن من أجل أن يتلمس االنسان هذه المدينة ويدركها بشكل فعلي ،فالبد
أن تتكامل جميع هذه الخاليا العصبية لتأخذ شكال ثالثي األبعاد ،وأن تترك كل خلية تأثيرها على الخاليا
األخرى ،ومن هنا يأتي الشعور بالوعي.
ويختلف كل من تونوني وديهاني أيضا فيما يتعلق أيضا بالجزء المسؤول عن الوعي داخل مخ االنسان،
حيث يرى ديهاني أن القشرة الجبهية هي المسؤولة عن معظم هذا النشاط ،في حين يعتقد تونوني أن
الجزء الخلفي من المخ هو الذي ينشط عند القيام بهذا العمل الذهني ،ومن هنا البد أن تكون إحدى
النظريتين صحيحة واألخرى خطأ.
ويؤكد الباحثون أن التنافس بين النظريات العلمية يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة واالستقامة العلمية ،فال
أحد يريد أن يكتشف أن رحلته البحثية كانت بال طائل ،ولكن الشيء االسوأ بالقطع هو أن يستمر الباحث
في الخطأ ،وبالتالي فإن التعاون بين أصحاب اآلراء المتناقضة يعتبر وسيلة رائعة لتركيز الذهن.
وتبدي ميلوني اعجابها من مساعي كل من الفريقين لفهم نظرية الفريق اآلخر من أجل تحديد نقاط
االتفاق معها ،وتقول" :البد أن تكون أمينا تماما مع ما يقوله الطرف اآلخر ..فال يمكن أن تقبع داخل
فقاعتك ،والبد أن تنصت باهتمام حقيقي ،وينبغي أن تكون لديك رغبة في االعتراف بالحقيقة في نهاية
المطاف" .وهو ما يبدو كتدريب جدير بالتعميم في شتى مناحي الحياة ،بما في ذلك في معترك السياسة.
عالقة الوعي الذاتي بالتنظيم الذاتي في علم النفس االجتماعي االختالفات الفردية في الوعي الذاتي في
علم النفس االجتماعي التالعب في مفهوم الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي كل شخص منا لديه
مساحة كبيرة يستطيع من خاللها التركيز في أمور الحياة بشكل واعي وتلقائي ،بأفكار ومهارات شعورية
وأكثر إحساس لما حولنا من محسوسات شخصية وبيئية ،وهذا يدور ضمن الوعي بالذات.
غالبًا ما يتم تعريف الوعي الذاتي من حيث القدرة على االنخراط في الوعي التأملي ،حيث أنه وفقًا
لمعظم المنظرين يتطلب هذا أنواعًا معينة من القدرات المعرفية للشخص ،حتى في أكثر أشكاله بدائية أي
التعرف البصري على الذات والقدرة على التعرف على الذات في المرآة ،يبدو أن الوعي الذاتي يقتصر
على مجموعة فرعية صغيرة من قدرات األفراد ،فقد ال تكون هذه القدرة موجودة عند الوالدة وتبدأ في
الظهور فقط في عمر 12إلى 18شهرًا.
عالقة الوعي الذاتي بالتنظيم الذاتي في علم النفس االجتماعي
باإلضافة إلى القدرة على إدراك الذات بشكل انعكاسي غالبًا ما يرتبط الوعي الذاتي بالعمليات التنفيذية
الضرورية للتنظيم الذاتي ،وبالتالي غالبًا ما يُنظر إلى الفرد الواعي بذاته على أنه أكثر تحك ًما وتعمدًا في
أفعاله ،ففي علم النفس االجتماعي غالبًا ما يرتبط الوعي الذاتي بنظرية الوعي الذاتي الموضوعي من
قبل شيلي دوفال وروبرت ويكلوند ،ووفقًا لهذه النظرية تؤدي اإلشارات الظرفية التي تذكر األفراد
بأنفسهم مثل المرايا وكاميرات الفيديو إلى تركيز االنتباه على الذات وبعيدًا عن البيئة .والنتيجة هي
حالة وعي ذاتي يُقترح فيها على األفراد مقارنة ذواتهم الحالية بمعايير ذاتية مثالية؛ ألن الذات الحالية أو
الفعلية عادة ما تكون غير موجودة عند مقارنتها بهذه المعايير ،بالتالي اقترح دوفال وويكلوند أن الوعي
الذاتي يخلق رد فعل عاطفي سلبي ،وهذا التأثير السلبي يحفز الفرد إما تنظيم السلوك اإلنساني فيما يتعلق
بالمعيار في محاولة لتقليل التناقض ،أو تجنب حالة الوعي الذاتي .على الرغم من أن هذه النظرية قد
أسفرت عن قدر كبير من األبحاث لدعم مبادئها األساسية ،إال أن العديد من الباحثين الحظوا أن
المحفزات المحفزة للوعي الذاتي غالبًا ما تحفز التنظيم الذاتي دون إحداث النقد الذاتي والتأثير السلبي،
حيث اقترح تشارلز كارفر ومايكل شيير نظرية بديلة للوعي الذاتي احتفظت ببعض ميزات نموذج دوفال
وويكلوند على سبيل المثال االهتمام المر ّك ز على الذات ،لكنهم جادلوا بأن مقارنة الذات الحالية بالمعيار
المثالي هي نفسها كافية لتحفيز السلوك اإلنساني دون إحداث تأثير سلبي .كان نموذجهم للوعي الذاتي
مستوحى من نماذج سلوك إلكترونية أخرى ،اقترح جاي جي هال وآالن ليفي خرو ًجا أكثر جذرية عن
نموذج دوفال ويكلوند األصلي ،ووفقا ً لهال وليفي تعمل المحفزات المحفزة للوعي الذاتي بشكل أساسي
كأعداد أولية رمزية ذاتية تنشط معرفة الذات وتؤدي إلى معالجة الفرد للمواقف على أنها ذات صلة
شخصية ،ويتبع السلوك كنتيجة للتركيز على الجوانب ذات الصلة بالذات للبيئة بدالً من التركيز على
الذات وتقييم الذات .االختالفات الفردية في الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي على الرغم من أن
علماء النفس االجتماعي يهتمون عادة بالوعي الذاتي الذي يتم التالعب به ظاهريًا ،إال أن الباحثين في
مجال الشخصية يهتمون باالختالفات الفردية في الميل إلى أن يصبحوا مدركين لذواتهم ،ولقياس هذه
االختالفات ابتكر آالن فينيجشتاين ومايكل شير وأرنولد بوس مقياس الوعي بالذات ،حيث يحتوي
مخزون الشخصية هذا على ثالثة مستويات فرعية تتمثل في الوعي الذاتي الخاص ،والوعي الذاتي العام
والقلق االجتماعي .يركز الوعي الذاتي الخاص على التجربة الداخلية للوعي الذاتي ،ويتم قياسه من
خالل عناصر مثل أحاول دائ ًما اكتشاف نفسي ،وأفكر في نفسي كثي ًرا ،وأنا متيقظ للتغيرات في مزاجي،
بينما يركز الوعي الذاتي العام على دوافع التقديم الذاتي المرتبطة أحيانًا بالوعي الذاتي ويتم قياسه
بعناصر مثل أنا قلق بشأن الطريقة التي أقدم بها نفسي ،وأنا قلق بشأن ما يعتقده اآلخرون عني ،ويركز
القلق االجتماعي على المشاعر السلبية التي ترتبط أحيانًا بكونها محور اهتمام اآلخرين ويتم قياسه
بعناصر مثل أشعر بالحرج بسهولة شديدة .على الرغم من أن المقياس الفرعي للقلق االجتماعي يلتقط
الفهم العامي لما يعنيه أن يكون المرء واعيا ً بذاته ،إال أن مقاييس الوعي الذاتي الخاصة والعامة تقيِّم
الفروق الفردية في العمليات النفسية التي يُفترض غالبًا أنها مرتبطة بحالة الوعي الذاتي .بالنظر إلى أن
كالً من مقاييس الوعي الذاتي العامة والخاصة تركز على الذات ،فليس من المستغرب أنها تميل إلى أن
تكون مترابطة بشكل متواضع ،وبالمثل يميل كل من الوعي الذاتي العام والقلق االجتماعي إلى االرتباط
بشكل متواضع ،وال يميل الوعي الذاتي الخاص إلى االرتباط بالقلق االجتماعي ،وفي اآلونة األخيرة
جادل بعض الباحثين بأن الوعي الذاتي الخاص مرتبط بحد ذاته بمكونين فرعيين وهما وعي الحالة
الداخلية الذي يتميز بعناصر مثل أنا متيقظ للتغيرات في مزاجي ،واالنعكاس الذي يتميز بعناصر مثل أنا
أفكر في نفسي قطعة أرض .فيما يتعلق باالختالفات الفردية في التنظيم الذاتي غالبًا ما تتم مقارنة
مكونات مقياس الوعي الذاتي بمكونات مقياس المراقبة الذاتية الذي قدمه مارك سنايدر ،فاألفراد الذين
يتمتعون بدرجة عالية من المراقبة الذاتية يتم تحفيزهم من خالل مخاوف التقديم الذاتي ،في حين أن
األفراد المنخفضين في المراقبة الذاتية يتم تحفيزهم من خالل المخاوف الشخصية .ربما تكون أفضل
طريقة للتفكير في عالقة هذه االختالفات الفردية هي أن المراقبين الذاتيين العاليين هم على حد سواء
مرتفع في الوعي الذاتي العام ومنخفض في الوعي الذاتي الخاص ،على العكس من ذلك فإن المراقبين
الذاتيين المنخفضين هم منخفضون في الوعي الذاتي العام وعالي الوعي الذاتي الخاص .غالبًا ما ُوجد
أن تأثيرات الفروق الفردية في الوعي الذاتي الخاص توازي تأثيرات التالعب الظرفية للوعي الذاتي
على سبيل المثال وجود أو عدم وجود مرآة ،وبالمثل غالبًا ما تم العثور على تأثيرات الفروق الفردية في
الوعي الذاتي العام لتوازي تأثيرات التالعب الظرفية التي تذكر الفرد بمظهره لآلخرين على سبيل المثال
كاميرات الفيديو ،نتيجة لذلك غالبًا ما يميز الباحثين بين التالعب الظرفي للوعي الذاتي الخاص والعام
على نفس المنوال الذي يميزون فيه الفروق الفردية للوعي الذاتي الخاص والعام .التالعب في مفهوم
الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي أثبتت األبحاث بانتظام أن كال من التالعب بالوعي الذاتي
واالختالفات الفردية في الوعي الذاتي يرتبطان بزيادة التنظيم الذاتي ،ارتبطت التالعب بالوعي الذاتي
الخاص واالختالفات الفردية في الوعي الذاتي الخاص بزيادة اتساق السلوك اإلنساني وزيادة التفاعل
العاطفي تجاه ردود الفعل على النجاح والفشل وزيادة التنظيم الذاتي فيما يتعلق بمعايير السلوك المناسب،
على سبيل المثال زيادة المساعدة عندما يتم تعريف المساعدة على أنها مناسبة ظرفية ،وانخفاض العدوان
عندما يتم تعريف العدوان على أنه غير مناسب من الناحية الظرفية .ارتبط التالعب بالوعي الذاتي
العام واالختالفات الفردية في الوعي العام بالذات بزيادة عرض الذات وإدارة االنطباع ،على سبيل
المثال يُظهر األفراد ذوو الوعي الذاتي العام تركي ًزا أكبر على الهويات االجتماعية بدالً من الشخصية،
واهتما ًما بصورة الجسم مثل وزن الجسم والمالبس ،واهتما ًما متزايدًا بمنظور اآلخرين .على الرغم
من أن هذا التركيز على مخاوف العرض الذاتي يمكن أن يكون مفيدًا في الحصول على موافقة اآلخرين،
ض ا إلى استراتيجيات إدارة االنطباع المدمر للذات إلى حد ما مثل زيادة اإلعاقة إال أنه يمكن أن يؤدي أي ً
الذاتية وحتى جنون العظمة فيما يتعلق بنوايا اآلخرين.
يعتقد بعض العلماء أن ميكانيكا الكم يمكنها تفسير عملية اتخاذ القرار عند البشر!
إن المجال األساسي ذاته الذي سمح لقطة شرودنجر بأن تكون حية وميتة في ذات الوقت ،وم ّكن جسيمين
مختلفين من التواصل عبر المسافات بين المجرات ،بإمكانه أن يساعد على تفسير أكثر الظواهر
ضا :السلوك البشري.
غمو ً
قد يبدو كل من الفيزياء الك ِّم ية وعلم النفس البشري غير مرتبطين على االطالق ،لكن يعتقد بعض العلماء
أن المجالين يتداخالن تداخاًل مثي ًرا لالهتمام .يحاول ِكال التخصصين توقع مسار سلوك األنظمة غير
المتوقَّعة في المستقبل .الفرق هو أن أحدهما يحاول فهم الطبيعية األساسية للجسيمات الفيزيائية ،في حين
يحاول األخر تفسير طبيعة اإلنسان ،إلى جانب المغالطات المتأصلة فيه.
قال زياشو زانغ ،Xiaochu Zhangعالم الفيزياء الحيوية وعالم األعصاب من جامعة العلوم
والتكنولوجيا الصينية« :وجد علماء اإلدراك العديد من السلوكيات البشرية غير المنطقية» .حاولت
نظريات اتخاذ القرار الكالسيكية توقع أي قرار قد يتخذه شخص ما ضمن معايير محددة ،لكن البشر غير
المعصومين ال يتصرفون دو ًما وفق المتوقَّع .تقترح األبحاث الحديثة أنه« :يمكن تفسير هذه الهفوات
منطقيًّا بواسطة نظرية االحتمال الك ِّمي ،»quantum probability theoryوفق قول زانغ.
كان زانغ من مؤيدي نظرية الوعي الك ِّمي .quantum cognitionفي دراسة جديدة نُشرت في 20
يناير 2020في صحيفة (طبيعة السلوك البشري) ،درس زانغ وفريقه كيف أن المفاهيم الجديدة ال ُمست َّمدة
من ميكانيكا الكم يمكنها مساعدة علماء النفس على توقع قرارات البشر بدرجة أفضل.
راقب الفريق نشاط الدماغ لدى المشاركين في أثناء تسجيل القرارات التي اتخذوها في إحدى اختبارات
علم النفس المعروفة جيدًا .سلطت هذه الدراسة الضوء على مناطق معينة من الدماغ يُعتقد أنها تشارك
في عمليات فكرية شبه َك ِّمية.
قال زانغ إن هذه الدراسة هي األولى من نوعها لدعم فكرة الوعي الك ِّمي عصبيًّا.
تصف ميكانيكا الكم سلوك الجسيمات الدقيقة التي تصنع كل المواد في الكون ،أي الذرات وعناصرها
دون الذرية .تقترح إحدى األفكار الرئيسية وجود قدر كبير من عدم اليقين في هذا العالم متناهي الصغر،
وهو شيء ال يُرى على مستويات أكبر ،مثاًل يستطيع أي شخص في العالم الكبير أن يعلم أين هو القطار
في رحلته ومدى السرعة التي ينطلق بها ،ومن ثم يستطيع توقع توقيت وصول القطار إلى وجهته التالية.
واآلن دعونا نستبدل بالقطار إلكترونًا ،سنجد حينها أن قدرتك على التوقع قد انمحت ،إذ ال يمكنك معرفة
الموقع الصحيح إللكترون محدد أو القوة الدافعة له ،لكن يمكنك حساب احتمالية أن يظهر الجسيم في
نقطة محددة ،إذا كان يسير في نسق محدد ،وستحصل بذلك على فكرة مبهمة حول ما قد يصبح عليه هذا
اإللكترون.
ضا في عملية صنع القرار البشري، إن مبدأ عدم اليقين الذي هو من أسس العالم دون الذري ،قد يتدخل أي ً
مثلما يحدث عندما نختار مسلساًل جديدًا لنشاهده معًا أو نُدلي بأصواتنا في االنتخابات الرئاسية ،هنا تؤدي
ميكانيكا الكم دورها .وعلى عكس النظريات الكالسيكية حول صناعة القرار ،يحوي العالم الك ِّمي مجااًل
واسعًا من درجات عدم اليقين.
تستند نظريات علم النفس الكالسيكي إلى فكرة أن البشر يصنعون قراراتهم بغية الحصول على أكبر قدر
من المكاسب وأقل قدر من العقاب ،بعبارة أخرى :لضمان أن يحصلوا نتيجة أعمالهم على عوائد إيجابية
أكثر وعواقب سلبية أقل.
إذا كان البشر مقيدين فعاًل بهذا اإلطار ،فسيكون عليهم تقييم أي خيارين موضوعيًّا قبل اختيار أحدهما.
لكن البشر ال يعملون دائ ًم ا بهذا األسلوب في العالم الواقعي ،إذ تعطل مشاعرهم الذاتية حول موقف ما
قدرتهم على اتخاذ قرارات موضوعية.
تخيل مثاًل أنك تراهن على عملة نقدية مقذوفة في الهواء إن كانت ستستقر على الصورة أم النقش.
ستكسب 200دوالر إذا استقرت على الصورة أو ستدفع 100دوالر إذا استقرت على النقش ،ويمكنك
اختيار رمي العملة النقدية مرتين .حين نجد أنفسنا في هذا السيناريو ،فإن أكثر الناس سيختارون أن
يجربوا الرهان مرتين سوا ًء كانت الرمية األولى رابحة أم خاسرة ،وذلك استنادًا إلى دراسة نُشرت سنة
1992في صحيفة علم النفس المعرفي .يراهن الفائزون مرةً ثانية ألنهم يتمنون الفوز في كل مرة ،في
حين يراهن الخاسرون مرةً ثانية في محاولة لتعويض خسارتهم .لكن إن لم يُسمح لالعبين برؤية نتيجة
الرمية األولى ،فلن يختاروا غالبًا أن يراهنوا ثانيةً.
ما هو الوعي الكمومي؟ نظرية فيزيائية يمكنها التنبؤ بسلوك اإلنسان -يعتقد بعض العلماء أن ميكانيكا
الكم يمكنها تفسير عملية اتخاذ القرار عند البشر!
عند معرفة النتيجة فإن الجولة األولى ال تؤثر على خيار الالعب ،أما عند عدم معرفة النتيجة فإن هذا
يُحدث فرقًا كبي ًر ا .تتعارض هذه المفارقة مع التعليم المعزز الكالسيكي الذي يتوقع أن الخيارات
الموضوعية ينبغي أن تكون متماثلة دو ًم ا .وعلى النقيض تأخذ ميكانيكا الكم عدم اليقين بعين االعتبار،
وتتوقع هذه النتائج الشاذة.
قال إيمانويل هافن وأندري كيرنيكوف ،مؤلفا كتاب علم الكم االجتماعي Quantum Social
« :Scienceيمكن القول أن نموذج صناعة القرار المبني على الكم يشير أساسًا إلى استخدام االحتمال
الك ِّمي في مجال الوعي».
تفترض ميكانيكا الكم أن الرمية األولى للعملة النقدية يمكن أن ينتج عنها صورة ونقش في ذات الوقت
(خسارة وربح معًا) ،تما ًم ا مثلما قد يكون اإللكترون في مكانين مختلفين في نفس الوقت (ومثلما كانت
قطة شرودنجر حية وميتة في نفس الوقت).
عندما نجد أنفسنا في هذه الحالة الغامضة ،المعروف باسم التراكب ،superpositionيكون الخيار
الثاني غير معروف وغير قابل للتوقع .تعترف ميكانيكا الكم بأن معتقدات الناس حول نتيجة قرار محدد -
سواء كان هذا القرار جيدًا أم سيًئا -تعكس أحيانًا ما سوف يكونه خيارهم األخير .تتفاعل معتقدات الناس
مع بعضها بهذه الطريقة ،أو تصبح متشابكةً entangledمع تصرفهم األخير.
بإمكان الجسيمات دون الذرية كذلك أن تصبح متشابكةً وأن يؤثر كل منها في سلوك اآلخر ،حتى حين
تكون متباعدةً عن بعضها بمسافات هائلة .مثاًل قد يغير قياس إلكترون موجود في اليابان سلوك
اإللكترون المتشابك معه في الواليات المتحدة .يوجد تماثل جزئي في علم النفس بين المعتقدات والسلوك.
يقول هافن وكيرنيكوف« :إن هذا التفاعل بالتحديد ،أو حالة التشابك ،هو ما يؤثر على نتيجة القياس».
تشير نتيجة القياس في هذه الحالة إلى القرار النهائي الذي يتخذه الفرد ،ويمكن صياغة هذه الفكرة بدقة
بمساعدة االحتمال الك ِّمي .quantum probability
استطاع العلماء صياغة حالة التشابك رياضيًّا (إذ يؤثر كل من الجسيمين في اآلخر وإن كانت تفصلهما
مسافة شاسعة)ُ .شرح ذلك في تقرير نُشر سنة ،2007وبدرجة ملحوظة تتنبأ الصيغة األخيرة بدقة
بالنتيجة المتناقضة لمفارقة رمي العملة النقدية« :باإلمكان تفسير الهفوات المنطقية تفسيرًا أفضل من
طريق استخدام منهج يستند إلى الكم» ،وفق مالحظة هافن وكيرنيكوف.
قارن زانغ وزمالؤه في دراستهم بين نموذجين لصناعة القرار يستندان إلى الكم وبين 12نموذجًا في
علم النفس الكالسيكي ’،لتحديد أي منها يستطيع توقع سلوك اإلنسان في اختبارات نفسية مختلفة .صُممت
النظرية التي عُرفت باسم اختبار Lowa Gamblingلتقييم إمكانية تعلم الناس من أخطائهم وضبط
استراتيجية صناعة القرار مع الوقت.
في ذلك االختبار ،سحب المشاركون ورقًا من 4مجموعات مختلفة .تعطي كل بطاقة المشارك مبل ًغا من
المال أو تكلفه مبل ًغ ا من المال ،والهدف من اللعبة هو أن تكسب المال بأكبر قدر ممكن .تكمن الفكرة في
كيفية تجميع كل مجموعة من الورق.
يعطي السحب من إحدى المجموعات المشارك قدرًا كبي ًرا من المال في البداية ،لكنه يكلفه المزيد من
المال عند نهاية اللعبة .تُعطي مجموعات أخرى مقدارًا ضئياًل من المال في وقت قصير ،لكن يترتب
عليها غرامات أقل عمو ًم ا .تعلم الرابحون مع استمرار اللعبة أن يسحبوا من المجموعات التي تعطيهم
أموااًل أقل لكنها مضمونة ،في حين سحب الخاسرون من المجموعات التي تكسبهم أموااًل بسرعة
ويترتب عليها غرامات باهظة.
تاريخيًّا ،كان المقامرون ومدمنو المخدرات ومرضى تلف الدماغ يسجلون في اختبار Lowa
Gamblingنتائج أسوأ من المشاركين األصحاء ،ما قد يعني ضعف قدرات صناعة القرار لديهم،
وجاء ذلك في دراسة نُشرت سنة 2014في صحيفة علم نفس األعصاب المطبّق .وتطابق ذلك مع نتائج
تجربة زانغ ،التي ض َّمت 60مشار ًكا بصحة جيدة و 40مشار ًكا مدمنًا على النيكوتين.
الحظ مؤلفو الدراسة أن النموذجين الكميين يقدمان توقعات أدق مما تقدمه النماذج الكالسيكية .وأضافوا:
«مع أن النماذج الك ِّم ية ال تتفوق على نحو ساحق على النماذج الكالسيكية ،ينبغي أن ندرك أن إطار
التعليم الك ِّمي المعزز ما زال في طور التكوين ،ويتطلب دراسات إضافية دون أدنى شك».
أخذ الفريق صور مسح الدماغ لكل مشارك أنهى االختبار لتقييم الدراسة .حاول الفريق بهذا إلقاء نظرة
على ما كان يجري داخل أدمغتهم عندما كانوا يتعلمون ويضبطون استراتيجية ممارسة اللعب مع الوقت.
توقعت نتائج النموذج الك ِّم ي اكتشاف عملية التعلم ،وتوقع الباحثون نشاط مناطق معينة من الدماغ قد
ترتبط بطريقة ما بتوقعات النماذج.
أظهر المسح نشاط عدة مناطق من الدماغ لدى المشاركين األصحاء في أثناء اللعبة ،من ضمنها عدة
ثنيات في الفص الجبهي من المعروف أنها تشترك في عملية صناعة القرار.
أما في مجموعة المدخنين ،فال يرتبط أي من المناطق النشطة في الدماغ بتوقعات النموذج الك ِّمي .استنتج
المؤلفون أن ذلك قد يعني أن النموذج قد توقع قدرات المشاركين األصحاء على التعلم من األخطاء ،في
حين أوضح االعتالل في صناعة القرار عند مجموعة المدخنين.
في كل األحوال ،توجد دراسات أخرى تستطيع تحديد ما تعكسه هذه االختالفات في أنشطة الدماغ لدى
المدخنين وغير المدخنين ،ويضيف هافن وكيرنيكوف« :إن اقتران النماذج شبه الك ِّمية مع العمليات
العصبية النفسية في الدماغ هو إشكال ُمعقد ج ًّدا .إن هذه الدراسة ذات أهمية قصوى باعتبارها الخطوة
األولى نحو حل ذلك اإلشكال».
أظهرت نماذج التعليم المعزز الكالسيكي نجاحًا باه ًرا في دراسات المشاعر واالضطرابات النفسية
والسلوك االجتماعي واإلرادة الحرة والكثير من الوظائف اإلدراكية ،وفق قول زانغ« :نأمل أن يسلط
ضا على هذه المجاالت ،معطيًا رؤى فريدة».
التعلم المعزز الك ِّمي الضوء أي ً
ربما تساعد ميكانيكا الكم مع الوقت على تفسير الخلل المنتشر في المنطق البشري ،إضافةً إلى تفسير
كيفية ظهور هذه الثغرات على مستوى الخاليا العصبية الفردية.
نقـد الوعــي
الوعي هو صوت داخلي يدفعنا إلى مقاربة األمر والشعور به وبوجوده وفهمه على نحو ما ،وهو وجدان
األمر الدال على حقيقته أو على وجه أو أوجه من حقيقته ،وهو االنتباه وفعل اإلدراك وحصيلة نظر
العقل في األفكار والمعاني والمفاهيم ،التي ينتجها اإلنسان في معاناته واختباراته ،وهو الموجود لذاته،
هو المعرفة التي هي فعل حصول الذات ووعيها لذاتها وإدراكها اآلخر .الوعي هو عالقة الذات بذاتها،
ومعرفتها لها ،من خالل قراءتها بعيداً عن األوهام ،قراءة تؤدي إلى وعيها ذاتها وعيا ً معرفيّا ً من دون
أن يكون ذلك مجرد تصور أو رسم تصويري للحقيقة ،على نحو ثبوتي يقيني ،باعتبارها الواقع عينه
الوجود في مثلما جوهره ،إذ للحقيقة التي ندركها أو نقبلها مستويات عديدة من الوجود منها- :
معان عديدة أيضا ً وبالتالي فهو
ٍ العبارة ،يبتدى في الكالم ومن خالل اللسان ،وهذا النوع من الوجود له
متعدد الدالالت.
الوجود في الذهن ،كيف ندرك ونفهم ما نسمع وما نرى وما نحس ،وكيف نفسّر ونحلل ،وكذلك -
فإن هذا الوجود يأخذ أبعاداً عديدة.
ّ
الوجود في األعيان على مستوى الوجود العيني والمادي .وتعلق تلك المستويات بعضها ببعض -
وهي شرط وجود ذاتها .والوجود في العبارة ناتج من رؤية مباشرة أحيانا ً أو قبول ،أدى إلى انطباع في
أن االنطباع ناتج من رؤية مباشرة أو قبول يُعبّر عنه باللفظ والتعبير، الذهن ،ورسم تصور ومثلما ّ
فالرؤية المباشرة تُنتج االنطباع وبالتالي العبارة ،وهكذا يتولد شرط وجود األ ّول وجود الثاني والثالث
فإن شرط وجود الثالث هو وجود األوّل والثاني. مثلما أن شرط وجود الثاني وجود األ ّول والثالث وهكذا ّ
إن الحديث عن الوعي هو حديث عن الفحص والنظر والتفسير والجدال والتأويل والتحليل والمعرفة ّ
والفهم وخلع الدالالت ورسم االنطباعات ،وممارسة الذات ،واالنفتاح على العالقة بالكون وعناصره،
ونسج العالقة بالوجود التي تتحقق من خاللها ذات اإلنسان بأنماط وإيقاعات مختلفة .فالمر ُء يُقيِّم عالقته
بذاته عبر جسده ورغباته وعبر معرفته وعمله وسلوكه وما يحتاج إليه وما يريد وعبر النظر إلى السلطة
إن الوعيومعاييرها وأدواتها ...إلخ ،بمعنى آخر عبر تمفصل ذاته مع محيطها .لذا يمكن الحديث والقول ّ
هو وعي فردي ووعي جماعي:
-1الوعي الفردي :هو تعلم قواعد جديدة في التفكير وانفتاح العقل على آفاق ،والوقوف على معا ٍن لم
يقف عندها من قبل ،إنّه وعي بذاته مغاير لما كان يعرفه المرء سابقاً.
- 2الوعي الجمعي :هو الرأي العام المشترك بين أفراد الجماعة ،هو النسق االعتقادي والشعوري
المتعيّن اجتماعياً ،المتولّد من تجربة الناس وعيشهم وتبادلهم المصالح والمنافع وتقديرها والتحرك
تجاهها ،لغويا ً أو تنظيمياً ،ولو بعد حين (مثال ثورة مصر على حسني مبارك في األسبوع األخير من
كانون الثاني 2011م .وقبلها ثورة تونس على زين العابدين بن علي في النصف األوّل من كانون الثاني
2011م) .ما الرأي العام؟ الرأي العام موجود مجهول ،يؤسس ويتولّد مع الخبر والحدث الذي ينتشر
ذكره بين الناس ،لكنه ال يُعلم وال يُعرف إال بالمبادرة إلى مراقبته وقياسه من خالل استطالع للرأي أو
استفتاء أو انتخابات أو تحرك مباشر لمجموع الناس مثل التظاهر واالعتصام ...إلخ .مثال ثورة اليمن
على الرئيس علي عبدهللا صالح ،أو االحتجاج في إيرلندا منتصف أيار 2011على زيارة ملكة بريطانيا
إليها .يؤسس الرأي العام أو الرأي الجمعي ،اعتباراً على الحدث أو الواقعة ،وتأسيسه ال يحصل بقرار
يتخذ وال يتم بفعل عمل منظم ،إنما هو فعل استيالد ذاتي ،يتك ّون عند الجماعة في عملية تفاعل تخاطرية
بين أفراد المجتمع الواحد ،وهو فعل المعرفة الجماعية والوعي واإلدراك الجماعي .يولد الرأي العام في
الالوعي الجمعي للجماعة ،بشكل اتجاهات تسيطر عليه ،إزاء مشكلة ما ،وسط جمهور تربط بين
أعضائه مصالح مشتركة ،من خالل حالة من التخاطر تنتج من مؤثرات عديدة أهمها ثالثة هي:
الوعي الجمعي (أحيانا الضمير الجماعي أو الوعي) هو مفهوم اجتماعي أساسي يشير إلى مجموعة من
المعتقدات واألفكار والمواقف والمعارف المشتركة بين مجموعة اجتماعية أو مجتمع .الوعي الجماعي
يعلم شعورنا باالنتماء والهوية وسلوكنا .طور عالم االجتماع المؤسس إميل دوركهايم هذا المفهوم لشرح
كيفية ارتباط األفراد الفريدين ببعضهم البعض في وحدات جماعية مثل المجموعات االجتماعية
والمجتمعات.
ما الذي يجمع المجتمع معا؟ كان هذا هو السؤال المركزي الذي كان يشغل دوركهايم عندما كتب عن
المجتمعات الصناعية الجديدة في القرن التاسع عشر .من خالل دراسة العادات الموثقة ،والعادات ،
والمعتقدات في المجتمعات التقليدية والبدائية ،ومقارنتها مع ما رآه حوله في حياته الخاصة ،وضع
دوركهايم بعض أهم النظريات في علم االجتماع .وخلص إلى أن المجتمع موجود ألن األفراد الفريدين
يشعرون بالتضامن مع بعضهم البعض .هذا هو السبب في أننا يمكن أن تشكل التجمعات والعمل معا
لتحقيق المجتمعات المجتمعية والوظيفية .إن الوعي الجماعي ،أو الضمير الجماعي كما كتبه بالفرنسية ،
هو مصدر هذا التضامن.
قدم دوركهايم ألول مرة نظريته عن الوعي الجماعي في كتابه "شعبة العمل في المجتمع" عام .1893
(بعد ذلك ،سيعتمد أيضا على المفهوم في كتب أخرى ،بما في ذلك "قواعد المنهج االجتماعي" ،
"االنتحار" ،و "األشكال األولية للحياة الدينية" .
في هذا النص ،يشرح أن الظاهرة هي "مجمل المعتقدات والمشاعر المشتركة بين أفراد المجتمع
العاديين" .الحظ دوركهايم أنه في المجتمعات التقليدية أو البدائية ،فإن الرموز الدينية والخطاب
والمعتقدات والطقوس عزز الوعي الجماعي .في مثل هذه الحاالت ،حيث كانت المجموعات االجتماعية
متجانسة تما ًم ا (غير متميزة عن طريق العرق أو الطبقة ،على سبيل المثال) ،نتج عن الوعي الجماعي
ما وصفه دوركهايم "بالتضامن الميكانيكي" -في الواقع الربط التلقائي بين الناس إلى جماعي من خالل
القيم والمعتقدات والممارسات المشتركة.
الحظ دوركهايم أنه في المجتمعات الحديثة والصناعية التي ميزت أوروبا الغربية والواليات المتحدة
األمريكية الشابة عندما كتب ،والتي عملت من خالل تقسيم العمل ،ظهر "تضامن عضوي" على أساس
االعتماد المتبادل بين األفراد والجماعات على اآلخرين من أجل السماح لمجتمع يعمل .في مثل هذه
الحاالت ،ال يزال الدين يلعب دوراً مهما ً في إنتاج الوعي الجماعي بين مجموعات من األشخاص
المنتمين إلى ديانات مختلفة ،ولكن المؤسسات والهياكل االجتماعية األخرى ستعمل أيضا ً على إنتاج
الوعي الجماعي الالزم لهذا الشكل األكثر تعقيدًا من التضامن والطقوس .خارج الدين تلعب أدوارًا مهمة
في إعادة تأكيدها.
الطقوس التي تعمل على إعادة التأكيد على مجموعة واعية جماعية من المسيرات واالحتفاالت عطلة إلى
األحداث الرياضية ،وحفالت الزفاف ،وتهيئة أنفسنا وفقا لألعراف الجنسانية ،وحتى التسوق ( اعتقد
الجمعة السوداء ).
في كلتا الحالتين -المجتمعات البدائية أو الحديثة -الوعي الجماعي هو شيء "مشترك في المجتمع ككل"
،كما يقول دوركهايم .إنها ليست حالة فردية أو ظاهرة ،ولكنها حالة اجتماعية .وكظاهرة اجتماعية ،
"تنتشر في المجتمع ككل" ،و "لها حياة خاصة بها" .من خالل الوعي الجماعي يمكن تمرير القيم
والمعتقدات والتقاليد عبر األجيال .على الرغم من أن األفراد يعيشون ويموتون ،إال أن هذه المجموعة
من األشياء غير الملموسة ،بما في ذلك األعراف االجتماعية المرتبطة بها ،ترتكز في مؤسساتنا
االجتماعية وبالتالي توجد مستقلة عن األفراد.
واألهم من ذلك أن نفهم أن الوعي الجماعي هو نتيجة القوى االجتماعية الخارجة عن الفرد ،تلك الدورة
من خالل المجتمع ،والتي تعمل معا ً لخلق الظاهرة االجتماعية للمجموعة المشتركة من المعتقدات والقيم
واألفكار التي تؤلفها .نحن كأفراد نستوعب هذه األمور ونجعل الوعي الجماعي حقيقة بالقيام بذلك ،
ونحن نعيد التأكيد عليه ونعيد إنتاجه من خالل العيش بطرق تعكسه.
التحليل النفسي ت ّمت دراسة مفهوم الوعي والالوعي وبنائها ،وفقًا لنظريات وتخصصات علم
النفس ،ابتدا ًء من نظرية فرويد في التحليل النفسي ،وفي مناقشته عن مفهوم الوعي والالوعي،
قسم فرويد العقل إلى العقل الواعي أو -األنا -والعقل الالواعي ’،ثم ت ّم تقسيم األخير إلى الهو أو -
الغرائز ومح ّرك الدوافع -واألنا األعلى -أو الضمير ،-في هذه النظرية ،يُشير الالوعي إلى
العمليات العقلية التي يكون األفراد غير مدركين لها ،وقد اقترح فرويد بنية عمودية وهرمية
للوعي اإلنساني ،وهي العقل الواعي ،العقل الباطن ،والعقل الالواعي -كل منها يترتب تحت
أن األحداث النفسية الها ّمة تحدث -تحت السطح -في العقل الالواعي ،مثل اآلخر ،إذ كان يعتقد ّ
ّ
الرسائل الخفية من الالوعي؛ وفسّر هذه األحداث على أنها ذات أهمية رمزية وحقيقية]١[.
مفهوم الوعي والالوعي بهدف توضيح مفهوم الوعي والالوعي ،تُشير بعض األدلّة التجريبية
أن الظواهر الالواعية تشمل المشاعر المكبوتة ،والمهارات التلقائية ،والتصورات المموهة، إلى ّ
وردود الفعل التلقائية ،وربما أيضًا تُشير إلى السلوك الجمعي ،والرهاب والرغبات الخفية ،ومن
أن العمليات الالواعية تتمثل بشكل مباشرة في المفاهيم الرئيسة في نظرية التحليل النفسي ّ
األحالم ،وكذلك في زالت اللسان والنكات]٢[.
مفهوم الالوعي في مناقشة مفهوم الوعي والالوعي ،يمكن اعتبار العقل الالواعي هو العقل
الذي يكون مصدر األحالم واألفكار التلقائية -تلك التي تظهر دون أي سبب واضح ،-ومخزن
الذكريات المنسية -التي قد ال تزال في متناول الوعي في وقت الحق ،-وموقع المعرفة الضمنية
أن الوعي يتأثّر-األشياء التي تعلمناها جيدًا بحيث نقوم بها دون تفكير ]٣[.-تجدر اإلشارة إلى ّ
بأجزاء أخرى من العقل ،ومن هذه األجزاء هو الالوعي’ باعتباره عادة شخصية ،كونه غير
مدرك من قبل األفراد وباعتباره جزء من الحدس ،تشمل بعض الظواهر المرتبطة بين الوعي
والالوعي ظواهر مثل؛ شبه الصحوة والذاكرة الضمنية والرسائل المموهة والهدوء والتنويم
المغناطيسي ،في حين أن النوم ،والسير أثناء النوم ،والحلم ،والهذيان والغيبوبة قد تُشير إلى
فإن هذه العمليات تع ّد أعراضًا وليست عقالً فاقدًا للوعي نفسه؛ وقد
وجود عمليات غير واعيةّ ،
ش ّكك بعض النُقّاد في وجود الالوعي]٤[ .
أن الوعي هو تجربة أوليّة ،مثل تحريك مفهوم الوعي ضمن مفهوم الوعي والالوعي ’،يُشار إلى ّ
األشياء ورؤية األشكال واإلحساس باألصوات واألحاسيس والعواطف والمشاعر في جسم
ي تأثير على السلوكاإلنسان كما ترد من مصدرها وتس ّمى هذه التجارب التي تع ّد مستقلة عن أ ّ
بالوعي؛’ لكن ومن ناحية أخرى يمكن أن يع ّد الوعي ظاهرة يمكن من خاللها الوصول إلى
المعلومات في ذهن األفراد من أجل اإلبالغ الشفهي عناها ،والمنطق ،والسيّطرة على السلوك،
فإن المعلومات حول ما ي ّدركه الفرد هي المعلومات الواصلة لذلك ،عندما يقوم اإلنسان بالتفكير ّ
ّ ّ
فإن المعلومات المتعلقة باألفكار تكون مدركة وواعية إلى الوعي؛’ وعندما يقوم الفرد بالتأ ّملّ ،
فإن المعلومات المتعلّقة بالماضي تكون واعية ،وهكذا ،وقد أشار وعندما يقوم الفرد بالتذكر ّ
بعض الباحثين إلى أنّه يمكن التع ّرف على ثمانية أنواع مختلفة بوضوح من الوعي -الوعي
الجسدي ،الوعي التحكمي ،الوعي المتوقف ،وعي األحداث والمواقف ،الوعي اإلبالغي،
الوعي الداخلي ،الوعي الشخصي ،والوعي الذاتي-
ما هو العقل اإلنساني؟ وكيف يدرك العالَم؟ وهل لألفكار والمشاعر والرغبات االنسانية طبيعة مادية؟
هل لو علمنا آلية عمل الم ّخ يمكننا الوصول مباشرة للعقل؟ وهل يمكن للعقل أن يتط ّور؟ وعلى فرض
تط ّوره فهل يمكن الثقة في أحكامه؟
اختلف الفالسفة على مر العصور في طبيعة هذا الكيان الغريب الذي يس ّمى "العقل" (،)mind
وانقسموا إلى تيارين رئيسيين:
-التيار القائل بالثنائية :أي الذي يقول بأن اإلنسان مر ّكب من جسم وعقل ،وال يمكن اختزال العقل في
"الم ّخ " (أي العمليات العصبية المادية) ،وأشهر من قال بذلك :أفالطون وديكارت .لكن لديكارت تأثير
أكثر من غيره ،نظرًا ألنه أوّل من ق ّدم تفصياًل لكيفية ارتباط العقل بالجسم من خالل الغدة الصنوبرية،
وهو أ ّول من اعتبر الكائن عقاًل غير ملموس وال يمكن اإلحساس المادي به ،ألنه غير ممتد زمانيًا وال
مكانيًا.
-التيار القائل باألحادية :أي الذي يقول بأن اإلنسان مجرّد مادة[ ،]1بما في ذلك العقل ومحتوياته،
كالرغبات والمشاعر واألفكار .وقدي ًما أخذ الفيلسوف اليوناني ديموقريطس بهذا المذهب ،وس ّمي المذهب
الذري؛ فهو يعتبر أن كل شيء مك ّون من ذرات .والمذهب المادي قريب من تص ّوراته ،لكن بمحتويات
عصبية في المخ .وبعض األحاديين ينكر وجود المشاعر والرغبات أصاًل ؛ فاأللم عنده هو مجرّد استجابة
حسية عصبية لمؤثّر ما (السلوك) ،ومن ثم فالبشر طبقًا لهذا التصوّر مج ّرد آالت ،ال مشاعر وال رغبات
وال أي شيء عقلي .ويلتزم بعض معتنقيه بنفي اإلرادة الحرة تما ًما؛ فالبشر مجرّد زومبي يحرّكه
الجينات والخاليا العصبية.
وأغلب المناخ المعاصر ير ّجح اإلنسان األحادي ،متمثاًل في التيار "المادي اإلقصائي" (
)Eliminative materialismأو الفيزياء االختزالية (.)Reductionism
وهدفنا في هذا المقال هو بيان أن األحادية لم تفلح مطلقًا في تفسير الوعي أو العقل بشكل عام ،وذلك
من خالل عرض حجج الثنائية التي تبرز قصور المادية االقصائية.
-2إمكان تص ّور العقل مستقاًل عن الجسد[ ،]3حيث يمكن تص ّور العقل ليس في هذا البدن ،كالطائر كما
يس ّم يه ابن سينا ،ويعتبر ديكارت هذا اإلمكان دليل على أن العقل ليس هو الجسد (أو تحديدًا :ليس هو
العمليات العصبية القائمة في المخ).
-3اإلدراك العقلي (وهي الحجة األقوى حاليًا لذا سنر ّكز عليها):
تعتمد هذه الحجة على أن العقل يستطيع إدراك المعاني الكلية المج ّردة من كل طابع حسي ،والتي ال
تنقسم انقسا ًما ماديًا ،فإن معنى اإلنسان مثاًل م ّجرد من كل صفة جسمية ،وهو يحتوي على بعض المعاني
الجزئية كالحيوانية والنطق ،حقًا إنه ينطبق في الواقع على كثرة من األفراد ،لكنه ال ينقسم في النفس
بطريقة مادية ،وال يشغل فيها حيّ ًزا ،وذلك ألنه ال يح ّل فيها إال مجردا من الصفات العرضية التي تميز
أحد األفراد عن اآلخرين ،وإذا كانت النفس محاًل للمعقوالت فإنه يجب أن تكون من جنسها أي غير
منقسمة ،وإال لوجب أن يحل غير المنقسم في المنقسم ،وهو تناقض ظاهر[ ،]4يقول الغزالي:
"العين تدرك من األشياء ظاهرها وسطحها األعلى دون باطنها؛ بل قوالبها وصورها دون َحقائقها.
والعقل يتغلغل إلى بواطن األشياء وأسرارها ويدرك حقائقها وأرواحها ،ويستنبط سببها وعلتها وغايتها
وحكمتها ،وأنها م ّم خلق ،وكيف خلق ،ولِم خلق ،و ِمن كم معنى جمع ور ّكب ،وعلى أي مرتبة في الوجود
نزل"[.]5
أما الحجة األولى والثانية فالنقاش قد تجاوزهما حاليًا ،خالفًا للحجة الثالثة وهي اإلدراك العقلي ،فهي
الحجة الحاضرة بقوة في فلسفة العقل المعاصرة ،ويمكننا إعادة صياغة جزء من الحجة السابقة في ضوء
هذا النقاش المعاصر كالتالي:
كيف يمكن لعمليات عصبية مادية أن تدرك محتويات غير مادية كاألعداد والكليات والمنطق وغير
ذلك من المحتويات التي تشمل األجسام المادية وغير المادية بل تشمل أيضا المستحيل ماديًا؟
بصورة أدق :كيف استطاع العقل التمييز بين الوجود الفيزيائي والوجود الرياضي؟ فهناك احتماالت
كثيرة ج ًّد ا للمعادالت واألحداث ،ومع ذلك الوجود الفيزيائي إطار ضيق ج ًّدا ،وكذلك كيف استطاع العقل
أن يميّز بين المستحيل فيزيائيًا والمستحيل عقليًا؟ فمن المستحيل فيزيائيًا فقط أن يطير اإلنسان ،ومع ذلك
من المتصوّر أن يكون إنسانًا طائ ًرا بال تناقض منطقي أو استحالة عقلية ،على عكس عجزنا عن تصوّر
إمكان أن 4=1+1مثاًل .
كيف استطاع العقل أن يستنبط من مج ّر د أمثلة قواعد ثابتة؟ فاالستقراء الذي هو أساس العلم ليس إال
تتبّع بعض الجزئيات (كمشاهدة أن بعض المعادن تتم ّدد بالحرارة) ثم الحكم العام الذي ال يمكن أن يبرر
ماديا (المعادن تتمدد بالحرارة).
أما الجانب اآلخر من جوانب اإلدراك العقلي وشموليته فهو الوعي باإلدراك نفسه ،فاإلنسان ليس
مج ّر د آلة تعالج المعلومات ،بل كيان يدرك المعلومات ،ويستحيل تفسير هذا تطوّريًا؛ فالحيوانات
كالعناكب مثاًل ال يض ّرها أنها تستجيب آليًا لجيناتها وتبني بيوتها فطريًا دون وعي بهذا البناء .أما اإلنسان
فقد متّعه هللا بهذا الوعي الذاتي ،وهو ما ال يمكن تفسيره بيولوجيًا ،ألنه ليس هناك حاجة بيولوجية لمثل
هذا الوعي ’،وال ألي قدرات إدراكية عليا عند اإلنسان؛ يقول البروفسور األمريكي نوام تشومسكي:
"كيف اكتشف اإلنسان النظرية الكمية؟! فال تق ّدم التجربة أي إرهاصات للمشاكل التي ستقابلنا في
العالم (كحالة العناكب مثاًل ) ،كما لم تكن القدرة على حّ ل المشكالت عاماًل في التط ّورية النشوئية! لذلك ال
نقتنع بهذا التفسير الغيبي لكي نفسّر توافق أفكارنا مع الكون ،بل إنها مفاجأة محظوظة أن نجد هذا
التوافق الجزئي بين أفكارنا والعالم"[.]6
ويق ّر عالم الفيزياء الملحد ليوناردو مولدينوف بأنه ليس هناك تفسير فيزيائي للوعي في فيديو شهير
له[.]7
أما الجانب األخير من استحالة تفسير العقل ماديا فهو ذاتية الوعي ’،أو لغز الخبرة الواعية ،أو ما
يسمى الكيفيات المحسوسة ( ،]8[)Qualiaويشرح ذلك فيلسوف العقل المعاصر ديفيد تشالمرز فيقول:
"إن من الممكن أن نعرف ونعلم كل المعلومات الموضوعية عن شيء ما ،مثل حاالت الدماغ وأطوال
الموجة المتعلّقة برؤية اللون األحمر ،ولكن ال توجد معلومات أساسية حول وصف الحالة المرافقة
الخوض في موضوع الوعي سنوات َ للشعور عند رؤية اللون األحمر" ،ويقول" :لقد تجنّب الباحثون
عديدة عند دراسة الدماغ والعقل .وكانت النظرة السائدة أن العلم الذي يعتمد على الموضوعية ال يستطيع
استيعاب شيء بهذا القدر من الذاتية subjectivityمثل الوعي .فقد ر َّكزت الحركة السلوكية في علم
النفس -التي سادت في بواكير هذا القرن ـ على السلوك الخارجي ،ولم تسمح بأي حديث عن السيرورات
العقلية الباطنة .وبعدها أ ّدى ظهور علم المعرفة cognitive scienceإلى تركيز االنتباه على
السيرورات التي تجري داخل الرأس .أما الوعي فقد بقي ومازال خارج إطار التناول"[.]9
وهناك مقال مشهور للفيلسوف الملحد توماس ناجل بعنوان :ما هو الشعور أن تكون خفا ًشا؟ (
)What Is It Like to Be a Batبيّن فيه كيف أن العلم الطبيعي عاجز تما ًما عن تفسير هذه
الظواهر الذاتية.
وابتكر فيلسوف نمساوي تجربة ذهنية لشرح هذا الشعور أو الخبرة الذاتية ،فافترض أن ماري عالمة
أعصاب في القرن الثالث والعشرين وتتميّز بكونها خبيرة عالمية رائدة في عمليات الدماغ المسؤولة عن
رؤية األلوان .ولكن ماري أمضت عمرها كله في غرفة باألبيض واألسود ،ولم تر قط أي لون آخر .إنها
تعرف كل شيء ينبغي معرفته عن السيرورات الفيزيائية في الدماغ (بيولوجيته وبنيته ووظيفته) .إن هذا
الفهم يم ِّك نها من أن تستوعب كل شيء ينبغي معرفته عن المشكالت السهلة :الطريقة التي يميّز الدماغ
بها المنبهات ،ويكامل بها المعلومات ،وينتج بها التقارير اللفظية .ومن معرفتها برؤية اللون فهي تعرف
الطريقة التي تقابل بها أسماء األلوان األطوال الموجية في الطيف الضوئي .ولكن يبقى هناك أمر أساسي
حول رؤية اللون تجهله ماري :أال وهو ما عساها أن تشبه خبرة لون ما كاألحمر .وهذا يعني أن هناك
حقائق عن الخبرة الواعية ال يمكن استنباطها من الحقائق الفيزيائية المتعلقة بوظائف الدماغ.
وقد فشلت النظريات المادية األحادية تما ًما في تفسير الكيفيات المحسوسة .وأه ّم هذه النظريات:
نظرية الهوية ،حيث يذهب أنصار هذه النظرية إلى أن الشعور باأللم مثاًل هو نفسه مركز الشعور باأللم
في الم ّخ ،لكن يشكل على هذه النظرية أن هناك حيوانات ليس لها نفس مركز الشعور اإلنساني ومع ذلك
تتألّم .ولح ّل ذلك ابتكرت نظرية الهوية الرمزية ( ،)tokenفتقول هذه النظرية أن من الممكن’ أن يكون
هناك مك ّو نات أخرى داخل جسم ما غير مركز األلم اإلنساني ،ومع ذلك يشعر باأللم .ويقال ذلك مقابل
الهوية النوعية السابقة ،التي تحصر األلم بمركز األلم في اإلنسان فقط .وعلى الوجهين (الهوية النوعية
والرمزية) تنكر نظرية الهوية أخصّ شيء في الحاالت العقلية ،وهو الشعور نفسه بحالة األلم ،لذا لم تقنع
الكثير من العلماء.
وقد دلّل الكثير من المتخ ّ
ص صين التجريبيين على تجاوز العقل لنطاق العمليات العصبية الدماغية،
نذكر على سبيل المثال:
-1يقول تشارلز شرنجتون -رائد فسيولوجيا الم ّخ والجهاز العصبى ،والحاصل على نوبل عام 1932م
" :-إن عملية التغذية واأليض والنمو هي ظواهر تقع داخل نطاق القوانين الفزيائية والكيميائية ،أما
العمليات العقلية فهي تتجاوز تلك القوانين"[ .]10وهذا القول له مكانته ،ألنه صدر عن عالم متخصّص
في االنعكاسات العصبية.
-2دلّ ل ولدر بنفيلد (من أشهر جراحي األعصاب) على صحة النظرية الثنائية للعقل والمخ ،وذلك بعد
جمع العديد من المالحظات السريرية على المرضي مفتوحي الدماغ ووضع تلك المالحظات في كتاب
أسماه بـ "غموض العقل ،"The Mystery of Mindواستد ّل بنفيلد على الفروق بين العقل والمخ
من مالحظاته على استجابات المرضي الذين يتع ّرضون لتنبيهات دماغية ،إذ الحظ أن هناك تعارضٌ ين
االستجابات العصبية وإرادة الشخص .وهذا التعارض يدلّل على وجود اختالف بين خصائص العقل
وخصائص المخ؛ فلو أن الم ّخ يمثّل العقل لكانت اإلثارة المخية تعكس ما يريده الشخص .ولكي تتّضح
هذه الصورة وتبرهن قام بنفيلد بتنبيه للمركز العصبي الخاص بحركة اليد وكنتيجة طبيعية تحركت يد
المريض ،إال أن األمر الذي ينطلق منه بنفيلد هو ما عبّر به المريض من قوله بأن يدي تحركت رغ ًما
عني .وهذا يعني في وجهة نظر بنفيلد أن هناك إرادة ترفض هذه الحركة توجد خارج الم ّخ والذي عبّر
عنه بالعقل .كذلك قام بنفيلد بتنبيه مركز الكالم وعلى إثره عجز المريض عن إخراج الكلمات بمعنى أن
بنفيلد كان ينبّه مركز الكالم ويطلب من المريض أن يتلفظ بكلمة "فراشة" مثاًل ،وكنتيجة طبيعية عجز
المريض عن القول بذلك مع رغبته وتحفّزه للتلفّظ بها .وبعد أن أوقف بنفيلد تنبيه تلك المنطقة قال
ك من عقال "فراشة" .وهذا األمر في وجهة نظر بنفيلد يشير من جانب المريض بصوت عالي وكأنه ف ّ
إلى صراع الم ّخ مع اإلرادة "العقل" .وبالجملة ،فإن مجموعة تلك المالحظات السريرية تؤ ّكد على أن
مركز العقل ال يخضع لجوانب مادية صرفة.
-3تبنّى جون إيكلز (من ر ّواد مجال فسيولوجيا األعصاب ،وحاصل على نوبل عام )1963النظرية
صصة تقوم على انفصال حقيقي بين الم ّخ والعقل ،ووضع لذلك
ضا ،ووضع نظريات متخ ّ الثنائية أي ً
براهين عديدة نذكر اثنين منها:
-الحركات اإلرادية تحدث قبل النشاط الدماغي للقشرة الحركية بحوالي ثانيتين .األمر الغريب هنا أنه إذا
كان مصدر إرادة الحركة هي القشرة المخية فإنه من المفترض أن يس ّجل النشاط الكهربائي في القشرة
الحركية قبل حدوث الحركة ،إال أن األمر الذي حصل هو العكس تما ًما .حدث هذا األمر أيضًا في وظيفة
الكالم ،إذ الحظ كورنبر أن النطق بالكالم عملية تسبق زيادة نشاط مركز الكالم الدماغي .ويستنتج إيكلز
من هذه الدراسة إلى أن هناك أم ٌر مجهو ٌل يعمل كوسيط بين الم ّخ والحركة اإلرادية ،وبين الم ّخ والكالم
وهو ما نعني به في المفهوم البسيط :جانب اإلرادة .وعلى هذا يؤ ّكد إيكلز أن المخ شيء والعقل شيء
آخر.
-عندما تتع ّر ض القشرة الحسية إلى استثارات كهربائية كانت النتيجة وجود زمن تأخيري يق ّدر بنصف
ثانية بين استثارة القشرة الم ّخ ية بشكل مباشر وحصول الشعور باإلحساس .وهذا الزمن التأخيري هو
ك الذي يرتكز عليه إيكلز في استنتاجه بوجود فارق بين الم ّخ والعقل.وينطلق إيكلز في استنتاجه هذا المح ّ
من مبدأ أنه إذا كانت القشرة الحسية هي المكان الذي يت ّم فيه ترجمة اإلحساسات الجلدية فإنه من
المفترض أن تنبيهها بشكل مباشر يؤ ّدي مباشرةً إلى الشعور باإلحساس دون أن يكون هناك زمن
تأخيري .إال أن هذا االفتراض لم يتحقّق تجريبيًا مما يؤ ّكد أن الشعور العقلي ال يقتصر وجوده على مادة
الم ّخ ،بل إن هناك دور مك ّمل لعمل الم ّخ ،وهو العقل الذي ليس له مظهر مادي[.]11
بل ّدلل براهين علماء الفيزياء على غموض الوعي؛’ فقد ناقش العالم الفيزيائي وينبرج في كتابه
المسمى بكتاب "أحالم النظرية النهائية"إمكانية ض ّم القوانين الطبيعية تحت قانون أوحد .ويشير وينبرج
بأن ث ّمة يوم قادم سيتم ّك ن العلماء فيه من الكشف عن العالقات بين جميع القوى الطبيعية ،والعمل على
إيجاد قانون يض ّمها تحت مظلة واحدة ،وسيكون هذا التاريخ موعدًا لتفسير جميع الظواهر الكونية .وفي
هذا إشارة صريحة بأن العلماء سيصلون إلى صياغة قانون أوحد يو ّحد مفهوم القوى الفيزيقية األربع،
وهي :القوة الكهرومغناطيسية ،والقوة النووية الضعيفة ،والقوة النووية الشديدة ،وقوة الجاذبية .وعلى
الرغم من هذا االستبشار فإن وينبرج يستثني بش ّدة موضوع له قانون محيّر ال يمكن إخضاعه للقوانين
الفيزيقية ،وهو معضلة الوعي الذي ال يمكن انتماؤه إلى واحد من تلك القوى[.]13
لو سلّمنا أن العقل قد تط ّو ر عبر ماليين السنين ،فكيف يمكن لنا أن نثق في حكمه بأن العقل قد
تط ّور؟! فالظاهر أن" :كثي ًرا من المؤمنين بنظرية التط ّور الدارويني ال يدركون التح ّدي ،بل التهديد الذي
تش ّك له النظرية لعقولهم التي يثقون بها ويعتمدون عليها في تصّور وجودهم ،فضاًل عن الحكم عليه ،بما
في ذلك تصّورهم لنظرية التط ّو ر وأحكامهم عليها .فما هي طبيعة هذا التهديد؟ لنستمع إلى دارون نفسه
ك فظيع حول ما إذا كانت حيث يقول في رسالة خاصة إلى صديقه وليام جراهام" :ينتابني دائ ًما ش ّ
قناعات عقل اإلنسان ،والذي بدوره تط ّور من عقول كائنات أدنى ،تتمتّع بأي قيمة أو تستحق أدنى ثقة"[
.]14
ضا ،فيقول" :قد تعرض للخاطر بعض األمور من علم وقد تنبّه إدموند هوسرل لهذا اإلشكال أي ً
الحياة ،فنذكر نظرية التط ّو ر الحديثة حيث نما اإلنسان في كفاحه من أجل الوجود بحسب االنتقاء
الطبيعي ،فنما معه عقله بالطبع .ومع العقل سائر الصور التي هي أخصّ به ،وال سيّما الصور المنطقية.
أال يدفعنا ذلك إلى القول بأن الصور والقوانين المنطقية إن هي إال سمة عارضة للنوع البشري ،وإنها قد
تكون مختلفة وتصير كذلك في سياق التطور المقبل"؟[]15
ويقول الفيلسوف ألفين بالنتنجا" :إن قبلت بالمادية والتطوّر معًا فسيكون لديك سبب وجيه لإليمان
بأن ملكاتك المسؤولة عن إنشاء المعتقدات غير موثوقة ،ولكن اإليمان بذلك يعني السقوط في ش ّ
ك تام.
ي من معتقداتك (بما في ذلك معتقداتك عن المادية والتطور!).ي سبب لقبول أ ّ األمر الذي يدرك بدون أ ّ
ّ
السبيل المعقول الوحيد هو التخلي عن الدعوى المفضية إلى هذه النتيجة ،دعوى أن المادية والتطوّر
صحيحان معا"[.]16
فالحاصل أن التفسير الدارويني للعقل ،حتى ولو نجح ،ال يمكن الثقة فيه ،ألنه لن يكون هناك معيار
عقلي أصاًل للحكم بالنجاح من عدمه.
[ ]1أو مجرد عقل ،كما يذهب الفيلسوف باركلي والمثاليون عموما ،وحجج باركلي على نفي المادة
مشهورة .لكن ما يهمنا هنا هو المذهب األحادي المادي المعاصر.
[ ]2معارج القدس في مدراج معرفة النفس ص33
[ ]4في النفس والعقل لفالسفة االغريق واالسالم لمحمود قاسم ص107
[ ]6اللغة ومشكالت المعرفة ترجمة حمزة بن قبالن .ص( ،)222ص (.)235
[https://www.youtube.com/watch?v=WGvzheu1JQA ]7
[ ]8قد يقال إن علماء الذكاء االصطناعي قادرون على ابتكار آلة لها وعي ذاتيّ ،
لكن ذلك أمر مستحيل
صصين في الوعي أو الذكاء االصطناعي نفسه؛ يقول جون إكليس الحائز على كما أ ّكد الكثير من المتخ ّ
جائزة نوبل" :إنه ليس هناك دليل على اإلطالق بأنه يمكن أن تكون ألجهزة الكمبيوتر نوعًا من الوعي أو
الشعور الذاتي"؛ فالذكاء االصطناعي مج ّرد أوامر برمجية تنفذها آالت مادية ،أما اإلنسان والوعي
الذاتي فأمر يختلف تماما عن البرمجيات الحديثة ،بفضل هذه الكيفيات المحسوسة.
وفي رؤية مناقضة لبرمجة العقل أو تمثيله اصطناعيا ق ّدم جون سيرل تص ّو ًرا عما أسماه "برهان الغرفة
الصينية "The Chinese Room Argumentص ّور فيه وجود شخص إنجليزي ال يعرف اللغة
الصينية في غرفة مغلقة ولديه تعليمات كتبت باإلنجليزية .فعندما تأتيه رموز صينية فإنه يستخدم كتاب
التعليمات للتعامل معها ثم يرسلها خارج الغرفة .ويتوقّع األفراد الذين هم خارج الغرفة أن هذا الشخص
يعرف اللغة الصينية وهو ليس كذلك .يشبه سيرل هذا الشخص بعمل برمجيات الذكاء الصناعي التي
تتعامل مع المعاني دون أن تعي معناها .وهذا يؤكد االختالف الجذري بين عقل اإلنسان وتلك
البرمجيات.
في مجال العلم والدراسة ،تجرى كثير من األبحاث المثيرة في الوقت الحالي ،ومن بينها سلسلة من
التجارب التي تهدف في نهاية المطاف إلى زيادة الوعي البشري ،بالمعنى الحرفي للكلمة.
ويوضح الكاتب أندرياس كلوث في تقرير نشرته وكالة بلومبرج لألنباء أن الهدف من هذه التجارب هو
فهم معنى "الوعي" بشكل دقيق وكذلك كيفية عمله ،والرد على تساؤالت مثل هل تمتلك الحيوانات وعيا،
وهل يمكن أن يخسر االنسان الوعي ’،وما إذا كان من الممكن أن تكتسب اآلالت وعيا ذاتيا عبر تقنيات
الذكاء االصطناعي.
وتجرى التجارب الجديدة وفق منهج علمي يعرف باسم "التعاون بين أصحاب اآلراء المتناقضة" ،فالبشر
عادة تكون لديهم نظريات عديدة لتفسير األشياء المختلفة ،وبالطبع ال يمكن أن تكون جميع هذه النظريات
صائبة .ولكن كثيرا من النظريات تعيش وتستمر إلى أجل غير مسمى داخل ما يعرف باسم "الصوامع
الفكرية" ،ومن هنا قد يكون الحل هو دعوة أصحاب األفكار المتناقضة للتعرف على نقاط االختالف
بينهم واخضاعها للدراسة ،وهو ما قد يسمح للباحثين بتحديد النظريات الخاطئة ،وبالتالي تحقيق نوع من
التقدم العلمي.
وتريد مؤسسة "تمبلتون العالمية لألعمال الخيرية" الرد على بعض من أهم األسئلة الي تشغل العقل،
والسيما تلك التي تقع في دائرة العلم
والروحانيات في آن واحد ،ومن بين هذه األسئلة مفهوم الوعي الذي حير البشرية وأثار دهشتها لسنوات
طويلة ،ولعل أشهر من تطرق إلى هذه الفكرة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت صاحب عبارة "أنا
أفكر ..إذن أنا موجود".
ويتساءل كلوث قائال" :لماذا يمتلك البشر وعيا في المعتاد؟ وما الذي يحدث عندما نفقد هذا الوعي ’،في
حاالت الغيبوبة أو النوم العميق على سبيل المثال أو أثناء السكتات الدماغية أو عند التخدير؟ لماذا ال
تؤدي إصابة المخيخ الذي يحتوي على 69مليار من بين 86مليار خلية عصبية داخل المخ إلى فقدان
الوعي ،في حين أن تلف جزء آخر من المخ قد يتسبب في غياب الوعي؟".
ويطرح كلوث مزيدا من األسئلة بشأن الوعي ،فيتساءل هل يمتلك األجنة أو المواليد وعيا ،وهل القردة
أو النحل أو ذباب الفاكهة لديها وعي ،وأخيرا ماذا عن اآلالت التي نصنعها أو المعادالت الخوارزمية
التي نبتكرها وتستطيع أن تهزمنا في لعبة الشطرنج أو توجه السيارات ذاتية القيادة ،هل من الممكن أن
تمتلك وعيا يوما ما؟
ويقول الباحث الجنوب افريقي داويد بوتجيتر الذي يدير مشروع مؤسسة تمبلتون إن فريقه البحثي نجح
في تحديد مجموعة من النظريات القابلة للتصديق بشأن الوعي ،ثم جمع هذه النظريات في صورة
ثنائيات بحيث يمكن من خالل التجارب دحض نظرية واثبات االخرى المقابلة لها .ويجري تنفيذ هذا
النهج البحثي حاليا في ستة مختبرات تنتشر ما بين أوروبا والواليات المتحدة والصين ،ويقوم كل مختبر
بتكرار نفس التجارب على المشاركين من أجل تالفي احتماالت الخطأ ،أما النظريتان قيد الدراسة فهما
"نظرية مساحةالعمل العالمية" التي يؤيدها الباحث ستانيسالس ديهاني من الكلية الفرنسية في باريس،
واألخرى هي "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها جوليو تونوني من جامعة ويسكونسن
األمريكية.
وتشرح الباحثة لوسيا ميلوني من معهد ماكس بالنك البحثي في مدينة فرانكفورت األلمانية نظرية
"مساحة العمل العالمية" قائلة" :تخيل لو أننظامك العصبي يجلس في مسرح كبير ،وجميع الخاليا
العصبية تقبع في الظالم تتهامس وتتجاذب الحديث ،ولكنها ليست واعية ألي شيء ،ثم فجأة يصعد
شخص ما على خشبة المسرح ثم تضاء جميع األنوار ،وهذا الشخص هو "مساحة العمل"
الذي يجذب انتباه الخاليا العصبية ويوجه لها رسالة معينة ،فالشعور الذي يعتمل في النفس عند تلقي هذه
الرسالة هو الوعي.
أما "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها تونوني ،فهي ال تنظر إلى الوعي كما لو كان رسالة ،بل
باعتباره شبكة معقدة من العالقات السببية ،ويشرح تونوني فكرته قائال إن شبكة الخاليا العصبية هي مثل
خريطة ثنائية األبعاد لمدينة ما ،ولكن من أجل أن يتلمس االنسان هذه المدينة ويدركها بشكل فعلي ،فالبد
أن تتكامل جميع هذه الخاليا العصبية لتأخذ شكال ثالثي األبعاد ،وأن تترك كل خلية تأثيرها على الخاليا
األخرى ،ومن هنا يأتي الشعور بالوعي.
ويختلف كل من تونوني وديهاني أيضا فيما يتعلق أيضا بالجزء المسؤول عن الوعي داخل مخ االنسان،
حيث يرى ديهاني أن القشرة الجبهية هي المسؤولة عن معظم هذا النشاط ،في حين يعتقد تونوني أن
الجزء الخلفي من المخ هو الذي ينشط عند القيام بهذا العمل الذهني ،ومن هنا البد أن تكون إحدى
النظريتين صحيحة واألخرى خطأ
اسم الكتاب :سوسيولوجية الهوية ،جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء
المحتويات
الفصل الخامس :في تشكل الهوية الثقافية وتفككها… براديغمات المعرفة والفعل
الفصل العاشر :االندماج االجتماعي وصناعة الهويات الصلبة ،إشكالية المقاربات في العلوم االجتماعية وتنوعها
يعبّر الكاتب في خالصة كتابه عن خواء المكتبة العربية ،من المباحث التي تتناول إشكالية الهوية ،ويرى أن
الكتب التي تتناول اإلشكالية حاصرت ذاتها ضمن ثنائية األصالة والمعاصرة ،مع جرعة من التسييس واألدلجة،
وقد أسهمت في إنتاج وتعميم وعي هوياتي مزيف ومؤدلج .وتح ّولت هذه المباحث إلى مجرد فائض تكميلي ،هدفه
التعبئة’ والتحريض وبيان التمايز والخصوصية واالختالف ،وليس التحليل والنقد وإعادة تشكيل وبناء الجسور
والتواصل .ويتأسف الكاتب على االكتشاف المتأخر للحاجة الماسة إلى مقاربات سوسيولوجية علمية عقالنية،
.لمشكالت مجتمعنا العربي وتحدياته الثقافية والحضارية
يستكمل الكاتب في هذا الكتاب مشروعه البحثي ،الذي بدأ بكتاب (سوسيولوجيا الثقافة :المفاهيم واإلشكاليات ،من
الحداثة إلى العولمة) وأتبعه بكتاب (الهوية والمعرفة ،المجتمع والدين) ،منبهًا إلى أن المقاربة السوسيولوجية
إلشكالية الهوية ،هي محور الكتاب الذي بين أيدينا ،وقد عالج فيه -نقدًا وتفكي ًكا -أبرز األدبيات العلمية واألكاديمية’
المعاصرة التي تناولها ،في سبيل توظيف ذلك اإلنتاج الضخم ومفاتيحه النظرية لتحليل إشكالية الهوية ،وما
تطرحه على مجتمعاتنا العربية من تحديات ،نشهد آثارها حولنا ،تشظيًا وتفك ًكا للمشتركات الجامعة ،وتضخ ًما
.غير مسبوق لالنتماءات والوالءات الطائفية والمذهبية واالثنية
يوضح الكاتب ،في مقدمة الكتاب ،كيفية “تَحقّق الهوية كسيرورة جدلية بالمعنى التكاملي لألضداد” ’،شارحًا هذه
الكيفية على النحو التالي :عندما ينحصر مفهوم الهوية الثقافية في اإلرث الثقافي؛ يؤدي ذلك إلى إمكان بناء صور
للسمات واألنماط والتصرفات والوظائف الفردية والجماعية اللصيقة بحاملي الهوية ،فهي تنتقل كإرث إلى حاملي
الهوية ،وتكون السيرورات األولية لعملية إدماج الفرد في الثقافة وتكيفه االجتماعي ،ضامنة لكسب هوية موروثة،
وهي بدورها تضمن الحفاظ على الثقافة ونقلها إلى األجيال الالحقة .وعلى ضوء ذلك؛ يسأل الكاتب :هل نحن
أمام مسار محدد لتشكل الهوية؟ وإذا كنا كذلك؛ فهل نحن أمام مسار مشابه لتفككها؟ وهل تضع هذه المقاربة
الهويات الثقافية في أنماط حتمية يسودها االنغالق؟ ويجيب :الفعل اإلنساني يخضع لديناميات ضبط وتنظيم،
بشرط توفر مناخ تسوده الحرية وينتج عنه تجديد’ وإبداع ’،فال يمكن اختزال حركة الثقافة والمجتمعات إلى
“نمطية مماثلة” كونها ليست جامدة أو ميكانيكية ’،وبالتالي فالتيار النظري والمنهجي الذي يعتمد’ مقاربة ثقافية
دينامية ،ينظر إلى الفرد بوصفه فاعاًل اجتماعيًا ،يؤثر ويتأثر ويفعل ويتفاعل ،في بيئة اجتماعية وثقافية محددة،
لتصبح التشكيالت االجتماعية ،كخيارات الوالء واالنتماء ،معطًى يشارك األفراد في تكوينه .ومع هذا التصور
الدينامي للثقافي ،تدرك الهوية بحد ذاتها كديالكتيك /جدل إنساني واجتماعي ،وتكون الهوية في ضوء هذه المقاربة
سيرورةً تكوّن نسقًا ذا معنى عند الفرد الذي يتفاعل مع آخرين ،بالوقت نفسه الذي يتفاعل فيه مع النسق الرمزي
بشقيه الموروث والسائد ،حيث يتطورون معًا .ووفق تحقق الهوية كسيرورة جدلية ،بالمعنى التكاملي لألضداد،
فهي تجيز بذلك بروز الفروق الفردية ،ومطابقة الفرد مع الجماعة التي ينتمي إليها ،وفي ضوء هذه المقاربة فقط،
يمكن فهم :كيف يصبح الفرد عاماًل في بناء ثقافته وفي بناء هويته الذاتية ،وكيف يكوّن هؤالء األفراد أنظمة ثقافية
.جماعية تتخطاهم كأفراد
يورد الكاتب العديد’ من آراء هربرت ماركيوز في الهوية ،ونقتبس“ :يمارس المجتمع ذو البعد الواحد تزييف
الهوية ووعي أفراده ،فالمجتمع الصناعي زيّف حاجات اإلنسان المادية والفكرية ،حيث يمثل الفكر عد ًوا لدودًا
لمجتمع السيطرة ،ألنه يمثل قدرة العقل النقدية” .ويعدد’ ويشرح أدوات ووسائل التزييف المستخدمة من قبل
.السلطة بحق المجتمع
ينتقل الكاتب إلى تناول أطروحة كارل منهايم ،في مقاربة (جدلية األيديولوجيا والطوبى واألفكار كمنظومات)،
فيقول :ال يجوز -بحسب منهايم -تحليل الوعي المجتمعي ،من خالل مواقع طبقية واحدة ،ألنه سيكوّن قراءة
أيديولوجية ،فنحن نخطئ إذا استنتجنا أن األفكار التي تحرك الفرد موجودة في الفرد وحده ،فالتفكير يقوم به
الناس في جماعات معينة ،وضمن سياقات كانت قد طورتها لنفسها كأسلوب خاص في التفكير ،وهو ما يمكن
اعتباره تشكاًل لـ “هوية ثقافية” .يرى مانهايم أن الناس يعيشون في جماعات ال يوجدون فيها كأفراد منفصلين ،بل
.يتصرفون مع أو ضد بعضهم ،ضمن جماعات متنوعة التنظيم
حول “الجماعة والمجتمع وسيرورات الوعي والهوية” ،يقول الكاتب :إن مفهومي الجماعة والمجتمع يعتمدان
نموذجين من اإلرادة ،الجماعة تتضمن اإلرادة الطبيعية ’،والمجتمع يتضمن اإلرادة العقلية ،مشيرًا إلى أن
تمايزات العالقات موجودة في كل منهما ،ويورد مثااًل على ذلك :في الجماعة ،هناك عالقات أولية مسيطرة
(الوالء والنسب والقرابة والدين) وعلى ضوئها يتحدد الوعي بالهوية ،أما في اإلرادة الفعلية “المجتمع” فتتميز
عالقاته بالتعاقدية والنفعية والضبط ،ويتحدد فيها الوعي بالهوية على أساس المصالح والتعاقدات واالتحادات
.الحرة
حول التشكل والتفكك ،يقول الكاتب :بحسب نوربرت إلياس ،ليس هناك هوية لـ “األنا” دون هوية لـ “النحن” .أي
ال يمكن الفصل بين الفرد والمجتمع ،والعالقة بينهما عالقة تأثر وتأثير ،ويطرح عبارة “هوية نحن – أنا”،
ويرصد كيف تغيرت “أولوية هوية األنا على النحن” متبنيًا مقاربة سوسيولوجية توفيقية ،تجمع بين التصور
الكلي عند دوركهايم ،والقصور الفردي عند ماكس فيبر ،فتميزت مقاربته في أنها انبنائية ،أي :إن الواقع
االجتماعي يبنى من قبل األفراد الفاعلين المجتمعيين ’،ويخلص “إلياس” إلى أن سلطة الدولة هي المحرك الحقيقي
للحضارة ،ويرى أن القرن التاسع عشر كان محوريًا في بروز شكل هوياتي جديد ومسيطر ،يتمثل بالنزعة
.الهوياتية القومية ،وقد أدت هذه النزعة -برأيه -إلى حربين عالميتين
عن “الوعي والمعنى في الحياة اليومية الظاهراتية” ،يقول الكاتب :مسلمات الظاهراتية هي أن العالم الذي نعيش
فيه مصنوع في وعينا ،وال نكران لوجود العالم الخارجي ،بل إن العالم الخارجي ال معنى له إال من خالل وعينا
.به .وتصب الظاهراتية بفهم كيف يصنع البشر من عالمهم عال ًما ذا معنى
يخلص الكاتب ،في هذا الفصل إلى :وجود عالقة وثيقة وحاضرة بقوة لدراسة إشكالية الهوية والثقافة من جهة،
وبين الوعي االجتماعي واأليديولوجيا من جهة ثانية .وتكمن الفكرة األساسية في دراسات الثقافة والهوية والوعي
.في تحليل السيرورات التاريخية التي تؤدي إلى تدمير دائم لألشكال االجتماعية القديمة ،لتحل محلها أشكال جديدة
في معرض إجاباته؛ يتناول الكاتب أبعاد التجانس والتوتر واالحتواء بين الثقافة والدين والتدين ،منبهًا إلى أن
أشكال التدين’ تتأسس على أنظمة مكونة من أربعة عناصر :االعتقاد ،الشريعة ،الطقوس ،الجماعة ،والمؤسسة.
ضا آراء واتجاهات فالسفة لينتقل الكاتب إلى تناول السوسيولوجيا والدين ،من حيث المعاني والرموز ،مستعر ً
وعلماء اجتماع كـ هيغل ،وماركس ،وجورج سيمل ،ودوركهايم ،متناواًل للبُعدية’ لكل من الرموز والمعاني بين
الدين والسوسيولوجيا ،فالسوسيولوجيا تتعامل مع الدين ،باعتباره عال ًما من الرموز والمعاني ،ينتج روابط
اجتماعية وثقافية ،تُستعمل بطرق مختلفة ،وفي تنظيمات مؤسساتية واجتماعية متعددة تتمتع بجاذبية شعبية ظاهرة
فعاليتها ،وتعيد إنتاجها عبر فاعلين يمدون حقل العالقات المتصلة به ،بفاعلية قد تتجاوز المكان والزمان ،لكنها
تبقى على ارتباط بالواقع االجتماعي واالقتصادي والسياسي والتاريخي ،من حيث الممارسة ،بوصفها فعل ت ّدين
للجماعة ،يتطور بتطور الواقع وهو متصل بدور المؤسسات والبنى االجتماعية عضويًا وتفاعليًا .وهو يقوم
.بوظائف محددة ويلبي حاجات ظاهرة وخفية
ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى تناول اإليمان الديني وعالقته بإنتاج الروابط االجتماعية ،ويتناول ما بينهما من أثر
األساطير والطقوس ،ثم يتناول طبيعة العالقة بين الدين والتدين والتعصب :أهي تالزم أم تواؤم؟ مشيرًا إلى أن
الخلط بين الدين والتديّن’ وما يؤديه من تنميط الدين في نموذج سلوكي لبعض المتدينين’ وتعميم هذا النموذج
باعتباره يمثل األصل .ويرى الكاتب أن التديّن قد يتبلور في الجانب المعرفي أو العاطفي أو السلوكي من شخصية
:اإلنسان بشكل متفاوت ،وينتج عنه أنماط من الخبرات الدينية ’،يمكن مالحظتها على أكثر من صعيد في
التدين’ الغرضي :التوجه نحو الدين ،بوصفه وسيلة لتحقيق أشياء أخرى كمنفعة سياسية أو اقتصادية
التدين’ العاطفي :خال من المعرفة ويؤدي إلى التعصب والتطرف .والدين التفاعلي ويقبع ضمن هذا النمط .كما
يوجد نمط التدين المرضي ،وفيه يشعر البعض أنهم يمتلكون رسالة هداية للبشر .وينبّه الكاتب إلى أن هذه األنماط
موجودة في معظم األديان .ويجيب الكاتب بعد ذلك على أسئلة تنتمي إلى حقل األقليات والدين وإنتاج المخيال
الهوياتي ،ومن تلك األمثلة :هل يتجلى التعصب باتجاه األقليات من قبل األكثرية كمسار نمطي؟ وهل يمكن أن
يبدأ التعصب من األقليات ،وما هي اآلليات التي يتخذها؟
يقول الكاتب :كل شخصية لها أصولها بالذات كنتاج اجتماعي ،فهي ليست مجرد انعكاس للوسط المحيط بها ،أي
أن الوعي االجتماعي السائد يتجسد في الفعل االجتماعي ،ألنه ينضوي تحت “بنية معرفية معيارية” زودته بها
الثقافة ومنظومة القيم والقواعد السلوكية الجماعية .وهذه البنية المعرفية المعيارية” بمثابة دليل ومرشد لوجهة
العقل ومساراته ،وتصبح بمنزلة “العناصر البانية للهوية” االجتماعية والثقافية ،والتي تميز الثقافة الجمعية
.المشتركة والسائدة في جماعة معينة
وحول “التمثّالت االجتماعية بوصفها أط ًرا ومحددات للعقل والهوية” ،يقول الكاتب :التمثّل هو نتاج خفي لنشاط
اإلرادة .ويرى دوركهايم أن التمثّالت االجتماعية :هي مجموعة من التراكمات القيمية والمعيارية المنتجة من قبل
المجتمع ،والخارجة عن الشعور الذاتي لألفراد االجتماعيين ،كما أنها غير قابلة للخضوع لذواتهم الفردانية ،بحكم
طابعها الجمعي الذي ينصهر فيه األفراد إكراهًا وبصيغة قهرية .ويؤخذ -بحسب الكاتب -على دوركهايم أنه لم
يأخذ بعين االعتبار ردود أفعال األفراد ،ومواقفهم اإليجابية أو السلبية من التأثيرات الناشئة داخل األوساط
االجتماعية التي ينتمون إليها .فالفرد بصفته فاعاًل اجتماعيًا ليس مجرد متلق آلي .يضيف الكاتب :التمثّل كتصور
وكآراء وأفكار في الحصيلة دور إدراكي مؤسسًا لممارسات عملية ،وهي حاضرة وبقوة عند الدفاع عن الهوية
”.ضد خطر يتمثل بـ “اآلخر
في تناول الكاتب لسيرورات االندماج واإلقصاء ،يشير إلى أن لمفهوم االندماج االجتماعي دورًا محوريًا في
تحليل سياقات التفكك والبناء الهوياتي ،وهو مفهوم يختلف تحديده من طبيعة مجتمع آلخر :ففي المجتمع التقليدي
تُذاب “األنا” لصالح سلطة “النحن” وبالتالي يختلف وعي االنتماء ،بحسب طبيعة المجتمع ،ويصبح التضامن في
.المجتمع التقليدي “ميكانيكيًا” أما في المجتمعات الحديثة فيكون تضامنًا عضويًا
:وفي معرض تناول الكتاب للنماذج الثقافية واأليديولوجية ،من حيث التواصل والقطيعة ،يورد ما يلي
إن حركة األفكار والهويات في تحولها إلى أيديولوجيا ،تصبح منظومة فكرية لها تنظيمها الذاتي ودفاعها الذاتي،
والذي يتسم بصفة توليدية تجعله قاد ًرا على إعادة إنتاجها وحمايتها ،وهذا ما عبّر عنه إدغار موران ،بقوله :كل
منظومة فكرية هي مغلقة ومفتوحة في آن ،فهي مغلقة تحمي نفسها ،مفتوحة :تغذي التأكيدات لصالحها .وهي
على نوعين :منظومات يتصدر فيها االنفتاح كالنظريات ،واآلخر يتصدر فيه االنغالق كالمذاهب .فالمنظومة
الفكرية بصيغتها الهوياتية الثقافية العامة ،يتصدر فيها االنفتاح ،وهي عكس األيديولوجيا .كما يتناول الكاتب في
نهاية هذا الفصل ،جزئيات كـ :الثقافة كسياسة والثقافة كسلعة والثقافة كهوية ،فيقول :عندما تبلغ الهيمنة الثقافية
درجة متقدمة ،يصبح معيار التقييم والمفاضلة بين الثقافات محصو ًرا في تقليد “النموذج” المتفوق ،وتعيش الثقافة
المغلوبة أزمة هوية ،تحتاج الثقافة -بما هي هوية ناقصة في جوهرها -إلى أن تستكمل ذاتها بالدولة ،لتصبح هي
”.ذاتها حقيقية ،فقد أرست الثقافة بصفتها سياسة قاعدة “الدولة – األمة
يتحدث هذا الفصل حول الفطري والمكتسب في السلوكات البشرية ،وعالقة الهوية بالفعل (التفاعل) بين الفرد
والمجتمع ،باعتبار أن التفاعل عامل مولّد ومنظم لممارسات الفرد ،أي هو استيعاب الخارجي في الذات .كما يتم
تناول مستويات هذا التفاعل الثالثة :الفرد ،الجماعة المحلية المحيطة ،الحقل االجتماعي .كما يتم التطرق إلى
ديناميات الهوية ،ويخص الكاتب من تلك الديناميات؛ المقارنة والتميز ،والممكن إيجازها بالقول“ :ليس هناك
هوية في حد ذاتها ومن أجل ذاتها ،الهوية والغيرية شريكان تربط بينهما عالقة جدلية ،ويوازي التماثل
االختالف ،الهوية دائ ًم ا عبارة عن حل وسط أو عملية تفاوض بين “هوية ذاتية” تتحدد بذاتها و”هوية متعددة أو
.خارجية” يحددها اآلخرون
كما يتساءل الكاتب حول أهمية الفروق المجتمعية في فهم التفاوتات المستندة إلى العالقات “البين-جماعية” وتحت
أي ظرف تترجم العضوية في جماعة إلى تميز أو توافق أو صراع؟ ومتى وكيف تسعى جماعة مستتبعة إلى
“تمايز” في العالقة مع الجماعة المسيطرة؟
بحسب مفهوم استراتيجية الهوية ،تبدو الهوية وسيلة لبلوغ هدف معين ،وهي تتكون من خالل استراتيجيات
الفاعلين االجتماعيين .كما يتناول الكاتب موضوع “صعود الهويات وتبلورها” شار ًحا ضمن هذا النطاق نموذج
قائاًل :مراحل دراسة تطور الهوية اإلثنية ،نصت على أن استكشاف بلورة الهوية بشكل عام يشكل ”“phinney
أهم عوامل التطور النفسي في جيل المراهقة ،المرحلة األولى وهي مرحلة الهوية اإلثنية غير المفحوصة؛ يتقبل
المراهقون من أبناء األقليات االثنية قي َم ثقافة األغلبية ومواقفها .وفي المرحلة الثانية؛ وهي مرحلة البحث
واالستكشاف للهوية االثنية ،وهي بمثابة حدث ذي أهمية يصادفه المراهق ويضع انتماءه االثني على المحك .في
المرحلة الثالثة ،وهي مرحلة إنجاز واستكمال بلورة الهوية االثنية ’،يصل المراهق إلى درجة عميقة من الوعي
.والثقة تشكل فيه -بكونه عض ًوا في مجموعة اثنية معينة -جز ًءا أساسيًا من تصنيفه الذاتي
أما “بارت” ،فيعتبر أن األهم في عملية اكتساب الهوية ،هو تلك اإلرادة التي تميز أو تفصل بين “هم” و”نحن”.
ليتناول الكاتب أخي ًرا “الهوية والدولة – األمة” كاستراتيجيات إنتاج المعنى ،متطرقًا إلى الجماعات المتخيَّلة
.بوصفها حقيقة متعينة
كما يستكمل الكاتب في هذا الفصل سردية التطور الدينامي للهوية ،وموضوع الهوية كنتاج اجتماعي لعالقات
القوة ،وإشكالية الهوية والتعددية’ الثقافية ،فيقول :إذا كانت الدولة واحدة والواقع المجتمعي متنوعًا ثقافيًا ،فهل من
الواجب جعل هذا الواقع انعكاسًا لوحدة الدولة أم جعل الدولة انعكاسًا للتنوع الثقافي؟ ليصل الكاتب على نتيجة
مفادها :الدولة أحادية الطائفة وأحادية الثقافة واللغة والدين ’،غير ممكنة اليوم العتبارات عملية ،وهذا ما يحتم
.تأصيل مفهوم المواطنة على أساس الفردانية
تقوية الهويات القومية وغيرها من الهويات المحلية نتيجة مقاومة العولمة 2-
لينتقل الكاتب إلى تناول فكرة االتصال كظاهرة طبيعية ثقافية وإبداعية .وهو فعل ثقافي واجتماعي وسياسي وليس
.تقنيًا وحسب
ويتناول الكاتب ضمن هذا اإلطار موضوعات مثل“ :اإلسالم السياسي” و “متى يصبح العنف السياسي شرعيًا”
و “صناعة العدو واالستثمار في الكراهية” و “تأثير العقلية الدوغمائية في التطرف” ،وحول الموضوع األخير
يبيّن الكاتب أن التعصب الدوغمائي حالة خاصة من التصلب الفكري أو الجمود العقائدي ،لذلك فإن األدلجة التي
يتضمنها يمكن أن تُشحن بعناصر أخرى من الموروث الثقافي والديني والتاريخي ،لكن األساس في بناء هرم
التعصب الدوغمائي يرتكز على عدة عمليات ذهنية ونفسية مترابطة ،تتم ممارستها بشكل منتظم ومتدرج ،ومنها:
التمركز على مرجعية أحادية مغلقة – وهم امتالك الحقيقة – االنتقائية والتأويل – غلبة التبرير على التفسير –
.ثقافة التسلط ونفي اآلخر – الحكم المسبق – التعميم – اإلسقاط – التنميط
:يعتبر الكاتب أن أغلب التعريفات التي تناولت التعصب الدوغمائي تركزت على عاملين
األول :اعتبره الكاتب تضخي ًما لـ “األنا” في أقصى تجلياتها على المستوى الفردي ،أو الـ “نحن” الهوياتية
.الخاصة
الثاني :اعتبره الكاتب سلو ًكا يتجلى في صورته التطبيقية “تطرفًا” في العالقات بين الجماعات ،يمهد لخلق ذهنية
.أكثر مياًل إلى التفكير والتصرف بطريقة غير موضوعية نحو اآلخر ،ويهدف إلى إقصائهم ونبذهم
المدخل التربوي /الثقافي-التفاعلي :فالتعليم هو إحدى أهم الطرائق في سيادة وانتشار التسامح في المجتمعات 1-
.المتنوعة
.المدخل التنموي واالقتصادي :الحرمان والفقر وفشل التنمية’ من أبرز العناصر المساعدة على نمو التطرف 2-
.المدخل السوسيوبوليتيكي ’:غياب الديمقراطية ورسوخ الظلم والشعور بالقمع والعنف المنهجيين 3-
المدخل السوسيوسيكولوجي :اإلحباط يؤدي إلى العدوان ،وع ّد التعصب اتجاهًا يكتسبه األفراد من خالل 4-
التنشئة االجتماعية بمؤسساتها المختلفة ،ويتناول الكاتب هنا نماذج األطر النظرية لتفسير ظاهرة التعصب
كظاهرة اجتماعية ونفسية ،ومن أبرز هذه النظريات :نظريات الصراع بين الجماعات ،نظريات التعلم
.االجتماعي ،النظرية المعرفية
.المدخل اإلنثروبولوجي :تتبع آليات تعلم الدين وتعليمه ومضمون الكتاب المدرسي لمواد الدين 5-
يختتم الكاتب هذا الفصل بقوله :مغذيات العنف والتطرف موجودة في الواقع ،القهر واالستبداد’ هي مدخالت
.سياسية واجتماعية للقابلية للتطرف والعنف ،وعكسها الدمج واالعتدال .وبحسب شدة المدخالت تكون المخرجات
يتتبع الكاتب هذه اإلشكالية ويرصدها ابتدا ًء من الفكر اإلصالحي اإلسالمي الذي أطلق بذور الفكر التنويري،
وأسس لمشروع إسالمي نهضوي ،وطرح “الجامعة اإلسالمية” كصيغة للهوية ،أمثال محمد عبده واألفغاني
والسيد رشيد رضا ،مرو ًر ا بتعزز مفهوم “الجامعة العربية” المترافق مع انتشار الفكر القومي في أوروبا
وانبعاث الروح القومية عند العرب ،ليخوض الكاتب بعدها في جزئية الهوية المتنازع على مرجعيتها (عربية أم
إسالمية) ثم يتطرق إلى الهوية القومية بين أوهام األيديولوجيا ووقائع السوسيولوجيا ،وكيف تسبب الطابع
العسكري ألنظمة الحكم العربية في أزمة الهوية وفشل الدولة القطرية في إدماج مكوناتها األولية القبلية والطائفية
والمذهبية ’،بل عززتها وعمدت إلى توظيفها كأدوات في صراعها لالستحواذ على السلطة ،ليخلص الكاتب إلى
القول :الدولة العربية فشلت تما ًما في بناء نماذجها القومية أو الوطنية ،بل فشلت أيضًا في بناء الدولة ذاتها،
.كمؤسسات وإطار للمواطنة
يمكن لعبارة الوعي الذاتي أن يكون لها معنيان .فهي تعني أوال معرفة اإلنسان بأفكاره ،بأحاسيسه
وبأفعاله .وتعني ثانيا قدرته على الرجوع إلى أفكاره وأفعاله.
بصفة عامة ،نعتبر الوعي الذاتي جوهر اإلنسان .إنه ما يجعل منه ذاتا؛ أي كائنا يربط عالقات خاصة
بالعالم وبذاته تميزه عن غيره من الحيوانات .كل هذه العالقات الخاصة تعني إجماال الفكر (ديكارت) أو
الروح (هيغل).
أول فيلسوف تمكن من إعطاء تعريف واضح للوعي هو ديكارت في القرن السابع عشر .ففي “خطاب
في المنهج” ،يبحث ديكارت عن حقيقة من شانها التغلب على الشك .تمثلت النتيجة النهائية التي أدى إليها
الشك المنهجي في يقين ال يرقى إليه شك :الكوجيتو“ ،أنا أفكر ،إذن أنا موجود”.
هذه الحقيقة ذات األهمية القصوى“ ،أنا أفكر ،إذن أنا موجود” ،هي أساس الفلسفة .إنها تسمح بتعريف
الروح كجوهر متميز عن الجسد يحدد طبيعة أو ماهية اإلنسان .اإلنسان بالتعريف كائن أو جوهر مفكر.
هذا الفكر أو المعرفة المباشرة (أنا كائن مفكر .الفكر يمثل الشكل الخاص لوجودي) التي يمتلكها اإلنسان
على نفسه ،هو ما يسميه ديكارت الوعي ،والذي هو بالتالي وعي ذاتي دائ ًما.
بالنسبة إلى كانط ،ال يوجد في العالم ،كائن منفصل ،أو جوهر مفكر يميز اإلنسان .األنا بالنسبة له مجرد
مبدإ ننظم به أفكارنا .هذا ال يمنع من أن هذه الطريقة للتفكير أو لتنظيم أفكارنا من خالل ربطها بالذات،
تخص اإلنسان وتميزه عن األنواع األخرى.
يقول كانط في كتاب “األنثروبولوجيا من وجهة نظر براجماتية” إن الشيء الوحيد الذي يرفع اإلنسان
بال حدود فوق كل المخلوقات األخرى التي تعيش على األرض هو قدرته على أن يمتلك فكرة عن ذاته،
عن األنا .من هنا يصبح شخصا؛ وبفضل وحدة الوعي التي تستمر أمام جميع التغييرات التي يخضع لها،
يكون واحدا والشخص نفسه .تقيم الشخصية فرقًا تا ًم ا بين اإلنسان واألشياء ،حسب الترتيب والكرامة.
في هذا الصدد ،تعد الحيوانات جز ًء ا من األشياء ،ألن العقل يعوزها ،ويمكن التعامل معها والتخلص منها
حسب الرغبة.
يواصل كانط حديثه مالحظا أنه حتى قبل أن يتمكن لإلنسان من أن يقول أنا ،تكون هذه الفكرة حاضرة
بالفعل في الفكر ،تماما كما يتعين تصورها على جميع اللغات التي ال تعبر عن دور الشخص المتكلم
بكلمة معينة عندما تكون بصدد اإلشارة إليه .ملكة (التفكير) هاته هي الفهم.
وفي الفقرة األخيرة من هذا النص/المقطع يقول“ :لكن تجدر اإلشارة إلى أن الطفل ،عندما يمكنه التحدث
جيدا بالفعل ،ال يبدأ في التحدث بضمير المتكلم ،أوب “أنا” ،إال بعد مدة (حوالي عام) .حتى ذلك الحين،
يتحدث عن نفسه بضمير الغائب (يريد شارل أن يأكل ،أن يمشي ،إلخ )..عندما يبدأ في قول أنا ،يبدو أن
ضوءا جديدا ينيره بطريقة ما؛ من تلك اللحظة فصاعدا ،ال يعود إلى طريقته األولى للتعبير عن نفسه– .
قبل ذلك ،كان فقط يحس بذاته .اآلن هو يفكر في ذاته”.
يجيب كانط في هذا النص عن السؤال التالي“ :ما الذي يحدد اإلنسان ويميزه عن األنواع الحية
األخرى؟” .ما يميز اإلنسان هو أن لديه القدرة على قول أنا ،على الرجوع إلى ذاته من أجل أن يتشكل
كوعي ذاتي أو كذات.
أكثر من تمييز ،تكون هذه القدرة ميزة “تسمو باإلنسان عن المخلوقات األخرى” .ألنه ذات ،أنا ،يكون
اإلنسان كائنا مستقال في العالم .الذات أو األنا كالهما المبدأ الذي يسمح لنا بتنظيم أفكارنا بطريقة معينة،
هو ما يحدد عالقة خاصة بالعالم ،باألشياء الخارجية وبذواتنا ،لكنه أيضا قيمة تمنحنا الكرامة.
• بالنسبة لكانط ،الذات هي أوالً وقبل كل شيء مبدأ الهوية .على خالف ديكارت الذي افترض وجود
جوهر مفكر ،الوعي عند كانط هو فقط المبدأ الذي يستطيع اإلنسان من خالله تجميع وتنظيم االنطباعات
المتلقاة .إنه يقيم صلة بين العناصر المختلفة التي تشكل تمثيلنا للعالم وأنفسنا ،من خالل إعادتها إلى أنا
يعتبر دائما ثابتا ومتطابقا مع نفسه – على الرغم من تعاقب الحاالت التي يمكن أن تؤثر عليه.
كانط يعتمد هنا على النقد الذي وجهه ديفيد هيوم إلى ديكارت ،ويتجاوزه .إذا فحصت ما يحدث في
اعماق ذاتي ،يقول لنا هيوم ،فإنني أدرك فقط انطباعات معينة .لن أقوم أبدا باختبار أي شيء يكون هو
األنا .إذن ،األنا غير موجود .ومع ذلك ،يخبرنا كانط ،على الرغم من أنني ال أستطيع إثبات وجود األنا،
ال يمكنني أثناء االختبار إال أن أعيد تلك التجارب الخاصة إلى مبدأ موحد هو األنا.
• لكن األنا هو أيضا ذات أخالقية ،أي شخص .إنه يحمل أيضا قيمة مطلقة تضع اإلنسان فوق كل
الكائنات أو األشياء األخرى .فاإلنسان كذات عاقلة ،بمعنى له القدرة على الحكم ،هو صانع تمثالته .إنه
إرادة“ ،أنا أريد” حر ومستقل ذاتيا (ال أحد يحدده غير ذاته) .باعتباره إرادة حرة ،هو الكائن الوحيد الذي
ال يمكن “امتالكه عن إرادة” .فعال ،إذا كان اإلنسان صانع أفكاره وأفعاله ،فهذا يعني أنه ليس أبدا وسيلة
أو أداة يمكن استخدامها لتحقيق شيء آخر ،كما هي الحال في الطبيعة أو األشياء .اإلنسان هو دائما غاية
في حد ذاته .كل ما يريده اإلنسان هو غاية اإلنسان.
• األنا كوظيفة فهم (أي الملكة التي نفكر بها األشياء عن طريق المفاهيم) تكون كونية .كل الناس ،حتى
أولئك الذين ليس لديهم كلمات معينة في لغتهم ،يمتلكون هذه الوظيفة ،على الرغم من أنها ال تظهر إال
متأخرة عند الطفل.
في الواقع ،بمجرد أن تظهر هذه القدرة نفسها ،فإنها تشكل لحظة أساسية ال رجعة فيها في تطور اإلنسان.
اإلنسان ال يولد إنسانا ،بل يصير إنسانا .في الطفولة المبكرة ،يشبه اإلنسان حيوانا ،قادرا ببساطة على
اإلحساس ،على إدراك نفسه بمعرفة بديهية وفورية .عندما يكتسب الوعي الذاتي ،يتوصل اإلنسان إلى
الفكر ،إلى النشاط الفكري الذي يسمح له بأخذ مسافة عن نفسه وبإدراك نفسه كذات .في هذه المرحلة
يمكننا أن نقول أن الفرد دخل إلى دائرة اإلنسانية .وبالتالي فإن الوعي الذاتي هو عالمة على اإلنسانية
في اإلنسان.
سوف ننطلق في هذه المرحلة من نص لهيغل مكون من أربع فقرات ومقتطف من كتابه “مدخل إلى علم
الجمال” .في الفقرة األولى يقول فيلسوف ينا إن اإلنسان كائن وهب الوعي ويفكر ،وهذا يعني أنه مما هو
كائن ،أيا كانت طريقته في الكينونة ،يصنع وجودا لذاته .توجد أشياء الطبيعة فوريا فقط وبطريقة واحدة،
بينما اإلنسان لكونه روحا ،له وجود مزدوج؛ إنه موجود ،من ناحية ،بنفس الطريقة التي توجد بها أشياء
الطبيعة ،ولكن من ناحية أخرى ،هو موجود أيضا من أجل ذاته ،إنه يتأمل ذاته ،ويتمثل نفسه بنفسه،
يفكر في ذاته وليس له روح إال من خالل هذا النشاط الذي يشكل وجودا لذاته.
في الفقرة الثانية والثالثة من هذا النص يقول هيغل إن اإلنسان يكتسب الوعي الذاتي بطريقتين :أوالً ،من
الناحية النظرية ،ألنه يجب عليه أن ينظر إلى نفسه ليعي كل حركات وطيات وميول قلب اإلنسان،
وبصورة ليتأمل ذاته ،ليتمثل هو نفسه ما يمكن أن يقرره الفكر لذاته كجوهر ،وليتعرف أخيرا على ذاته
بشكل حصري ،سواء في ما يستمده من أعماقه أوفي المعطيات التي يتلقاها من الخارج .ثانياً ،يتشكل
اإلنسان لذاته من خالل نشاطه العملي ،ألنه مجبر على أن يجد ذاته ،على أن يتعرف على نفسه في ما
يمنح له على الفور ،في ما يُقدم له من الخارج .إنه يحقق ذلك عن طريق تغيير األشياء الخارجية ،التي
يضع عليها طابع داخليته والتي يجد فيها قراراته الخاصة .وهكذا يتصرف اإلنسان ،بحكم حريته كذات،
ليزيل عن العالم الخارجي خاصيته الغريبة على نحو شرس وحتى اليستمتع إال باألشياء التي يجد فيها
شكال خارجيا من واقعه الخاص به.
في الفقرة الرابعة واألخيرة يشير هيغل إلى أن هذه الحاجة إلى تعديل األشياء الخارجية مدرجة بالفعل في
الميول األولى للطفل؛ الولد الصغير الذي يرمي الحجارة في السيل ويتأمل الدوائر التي تتشكل في الماء،
يتأمل عمال يتمتع فيه بمشهد من إنتاج نشاطه الخاص.
• في الفقرة األولى ،يحدد هيجل خصوصية اإلنسان :الوعي الذاتي .يتميز الوعي الذاتي هنا عن الوعي
الذي يشير إلى اإلدراك الفوري للعالم .الوعي الذاتي هو انعكاسي بشكل أساسي (“لذاته”) ،وهذا هو ما
يشكل الفكر بشكل صحيح.
في اللغة الهيغلية (التي استعادها سارتر في وقت الحق) ،يعني الوجود لذاته الوجود الموهوب بالوعي
الذاتي في مقابل الموجود في ذاته ،الذي يعني أشياء الطبيعة .هذا التمييز لذاته /في ذاته موضح في نهاية
الفقرة األولى.
توجد أشياء الطبيعة فقط على الفور وبطريقة واحدة ،في حين أن لإلنسان ،ألنه روح ،وجود مزدوج؛ من
ناحية ،يوجد بالطريقة نفسها التي توجد بها أشياء الطبيعة ،ولكن من ناحية أخرى ،فهو موجودة لذاته،
يتأمل ذاته ،ويتمثل ذاته ،ويفكر في ذاته ،وهو ليس روحا إال من خالل هذا النشاط .الذي يشكل الوجود
لذاته.
يعود هيغل إلى التمييز الموضوع في السطر األول بين الوعي والفكر من خالل معارضة طريقتين
للوجود في العالم ،تلك الخاصة بأشياء الطبيعة وتلك الخاصة باإلنسان .الكائنات الحية “واعية” بوسطها،
تنحصر في نظام من التفاعالت مع وسطها .هذه العالقات فورية .الحيوان في عالقة مستمرة مع الوسط
الطبيعي :إنه الطبيعة في الطبيعة .إنه يعيش في عالقة خارجية مع ذاته.
اإلنسان في عالقته بالعالم وبذاته يؤخذ على النقيض من العالقة “المنقسمة” )1 .اإلنسان أيضًا كائن حي،
كائن طبيعي ،وأيضا ،ككائن طبيعي يتم اكتشافه في هذه العالقة المباشرة بالطبيعة .ولكن – وهذا أمر
مهم ألن هذا هو المكان الذي يكمن فيه االختالف – )2كما أنه قادر على االرتداد عن هذه الطبيعة ،على
الخروج من فورية هذه العالقة ،للنظر في ذاته على وجه الخصوص ،لمراقبة الذات ،من حيث عالقتها
بالطبيعة.
حركة البعد عن العالم هذه (ما يسميه هوسرل “ )”l’épochèوالعودة للذات ،تحدد الوعي الذاتي أو
بشكل أعم نشاط الفكر الذي يميز اإلنسان .هنا ،ال بد من إبداء مالحظة وهي أنه لوصف هذه الحركة
التي انسحب بها اإلنسان من العالم لمالحظة ذاته في العالم ،يضرب برنارد شتيغلر مثل السمك الطائر،
الذي ينهض بشكل متقطع فوق وسطه الطبيعي.
• يتشكل الوعي الذاتي ،حسب هيغل ،بطريقتين :نظرية وعملية .من الناحية النظرية ،يتكون الوعي
الذاتي من خالل المعرفة التأملية المؤدية إلى معرفة الذات بنفسها ،إلى أن تغدو هي نفسها موضوعا
ألفكارها الخاصة.
يحيلنا هيغل هنا إلى التقليد الفلسفي .منذ القديس أوغسطين وديكارت ،تدرس الفلسفة تشكل الوعي الذاتي
أو الكوجيتو من خالل اقتصارها على وجهة النظر التأملية أو النظرية .نظر القديس أوغسطين في كتابه
“اعترافات” بعمق إلى ثنايا القلب والروح اإلنسانية ،ورأى ديكارت في الوعي الذاتي جوهر اإلنسان.
ما لم يره التقليد الفلسفي أو استصغره هو أن الوعي الذاتي يتشكل أيضا في نشاط عملي .فاإلنسان يتشكل
لذاته من خالل نشاطه العملي ،ألنه مدفوع للعثور على ذاته ،للتعرف على ذاته في ما يمنح له بشكل
فوري ،في ما يتم تقديمه له من الخارج.
قبل أن يكون موهوبا بملكة تأملية ،اإلنسان كائن راغب (هو مدفوع …) .هذا التحديد ضروري عند
هيغل :إذا كان اإلنسان يفكر فألنه يرغب ،ألن طبيعته الراغبة تدفعه إلى العمل ،إلى مواجهة واقع
خارجي.
اإلنسان هو أوال وقبل كل شيء كائن ذو احتياجات .في الواقع ،حتى يبقى اإلنسان على قيد الحياة ويلبي
احتياجاته ،يتعين عليه أن يعمل ،أي أن يحول األشياء الطبيعية من أجل إنتاج سلع مفيدة لوجوده .في
عمله على تحويل الطبيعة ،ال يعبر اإلنسان عن نفسه كحيوان يسترشد بغريزته ،ولكن ككائن موهوب
بالفكر ،أي أنه قادر على أخذ مسافة تفصله عن نشاطه ،قادر على مراقبة ذاته في هذا النشاط ومنح ذاته
غايات نشاطه.
إنه يحقق ذلك عن طريق تغيير األشياء الخارجية التي يدمغها بختم داخليته والتي يستعيد فيها قراراته
الخاصة .فاإلنسان الذي يحول الطبيعة“ ،يؤنسن” الوسط التي يعيش فيه .وحتى لو استخدم قوانين
الطبيعة ،فإن اإلنسان ينتج وسطا اصطناعيا وثقافيا يتم التعبير فيه عن إرادة اإلنسان .وهكذا عندما
يالحظ اإلنسان نتاج عمله ،فإن ما يجد فيه ليس الطبيعة بل اإلنسان .هكذا يتيح النشاط العملي لإلنسان أن
يتحقق بشكل ملموس في أعماله ،كوعي ذاتي .فألنه كائن فاعل في الطبيعة ،يكون قادرا ،من خالل
التأمل ،على اكتشاف ذاته ومعرفة ذاته كما هو ،على أن يتأمل ذاته في عمله كطفل “يتمتع بمشاهدة
نشاطه الخاص”.
على سبيل الختم ،نخلص إلى أن ما يسميه هيجل الفكر أو حياة الروح أو الفكر ،ال يقتصر على النشاط
التأملي أو النظري .إنه يشمل جميع األنشطة التي تتحرر بها البشرية من نير الطبيعة وتتحقق كوعي
ذاتي حر قادر على رسم أهدافه بنفسه .هذه الحركة لتحقيق اإلنسانية تأخذ شكل التاريخ.
د) هل الوعي الذاتي ممكن؟
من وجهة نظر نقدية ،ليس الوعي الذاتي مرادفا بالضرورة للمعرفة الذاتية .فإذا لم يكن هناك من ينفي أن
خصوصية الفكر اإلنساني تكمن في القدرة االنعكاسية التي بواسطتها يضع اإلنسان ذاته كموضوع
ألفكاره أو أفعاله ،فإن العديد من المفكرين سوف يشككون في التأكيد الديكارتي عللى أن الوعي الذاتي
مرادف دائما للمعرفة الذاتية .من هؤالء نخص بالذكر بليز باسكال ودفيد هيوم.
• بالنسبة إلى باسكال (القرن السابع عشر)“ ،ما اإلنسان سوى تمويه ،سوى كذب ونفاق” .هو كذلك تجاه
اآلخرين ،ولكن تجاه نفسه أيضا “ .ال يريد أن تقال له الحقيقة ،يتجنب قولها لآلخرين …” هذا االستعداد
للعيش في والهم متجذر في عمق قلب اإلنسان .بل يدخل في طبيعة اإلنسان .هكذا يكون اإلنسان محكوما
عليه بأال يعرف نفسه.
• كان هيوم (القرن الثامن عشر) فيلسوفا تجريبيا ،وهذا يعني بالنسبة له أن كل معرفة أو علم تقوم على
الخبرة أو العادة .على هذا األساس ،تساءل عن وجود األنا أو “الجوهر المفكر” .ووفقا له ،فإن جميع
العناصر التي تشكل نفسيتنا تأتي بشكل مباشر أو غير مباشر من التجربة .وبالتالي فإن الذات أو الوعي
الحميم المفترض للنفس ليست سوى سلسلة من التصورات الخاصة .لن أتمكن أبدا من “إدراك نفسي”
كوحدة متميزة ،كما اعتقد ديكارت .لذلك ال يوجد كائن أو جوهر من شأنه أن يكون األنا.
يقول دفيد هيوم“ :هناك فالسفة يتخيلون أن لدينا في جميع األوقات وعيا عميقا بما نسميه األنا ،وأننا
نشعر بوجوده ومثابرته في الوجود ،وأننا على يقين ببداهة تتجاوز كل برهان من هويته وبساطته.
أدخ ل إلى ما هو أكثر حميمية في ما أسميه نفسي ،أحصل دائما على إدراك معين أو بالنسبة لي ،عندما ِ
على إدراك آخر :إدراك الحار أو البارد ،الضوء أو الظالم ،الحب أو الكراهية ،األلم أو المتعة .ال يمكنني
أبدا إدراك نفسي دون إدراك ،وال يمكنني أبدا مالحظة أي شيء آخر غير اإلدراك”]…[ .
من وجهة نظر نقدية مرة أخرى ،ال يشكل الوعي الذاتي سوى جزء صغير من الجهاز النفسي .هذا ما
برهنت عليه االنتقادات الحاسمة الموجهة لمفهوم الوعي الذاتي من قبل فرويد الذي بين لدى اكتشافه
للتحليل النفسي أن الوعي الذاتي ليس سوى جزء صغير من نشاط النفس البشرية وأن الذات بعيدة عن أن
تكون “سيدة في منزلها “ .على العكس من ذلك ،فهي موزعة بين ثالثة مستبدين :العالم الخارجي ،األنا
األعلى والهو.
الوعي في علم النفس هو حالة وعي الفرد بأفكاره أو مشاعره وأحاسيسه ،وهو يكون حالة الوعي بشيء
خارجي أو شيء ما داخل النفس ،ومن أجل تجربة الوعي ،يجب أن يكون المرء مستيقظًا وواعيًا ،وهو
يكون حالة الوعي بشيء خارجي أو شيء ما داخل النفس ،في وقت من األوقات ،كان العديد من
العلماء ينظرون إلى الوعي بتشكيك ،ولكن في السنوات األخيرة ،أصبح موضوعًا مه ًما للبحث في علم
النفس وعلم األعصاب ،فالوعي يتجسد من الجهاز العصبي ويمنحنا القدرة على أن نكون مدركين ،
ولدينا مجموعة من المشاعر والمعتقدات حول كل من البيئة وأنفسنا ،ووفقًا للفيلسوف جون سيرل ،فإن
الوعي ظاهرة بيولوجية مثل أي ظاهرة أخرى ،مثل الهضم أو االنقسام الخلوي ويكون للوعي عدة
وظائف ،وهي تشمل:
إدراك البيئة
ويكون األهم من ذلك هو أن الوعي يرتبط باآلليات النفسية التي تتلقى حاليًا مستوى من االهتمام ،مما
يؤدي إلى تركيزها وتنشيطها ،وفي غياب الوعي ،تستمر العديد من عملياتنا النفسية في الخلفية دون أن
يالحظها أحد.
يمكن أن تختلف درجات الوعي بشكل كبير ،من ال شيء ،أثناء الغيبوبة ،إلى درجة عالية عند اليقظة ،
ولكي يختبر الفرد محتوى واعيًا يجب أن يكون لديه مستوى وعي غير صفري ،ولقد ميز العلماء بين
عدة أشكال مختلفة من الوعي ،فيما يلي نتعرف عليها:
يقترح نيد بلوك ،وهو فيلسوف في جامعة نيويورك ،أن الوعي بالوصول هو ما يمكن اإلبالغ عنه
واستخدامه بواسطة العمليات المعرفية األخرى ،مثل اإلدراك والذاكرة ،بينما يظل الوعي الظاهر
خاصًا وخا ًما وغير ممكن’ الوصول إليه.
ويميز الرأي البديل بين مستوى الوعي المنخفض والعالي ،حيث يصف الوعي الهائل بالمشاعر
واألحاسيس التي تنتمي إلى الحاضر وهو في األساس الطريقة التي تحصل بها الكائنات الحية بأدمغة
على معلومات حول البيئة ،في حين أن المستوى األعلى من الوعي ،الذي ربما يكون غريبًا على
البشر ،يسهل العقل والتفكير والشعور بالذات الذي يمتد إلى ما بعد الحاضر.
ومع ذلك ،هناك العديد من التحديات التي يتعين على نظريات الوعي التغلب عليها ،عندما قدم
Troianiو Priceو Schultzمحفزات للمشاركين خارج مجال رؤيتهم ،أبلغوا عن عدم رؤيتهم
للصور ،ومع ذلك ،فإن الوجوه والبيوت المخيفة غير المرئية تسببت في زيادة تنشيط مناطق الدماغ
المرتبطة بالخوف.
نظريات $الوعي
يعتقد الكثيرون أن أجهزة الكمبيوتر المبرمجة بشكل مناسب يمكن أن تصبح واعية ،يعتقد كريستوف
كوخ خالف ذلك ،حيث قال في مقابلة له ،أن الوعي ليس اختراقًا ذكيًا ،ال تنشأ الخبرة من الحساب ،
وقد قلق ستيوارت راسل أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا ،بشأن ما إذا كان سلوك نظام
الكمبيوتر واعيًا أم ال ،وينحصر قلقه فيما إذا كان الذكاء االصطناعي لديه القدرة على أن يصبح شريرًا
ويضر المجتمع ،فيما يلي نتعرف على نظريتين للوعي:
يعرف نظرية المعلومات المتكاملة الوعي بأنه ناشئ ،يعتقد أن الوعي ينبثق من السلوك المعقد للدماغ ،
يصف Kochنظرية المعلومات المتكاملة بأنه يربط بين دراسة طبيعة الوجود والظواهر ،ودراسة
كيفية ظهور األشياء ،إنها نظرية عميقة ومعقدة ذات أسس رياضية تتنبأ بالظواهر الجديدة ونتائج أبحاث
التخدير الحديثة ،يحاول IITتحديد الخصائص األساسية للوعي وتفسيرها في تعقيد النظام األساسي.
يعتمد الوعي على العديد من العمليات المتخصصة الالواعية التي تعمل بالتوازي ،على سبيل المثال ،
تعمل الحركة وإدراك العمق ومعالجة األلوان معًا في النظام المرئي.
االنتباه والوعي مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ،االنتباه يشبه اختيار قناة تلفزيونية والوعي يشبه الصورة على
الشاشة.
وقد قدمت األبحاث دع ًم ا الفتراضات نظرية مساحة العمل العالمية ،ومع ذلك ،في حين أن النهج يفسح
المجال لمهام اإلدراك البصري ،فإنه أقل سهولة في تطبيقه على المعرفة الذاتية أو العمليات النفسية
األخرى.
تقليديًا كان يُقاس الوعي بشكل ذاتي ،أي بسؤال شخص ما عن مدى وعيه بشيء ما ،وما يتم اختباره
هنا (الوعي الهائل) وما يمكنك اإلبالغ عنه لتلك التجربة من خالل الوصول إلى الوعي.
ومع ذلك ،فقد أدى المزيد من البحث إلى إمكانية قياس الوعي بشكل موضوعي وتسجيله باستخدام
وحدات تعرف باسم فاي .phi
في دراسة أجريت عام ، 2018تم توصيل المرضى بمخطط كهربية الدماغ عبر أقطاب كهربائية
متصلة بفروة الرأس قبل التخدير ،عندما انجرفوا إلى حالة الالوعي ،كان من الممكن تسجيل موجات
الدماغ وتتبع االنخفاض في فاي.
يصف جوليو تونوني فاي بأنها مقدار الوعي في نظام ،بيولوجي أو اصطناعي ،عادةً ما يكون مرتفعًا
في نظام الوحدات المتخصصة التي يمكن أن تتفاعل بسرعة وفعالية ،كما يقول يبدو أيضًا أن phi
يختلف داخل الدماغ ،حيث تظهر مناطق مختلفة من تشريح الدماغ درجات متفاوتة من الوعي.
دراسات عن الوعي
التخدير
كان التخدير حاس ًم ا في الجراحة ألكثر من قرنين من الزمان ،ومن المدهش أن كيف يتحول الشخص
الواعي إلى فاقد للوعي ظل غير واضح ،وسجلت دراسة أجريت عام 2018من قبل Kimو
Hudetzو Leeو Mashourو Leeموجات الدماغ للمرضى الذين يخضعون للتخدير ،وأكدت
النتائج التي توصلوا إليها أن الوعي ليس مثل مفتاح التشغيل ،سواء كان مفتوحًا أو مغلقًا ،وبدالً من ذلك
،مع زيادة جرعة التخدير ،يقع مقياس فاي مقياس للوعي ،إلى النقطة التي يكون فيها كل اإلدراك
غائبًا ،ويفشل المريض في االستجابة ،حتى لأللم ،تشير األبحاث إلى أن هذا االنخفاض في الوعي قد
ينتج عن قدرة التخدير على إيقاف اإلثارة داخل الدماغ ومنع تكامل المعلومات.
لسنوسي محمد السنوسي وسط كل هذه األحداث المتتالية التي تمر علينا ،نسمع مصطلح “الوعي” يتردد
بكثرة في الكتابات والسجاالت ،ونرى أصواًتا غير قليلة تدعو للتحلي بالوعي ،والسترداد الوعي،
وللمحافظة على الوعي .فما هو “الوعي؟’ وما ضرورته؟ وهل له صلة بمحاوالت االنعتاق الحضاري
من أسر التخلف واالستبداد والتبعية؟ مفهوم الوعي جاء في “مقاييس اللغة”“ :الواو والعين والياء :كلمةٌ
ْت ْال َمتَا َع فِي ْال ِوعَا ِء ُأ َوعِّي ِه” ( .)124 /6وفي ْت ْال ِع ْل َم َأ ِعي ِه َو ْعيًاَ .وَأوْ َعي ُض ِّم َش ْي ٍءَ .و َو َعي ُ
تدل على َ
َأ ْ
ب ال َّش ْي َءَ .وعَى ال َّش ْي َء َوال َح ِد َ
يث يَ ِعي ِه َو ْعيًا َو وْ عَاهَُ :حفِظَهُ َوفَ ِه َمهُ ْ ْ
يِ :ح ْفظُ القَل ِ ْ
“لسان العرب”“ :ال َو ْع ُ
ًأ هَّللا
ث( :نَض ََّر ُ ا ْم َر َس ِم َع َمقَالَتِي ْ ْ َأ ُ َأ َأ
اعَ ،وفُاَل ٌن وْ عَى ِم ْن فاَل ٍن يْ حْ فَظ َو فهَ ُمَ .وفِي ال َح ِدي ِ
ُ َأ َوقَبِلَهُ ،فَه َُو َو ٍ
ْ ْ ُ ْ ْ ْ َأْل
فَ َوعَاهَا؛ فَرُبَّ ُمبَل ٍغ وْ عَى ِمن َسا ِم ٍع) .ا زه َِريُّ :ال َو ِع ُّي ال َحافِظ الكيِّسُ الفقِيهُ” ( .)396 /15إذن الوعي
َ َ ْ َأ َّ
في اللغة يدل على فهم الشيء وحفظه وفقهه واإلحاطة به.
أما مفهوم “الوعي” ( )Cognitionفلهذا المصطلح دالالت عديدة ،ولكن أهم معانيه تتجلى من خالل
علمين أساسيين في اإلنسانيات الحديثة :علم النفس وعلم االجتماع.
في علم النفس :يشير مصطلح الوعي أوالً إلى حالة “اليقظة” العادية ،ويشير ثانيًا إلى قدرة اإلنسان
المتميزة الخاصة على الشعور بذاته ،وتمايز ذاته عن اآلخرين وعن األشياء والكائنات األخرى.
أما علم االجتماع :فقد شرع في التركيز على أن الوعي نتاج لتطور فسيولوجي لمخ اإلنسان ،ولقدرة
اإلنسان على العمل وابتكار اللغة ،وأن الوعي بهذا الشكل يصبح النتاج المباشر لتفاعل المعرفة المكتسبة
فرديًّا أو اجتماعيًّا مع الدماغ (المخ)؛ وبالتالي ،يصبح الالوعي جز ًءا من الوعي ’،ويتبادالن في الوقت
نفسه التأثير والتأثر” (مصطلحات فكرية ،سامي خشبة ،ص .255 -253 :باختصار وتصرف) .إذن،
الوعي -من ناحية عامة -معرفة يكتسبها الفرد من مجتمعه ،ومن تفاعله معه؛ وتترسخ هذه المعرفة
بحيث تصبح مركوزة في الالوعي ’،أي في العقل والشعور الباطن لدى اإلنسان؛ ثم هي معرفة قابلة للنمو
والتطور .وإذا أضاف المسلم لهذه المعرفة من المجتمع والحياة ،معرفته األساسية التي يستمدها من
الوحي -قرآنًا وسنة -فإنه يتك ّو ن لديه وعي متميز ومتمايز؛ إذ عنده ما يفتقده اآلخرون الذين يقصرون
وعيهم على الماديات وما تدركه الحواس .وال يشك عاقل في أن التحلي بالوعي بات ضرورة ملحّة؛
فالكوارث التي نحياها ،والهزائم التي نكتوي بنارها -سواء على مستوى الداخل من االستبداد ،أو الخارج
من التبعية -إنما هي بسبب غياب الوعي المناسب للتحديات المفروضة ،ولآلمال المعلقة .ولذا ،فقد شكا
الشيخ محمد الغزالي من غياب الوعي عند األمة ،فقال رحمه هللا“ :الضمير المعتل والفكر المختل ليسا
من اإلسالم في شيء .وقد انتمت إلى اإلسالم اليوم أمم فاقدة الوعي ،عوجاء الخطى ،قد يحسبها البعض
أم ًم ا حية ولكنها مغمى عليها .والحياة اإلسالمية تقوم على فكر ناضر؛ إذ الغباء في ديننا معصية” (انظر
مقدمة كتابه :كنوز من السنة ،ص.)7 :
مجاالت الوعي
أما عن الوعي المطلوب ومجاالته ،فيمكن أن نقول إن الوعي المطلوب نوعان :وعي بالذات ،ووعي
باآلخر .والوعي بالذات يشمل الوعي بها في اختالف الزمان :ماضيًا ،وحاضرًا ،ومستقبالً .والوعي بها
في اختالف المكان :وطنًا وإقلي ًما وأمة.
فالوعي بالذات ماضيًا :أي معرفة من نحن ،وكيف نشأنا ،وما مسيرتنا ،وهل لنا تاريخ نتصل به ونستفيد
منه ،أم إننا نبدأ من نقطة الصفر ،كما يزعم البعض .وكيف يكون ماضينا زادًا ينير الدرب ويقوّم
الخطوات.
والوعي بالذات حاض ًر ا :أي معرفة واقعنا الذي نحياه ،في مختلف المجاالت ،بدقة؛ فندركه كما هو ،دون
تجميل أو تقبيح ،ودون تهويل أو تحقير .إضافة للوعي بما يفرضه علينا واقعنا من قضايا واهتمامات
وأولويات؛ حتى نحسن التعاطي معه ،وال ننفصل عنه.
والوعي بالذات مستقبالً :أي باآلمال المرتجاة ،وبالفرص المتوقَّعة ،وبكيفية التعامل معها من خالل
اإلمكانات المتوافرة؛ حتى نجمع بين المثالية والواقعية في وسطية واتزان ،وال نجنح يمنة أو يسرة.
وأما الوعي بالذات في اختالف المكان ’،فهو ضروري ألن أمة اإلسالم أمة واحدة ،وال يليق بآحادها
التقوقع داخل المحيط األصغر .وهذه الدوائر الثالثة -الوطن ،واألمة العربية ،واإلسالمية -تتكامل وال
تتعارض .وتلك الحقيقة يدركها الغرب جيدًا ،ويتعامل معنا على أساسها ،رغم أن البعض منا ال ينظر
أبعد من دائرته الضيقة ،ويحسب أنه يستطيع النجاة بمفرده! فمن المفارقات حقًّا أن الغرب يتعامل مع
األمة اإلسالمية باعتبارها “رقعة شطرنج” ،تقف عناصرها المتعددة على أرضية واحدة؛ بينما عناصر
هذه األمة تتعامل مع نفسها كقطع منفردة ،ال صلة تربطها ،وال قانون يجمعها! ليتنا ننظر ألنفسنا كما
ينظر اآلخرون لنا! بجانب هذا الوعي بالذات ،هناك الوعي باآلخر ،وال تستقيم معرفة الذات حتى نعرف
اآلخر ،ولهذا قيل :بضدها تتميز األشياء .فيجب أن نعرف كيف يفكر اآلخر ،وما نقاط قوته وضعفه ،وما
عوامل التالقي والحوار التي تجمعنا ،وأسباب االختالف والنزاع التي تفرقنا .وهل “اآلخر” كتلة مصمتة
ال مفر من الصدام معه ،أم هناك “آخر” يمكن الحوار والتفاهم معه على أرضيه مشتركة ،و”آخر” غير
ض ِّي سنوات على
ممكن معه ذلك .لقد رفع العرب بعد هزيمة 67شعار “اعرف عدوك”؛ ورغم ُم ِ
الهزيمة النكراء التي تركت آثا ًر ا عميقة في تاريخنا المعاصر ،ورغم ما تالها من محاوالت للتعرف
على األعداء ،من خالل إقامة مراكز أبحاث ودراسات علمية؛ فإن الواقع يشهد على أن معرفتنا باآلخر
ليست بالمستوى المطلوب ..هذا مجرد مثال!
جماعية الوعي
وفيما يتصل بقضية الوعي عمو ًما ،نلفت النظر إلى أمرين أساسيين:
األمر األول :أن الوعي يزيد وينقص ،وليس أمرًا ثابتًا ..فقد يتوافر الوعي عند اإلنسان في وقت ما ،ثم
ينحسر .وقد يتوافر الوعي بقضية ما دون قضية أخرى .وقد يوجد الوعي بدرجة لكنها درجة غير كافية.
فالوعي يزيد بالقراءة ،والتجربة ،واليقظة ،والتأمل ،وينقص بأضداد هذه األمور؛ أي الجهل ،وعدم
الخبرة ،والغفلة ،وإهمال العقل.
أما األمر الثاني فهو أننا بحاجة ماسة إلى “الوعي الجماعي”؛ فواقعنا بلغ من التعقيد بحيث ال يستطيع
فرد -مهما كان -أن يلم بخرائطه وتشابكاته .ولذا ،أنشئت المجامع الفقهية ،واللغوية ،ومراكز األبحاث،
وما يطلق عليه ( )Think Tanksأي مراكز التفكير.
تجريف الوعي وال يخفى على المراقب أن أمتنا قد تعرضت ،خاصة في العقود األخيرة ،إلصابات أدت
إلى تجريف الوعي عند أعداد وشرائح ال يستهان بها؛ بحيث أصبحت رؤيتها مش َّوشة ،وطريقة إدراكها
لذاتها ،وقيمها ،والعالم من حولها؛ طريقة غير سوية .األمر الذي يستدعي مضاعفة الجهد ممن يشتغلون
بالوعي ’،ويهتمون بتصحيح مساره .إن قضية الوعي ينبغي أن نوليها أهمية تتناسب مع قدرها؛ إذ هي
قضيةُ حيا ٍة أو موت ،وجو ٍد أو فناء ،فاعلي ٍة أو خمول!
الوعي اإلنساني
هو تجربة ذاتية للواقع الخارجي ،والتي يتم التعبير عنها في التقرير الذاتي لهذه األحداث .التعريف
األوسع لمفهوم الوعي هو خاصية النفس التي يتم من خاللها عرض األحداث الخارجية ،بغض النظر
عن مستوى التنفيذ (البيولوجي أو االجتماعي أو الحسي أو العقالني) .بمعنى أضيق ،هذه وظيفة دماغية
خاصة بالناس فقط ،والتي ترتبط بالكالم ،في انعكاسات هادفة ومعممة لظواهر الواقع ،والبناء األولي
لألفعال في عقل النتائج والتنبؤ بها ،وتتجلى في اإلدارة العقالنية والتحكم الذاتي في اإلجراءات من
خالل التفكير .
مفهوم الوعي اإلنساني هو موضوع البحث في العديد من العلوم (علم النفس ،الفلسفة ،علم االجتماع) ،
يحاول العلماء كشف معنى وجود هذه الظاهرة وحدوثها.
الوعي هو مرادف :العقل ،الفهم ،التوضيح ،الفهم ،الفكر ،العقل ،وبعد ذلك سيتم استخدامها في
النص.
أشكال الوعي
هناك الوعي الفردي واالجتماعي .األول ،الفرد هو وعي كل فرد بشخصيته الفردية من خالل كيانه
االجتماعي .إنه عنصر الوعي العام .ثانيا ً ،مفهوم الوعي العام هو الوعي الفردي المعمم لمختلف
الشخصيات .يحدث هذا التعميم تاريخيا ،في عملية طويلة .لذلك ،يعتبر أيضا مجموعة.
في الوعي الجماعي ،من الضروري مراعاة سمتين -هذا هو التواصل االجتماعي لألشخاص ،كعامل
مهم والقوة العامة لهؤالء األشخاص في توحيد قواتهم الفردية.
الوعي الفردي لألفراد العاديين يحدد دائ ًما الوعي الجماعي .ولكن نموذجيًا فقط لمجموعة معينة ،والتي
تتناسب مع تواتر الظهور ،فإن قوة التعبير في أي وقت ،أي ،المجموعة المقبلة ،توجه تطوير هذه
المجموعة.
تعتمد األشكال الجماعية والجماعية للوعي على الوعي العام وتحددها العالقات بين أعضاء المجموعة.
وبالتالي ،فإن تلك الظواهر العقلية التي تميز عملية االتصال تمثل مختلف الظواهر في الوعي الجماعي.
األخير ،بدوره ،ينقسم إلى عدة أشكال من الوعي .األحداث األكثر تحديدًا هي األحداث الضخمة ،فهي
تشكل مزاجًا عا ًما وتخلق منا ًخا نفسيًا جماعيًا .هذه المزاجات ناتجة في الغالب عن العالقات الشخصية.
إذا كانت المجموعة تتمتع بعالقات جيدة ودافئة وموثوقة ،فسيكون المناخ النفسي مناسبًا وستكون حل
مشكالت هذه المجموعة أسهل .ولكن إذا تم إدخال شخص ما في مثل هذا الفريق ،وتبديد العداء بين
أعضاء المجموعة ،بطبيعة الحال ،فإن المناخ النفسي سوف يتدهور ،وسوف تبدأ كفاءة العمل في
ض ا ،يمكن أن يؤثر التكاثر التربوي على الحالة المزاجية الجماعية في مجموعة ما -وهي االنخفاض .أي ً
تغييرات في الحالة المزاجية تصل إلى حالة مؤلمة وتسببها سلوك فظ وتأثير القائد.
شكل آخر من أشكال الوعي الجماعي هو الذعر .الذعر هو مظهر من مظاهر الخوف ،وحالة التأثير
التي تلتقط مجموعة كاملة ،وتحت تأثير التقليد المتبادل ،تزداد حدة.
الموضة هي شكل من أشكال الوعي الجماعي ،عندما يبدأ الناس في تقليد بعضهم البعض ،على قدم
المساواة مع الرأي العام واالعتماد على إخطار وسائل اإلعالم فيما يتعلق بما يجب أن يرتدوه ،
وارتداء ،وارتداء ،ونوع الموسيقى لالستماع إليها.
ضا شكل من أشكال الوعي الجماعي ،فهو يعزز تركيز كل عضو في حل مهام التفكير الجماعي هو أي ً
ضا المبادرة.
الفريق ،ويجعل من الممكن التفكير فيه وإلقاء الضوء عليه من زوايا مختلفة ،ويشجع أي ً
يضيف التفكير الجماعي األهمية للقرارات ،وهذا يساهم في تطوير النقد الذاتي لدى كل عضو من
أعضاء المجموعة ،ويثري معارف وخبرات البعض من خالل اكتساب المعرفة من اآلخرين ،ويخلق
لهجة عاطفية إيجابية ،ويخلق مواقف المنافسة ،ويحسن األداء ،ويقلل من الوقت لحل المهمة .يساهم
حل مهمة واحدة في ظهور مهام جديدة وبالتالي يحفز تطور المجموعة وتقدمها ،فالتفكير الجماعي يدفع
الفريق إلى األمام.
ينقسم شكل الوعي العام إلى عدة أنواع :الدين ،العلم ،القانون ،األخالق ،األيديولوجية والفن .أشكال
مثل الدين والقانون واألخالق والفن ،والظواهر االجتماعية مستقلة نسبيا وتدرسها علوم مختلفة .للوعي
األخالقي والجمالي عالقة يمكن مالحظتها يوميًا ،على سبيل المثال ،غالبًا ما توصف األعمال األخالقية
بأنها جميلة ،والعكس صحيح ،تسمى األفعال غير األخالقية المقززة أو القبيحة.
يستخدم الفن الديني من خالل رسم الكنيسة ،لتعميق المشاعر الدينية ،وبشكل عام ،الوعي الديني لكل
شخص ومجموعات بأكملها .في مجموعات صغيرة ،يعد الوعي الديني ظاهرة من علم النفس الديني
الذي يتضمن النظرة الدينية العالمية للفرد والجماعات.
الشكل الفلسفي للوعي هو النظرية للعالم ،ومعرفة قوانين الطبيعة واإلنسان والمجتمع ،فإنه يحدد
أساليب معرفتهم .إنها تعكس كونها في شكل مفاهيمي ،وتؤدي الوظائف المعرفية واأليديولوجية.
الطبيعة العلمية للوعي هي انعكاس منهجي منطقي للعالم من خالل تطبيق النظريات العلمية والحجج
والحقائق ،ويتم عرضها في عقول الناس في فئات القوانين والنظريات .يسمح للشخص بالتفكير في
الفئات ،وتطبيق مبادئ مختلفة للمعرفة من أجل اكتشافات جديدة .يمكن أن ينظر إلى تطبيق الوعي
العلمي في جميع أنواع مجاالت اإلنسان.
ظهرت األخالق ،كشكل من أشكال الوعي ،وتغيرت ،وكذلك علم النفس األخالقي للمجموعة ،التي
تعمم تجربة التواصل االجتماعي المفيدة في المجموعات وفي الظروف المناسبة.
تعتمد أخالقيات الوعي على فئة األخالق ،إنها أقدم أشكال الوعي االجتماعي ،وهي تمر أيضًا بجميع
مجاالت النشاط البشري (المهنة ،الحياة ،األسرة) .ينعكس ذلك في الفئات التي يفكر فيها الشخص
ويسترشد بها :الخير والشر والضمير والكرامة وغيرها .يتم تحديد األخالق من خالل آفاق المجتمعات
والطبقات المحددة .في المعايير األخالقية ،يتم عرض القيم العالمية ،بمعزل عن الطبقة االجتماعية ،
والقيم األخالقية :اإلنسانية ،والشرف ،والمسؤولية ،والرحمة ،والجماعية ،واالمتنان ،والكرم.
بدأ الوعي السياسي بالظهور مع تشكيل الدولة والطبقات ومجال السياسة .إنه يعكس تفاعل الطبقات
والجماعات االجتماعية ،والمكان ودورها في سلطة الدولة ،والعالقات بين األمم والدول ،موجهة
بدوافع اقتصادية .إنه يدمج جميع أشكال الوعي االجتماعي .تتأثر بمختلف المجاالت :الدين ،العلم ،
القانون ،لكن القيادة تبقى سياسية .كما أنه عنصر من عناصر أداء النظام السياسي في البالد .لديه
مستويين :المستوى اليومي العملي والمستوى العقائدي النظري .على المستوى النظري العادي ،تترابط
الخبرة والتقاليد ،العاطفية والعقالنية ،التجربة والتقاليد ،تظهر تلقائيًا ،من نشاط الناس وتجربتهم
الحياتية .كما أنه غير مستقر ،ألنه موجود تحت التأثير واالعتماد على ظروف المعيشة ،وعواطف
الناس والخبرات المتغيرة باستمرار.
يعد استخدام الوعي العادي أمرًا مه ًم ا ألنه يتميز بسالمة فهم الحياة ،ومع المعالجة اإلبداعية يكون أساس
الوعي النظري .يتميز الوعي السياسي النظري باكتمال وعمق انعكاس الواقع السياسي ،الذي يتميز
بالقدرة على التنبؤ بآراء وتنظيمها .يمكنها تطوير برنامج سياسي ،باالعتماد على المجالين االقتصادي
واالجتماعي .هذه األيديولوجية السياسية قادرة على التأثير بفعالية على مستوى الوعي العام .فقط
األشخاص المدربين تدريبا ً خاصا ً الذين يشاركون في فهم قوانين الحياة االجتماعية ويشاركون في
"اإلبداع السياسي" يعملون على خلق اإليديولوجية .يمكن أليديولوجية حسنة التنظيم أن تؤثر على وعي
المجتمع ككل ،ألنه ليس نظا ًما سهالً لوجهات النظر ،ولكنه دعاية جيدة التنظيم تنتشر في جميع
قطاعات ومجاالت المجتمع ،التي تستخدم سلطة الدولة وتستخدم وسائل اإلعالم والعلوم والثقافة والدين.
في الوعي القانوني ،هناك صلة كبيرة بالمصالح السياسية ،بما في ذلك المصالح السياسية واالقتصادية
لمختلف الفئات االجتماعية .إنه يؤثر على مجاالت مختلفة من الحياة العامة حيث يؤدي الوظائف التالية:
التنظيمية والمعرفية والتقييمية.
ض ا ،له طابع تاريخي ،ويعتمد تطوره على الظروف االقتصادية والسياسية وظروف إنه قانوني أي ً
المعيشة ،وينشأ جنبًا إلى جنب مع المظاهر األولى للتنظيم السياسي للمجتمع والقانون والتقسيم إلى
طبقات ويعكس العالقات بين األفراد والمنظمات والهيئات الحكومية المرتبطة بالحقوق و واجبات ،
ضامنهم هو القانون.
الوعي االقتصادي يعكس المعرفة ونظريات النشاط االقتصادي واالحتياجات االجتماعية .يتم تشكيلها
تحت تأثير الظروف التاريخية وتحددها الحاجة إلى الوعي بالتغيرات االقتصادية واالجتماعية .كما
تهدف إلى تحسين الواقع االقتصادي.
الجوانب البيئية لوعي اإلنسان تؤدي وظائف عامة .بادئ ذي بدء ،الوظائف المعرفية والتعليمية .إنه
مرتبط بأشكال أخرى من الوعي :األخالقية والجمالية والقانونية .تتطلب حالة البيئة أن يكون لدى
الشخص موقف جمالي وأخالقي تجاه الطبيعة ،وفي حاالت أخرى ،يستسلم الشخص لتأثير الوعي
القانوني من أجل دفع ثمن األضرار التي لحقت بالطبيعة.
يكمن الوعي البيئي في الموقف اإلنساني تجاه الطبيعة ،ووعي اإلنسان نفسه ،كجزء من هذه الطبيعة.
المعيار في هذا هو الحاجة الروحية للعناية والرغبة في الحفاظ على جمال الطبيعة.
الوعي والالوعي
حالة الوعي هي حالة الشخص الذي يستطيع فيه أن يرى بوضوح ويفهم كل ما يحدث من حوله وما
يحدث مباشرة له ،وهو قادر على التحكم في تصرفاته ومراقبة تطور األحداث من حوله.
الالوعي -هذه هي األفعال غير المنضبط ،واألفعال الالواعية ومظاهر عقلية خاصة .هذان القطبان
مختلفان في النفس ،لكنهما في التواصل والتفاعل.
كان التحليل النفسي هو األول في علم النفس الذي يدرس الوعي الفردي وعالقته الالواعية وكيف يتجلى
في السلوك .وفقًا لهذا االتجاه ،فإن الوعي اإلنساني ال يزيد عن عُشر النفس .الجزء األكبر هو
الالوعي ،حيث يتم تخزين الغرائز والرغبات والعواطف والمخاوف ،ويكونون دائ ًما مع شخص ،
ولكن في بعض األحيان يظهرون فقط في تلك اللحظة ويقودون شخص ما.
ضا .لذلك ،فإن الوعي هو الذي يتحكم فيهالوعي مرادف للوعي ،وسيتم استخدام هذا المصطلح أي ً
شخص ،والالوعي هو ما ال يمكن السيطرة عليه ،فقط هو قادر على التأثير على الشخص .اإلضاءة
واألحالم والجمعيات وردود الفعل والغرائز -تظهر بدون إرادتنا ،وكذلك الحدس واإللهام واإلبداع
واالنطباعات والذكريات والهواجس والتحفظات واألخطاء المطبعية واألمراض واآلالم والمطالبات -
مظاهر الالشعور ،في بعض األحيان يمكن أن يتجلى البعض منهم بشكل كامل لحظة غير مناسبة أو إذا
كان الشخص ال يتوقع هذا على اإلطالق.
وبالتالي ،هناك عالقة بين الالوعي والوعي ،واليوم ال يجرؤ أحد على دحضها .كل من الواعي
والالواعي متشابكان في شخص ويؤثران عليه وعلى بعضهما البعض .يمكن أن ينفتح المجال
الالشعوري على أي شخص ،وهو ما يحدد دوافع وقوى داخلية تنقل الشخص وأفكاره وأفعاله ،خارج
الوعي.
تسترشد بهذه المعرفة ،يمكنك تحسين حياتك إلى حد كبير ،وتعلم الثقة بالحدس ،واالنفتاح على
اإلبداع ،والعمل على مخاوفك ،واالنفتاح على األفكار ،واالستماع إلى صوتك الداخلي ،وممارسة
رغباتك المضطهدة .كل هذا يتطلب تزويدًا بالقوة والرغبة ،ولكن لكي تفهم نفسك تما ًما وتطور وتحقق
األهداف وتخلص من المجمعات ،فأنت بحاجة إلى االنخراط في التأمل ومعرفة الذات عميقة.
الالوعي يخفف من عقل الحمل غير الضروري ،ويحمي من الحمل الزائد للمعلومات .إنه يضع في حد
ذاته مشاعر سلبية ،ومخاوف ،ومعلومات عن الصدمة النفسية ،وبفضل هذا ،فإنه يحمي الشخص من
الضغط النفسي واالنهيارات النفسية .بدون هذه اآللية ،لن يكون الناس قادرين على تحمل جميع
الضغوط من العالم الخارجي .بفضل التحرر من التجارب السلبية أو المعلومات غير الضرورية التي عفا
عليها الزمن ،يكون الشخص قادرًا على إدراك نفسه تما ًما.
تتجلى حماية الوعي اإلنساني في إطالق سراحه من السيطرة المستمرة على األعمال التي يقوم بها كل
يوم .مثل هذه اإلجراءات ،على سبيل المثال ،تنظيف األسنان بالفرشاة ،واستخدام األجهزة ،وركوب
الدراجة ،والكثير من األشياء األخرى تصبح آلية وال تتطلب تفسير اإلجراءات .كذلك ،فإن الشخص
البالغ ال يالحظ كيف يصنع الكلمات من الحروف عندما يقرأ ،وال يفكر في اإلجراءات التي يتعين القيام
بها من أجل المشي .وبالمثل ،تصبح اإلجراءات تلقائية في المهن.
ألن بعض المعلومات تذهب إلى منطقة الالوعي ،يتم توفير مساحة أكبر بكثير الستيعاب المعلومات
الجديدة ،والعقل يركز بسهولة أكبر على مهام جديدة مهمة .لكن يجب أال ننسى أنه حتى ما حدث في
الالوعي لم يختف بدون أثر ،فقد تم تخزينه وتحت تأثير نوع من التحفيز ،إنه قادر على الخروج ألنه ،
على أي حال ،جزء من شخص.
نفسية الوعي والالوعي لها نفس القدر من األهمية للناس ،وال ينبغي االستهانة بوظائف أي منها.
الوعي والهوية
ضا في سياق الوعي الذاتي .خصائص الوعي هي أنه ،باعتباره جوهريستخدم مفهوم الوعي اإلنساني أي ً
الشخصية للشخص ،يحتوي على المشاعر واألحاسيس واألفكار والعواطف .معنى الوعي الذاتي هو
أنها عالقة الشخص مع نفسه .اتضح أن كال المفهومين جزء من كل واحد.
إذا نظرت إلى تاريخ البشرية ،لم يكن لدى الناس البدائيين سوى وعي متخلف ،تطور على مراحل .لقد
بدأت مع حقيقة أن الشخص شعر بجسده على المستوى البدني ،وفهم الحد من قدراته .بعد فحص
جسده ،بدأ باستكشاف العالم الخارجي ،ومن هذا المنطلق اكتسب عقله معلومات جديدة ،مما حفز
تطوره .كلما تع ّر ف الشخص على أشياء مختلفة ،زاد معرفته عن كيفية العثور على اختالفاته وتعلم
خصائص جديدة.
حدث تشكيل الوعي الذاتي في وقت الحق قليال .في البداية ،كانت الغرائز الفطرية (التكاثر ،الحفاظ
على الذات) هي التي توجه الشخص .بفضل الوعي الذاتي ،تمكن الشخص من االرتفاع فوق هذه البدائية
،وقد تيسر ذلك من خالل ظهور التسلسالت الهرمية في المجتمعات .كان لكل مجموعة قائد استمع إليه
الجميع ،ونفذ تعليماته ،وقبل النقد والمديح .وهكذا ،أصبح الناس أعلى من غرائزهم ألنهم بدأوا في
القيام بشيء ليس فقط ألنفسهم وحدهم ،ولكن لكل الجماعة والقائد .هذا مظهر من مظاهر الوعي الذاتي
في العالم الخارجي ،وليس داخل الوعي اإلنساني .حتى في وقت الحق ،بدأ الفرد يطيع صوته
ويتصرف فيما يتعلق "سمع" ،وهذا سمح له أن يرتفع فوق الغرائز ،عابرة الرغبات وغيرها من
العوامل التي أعاقت التنمية الشخصية.
ضا تشكيل الوعي والوعي الذاتي على مراحل .في البداية ،يدركفي تطور اإلنسان الحديث ،يظهر أي ً
الطفل نفسه تدريجيًا ،ثم يقوده بالغون .في وقت الحق ،يتم استبدال المديرين الخارجيين بمديرين
داخليين .لكن هذا التطور لم يصل إلى الجميع .في البلدان غير المطورة ،ال يزال هناك مثل هؤالء
األشخاص الذين يعيشون على نفس الغريزة.
بدون الوعي الذاتي ،ال يمكن ألي شخص المضي قد ًما في تطوره الشخصي ،وتحقيق األهداف ،
والتوافق مع اآلخرين ،والنجاح .بمساعدة الوعي الذاتي ،يرى الشخص ويجعل حياته ما يريد .جميع
األشخاص الناجحين يمتلكون هذا العقار .خالف ذلك ،فإنها ال يمكن أن تصبح عقالنية ،وتطوير الذكاء.
بالمناسبة ،غالبا ما يتم مقارنة فئات مثل الوعي والذكاء .يعتقد الكثير من الناس أنه إذا كان هناك وعي ،
ضا عن الذكاء ،لكن هذه الفئات لها معان مختلفة .شخص ذكي ليس دائما واعية .قد فإن هذا يتحدث أي ً
يكون مستوى الوعي لدى غير المتعلمين تعليما عاليا .لذلك ،الوعي والذكاء مفاهيم غير متطابقة .ولكن
بمساعدة الوعي الذاتي ،يتم تطوير القدرات الفكرية .خصائص الوعي الذاتي والوعي -تشكل حياة
الشخص المعاصر ،ومساعدته في الحصول على الحرية ،وإال فإنه سيبقى فقط في إطار الرغبات.
الوعي في الفلسفة$
مفهوم الوعي في الفلسفة هو موضوع صعب للدراسة ،انعكس عليه الكثير من الناس .يعد ارتباط
المفاهيم بين الوعي والدماغ في الفلسفة موضوعًا أكثر صعوبة ،حيث يتم تقديم المفهومين’ على أنهما
مختلفان تما ًم ا .تعريف الوعي هو فكرة ،والدماغ هو الركيزة المادية .ولكن ال يزال ،هناك بالتأكيد
اتصال بينهما.
الفالسفة الحديثون واثقون من وجود الوعي فيما يتعلق بالمصادر ؛ فهم يميزون بين العديد من عوامله.
األول ،العالم الخارجي والروحي ،الطبيعي والروحي ،ينعكس في الوعي تحت ستار بعض
التصورات الحسية المفاهيمية .هذه المعلومات هي نتيجة للتفاعالت البشرية والوضع الذي يوفر اتصال
معها.
ثانيا ً ،البيئة االجتماعية -الثقافية ،والمواقف الجمالية واألخالقية ،واألفعال القانونية ،والمعرفة ،
وطرق ووسائل النشاط المعرفي -وهذا يتيح للشخص أن يكون كائنًا اجتماعيًا.
ثالثً ا ،هذا هو العالم الداخلي الروحي للشخصية ،وتجربتها الحياتية وتجاربها ،وإعادة التفكير في وضع
الشخص لخطط.
رابعا ً ،الدماغ عامل كهذا ،ألنه على المستوى الخلوي يضمن عمل الوعي.
اتضح أن مصدر الوعي ليس فقط األفكار نفسها (وراء نظرية المثاليين) ،وليس العقل نفسه (وراء
الماديين) ،ولكن الحقيقة الموضوعية والذاتية التي يعرضها الشخص بمساعدة الدماغ في أشكال الوعي
الشخصي.
يتم دراسة الوعي والدماغ في الفلسفة من عدة طرق .واحدة من هذه هي الفيزيائية -وهو اتجاه مادي
ينكر وجود الوعي باعتباره مادة مستقلة ،ألنه يتولد في المقام األول عن طريق المادة.
ض ا مقاربة تدرس مفهوم الوعي وتقدم وجهات نظر متطرفة .ينص على أن وعي كل االنعزالية هي أي ً
شخص موجود كواقع واحد موثوق به .العالم المادي هو نتاج الوعي.
النهج الموصوفة الحالية المادية المعتدلة والمثالية الموضوعية .بالنسبة إلى األول ،يتم تعريف فئة
الوعي في ذلك على أنه مظهر فريد للمادة ،والذي يسمح لك بعرض نفسك .الثاني ،يصر على أنه في
الوعي هناك عالقة معينة مع المادة ،يتم تعريف وجود الوعي على أنه األولي.
في الواقع ،ال يتم تفسير وعي الشخص بالدماغ ،أو على هذا النحو ،من خالل األساليب المذكورة
أعاله .مجاالت أخرى تحتاج إلى استكشاف .على سبيل المثال ،هناك وجهة نظر فلكية ،وفقًا لذلك -
معنى الوعي المستقل عن حامل المادة هو هدية من الفضاء ،وهو غير قابل للتجزئة.
وفقً ا للنظرية البيولوجية ،فإن القدرة على اإلدراك هي نتاج الطبيعة الحية وهي متأصلة في كل شخص
على اإلطالق ،حتى في أبسط الكائنات الحية .ألن الحياة ليست عفوية ،وتتدفق األنماط من الوعي.
جميع الكائنات الحية غرائز فطرية واكتسبت في عملية نشاط حياتهم ،والتي تراكمت جنبا إلى جنب مع
الخبرة ،كما أنها قادرة على القيام بأعمال معقدة في الهيكل ،وحتى بعض الحيوانات لديها أخالق
غريبة.
ض ا وجهة نظر تتعلق بخاصية الوعي التي تعتبر مالزمة لإلنسان حصريًا .لكن ،حتى ولكن هناك أي ً
الخروج من هذه اإلصدارات المختلفة ،التعاريف ،الفلسفة ال تعطي إجابة واحدة على السؤال حول
مصدر أصل الوعي .العقل البشري في حركة مستمرة ،ونمو ،ألنه تحدث كل يوم أحداث مختلفة
معها ،والتي يحاول الشخص أن يفهمها.
يمكن وصف الوعي واللغة في الفلسفة باختصار بأنها مسألة أخرى تهم الفالسفة .للعقل واللغة تأثير
مباشر يمكن السيطرة عليه .عندما يعمل الشخص على تحسين بيانات الكالم ،يغير أيضًا خصائصه
الخاصة للوعي ،وبالتالي تطوير القدرة على إدراك المعلومات بموضوعية واتخاذ القرارات .درس
المفكرون الفلسفيون القدماء مثل Heraclitusو Platoو Aristotleعالقة الوعي والتفكير واللغة.
يمكن تتبع هذا حتى في الكلمة اليونانية "الشعارات" ،والتي تعني حرفيًا أن الفكر ال ينفصل عن الكلمة.
يمكن تحديد الوعي واللغة في الفلسفة لفترة وجيزة من خالل اتجاه فلسفي مثل "فلسفة اللغة" ،ويؤكد أن
قدرة الوعي تؤثر بشكل مباشر على نظرة العالم لشخص ما ،وال سيما خطابه ،وهذا يتدفق إلى
الخارج ،مما يؤثر أيضًا على التواصل مع اآلخرين.
في العصر الحديث ،يحاول العديد من العلماء إيجاد عالقات جديدة في الوعي واللغة .على سبيل المثال ،
أكدت الدراسات الحديثة أنه في كل شخص في التفكير ،يتم استخدام الصور المرئية التي تتشكل تحت
تأثير الوعي .وبالتالي ،فإن الوعي يوجه عملية التفكير .على مقربة من هذا التعريف كان المفكر رينيه
ديكارت ،الذي قدم مثل هذا التفسير الذي تم ترسيخه إلى األبد في الفلسفة والعلوم األخرى التي يمكن أن
تكون مهيمنة.
يعتقد ديكارت أن هناك مادتين -التفكير والجسدية ،تختلف اختالفًا جوهريًا عن بعضها البعض .تعتبر
أشياء وأحداث المادة الجسدية مكانية ويمكن الوصول إليها للتأمل الخارجي ،وبالتالي فإن الوعي
واألحداث فيه ليست مكانية ،أي أنه من المستحيل مالحظتها ،لكن يمكن إدراكها من خالل التجربة
الداخلية لحامل هذا الوعي.
المثاليون لم يدعموا مثل هذا الفكر ،لكنهم جادلوا بأن الشخصية هي حالة من الوعي ،مثل الروح التي
ليس للجسم والبيولوجية فيها أهمية خاصة .المعاصرون غير راضين عن هذا الرأي ؛ لذلك ،يلتزم
الفالسفة الذين يناقشون مشكلة الوعي الفيزيائية الفيزيائية بدرجة أكبر بالمتغيرات المادية.
النسخة األكثر اتساقً ا من االتجاه المادي هي نظرية الهوية ،التي تعتقد أن عمليات التفكير والتصورات
واألحاسيس متطابقة مع حالة الدماغ.
الوظيفية ،باعتبارها نظرة أخرى على تعريف الوعي ،تعتبر الظواهر والعمليات حاالت وظيفية للدماغ
،وليست ظواهر مادية .يُع ّر ف الدماغ بأنه نظام متعدد المستويات معقد له خصائص فيزيائية ووظيفية
وجهازية .هذا النهج له عيوب عديدة ،أهمها أن مثل هذا التعريف هو في روح ثنائية الديكارتية.
يعتقد بعض مؤيدي الفلسفة الحديثة أننا بحاجة إلى أن ندير ظهورنا لمفهوم ديكارت للشخصية باعتباره
"رو ًحا في اآللة" ،استنادًا إلى حقيقة أن اإلنسان في البداية حيوان عقالني ،قادر على السلوك الواعي ،
ال يمكن تقسيم الشخصية إلى عالمين ،لذلك هناك حاجة تفسير جديد للمفاهيم المتعلقة بقدرة الوعي -من
األحاسيس البسيطة إلى العمليات الفكرية والوعي الذاتي.
ما الوعي؟
ما الوعي؟’ قد يبدو هذا سؤااًل بسيطًا ،لكنه ليس كذلك؛ فالوعي هو أكثر األشياء التي يمكننا بحْ ثُها
ض ا في الوقت نفسه .يبدو أنه يلزمنا إما استخدام الوعي لدراسته هو نفسه! وهي وضوحًا ،وأكثرها غمو ً
فكرة غريبة نوعًا ما ،وإما أن نحرِّ َر أنف َسنا من الوعي الذي نو ُّد دراستَه .وال عجب أن الفالسفة والعلماء
قد بذلوا جهودًا مضنيةً على مدى قرنين من الزمان من أجل الوصول إلى مفهوم الوعي ،وال عجب أيضًا
أن العلماء رفضوا الفكرةَ بر َّمتها لفترات طويلة ،بل رفضوا أيضًا دراستَها؛ النقطة اإليجابية أن
ت في االزدهار بد ًءا من القرن الحادي والعشرين .وصل علم النفس «الدراسات الخاصة بالوعي» أخ َذ ْ
بعض األسئلة المحيِّرة على غرار :ما الذي ِ مواجهةُ
َ وعلم األحياء وعلم األعصاب إلى نقط ٍة يمكن عندها
ي؟ وهل كان لنا أن نتط َّور من دونه؟ وهل يمكن أن يكون الوعي َو ْه ًما؟ وما الوعي على أي يفعله الوع ُ
حال؟
متغلغاًل في هذا األمر كما كان دائ ًما ،الفرق
ِ ال يعني ذلك أن الغموض قد اختفى تما ًما ،فالواقع أنه ال يزال
لمواجه ِة المشكلة على نح ٍو مبا ِش ٍر .كيف يمكن إلطالق
َ اآلن أننا نعرف عن الدماغ ما يكفينا لالستعداد
النبضات الكهربية من ماليين الخاليا الدماغية أن يُنتج تجربةً واعية ذاتية شخصية؟
إذا أردنا إحرا َز أيِّ تق ُّدم فيما يتعلَّق بفهم مسألة الوعي ،فعلينا التعا ُمل مع هذا األمر بجدية تامة .هناك
الكثير من األشخاص الذين ي َّدعُون أنهم قد وجدوا حاًّل للغز الوعي؛’ فهم يقترحون نظريا ٍ
ت موحِّ دةً عظمى
ت روحانيةً حول «قوة الوعي» ،وغيرها الكثير ،لكن أغلبهم ت ميكانيكيةً كميَّة ،ونظريا ٍ ونظريا ٍ
يتجاهلون الفجوةَ العميقة أو «اله َّوةَ السحيقة» بين العالمين المادي والعقلي؛ وما دام هؤالء األشخاص
حال من األحوال.
يتجاهلون تلك المشكلة ،فإنهم لن يتعاملوا بفاعلية مع الوعي بأي ٍ
شكل :١-١لم ينجح أح ٌد بع ُد في س ِّد اله َّو ِة السحيقة أو الفجو ِة الكبيرة بين ما هو داخلي وما هو خارجي،
أو بين العقل والدماغ؛ أو بين ما هو ذاتي وما هو غير ذاتي.
ت الفالسفةَ على مدى أكثرت إال تجسيدًا معاص ًرا لمسألة العقل-الجسد الشهيرة التي حي ََّر ِتلك المسألة لي َس ْ
من ألفَ ْي عام .المشكلة أنه فيما يتعلَّق بالتجربة اإلنسانية العادية ،يبدو أن هناك نو َعيْن من األشياء
مختلفَيْن تمام االختالف ،دون وجود وسيلة واضحة لربطهما معًا.
من ناحي ٍة ،هناك تجاربُنا الذاتية؛ فيمكنني اآلن مثاًل أن أرى المناز َل واألشجار الموجودة على ت ٍّل بعي ٍد،
ت على الطريق الرئيسي ،وأن أستمتِ َع بدفء غرفتي وحميميتها ،وأن أتساء َل إن ق السيارا ِ
وأن أسمع بو َ
ُّ
صوت الخدش الذي أسمعه صاد ًرا من القطة التي تود أن تدخل غرفتي؛ كلُّ تلك األشياء تجاربُ ُ كان
شخص آخَ ر .قد أتساءل :هل تجربتُكَ مع اللون األخضر هي ٍ أي إلى نقله يمكنني ال طابع ولديها خاصة،
نفس تجربتي معه؟ أو هل تشم للقهوة نفس الرائحة التي أشمها؟ لكن ال يمكنني الجواب عن ذلك أبدًا .تلك
(وإن كان هناك ْ التجارب غير القابلة للوصف هي ما يطلِق عليه الفالسفة اس َم «التجارب الواعية الذاتية»
اختالف كبي ٌر حول وجو ِد تلك التجارب من األساس)؛ ف ُح ْمرة ذلك الكوب األحمر الزاهي هي تجربة ٌ
واعية ذاتية ،وهكذا الحال مع نعومة ملمس فرو قطتي ورائحة القهوة .تبدو تلك التجارب حقيقيةً
وواضحةً وال سبيل إلى إنكارها؛ إنها تش ِّك ُل العال َم الذي أحيا فيه ،بل إنها كلُّ ما أملك.
بأن هناك عالَ ًما ماديًّا خارجيًّا يتسبَّبُ في حدوث تلك التجارب.
ومن ناحية أخرى ،فإني موقِنة ك َّل اليقين َّ
ك بشأن تكوين هذا العالَم أو بشأن طبيعته األكثر تحديدًا ،لكني ال ُّ
أشك في وجوده؛ فإني قد تراودني الشكو ُ
َ
ب الذي سيجعل القطة تندفع على األرجح إلى الداخل إذا َّ ُ
أنكرت وجودَه ،فلن أتمكنَ من تفسير السب ِ ْ
إن
ذهبت إلى الباب وفتحْ تُه ،والذي سيجعلك تقرُّ بأن آثار األقدام الموحلة الموجودة على مكتبي — إن أنت ُ
أتيتَ إلى هنا — هي للقطة.
المشكلة أن هذين النوعين من األشياء يبدو أحدهما مختلفًا عن اآلخَ ر تما ًما؛ فهناك أشيا ُء مادية حقيقية
ت أخرى يمكن قياسها واالتفاق عليها ،وهناك التجارب الذاتية مثل الشعور وشكل ووز ٍن وصفا ٍ
ٍ حجم
ٍ ذات
لون تلك التفاحة التي أراها أمامي اآلن.
باأللم أو إدراك ِ
على مرِّ التاريخ تبنَّى كثير من الناس قد ًرا من فكرة الثنائية؛ بمعنى أنهم آمنوا بوجود عالَ َميْن مختلفين
فعاًل ،وهذا هو الحال في معظم الثقافات غير الغربية اليوم ،وتشير استطالعات الرأي إلى أن هذا األمر
ضا .وتكاد األديان السماوية الكبرى تكون ثنائيةً تما ًما؛ينطبق على معظم المثقَّفين الغربيين أي ً
فالمسيحيون والمسلمون يؤمنون بوجود روح غير مادية وخالدة .والهندوس يؤمنون بمفهوم اآلتمان؛ أي
الذات الداخلية المقدسة ،البوذية وحدها هي التي ترفض فكرةَ الروح أو النفس الداخلية الدائمة .وحتى بين
األفراد الذي ال يَدينون بأيِّ دين ،تسود فكرةُ الثنائية في الثقافات الغربية؛ فنظريات حركة العصر الجديد
تتحدث عن قوى العقل والوعي والروح كما لو كانت ق ًوى مستقِلةً بعضها عن بعض ،ويؤ ِّكد المعالجون
تأثير العقل على الجسد كما لو أنهما كيانان أحدهما منفصل عن اآلخَ ر .تلك الثنائية متغلغلة َ بالطب البديل
كيان مستقِلٌّ عن «كلَيْهما».
وكأن «أنا» ٌَّ في لغتنا ،حتى إننا قد نقول «عقلي» أو «جسدي»،
أشهر نظريات َ في القرن السابع عشر ،اقت َر َح الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت ( )١٦٥٠–١٥٩٦رسميًّا
عر ف هذه النظرية باسم الثنائية الديكارتية ،وتقوم على فكرة أن العقل والدماغ يتك َّونان من موا َّد الثنائية؛ تُ َ
مختلفة .ووفقًا لديكارت ،فإن العقل غير ماديٍّ وغير ممت ٍّد (بمعنى أنه ال يحتلُّ حيِّ ًزا أو مكانًا) ،بينما
الجسد — وباقي العالم المادي — يتك َّو ن من مادة مادية ممتدة .المشكلة في هذه النظرية واضحة؛ كيف
يتفاعل الجانبان؟ اقترح ديكارت أنهما يلتقيان في الغدة الصنوبرية الدقيقة في منتصف الدماغ ،لكن هذا
كيان مادي ،والثنائية الديكارتية ال تقدِّم تفسيرًا للسبب يحلُّ جز ًءا بسيطًا من المشكلة؛ فالغدة الصنوبرية ٌ
وراء إمكانية تفاعُلها — وحدها — مع العالم العقلي.
السبب وراء
َ ي محاولة لوضع نظري ٍة ثنائي ٍة ،ومن المرجَّح أن يكون ذلك هو مشكلة التفاعل هذه تفسد أ َّ
كثير من الفالسفة والعلماء جمي َع أشكال الثنائية رفضًا تا ّمًا لصالح فكرة األحادية .لكن الخيارات ٍ رفض
العقل عنصرًا
َ المتاحة قليلة وإشكالية في الوقت نفسه؛ فالمثاليون — على سبيل المثال — يجعلون
لكن يتعيَّن عليهم حينئ ٍذ أن يفسِّروا كيف ولماذا يبدو أن هناك عالَ ًما ماديًّا متَّ ِسقًا .أما األحاديون
أساسيًّاْ ،
المعتدلون فيرفضون فكرة الثنائية ،ولكنهم يختلفون حول الطبيعة األساسية للعالَ ِم وكيفية توحيده .يوجد
خيار ثالث هو المادية ،وهو أكثر المذاهب شهرةً بين العلماء اليوم؛ يعتقد الماديون أن المادة هي األساس،
لكنهم حينئ ٍذ يجدون أنفسهم بصد ِد المسألة التي يدور حولها هذا الكتاب؛ كيف يتسنَّى لهم تفسير الوعي؟
َّب في تجارب واعية ذاتية َّ
يتعذ ُر لدماغ ماديٍّ — مك َّون من مواد مادية خالصة — أن يتسب َ ٍ كيف يمكن
وصفُها؟
يُطلَق على تلك المشكلة اسم «المشكلة الصعبة» للوعي؛ وهي عبارة صاغها عام ١٩٩٤الفيلسوفُ
األسترالي ديفيد تشالمرز .أراد تشالمرز التمييزَ بين هذه المشكلة الخطيرة الكاسحة وما أسماه
«المشكالت السهلة» ،ووفقًا لما ذكره ،فإن المشكالت السهلة هي تلك التي نعرف كيف نحلها من حيث
ك الحسي ،أو التعلُّ َم ،أو االنتباهَ ،أو ُ
المشكالت اإلدرا َ المبدأ ،حتى إن لم نكن قد حلَ ْلناها بعدُ ،وتتض َّمنُ هذه
تمييز األشياء أو االستجابة للمؤثِّرات وكيف يختلف النوم عن اليقظة؛ كل هذه األمور ِ الذاكرةَ ،وكيفيةَ
ً ّ
ورنت بالمشكلة الصعبة حقا الخاصة بالتجربة نفسها. مشكالت سهلة على ح ِّد قوله إذا ما قُ ِ
«أرواح
ٍ ت االنعكاسيةَ لأللم في ضوء االستجابات الميكانيكية وتدفُّق شكل :٢-١فس ََّر ديكارت االستجابا ِ
حيواني ٍة » في أنابيب دقيقة .لكن عند الحديث عن التجارب الواعية ،اقت َر َح أنها جز ٌء من عالَ ٍم عقل ٍّي
صل بالجسد المادي من خالل الغدة الصنوبرية الموجودة في منتصف الدماغ. مختلف تما ًما ومتَّ ٍ
ٍ
ال يتَّفِق الجمي ُع مع تشالمرز؛ فالبعض يزعم أن المشكلةَ الصعبة ال وجو َد لها ،وأنها تعتمد على مفهوم
خاطئ عن الوعي ،أو على التقليل الكبير من أهمية المشكالت «السهلة» .تطلِق الفيلسوفة األمريكية
باتريشيا تشيرتشالند على هذا األمر اس َم «مشكلة خداعية» ،قائلةً :إننا ال نستطيع أن نقرِّ َر سلفًا أي مشكلة
كسيتضح أنها األصعبُ حقًّا ،وتقول :إن هذه المشكلة تنبع من الح ْدس الخاطئ بأننا إذا فسَّرْ نا اإلدرا َ
الحسي والذاكرة واالنتباه وكل التفاصيل األخرى ،فسوف يتبقَّى شيء؛ هو «الوعي نفسه».
تعريف الوعي
كيف يكون الحال لو كنتَ خفَّا ًشا؟ احت َّل ذلك السؤا ُل الغريب أهميةً في تاريخ دراسات الوعي ’،وقد طُ ِرح
ألول مرة في خمسينيات القرن العشرين ،ثم نال الشهرةَ على يد الفيلسوف األمريكي توماس ناجيل عام
السؤال لتحدِّي مذهب المادية ،والكتشاف ما نعنيه بكلمة الوعي ،وليرى لماذا َ .١٩٧٤استخدم ناجيل هذا
ً َّ
يجعل الوعي مشكلةَ العقل-الجسد معقدة إلى هذا الحد؛ ما نعنيه هنا هو «الذاتية» على ح ِّد قول ناجيل .إذا
كان هناك حا ٌل معيَّن يكون عليه الكائن إذا أصبَ َح خفَّا ًشا — حا ٌل يشعر به الخفَّاشُ نفسه — إذن فالخفَّاش
واع ،وإذا لم يكن هناك حا ٌل معيَّن عندما يكون الكائن خفَّا ًشا ،إذن فالخفاش غير ٍ
واع. كائن ٍ
ب أو إنا ٍء أو قطع ٍة بالستيكية على مكتبك ،اسأل نفسك اآلن :كيف يكون ف ِّكرْ على سبيل المثال في كو ٍ
الحال لو كنتَ كوبًا؟ من المرجَّح أنك ستُ ِجيب بأنه ال يوجد أيُّ حا ٍل على اإلطالق؛ ألن األكواب ال
تواجهَ مشكلةً في القول إن األكواب واألواني
ِ تشعر ،وألن الخزف جماد … وهكذا .على األرجح لن
ت واعيةً ،لكن انتقِلْ إلى الديدان أو الذباب أو البكتيريا أو الخفافيش ،وسوف تجد المشكلة؛ فأنت ال لي َس ْ
تعرف — أو باألحرى ال يمكنكَ أن تعرف — كيف يكون الحال لو كنتَ دودةَ أرض .مع ذلك ،فإنك —
مثلما يقول ناجيل — إذا ف َّكرْ تَ أن هناك حااًل معيَّنًا تكون عليه لو كنتَ دودةً ،فأنت تعتقد أن الدودة ٌ
كائن
واع.
ٍ
تعريف الوعي
ليس هناك تعريف متَّفَق عليه للوعي بشكل عام ،لكن التعريفات التالية تعطينا فكرةً ع َّما تعنيه الكلمة:
«كيف يكون الحال لو كنتَ …؟» :إذا كان هناك حال معيَّن تكون عليه لو أنك حيوان (أو جهاز كمبيوتر
واع ،وإاَّل فهو ليس كذلك.
أو طفل رضيع) ،فذلك الشيء كائن ٍ
الذاتية أو الظاهراتية :الوعي يعني تجربة ذاتية أو تجربة ظاهراتية؛ والمقصود :كيف تبدو األشياء لي،
موضوعي؟’
ٍّ في مقابل ما تبدو عليه على نح ٍو
التجارب الواعية الذاتية :وهي السمات الذاتية التي يتع َّذر وصْ فُها للتجربة ،مثل ُح ْمرة اللون األحمر ،أو
الرائحة التي ال يمكن وصْ فُها لزيت التربنتين .يزعم بعض الفالسفة أن تلك التجارب ال وجو َد لها.
موضوعي؟
ٍّ المشكلة الصعبة :كيف تنشأ تجاربُ ذاتيةٌ من دماغ ماد ٍّ
ي
ضرب ناجيل بالخفاش مثاًل ألن الخفافيش مختلفةٌ تما ًما عنَّا؛ فهي تطير ،وتعيش معظم حياتها في الظالم،
وتتدلَّى رأسًا على عقب من األشجار أو في كهوف رطبة ،وتستخدم نظا َم سونار — بداًل من اإلبصار
متالحقة أثناء طيرانها ،ثم تحلِّل األصدا َء التي تعود
ِ — لرؤية العالم؛ فهي تُطلِق أصواتَ صرير حادة
إلى آذانها الحساسة ،وهكذا تعرف طبيعةَ العالَ ِم حولها.
ك هكذا؟ ال فائدةَ من تخي ُِّل نف ِسكَ خفَّا ًشا؛ ألن الخفَّاش كيف سيكون الحال إن كنتَ تدرك طبيعةَ العالم حولَ َ
الناطق المثقَّف لن يكون خفَّا ًشا طبيعيًّا على اإلطالق .وفي المقابل ،إذا أصبحتَ خفا ًشا طبيعيًّا ،فليس في
َّ
مقدورك التفكير أو الكالم ،فلن تستطيع اإلجابةَ على سؤالِكَ.
ب ﺑ «ال ُم ِلغز»،أشار ناجيل أننا لن نعرف ذلك أبدًا ،وخلَص إلى أن المشكلة ال ح َّل لها؛ ولهذا السبب لُقِّ َ
اللقب أيضًا الفيلسوفُ األمريكي كولين ماكجين ،الذي قال :إننا نحن البشر «منغلِقون معرفيًّا» َ ويشاركه
أمل لدينا في فهم الوعي تما ًما مثلما أنه ال أم َل في أن يقرأ أح ُد َ ال أنه ذلك ومعنى الوعي؛ بفهم ق فيما يتعلَّ
ب الجريدةَ التي يحملها فَ ِر ًحا في طريق العودة من المتجر ،ويتَّفِق معه في ذلك عال ُم النفس ستيفن الكال ِ
بينكر قائاًل :إننا قد نكون قادرين على فهم معظم التفاصيل الخاصة بكيفية عمل العقلَّ ،
لكن الو ْع َي نفسه
قد يظلُّ بعيدًا عن فهمنا إلى األبد.
كثير من العلماء ال يشاركون ناجيل نظرته التشاؤمية ،لكن سؤاله أفاد في تذكيرنا بنقط ٍة بالغ ِة الخطورة
عند الحديث عن الوعي؛ فال جدوى من الحديث عن اإلدراك الحسي أو الذاكرة أو الذكاء أو القدرة على
ت فيزيائيةً بحتة ،ثم نزعم أننا قد فسَّرْ نا الو ْع َي .إذا كنتَ تتح َّدث عن
حلِّ المشكالت باعتبارها عمليا ٍ
الوعي حقًّا ،فعليكَ أن تتعامل بطريقة أو بأخرى مع الذاتية؛ فيتعيَّن عليك أن تح َّل المشكلةَ الصعبة وتف ِّس َر
ق لتلك العمليات كيف تنبع الذاتية من العالم المادي ،أو يتعيَّن عليك — إذا كنتَ تزعم أن الوعي مطابِ ٌ
الفيزيائية ،أو أنه َو ْه ٌم أو حتى غير موجود على اإلطالق — أن تف ِّس َر لماذا «يبدو» حاضرًا بقوة هكذا؛
القول بأنك تتعامل مع الوعي إال إذا كنتَ تطرح السؤال« :كيف يكون َ وفي كلتا الحالتين ،لن تستطيع
الحال لو كنتَ …؟»
ضا اسم الظاهراتية أو الوعي الظاهراتي ،وهما مصطلحان يُطلَق على ذلك المعنى األساسي للوعي أي ً
صاغهما الفيلسوفُ األمريكي نيد بلوك .يقارن بلوك بين «الوعي الظاهراتي/التلقائي» الذي يتعلَّق
بالكيفية التي تكون عليها عندما تكون في حال ٍة معيَّن ٍة ،و«وعي’ اإلتاحة أو الوعي التأملي» الذي يشير إلى
إتاحة المعلومات الموجودة في عقلنا للتفكير أو توجيه األفعال والكالم .الوعي الظاهراتي (أو الظاهراتية
ث عنه ناجيل ،وهو جوهر مشكلة الوعي. أو الذاتية) هو الذي تح َّد َ
بعد أن أشرنا إلى ذلك ،نكون على استعدا ٍد لتنا ُو ِل واحد ٍة من أهم النقاط الخالفية في الدراسات الخاصة
بالوعي ’،وهذه النقطة تتعلَّق بالسؤال التالي :هل الوعي عنص ٌر خارجي نمتلكه — نحن البشر — إضافةً
كائن لديه
ٍ إلى قدراتنا الخاصة باإلدراك الحسي والتفكير والشعور ،أم أنه جزء جوهري ال يتج َّزأ في أي
قدرات اإلدراك الحسي والتفكير والشعور؟ هذا هو السؤال األهم الذي يعتمد عليه كلُّ شيء آخَ ر ،وربما ُ
ٌ ِّ
اختيار ستفكر فيه؛ ألن تبعات ِكال االختيارين مثيرة للدهشة تما ًما.
ٍ عليك أن تقرِّ َر اآلن أي
ي عنصرًا خارجيًّا إضافيًّا ،فسنو ُّد بطبيعة الحال أن نسأل عن سبب امتالكنا إياه، من ناحية ،إن كان الوع ُ
ً
وأن نسأل عن أهميته والوظيفة التي يؤدِّيها وكيف نمتلكه .ووفقا لهذا الرأي ،من السهل أن نتخي ََّل أننا
السبب الذي أ َّدى إلى ُّ
تطو ِر الوعي ’،والمزايا التي َحبَانا َ ربما قد تط َّورنا من دونه ،وهكذا سنو ُّد أن نعرفَ
ضا أم ال .ووفقًا لهذا الرأي ،تكون المشكلة الصعبةُ عسيرةً ت أخرى أي ً بها ،وإن كان قد تط َّو َر في كائنا ٍ
حقًّا ،وتكون المهمة التي نحن بصددها هي اإلجابة عن تلك األسئلة الصعبة.
من الناحية األخرى ،إن كان الوعي جز ًءا ال يتج َّزأ من العمليات الدماغية المعقَّدة ،فمن العبث أن نسأل
معظم تلك األسئلة؛ ووفقًا لهذا الرأي (الذي يُس َّمى في بعض األحيان الوظيفيةَ) ،فال جدوى من السؤال
ك حسي وذاكرةٌ ومشاعرُ، ي كائ ٍن تط َّو َر بحيث أصبَ َح لديه ذكا ٌء وإدرا ٌ
تطور الوعي؛’ ألن أ َّ
ب ُّ عن سب ِ
ض ا ال جدوى من الحديث عن «الوعي نفسه» أو «التجارب الذاتية التي ضا بالضرورة .أي ً يكون واعيًا أي ً
يتع َّذ ر وصفها»؛ ألنه ما من شيء خارجي يوجد بمعزل عن العمليات والقدرات.
مستعص على الحلِّ وال مشكلة صعبة؛ لذا تكون المهمة التي نحن ٍ فيما يتعلَّق بهذا الرأي ،ال يوجد لغز
بصددها مختلفةً تما ًما؛ َأاَل وهي تفسير لماذا «يبدو» لنا أن هناك مشكلة ،ولماذا «يبدو» لنا أن لدينا
تجارب واعية غير مادية َّ
يتعذر وصْ فُها .هنا تبدو فكرةُ الوعي َو ْه ًما؛ ألنه ال الوعي وال المشكلة الصعبة َ
يكونان كما يبدوان ،ولذا يتعيَّن علينا تفسير كيفية ظهور الوهم.
ت التبعات المترتِّبة على هذين الرأيَيْن صعبةَ الفهم ،فربما نكون بحاج ٍة إلى إحدى التجارب
إذا كانَ ِ
الفكرية.
الزومبي
تخيَّلْ شخصًا يُشبِهك تما ًما؛ يتصرَّف مثلك ،ويف ِّكر مثلك ،ويتح َّدث مثلك ،لكنه غير ٍ
واع على اإلطالق.
وعي؛’
ٍ ذلك الشخص اآلخَ ر الذي يشبهك ليست لديه تجارب واعية شخصية ،وكل أفعاله تحدث دون أي
ذلك الكائن الالواعي — وليس الجثة نصف الميتة المتداولة في الفلكلور الهاييتي — هو ما يُطلِق عليه
الفالسفةُ اس َم زومبي.
من المؤ َّك ِد أنه من السهل تخيُّل الزومبي ،لكن هل هم موجودون حقًّا؟ ذلك السؤال الذي يبدو بسيطًا يقودنا
إلى عالَ ٍم كامل من التعقيدات الفلسفية.
َمن يجيبون على السؤال ﺑ «نعم» هم َمن يؤمنون بإمكانية وجود نظامين متكافئين وظيفيًّا؛ أحدهما ٍ
واع
واآلخَ ر غير ٍ
واع ،وفي هذا الجانب نجد تشالمرز الذي يقول إن الزومبي ليسوا كائنات متخيَّلة فقط وإنما
وجودها وارد؛ في عوالم أخرى إن لم يكن في عالمنا هذا .إنه يتخيَّل توءمه الزومبي الذي يتصرَّف مثله
تما ًم ا لكن بال تجارب واعية ،وبال عالم داخلي وال تجارب واعية ذاتية؛ فالظالم يمأل عق َل الزومبي
أرض زومبي مأهواًل بأفراد من
ِ كوكب
َ تشالمرز .ف َّك َر فالسفةٌ آخَ رون في تجارب فكرية تتض َّمن
الزومبي ،أو ف َّك روا في أن بعض الفالسفة األحياء هم في الحقيقة زومبي يتظاهرون بالوعي.
أما َمن يجيبون على السؤال ﺑ «ال» ،فهم الذين يرون فكرةَ الزومبي برمتها مستحيلةً ،ومنهم تشيرتشالند
نظام يمشي ويتكلَّم ويف ِّكر ويلعب
ٍ والفيلسوف األمريكي دانيال دينيت .إنهم يرون الفكرةَ عبثيةً؛ ألن أ َّ
ي
ويختار ما يرتديه ويستمتع بعشاء طيب ،ويفعل كافةَ األشياء األخرى التي نفعلها؛ يتعيَّن بالضرورة أن
يكون واعيًا ،المشكلة على ح ِّد قولهم أن الناس عندما يتخيَّلون وجو َد الزومبي ،فإنهم يتحايلون وال
الجد .إن كنتَ ال تريد التحاي َُل ،تذ َّكرْ أنه ال مف َّر من ُّ
تعذر التمييز يأخذون تعريف الزومبي بما يكفي من ِ
خارجيًّا بين الزومبي وبين شخص طبيعي ’،ومعنى ذلك أنه ال جدوى من سؤال الزومبي عن تجاربه أو
اختبار فلسفته؛ إذ ال بد أنه يتصرَّف مثلما يفعل الشخص الواعي تما ًما .يقول منتقدو هذه الفكرة إنك إذا
كنتَ تريد اتِّبَاع القواع ِد حقًّا ،فستختفي الفكرةُ وسط ما يحيط بها من عبثية.
من المفترض اآلن أن يكون مفهو ًما أن الزومبي مجرد وسيل ٍة واضحة للتفكير في السؤال األساسي :هل
البشر — بامتالكها ،أم أنه شيء يأتي بالضرورة مع َ ُّ
الحظ — نحن الوعي سمة خارجية خاصة حالَفَنا
كلِّ المهارات األخرى مثل اإلدراك الحسي والتفكير والشعور؟ إذا كنتَ تعتقد أنه سمة خارجية ،فربما
تصدِّق أننا تط َّورنا جميعًا إلى كائنات زومبي ال أفراد واعين ،بل ربما تصدق أن جارك قد يكون واحدًا
من الزومبي .لكن إذا كنتَ تعتقد أنه مهارة أساسية ال تنفصل عن المهارات البشرية األخرى ،إذن فلن
يكون من المعقول وجود الزومبي ،وتصبح الفكرة برمتها عبثيةً.
جذابةً إلى ح ٍّد بعي ٍد؛ ألنه من السهل للغايةأظن أن الفكرة برمتها عبثية ،وعلى الرغم من ذلك ،فإنها تظلُّ َّ
تخيُّل الزومبي .لكن مدى سهولة تخيُّل شي ٍء ما ال يقودنا بالضرورة إلى التأ ُّكد من وجوده؛ لذا َد ْعنا نف ِّكر
مختلف تما ًما من المشكلة نفسها؛ وهو إن كان الوعي يفيد في شيء أم ال.
ٍ ب
في جان ٍ
المتداول ،وتتل َّخص الفكرة في أن الوعي هو شكلَ عبارة «قوة الوعي» من العبارات الشائعة في الخطاب
القوى التي قد تؤثِّر تأثيرًا مبا ِش ًرا في العالم؛ إما بالتأثير في أجسامنا كما يحدث عندما أق ِّررمن أشكال َ
أمور مثل العالج الروحاني أو التخاطر أوٍ في بالتأثير وإما فيتحرك، ذراعي ر
ِّكَ أح أن بوعي
ٍ «أنا»
مفهوم «العقل فوق المادة» ،وهو األكثر إثارةً للجدل .ومثلما فعلنا مع الزومبي ،يسهل تخيُّل تلك «القوة»
ضا؛ فيمكننا أن نتخي ََّل عقلنا الواعي وهو يتحرَّك بصورة أو بأخرى ويؤثِّر في األشياء ،لكن هل يوجد أي ً
الوعي يعني الذاتيةَ أو الظاهراتيةَ ،حتى تبدو الفكرةُ أقل
َ أن ر َّ
ك تتذ إن ما الفكرة؟ هذه في منطق أي
لسؤال مثل« :كيف يكون الحال لو كنتَ …؟» أن يكون قوةً مؤثِّرةً؟ كيف يمكن ﻟ ٍ منطقيةً .كيف يمكن
ث شي ٍء ما؟ «تجربتي» عن خضرة تلك الشجرة أن تُسفِر عن حدو ِ
إحدى الوسائل الكتشاف إن كان الوعي يمكن أن يكون قوةً مؤثرةً أم ال ،هي أن نسأل :ماذا سيحدث إذا
استبعدناه؟ من المؤكد أنه إذا كان للوعي أيُّ تأثير على اإلطالق ،فإن ما سيتبقى لن يكون زومبيًّا؛ ألن
غير مميَّز إطالقًا عن الشخص الواعي ’،وهكذا سيتبقى
الزومبي — بحسب التعريف — ال بد أن يكون َ
لدينا شخص مختلف عن الشخص الواعي؛ ألنه ال يستطيع … ماذا؟
قد تف ِّك ر أن الوعي ضروري من أجل اتخاذ القرارات ،لكننا نعرف الكثي َر عن كيفية اتخاذ الدماغ
للقرارات ،ويبدو أنه ال يحتاج قوةً خارجيةً لعمل ذلك .أي ً
ضا يمكننا تصني ُع أجهز ِة كمبيوتر في مقدورها
اتخا ُذ القرارات دون وجود وحدة وعي منفصلة داخلها ،وينطبق األمر نفسه على البصر والسمع
والحركات المسئولة عن التح ُّك م وغير ذلك من القدرات البشرية األخرى .ربما تظن أن الوعي مطلوبٌ
التذو ق الجمالي واإلبداع والوقوع في الحب؛ فإذا كان األمر كذلك ،فعليك أن تُثبِتَ أن تلك
ُّ من أجل
األشياء تحدث بفضل الوعي ،ال بفضل اآلليات الداخلية لدماغ بارع.
كل ذلك يقودنا إلى الفكرة الخرقاء التي تقول إن الوعي ربما ال يؤدِّي وظيفةً ،وهناك أشيا ُء غريبةٌ أخرى
ت الكريكيت أو يلعبون تشير إلى النتيجة نفسها؛ فعلى سبيل المثال :ف ِّكرْ في األشخاص الذين يلتقطون كرا ِ
تنس الطاولة أو يقا ِط عون المحادثات التي تسير بوتيرة سريعة؛ يبدو أن جميع هذه األفعال السريعة تحدث
عن وعي ،لكن هل الوعي نفسه هو الذي يتسبَّب في حدوثها؟ الحقيقة — كما سنرى الحقًا — أن هذه
األفعال تحدث بسرعة بالغة ،وأنها تُنظَّم بفعل أجزا ٍء من الدماغ يبدو أنها غير مرتبط ٍة بالتجربة الواعية.
أظن أن هذه هي الطريقة الصحيحة للتفكير في الوعي ،لكنها توحي بأن افتراضاتنا العادية بشأن الوعي ُّ
ً ّ
موغلة في الضالل؛ هل يمكن حقا أن نكون مخطئين إلى هذا الحد؟ ولِ َم يُفترض أن نكون كذلك؟ ربما
ب على بعض تلك االفتراضات ،وأن نتساءل عن مدى موثوقيتها. يتعيَّن علينا إلقا ُء نظر ٍة عن كث ٍ
مسرح العقل
صا ،ها أنا ذا داخل المسرحربما تكون أبسط الطرق للتفكير في الوعي ما يلي :تخي َِّل العق َل مسرحًا خا ًّ
لكن هذا المسرح متع ِّد ُد األحاسيس؛ وعليه فإني أشعر يَّ ، مكان ما داخل رأسي أنظ ُر من خالل عين َّ
ٍ في
ضا ،ويمكنني استخدام خيالي كذلك؛ فأستحض ُر مشاه َد باللمسات والروائح واألصوات والمشاعر أي ً
وأصواتًا أراها وكأنها على شاشة عقلية بواسطة عيني الداخلية ،أو تُس َمع بواسطة أذني الداخلية .كل تلك
األشياء هي «محتويات الوعي» ’،بينما «أنا» جمهور الشخص الذي يختبر تلك التجارب.
يداخل رأسي أنظر حولي؛ أختب ُر العالَ َم الخارجي من خالل عين َّ َ مكان ما
ٍ شكل :٤-١أشعر وكأني في
الخطاب في
َ ع
ُ أض ثم الشارع، في بي لتسير ي
َّ وقدم ي
َّ ذراع ُ ه وأوجِّ عقلي، بعين
ِ ي ،وأتخيَّ ُل األشيا َء
وأذن َّ
ث عنه صندوق البريد؛ لكن الدما َغ ال يعمل بهذه الطريقة .هذا هو المسرح الديكارتي التخيُّلي الذي تح َّد َ
دينيت.
ق مع هذه الفكرة؛ ألنيرى دينيت أن هذه الفكرة خاطئة حت ًما؛ أواًل :ال يوجد داخل الدماغ مرك ٌز يتطابَ ُ
المعلومات إلى الحواس ،ثم تُو َّزع في كل
ُ تر ُد
نقاط مركزي ٍةِ ،تفرعي بال ٍ
ٌّ الدماغ ما هو إال نظا ُم معالج ٍة
مكان مركزي أجلس «أنا» فيه وأشاهد العرض بينما ٌ مكان ألغراض مختلفة .ووسط هذا كله ،ال يوجد
ً ُ
تمر األشياء بالوعي ،ال يوجد مكان معيَّن عندما تصل إليه األفكا ُر والمدركات تصبح واعية ،ال يوجد
مكان واحد تخرج منه قراراتي .بداًل من ذلك ،فإن أجزاء الدماغ المختلفة تؤدِّي وظائفَها ويتواصل
ي في تلك العملية؛ فما الذي يمكن أن ب األم ُر ذلك ،دون وجو ِد تح ُّك ٍم مركز ٍّ بعض متى تطلَّ َ
ٍ بعضها مع
مسرح الوعي إذن؟
َ يضار َع
ِ
يضيف دينيت أنه من غير المجدي أن نتح َّو َل من التفكير في المسرح على أنه مكان فعلي إلى التفكير فيه
على أنه عملية مو َّزعة أو شبكة عصبية ممتدة ،سيظل المبدأ واحدًا وهو مبدأ خاطئ؛ فليس هناك مكان أو
يضارع الجز َء الخاص بالوعي من أنشطة الدماغ تار ًكا ك َّل ما عداه غير ٍ
واع. ِ عملية أو أي شيء آخَ ر
عرض «في الوعي» كي يرى شخص أو يسمع ،وال ق في أن المدخالت تجتمع معًا لتُ َ ليس هناك منط ٌ
َّ
ق ما يراه؛ فالدماغ ليس منظ ًما بهذه الطريقة ،ولن يعمل لو كان يوجد شخص صغير بالداخل يتصرَّف وف َ
واع لديه تيار من التجارب — أن يحدث داخ َل ٍ كذلك .علينا أن نفهم كيف لهذا الشعور — أني شخصٌ
دماغ ليس به مسر ٌح داخلي وال عروضٌ وال جمهورٌ.
اقتر َح دينيت مصطلح «الماديين الديكارتيين» لوصف أولئك العلماء الذين يزعمون أنهم يرفضون َ
َّ ْ
الثنائية ،لكنهم في الوقت نفسه يؤمنون بالمسرح الديكارتي .ال ِحظ أن دينيت — وليس ديكارت — هو
َمن صاغ مصطل َح ِي المسرح الديكارتي والمادية الديكارتية .قلَّةٌ من العلماء — إذا ُو ِجدت — ينطبق
عليهم لقبُ الماديين الديكارتيين ،لكن كما سنرى الحقًا ،األغلبيةُ العظمى تؤمن بشيء يشبه َ
تيار الوعي أو
صيبين ،وإذا كانوا كذلك ،فإن المهمة الملقَاةتعامل العقل على أنه مسرح داخلي .ال شك أنهم قد يكونون ُم ِ
على عاتق علم الوعي هي توضيح ما الذي يضارع المسرح المجازي في الدماغ وكيف يعمل .لكنني
أظن أنهم مخطئون ،وربما تساعدنا االستفاضةُ في توضيح كيفية عمل الدماغ في فهم السبب.