You are on page 1of 71

‫افهم نفسك واعرف اآلخرين ‪ -‬نظرية الوعي بالعالقات‬

‫واستبيان تحديد نقاط القوة (‪)SDI‬‬


‫إلياس بورتر ‪ Elisa Porter‬عالم نفسي كبير ولد عام ‪ 1914‬وتوفي عام ‪ .1987‬وأثناء عمله في‬
‫جامعة شيكاغو عمل بورتر مع عدد كبير من كبار علماء النفس األمريكيين أمثال كارل روجر ‪Carl‬‬
‫‪ ،Rogers‬وتوماس جوردون ‪ ،Thomas Gordon‬وأبراهام مازلو ‪Abraham Maslow‬‬
‫صاحب نظرية هرم االحتياجات‪ .‬ومن أهل اإلنجازات العلمية لعالم النفس الشهير إلياس بورتر ما كتبه‬
‫في‪ ‬نظرية الوعي بالعالقات‪ Relationship Awareness Theory ‬واالختبارات النفسية‬
‫التي أعدها والتطبيقات المرتبطة بها‪.‬‬

‫تعتمد نظرية الوعي بالعالقات – لصاحبها ألياس بورتر ‪ -‬على مبدأ رئيسي مفاده أن سلوك اإلنسان‬
‫يتسق مع ما يحقق له الرضا واإلشباع الداخلي في عالقاته الشخصية مع اآلخرين‪ ،‬وكذلك مع المفاهيم أو‬
‫القناعات التي يؤمن بها حول طريقة تعامله مع اآلخرين من أجل تحقيق هذا الرضا‪.‬‬

‫بالرغم من وجود العديد من النظريات حول شخصية اإلنسان‪ ،‬إال أن هذه النظرية تعنى باإلنسان نفسه‪.‬‬
‫فهي تهدف إلى توفير وسيلة فعالة لفهم شخصية اإلنسان وفهم اآلخرين‪ ،‬حتى تصبح العالقات الشخصية‬
‫بناءة وتحقق الرضا الداخلي لكال الطرفين‪.‬‬

‫مبادئ نظرية الوعي بالعالقات‬

‫وتفيد نظرية الوعي بالعالقات بأن الحافز الداخلي لإلنسان (أو ما يُطلق عليه اسم‪ ‬منظومة القيم‬
‫المحركة للدوافع‪ )Motivational Value System ‬يختلف في حالتين‪ :‬األولى‬
‫عندما تسير األمور على ما يرام‪ ،‬والثانية عندما يواجه اإلنسان صراعًا أو خالفًا‪.‬‬

‫وتقوم نظرية الوعي بالعالقات على أربعة مبادئ أساسية‪:‬‬

‫‪ -1‬إن سلوك اإلنسان تقوده منظومة‪ $‬الدوافع الداخلية‬


‫من خالل دراساته العميقة للنفس البشرية وأبحاثه المستفيضة في كتابات العلماء اآلخرين مثل تولمان‬
‫‪ Tolman‬وفروم ‪ Fromm‬انتهى إلياس بورتر إلى أن الدافع الرئيسي الذي يشترك فيه كل الناس هو‬
‫الرغبة في اإلحساس بأن اإلنسان جدير باالهتمام وأنه يستحق التقدير‪ ،‬وهكذا فإن كل إنسان يسعى إلى‬
‫أن يحقق شعور تقدير الذات بطرق مختلفة ومتعددة‪.‬‬
‫وتهدف النظرية إلى تنظيم مفهوم الناس عن أنفسهم وعن اآلخرين حول ثالثة دوافع أساسية‪ :‬الرغبة في‬
‫تقديم المساعدة لآلخرين‪ ،‬والرغبة في تولي زمام القيادة‪ ،‬والرغبة في االستقالل بالذات‪.‬‬

‫وقد طور بورتر هذه المفاهيم كلها وجمعها في سبعة أنظمة للقيم المحركة للدوافع ‪ ،MVS's‬وضعها‬
‫على شكل مثلث حتى يسهل تذكرها وشرحها وكل منظومة لها لون يميزها‪:‬‬

‫‪ -1‬األزرق‪ :‬إيثار اآلخرين – الرعاية‬

‫‪ -2‬األحمر‪ :‬الجزم‪ -‬توجيه اآلخرين‬

‫‪ -3‬األخضر‪ :‬التحليل واالستقاللية‬

‫‪ -4‬المحور‪ :‬المرونة – المحافظة على انسجام المجموعة‬

‫‪ -5‬األخضر واألحمر‪ :‬الجزم – الرعاية‬

‫‪ -6‬األحمر واألزرق‪ :‬التعقل – المنافسة‬

‫‪ -7‬األزرق واألخضر‪ :‬الدقة والحذر – الدعم والمساندة‬

‫‪ -2‬الدافع يتغير‪ $‬في حالة تعرض اإلنسان للصراع‬


‫ويعتبر هذا المبدأ الثاني من أهم إسهامات بورتر في مجال علم النفس‪ ،‬حيث يشير إلى أن اإلنسان الدوافع‬
‫الداخلية لإلنسان تتغير عندما يتعرض لصراع أو خالف أو معارضة‪ ،‬بما ينعكس على تغيير في‬
‫سلوكياته وأفعاله‪.‬‬

‫وقد اقترح بورتر مصطلح "تسلسل الصراع" الذي يشير إلى أن اإلنسان في حالة الصراع يمر‬
‫بثالث مراحل‪ :‬في المرحلة األولى يكون اهتمامه بنفسه وبالمشكلة وباآلخرين؛ وفي المرحلة الثانية يركز‬
‫اهتمامه على نفسه وعلى المشكلة؛ أما في المرحلة الثالثة فيركز كل اهتمامه على نفسه فقط‪.‬‬

‫‪ -3‬نقاط الضعف ما هي إال نقاط قوة مبالغ في استخدامها‬


‫اقتبس بورتر أحد مبادئ "فروم" والذي يشير إلى أن نقاط الضعف هي في األساس نقاط قوة أفرط‬
‫الشخص في استخدامها‪ ،‬وأكد بورتر على أن "السلوك غير البناء" الذي يصفه "فروم" ما هو إال سلوك‬
‫غير فعال ناتج عن دافع إيجابي؛ فاإلنسان الذي يبالغ في نقطة كونه "واثق بنفسه" يفسره اآلخرون على‬
‫أنه "متغطرس"‪.‬‬

‫‪ -4 ‬المرشحات الشخصية تؤثر على الذات وعلى اآلخرين‬


‫يؤمن بورتر بأن المرشحات الشخصية أو رؤيتنا الشخصية لألمور تؤثر على انطباعاتنا؛ بمعنى أن‬
‫اإلنسان يميل إلى استخدام منظومة القيم المحركة للدوافع الخاصة كأداة قياسية عند تقييم سلوك اآلخرين‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬كلما كانت الدوافع الداخلية للشخصين مختلفة تمام االختالف‪ ،‬كلما رأى كل منهما‬
‫سلوكيات الطرف اآلخر على أنها نقطة ضعف‪ ،‬أو مبالغة في السلوكيات‪.‬‬
‫تطبيقات نظرية الوعي بالعالقات‬

‫هناك تطبيقات عديدة لنظرية الوعي بالعالقات‪ ،‬أولها‪ ‬استبيان تحديد نقاط القوة أو‬
‫‪ Strength Deployment Inventory‬وهو استبيان ذاتي يقوم الشخص بالرد عليه‬
‫لتحديد منظومة القيم المحركة للدوافع الخاصة به‪ .‬وهذا االستقصاء يصنف منظومة القيم المحركة‬
‫للدوافع لدى البشر إلى سبعة أصناف ويشير إلى كل منظومة دوافع بلون مختلف على مثلث؛ األزرق‬
‫واألخضر واألحمر باإلضافة إلى المحور األوسط بالمثلث وكذلك ثالثة مناطق تجمع بين لونين مختلفين‪.‬‬

‫ومن أهم استخدامات هذا االستقصاء أنه يحدد لكل إنسان "تسلسل الصراع" الخاص به‪ ،‬فكل إنسان‬
‫يمر بثالث مراحل عند التعرض لصراع كما ذكرنا سابقًا‪ ،‬وهكذا نجد أن منظمة دوافع القيم لكل إنسان قد‬
‫تتغير عند مواجه صراع من اآلخرين‪ ،‬فقد نرى إنسان منظومة القيم المحركة للدوافع الخاصة به تقع في‬
‫اللون األزرق من المثلث ولكن عن التعرض لصراع تتغير منظومة القيم المحركة للدوافع لتصبح في‬
‫اللون األحمر‪ ،‬وبالتالي تتغير تصرفاته وسلوكياته‪.‬‬

‫والتطبيق الثاني لهذه النظرية هو "بورترية نقاط القوة الشخصية" الذي يرسم لكل شخص‬
‫بورتريه يحتوي على نقاط قوته الشخصية ويقسمها إلى ثالثة أنواع‪ :‬النوع األول هو نقاط القوة‬
‫الشخصية التي يجيد اإلنسان استخدامها ويجد سهولة ويسر في استخدامها مع اآلخرين‪ ،‬والنوع الثاني هو‬
‫نقاط القوة التي يجد اإلنسان مشقة في استخدامها والتأثير بها على اآلخرين‪ ،‬أما النوع الثالث فهي التي ال‬
‫يجيد اإلنسان استخدامها على اإلطالق وال يلجأ الستخدامها إال في حاالت محدودة وقد يخفق في‬
‫استخدامها بالشخص الصحيح وبالتالي قد تسببه له خالفًا أو صراعًا مع اآلخرين‪.‬‬

‫وهذا التطبيق يساعد اإلنسان على حسن اختيار نقاط القوة المناسبة لكل موقف بحيث تصبح نقاط القوة‬
‫كمجموعة من األدوات يستخرج منها ما يريد في الوقت المناسب ومع الشخص المناسب وبالطريقة‬
‫المناسبة‪ ،‬حتى يتجنب أي خالف أو صراع مع الغير‪.‬‬

‫وهكذا نرى أن هذه النظرية تعتبر من األهمية بمكان لنشرها بين األفراد والشركات من أجل تحسين‬
‫العالقات وتطوير طريقة التعامل بين الناس وكذلك إدارة الخالفات والصراعات بحيث تصبح خالفات‬
‫منتجة وبناءة من أجل تقليل المعارضة بين الناس بعضهم البعض‪ ،‬سواء بين أفراد األسرة الواحدة أو بين‬
‫العاملين في نفس الشركة‪.‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أن هذه النظرية تعتبر ملكية خاصة لشركة‪ ‬برسونال سترنثز ‪Personal‬‬
‫‪  Strengths‬وال يجوز ألي شخص أن يقوم بالتدريب باستخدام هذه النظرية وهذه التطبيقات إال‬
‫بعد الحصول على االعتماد المناسب من الشركة وباستخدام المواد العلمية الخاضعة لحقوق ملكية‬
‫الشركة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫تعريف الوعي الذاتي‬


‫متى يبدأ الوعي الذاتي عند اإلنسان؟ يمكن تعريف الوعي الذاتي (باإلنجليزية‪)Self Awareness :‬‬
‫بأنّ ه الوعي بالجوانب المختلفة للذات‪ ،‬فهو إدراك كل شخص لكل ما يحدث له‪ ،‬وإدراكه لردود أفعاله‬
‫ضا بفهم نقاط القوة ونقاط الضعف[‪ .]١‬وعلى الرغم من‬‫ولماذا يتصرف هكذا‪ ،‬ويتمثل الوعي الذاتي أي ً‬
‫أن الوعي الذاتي أمر أساسي بالنسبة للجميع‪ ،‬فإنّه ليس شيًئا يمكن التركيز عليه بشدة في كل لحظة من‬
‫ّ‬
‫كل يوم‪ ،‬حيث يظهر في نقاط مختلفة حسب الموقف والشخصية‪ ،‬ويبدأ الوعي الذاتي من عمر السنة حتى‬
‫السنة ونصف تقريبًا‪ ،‬وينقسم الوعي الذاتي إلى نوعين‪:‬‬

‫‪ -1‬الوعي الذاتي العام ‪ /‬يظهر عندما يكون الشخص هو محور االهتمام ويدرك كيف يجب أن يظهر‬
‫بالنسبة لآلخرين مثاًل عند تقديم عرض تقديمي‪ ،‬أو عند تحدثه أمام مجموعة من أصدقائه‪ ،‬فإنّه‬
‫يتصرف بطرق مرغوبة ومقبولة لهذا الحدث‪ ،‬ولكن قد ينجم عن هذا الوعي بعض من القلق‬
‫والتوتر بشأن كيفية فهم اآلخرين له‪]٢[ .‬‬
‫‪ -2‬الوعي الذاتي الخاص يظهر عندما يقوم الشخص بتقييم نفسه بنفسه‪ ،‬مثاًل الشعور بوجع بالمعدة‬
‫بسبب نسيان الدراسة المتحان مهم‪ ،‬فإذن يساعد الوعي الذاتي في فهم النفس وكيف ترتبط مع‬
‫اآلخرين أي تقييمها ومقارنتها مع اآلخرين‪ ،‬ولكن في بعض األحيان يعكس الوعي الذاتي المفرط‬
‫باإلضافة إلى المقارنة الزائدة باآلخرين إلى حالة مزمنة تتمثل باضطراب الشخصية والقلق‬
‫والتوتر‪]٢[ .‬‬
‫‪ ‬ماذا يقصد بالسلوك البشري؟‬
‫ّ‬
‫نظ ًر ا الرتباط الوعي الذاتي بالسلوك البشري‪ ،‬فيمكن تعريف السلوك البشري بأنه ردة الفعل‬
‫الكامنة وراء النشاط البدني والعقلي واالجتماعي خالل مراحل متتالية من النمو‪ ،‬من الطفولة‬
‫وحتى الشيخوخة‪ ،‬وكل مرحلة منها تتميز بمجموعة من المميزات الجسدية والسلوكية‬
‫والفسيولوجية[‪ .]٣‬يمكن الحصول من السلوك على معلومات قيمة قد تكون مجهولة حول كل‬
‫شخص‪ ،‬فتتعدد أنواع السلوك البشري منها السلوكيات السلبية والسلوكيات العدوانية‬
‫والسلوكيات الحازمة والسلوكيات العاطفية والسلوك الواعي‪ ،‬والسلوك الالواعي‪ ’،‬والسوك‬
‫العقالني‪ ،‬والسلوك غير العقالني‪ ]٤[،‬ويمكن تعديل السلوك بتقديم الحوافز التعزيزية‬
‫والمكافئات أو العقاب أو وفقًا للنوايا ذاتية التوجيه التي تنبع من داخل اإلنسان‪]٥[.‬‬
‫كيف يمكن تطوير الوعي الذاتي؟‬
‫إن فهم الشخصية والقيم والرغبات يُساعد كل شخص ليصبح‬ ‫الوعي الذاتي هو سمة قيّمة إذ ّ‬
‫فإن معرفة المزيد عن النفس يُساعد على إنشاء حياة‬ ‫أكثر وعيًا بذاته‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك ّ‬
‫أفضل‪ ،‬وإجراء تغييرات إيجابية لتحسين نقاط الضعف وإدراك الذات ويعزز الذكاء‬
‫العاطفي‪ ،‬وفيما يأتي طرق لتطوير الوعي الذاتي‪:‬‬
‫‪ ‬معرفة النفس كيف يمكن معرفة الذات؟ وذلك من خالل ترتيب األولويات واألهداف من ‪-٥‬‬
‫‪ ١٠‬أعوام‪ ،‬لمعرفة ما هو مهم في هذه السنوات وترتيبها ضمن قائمة‪ ،‬ث ّم اختيار أه ّم ‪١٠-٥‬‬
‫خيارات من هذه القائمة‪ ،‬وترتيبها حسب األهمية وحسب األولوية القصوى؛ وباإلضافة إلى‬
‫إلن ذلك يساعد على فهم الذات‬ ‫تحديد نقاط القوة لتقييمها ونقاط الضعف للعمل على تحسينها ّ‬
‫أكثر ومعرفة كل ما ينبغي فعله للحصول على حياة بشكل أفضل‪]١[.‬‬
‫بناء الوعي العاطفي ما هي أهمية التأمل اليومي؟ القدرة على فهم المشاعر واالعتراف بها‬
‫هو جزء من الوعي الذاتي‪ ،‬ويفضل عدم حبس المشاعر‪ ،‬فمثاًل بعد يوم شاق ومتعب في‬
‫العمل يفضل إجراء مكالمة مع صديق أو القيام بالهوايات المفضلة التي تبعث األمل‬
‫والتفاؤل‪ ،‬والخيارات كثيرة؛ باإلضافة إلى التركيز على اللحظة الحالية وعدم القلق بشأن‬
‫الماضي أو المستقبل‪ ،‬والقيام بتمارين اليوغا مدة ‪ ١٠‬دقائق في اليوم‪ّ ،‬‬
‫إلن التأمل اليومي‬
‫يساعد على تهدئة العقل والنفس‪ ،‬ويساعد على التفكير بشكل أفضل‪]٦[.‬‬
‫‪ ‬أخذ التغذية الراجعة من اآلخرين هل تساعد التغذية الراجعة في تحسّن األداء؟ وذلك أن‬
‫يُطلب من األشخاص المقربين الذين يعطون تقيي ًما صادقًا وبنا ًء‪ ،‬أن يقوموا بإبداء رأيهم‬
‫وتحديد نقاط القوة‪ ،‬وكيف يمكن تحسين نقاط الضعف‪ ،‬باإلضافة إلى مراجعة التغذية‬
‫الراجعة التي يت ّم الحصول عليها من العمل أو المدرسة والتركيز على هذه التغذية الراجعة‬
‫والعمل عليها‪ ،‬ويمكن أن يطلب الشخص التغذية الراجعة من مديره أو مشرفه حول عمله‬
‫وما النقاط الواجب تحسينها وتطبيقها والعمل عليها لتحسين األداء‪]٦[.‬‬

‫الوعي‬
‫‪ ‬بأبسط التعاريف هو‪ ‬اإلحساس‪ ‬أو الدراية بالوجود الداخلي والخارجي‪ ]1[،‬ورغم آالف السنين‬
‫من التحليالت والتعاريف‪ ,‬والتفسيرات والمناقشات‪ ,‬بين الفالسفة والعلماء‪ ،‬ما يزال الوعي أمرً ا‬
‫محيرً ا ومثيرً ا للجدل كونه «أكثر الجوانب ُألفة وأكثرها غموضًا في حياتنا»‪ ]2[.‬لربما المفهوم‬
‫الوحيد المتفق عليه على نطاق واسع حول هذا الموضوع‪ ,‬هو الحدس القائل بوجود‪ ,‬الوعي‪.‬‬
‫تختلف اآلراء حول ما يحتاج بالضبط إلى دراسة وتفسير باعتباره وعيًا‪ ]4[]3[.‬في بعض األحيان‪،‬‬
‫يُعتبر مراد ًفا للعقل‪ ،‬وفي أحيان أخرى‪ ،‬يُعتبر جانبًا من جوانب العقل‪ ]5[.‬وفي‪ ,‬الماضي‪ ،‬كان‬
‫يتمثل «بالحياة الداخلية» للمرء‪ ،‬وعالم‪ ‬االستبطان‪ ،‬والتفكير‪ ,‬الداخلي‪ ،‬والخيال‪ ،‬واإلرادة‪ .‬قد‬
‫تكون هناك مستويات أو مرتبات مختلفة للوعي‪ ،‬أو أنواع مختلفة من الوعي‪ ،‬أو مجرد نوع‬
‫واحد مع سمات مختلفة‪ ]6[.‬ثمة تساؤالت أخرى فيما إذا كان البشر وحدهم واعيين أم الحيوانات‬
‫جميعها أو حتى الكون بأكمله‪ .‬يثير التباين في نطاق البحوث والمفاهيم والتكهنات شكو ًكا‪ ,‬حول‬
‫[‪]7‬‬
‫ما إذا كان يتم طرح األسئلة الصحيحة‪.‬‬
‫ومن األمثلة على مجموعة األوصاف أو التعاريف أو التفسيرات ما يلي‪ :‬اليقظة‪ ‬البسيطة‪ ،‬أو‬
‫شعور المرء بالذات أو‪ ‬النفس‪ ‬عبر «النظر لدواخلنا»؛ أن يكون «تيارً ا» مجازيًا للمضمون‪ ،‬أو‬
‫أن يكون حالة عقلية أو حدث عقلي أو عملية عقلية للدماغ؛ أن يتضمن نوعًا من الظواهر‪,‬‬
‫المرئية أو الكيفيات المحسوسة‪ ‬والذاتية؛ أن يكون «كالشيء الذي سيبدو عليه األمر» لو‬
‫«امتلكت» ذلك الشيء أو «كنت» ذلك الشيء؛ أن يكون «المسرح الداخلي» أو نظام المراقبة‬
‫[‪]8‬‬
‫التنفيذية للعقل‪.‬‬

‫محتويات‬

‫‪1‬وجهات النظر المشتركة بين التخصصات‬ ‫‪‬‬

‫‪2‬إشكالية التعريف‬ ‫‪‬‬

‫‪3‬أصناف الوعي‬ ‫‪‬‬

‫‪3.1 o‬الوعي العفوي التلقائي‬


‫‪3.2 o‬الوعي التأملي‬
‫‪3.3 o‬الوعي الحدسي‬
‫‪3.4 o‬الوعي المعياري األخالقي‬
‫‪4 ‬الوعي بما هو تفكير في الذات‬
‫‪5 ‬حدود الوعي‬
‫‪6 ‬انظر أيضًا‬
‫‪7 ‬مراجع‬
‫وجهات النظر المشتركة بين التخصصات[عدل]‬
‫كافح الفالسفة الغربيون منذ عهد ديكارت ولوك من أجل فهم طبيعة الوعي وكيف يتناسب مع‬
‫صورة أكبر للعالم‪ .‬وتظل هذه المسائل أساسية في كال الفلسفتين القارية والتحليلية في‪ ‬علم‬
‫الظواهر‪ ‬وفلسفة العقل‪ ‬تبا ًعا‪ .‬تتضمن بعض التساؤالت‪ ,‬األساسية‪ :‬فيما إذا كان الوعي يماثل‬
‫المادة الفيزيائية؛ وفيما إذا كان من الممكن أن تكون اآلالت الحاسبة كالحواسيب أو الروبوتات‪,‬‬
‫واعية؛ ومدى ارتباط‪ ,‬الوعي باللغة؛ وكيف‪ ,‬يرتبط الوعي بعالم التجارب؛ ودور‪ ,‬الذات في‬
‫التجربة؛ وفيما إذا كان التفكير الفردي ممك ًنا على اإلطالق؛ وفيما إذا كان المفهوم متس ًقا بشكل‬
‫[‪]9‬‬
‫أساسي‪.‬‬
‫ومؤخرً ا‪ ،‬أصبح الوعي أيضًا موضوعًا هامًا للبحوث المتعددة التخصصات في العلوم‬
‫االستعرافية التي تشمل مجاالت كعلم النفس واللسانيات واألنثروبولوجيا‪ ,‬وعلم النفس العصبي‬
‫والعلوم العصبية‪ .‬وينصب التركيز األساسي على فهم معنى وجود المعلومات في الوعي من‬
‫الناحية البيولوجية والنفسية‪ ،‬أي على تحديد العالقات العصبية والنفسية للوعي‪ .‬وتقيّم غالبية‬
‫الدراسات التجريبية الوعي لدى البشر من خالل طلب تقرير شفوي من األشخاص المشاركين‬
‫بالبحث عن تجاربهم‪( ,‬على سبيل المثال‪« ،‬أخبرني إذا الحظت أي شيء عندما أفعل هذا»)‪.‬‬
‫وتشمل المسائل ذات االهتمام ظواهر‪ ,‬مثل المحفزات الالشعورية‪ ،‬والعمة البصري‪ ،‬وعمه‬
‫العاهات‪ ،‬وحاالت الوعي المتغيرة الناتجة عن الكحول أو المخدرات األخرى أو األساليب‬
‫الروحية أو التأملية‪.‬‬
‫في الطب‪ ،‬يُقيم الوعي من خالل مالحظة استثارة المريض واستجابته‪ ،‬ويمكن فهمه على أنه‬
‫سلسلة متالحقة من الحاالت المتراوحة بين اليقظة واإلدراك الكاملين‪ ،‬من خالل عدم التوجه‪،‬‬
‫والهذيان‪ ،‬وفقدان االتصال المُجدي‪ ،‬وأخيرً ا فقدان االستجابة الحركية للمحفزات المؤلمة‪ .‬وتشمل‬
‫القضايا المهمة عمليًا كيفية تقييم وجود الوعي في حالة األمراض الشديدة أو الغيبوبة أو التخدير‬
‫وكيفية معالجة الظروف‪ ,‬التي يضعف أو يغيب فيها الوعي‪ .‬تقاس درجة الوعي بمقاييس موحدة‬
‫[‪]10‬‬
‫لمراقبة السلوك كمقياس غالسكو للغيبوبة‪.‬‬
‫إشكالية التعريف[عدل]‬
‫تعود تعاريف القاموس لكلمة‪ ‬ا‪,‬ل‪,‬و‪,‬ع‪,‬ي‪ ,‬لعدة قرون وتعكس مجموعة من المعاني التي تبدو‪,‬‬
‫مترابطة مع وجود بعض االختالفات المثيرة للجدل كالتمييز بين «الوعي الباطني» و «اإلدراك‬
‫الحسي» للعالم المادي‪ ،‬أو التمييز بين «الواعي» و«الالواعي»‪ ،‬أو مفهوم «الكيان العقلي» أو‬
‫«النشاط العقلي» غير الجسدي‪.‬‬
‫وفيما يلي التعاريف الشائعة الستخدامات‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬و‪,‬ع‪,‬ي‪ ,‬في قاموس ويبستر‪ ,‬الدولي‪ ,‬الثالث الجديد‬
‫(الطبعة ‪ ،1966‬المجلد ‪ ،1‬الصفحة ‪:)482‬‬
‫‪      .1‬‬

‫ا‪,‬ل‪,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ا‪,‬إل‪,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ك‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ح‪,‬س‪,‬ي‪ ,‬ل‪,‬ح‪,‬ق‪,‬ي‪,‬ق‪,‬ة‪ ,‬ن‪,‬ف‪,‬س‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ر‪,‬و‪,‬ح‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬ب‪,‬ا‪,‬ط‪,‬ن‪,‬ي‪,‬ة‪,‬؛‪ ,‬م‪,‬ع‪,‬ر‪,‬ف‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ر‪,‬ء‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫ب‪,‬ش‪,‬ي‪,‬ء‪ ,‬م‪,‬ا‪ ,‬ض‪,‬م‪,‬ن‪ ,‬ذ‪,‬ا‪,‬ت‪,‬ه‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬د‪,‬ا‪,‬خ‪,‬ل‪,‬ي‪,‬ة‪.,‬‬
‫ا‪,‬ل‪,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬د‪,‬ا‪,‬خ‪,‬ل‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬ب‪,‬ج‪,‬س‪,‬م‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ح‪,‬ا‪,‬ل‪,‬ة‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ح‪,‬ق‪,‬ي‪,‬ق‪,‬ة‪ ,‬خ‪,‬ا‪,‬ر‪,‬ج‪,‬ي‪,‬ة‪,‬‬ ‫‪‬‬

‫ا‪,‬ل‪,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬أل‪,‬ب‪,‬ه‪,‬ة‪,‬؛ االهتمام‪ ،‬القلق‪-‬كثيرً ا م‪,‬ا‪ ,‬تُ‪ ,‬س‪,‬ت‪,‬خ‪,‬د‪,‬م‪ ,‬ك‪,‬ا‪,‬س‪,‬م‪ ,‬إ‪,‬س‪,‬ن‪,‬ا‪,‬د‪,‬ي‪ ( ,‬ك‪,‬ا‪,‬ل‪,‬و‪,‬ع‪,‬ي‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫ا‪,‬ل‪,‬ط‪,‬ب‪,‬ق‪,‬ي‪),‬‬
‫‪ ,.2‬ا‪,‬ل‪,‬ح‪,‬ا‪,‬ل‪,‬ة‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ن‪,‬ش‪,‬ا‪,‬ط‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ت‪,‬س‪,‬م‪ ,‬ب‪,‬ا‪,‬إل‪,‬ح‪,‬س‪,‬ا‪,‬س‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ع‪,‬ا‪,‬ط‪,‬ف‪,‬ة‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ا‪,‬إل‪,‬ر‪,‬ا‪,‬د‪,‬ة‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ت‪,‬ف‪,‬ك‪,‬ي‪,‬ر‪,‬؛‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ع‪,‬ق‪,‬ل‪ ,‬ب‪,‬أ‪,‬و‪,‬س‪,‬ع‪,‬‬
‫ن‪,‬ط‪,‬ا‪,‬ق‪ ,‬م‪,‬م‪,‬ك‪,‬ن‪,‬؛‪ ,‬ش‪,‬ي‪,‬ء‪ ,‬م‪,‬ا‪ ,‬ف‪,‬ي‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ط‪,‬ب‪,‬ي‪,‬ع‪,‬ة‪ ,‬ي‪,‬خ‪,‬ت‪,‬ل‪,‬ف‪ ,‬ع‪,‬ن‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ا‪,‬د‪,‬ة‪,‬‬
‫‪ .3‬ح‪,‬ص‪,‬ي‪,‬ل‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬أل‪,‬ح‪,‬ا‪,‬س‪,‬ي‪,‬س‪ ,‬و‪,‬ا‪,‬إل‪,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ك‪,‬ا‪,‬ت‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ح‪,‬س‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬و‪,‬ا‪,‬أل‪,‬ف‪,‬ك‪,‬ا‪,‬ر‪ ,‬و‪,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬و‪,‬ا‪,‬ق‪,‬ف‪ ,‬و‪,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ش‪,‬ا‪,‬ع‪,‬ر‪ ,‬ف‪,‬ي‪ ,‬ع‪,‬ل‪,‬م‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ن‪,‬ف‪,‬س‪,‬‬
‫ً‬
‫مقارنة مع‬ ‫و‪,‬ا‪,‬ل‪,‬ت‪,‬ي‪ ,‬ي‪,‬د‪,‬ر‪,‬ك‪,‬ه‪,‬ا‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ف‪,‬ر‪,‬د‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ج‪,‬م‪,‬و‪,‬ع‪,‬ة‪ ,‬ف‪,‬ي‪ ,‬أ‪,‬ي‪ ,‬و‪,‬ق‪,‬ت‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬خ‪,‬ال‪,‬ل‪ ,‬ف‪,‬ت‪,‬ر‪,‬ة‪ ,‬ز‪,‬م‪,‬ن‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬م‪,‬ع‪,‬ي‪,‬ن‪,‬ة‪- ,‬‬
‫تيار الوعي‬
‫‪ .4‬ح‪,‬ي‪,‬ا‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ي‪,‬ق‪,‬ظ‪,‬ة‪,( ,‬ا‪,‬ل‪,‬ت‪,‬ي‪ ,‬ي‪,‬ع‪,‬و‪,‬د‪ ,‬إ‪,‬ل‪,‬ي‪,‬ه‪,‬ا‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ر‪,‬ء‪ ,‬ب‪,‬ع‪,‬د‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ن‪,‬و‪,‬م‪ ,،,‬و‪,‬ا‪,‬ل‪,‬غ‪,‬ش‪,‬ي‪ ,،,‬و‪,‬ا‪,‬ل‪,‬ح‪,‬م‪,‬ى‪ ,),‬ح‪,‬ي‪,‬ث‪ ,‬ت‪,‬ع‪,‬و‪,‬د‪ ,‬ج‪,‬م‪,‬ي‪,‬ع‪,‬‬
‫ا‪,‬ل‪,‬ق‪,‬و‪,‬ى‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ع‪,‬ق‪,‬ل‪,‬ي‪,‬ة‪.,‬‬
‫‪ .5‬ا‪,‬ل‪,‬ج‪,‬ز‪,‬ء‪ ,‬م‪,‬ن‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ح‪,‬ي‪,‬ا‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ع‪,‬ق‪,‬ل‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬أ‪,‬و‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ح‪,‬ت‪,‬و‪,‬ى‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ن‪,‬ف‪,‬س‪,‬ي‪ ,‬ف‪,‬ي‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ت‪,‬ح‪,‬ل‪,‬ي‪,‬ل‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ن‪,‬ف‪,‬س‪,‬ي‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ت‪,‬ا‪,‬ح‪ ,‬م‪,‬ب‪,‬ا‪,‬ش‪,‬ر‪,‬ةً‪,‬‬
‫ل‪,‬ال‪,‬ن‪,‬ا‪ -,‬مقارنة بما قبل الوعي والالوعي‬
‫يعرّف‪ ‬قاموس كامبريدج‪ ‬الوعي بأنه «ح‪,‬ا‪,‬ل‪,‬ة‪ ,‬ف‪,‬ه‪,‬م‪ ,‬و‪,‬إ‪,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ك‪ ,‬ش‪,‬ي‪,‬ء‪ ,‬م‪,‬ا‪ .»,‬يعرّ ف‪ ,‬قاموس أكسفورد‬
‫الحي الوعي بأنه «ح‪,‬ا‪,‬ل‪,‬ة‪ ,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪,‬ر‪,‬ء‪ ,‬ب‪,‬م‪,‬ح‪,‬ي‪,‬ط‪,‬ه‪ ,‬و‪,‬ا‪,‬ال‪,‬س‪,‬ت‪,‬ج‪,‬ا‪,‬ب‪,‬ة‪ ,‬ل‪,‬ه‪ »,‬و«و‪,‬ع‪,‬ي‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ش‪,‬خ‪,‬ص‪ ,‬أ‪,‬و‪,‬‬
‫[‪]11‬‬
‫إ‪,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ك‪,‬ه‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ح‪,‬س‪,‬ي‪ ,‬ل‪,‬ش‪,‬ي‪,‬ء‪ ,‬م‪,‬ا‪ »,‬و«ح‪,‬ق‪,‬ي‪,‬ق‪,‬ة‪ ,‬د‪,‬ر‪,‬ا‪,‬ي‪,‬ة‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ع‪,‬ق‪,‬ل‪ ,‬ب‪,‬ن‪,‬ف‪,‬س‪,‬ه‪ ,‬و‪,‬ب‪,‬ا‪,‬ل‪,‬ع‪,‬ا‪,‬ل‪,‬م‪.»,‬‬
‫وقد حاول الفالسفة توضيح الفوارق التقنية عن طريق استخدام لغة اصطالحية خاصة بهم‪.‬‬
‫تعرف‪ ‬م‪,‬و‪,‬س‪,‬و‪,‬ع‪,‬ة‪ ,‬ر‪,‬و‪,‬ت‪,‬ل‪,‬ي‪,‬د‪,‬ج‪ ,‬ل‪,‬ل‪,‬ف‪,‬ل‪,‬س‪,‬ف‪,‬ة‪ ,‬في عام ‪ 1998‬الوعي على النحو التالي‪:‬‬
‫الوعي ‪-‬استخدم الفالسفة مصطلح «الوعي» ضمن أربعة مواضيع رئيسية‪ :‬المعرفة بشكل عام‪،‬‬
‫والقصدية‪ ،‬واالستبطان‪( ,‬والمعرفة التي يولدها على وجه التحديد)‪ ،‬والتجربة الظاهرات‪ ...‬إن‬
‫«واع استبطانيًا» فقط إذا استبطنه المرء أو كان مهيًا للقيام‬
‫ٍ‬ ‫األمر الذي يدور في ذهن المرء‬
‫بذلك‪ .‬وكثيرً ا‪ ,‬ما يعتقد أن التفكير الداخلي يقدم المعرفة األولية للمرء عن حياته العقلية‪ .‬إن‬
‫التجربة أو الكيان العقلي «واعية ظاهراتيًا»‪ ,‬فقط في حالة وجود «شيء يمكن للمرء امتالكه»‪.‬‬
‫وأكثر األمثلة وضوحً ا‪ ,:‬التجربة اإلدراكية الحسية‪ ،‬كالتذوق‪ ,‬والرؤية؛ وتجارب‪ ,‬اإلثارة الجسدية‬
‫كتجارب اآلالم والدغدغة والحكة؛ والتجارب اإلبداعية كتلك المتعلقة بأفعال المرء أو مفاهيمه؛‬
‫وتيارات األفكار كتجربة التفكير «في الكلمات» أو «في الصور»‪ .‬ويبدو‪ ,‬أن مفهومي‬
‫االستبطان والظاهرية مفهومان مستقالن‪ ،‬أو يمكن فصلهما‪ ،‬رغم أن ذلك مثار جدل‪.‬‬
‫لم يكن العديد من الفالسفة والعلماء راضين عن صعوبة وضع تعريف ال يتضمن التفا ًفا أو‬
‫ً‬
‫ضبابية‪ .‬ففي‪ ‬ق‪,‬ا‪,‬م‪,‬و‪,‬س‪ ,‬م‪,‬ا‪,‬ك‪,‬م‪,‬ي‪,‬ال‪,‬ن‪ ,‬ل‪,‬ع‪,‬ل‪,‬م‪ ,‬ا‪,‬ل‪,‬ن‪,‬ف‪,‬س‪( ,‬طبعة عام ‪ ،)1989‬أعرب ستيوارت ساذرالند‪,‬‬
‫عن موقف متشكك أكثر من مجرد تعريف‪:‬‬
‫الوعي‪ - ‬امتالك اإلدراكات الحسية واألفكار‪ ,‬والمشاعر‪ .‬يستحيل تعريف‪ ,‬المصطلح إال بعبارات‬
‫إشكالية دون فهم ما يعنيه الوعي‪ .‬فالكثيرون يقعون في فخ مساواة الوعي‪ ‬بالوعي الذاتي‪– ‬‬
‫ليكون المرء واعيًا‪ ،‬ينبغي فقط أن نكون على وعي بالعالم الخارجي‪ .‬إن الوعي ظاهرة مذهلة‬
‫ولكنها بعيدة المنال‪ :‬فمن المستحيل أن نحدد ماهيته‪ ،‬أو عمله‪ ،‬أو سبب تطوره‪ .‬ولم يُكتب حوله‬
‫شيء يستحق القراءة‪.‬‬
‫إن التعريف‪ ,‬المتحيز مثل تعريف ساذرالند‪ ,‬من الممكن أن يؤثر بشكل كبير على افتراضات‪,‬‬
‫الباحثين واتجاهات عملهم‪:‬‬
‫إذا كان الوعي بالبيئة‪ ...‬هو معيار الوعي‪ً ،‬‬
‫فإذا حتى‪ ‬الكائنات األولية‪ ‬واعية‪ .‬وإذا كان الوعي‬
‫مطلوبًا‪ ،‬فإن وعي القردة العليا ورضع البشر مشكوك به‪.‬‬
‫وقد جادل العديد من الفالسفة بأن الوعي مفهوم وحدوي‪ ,‬يفهمه معظم‪ ,‬الناس حدسيًا رغم صعوبة‬
‫تعريفه‪ .‬جادل آخرون بأن حجم الخالف حول معنى الكلمة يدل على أنها إما تعني أشياء مختلفة‬
‫ألشخاص مختلفين (كالجوانب الموضوعية مقابل الجوانب الذهنية للوعي) أو أنها تشمل‬
‫مجموعة متنوعة من المعاني المتميزة مع عدم وجود عنصر بسيط مشترك‪.‬‬
‫أصناف الوعي[عدل]‬
‫تختلف مدلوالت الوعي‪ ،‬من مجال إلى آخر‪ ،‬فهناك من يقرنه باليقظة (في مقابل الغيبوبة أو‬
‫النوم)‪ .‬وهناك من يقرنه بالشعور ويشير‪ ,‬به إلى جميع العمليات‪ ‬السيكولوجية‪ ‬الشعورية‪ .‬ويمكن‬
‫أن نفهم الداللة العامة للوعي فيما يلي‪ :‬إنه ممارسة نشاط معين (فكري‪ ،‬تخيلي‪ ،‬يدوي)‪ .‬ومن‬
‫ثمة يمكن تصنيف الوعي إلى أصناف‪ ,‬أربعة هي‪:‬‬
‫الوعي العفوي التلقائي[عدل]‬
‫وهو ذلك النوع من الوعي الذي يكون أساس قيامنا بنشاط‪ ,‬معين‪ ،‬دون أن يتطلب منا مجهوداً‬
‫ذهنيا ً كبيراً‪ ،‬بحيث ال يمنعنا من مزاولة أنشطة ذهنية أخرى‪.‬‬
‫الوعي التأملي[عدل]‬
‫وهو على عكس األول يتطلب حضوراً‪ ,‬ذهنيا ً قوياً‪ ،‬ويرتكز على قدرات عقلية‬
‫عليا‪ ،‬كالذكاء‪ ،‬واإلدراك‪ ،,‬والذاكرة… ومن ثمة فإنه يمنعنا من أن نزاول أي نشاط آخر‪.‬‬
‫الوعي‪ ‬الحدسي[عدل]‬
‫وهو الوعي المباشر والفجائي الذي يجعلنا ندرك أشياء‪ ،‬أو عالقات‪ ،‬أو معرفة‪ ،‬دون أن نكون‬
‫قادرين على اإلتيان بأي استدالل‪.‬‬
‫الوعي المعياري األخالقي[عدل]‬
‫وهو الذي يجعلنا نصدر أحكام قيمة على األشياء والسلوكات فنرفضها أو نقبلها‪ ،‬بناء على‬
‫قناعات أخالقية‪ .‬وغالبا ً ما يرتبط هذا الوعي بمدى شعورنا بالمسؤولية تجاه أنفسنا واآلخرين‪.‬‬
‫انطالقا ً من هذا التصنيف الداللي‪ ،‬يمكن أن نترجم اإلشكالية الفلسفية لهذا الدرس من خالل‬
‫األسئلة التالية‪ :‬كيف يمكن أن يحيط الوعي بالذات؟ كيف ينفتح الوعي عن العالم وعن اآلخرين؟‬
‫ما هي حدود الوعي؟‬
‫الوعي بما هو تفكير في‪ ‬الذات[عدل]‬
‫يرى الفيلسوف‪ ,‬األلماني‪ ‬هيغل‪ Hegel ‬أن اإلنسان هو الموجود‪ ,‬الوحيد‪ ,‬الذي يعي ذاته‪ ،‬باعتباره‬
‫يوجد كما توجد أشياء الطبيعة‪ ،‬وباعتباره موجوداً‪ ,‬لذاته‪ .‬أما األشياء األخرى فإنها ال توجد‪ ,‬إال‬
‫بكيفية واحدة‪ .‬وعلى هذا األساس يجب على اإلنسان أن يعيش بوصفه موجوداً لذاته ذلك «ألنه‬
‫مدفوع إلى أن يجد ذاته ويتعرف عليها فيما يلقاه مباشرة ويعرض عليه من الخارج‪( ».‬هيغل)‪،‬‬
‫وهو يستطيع ذلك حينما يسقط ذاته وتمثالته على األشياء الخارجية‪ .‬فاإلنسان يعمل دائما على‬
‫تغيير األشياء الخارجية ألنه يريد أن يرى ذاته تتحقق بشكل موضوعي‪ .‬فكيف يمكن أن تتمثل‬
‫الذات نفسها؟ يرى الفيلسوف الفرنسي‪ ‬ديكارت‪ ‬أن الشك هو السبيل الوحيد إلى اليقين‪ ،‬فهو الذي‬
‫يجعلنا نحيط بذواتنا‪ ,.‬هكذا شك ديكارت في كل شيء بما في ذلك وجوده‪ .‬فلم يستطع أن يقول إن‬
‫الجسم والنفس من خواص نفسه‪ .‬لكن تأكد له بوضوح‪ ,‬أنه ال يستطيع‪ ,‬أن يشك في أنه يفكر‪،‬‬
‫حيث أن التفكير هو الخاصية الوحيدة التي الزمت الذات منذ البداية (= بداية الشك)‪ .‬فانطالقاً‪,‬‬
‫من التفكير يمكن أن ندرك بصفة حدسية وجود الذات؛ هكذا استطاع ديكارت أن يقول‪« :‬أنا‬
‫أفكر إذن أنا موجود»‪ .‬فالذات والتفكير متالزمان‪ ،‬فحينما تتوقف الذات عن التفكير تنقطع عن‬
‫الوجود‪ .‬إال أن الفيلسوف‪ ,‬برغسون ‪ Bergson‬يرفض أي طابع ذاتي أو نسبي للوعي‪ .‬فليس‬
‫الوعي – في نظره – لحظة شعورية مرتبطة بشيء معين؛ وإنما الوعي هو إدراك للذات‬
‫واألشياء في ديمومتها‪ .‬فالوعي انفتاح على الحاضر والماضي‪ ,‬والمستقبل‪ .‬ومن ثمة فإنه ال يقبل‬
‫القسمة إلى لحظات معينة ألنه تدفق وسريان يصعب التمييز بين لحظاته‪ .‬وانطالقا‪ ,‬من هذا‬
‫نتساءل‪ :‬هل يمكن أن يتم الوعي في غياب العالم واآلخرين؟‬
‫الوعي انفتاح على العالم وعلى اآلخرين‬
‫إن‪ ‬كانط‪ ‬يميز بين الوعي بالذات والمعرفة‪ .‬فهو يرى أن وعي الذات لنفسها كوجود‪ ,‬أخالقي‪ ,‬ال‬
‫يعني بالضرورة وعينا المطلق لألشياء؛ ألننا نجهل النومينات (األشياء في ذاتها)‪ ،‬ومن ثمة‬
‫يظل وعينا باألشياء وعيا نسبيا‪ .‬أما الفيلسوف هوسرل ‪ E. Husserl‬فيرى – على خالف ذلك‬
‫– أن الوعي دائما ً قصدي‪ =( ,‬وعي بشيء ما)‪ .‬فقد يكون الوعي تخيالً‪ ،‬أو تذكراً‪ ،‬أو تفكيراً‬
‫منطقياً… إال أنه يتجه دائما ً صوب الشيء المفكر فيه‪ .‬ومن ثمة فإن الوعي بالذات هو انفتاح‬
‫على الذات من خالل قصدية معينة‪ ،‬والوعي بالعالم هو وعي قصدي للعالم‪ .‬ويحاول‪ ,‬الفيلسوف‬
‫ميرلوبنتي‪ Merleau-Ponty ,‬أن يخرج الوعي من هذه النزعة‪ ‬الفينومينولوجية‪( ‬الظاهراتية)‪،‬‬
‫فيقول بأن الوعي هو الذي يمنح للعالم معاينته التي يتجلى بها‪ :‬إن «العالم كما هو في ذاته‪ ،‬فإن‬
‫كل اتجاهاته وحركاته نسبية‪ ،‬الشيء الذي يعني أنه ال وجود‪ ,‬لها فيه»‪ .‬فالذات الواعية ال‬
‫تستطيع – هي كذلك – أن تتمثل وعيها إال بإسقاطها له في العالم‪ ،‬ومن ثمة فإن هناك عالقة‬
‫جدلية بين الذات والعالم‪ :‬فبدون الذات يصبح العالم بدون أبعاد وال جهات‪ ،‬وبدون العالم ال‬
‫تستطيع الذات أن تتمثل نفسها كوجود متعال عن العالم‪ .‬هكذا نتمكن من القول بأن اإلنسان ال‬
‫يستطيع أن يتمثل نفسه في غياب العالم دون أن يسقط في «مذهب األنا وحدي» ‪Solipsisme‬‬
‫لكن ما هو دور اآلخر في الوعي بالذات؟ وأما في فلسفة الوجودية عند الفيلسوف‪ ,‬سارتر‪J.P. ‬‬
‫‪ Sartre‬أن اآلخر هو الذي يجعلني أعي ذاتي‪ :‬فأنا حين أكون لوحدي أحيى ذاتي وال أفكر‬
‫فيها‪ ،‬لكن بمجرد أن أرفع بصري‪ ,‬فأرى اآلخر ينظر إليَّ أخجل من نفسي‪ ،‬ألنني أصبحت أنظر‬
‫إلى نفسي بنظرة اآلخر إلي‪ .‬فنظرة اآلخر إذن هي التي تجعلني أعي ذاتي كشيء خارج عني‪.‬‬
‫فاآلخر هو الوسيط الذي يجعلني أموضع ذاتي‪ .‬هكذا يكون اآلخر الوجود‪ ,‬األساسي الذي يجعلني‬
‫أجعل من ذاتي موضوعاً‪ ,‬للوعي‪ .‬بعد أن تعرفنا عن العالقة الواعية التي يمكن أن تكون بين‬
‫الذات ونفسها‪ ،‬وبين الذات والعالم واآلخرين؛ نستطيع‪ ,‬اآلن أن نتساءل‪ :‬هل الوعي مطلق أم‬
‫نسبي؟‬
‫حدود الوعي[عدل]‬
‫كثيراً ما ننسى أن معالجة الفالسفة والمفكرين إلشكالية الوعي ترتبط بلحظات تاريخية تنعكس‬
‫فيها هموم ودرجات المعرفة البشرية‪ ،‬ومن هذا المنطلق تختلف تمثالتهم لحدود الوعي‪ .‬فعلى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬ماركس‪ ‬يعتبر الوعي هو ذلك البناء الفوقي‪ ,‬الذي تتجلى فيه جميع األنشطة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ويرى أنه ال نستطيع إطالقا ً أن نتمثل الوعي في معزل عن األوضاع‪ ,‬االجتماعية‬
‫وبالتالي عالقات اإلنتاج‪ .‬فالناس يدخلون في عالقات إنتاج معينة خارجة عن إرادتهم‪ ،‬تولد‬
‫عندهم درجات متنوعة من الوعي‪ .‬ومن هذا المنطلق يقول ماركس «ليس وعي الناس هو الذي‬
‫يحدد وجودهم‪ ،‬وإنما وجودهم‪ ,‬االجتماعي هو الذي يحدد وعيهم‪ ».‬إال أن ماركس ال يعتبر‬
‫الوعي انعكاسا سلبيا للواقع‪ ،‬ألنه يؤمن بوجود عالقة جدلية فيما بينهما‪ :‬فالوعي‪ ,‬يمكنه أن يؤثر‬
‫في الواقع ؛ فإما أن يساهم في تغيير الواقع (الوعي الصحيح)‪ ،‬وإما أن يساهم في تكريسه‬
‫(الوعي الزائف)‪ .‬أما‪ ‬نيتشه‪ Nietzsche ‬فيرى‪ ,‬أن باإلمكان أن يعيش اإلنسان حياته في‬
‫استقالل عن الوعي تماما‪ .‬لما كانت الحياة البشرية معرضة للهالك بوصفها حياة يؤطرها‪,‬‬
‫الصراع من أجل البقاء اضطر‪ ,‬اإلنسان أن يعبر عن نفسه في كلمات‪ ،‬ومن ثمة يكون نمو اللغة‬
‫ونمو الوعي متالزمين‪ .‬هكذا اختلق اإلنسان لنفسه أوهاما أصبحت تؤطر‪ ,‬حياته وأضفى عليها‬
‫صبغة حقائق تقنن واقعه (كالواجب والمسؤولية‪ ،‬والحرية …إلخ)‪ .‬فالحقائق في العمق ليست إال‬
‫أوهاما منسية‪ .‬أما‪ ‬فرويد‪ Freud ‬فينظر إلى حياتنا نظرة مخالفة تماماً‪ .‬فالحياة اإلنسانية عنده‬
‫أشبه بجبل الجليد ‪( iceberg‬ما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي)؛ ومن ثمة نكون مخطئين‬
‫جداً إذا نسبنا كل سلوكاتنا‪ ,‬إلى الوعي‪ ،‬ألن «كل هذه األفعال الواعية‪ ،‬سوف‪ ,‬تبقى غير متماسكة‬
‫وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى الزعم بأنه ال بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا‬
‫…»(فرويد)؛ فكثير‪ ,‬من السلوكات ال تفهم إال إذا أرجعناها إلى الجانب األساسي‪ ,‬من حياتنا‬
‫النفسية وهو الالشعور‪ .‬وكتمثل توفيقي نستطيع القول بأن الحياة اإلنسانية حياة مركبة‪ ،‬حيث‬
‫يلعب فيها كل من الوعي والالشعور‪ ,‬دورا مركزيا‪ .‬فإذا كان الالشعور ضروريا لتفسير كثير‬
‫من السلوكيات‪ ,‬خصوصا ً منها المنحرفة والمرضية والشاذة‪ ،‬فإنه ال يجب أن ننسى بأن الحياة‬
‫اإلنسانية حرية وإرادة ومسؤولية‪ ،‬حيث يختار‪ ,‬اإلنسان كثيراً من سلوكاته بكامل الوعي‪.‬‬
‫ما هو الوعي؟’ وكيف تطور؟‬

‫التاريخ‪ 2016-10-06 :‬عدد المشاهدات‪ 25,924 :‬التصنيف‪ :‬علوم األعصاب وقت القراءة‪ 11 :‬دقيقة‪,‬‬
‫‪ 15‬ثانية منذ أن نشر تشارلز داروين ‪ Charles Darwin‬كتابه في أصل األنواع عام ‪ ،1859‬أصبح‬
‫التطور بمثابة القاعدة التي تجمع نظريات األحياء‪ .‬يمثل الوعي أحد أهم السمات الحيوية األساسية لدى‬
‫البشر‪ ،‬وعلى الرغم من أهميته تلك‪ ،‬فإن دراسته نادرة في سياق التطور‪ .‬لذلك نجد معظم النظريات التي‬
‫تفسر الوعي تأتي من األديان والفلسفة والعلوم المعرفية‪ ،‬لكن قلَّما نجد نظرية على أسس حيوية تطورية‪.‬‬
‫ربما لهذا السبب نجد عددًا محدودًا جدًا من النظريات التي تجيب على أسئلة أساسية من مثل‪ :‬ما هي‬
‫القيمة التأقلمية للوعي؟’ متى تطور؟ وهل لدى الحيوانات وعي أيضا؟ تعتبَر "نظرية مخطط االنتباه"‬
‫)‪ Attention Schema Theory (AST‬والتي ظهرت في السنين الخمس الماضية‪ ،‬إحدى هذه‬
‫النظريات التي تُجيبنا على هذه األسئلة‪ ،‬حيث تفترض النظرية أن الوعي نشأ كحلٍّ إلحدى أهم المشاكل‬
‫األساسية التي تواجه أي جهاز عصبي؛ أال وهي تدفق كم هائل من المعلومات التي يجب أن تُعالَج‬
‫معالجة كاملة‪ ،‬وهذا هو ما دفع الدماغ كي يطور ويزيد من تعقيد آليات المعالجة‪ ،‬من أجل أن يتمكن من‬
‫معالجة بعض المعلومات معالجة عميقة على حساب معلومات أخرى‪ ،‬ووفقا ً لهذه النظرية فإن الوعي هو‬
‫ُت صحته بعد‪-‬‬ ‫النتيجة النهائية لهذا التتابع التطوري‪ .‬إذا كانت هذه النظرية صحيحة ‪-‬وهو ما ل ّما تَثب ْ‬
‫فيمكن اعتبار أن الوعي تطور تدريجيا ً على مدار النصف بليون سنة الماضية‪ ،‬كما أن ذلك يعني أيضًا‬
‫أنه يوجد في بعض األنواع من الفقاريات‪ .‬العصبونات تشبه مرشحي االنتخابات؛ كلٌّ يسعى إلسكات‬
‫اآلخر استغل الجهاز العصبي خدعة حوسبية بسيطة‪ ،‬وذلك حتى قبل تطور الدماغ المركزي نفسه‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك‪ ،‬دعنا نشبِّه العصبونات بمرشحي االنتخابات؛ كل منهم يصرخ في محاولة إلسكات‬
‫اآلخر‪ ،‬وفي كل لحظة من اللحظات ال يفوز إال القليل من العصبونات في هذه المنافسة الشرسة‪ ،‬حيث‬
‫ترتفع إشارتهم الخاصة فوق مستوى التشويش ‪( noise‬الذي تسببه باقي الخاليا) وتصبح الخاليا الفائزة‬
‫لها القدرة على التأثير في سلوك الحيوان‪ .‬تسمى هذه العملية بـ "التعزيز االنتقائي لإلشارات"‬
‫‪ Selective signal enhancement‬والتي بدونها ال يمكن للجهاز العصبي أن يقوم بأي شيء‬
‫تقريباً‪ .‬يمكننا أن نخمن جيداً متى بدأ تطور التعزيز االنتقائي لإلشارات عن طريق مقارنة األنواع‬
‫المختلفة من الحيوانات‪ ،‬وهي طريقة شائعة في مجال األحياء التطورية‪ ،‬سنستخدم في تجربتنا الهيدرا‬
‫وهو أحد أقارب قنديل البحر البسطاء‪ ،‬والذي يمتلك أبسط جهاز عصبي معروف‪ ،‬فهو يمتلك ما يعرف‬
‫بالشبكة العصبية ‪ . Nerve Net‬إذا قمت بوخز الهيدرا في أي مكان فسيعطي استجابة عامة تشمل جميع‬
‫أجزاء جسمه وهذا ما يثبت عدم وجود أي نوع من المعالجة االختيارية‪ ،‬والتي ‪-‬لو ُوجدت‪ -‬فإنها من‬
‫المفترض أن تُمكن الهيدرا من االستجابة لبعض الوخزات وتجاهل األخرى‪ .‬وفقا ً للتحليل الجيني فإن‬
‫االنفصال بين أسالف الهيدرا والحيوانات األخرى ربما حدث منذ ‪ 700‬مليون سنة‪ .‬وعلى األرجح أن‬
‫أول تعزيز انتقائي لإلشارة حدث بعد ذلك‪ .‬أما المفصليات فتُعتبر عيونها من أفضل األمثلة على التعزيز‬
‫االنتقائي لإلشارة؛ فهي تزيد من حدة اإلشارات الخاصة بحواف الصورة وتقلل من حدة باقي اإلشارات‬
‫البصرية‪ ،‬مولدة مخططًا للعالم من حولها‪ .‬وبنا ًء على ذلك فإنه من المفترض أن يكون التعزيز االنتقائي‬
‫قد نشأ في وقت ما بين نشوء الهيدرا والمفصليات أي قبل حوالي ‪ 700‬إلى ‪ 600‬مليون سنة‪ ،‬في وقت‬
‫قريب من بداية الحياة المعقدة لمتعددات الخاليا‪ .‬وهذا التعزيز االنتقائي لإلشارة هو آلية بدائية جداً حتى‬
‫إنه ال يتطلب جها ًزا عصبيًا مركزيًا‪ .‬لذلك نجد أن العين وشبكات حواس اللمس في الجسم والجهاز‬
‫السمعي‪ ،‬ك ٌل له آليته المحلية لتركيز االنتباه على عدد قليل من اإلشارات المختارة‪ .‬وكانت الخطوة‬
‫التطورية التالية آنذاك تتمثل في متحكم مركزي لالنتباه‪ ،‬وهو متحكم يمكنه التنسيق بين كل الحواس‪.‬‬
‫وهذا المتحكم المركزي يتمثل في معظم الحيوانات بتركيب دماغي يدعى "السقف" ‪( Tectum‬كلمة "‬
‫‪ "Tectum‬تعني "السقف" بالالتينية وغالبا ً ما تغطي قمة الدماغ )‪ .‬وهذا "السقف" يُنظم ما يسمى‬
‫باالنتباه الجل ّي "‪ - "overt attention‬موجها ً مستقبالت اإلحساسات في كل من العين واألذن واألنف‬
‫لتهتم أكثر باألشياء المهمة‪ .‬تمتلك كل الفقاريات ‪-‬األسماك والزواحف و الطيور والثدييات‪ -‬سقفًا دماغيًا‪.‬‬
‫حتى األنقليس "‪ "lampreys‬لديه واحد بالرغم من أن األنقليس قد ظهر مبكراً لدرجة أنه ال يمتلك ف ًكا‬
‫سفليًا‪ .‬لكن وكما يعلم الجميع‪ ،‬فإن الالفقاريات ليس لديها سقف دماغي‪ ’،‬وهذه الحقيقة (القائلة أن‬
‫الفقاريات لديها سقف دماغ‪ ،‬وأن الالفقاريات تفتقده) قد تعيننا على حصر الفترة التي تطور فيها السقف‪.‬‬
‫تبعا ً للدالئل األحفورية والجينية‪ ،‬فإن الفقاريات تطورت منذ نحو ‪ 520‬مليون سنة‪ .‬ومن المحتمل أن‬
‫يكون السقف‪ ،‬والتحكم المركزي باالنتباه قد نشأ بعد ذلك‪ ،‬أثناء ما يسمى باالنفجار الكامبري‬
‫‪ Cambrian Explosion‬عندما كانت الفقاريات مخلوقات صغيرة ملتوية الحركة‪ ،‬وتتنافس مع‬
‫أعداد كبيرة من الالفقاريات في البحر‪ .‬حتى عندما تدير ظهرك لألشياء‪ ،‬يمكن للقشرة الدماغية تركيز‬
‫مواردها على تلك األشياء يعد "السقف" تحفة هندسية جميلة‪ .‬ومن أجل أن تحقق هذه التحفة الهندسية‬
‫تحك ًما فعااًل بالرأس والعينين‪ ،‬يبني "السقف" ما يعرف بالنموذج الداخلي [‪،"internal model" ]1‬‬
‫وهي خاصية معروفة للمهندسين‪ .‬ولتبسيط ذلك‪ :‬النموذج الداخلي هو عملية محاكاة تتابع كل ما يقوم‬
‫الدماغ بالتحكم به وتحاكيه من أجل توقع نتائجه‪ ،‬وبذلك يتيح النموذج الداخلي عمليتي التوقع والتخطيط‪.‬‬
‫أما النموذج الداخلي للسقف فهو مجموعة من المعلومات المشفرة على شكل نمط معقد من النشاط‬
‫العصبي في العصبونات‪ .‬وهذه المعلومات تحاكي الحالة الحالية للعينين والرأس واألجزاء الرئيسة‬
‫األخرى في الجسم‪ ،‬مكونة بذلك تنبؤات عن الكيفية التي ستتحرك بها هذه األعضاء في المرحلة التالية‪،‬‬
‫وتنبؤات كذلك عن عواقب حركتها هذه‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا حركت عينيك لليمين‪ ،‬من الطبيعي أن‬
‫ينزاح العالم الذي تبصره عبر الشبكية نحو اليسار بطريقة يمكن التنبؤ بها‪ ،‬وتكون وظيفة السقف هي‬
‫مقارنة اإلشارات البصرية المتوقعة مع المدخل البصري الفعلي‪ ،‬من أجل التحقق مما إذا جرت حركتك‬
‫كما هو مخطط لها أم ال‪ .‬هذه العمليات من الحوسبة معقدة بشكل هائل‪ ،‬ومع ذلك فإنها تستحق ما يُصرف‬
‫عليها من الطاقة من أجل الفائدة التي نحصل عليها في التحكم بالحركة‪ .‬في األسماك والبرمائيات‪ ،‬يكون‬
‫السقف أكثر األجزاء المعقدة في الدماغ‪ ،‬ويكون كذلك الجز َء األكبر في الدماغ‪ .‬وبالنسبة للضفدع فإنه‬
‫يملك محاكاة جيدة جدًا لحركاته‪ .‬مع تطور الزواحف قبل حوالي ‪ 350‬إلى ‪ 300‬مليون سنة‪ ،‬بدأ تركيب‬
‫دماغي جديد بالظهور‪ ،‬أال وهو البارزة السهمية [‪ ."the Wulst" [2‬وهذا التركيب الدماغي موجود‬
‫لدى الطيور اآلن‪ ،‬وقد ورثته الطيور من أسالفها من الزواحف‪ .‬وكذلك حصل مع الثدييات‪ ،‬ولكن النسخة‬
‫التي حصلنا عليها نسميها القشرة الدماغية ‪ ،cerebral cortex‬وقد توسعت بشكل كبير بعد أن‬
‫ورثناها‪ .‬وهي التركيب الدماغي األكبر في دماغ اإلنسان (ربما تسمع بعض األشخاص أحيانًا يشيرون‬
‫إلى دماغ الزواحف على أنه الجزء الذي يبقى من الدماغ بعد أن تزيل عنه القشرة‪ ،‬ولكن هذا ليس‬
‫صحي ًح ا)‪ .‬قشرة الدماغ هذه تتحدر من "النتوء السهمي" للزواحف‪ ،‬وبذلك فإن المرجح أن الزواحف لها‬
‫من الذكاء أكثر مما نعزوه إليها‪ .‬يمكن اعتبار القشرة على أنها نسخة أخرى من "السقف" إال أنها أرقى‪.‬‬
‫كما أن السقف لدينا مدفون بداخل الدماغ أسفل القشرة‪ ،‬ومع ذلك فإنه يقوم بنفس الوظائف التي يقوم بها‬
‫في األسماك وفي البرمائيات‪ .‬ولنأخذ مثااًل على طريقة عمل السقف‪ ،‬لنفرض أنك سمعت صوتًا مفاجًئا أو‬
‫رأيت حركة بزاوية عينك‪ ،‬فإن السقف لديك يوجه نظرك نحوه بسرعة وبدقة‪ .‬أما القشرة الدماغية‪ ،‬فإنها‬
‫ض ا تحصل على اإلشارات الحسية وتنسق الحركة‪ ،‬ولكنها أكثر مرونة من حيث مخزنُ المعلومات‬ ‫أي ً‬
‫ً‬
‫لديها‪ .‬وبناء على التعليمات من القشرة‪ ،‬قد تنظر باتجاه الحدث أو بعيدًا عنه‪ ،‬أو ربما تصدر صوتا‪ ،‬أو‬
‫تقوم برقصة معينة‪ ،‬أو أنك تقوم فقط بتخزين الحدث الحسي هذا في الذاكرة إن كانت هذه المعلومات‬
‫مفيدة في المستقبل‪ .‬الفرق األوضح بين القشرة الدماغية وبين السقف قد يكون نوع االنتباه الذي يتحكم به‬
‫كل منهما؛ فالسقف هو سيد التحكم باالنتباه الجل ّي ‪( overt attention‬موجهًا الجهاز الحسي باتجاه‬
‫أي شيء مهم)‪ ،‬أما القشرة فتزيد ما يعرف باالنتباه الخفي ‪covert attention‬؛ فأنت مثاًل ال تحتاج‬
‫ألن تنظر مباشرة إلى شيء ما من أجل أن تنتبه له "بشكل خفي"؛ فحتى لو أدرت ظهرك عن شيء ما‪،‬‬
‫ستبقى القشرة قادرة على تركيز مواردها في معالجة المعلومات على هذا الشيء‪ .‬ويشابه العلماء أحيانًا‬
‫ما بين االنتباه الخفي وبين بقعة الضوء (وهي مشابَهة اقترحها أواًل عالم الجينات فرانسيس كريك‬
‫‪)Francis Crick‬؛ ففي هذه المشابهة يمكن لقشرتك الدماغية أن تحول االنتباه الخفي من النص الذي‬
‫تقرؤه أمامك إلى الشخص الجالس بجانبك‪ ،‬ثم إلى األصوات الموجودة في الباحة الخلفية‪ ،‬ثم إلى فكرة ما‬
‫أو ذكرى معينة‪ .‬وبهذا يمكن اعتبار االنتباه الخفي على أنه تحويل المعالجة العميقة للمعلومات من‬
‫عنصر ما إلى آخر‪ .‬تحتاج القشرة إلى أن تتحكم بهذه الحركة االفتراضية‪ ،‬وبالتالي فإنها تحتاج إلى‬
‫نموذج داخلي (حالها كحال أي متحكم فعال)‪ .‬وبعكس السقف ‪-‬الذي يضع نماذج لعناصر حقيقية كالعينين‬
‫والرأس‪ -‬فإن القشرة يجب عليها أن تضع نماذج ألشياء أكثر تجريدًا‪ .‬وبحسب نظرية مخطط االنتباه‪،‬‬
‫فإنها تقوم بذلك عن طريق بنائها لمخطط انتباه ‪( attention schema‬وهو مجموعة من المعلومات‬
‫يتم تحديثها بشكل مستمر‪ ،‬وتصف ما يقوم به االنتباه الخفي لحظة بلحظة وتحدد ما هي العواقب‬
‫المحتملة)‪ .‬ثمة شيء غير ملموس بداخلي‪ .‬ليس بعين وال برأس وال ذراع‪ .‬شيء بال مادة لننظر إلى‬
‫تجربة فكرية (وإن كانت بعيدة االحتمال)‪ .‬لنفرض أنه بإمكانك أن تصل تمسا ًحا بجهاز خارجي يجعله‬
‫قاد ًر ا على الكالم‪ ،‬وهذا الجهاز يستطيع الوصول إلى المعلومات الموجودة في مخطط االنتباه الموجود‬
‫في "النتوء السهمي" لهذا التمساح‪ ،‬فإنك قد تسمع هذا التمساح المزود بهذه التقنية يقول‪" :‬لدي شيء غير‬
‫ملموس بداخلي‪ .‬ليس بعين وال برأس وال بذراع‪ ،‬ويوجد وال مادة له‪ .‬هذا هو 'االمتالك العقلي' لألشياء‬
‫عندي‪ ،‬وهو يتحرك من مجموعة أشياء إلى مجموعة أخرى‪ .‬وعندما تمسك هذه العملية الغامضة بشيء‬
‫ما‪ ،‬فإنها تتيح لي أن أفهم‪ ،‬وأن أتذكر‪ ،‬وأستجيب"‪ .‬وبالطبع سيكون هذا التمساح على خطأ؛ ذلك أن‬
‫االنتباه الخفي ليس باألمر غير الملموس؛ ألن له أساسًا فيزيائيًا محسوسًا‪ ،‬ولكن هذا األساس الفيزيائي‬
‫موجود على شكل تفاصيل مجهرية في العصبونات والتشابكات واإلشارات العصبية‪ .‬أما الدماغ فال‬
‫حاجة له في أن يعلم بتلك التفاصيل‪ .‬وبذلك يكون مخطط االنتباه مبه ًما بشكل استراتيجي‪ .‬كما أن مخطط‬
‫االنتباه يصور االنتباه الخفي بصورة المترابطة فيزيائيًا‪ ،‬يصورها على أنها وجود بجوهر ذي سمة ال‬
‫فيزيائية‪ .‬وهذا ‪-‬بحسب النظرية‪ -‬هو أصل الوعي‪ .‬نحن نجزم أننا نملك وعيًا ألن هناك شيًئا ما في أعماق‬
‫الدماغ‪ ،‬شيًئا بدائيًا جدًا يقوم بإدراك هذا الوصف الذاتي لكل شخص (وهو وصف سحري إلى حد ما)‪.‬‬
‫ولألسف‪ ،‬فإن التماسيح ال يمكنها أن تتكلم‪ ،‬ولكن في هذه النظرية سيكون لها على األرجح هيئة مبسطة‬
‫عن مخطط االنتباه‪ .‬عندما أفكر في التطور‪ ،‬يذكرني ذلك بالقول المشهور لتيدي روزيفيلت ‪Teddy‬‬
‫‪" Roosevelt‬افعل ما تستطيع فعله بما تملكه‪ ،‬وفي المكان الذي تكون فيه"‪ .‬التطور هو سيد‬
‫االنتهازية؛ حيث تصبح فيه الزعانف أرجاًل ‪ ،‬والخياشيم فكو ًكا‪ ،‬والنماذج عن النفس تصبح نماذج عن‬
‫الغير‪ .‬وتفسير هذه األخيرة بحسب نظرية مخطط االنتباه هو أن مخطط االنتباه تطور في البداية كنموذج‬
‫لالنتباه الخفي للشخص ذاته‪ .‬وبعد أن صارت أسس هذه اآللية البسيطة مرسخة‪ ،‬تكيفت هذه اآللية لتشتمل‬
‫على تشكيل نماذج للحاالت االنتباهية لآلخرين‪ ،‬من أجل أن تسمح بوجود "تنبؤ اجتماعي" لآلخرين‪ .‬فال‬
‫الوعي إلى‬
‫َ‬ ‫يقتصر األمر على أن يعزو الدماغ الوعي إلى نفسه‪ ،‬وإنما يعدو األم ُر ليشمل ْ‬
‫عز َو الدماغ‬
‫اآلخرين‪ .‬إذا كانت هذه القابلية في عزو الوعي لآلخرين موجودة في الثدييات والطيور‪ ،‬فهل كانت‬
‫موجودة في سلفهما المشترك‪ ،‬الزواحف؟ عندما يدرس علماء النفس المعرفة االجتماعية ‪social‬‬
‫‪ ،cognition‬فإنهم غالبًا ما يركزون على شيء يدعى "نظرية العقل" ‪ ،theory of mind‬وهي‬
‫قابلية الشخص على أن يفهم ما يُحتمل وجوده في عقل اآلخر‪ .‬وبعض األمثلة المعقدة المتعلقة بهذا األمر‬
‫محصورة في البشر والقردة‪ .‬ولكن التجارب تُظهر أن الكلب مثاًل يمكنه أن ينظر إلى كلب آخر وأن‬
‫يستنتج إجابة السؤال التالي‪" :‬هل هو مدرك لوجودي؟"‪ .‬يظهر كذلك أن نظرية العقل يمكن تطبيقها‬
‫بشك ٍل رائع على الغربان؛ فإذا خبأ غراب ما طعا ًما عندما يكون غراب آخر يراقبه‪ ،‬فإن األول ينتظر‬
‫حتى يغيب الغراب الثاني‪ ،‬ثم يخبئ نفس الطعام مرة أخرى‪ ،‬وكأنه قادر على اإلحساس بأن الغراب‬
‫اآلخر يدرك وجود موقع التخبئة األول وليس الثاني‪ .‬إذا كانت القابلية األساسية لعزو الوعي لآلخرين‬
‫موجودة في الثدييات والطيور‪ ،‬فإن هذه القابلية قد تكون تحدرت من سلفهما المشترك‪ ،‬الزواحف‪.‬‬
‫وبحسب القصة التطورية الخاصة بنظرية مخطط االنتباه‪ ،‬يبدأ اإلدراك االجتماعي بالظهور بشكل‬
‫واضح بعد فترة وجيزة من نشوء النتوء السهمي لدى الزواحف‪ .‬قد ال تكون التماسيح هي أكثر‬
‫المخلوقات على األرض من حيث التعقيد االجتماعي‪ ،‬ولكنها تعيش في مجتمعات كبيرة وتعتني‬
‫بصغارها‪ ،‬ويمكنها أن تكون مخلصة مع أنها خطيرة بعض الشيء‪ .‬إذا كانت نظرية مخطط االنتباه‬
‫بشكل مترادف‪ ،‬يؤثر كل منهما على‬ ‫ٍ‬ ‫صحيحة‪ ،‬فإن النموذج الذاتي‪ ،‬والنموذج االجتماعي قد تطورا‬
‫اآلخر‪ ،‬على مدى ‪ 300‬مليون سنة من تطور الزواحف والطيور والثدييات‪ .‬يأتي فهمنا لآلخرين عن‬
‫طريق إسقاط أنفسنا عليهم‪ ،‬ولكننا كذلك نفهم أنفسنا عن طريق التفكير في الطريقة التي يمكن لآلخرين‬
‫أن يروننا بها‪ .‬تشير البيانات الموجودة في المختبر الذي أعمل به أن الشبكات العصبية في الدماغ‬
‫البشري ‪-‬تلك التي تسمح لنا أن نعزو الوعي لآلخرين‪ -‬تتداخل بشكل كبير مع الشبكات التي تبني لنا حس‬
‫الوعي الذاتي‪ .‬لربما كانت اللغة هي القفزة الكبيرة األحدث في تطور الوعي‪ .‬ال أحد يعلم متى تطورت‬
‫اللغة‪ ،‬ولكن المؤكد أنها كانت موجودة لدينا قبل ‪ 70‬ألف سنة عندما بدأ البشر باالنتشار حول العالم‪،‬‬
‫وذلك ﻷن كل المجموعات التي تفرقت كانت لها لغة معقدة‪ .‬أما العالقة ما بين اللغة والوعي فهي عالقة‬
‫مختلف عليها أحيانًا‪ ،‬ولكننا متأكدون على األقل من التالي‪ :‬في الوقت الذي تطورت فيه اللغة لدينا‪،‬‬
‫واع‬
‫عال‪" :‬أنا ٍ‬‫أضحى بإمكاننا الحديث عن الوعي وأن نتبادل األفكار عنه‪ .‬يمكننا أن نقول بصوت ٍ‬
‫باألشياء‪ ،‬واألمر نفسه عند هذا‪ ،‬وكذلك عند هذه‪ ،‬وكذلك عند هذا النهر اللعين الذي حاول مسح قريتي‬
‫عن الوجود"‪ .‬إذا سمعت حفيف الريح وظننت ذلك أسدًا‪ ،‬فال ضير‪ .‬أما إذا فشلت في اكتشاف وجود أسد‬
‫حقيقي فإنك ستموت‪ ،‬وستُقصى جيناتك من تجميعة الجينات الكلية‪ .‬ربما كانت اللغة والثقافة هما السبب‬
‫(ولو جزئيًا) في ميل البشر بشكل كبير إلى عزو الوعي لكل شيء حولهم؛ فنحن نعزو الوعي إلى‬
‫الشخصيات في القصة‪ ،‬والدمى والرياح واألنهار والمساحات الفارغة واألشباح‪ .‬وهذا ما يدعوه جستن‬
‫باريت ‪ Justin Barret‬باألداة مفرطة النشاط الكاشفة عن القوى العاملة [‪Hyperactive ]3‬‬
‫)‪ .Agency Detection Device (HADD‬وأحد التخمينات التي يمكن استنتاجها من هذا المبدأ‬
‫هو أنك خير حااًل حين تكون آمنًا منك حين تكون ناد ًما "‪"it’s better to be safe than sorry‬؛‬
‫فلو سمعت حفيف الريح في العشب‪ ،‬وفهمت ذلك (خطًأ) على أنه أسد‪ ،‬فال ضير في ذلك‪ .‬أما لو فشلت‬
‫في اكتشاف وجود أسد فعليا‪ ،‬فإن مصيرك يغلب عليه الموت‪ ،‬وستُقصى جيناتك من تجميعة الجينات‬
‫‪ .gene pool‬وبالنسبة لي على أي حال‪ ،‬يمتد أثر الـ ‪ HADD‬إلى ما وراء اكتشاف المفترسات‬
‫واالنتباه إلى وجودها؛ فهذا المبدأ هو نتاج طبيعتنا المغالية في اجتماعيتها‪ .‬ونستطيع القول أن التطور زاد‬
‫من مدى نزعتنا وميلنا ألن نبني نماذج لآلخرين‪ .‬واآلن‪ ،‬نحن متأقلمون مع الحاالت العقلية لآلخرين أيما‬
‫تأقلم‪ .‬وهذا ما يعطينا أفضلية في التكيف والمواءمة‪ .‬واألثر الجانبي الذي نتج عن ذلك هو أثر لم يكن لنا‬
‫أن نتجنبه بأي حال‪ ،‬وهذا األثر بالتحديد هو نزعتنا ألن نكتشف اإليجابية الكاذبة‪ .‬المالحظات‪]1[ :‬‬
‫النموذج الداخلي ‪ internal model‬في نظرية التحكم في الهندسة‪ :‬هو العملية التي يتم بها تحفيز‬
‫نظام ما من أجل إنتاج استجابة‪ ،‬والهدف من ذلك هو توقع ما سينتج عن اضطراب النظام‪ ]2[ .‬كلمة‬
‫‪ Wulst‬هي ألمانية األصل وتعني "نتوء"‪ ،‬أما االسم العلمي لها فهو ‪ eminentia sagittalis‬والتي‬
‫تعني "النتوء السهمي"‪ :‬وهي تركيب دماغي موجود لدى الطيور‪ ]3[ .‬األداة مفرطة النشاط الكاشفة عن‬
‫القوى العاملة ‪ :HADD‬هو مصطلح اقترحه جستن باريت‪ ،‬ومفاده أن البشر يميلون ﻷن يفترضوا‬
‫وجود قوى عاملة (‪ )agents‬في األشياء التي "يبدو" وكأنها تتصرف كاألحياء‪ ،‬حتى وإن كانت‬
‫جمادًا‪# ،.‬العصبونات ‪#‬التطور ‪#‬الوعي ‪#‬نظرية مخطط االنتباه ‪#‬الشبكة العصبية‬

‫المصدر‪https://nasainarabic.net/main/articles/view/how-consciousness- :‬‬
‫‪evolved‬‬

‫نظريات‪ $‬الوعي العليا‬

‫تفترض نظريات الوعي العليا أن الوعي يتكون من تصورات أو أفكار حول الحاالت العقلية من الدرجة‬
‫األولى ‪ ]3[ ]2[ ]1[ .‬على وجه الخصوص ‪ ،‬يُعتقد أن الوعي الظاهراتي يمثل تمثياًل عالي المستوى‬
‫للمحتويات اإلدراكية أو شبه الحسية ‪ ،‬مثل الصور المرئية‪]1[ .‬‬

‫تتميز نظريات الرتبة األعلى عن غيرها من التفسيرات المعرفية ‪ /‬التمثيلية للوعي التي تشير إلى أن‬
‫مجرد عقلية من الدرجة األولى من أنواع معينة تشكل الوعي‪]1[ .‬‬

‫التحفيز‬
‫يمكن أن تفسر نظرية المستوى األعلى التمييز بين معالجة الدماغ الالواعية والمعالجة الواعية‪ .‬يتضمن‬
‫كال النوعين من العمليات العقلية عمليات تالعب من الدرجة األولى ‪ ،‬ووفقًا لنظرية الرتبة األعلى ‪ ،‬فإن‬
‫ما يجعل اإلدراك واعيًا هو المالحظة العليا للمعالجة من الدرجة األولى‪]1[ .‬‬

‫في علم األعصاب الشروط‪ ،‬والدافع وراء نظرية العليا من التمييز بين المعلومات من الدرجة األولى في‬
‫المناطق الحسية في وقت مبكر مقابل تمثيل النظام العالي في الفص الجبهي و الجداري القشور ‪: ]4[ .‬‬
‫‪66-365‬‬

‫أنواع‬

‫نظرية اإلدراك العليا‬

‫تُدعى أي ً‬
‫ض ا نظرية الحس الداخلي ‪ ،‬هذا اإلصدار من نظرية الرتبة األعلى يقترح أن الوعي الظاهراتي‬
‫ال يتألف من األحاسيس المباشرة ولكن في اإلحساس بمستوى أعلى لتلك األحاسيس ‪ .‬أو ضع طريقة‬
‫أخرى‪:‬‬

‫الحالة العقلية الواعية ظاهريًا هي حالة ذات محتوى مقصود تناظري ‪ /‬غير مفاهيمي ‪ ،‬والتي بدورها‬
‫هدف حالة مقصودة تناظرية ‪ /‬غير مفاهيمية عالية المستوى ‪ ،‬عبر عمليات ملكة "الحس الداخلي"‪]1[ .‬‬

‫أحد الدوافع لهذا النهج هو أنه يفسر الوعي الظاهراتي الذي يغيب المعتقدات أو السلوكيات المرتبطة بتلك‬
‫التجارب ‪ -‬بحيث ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬يمكن أن يشعر شخص ما باأللم دون إظهار بالضرورة ردود فعل‬
‫وظيفية لأللم‪]1[ .‬‬

‫النظرية الواقعية للفكر العالي المستوى‬

‫ديفيد روزنتال هو من أبرز المدافعين عن هذا الرأي‪ .‬تدعي أن الحالة العقلية تكون واعية عندما تكون‬
‫موضوع فكر عالي المستوى (‪ .)HOT‬يتطابق الوعي الهائل على وجه الخصوص مع أنواع معينة من‬
‫الحاالت العقلية (على سبيل المثال ‪ ،‬المدخالت البصرية) التي هي موضوع السخانات‪ .‬يستبعد روزنتال‬
‫الحالة الخاصة التي يتعلم فيها المرء عن حاالته الدنيا عن طريق االستنتاج الواعي‪ .‬على سبيل المثال ‪،‬‬
‫إذا كان التحليل النفسي يمكن أن يكشف عن دوافع المرء الالواعية ‪ ،‬فإن هذا لن يجعله فجأة واعيًا‪]1[ .‬‬

‫نظرية الفكر الرافضة‬

‫يعكس النزعة النزعة وجهة النظر الواقعية باستثناء أن الحالة الذهنية من الدرجة األولى ال تحتاج إلى‬
‫التفكير فعليًا ‪ -‬يجب أن تكون متاحة فقط ليتم التفكير فيها‪]1[ .‬‬

‫في حين أن الحسابات الواقعية قد تبدو وكأنها تتطلب حسابات عالية المستوى على جميع التصورات من‬
‫الدرجة األولى ‪ ،‬فإن الحسابات النزعة ال تتطلب ذلك ؛ أنها تتطلب فقط توافر معلومات من الدرجة‬
‫األولى‪ .‬يمكن أن يأتي هذا التوافر ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬من البث العالمي كما هو الحال في نظرية مساحة‬
‫العمل العالمية ‪]1[ .‬‬

‫نظريات الرتبة العليا التمثيلية الذاتية‬

‫تعتبر نظريات المستوى األعلى ذات التمثيل الذاتي أن الدولة ذات الترتيب األعلى تكون تأسيسية أو‬
‫داخلية لحالتها من الدرجة األولى‪ ]1[ .‬قد يكون هذا إما بسبب‬

‫الحالة األولى والدرجة األعلى متطابقة ‪ ،‬مع نفس الحالة تخدم دورين مختلفين ‪ ،‬أو‬
‫إن حاالت الرتبة األولى والحاالت األعلى هي جزء من نفس الكل ‪ ،‬والمجمع كله هو ما يصبح واعيًا‪[ .‬‬
‫‪]1‬‬

‫مثال على نظرية التمثيل الذاتي الثانية "جزء‪-‬كل" هي "نظرية االقتباس للوعي"’ التي وضعها فينسنت‬
‫بيكيتو والتي يتكون فيها الوعي من "االقتباس العقلي" إلدراك من الدرجة األولى‪]5[ .‬‬

‫عرض االستدالل اإلحصائي عالي المستوى‬

‫في هذه النظرية ‪ ،‬تحدد المعالجة ذات المستوى األعلى أن التمثيل من الدرجة األولى يمكن االعتماد‬
‫عليه‪366 : ]4[ .‬‬

‫أطروحة اللدونة الراديكالية‬

‫على غرار وجهة نظر ‪ ، HOT‬تقترح هذه النظرية أن الدماغ "يتعلم" عندما يكون هناك تمثيل منخفض‬
‫المستوى جدير بالثقة‪366 : ]4[ .‬‬

‫وجهات نظر علمية‬

‫ضا بعض المدافعين العلميين‪ 365 : ]4[ .‬فيما يلي‬


‫نشأت النظريات العليا في الفلسفة ‪ ،‬لكنها اكتسبت أي ً‬
‫بعض األمثلة على األدلة التي تدعم وجهات النظر العليا‪:‬‬

‫يبدو أن اإلبالغ عن التجربة الواعية يحدث في بعض الدراسات بشكل متسلسل بعد المعالجة الالواعية‬
‫وليس بالتوازي معها‪368 : ]4[ .‬‬

‫تعتبر المعالجة الالواعية قوية جدًا من تلقاء نفسها ‪ ،‬لذلك ليس من الواضح أن أداء المهمة يتطلب الوعي‪.‬‬
‫تتفق وجهات النظر ذات الترتيب األعلى مع هذا ‪ ،‬على عكس ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬عروض مساحة‬
‫العمل العالمية‪368 : ]4[ .‬‬

‫قد يؤدي ضعف قشرة الفص الجبهي إلى إضعاف التقارير الذاتية دون التأثير على أداء المهمة‪ .‬إذا كانت‬
‫قشرة الفص الجبهي تؤدي دو ًر ا في االنتباه بشكل أساسي ‪ ،‬فيجب أن يتدهور األداء جنبًا إلى جنب مع‬
‫إمكانية اإلبالغ‪369 : ]4[ .‬‬

‫تشير بعض التفسيرات الضطرابات معينة في الوعي إلى أنها تعمل من خالل التأثير على قشرة الفص‬
‫الجبهي ‪ ،‬حيث يُفترض أن تحدث أفكار ذات ترتيب أعلى‪71-370 : ]4[ .‬‬

‫يدافع إدموند رولز عن تفسير أعلى للوعي‪ .‬يجادل بأن الوعي يتكون من أفكار أعلى مرتبة مما يسمح‬
‫للشخص بمراقبة األخطاء وتصحيحها و "أن أنظمة الدماغ المطلوبة للوعي واللغة متشابهة"‪: ]6[ .‬‬
‫‪ 05–404‬تصبح ‪ Qualia‬مثل األلم واعيًا عندما "يدخلون في نظام معالجة الرموز اللغوي المتخصص‬
‫‪ ،‬والذي يعد جز ًء ا من نظام تفكير عالي المستوى" يساعد ‪ ،‬من بين أمور أخرى ‪ ،‬في "التخطيط المرن‬
‫لألفعال"‪407 : ]6[ .‬‬

‫انتقادات‬

‫ضد الحس الداخلي واآلراء الواقعية الساخنة‬


‫يجادل سكوت ستورجون ضد نظرية الحس الداخلي على أساس أنها قد تؤدي إلى اضطرابات يكون فيها‬
‫‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬تصورًا أوليًا للون األحمر والذي يؤدي بشكل خاطئ إلى إطالق إحساس من‬
‫الدرجة الثانية بـ "المظهر البرتقالي"‪ .‬لكننا ال نرى مثل هذه االضطرابات في علم األعصاب ‪]7[ ]1[ .‬‬
‫بشكل عام ‪ ،‬تواجه آراء الحس الداخلي والواقعية "مشكلة التمثيل ذات الترتيب األعلى غير المستهدفة"‬
‫والتي قد يكون فيها ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬تجربة ‪ /‬فكرة عالية المستوى حول إدراك اللون األحمر بدون‬
‫احمرار من الدرجة األولى اإلدراك‪ ]1[ .‬أحد الردود هو أن هذه ليست مشكلة للنظريات العليا أكثر من‬
‫ضا العديد من طبقات المعالجة التي قد تكون‬
‫نظريات علم األعصاب األخرى للوعي ‪ ،‬والتي تتضمن أي ً‬
‫غير متسقة نظريًا‪370 : ]4[ .‬‬

‫يشير بيتر كاروثرز إلى أن الحس الداخلي أو الواقعي لألفكار الساخنة حول اإلدراك من الدرجة األولى‬
‫قد يزيد بشكل كبير من قوة الحوسبة المطلوبة لمعالجة المنبهات بوعي ‪ ،‬ألنه ال يحتاج المرء فقط إلى‬
‫إدراك ‪ ،‬ولكن يحتاج المرء بعد ذلك إلى امتالك آخر (ربما يكون مفصالً للغاية) ) التصور أو التفكير في‬
‫هذا التصور‪]8[ ]1[ .‬‬

‫ضد أي عرض أعلى رتبة‬

‫يشير "االعتراض الصخري" إلى أن التفكير في صخرة ال يتسبب في "إضاءة" الصخرة بوعي ‪ ،‬فلماذا‬
‫يؤدي التفكير في إدراك من الدرجة األولى إلى إشراقها؟ يجيب المنظرون ذوو الرتبة األعلى بأن‬
‫الحاالت من الدرجة األولى يجب أن تكون حاالت ذهنية ‪ ،‬وليست الصخور كذلك‪.‬‬

‫مراجع‬

‫^ ‪ 15( a b c d e f g h i j k l m n Peter Carruthers‬أغسطس ‪" .)2011‬نظريات الرتبة‬


‫العليا للوعي" ‪ .‬موسوعة ستانفورد للفلسفة ‪ .‬تم االسترجاع ‪ 31‬أغسطس ‪ . 2014‬صيانة ‪ :CS1‬معلمة‬
‫غير مستحبة ( رابط )‬

‫^ ديفيد روزنتال جوش وايزبرغ (‪" .)2008‬نظريات الوعي العليا" ‪ .‬سكوالربيديا ‪.4407 :)5( 3 .‬‬
‫دوى ‪. scholarpedia.4407 / 10.4249 :‬‬

‫^ دروج ‪ ،‬بوال‪" .‬نظريات الرتبة العليا للوعي" ‪ .‬موسوعة اإلنترنت للفلسفة ‪ .‬تم االسترجاع ‪31‬‬
‫أغسطس ‪ . 2014‬صيانة ‪ :CS1‬معلمة غير مستحبة ( رابط )‬

‫^ أ ب ج د ه و ز ح أنا هاكوان الو ديفيد روزنتال (أغسطس ‪" .)2011‬الدعم التجريبي لنظريات الرتبة‬
‫العليا للوعي الواعي" (‪ . )PDF‬االتجاهات في العلوم المعرفية ‪ .373-365 :)8( 15 .‬دوى ‪:‬‬

‫الوعي في الفلسفة‪$‬‬

‫طُرحت األسئلة التي تدور َحول طبيعة الوعي‪ ’،‬منذ بداية البرية وفجر التاريخ‪ ،‬وغالبًا ما يرتبط بمفهوم‬
‫اإلدراك‪ ،‬واألنثروبولوجيًا أثبتت ممارسات الدفن في العصر الحجري الحديث أنها كانت تعبّر عن‬
‫معتقدات روحية‪ ،‬ويوجد العديد من األدلة التي ظهرت منذ فجر التاريخ ودلت على وجود الحد أدنى على‬
‫األقل من التفكير التأملي في طبيعة الوعي اإلنساني‪ ،‬وتم االستنتاج أن عصور ما قبل اختراع الكتابة‬
‫تضمن تجارب روحية‪ ،‬مما يشير إلى درجة من التأمل في طبيعة اإلدراك الواعي[‪seconds 0 .]١‬‬
‫‪ of 11 secondsVolume 0%‬سينتهي هذا اإلعالن خالل ‪ 9‬تعد الفلسفة الوعي هو جوهر‬
‫إن الوعي يصاحب كل أفكار اإلنسان‬ ‫اإلنسان وخاصيته التي تميزه عن باقي الكائنات الحيّة األخرى‪ ،‬إذ ّ‬
‫ٌ‬
‫وسلوكه‪ ،‬وهو ما يطلق عليه اسم (الوعي التلقائي)[‪ .]١‬كما أنه مرتبط بمجموعة األحاسيس والمشاعر‬
‫التي تكمن في أعماق الذات وهذا ما يطلق عليه (وعي سيكولوجي)‪ ’،‬ويظهر هذا الوعي في الحياة العمليّة‬
‫الذي يتجسد على شكل وعي سياسي أو أخالقي على سبيل المثال‪ ،‬وال يرتبط الوعي النفسي باإلنسان‬
‫لوحده بل موجود لدى الحيوان وتتمثل بالعديد من السلوكيات مثل االتصال واللعب‪ ،‬واستخدام األدوات[‬
‫أن الدراسات النفسيّة والفلسفيّة قامت بوضعه موضع نق ٍد‪ ،‬حيث‬ ‫‪ .]٢‬للوعي مظاهر وأشكال عديدة‪ ،‬بيد ّ‬
‫إن الوعي اعُتبر من خالل تلك الدراسات غطاء خارجي ال يمثل الجهاز النفسي العميق‪ ،‬بل هو يمثل فقط‬
‫سطح الذات‪ ،‬أما الالوعي فهو يمثل أعماق الذات اإلنسانيّة‪ ،‬بنظر ٍة للوعي من ناحية فلسفيّة فإن الفيلسوف‬
‫اإلنجليزي جون لوك قد ربط حالة الوعي بالحواس الجسديّة الخمس[‪.]١‬‬

‫آراء الفالسفة في مفهوم الوعي‬

‫ظهرت العديد من الدراسات التي قام بها فالسفة مختلفين على مدار التاريخ‪ ،‬قدموا من خاللها أبرز‬
‫النظريات في مفهوم الوعي‪ ’،‬ومن أهم هؤالء الفالسفة‪:‬‬

‫الفيلسوف ديكارت اقترح الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (‪)١٦٥٠-١٥٩٦‬م مفهو ًما ممي ًزا‬ ‫‪.1‬‬
‫للوعي‪ ،‬وعده أساس الفكر البشري‪ ،‬فالوعي باألفكار هو حالة من إدراك لها‪ ،‬وهو أمر يحدث‬
‫لإلنسان تلقائيًا‪ ،‬عندما يفكر في الفكرة‪ ،‬وتعد نظرية ديكارت حول الوعي من أشهر النظريات‪،‬‬
‫ألنه عمل على تحول في الجانب اللغوي‪ ،‬وأسس فلسفيًا لمفهوم جديد لغةً وعده خاصية للعقل‬
‫يتمتع بها اإلنسان لكونه عاقاًل [‪.]٣‬‬
‫الفيلسوف ديفيد هيوم يعد مفهوم الوعي عند الفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم من أكثر المفاهيم‬ ‫‪.2‬‬
‫صرامةً‪ ،‬في تاريخ انجلترا‪ ،‬خاصة في القرنين السابع عشر‪ ،‬والقرن الثامن عشر‪ ،‬فقد حاول‬
‫تأطير المفهوم إيجابيًا‪ ،‬فيمكن فهم الوعي عند هيوم على أنه شكل من أشكال انعكاس معرفة‬
‫الذات‪ ،‬وهذا المفهوم يظهر جليًا في كتابه الذي يحمل عنوان مقال في فهم الطبيعة البشرية‪ ،‬وال‬
‫يربط هيوم بين العقل والوعي على أساس أنهما شكل من أشكال التوافق[‪.]٤‬‬
‫الفيلسوف فرويد تعد نظرية سيغموند فرويد في الوعي واحدة من أكثر النظريات الغربية‬ ‫‪.3‬‬
‫شيوعًا‪ ،‬فقد قسّم فرويد الوعي البشري إلى ثالثة مستويات من اإلدراك‪ :‬الوعي‪ ،‬ما قبل الوعي‪،‬‬
‫والالوعي‪ ،‬وتتداخل مستويات الوعي مع مدركات اإلنسان‪ ،‬ويتوافق كل مستوى من هذه‬
‫المستويات مع األفكار المتعلقة بالهو واألنا واألنا العليا[‪.]٥‬‬
‫الفيلسوف جون لوك كان الفيلسوف البريطاني جون لوك من أوائل فالسفة القرن السابع عشر‬ ‫‪.4‬‬
‫اللذين قدموا دراسات خاصة بمفهوم الوعي‪ ’،‬فالوعي عند لوك مرتبط بالهوية‪ ،‬وغير مرتبط‬
‫بالجسد‪ ،‬وهو ما يصل عبر عقل اإلنسان وذكرياته‪ ،‬ويؤكد على أن الوعي يظل موجودًا بعد‬
‫الموت[‪.]٥‬‬
‫الفيلسوف ليبنيز يعد الفيلسوف ليبنيز من أشهر فالسفة العصور الحديثة‪ ،‬له العديد من الكتب‬ ‫‪.5‬‬
‫الفلسفية‪ ،‬قدم ليبنيز نظرية الفكر األعلى للوعي‪ ،‬التي تقضي بأن ما يجعل حالة اإلنسان واعية‪،‬‬
‫هو أنها مصحوبة بفكر أو إدراك اإلنسان في تلك اللحظة‪ ،‬ويقول أن اإلدراك الالواعي يصبح‬
‫واعيًا عندما يكون مصحوبًا بإدراكه[‪.]٦‬‬
‫الفيلسوف ايمانويل كانت وهو فيلسوف ألماني يعد من أشهر الفالسفة‪ ،‬وأهمهم على اإلطالق‬ ‫‪.6‬‬
‫ربط مفهوم الوعي بنظرية المعرفة الكانطية ويعرف الميتافيزيقا على أنها الكشف عن المبادئ‬
‫األولية للمعرفة البشرية‪ ،‬والتصورات أو المقوالت هي مفاهيم تعمل على تشكيل المعرفة‪،‬‬
‫وتنظمها عقليًا‪ ،‬وال تغرسها‪ ،‬والوعي هو مفهوم عقلي‪ ،‬ليس للتجارب دور في تشكله‪ ،‬إال إذا‬
‫كان هنالك تصورات سابقة في الذهن‪ ،‬فيحدث نوع من التوليف[‪ .]٧‬لذلك الوعي يمكن تعريفه‬
‫على أنه نظرية المعرفة الكانطية‪ ،‬القائمة على أساس التمثيل للعالم الخارجي في الذهن‪ ،‬ويعد‬
‫المفهوم الكانطي للوعي بمثابة ثورة معرفية في تاريخ الفلسفة؛ لما أحدثه من قطيعة مع التيارات‬
‫الفلسفية السابقة[‪.]٧‬‬
‫الفيلسوف يوهان فريدريك هيربيرت وهو فيلسوف عاش في القرن الثامن عشر‪ ،‬يعد من‬ ‫‪.7‬‬
‫مؤسسي علم النفس الحديث‪ ،‬وعلوم التربية‪ ،‬حدد الفيلسوف يوهان فريدريك هيربيرت مبادئ‬
‫رئيسية للوعي‪ ،‬وهي[‪ :]٨‬المالحظة الذاتية‪ ،‬سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة‪ .‬تفسير ما‬
‫ينتج عن النشاط الشخصي‪ ،‬من مالحظة اآلخرين‪.‬‬
‫الفيلسوف فرانز برنتانو‪ $‬وهو فيلسوف عاش في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‬ ‫‪.8‬‬
‫اشتهر بأبحاثه الفلسفية‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وهو أول من دشن مفهوم القصدية إلى الفلسفة المعاصرة‪،‬‬
‫واهتم بمفاهيم مثل العقل والميتافيزيقا‪ ،‬واألنطولوجيا‪ ،‬يعتقد فرانز برنتانو بوجود وعي داخلي‬
‫قادر على فهم جميع الظواهر العقلية المشتركة بين البشر‪ ،‬ويرفض فكرة وجود أفعال عقلية‬
‫غير واعية؛ ألن األفعال العقلية واعية بالضرورة‪ ،‬ووفقًا ألطروحته حول وحدة الوعي فإن‬
‫اإلنسان ال يمكن أن يعي أكثر من ظاهرة واحدة في الوقت ذاته‪ ،‬لكن هنالك وحدة غير متزامنة‬
‫للوعي[‪.]٩‬‬
‫الفيلسوف هنري برجسون يعد الفيلسوف هنري برغسون من أشهر الفالسفة المعاصرين‪ ،‬له‬ ‫‪.9‬‬
‫العديد من الدراسات الفلسفية‪ ،‬كان ألفكاره تأثير كبير على مجريات القرن العشرين والحرب‬
‫العالمية األولى والثانية‪ ،‬وفي كتابه الوقت واإلرادة الحرة‪ :‬مقال عن البيانات الفورية للوعي‬
‫ارتبط مفهوم الوعي فلسفيًا بمفهوم التعددية‪ ،‬فالتعدد الكمي لألشياء ولحاالت الوعي‪ ،‬ينتج لنا‬
‫ذات حرة‪ ،‬بعكس التفسير الكانطي الذي ربط الفعل البشري بالسببية‪ ،‬لذلك اقترح بيرغسون‬
‫التفريق بين الزمان والمكان لحل معضلة الحرية‪ ،‬وارتباطها بالوعي[‪.]١٠‬‬

‫التجارب المخبريّة حول الوعي‬

‫وتسع وسبعين‪ ،‬وهو‬‫ٍ‬ ‫ألف وثمانمئ ٍة‬


‫يعود تاريخ أول تجرب ٍة مخبريّة على ظاهرة الوعي إلى سنة ٍ‬
‫ث مخبريّة لعالم النفس األلماني ويلهم ماكس وينديت‪ ،‬ويعد من رواد ومؤسسي علم‬ ‫تاريخ أوّل أبحا ٍ‬
‫النفس التجريبي‪ ،‬قام بالعديد من التجارب المخبرية‪ ،‬وكان يهدف من تلك األبحاث إلى دراسة بنية‬
‫وتركيبة الوعي‪ ،‬بكل مافيه من عناصر حسيّة وتص ّور وشعور وخيال وذاكرة وحركة وانتباه‪ ،‬من‬
‫عناصر تعد امتداداً لحالة الوعي‪ ،‬والوعي يتكون من ثالثة عناصر رئيسية بالنسبة إلى ويلهم ماكس‬
‫وينديت‪ ،‬وهي التمثيل‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والشعور[‪ .]١١‬كان يعتمد في تلك األبحاث على عد ٍد من التقارير‬
‫الناتجة عن تجارب أفرا ٍد في حياتهم اليوميّة‪ ،‬وقام العالم األميركي إدوارد برادفورد تشنر بتطوير‬
‫صل إلى توصيف بنية العقل عن طريق اعتماده على تلك الطريقة‪،‬‬ ‫هذا النوع من األبحاث‪ ،‬وتو ّ‬
‫أقسام هي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫واستطاع بها تحديد أنواع التذوّق ومناطقها في اللسان‪ ،‬إضافةً إلى تقسيمها ألربعة‬
‫الملوحة‪ ،‬والحموضة‪ ،‬والمرارة إضافة إلى الحالوة‪ ،‬والتجارب النفسية المتصورة مجدية إلى حد‬
‫كبير في مجال الوعي وال تقل عن مستوى التجارب العلمية الطبيعية في الطبيعة[‪.]١١‬‬

‫خالصة‬

‫نستنتج أن مفهوم الوعي يعد من أكثر المفاهيم تعقيدًا في تاريخ الفلسفة‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وذلك الختالف‬
‫توجهات الفالسفة‪ ،‬لكن التطور الذي قام على يد علماء النفس‪ ،‬وظهور تيار علم النفس التجريبي‪،‬‬
‫كان له دور كبير في محاولة جعل مفهوم الوعي أقرب إلى العلوم الطبيعية‪ ،‬العتماد العلماء على‬
‫المنهج التجريبي‪ ،‬والتجارب المخبرية‪ ،‬بعيدًا عن التأمل المحض‪.‬‬

‫مفهوم الوعي فلسفيا ً‬

‫يتميّز اإلنسان عن غيره من المخلوقات بامتالكه للوعي بكل ما يدور حوله وما يعيش معه سواء في‬
‫أن الوعي يحدد‬ ‫صه دون سواه من المخلوقات الحية‪ ،‬كما ّ‬‫الطبيعة أو في الحياة االجتماعيّة وهذه ميزة تخ ّ‬
‫للشخص رأيا ً خاصا ً وموقفا ً محدداً تجاه الظواهر التي تحصل أمامه‪ ،‬فالوعي عبارة عن ر ّدة فعل‬
‫الشخص تجاه جميع األمور والظواهر الطبيعيّة التي يتع ّرض لها‪ ،‬كما أنّه قدرته على التعامل والتآلف‬
‫والتعايش مع هذه الظواهر‪ seconds of 10 secondsVolume 0% 0 .‬يفسّر الوعي بكونه‬
‫صة‪ ،‬ومفاهيم الحياة التي يملكها‪ ،‬وبشكل عام هو ناتج‬‫مجموع ما يتك ّون لدى الشخص من األفكار الخا ّ‬
‫عن جميع المفاهيم الحياتيّة في مختلف المجاالت سواء كانت تلك الجوانب متساوية أو متنافرة‬
‫ومتصارعة بالكامل في عملية تط ّور الحياة‪ ،‬ومن الممكن أن يكون وعي الشخص زائفا ً وال صحّة له‪،‬‬
‫ويتع ّر ض الشخص لهذه الحالة عندما يكون من ذوي وجهات النظر والمفاهيم التي ال تتطابق مع الواقع‬
‫المادي للحياة التي يعيشها والتي من حوله‪ ،‬ومن الممكن أن يكون الوعي زائفا ً عندما تكون األفكار التي‬
‫يتبناها الشخص ووجهات نظره ومفاهيمه ليست واقعية‪ ،‬بل إنها ال تتابع حركات التطور والتجدد في‬
‫الواقع في جميع مراحله وأزمانه‪.‬‬

‫حاالت الوعي لدى األشخاص‬

‫في بعض الحاالت يكون الوعي مجرد وعي جزئي‪ ،‬وذلك ناتج عن كون األفكار ووجهات النظر التي‬
‫لدى اإلنسان تقتصر على أحد الجوانب المعينة في الحياة‪ ،‬أو أنها تقتصر على مستوى حياة معين وال‬
‫تشمل جميع مناحي الحياة‪ ،‬والجوانب المتعددة لها‪ ،‬والمستويات التي تكون مترابطة برغم اختالفها‪ ،‬كما‬
‫أن هذه المستويات تؤثر على بعضها البعض في عمليات التطوّر الحياتيّة‪.‬‬

‫في حاالت أخرى يكون الوعي الذي يملكه الشخص وعيا ً طبقيا ً محدداً بمصالحه الوقتية الطبقية‪ ،‬ومن‬
‫ضح معنى هذا النوع وعي الشخص اإلقطاعي بضرور استمراره الستغالل الفالحين‬ ‫األمثلة التي تو ّ‬
‫بدون األخد بعين االعتبار عن ما هي مصلحه الفالحين‪ ،‬أو أن يهتم الفالحين والعمال بأهمية تحرّرهم من‬
‫استغالل اإلقطاعيين لهم ووعيهم بأهمية التحرر من هذا االستغالل بهدف حصولهم على كافة حقوقهم‬
‫بدون مراعاة حقوق اإلقطاعيين‪ .‬فيما يخص الوعي اإلنساني المتقدم والشامل‪ ،‬فهذا النوع من الوعي هو‬
‫فهم الشخص لألفكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تجعل مصلحة اإلنسان فوق كل اعتبار‪ ،‬كما أنّها‬
‫الوحيدة من أصناف الوعي التي تتطابق بالكامل مع الواقع المادي والموضوعي‪ ’،‬وهذا الوعي يتطور‬
‫بشكل مستمر بشكل يوكب التطور الذي يحدث في الواقع‪ ،‬وهذا التطور غير محدود بأي تعصب منهجي‪،‬‬
‫أو تعصب قومي‪ ،‬أو عنصري‪ ،‬أو ديني متطرف‪ ،‬وال أي شكل من أشكال التعصب الطبقي القصير‬
‫النظر‪ ،‬وال يرتبط هذا الوعي باألهداف والمصالح المادية العابرة‪ ،‬بل يكون هذا النوع عبارة عن شعور‬
‫إنساني يسيطر على صاحبه وعلى أفعاله بكاملها‪ ،‬وهو ما يدفع الشخص لتكوين حياة ح ّرة وكريمة تليق‬
‫به ككائن حي عظيم الشأن‪ ،‬وعلى الرغم من كون الوعي لدى الشخص يتكون نتيجة للتأثر بالعوامل‬
‫المادية في الحياة‪ ،‬إال أنّه من الممكن أن يتك ّون نتيجة لبعض فترات االنتقال التاريخيّة التي يتطوّر فيها‬
‫المجتمع بكامله‪.‬‬

‫مفهوم الوعي في الفلسفة‬

‫يعبر مفهوم الوعي عن حالة اإلدراك التي يصل إليها العقل من خالل تواصل الفرد مع المحيط‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك من خالل حواس اإلنسان الخمس‪ ،‬ولحالة اإلدراك هذه مستويات عدة منها‪ :‬اإلحساس بالذات‪،‬‬
‫واإلدراك الذاتي‪ ،‬والحالة الشعورية‪ ،‬والحكمة أو العقالنية‪ ،‬واإلدراك الحسي بين الفرد والبيئة‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن الوعي هو مجموعة من األفكار‪ ،‬والمعرفة‪ ،‬وحصيلة التجارب التي شكلت لدى الفرد مفاهيمه حول‬ ‫ّ‬
‫ك ّل ما هو حوله‪ seconds of 10 secondsVolume 0% 0 .‬سينتهي هذا اإلعالن خالل ‪9‬‬
‫أنواع الوعي‪:‬‬

‫الوعي العفوي‪ :‬هو ممارسة األفراد ألنشطة ذهنية متعددة في الوقت ذاته‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الوعي التأملي‪ :‬هو ممارسة نشاط ذهني يتطلب التركيز ومستوى من الذكاء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الوعي الحدسي‪ :‬هو وعي فجائي ال يمكن االستدالل عليه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الوعي المعياري األخالقي‪ :‬هو منظومة من المعايير األخالقية التي نصدر أحكامنا على ما‬ ‫‪‬‬
‫حولنا من خاللها‪ ،‬فإما نقبلها أو نرفضها‪.‬‬
‫مفهوم الالوعي في الفلسفة ّ‬
‫إن الالوعي‪ ’،‬أو العقل الباطن‪ ،‬أو الالشعور يشير إلى ك ّل ما يشكل‬ ‫‪‬‬
‫شخصية األفراد دون إدراكهم‪ ،‬وبعيدا عن تحكمهم‪ ،‬فالالوعي مخزن لتجارب األفراد المترسبة‬
‫نتيجة للكبت والقمع‪ ،‬مما أدى لبقاء هذا المخزون بعيداً عن الذاكرة في أماكن ال يدركها الفرد‬
‫بوعيه‪ ،‬كما يعتبر الالوعي مخزنا ً للطاقة الجنسية والنفسية والعدوانية‪.‬‬
‫آراء فلسلفية حول الوعي والالوعي‬ ‫‪‬‬
‫أن الوعي وخاصة الوعي بالعالم الخارجي يرتبط بشكل أساسي‬ ‫أبرتراند راسل يؤكد راسل على ّ‬ ‫‪‬‬
‫باإلدراك الحسي‪ ،‬فالوعي بالنسبة له يمثل ردود الفعل التي يكونها األفراد اتجاه البيئة‪ ،‬وما يميز‬
‫أن الوعي مراحل متقطعة غير مستمرة‪ ،‬فاإلنسان يبقى في‬ ‫راسل عن غيره من العلماء اعتقاده ّ‬
‫حالة الوعي طالما هو مستيقظ‪ ،‬لينقطع هذا الوعي بمجرد دخوله في حالة النوم‪ .‬استخدم راسل‬
‫مفهوم الوعي الذاتي للتعبير عن إدراك الفرد لذاته من خالل تكوين صورته عن ذاته وأفكاره‬
‫وعالقاته بالعالم الخارجي من حوله‪ ،‬حيث يكون اإلنسان هذا الوعي من خالل التجربة‪،‬‬
‫واإلدراك الحسي بحسب راسل‪0 .‬‬
‫ابن رشد اتبع ابن رشد منهج أرسطو في آرائه حول مفهوم الوعي‪ ،‬حيث اتبع منهج االستقراء‬ ‫‪‬‬
‫في فهم العالم الخارجي‪ ،‬وكما هو الحال عند راسل فقد أكد ابن رشد على أهمية اإلدراك الحسي‬
‫أن راسل استخدم المنهج االستبطاني في دراساته‪.‬‬ ‫للعالم الخارجي لتكوين المعرفة‪ ،‬والوعي إال ّ‬
‫سيجموند فرويد كان فرويد أول من أطلق مفهوم الالوعي على ك ّل التصورات والرغبات التي‬ ‫‪‬‬
‫يكبتها األفراد نتيجة لتعارضها مع المنظور األخالقي االجتماعي‪ ،‬وأضاف في تفسيراته حول‬
‫أن الالوعي يعمل جاهداً حتى يصل إلى نقطة اإلدراك لدى األفراد بدءاً من‬ ‫الالوعي إلى ّ‬
‫األحالم‪ ،‬ووصوالً إلى زالت اللسان‪ ،‬أما الوعي فعلى عكس الالوعي يعبر عن إدراك الفرد‬
‫لتصرفاته‪ ،‬وسلوكه‪ ،‬وعملياته النفسية والعقلية‪.‬‬
‫العالقة بين الالوعي والوعي رغم التضاد بين الوعي والالوعي عند اإلنسان إال أنّهما مرتبطان‬ ‫‪‬‬
‫بشدة بحاجات اإلنسان وأحالمه وحاجاته‪ ،‬فالوعي الذي يمثل الشعور واليقظة بالنسبة لإلنسان‬
‫ينفذ فعليا أحالم الالوعي المكبوتة لدى الفرد‪ ،‬ويتم ذلك من خالل تحقيق األحالم‪ ،‬واألهداف‬
‫التي نتمناها ونفكر بها دائما في الالوعي‪ ،‬فتالحقنا في الوعي لتصبح حقيقة نعيشها‪ ،‬وبغض‬
‫النظر عن األحداث والخبرات التي يكتسبها الفرد خالل ممارسته للحياة‪ ،‬فهي مخزنة إما في‬
‫الوعي فيستخدمها بشكل يومي‪ ،‬أو مخبأة في الالوعي فيستخرجها في حاالت معينة من خزائن‬
‫الذاكرة‪ .‬تتناول الفلسفة مفهوم اإلفصاح عن الذات‪ ،‬والذي يشير إلى ك ّل فعل ناتج عن الوعي‬
‫والالوعي لدى األفراد‪ ،‬وهو ما يشمل األفكار والمشاعر‪ ،‬والتطلعات‪ ،‬واألهداف‪ ،‬والمخاوف‬
‫واألحالم‪.‬‬

‫ما هو الوعي اإلدراكي؟‬

‫جيوليو تونوني‪ ،‬الخبير في مجال الوعي اإلدراكي‪ ،‬يتحدث ضمن فعاليات برنامج اإلثراء الشتوي للعام‬
‫‪ .٢٠١٩‬الصورة بعدسة أندريا باخوفين‪-‬إخت‪.‬‬

‫‪-‬بقلمآنيبارنتو‪ ،‬جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية‬

‫خالل برنامج اإلثراء الشتوي للعام ‪ ٢٠١٩‬الذي أقيم في جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية(كاوست)‪،‬‬
‫ألقى البروفيسور جوليو تونوني‪ ،‬الخبير البارز في مجال الوعي اإلدراكي‪ ’،‬محاضرة عن فحص الوعي‬
‫اإلدراكي‪.‬‬

‫تلقى تونوني شهادته في الطب من جامعة بيزا اإليطالية‪ ،‬حيث تخصص في الطب النفسي‪ .‬وهو حاليا ً‬
‫أستاذ في الطب النفسي‪ ،‬وأستاذ أول في علم الوعي اإلدراكي؛ وأستاذ كرسي ديفيد بي وايت في طب‬
‫النوم في جامعة ويسكونسن ماديسون؛ ومدير معهد ويسكونسن للنوم والوعي‪.‬‬

‫ما هو الوعي اإلدراكي؟‬

‫أشار تونوني إلى أن "لكل شخص فكرة مختلفة عن الوعي اإلدراكي‪ ،‬وأنه من المهم تحديد ماهيته"‪.‬‬
‫ي تجربة عموماً‪ ،‬شبيهة بمشهد مأخوذ من فيلم سينمائي‪ .‬يمكن‬
‫يأتي الوعي اإلدراكي كحصيلة تجارب‪ ،‬أ ّ‬
‫أن تشمل رؤية شخص أو ألوان أو أشكال؛ أو سماع أصوات أو روائح نش ّمها؛ أو مشاعر نحسّها أو‬
‫أفكار تراودنا‪ ،‬وغيرها‪ .‬وكل تجربة مختلفة عن األخرى‪.‬‬

‫في محاضرته ضمن فعاليات برنامج اإلثراء الشتوي للعام ‪ ٢٠١٩‬يناقش جيوليو تونوني‪ ،‬مدير معهد‬
‫ويسكونسن للنوم والوعي‪ ،‬ماهية الوعي اإلدراكي‪ ،‬من خالل البدء من التجربة نفسها وسؤال النظام‬
‫الفيزيائي الذي يفسر خصائصه‪ .‬الصورة بعدسة أندريا باخوفين‪-‬إخت‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فالوعي اإلدراكي ال يتمحور فقط حول المحيط‪ .‬فنحن نصل إلى مستوى آخر من الوعي‬
‫اإلدراكي عندما نحلم وعندما نكون نائمين‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يُظهر األشخاص المصابون بالحالة‬
‫الخضرية بعض النشاط الدماغي في المناطق ذاتها لدى البشر العاديين عند طرح األسئلة عليهم‪.‬‬

‫يوضح تونوني‪" :‬يمكنهم أن يتخيلوا أنفسهم يلعبون التنس‪ ،‬ويمكنهم تذ ّكر بعض الذكريات المعروفة"‪.‬‬

‫كيف يمكننا تفسير الوعي اإلدراكي في ظ ّل هذه التجارب؟ يتّبع تونوني‪ ،‬كعالم أعصاب‪ ،‬مقاربة غير‬
‫اعتيادية في شرح الوعي اإلدراكي‪ .‬فبدالً من البدء باستكشاف هياكل الدماغ لشرح الوعي‪ ’،‬يبدأ تونوني‬
‫من الوعي نفسه ويسأل عن النظام الفيزيائي الذي يمكن أن يفسر خصائصه‪.‬‬

‫ووفقا ً لجيوليو تونوني‪ ،‬الخبير في مجال الوعي اإلدراكي والمتحدث في برنامج اإلثراء الشتوي للعام‬
‫فإن هناك خمس مسلَّمات لفهم الوعي بشكل أفضل‪:‬‬‫‪ ٢٠١٩‬في جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية‪ّ ،‬‬
‫الوجود الجوهري‪ ،‬والتكوين‪ ،‬والمعلومات‪ ،‬والتكامل‪ ،‬واالستبعاد‪ .‬الصورة بعدسة أندريا باخوفين‪-‬إخت‪.‬‬

‫تبدأ نظريته‪ ،‬التي تس ّم ى نظرية المعلومات المتكاملة‪ ،‬من الظواهر‪ ،‬وليس من االرتباطات السلوكية أو‬
‫العصبية‪ .‬هناك خمس بديهيات لفهم الوعي بشكل أفضل‪ ،‬وهي‪" :‬الوجود الجوهري"‪" ،‬التكوين"‪،‬‬
‫"المعلومات"‪" ،‬التكامل"‪" ،‬االستبعاد"‪.‬‬

‫ويشير "الوجود الجوهري" إلى وجود وعي إدراكي؛ ث ّمة تجربة شخص ما هنا وهي موجودة‪ ،‬وهي‬
‫حقيقية ومستقلة عن المراقبين الخارجيين‪ .‬فيما يعني "التكوين" أن الوعي منظم‪.‬‬

‫يقول تونوني‪":‬على سبيل المثال‪ ،‬قد أميّز في تجرب ٍة ما كتاباً‪ ،‬لونا ً أزرق‪ ،‬كتابا ً أزرق‪ ،‬الجانب األيسر‪،‬‬
‫كتابا ً أزرق على اليسار‪ ،‬وهكذا"‪.‬‬

‫و"المعلومات" تعني أن الوعي محدد‪ .‬كل تجربة بذاتها هي طريقة فريدة من نوعها‪ ،‬وبالتالي تختلف عن‬
‫التجارب الممكنة األخرى‪" .‬التكامل" يعني أن الوعي موحد‪ .‬نحن نختبر المشهد بأكمله وجميع عناصره‬
‫ككل‪ .‬وأخيراً‪ ،‬فإن "االستبعاد"‪ ،‬كما يوضح تونوني‪ ،‬هو حقيقة أن "التجربة تحتوي على ما تحتويه في‬
‫اللحظة التي نختبرها فيها‪ ،‬وقد ال نسجل بعض المعلومات السياقية‪ ،‬لكن ذلك ال يجعل تلك التجربة‬
‫الفريدة أقل ثرا ًء"‪.‬‬

‫أشار خبير الوعي اإلدراكي البروفيسور جيوليو تونوني خالل محاضرته الرئيسية في برنامج اإلثراء‬
‫الشتوي للعام ‪ ٢٠١٩‬إلى أن "المستقبل سيكون ذكيا ً للغاية لكن دون وعي على اإلطالق"‪ .‬الصورة‬
‫بعدسة أندريا باخوفين‪-‬إخت‪.‬‬

‫ما تقترحه نظرية المعلومات المتكاملة هو أن الوعي مرتبط بمعلومات متكاملة يمكن تمثيلها بكمية‬
‫عال جداً‬
‫حسابية دقيقة تسمى ‪( Φ‬فاي)‪ .‬الجزء الذي يدعم الوعي اإلدراكي في دماغنا البشري لديه مقدار ٍ‬
‫ت معقدةً للغاية وذات مغزى‪ .‬وتقول النظرية‪ ،‬إن‬ ‫من الفاي‪ ،‬وبالتالي فهو شديد الوعي‪ ’،‬إذ ّ‬
‫أن لديه خبرا ٍ‬
‫األنظمة ذات المستوى المنخفض‪ ،‬لديها قدر ضئيل من الوعي‪ ،‬فهي تمتلك فقط تجارب بسيطة وبسيطة‬
‫للغاية‪ .‬واألنظمة ذات المقدار الصفري من الفاي وليست واعية على اإلطالق‪.‬‬
‫ولكن ماذا عن الذكاء أو الذكاء االصطناعي؟ الشيء يمكنه أن يكون ذكيا ً للغاية ولكن ليس واعيا ً إدراكيا ً‬
‫على اإلطالق‪ .‬فأجهزة الكمبيوتر التي تحاكي سلوكنا ليست واعية‪ ،‬وأجهزة الكمبيوتر التي تحاكي سلوكنا‬
‫العصبي ليست واعية‪ ،‬إنّها مجرد أدوات؛ فث ّمة تفكك مزدوج بين الوعي اإلدراكي والذكاء‪ .‬ويختتم‬
‫وعي على اإلطالق"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تونوني مشيراً إلى أن "المستقبل سيكون ذكيا ً للغاية ولكن دون‬

‫نظريات‪ $‬علمية متضاربة تفسر معنى الوعي عند اإلنسان‬

‫في مجال العلم والدراسة‪ ،‬تجرى كثير من األبحاث المثيرة في الوقت الحالي‪ ،‬ومن بينها سلسلة من‬
‫التجارب التي تهدف في نهاية المطاف إلى زيادة الوعي البشري‪ ،‬بالمعنى الحرفي للكلمة‪.‬‬

‫ويوضح الكاتب أندرياس كلوث‪ ،‬في تقرير نشرته وكالة بلومبرج لألنباء‪ ،‬أن الهدف من هذه التجارب‬
‫هو فهم معنى "الوعي" بشكل دقيق وكذلك كيفية عمله‪ ،‬والرد على تساؤالت مثل هل تمتلك الحيوانات‬
‫وعيا‪ ،‬وهل يمكن أن يخسر اإلنسان الوعي‪ ’،‬وما إذا كان من الممكن أن تكتسب اآلالت وعيا ذاتيا عبر‬
‫تقنيات الذكاء االصطناعي‪.‬‬

‫وتجرى التجارب الجديدة وفق منهج علمي يعرف باسم "التعاون بين أصحاب اآلراء المتناقضة"‪ ،‬فالبشر‬
‫عادة تكون لديهم نظريات عديدة لتفسير األشياء المختلفة‪ ،‬وبالطبع ال يمكن أن تكون جميع هذه النظريات‬
‫صائبة‪ .‬ولكن كثيرا من النظريات تعيش وتستمر إلى أجل غير مسمى داخل ما يعرف باسم "الصوامع‬
‫الفكرية"‪ ،‬ومن هنا قد يكون الحل هو دعوة أصحاب األفكار المتناقضة للتعرف على نقاط االختالف‬
‫بينهم واخضاعها للدراسة‪ ،‬وهو ما قد يسمح للباحثين بتحديد النظريات الخاطئة‪ ،‬وبالتالي تحقيق نوع من‬
‫التقدم العلمي‪.‬‬

‫وتريد مؤسسة "تمبلتون العالمية لألعمال الخيرية" الرد على بعض من أهم األسئلة الي تشغل العقل‪،‬‬
‫والسيما تلك التي تقع في دائرة العلم والروحانيات في آن واحد‪ ،‬ومن بين هذه األسئلة مفهوم الوعي الذي‬
‫حير البشرية وأثار دهشتها لسنوات طويلة‪ ،‬ولعل أشهر من تطرق إلى هذه الفكرة الفيلسوف الفرنسي‬
‫رينيه ديكارت صاحب عبارة "أنا أفكر‪ ..‬إذن أنا موجود"‪.‬‬

‫ويتساءل كلوث قائال‪" :‬لماذا يمتلك البشر وعيا في المعتاد؟ وما الذي يحدث عندما نفقد هذا الوعي‪ ’،‬في‬
‫حاالت الغيبوبة أو النوم العميق على سبيل المثال أو أثناء السكتات الدماغية أو عند التخدير؟ لماذا ال‬
‫تؤدي إصابة المخيخ الذي يحتوي على ‪ 69‬مليار من بين ‪ 86‬مليار خلية عصبية داخل المخ إلى فقدان‬
‫الوعي‪ ،‬في حين أن تلف جزء آخر من المخ قد يتسبب في غياب الوعي؟"‪.‬‬

‫ويطرح كلوث مزيدا من األسئلة بشأن الوعي‪ ،‬فيتساءل هل يمتلك األجنة أو المواليد وعيا‪ ،‬وهل القردة‬
‫أو النحل أو ذباب الفاكهة لديها وعي‪ ،‬وأخيرا ماذا عن اآلالت التي نصنعها أو المعادالت الخوارزمية‬
‫التي نبتكرها وتستطيع أن تهزمنا في لعبة الشطرنج أو توجه السيارات ذاتية القيادة‪ ،‬هل من الممكن أن‬
‫تمتلك وعيا يوما ما؟‬

‫ويقول الباحث الجنوب افريقي داويد بوتجيتر الذي يدير مشروع مؤسسة تمبلتون إن فريقه البحثي نجح‬
‫في تحديد مجموعة من النظريات القابلة للتصديق بشأن الوعي‪ ،‬ثم جمع هذه النظريات في صورة‬
‫ثنائيات بحيث يمكن من خالل التجارب دحض نظرية واثبات االخرى المقابلة لها‪ .‬ويجري تنفيذ هذا‬
‫النهج البحثي حاليا في ستة مختبرات تنتشر ما بين أوروبا والواليات المتحدة والصين‪ ،‬ويقوم كل مختبر‬
‫بتكرار نفس التجارب على المشاركين من أجل تالفي احتماالت الخطأ‪ ،‬أما النظريتان قيد الدراسة فهما‬
‫"نظرية مساحة العمل العالمية" التي يؤيدها الباحث ستانيسالس ديهاني من الكلية الفرنسية في باريس‪،‬‬
‫واألخرى هي "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها جوليو تونوني من جامعة ويسكونسن‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫وتشرح الباحثة لوسيا ميلوني من معهد ماكس بالنك البحثي في مدينة فرانكفورت األلمانية نظرية‬
‫"مساحة العمل العالمية" قائلة‪" :‬تخيل لو أن نظامك العصبي يجلس في مسرح كبير‪ ،‬وجميع الخاليا‬
‫العصبية تقبع في الظالم تتهامس وتتجاذب الحديث‪ ،‬ولكنها ليست واعية ألي شيء‪ ،‬ثم فجأة يصعد‬
‫شخص ما على خشبة المسرح ثم تضاء جميع األنوار‪ ،‬وهذا الشخص هو "مساحة العمل" الذي يجذب‬
‫انتباه الخاليا العصبية ويوجه لها رسالة معينة‪ ،‬فالشعور الذي يعتمل في النفس عند تلقي هذه الرسالة هو‬
‫الوعي‪.‬‬

‫أما "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها تونوني‪ ،‬فهي ال تنظر إلى الوعي كما لو كان رسالة‪ ،‬بل‬
‫باعتباره شبكة معقدة من العالقات السببية‪ ،‬ويشرح تونوني فكرته قائال إن شبكة الخاليا العصبية هي مثل‬
‫خريطة ثنائية األبعاد لمدينة ما‪ ،‬ولكن من أجل أن يتلمس االنسان هذه المدينة ويدركها بشكل فعلي‪ ،‬فالبد‬
‫أن تتكامل جميع هذه الخاليا العصبية لتأخذ شكال ثالثي األبعاد‪ ،‬وأن تترك كل خلية تأثيرها على الخاليا‬
‫األخرى‪ ،‬ومن هنا يأتي الشعور بالوعي‪.‬‬

‫ويختلف كل من تونوني وديهاني أيضا فيما يتعلق أيضا بالجزء المسؤول عن الوعي داخل مخ االنسان‪،‬‬
‫حيث يرى ديهاني أن القشرة الجبهية هي المسؤولة عن معظم هذا النشاط‪ ،‬في حين يعتقد تونوني أن‬
‫الجزء الخلفي من المخ هو الذي ينشط عند القيام بهذا العمل الذهني‪ ،‬ومن هنا البد أن تكون إحدى‬
‫النظريتين صحيحة واألخرى خطأ‪.‬‬

‫ويؤكد الباحثون أن التنافس بين النظريات العلمية يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة واالستقامة العلمية‪ ،‬فال‬
‫أحد يريد أن يكتشف أن رحلته البحثية كانت بال طائل‪ ،‬ولكن الشيء االسوأ بالقطع هو أن يستمر الباحث‬
‫في الخطأ‪ ،‬وبالتالي فإن التعاون بين أصحاب اآلراء المتناقضة يعتبر وسيلة رائعة لتركيز الذهن‪.‬‬

‫وتبدي ميلوني اعجابها من مساعي كل من الفريقين لفهم نظرية الفريق اآلخر من أجل تحديد نقاط‬
‫االتفاق معها‪ ،‬وتقول‪" :‬البد أن تكون أمينا تماما مع ما يقوله الطرف اآلخر‪ ..‬فال يمكن أن تقبع داخل‬
‫فقاعتك‪ ،‬والبد أن تنصت باهتمام حقيقي‪ ،‬وينبغي أن تكون لديك رغبة في االعتراف بالحقيقة في نهاية‬
‫المطاف"‪ .‬وهو ما يبدو كتدريب جدير بالتعميم في شتى مناحي الحياة‪ ،‬بما في ذلك في معترك السياسة‪.‬‬

‫مفهوم الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي‬

‫عالقة الوعي الذاتي بالتنظيم الذاتي في علم النفس االجتماعي االختالفات الفردية في الوعي الذاتي في‬
‫علم النفس االجتماعي التالعب في مفهوم الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي كل شخص منا لديه‬
‫مساحة كبيرة يستطيع من خاللها التركيز في أمور الحياة بشكل واعي وتلقائي‪ ،‬بأفكار ومهارات شعورية‬
‫وأكثر إحساس لما حولنا من محسوسات شخصية وبيئية‪ ،‬وهذا يدور ضمن الوعي بالذات‪.‬‬

‫مفهوم الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي‬

‫غالبًا ما يتم تعريف الوعي الذاتي من حيث القدرة على االنخراط في الوعي التأملي‪ ،‬حيث أنه وفقًا‬
‫لمعظم المنظرين يتطلب هذا أنواعًا معينة من القدرات المعرفية للشخص‪ ،‬حتى في أكثر أشكاله بدائية أي‬
‫التعرف البصري على الذات والقدرة على التعرف على الذات في المرآة‪ ،‬يبدو أن الوعي الذاتي يقتصر‬
‫على مجموعة فرعية صغيرة من قدرات األفراد‪ ،‬فقد ال تكون هذه القدرة موجودة عند الوالدة وتبدأ في‬
‫الظهور فقط في عمر ‪ 12‬إلى ‪ 18‬شهرًا‪.‬‬
‫عالقة الوعي الذاتي بالتنظيم الذاتي في علم النفس االجتماعي‬

‫باإلضافة إلى القدرة على إدراك الذات بشكل انعكاسي غالبًا ما يرتبط الوعي الذاتي بالعمليات التنفيذية‬
‫الضرورية للتنظيم الذاتي‪ ،‬وبالتالي غالبًا ما يُنظر إلى الفرد الواعي بذاته على أنه أكثر تحك ًما وتعمدًا في‬
‫أفعاله‪ ،‬ففي علم النفس االجتماعي غالبًا ما يرتبط الوعي الذاتي بنظرية الوعي الذاتي الموضوعي من‬
‫قبل شيلي دوفال وروبرت ويكلوند‪ ،‬ووفقًا لهذه النظرية تؤدي اإلشارات الظرفية التي تذكر األفراد‬
‫بأنفسهم مثل المرايا وكاميرات الفيديو إلى تركيز االنتباه على الذات وبعيدًا عن البيئة‪ .‬والنتيجة هي‬
‫حالة وعي ذاتي يُقترح فيها على األفراد مقارنة ذواتهم الحالية بمعايير ذاتية مثالية؛ ألن الذات الحالية أو‬
‫الفعلية عادة ما تكون غير موجودة عند مقارنتها بهذه المعايير‪ ،‬بالتالي اقترح دوفال وويكلوند أن الوعي‬
‫الذاتي يخلق رد فعل عاطفي سلبي‪ ،‬وهذا التأثير السلبي يحفز الفرد إما تنظيم السلوك اإلنساني فيما يتعلق‬
‫بالمعيار في محاولة لتقليل التناقض‪ ،‬أو تجنب حالة الوعي الذاتي‪ .‬على الرغم من أن هذه النظرية قد‬
‫أسفرت عن قدر كبير من األبحاث لدعم مبادئها األساسية‪ ،‬إال أن العديد من الباحثين الحظوا أن‬
‫المحفزات المحفزة للوعي الذاتي غالبًا ما تحفز التنظيم الذاتي دون إحداث النقد الذاتي والتأثير السلبي‪،‬‬
‫حيث اقترح تشارلز كارفر ومايكل شيير نظرية بديلة للوعي الذاتي احتفظت ببعض ميزات نموذج دوفال‬
‫وويكلوند على سبيل المثال االهتمام المر ّك ز على الذات‪ ،‬لكنهم جادلوا بأن مقارنة الذات الحالية بالمعيار‬
‫المثالي هي نفسها كافية لتحفيز السلوك اإلنساني دون إحداث تأثير سلبي‪ .‬كان نموذجهم للوعي الذاتي‬
‫مستوحى من نماذج سلوك إلكترونية أخرى‪ ،‬اقترح جاي جي هال وآالن ليفي خرو ًجا أكثر جذرية عن‬
‫نموذج دوفال ويكلوند األصلي‪ ،‬ووفقا ً لهال وليفي تعمل المحفزات المحفزة للوعي الذاتي بشكل أساسي‬
‫كأعداد أولية رمزية ذاتية تنشط معرفة الذات وتؤدي إلى معالجة الفرد للمواقف على أنها ذات صلة‬
‫شخصية‪ ،‬ويتبع السلوك كنتيجة للتركيز على الجوانب ذات الصلة بالذات للبيئة بدالً من التركيز على‬
‫الذات وتقييم الذات‪ .‬االختالفات الفردية في الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي على الرغم من أن‬
‫علماء النفس االجتماعي يهتمون عادة بالوعي الذاتي الذي يتم التالعب به ظاهريًا‪ ،‬إال أن الباحثين في‬
‫مجال الشخصية يهتمون باالختالفات الفردية في الميل إلى أن يصبحوا مدركين لذواتهم‪ ،‬ولقياس هذه‬
‫االختالفات ابتكر آالن فينيجشتاين ومايكل شير وأرنولد بوس مقياس الوعي بالذات‪ ،‬حيث يحتوي‬
‫مخزون الشخصية هذا على ثالثة مستويات فرعية تتمثل في الوعي الذاتي الخاص‪ ،‬والوعي الذاتي العام‬
‫والقلق االجتماعي‪ .‬يركز الوعي الذاتي الخاص على التجربة الداخلية للوعي الذاتي‪ ،‬ويتم قياسه من‬
‫خالل عناصر مثل أحاول دائ ًما اكتشاف نفسي‪ ،‬وأفكر في نفسي كثي ًرا‪ ،‬وأنا متيقظ للتغيرات في مزاجي‪،‬‬
‫بينما يركز الوعي الذاتي العام على دوافع التقديم الذاتي المرتبطة أحيانًا بالوعي الذاتي ويتم قياسه‬
‫بعناصر مثل أنا قلق بشأن الطريقة التي أقدم بها نفسي‪ ،‬وأنا قلق بشأن ما يعتقده اآلخرون عني‪ ،‬ويركز‬
‫القلق االجتماعي على المشاعر السلبية التي ترتبط أحيانًا بكونها محور اهتمام اآلخرين ويتم قياسه‬
‫بعناصر مثل أشعر بالحرج بسهولة شديدة‪ .‬على الرغم من أن المقياس الفرعي للقلق االجتماعي يلتقط‬
‫الفهم العامي لما يعنيه أن يكون المرء واعيا ً بذاته‪ ،‬إال أن مقاييس الوعي الذاتي الخاصة والعامة تقيِّم‬
‫الفروق الفردية في العمليات النفسية التي يُفترض غالبًا أنها مرتبطة بحالة الوعي الذاتي‪ .‬بالنظر إلى أن‬
‫كالً من مقاييس الوعي الذاتي العامة والخاصة تركز على الذات‪ ،‬فليس من المستغرب أنها تميل إلى أن‬
‫تكون مترابطة بشكل متواضع‪ ،‬وبالمثل يميل كل من الوعي الذاتي العام والقلق االجتماعي إلى االرتباط‬
‫بشكل متواضع‪ ،‬وال يميل الوعي الذاتي الخاص إلى االرتباط بالقلق االجتماعي‪ ،‬وفي اآلونة األخيرة‬
‫جادل بعض الباحثين بأن الوعي الذاتي الخاص مرتبط بحد ذاته بمكونين فرعيين وهما وعي الحالة‬
‫الداخلية الذي يتميز بعناصر مثل أنا متيقظ للتغيرات في مزاجي‪ ،‬واالنعكاس الذي يتميز بعناصر مثل أنا‬
‫أفكر في نفسي قطعة أرض‪ .‬فيما يتعلق باالختالفات الفردية في التنظيم الذاتي غالبًا ما تتم مقارنة‬
‫مكونات مقياس الوعي الذاتي بمكونات مقياس المراقبة الذاتية الذي قدمه مارك سنايدر‪ ،‬فاألفراد الذين‬
‫يتمتعون بدرجة عالية من المراقبة الذاتية يتم تحفيزهم من خالل مخاوف التقديم الذاتي‪ ،‬في حين أن‬
‫األفراد المنخفضين في المراقبة الذاتية يتم تحفيزهم من خالل المخاوف الشخصية‪ .‬ربما تكون أفضل‬
‫طريقة للتفكير في عالقة هذه االختالفات الفردية هي أن المراقبين الذاتيين العاليين هم على حد سواء‬
‫مرتفع في الوعي الذاتي العام ومنخفض في الوعي الذاتي الخاص‪ ،‬على العكس من ذلك فإن المراقبين‬
‫الذاتيين المنخفضين هم منخفضون في الوعي الذاتي العام وعالي الوعي الذاتي الخاص‪ .‬غالبًا ما ُوجد‬
‫أن تأثيرات الفروق الفردية في الوعي الذاتي الخاص توازي تأثيرات التالعب الظرفية للوعي الذاتي‬
‫على سبيل المثال وجود أو عدم وجود مرآة‪ ،‬وبالمثل غالبًا ما تم العثور على تأثيرات الفروق الفردية في‬
‫الوعي الذاتي العام لتوازي تأثيرات التالعب الظرفية التي تذكر الفرد بمظهره لآلخرين على سبيل المثال‬
‫كاميرات الفيديو‪ ،‬نتيجة لذلك غالبًا ما يميز الباحثين بين التالعب الظرفي للوعي الذاتي الخاص والعام‬
‫على نفس المنوال الذي يميزون فيه الفروق الفردية للوعي الذاتي الخاص والعام‪ .‬التالعب في مفهوم‬
‫الوعي الذاتي في علم النفس االجتماعي أثبتت األبحاث بانتظام أن كال من التالعب بالوعي الذاتي‬
‫واالختالفات الفردية في الوعي الذاتي يرتبطان بزيادة التنظيم الذاتي‪ ،‬ارتبطت التالعب بالوعي الذاتي‬
‫الخاص واالختالفات الفردية في الوعي الذاتي الخاص بزيادة اتساق السلوك اإلنساني وزيادة التفاعل‬
‫العاطفي تجاه ردود الفعل على النجاح والفشل وزيادة التنظيم الذاتي فيما يتعلق بمعايير السلوك المناسب‪،‬‬
‫على سبيل المثال زيادة المساعدة عندما يتم تعريف المساعدة على أنها مناسبة ظرفية‪ ،‬وانخفاض العدوان‬
‫عندما يتم تعريف العدوان على أنه غير مناسب من الناحية الظرفية‪ .‬ارتبط التالعب بالوعي الذاتي‬
‫العام واالختالفات الفردية في الوعي العام بالذات بزيادة عرض الذات وإدارة االنطباع‪ ،‬على سبيل‬
‫المثال يُظهر األفراد ذوو الوعي الذاتي العام تركي ًزا أكبر على الهويات االجتماعية بدالً من الشخصية‪،‬‬
‫واهتما ًما بصورة الجسم مثل وزن الجسم والمالبس‪ ،‬واهتما ًما متزايدًا بمنظور اآلخرين‪ .‬على الرغم‬
‫من أن هذا التركيز على مخاوف العرض الذاتي يمكن أن يكون مفيدًا في الحصول على موافقة اآلخرين‪،‬‬
‫ض ا إلى استراتيجيات إدارة االنطباع المدمر للذات إلى حد ما مثل زيادة اإلعاقة‬ ‫إال أنه يمكن أن يؤدي أي ً‬
‫الذاتية وحتى جنون العظمة فيما يتعلق بنوايا اآلخرين‪.‬‬

‫ما هو الوعي الكمومي؟ نظرية فيزيائية‪ $‬يمكنها التنبؤ بسلوك اإلنسان‬

‫يعتقد بعض العلماء أن ميكانيكا الكم يمكنها تفسير عملية اتخاذ القرار عند البشر!‬

‫إن المجال األساسي ذاته الذي سمح لقطة شرودنجر بأن تكون حية وميتة في ذات الوقت‪ ،‬وم ّكن جسيمين‬
‫مختلفين من التواصل عبر المسافات بين المجرات‪ ،‬بإمكانه أن يساعد على تفسير أكثر الظواهر‬
‫ضا‪ :‬السلوك البشري‪.‬‬
‫غمو ً‬

‫قد يبدو كل من الفيزياء الك ِّم ية وعلم النفس البشري غير مرتبطين على االطالق‪ ،‬لكن يعتقد بعض العلماء‬
‫أن المجالين يتداخالن تداخاًل مثي ًرا لالهتمام‪ .‬يحاول ِكال التخصصين توقع مسار سلوك األنظمة غير‬
‫المتوقَّعة في المستقبل‪ .‬الفرق هو أن أحدهما يحاول فهم الطبيعية األساسية للجسيمات الفيزيائية‪ ،‬في حين‬
‫يحاول األخر تفسير طبيعة اإلنسان‪ ،‬إلى جانب المغالطات المتأصلة فيه‪.‬‬

‫قال زياشو زانغ ‪ ،Xiaochu Zhang‬عالم الفيزياء الحيوية وعالم األعصاب من جامعة العلوم‬
‫والتكنولوجيا الصينية‪« :‬وجد علماء اإلدراك العديد من السلوكيات البشرية غير المنطقية»‪ .‬حاولت‬
‫نظريات اتخاذ القرار الكالسيكية توقع أي قرار قد يتخذه شخص ما ضمن معايير محددة‪ ،‬لكن البشر غير‬
‫المعصومين ال يتصرفون دو ًما وفق المتوقَّع‪ .‬تقترح األبحاث الحديثة أنه‪« :‬يمكن تفسير هذه الهفوات‬
‫منطقيًّا بواسطة نظرية االحتمال الك ِّمي ‪ ،»quantum probability theory‬وفق قول زانغ‪.‬‬

‫كان زانغ من مؤيدي نظرية الوعي الك ِّمي ‪ .quantum cognition‬في دراسة جديدة نُشرت في ‪20‬‬
‫يناير ‪ 2020‬في صحيفة (طبيعة السلوك البشري)‪ ،‬درس زانغ وفريقه كيف أن المفاهيم الجديدة ال ُمست َّمدة‬
‫من ميكانيكا الكم يمكنها مساعدة علماء النفس على توقع قرارات البشر بدرجة أفضل‪.‬‬

‫راقب الفريق نشاط الدماغ لدى المشاركين في أثناء تسجيل القرارات التي اتخذوها في إحدى اختبارات‬
‫علم النفس المعروفة جيدًا‪ .‬سلطت هذه الدراسة الضوء على مناطق معينة من الدماغ يُعتقد أنها تشارك‬
‫في عمليات فكرية شبه َك ِّمية‪.‬‬
‫قال زانغ إن هذه الدراسة هي األولى من نوعها لدعم فكرة الوعي الك ِّمي عصبيًّا‪.‬‬

‫عظيم! واآلن ماذا يعني ذلك؟‬

‫مبدأ عدم اليقين‬

‫تصف ميكانيكا الكم سلوك الجسيمات الدقيقة التي تصنع كل المواد في الكون‪ ،‬أي الذرات وعناصرها‬
‫دون الذرية‪ .‬تقترح إحدى األفكار الرئيسية وجود قدر كبير من عدم اليقين في هذا العالم متناهي الصغر‪،‬‬
‫وهو شيء ال يُرى على مستويات أكبر‪ ،‬مثاًل يستطيع أي شخص في العالم الكبير أن يعلم أين هو القطار‬
‫في رحلته ومدى السرعة التي ينطلق بها‪ ،‬ومن ثم يستطيع توقع توقيت وصول القطار إلى وجهته التالية‪.‬‬

‫واآلن دعونا نستبدل بالقطار إلكترونًا‪ ،‬سنجد حينها أن قدرتك على التوقع قد انمحت‪ ،‬إذ ال يمكنك معرفة‬
‫الموقع الصحيح إللكترون محدد أو القوة الدافعة له‪ ،‬لكن يمكنك حساب احتمالية أن يظهر الجسيم في‬
‫نقطة محددة‪ ،‬إذا كان يسير في نسق محدد‪ ،‬وستحصل بذلك على فكرة مبهمة حول ما قد يصبح عليه هذا‬
‫اإللكترون‪.‬‬

‫ضا في عملية صنع القرار البشري‪،‬‬ ‫إن مبدأ عدم اليقين الذي هو من أسس العالم دون الذري‪ ،‬قد يتدخل أي ً‬
‫مثلما يحدث عندما نختار مسلساًل جديدًا لنشاهده معًا أو نُدلي بأصواتنا في االنتخابات الرئاسية‪ ،‬هنا تؤدي‬
‫ميكانيكا الكم دورها‪ .‬وعلى عكس النظريات الكالسيكية حول صناعة القرار‪ ،‬يحوي العالم الك ِّمي مجااًل‬
‫واسعًا من درجات عدم اليقين‪.‬‬

‫تستند نظريات علم النفس الكالسيكي إلى فكرة أن البشر يصنعون قراراتهم بغية الحصول على أكبر قدر‬
‫من المكاسب وأقل قدر من العقاب‪ ،‬بعبارة أخرى‪ :‬لضمان أن يحصلوا نتيجة أعمالهم على عوائد إيجابية‬
‫أكثر وعواقب سلبية أقل‪.‬‬

‫يرتبط هذا المنطق‪ ،‬المعروف بالتعليم المعزز ‪ ،reinforcement learning‬باإلشراط البافلوفي‬


‫‪( Pavlovian Conditioning‬نسبةً إلى تجربة كلب بافلوف)‪ ،‬إذ يتعلم الناس توقع عواقب أفعالهم‬
‫بنا ًء على تجاربهم السابقة‪ ،‬وذلك استنادًا إلى تقرير نُشر سنة ‪ 2009‬في صحيفة علم النفس الرياضي‪.‬‬

‫إذا كان البشر مقيدين فعاًل بهذا اإلطار‪ ،‬فسيكون عليهم تقييم أي خيارين موضوعيًّا قبل اختيار أحدهما‪.‬‬
‫لكن البشر ال يعملون دائ ًم ا بهذا األسلوب في العالم الواقعي‪ ،‬إذ تعطل مشاعرهم الذاتية حول موقف ما‬
‫قدرتهم على اتخاذ قرارات موضوعية‪.‬‬

‫صورة ونقش (في ذات الوقت)‬

‫تخيل مثاًل أنك تراهن على عملة نقدية مقذوفة في الهواء إن كانت ستستقر على الصورة أم النقش‪.‬‬
‫ستكسب ‪ 200‬دوالر إذا استقرت على الصورة أو ستدفع ‪ 100‬دوالر إذا استقرت على النقش‪ ،‬ويمكنك‬
‫اختيار رمي العملة النقدية مرتين‪ .‬حين نجد أنفسنا في هذا السيناريو‪ ،‬فإن أكثر الناس سيختارون أن‬
‫يجربوا الرهان مرتين سوا ًء كانت الرمية األولى رابحة أم خاسرة‪ ،‬وذلك استنادًا إلى دراسة نُشرت سنة‬
‫‪ 1992‬في صحيفة علم النفس المعرفي‪ .‬يراهن الفائزون مرةً ثانية ألنهم يتمنون الفوز في كل مرة‪ ،‬في‬
‫حين يراهن الخاسرون مرةً ثانية في محاولة لتعويض خسارتهم‪ .‬لكن إن لم يُسمح لالعبين برؤية نتيجة‬
‫الرمية األولى‪ ،‬فلن يختاروا غالبًا أن يراهنوا ثانيةً‪.‬‬

‫ما هو الوعي الكمومي؟ نظرية فيزيائية يمكنها التنبؤ بسلوك اإلنسان ‪ -‬يعتقد بعض العلماء أن ميكانيكا‬
‫الكم يمكنها تفسير عملية اتخاذ القرار عند البشر!‬
‫عند معرفة النتيجة فإن الجولة األولى ال تؤثر على خيار الالعب‪ ،‬أما عند عدم معرفة النتيجة فإن هذا‬
‫يُحدث فرقًا كبي ًر ا‪ .‬تتعارض هذه المفارقة مع التعليم المعزز الكالسيكي الذي يتوقع أن الخيارات‬
‫الموضوعية ينبغي أن تكون متماثلة دو ًم ا‪ .‬وعلى النقيض تأخذ ميكانيكا الكم عدم اليقين بعين االعتبار‪،‬‬
‫وتتوقع هذه النتائج الشاذة‪.‬‬

‫قال إيمانويل هافن وأندري كيرنيكوف‪ ،‬مؤلفا كتاب علم الكم االجتماعي ‪Quantum Social‬‬
‫‪« :Science‬يمكن القول أن نموذج صناعة القرار المبني على الكم يشير أساسًا إلى استخدام االحتمال‬
‫الك ِّمي في مجال الوعي»‪.‬‬

‫تفترض ميكانيكا الكم أن الرمية األولى للعملة النقدية يمكن أن ينتج عنها صورة ونقش في ذات الوقت‬
‫(خسارة وربح معًا)‪ ،‬تما ًم ا مثلما قد يكون اإللكترون في مكانين مختلفين في نفس الوقت (ومثلما كانت‬
‫قطة شرودنجر حية وميتة في نفس الوقت)‪.‬‬

‫عندما نجد أنفسنا في هذه الحالة الغامضة‪ ،‬المعروف باسم التراكب ‪ ،superposition‬يكون الخيار‬
‫الثاني غير معروف وغير قابل للتوقع‪ .‬تعترف ميكانيكا الكم بأن معتقدات الناس حول نتيجة قرار محدد ‪-‬‬
‫سواء كان هذا القرار جيدًا أم سيًئا‪ -‬تعكس أحيانًا ما سوف يكونه خيارهم األخير‪ .‬تتفاعل معتقدات الناس‬
‫مع بعضها بهذه الطريقة‪ ،‬أو تصبح متشابكةً ‪ entangled‬مع تصرفهم األخير‪.‬‬

‫بإمكان الجسيمات دون الذرية كذلك أن تصبح متشابكةً وأن يؤثر كل منها في سلوك اآلخر‪ ،‬حتى حين‬
‫تكون متباعدةً عن بعضها بمسافات هائلة‪ .‬مثاًل قد يغير قياس إلكترون موجود في اليابان سلوك‬
‫اإللكترون المتشابك معه في الواليات المتحدة‪ .‬يوجد تماثل جزئي في علم النفس بين المعتقدات والسلوك‪.‬‬

‫يقول هافن وكيرنيكوف‪« :‬إن هذا التفاعل بالتحديد‪ ،‬أو حالة التشابك‪ ،‬هو ما يؤثر على نتيجة القياس»‪.‬‬
‫تشير نتيجة القياس في هذه الحالة إلى القرار النهائي الذي يتخذه الفرد‪ ،‬ويمكن صياغة هذه الفكرة بدقة‬
‫بمساعدة االحتمال الك ِّمي ‪.quantum probability‬‬

‫استطاع العلماء صياغة حالة التشابك رياضيًّا (إذ يؤثر كل من الجسيمين في اآلخر وإن كانت تفصلهما‬
‫مسافة شاسعة)‪ُ .‬شرح ذلك في تقرير نُشر سنة ‪ ،2007‬وبدرجة ملحوظة تتنبأ الصيغة األخيرة بدقة‬
‫بالنتيجة المتناقضة لمفارقة رمي العملة النقدية‪« :‬باإلمكان تفسير الهفوات المنطقية تفسيرًا أفضل من‬
‫طريق استخدام منهج يستند إلى الكم»‪ ،‬وفق مالحظة هافن وكيرنيكوف‪.‬‬

‫المراهنة على الكم‬

‫قارن زانغ وزمالؤه في دراستهم بين نموذجين لصناعة القرار يستندان إلى الكم وبين ‪ 12‬نموذجًا في‬
‫علم النفس الكالسيكي‪ ’،‬لتحديد أي منها يستطيع توقع سلوك اإلنسان في اختبارات نفسية مختلفة‪ .‬صُممت‬
‫النظرية التي عُرفت باسم اختبار‪ Lowa Gambling‬لتقييم إمكانية تعلم الناس من أخطائهم وضبط‬
‫استراتيجية صناعة القرار مع الوقت‪.‬‬

‫في ذلك االختبار‪ ،‬سحب المشاركون ورقًا من ‪ 4‬مجموعات مختلفة‪ .‬تعطي كل بطاقة المشارك مبل ًغا من‬
‫المال أو تكلفه مبل ًغ ا من المال‪ ،‬والهدف من اللعبة هو أن تكسب المال بأكبر قدر ممكن‪ .‬تكمن الفكرة في‬
‫كيفية تجميع كل مجموعة من الورق‪.‬‬

‫يعطي السحب من إحدى المجموعات المشارك قدرًا كبي ًرا من المال في البداية‪ ،‬لكنه يكلفه المزيد من‬
‫المال عند نهاية اللعبة‪ .‬تُعطي مجموعات أخرى مقدارًا ضئياًل من المال في وقت قصير‪ ،‬لكن يترتب‬
‫عليها غرامات أقل عمو ًم ا‪ .‬تعلم الرابحون مع استمرار اللعبة أن يسحبوا من المجموعات التي تعطيهم‬
‫أموااًل أقل لكنها مضمونة‪ ،‬في حين سحب الخاسرون من المجموعات التي تكسبهم أموااًل بسرعة‬
‫ويترتب عليها غرامات باهظة‪.‬‬

‫تاريخيًّا‪ ،‬كان المقامرون ومدمنو المخدرات ومرضى تلف الدماغ يسجلون في اختبار ‪Lowa‬‬
‫‪ Gambling‬نتائج أسوأ من المشاركين األصحاء‪ ،‬ما قد يعني ضعف قدرات صناعة القرار لديهم‪،‬‬
‫وجاء ذلك في دراسة نُشرت سنة ‪ 2014‬في صحيفة علم نفس األعصاب المطبّق‪ .‬وتطابق ذلك مع نتائج‬
‫تجربة زانغ‪ ،‬التي ض َّمت ‪ 60‬مشار ًكا بصحة جيدة و‪ 40‬مشار ًكا مدمنًا على النيكوتين‪.‬‬

‫الحظ مؤلفو الدراسة أن النموذجين الكميين يقدمان توقعات أدق مما تقدمه النماذج الكالسيكية‪ .‬وأضافوا‪:‬‬
‫«مع أن النماذج الك ِّم ية ال تتفوق على نحو ساحق على النماذج الكالسيكية‪ ،‬ينبغي أن ندرك أن إطار‬
‫التعليم الك ِّمي المعزز ما زال في طور التكوين‪ ،‬ويتطلب دراسات إضافية دون أدنى شك»‪.‬‬

‫أخذ الفريق صور مسح الدماغ لكل مشارك أنهى االختبار لتقييم الدراسة‪ .‬حاول الفريق بهذا إلقاء نظرة‬
‫على ما كان يجري داخل أدمغتهم عندما كانوا يتعلمون ويضبطون استراتيجية ممارسة اللعب مع الوقت‪.‬‬
‫توقعت نتائج النموذج الك ِّم ي اكتشاف عملية التعلم‪ ،‬وتوقع الباحثون نشاط مناطق معينة من الدماغ قد‬
‫ترتبط بطريقة ما بتوقعات النماذج‪.‬‬

‫أظهر المسح نشاط عدة مناطق من الدماغ لدى المشاركين األصحاء في أثناء اللعبة‪ ،‬من ضمنها عدة‬
‫ثنيات في الفص الجبهي من المعروف أنها تشترك في عملية صناعة القرار‪.‬‬

‫أما في مجموعة المدخنين‪ ،‬فال يرتبط أي من المناطق النشطة في الدماغ بتوقعات النموذج الك ِّمي‪ .‬استنتج‬
‫المؤلفون أن ذلك قد يعني أن النموذج قد توقع قدرات المشاركين األصحاء على التعلم من األخطاء‪ ،‬في‬
‫حين أوضح االعتالل في صناعة القرار عند مجموعة المدخنين‪.‬‬

‫في كل األحوال‪ ،‬توجد دراسات أخرى تستطيع تحديد ما تعكسه هذه االختالفات في أنشطة الدماغ لدى‬
‫المدخنين وغير المدخنين‪ ،‬ويضيف هافن وكيرنيكوف‪« :‬إن اقتران النماذج شبه الك ِّمية مع العمليات‬
‫العصبية النفسية في الدماغ هو إشكال ُمعقد ج ًّدا‪ .‬إن هذه الدراسة ذات أهمية قصوى باعتبارها الخطوة‬
‫األولى نحو حل ذلك اإلشكال»‪.‬‬

‫أظهرت نماذج التعليم المعزز الكالسيكي نجاحًا باه ًرا في دراسات المشاعر واالضطرابات النفسية‬
‫والسلوك االجتماعي واإلرادة الحرة والكثير من الوظائف اإلدراكية‪ ،‬وفق قول زانغ‪« :‬نأمل أن يسلط‬
‫ضا على هذه المجاالت‪ ،‬معطيًا رؤى فريدة»‪.‬‬
‫التعلم المعزز الك ِّمي الضوء أي ً‬

‫ربما تساعد ميكانيكا الكم مع الوقت على تفسير الخلل المنتشر في المنطق البشري‪ ،‬إضافةً إلى تفسير‬
‫كيفية ظهور هذه الثغرات على مستوى الخاليا العصبية الفردية‪.‬‬

‫نقـد الوعــي‬

‫الوعي هو صوت داخلي يدفعنا إلى مقاربة األمر والشعور به وبوجوده وفهمه على نحو ما‪ ،‬وهو وجدان‬
‫األمر الدال على حقيقته أو على وجه أو أوجه من حقيقته‪ ،‬وهو االنتباه وفعل اإلدراك وحصيلة نظر‬
‫العقل في األفكار والمعاني والمفاهيم‪ ،‬التي ينتجها اإلنسان في معاناته واختباراته‪ ،‬وهو الموجود لذاته‪،‬‬
‫هو المعرفة التي هي فعل حصول الذات ووعيها لذاتها وإدراكها اآلخر‪ .‬الوعي هو عالقة الذات بذاتها‪،‬‬
‫ومعرفتها لها‪ ،‬من خالل قراءتها بعيداً عن األوهام‪ ،‬قراءة تؤدي إلى وعيها ذاتها وعيا ً معرفيّا ً من دون‬
‫أن يكون ذلك مجرد تصور أو رسم تصويري للحقيقة‪ ،‬على نحو ثبوتي يقيني‪ ،‬باعتبارها الواقع عينه‬
‫الوجود في‬ ‫مثلما جوهره‪ ،‬إذ للحقيقة التي ندركها أو نقبلها مستويات عديدة من الوجود منها‪- :‬‬
‫معان عديدة أيضا ً وبالتالي فهو‬
‫ٍ‬ ‫العبارة‪ ،‬يبتدى في الكالم ومن خالل اللسان‪ ،‬وهذا النوع من الوجود له‬
‫متعدد الدالالت‪.‬‬

‫الوجود في الذهن‪ ،‬كيف ندرك ونفهم ما نسمع وما نرى وما نحس‪ ،‬وكيف نفسّر ونحلل‪ ،‬وكذلك‬ ‫‪-‬‬
‫فإن هذا الوجود يأخذ أبعاداً عديدة‪.‬‬
‫ّ‬

‫الوجود في األعيان على مستوى الوجود العيني والمادي‪ .‬وتعلق تلك المستويات بعضها ببعض‬ ‫‪-‬‬
‫وهي شرط وجود ذاتها‪ .‬والوجود في العبارة ناتج من رؤية مباشرة أحيانا ً أو قبول‪ ،‬أدى إلى انطباع في‬
‫أن االنطباع ناتج من رؤية مباشرة أو قبول يُعبّر عنه باللفظ والتعبير‪،‬‬ ‫الذهن‪ ،‬ورسم تصور ومثلما ّ‬
‫فالرؤية المباشرة تُنتج االنطباع وبالتالي العبارة‪ ،‬وهكذا يتولد شرط وجود األ ّول وجود الثاني والثالث‬
‫فإن شرط وجود الثالث هو وجود األوّل والثاني‪.‬‬ ‫مثلما أن شرط وجود الثاني وجود األ ّول والثالث وهكذا ّ‬
‫إن الحديث عن الوعي هو حديث عن الفحص والنظر والتفسير والجدال والتأويل والتحليل والمعرفة‬ ‫ّ‬
‫والفهم وخلع الدالالت ورسم االنطباعات‪ ،‬وممارسة الذات‪ ،‬واالنفتاح على العالقة بالكون وعناصره‪،‬‬
‫ونسج العالقة بالوجود التي تتحقق من خاللها ذات اإلنسان بأنماط وإيقاعات مختلفة‪ .‬فالمر ُء يُقيِّم عالقته‬
‫بذاته عبر جسده ورغباته وعبر معرفته وعمله وسلوكه وما يحتاج إليه وما يريد وعبر النظر إلى السلطة‬
‫إن الوعي‬‫ومعاييرها وأدواتها‪ ...‬إلخ‪ ،‬بمعنى آخر عبر تمفصل ذاته مع محيطها‪ .‬لذا يمكن الحديث والقول ّ‬
‫هو وعي فردي ووعي جماعي‪:‬‬

‫‪ -1‬الوعي الفردي‪ :‬هو تعلم قواعد جديدة في التفكير وانفتاح العقل على آفاق‪ ،‬والوقوف على معا ٍن لم‬
‫يقف عندها من قبل‪ ،‬إنّه وعي بذاته مغاير لما كان يعرفه المرء سابقاً‪.‬‬

‫‪ - 2‬الوعي الجمعي‪ :‬هو الرأي العام المشترك بين أفراد الجماعة‪ ،‬هو النسق االعتقادي والشعوري‬
‫المتعيّن اجتماعياً‪ ،‬المتولّد من تجربة الناس وعيشهم وتبادلهم المصالح والمنافع وتقديرها والتحرك‬
‫تجاهها‪ ،‬لغويا ً أو تنظيمياً‪ ،‬ولو بعد حين (مثال ثورة مصر على حسني مبارك في األسبوع األخير من‬
‫كانون الثاني ‪2011‬م‪ .‬وقبلها ثورة تونس على زين العابدين بن علي في النصف األوّل من كانون الثاني‬
‫‪2011‬م)‪ .‬ما الرأي العام؟ الرأي العام موجود مجهول‪ ،‬يؤسس ويتولّد مع الخبر والحدث الذي ينتشر‬
‫ذكره بين الناس‪ ،‬لكنه ال يُعلم وال يُعرف إال بالمبادرة إلى مراقبته وقياسه من خالل استطالع للرأي أو‬
‫استفتاء أو انتخابات أو تحرك مباشر لمجموع الناس مثل التظاهر واالعتصام‪ ...‬إلخ‪ .‬مثال ثورة اليمن‬
‫على الرئيس علي عبدهللا صالح‪ ،‬أو االحتجاج في إيرلندا منتصف أيار ‪ 2011‬على زيارة ملكة بريطانيا‬
‫إليها‪ .‬يؤسس الرأي العام أو الرأي الجمعي‪ ،‬اعتباراً على الحدث أو الواقعة‪ ،‬وتأسيسه ال يحصل بقرار‬
‫يتخذ وال يتم بفعل عمل منظم‪ ،‬إنما هو فعل استيالد ذاتي‪ ،‬يتك ّون عند الجماعة في عملية تفاعل تخاطرية‬
‫بين أفراد المجتمع الواحد‪ ،‬وهو فعل المعرفة الجماعية والوعي واإلدراك الجماعي‪ .‬يولد الرأي العام في‬
‫الالوعي الجمعي للجماعة‪ ،‬بشكل اتجاهات تسيطر عليه‪ ،‬إزاء مشكلة ما‪ ،‬وسط جمهور تربط بين‬
‫أعضائه مصالح مشتركة‪ ،‬من خالل حالة من التخاطر تنتج من مؤثرات عديدة أهمها ثالثة هي‪:‬‬

‫التقاليد واألعراف‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫وحدة الذاكرة الجماعية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫البنية المحيطة‪ .‬وما تبقى من عناصر وعوامل فهي تتصل إما بالمصالح السياسية أو الثقافية‬ ‫‪-3‬‬
‫إن بروز الرأي العام‪ ،‬والتعرف إليه بأنّه‬ ‫والفكرية وإما بالمصالح االجتماعية والمعيشية للجماعة‪ّ .‬‬
‫عملية تخاطرية تنتج عن مؤثرات ترتبط بحركة المجتمع الجماعية‪ ،‬يجعل منه مالزما ً طبيعيا ً‬
‫لوجود مجتمع حيوي تتمظهر فيه أجواء التغيير والوضوح خصوصا ً إنّه مجتمع لديه منظومة من‬
‫القِيم والعادات والتقاليد واألعراف تؤلف بين األفراد نسيجا ً من العالقات االجتماعية األخرى‬
‫وتجعل تمظهر الرأي والتعبير فيه مغايراً‪ ،‬فيختلف الرأي العام بذلك‪ ،‬اختالفا ً كبيراً بين سائر‬
‫المجتمعات‪( ،‬لِ ُكلٍّ َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِشرْ َعةً َو ِم ْنهَاجًا َولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَ ُك ْم ُأ َّمةً َو ِ‬
‫اح َدةً َولَ ِك ْن لِيَ ْبلُ َو ُك ْم فِي َما‬
‫ت) (المائدة‪ .)48 /‬واختالف القِيم والعادات واألعراف والمعايير والتقاليد‬ ‫آتَا ُك ْم فَا ْستَبِقُوا ْالخَ ي َْرا ِ‬
‫بين المجتمعات يجعل لكلِّ منها مستوى في الوعي الجمعي بطريقة مختلفة لألمور عن المجتمعات‬
‫إن الوعي الجمعي أو الرأي العام بمثابة حالة دائمة فكرية وغير فكرية في الوقت‬ ‫األخرى‪ ،‬إذ ّ‬
‫عينه لالستجابة بسلوك معيّن لنمط معيّن‪ .‬وهو شعور يتأسس لدى الجماعة‪ ،‬تدرك من خالله‬
‫مصالحها‪ ،‬وتصوغها في برامج عمل أو في نظرية ضمن رؤية محددة‪ .‬ويتأسس لدى األفراد بال‬
‫وعي حتى تختص طريقة الرؤية عينها عند وعي شيء ما‪ ،‬فيرادف بذلك االستلهام‪►.‬‬
‫المصدر‪ :‬كتاب تدافع العقول‬

‫الوعي الجمعي (أحيانا الضمير الجماعي أو الوعي) هو مفهوم اجتماعي أساسي يشير إلى مجموعة من‬
‫المعتقدات واألفكار والمواقف والمعارف المشتركة بين مجموعة اجتماعية أو مجتمع‪ .‬الوعي الجماعي‬
‫يعلم شعورنا باالنتماء والهوية وسلوكنا‪ .‬طور عالم االجتماع المؤسس إميل دوركهايم هذا المفهوم لشرح‬
‫كيفية ارتباط األفراد الفريدين ببعضهم البعض في وحدات جماعية مثل المجموعات االجتماعية‬
‫والمجتمعات‪.‬‬

‫كيف يحمل الوعي الجماعي المجتمع معا‬

‫ما الذي يجمع المجتمع معا؟ كان هذا هو السؤال المركزي الذي كان يشغل دوركهايم عندما كتب عن‬
‫المجتمعات الصناعية الجديدة في القرن التاسع عشر‪ .‬من خالل دراسة العادات الموثقة ‪ ،‬والعادات ‪،‬‬
‫والمعتقدات في المجتمعات التقليدية والبدائية ‪ ،‬ومقارنتها مع ما رآه حوله في حياته الخاصة ‪ ،‬وضع‬
‫دوركهايم بعض أهم النظريات في علم االجتماع‪ .‬وخلص إلى أن المجتمع موجود ألن األفراد الفريدين‬
‫يشعرون بالتضامن مع بعضهم البعض‪ .‬هذا هو السبب في أننا يمكن أن تشكل التجمعات والعمل معا‬
‫لتحقيق المجتمعات المجتمعية والوظيفية‪ .‬إن الوعي الجماعي ‪ ،‬أو الضمير الجماعي كما كتبه بالفرنسية ‪،‬‬
‫هو مصدر هذا التضامن‪.‬‬

‫قدم دوركهايم ألول مرة نظريته عن الوعي الجماعي في كتابه "شعبة العمل في المجتمع" عام ‪.1893‬‬
‫(بعد ذلك ‪ ،‬سيعتمد أيضا على المفهوم في كتب أخرى ‪ ،‬بما في ذلك "قواعد المنهج االجتماعي" ‪،‬‬
‫"االنتحار" ‪ ،‬و "األشكال األولية للحياة الدينية" ‪.‬‬

‫في هذا النص ‪ ،‬يشرح أن الظاهرة هي "مجمل المعتقدات والمشاعر المشتركة بين أفراد المجتمع‬
‫العاديين"‪ .‬الحظ دوركهايم أنه في المجتمعات التقليدية أو البدائية ‪ ،‬فإن الرموز الدينية والخطاب‬
‫والمعتقدات والطقوس عزز الوعي الجماعي‪ .‬في مثل هذه الحاالت ‪ ،‬حيث كانت المجموعات االجتماعية‬
‫متجانسة تما ًم ا (غير متميزة عن طريق العرق أو الطبقة ‪ ،‬على سبيل المثال) ‪ ،‬نتج عن الوعي الجماعي‬
‫ما وصفه دوركهايم "بالتضامن الميكانيكي" ‪ -‬في الواقع الربط التلقائي بين الناس إلى جماعي من خالل‬
‫القيم والمعتقدات والممارسات المشتركة‪.‬‬

‫الحظ دوركهايم أنه في المجتمعات الحديثة والصناعية التي ميزت أوروبا الغربية والواليات المتحدة‬
‫األمريكية الشابة عندما كتب ‪ ،‬والتي عملت من خالل تقسيم العمل ‪ ،‬ظهر "تضامن عضوي" على أساس‬
‫االعتماد المتبادل بين األفراد والجماعات على اآلخرين من أجل السماح لمجتمع يعمل‪ .‬في مثل هذه‬
‫الحاالت ‪ ،‬ال يزال الدين يلعب دوراً مهما ً في إنتاج الوعي الجماعي بين مجموعات من األشخاص‬
‫المنتمين إلى ديانات مختلفة ‪ ،‬ولكن المؤسسات والهياكل االجتماعية األخرى ستعمل أيضا ً على إنتاج‬
‫الوعي الجماعي الالزم لهذا الشكل األكثر تعقيدًا من التضامن والطقوس‪ .‬خارج الدين تلعب أدوارًا مهمة‬
‫في إعادة تأكيدها‪.‬‬

‫المؤسسات االجتماعية تنتج الوعي الجماعي‪$‬‬


‫وتشمل هذه المؤسسات األخرى الدولة (التي تعزز الوطنية والقومية) ‪ ،‬واألخبار واإلعالم الشعبي (الذي‬
‫ينشر كل أنواع األفكار والممارسات ‪ ،‬من كيفية ارتداء المالبس ‪ ،‬إلى من يصوت له ‪ ،‬إلى كيفية التاريخ‬
‫والزواج) ‪ ،‬التعليم ( الذي يصوغنا إلى مواطنين وعمال ملتزمين ) ‪ ،‬والشرطة والقضاء (الذي يصوغ‬
‫مفاهيمنا عن الصواب والخطأ ‪ ،‬ويوجه سلوكنا من خالل التهديد بالقوة البدنية الفعلية) ‪ ،‬من بين آخرين‪.‬‬

‫الطقوس التي تعمل على إعادة التأكيد على مجموعة واعية جماعية من المسيرات واالحتفاالت عطلة إلى‬
‫األحداث الرياضية ‪ ،‬وحفالت الزفاف ‪ ،‬وتهيئة أنفسنا وفقا لألعراف الجنسانية ‪ ،‬وحتى التسوق ( اعتقد‬
‫الجمعة السوداء )‪.‬‬

‫في كلتا الحالتين ‪ -‬المجتمعات البدائية أو الحديثة ‪ -‬الوعي الجماعي هو شيء "مشترك في المجتمع ككل"‬
‫‪ ،‬كما يقول دوركهايم‪ .‬إنها ليست حالة فردية أو ظاهرة ‪ ،‬ولكنها حالة اجتماعية‪ .‬وكظاهرة اجتماعية ‪،‬‬
‫"تنتشر في المجتمع ككل" ‪ ،‬و "لها حياة خاصة بها"‪ .‬من خالل الوعي الجماعي يمكن تمرير القيم‬
‫والمعتقدات والتقاليد عبر األجيال‪ .‬على الرغم من أن األفراد يعيشون ويموتون ‪ ،‬إال أن هذه المجموعة‬
‫من األشياء غير الملموسة ‪ ،‬بما في ذلك األعراف االجتماعية المرتبطة بها ‪ ،‬ترتكز في مؤسساتنا‬
‫االجتماعية وبالتالي توجد مستقلة عن األفراد‪.‬‬

‫واألهم من ذلك أن نفهم أن الوعي الجماعي هو نتيجة القوى االجتماعية الخارجة عن الفرد ‪ ،‬تلك الدورة‬
‫من خالل المجتمع ‪ ،‬والتي تعمل معا ً لخلق الظاهرة االجتماعية للمجموعة المشتركة من المعتقدات والقيم‬
‫واألفكار التي تؤلفها‪ .‬نحن كأفراد نستوعب هذه األمور ونجعل الوعي الجماعي حقيقة بالقيام بذلك ‪،‬‬
‫ونحن نعيد التأكيد عليه ونعيد إنتاجه من خالل العيش بطرق تعكسه‪.‬‬

‫مفهوم الوعي والالوعي‬

‫التحليل النفسي ت ّمت دراسة مفهوم الوعي والالوعي وبنائها‪ ،‬وفقًا لنظريات وتخصصات علم‬ ‫‪‬‬
‫النفس‪ ،‬ابتدا ًء من نظرية فرويد في التحليل النفسي‪ ،‬وفي مناقشته عن مفهوم الوعي والالوعي‪،‬‬
‫قسم فرويد العقل إلى العقل الواعي أو ‪-‬األنا‪ -‬والعقل الالواعي‪ ’،‬ثم ت ّم تقسيم األخير إلى الهو أو ‪-‬‬
‫الغرائز ومح ّرك الدوافع‪ -‬واألنا األعلى ‪-‬أو الضمير‪ ،-‬في هذه النظرية‪ ،‬يُشير الالوعي إلى‬
‫العمليات العقلية التي يكون األفراد غير مدركين لها‪ ،‬وقد اقترح فرويد بنية عمودية وهرمية‬
‫للوعي اإلنساني‪ ،‬وهي العقل الواعي‪ ،‬العقل الباطن‪ ،‬والعقل الالواعي ‪ -‬كل منها يترتب تحت‬
‫أن األحداث النفسية الها ّمة تحدث ‪-‬تحت السطح‪ -‬في العقل الالواعي‪ ،‬مثل‬ ‫اآلخر‪ ،‬إذ كان يعتقد ّ‬
‫ّ‬
‫الرسائل الخفية من الالوعي؛ وفسّر هذه األحداث على أنها ذات أهمية رمزية وحقيقية‪]١[.‬‬
‫مفهوم الوعي والالوعي بهدف توضيح مفهوم الوعي والالوعي‪ ،‬تُشير بعض األدلّة التجريبية‬ ‫‪‬‬
‫أن الظواهر الالواعية تشمل المشاعر المكبوتة‪ ،‬والمهارات التلقائية‪ ،‬والتصورات المموهة‪،‬‬ ‫إلى ّ‬
‫وردود الفعل التلقائية‪ ،‬وربما أيضًا تُشير إلى السلوك الجمعي‪ ،‬والرهاب والرغبات الخفية‪ ،‬ومن‬
‫أن العمليات الالواعية تتمثل بشكل مباشرة في‬ ‫المفاهيم الرئيسة في نظرية التحليل النفسي ّ‬
‫األحالم‪ ،‬وكذلك في زالت اللسان والنكات‪]٢[.‬‬
‫مفهوم الالوعي في مناقشة مفهوم الوعي والالوعي‪ ،‬يمكن اعتبار العقل الالواعي هو العقل‬ ‫‪‬‬
‫الذي يكون مصدر األحالم واألفكار التلقائية ‪-‬تلك التي تظهر دون أي سبب واضح‪ ،-‬ومخزن‬
‫الذكريات المنسية ‪-‬التي قد ال تزال في متناول الوعي في وقت الحق‪ ،-‬وموقع المعرفة الضمنية‬
‫أن الوعي يتأثّر‬‫‪-‬األشياء التي تعلمناها جيدًا بحيث نقوم بها دون تفكير‪ ]٣[.-‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫بأجزاء أخرى من العقل‪ ،‬ومن هذه األجزاء هو الالوعي’ باعتباره عادة شخصية‪ ،‬كونه غير‬
‫مدرك من قبل األفراد وباعتباره جزء من الحدس‪ ،‬تشمل بعض الظواهر المرتبطة بين الوعي‬
‫والالوعي ظواهر مثل؛ شبه الصحوة والذاكرة الضمنية والرسائل المموهة والهدوء والتنويم‬
‫المغناطيسي‪ ،‬في حين أن النوم‪ ،‬والسير أثناء النوم‪ ،‬والحلم‪ ،‬والهذيان والغيبوبة قد تُشير إلى‬
‫فإن هذه العمليات تع ّد أعراضًا وليست عقالً فاقدًا للوعي نفسه؛ وقد‬
‫وجود عمليات غير واعية‪ّ ،‬‬
‫ش ّكك بعض النُقّاد في وجود الالوعي‪]٤[ .‬‬
‫أن الوعي هو تجربة أوليّة‪ ،‬مثل تحريك‬ ‫مفهوم الوعي ضمن مفهوم الوعي والالوعي‪ ’،‬يُشار إلى ّ‬ ‫‪‬‬
‫األشياء ورؤية األشكال واإلحساس باألصوات واألحاسيس والعواطف والمشاعر في جسم‬
‫ي تأثير على السلوك‬‫اإلنسان كما ترد من مصدرها وتس ّمى هذه التجارب التي تع ّد مستقلة عن أ ّ‬
‫بالوعي؛’ لكن ومن ناحية أخرى يمكن أن يع ّد الوعي ظاهرة يمكن من خاللها الوصول إلى‬
‫المعلومات في ذهن األفراد من أجل اإلبالغ الشفهي عناها‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والسيّطرة على السلوك‪،‬‬
‫فإن المعلومات حول ما ي ّدركه الفرد هي المعلومات الواصلة‬ ‫لذلك‪ ،‬عندما يقوم اإلنسان بالتفكير ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن المعلومات المتعلقة باألفكار تكون مدركة وواعية‬ ‫إلى الوعي؛’ وعندما يقوم الفرد بالتأ ّمل‪ّ ،‬‬
‫فإن المعلومات المتعلّقة بالماضي تكون واعية‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وقد أشار‬ ‫وعندما يقوم الفرد بالتذكر ّ‬
‫بعض الباحثين إلى أنّه يمكن التع ّرف على ثمانية أنواع مختلفة بوضوح من الوعي ‪-‬الوعي‬
‫الجسدي‪ ،‬الوعي التحكمي‪ ،‬الوعي المتوقف‪ ،‬وعي األحداث والمواقف‪ ،‬الوعي اإلبالغي‪،‬‬
‫الوعي الداخلي‪ ،‬الوعي الشخصي‪ ،‬والوعي الذاتي‪-‬‬

‫هل يمكن تفسير الوعي ماديا؟ بقلم رضا زيدان‪.‬‬

‫ما هو العقل اإلنساني؟ وكيف يدرك العالَم؟ وهل لألفكار والمشاعر والرغبات االنسانية طبيعة مادية؟‬
‫هل لو علمنا آلية عمل الم ّخ يمكننا الوصول مباشرة للعقل؟ وهل يمكن للعقل أن يتط ّور؟ وعلى فرض‬
‫تط ّوره فهل يمكن الثقة في أحكامه؟‬

‫اختلف الفالسفة على مر العصور في طبيعة هذا الكيان الغريب الذي يس ّمى "العقل" (‪،)mind‬‬
‫وانقسموا إلى تيارين رئيسيين‪:‬‬

‫‪-‬التيار القائل بالثنائية‪ :‬أي الذي يقول بأن اإلنسان مر ّكب من جسم وعقل‪ ،‬وال يمكن اختزال العقل في‬
‫"الم ّخ " (أي العمليات العصبية المادية)‪ ،‬وأشهر من قال بذلك‪ :‬أفالطون وديكارت‪ .‬لكن لديكارت تأثير‬
‫أكثر من غيره‪ ،‬نظرًا ألنه أوّل من ق ّدم تفصياًل لكيفية ارتباط العقل بالجسم من خالل الغدة الصنوبرية‪،‬‬
‫وهو أ ّول من اعتبر الكائن عقاًل غير ملموس وال يمكن اإلحساس المادي به‪ ،‬ألنه غير ممتد زمانيًا وال‬
‫مكانيًا‪.‬‬

‫‪-‬التيار القائل باألحادية‪ :‬أي الذي يقول بأن اإلنسان مجرّد مادة[‪ ،]1‬بما في ذلك العقل ومحتوياته‪،‬‬
‫كالرغبات والمشاعر واألفكار‪ .‬وقدي ًما أخذ الفيلسوف اليوناني ديموقريطس بهذا المذهب‪ ،‬وس ّمي المذهب‬
‫الذري؛ فهو يعتبر أن كل شيء مك ّون من ذرات‪ .‬والمذهب المادي قريب من تص ّوراته‪ ،‬لكن بمحتويات‬
‫عصبية في المخ‪ .‬وبعض األحاديين ينكر وجود المشاعر والرغبات أصاًل ؛ فاأللم عنده هو مجرّد استجابة‬
‫حسية عصبية لمؤثّر ما (السلوك)‪ ،‬ومن ثم فالبشر طبقًا لهذا التصوّر مج ّرد آالت‪ ،‬ال مشاعر وال رغبات‬
‫وال أي شيء عقلي‪ .‬ويلتزم بعض معتنقيه بنفي اإلرادة الحرة تما ًما؛ فالبشر مجرّد زومبي يحرّكه‬
‫الجينات والخاليا العصبية‪.‬‬

‫وأغلب المناخ المعاصر ير ّجح اإلنسان األحادي‪ ،‬متمثاًل في التيار "المادي اإلقصائي" (‬
‫‪ )Eliminative materialism‬أو الفيزياء االختزالية (‪.)Reductionism‬‬

‫وهدفنا في هذا المقال هو بيان أن األحادية لم تفلح مطلقًا في تفسير الوعي أو العقل بشكل عام‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل عرض حجج الثنائية التي تبرز قصور المادية االقصائية‪.‬‬

‫من حجج القائلين‪ $‬بالثنائية‪:‬‬


‫‪-1‬أن العقل ال يمكن تجزئته؛ فقد يفقد اإلنسان عض ًوا من جسمه أو قد يولد بال ساق مثاًل ومع ذلك هذا ال‬
‫يؤثّر في كونه إنسانًا كامل اإلنسانية؛ يقول الغزالي‪" :‬إنك تعلم أن نفسك منذ كنت لم تتب ّدل‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫التغذي يح ّل بالبدن بدل ما تحلّل؛ فإذا‬
‫ّ‬ ‫البدن وصفات البدن كلها تتب ّدل‪ ،‬إذ لو لم تتب ّدل لكان ال يتغذى‪ ،‬ألن‬
‫نفسك ليس من البدن وصفاته في شيء"[‪.]2‬‬

‫‪-2‬إمكان تص ّور العقل مستقاًل عن الجسد[‪ ،]3‬حيث يمكن تص ّور العقل ليس في هذا البدن‪ ،‬كالطائر كما‬
‫يس ّم يه ابن سينا‪ ،‬ويعتبر ديكارت هذا اإلمكان دليل على أن العقل ليس هو الجسد (أو تحديدًا‪ :‬ليس هو‬
‫العمليات العصبية القائمة في المخ)‪.‬‬

‫‪-3‬اإلدراك العقلي (وهي الحجة األقوى حاليًا لذا سنر ّكز عليها)‪:‬‬

‫تعتمد هذه الحجة على أن العقل يستطيع إدراك المعاني الكلية المج ّردة من كل طابع حسي‪ ،‬والتي ال‬
‫تنقسم انقسا ًما ماديًا‪ ،‬فإن معنى اإلنسان مثاًل م ّجرد من كل صفة جسمية‪ ،‬وهو يحتوي على بعض المعاني‬
‫الجزئية كالحيوانية والنطق‪ ،‬حقًا إنه ينطبق في الواقع على كثرة من األفراد‪ ،‬لكنه ال ينقسم في النفس‬
‫بطريقة مادية‪ ،‬وال يشغل فيها حيّ ًزا‪ ،‬وذلك ألنه ال يح ّل فيها إال مجردا من الصفات العرضية التي تميز‬
‫أحد األفراد عن اآلخرين‪ ،‬وإذا كانت النفس محاًل للمعقوالت فإنه يجب أن تكون من جنسها أي غير‬
‫منقسمة‪ ،‬وإال لوجب أن يحل غير المنقسم في المنقسم‪ ،‬وهو تناقض ظاهر[‪ ،]4‬يقول الغزالي‪:‬‬

‫"العين تدرك من األشياء ظاهرها وسطحها األعلى دون باطنها؛ بل قوالبها وصورها دون َحقائقها‪.‬‬
‫والعقل يتغلغل إلى بواطن األشياء وأسرارها ويدرك حقائقها وأرواحها‪ ،‬ويستنبط سببها وعلتها وغايتها‬
‫وحكمتها‪ ،‬وأنها م ّم خلق‪ ،‬وكيف خلق‪ ،‬ولِم خلق‪ ،‬و ِمن كم معنى جمع ور ّكب‪ ،‬وعلى أي مرتبة في الوجود‬
‫نزل"[‪.]5‬‬

‫أما الحجة األولى والثانية فالنقاش قد تجاوزهما حاليًا‪ ،‬خالفًا للحجة الثالثة وهي اإلدراك العقلي‪ ،‬فهي‬
‫الحجة الحاضرة بقوة في فلسفة العقل المعاصرة‪ ،‬ويمكننا إعادة صياغة جزء من الحجة السابقة في ضوء‬
‫هذا النقاش المعاصر كالتالي‪:‬‬

‫كيف يمكن لعمليات عصبية مادية أن تدرك محتويات غير مادية كاألعداد والكليات والمنطق وغير‬
‫ذلك من المحتويات التي تشمل األجسام المادية وغير المادية بل تشمل أيضا المستحيل ماديًا؟‬

‫بصورة أدق‪ :‬كيف استطاع العقل التمييز بين الوجود الفيزيائي والوجود الرياضي؟ فهناك احتماالت‬
‫كثيرة ج ًّد ا للمعادالت واألحداث‪ ،‬ومع ذلك الوجود الفيزيائي إطار ضيق ج ًّدا‪ ،‬وكذلك كيف استطاع العقل‬
‫أن يميّز بين المستحيل فيزيائيًا والمستحيل عقليًا؟ فمن المستحيل فيزيائيًا فقط أن يطير اإلنسان‪ ،‬ومع ذلك‬
‫من المتصوّر أن يكون إنسانًا طائ ًرا بال تناقض منطقي أو استحالة عقلية‪ ،‬على عكس عجزنا عن تصوّر‬
‫إمكان أن ‪ 4=1+1‬مثاًل ‪.‬‬

‫كيف استطاع العقل أن يستنبط من مج ّر د أمثلة قواعد ثابتة؟ فاالستقراء الذي هو أساس العلم ليس إال‬
‫تتبّع بعض الجزئيات (كمشاهدة أن بعض المعادن تتم ّدد بالحرارة) ثم الحكم العام الذي ال يمكن أن يبرر‬
‫ماديا (المعادن تتمدد بالحرارة)‪.‬‬

‫ويمكن توضيح ما سبق بالصورة التالية المقتبسة عن منتدى التوحيد‪:‬‬

‫أما الجانب اآلخر من جوانب اإلدراك العقلي وشموليته فهو الوعي باإلدراك نفسه‪ ،‬فاإلنسان ليس‬
‫مج ّر د آلة تعالج المعلومات‪ ،‬بل كيان يدرك المعلومات‪ ،‬ويستحيل تفسير هذا تطوّريًا؛ فالحيوانات‬
‫كالعناكب مثاًل ال يض ّرها أنها تستجيب آليًا لجيناتها وتبني بيوتها فطريًا دون وعي بهذا البناء‪ .‬أما اإلنسان‬
‫فقد متّعه هللا بهذا الوعي الذاتي‪ ،‬وهو ما ال يمكن تفسيره بيولوجيًا‪ ،‬ألنه ليس هناك حاجة بيولوجية لمثل‬
‫هذا الوعي‪ ’،‬وال ألي قدرات إدراكية عليا عند اإلنسان؛ يقول البروفسور األمريكي نوام تشومسكي‪:‬‬

‫"كيف اكتشف اإلنسان النظرية الكمية؟! فال تق ّدم التجربة أي إرهاصات للمشاكل التي ستقابلنا في‬
‫العالم (كحالة العناكب مثاًل )‪ ،‬كما لم تكن القدرة على حّ ل المشكالت عاماًل في التط ّورية النشوئية! لذلك ال‬
‫نقتنع بهذا التفسير الغيبي لكي نفسّر توافق أفكارنا مع الكون‪ ،‬بل إنها مفاجأة محظوظة أن نجد هذا‬
‫التوافق الجزئي بين أفكارنا والعالم"[‪.]6‬‬

‫ويق ّر عالم الفيزياء الملحد ليوناردو مولدينوف بأنه ليس هناك تفسير فيزيائي للوعي في فيديو شهير‬
‫له[‪.]7‬‬

‫أما الجانب األخير من استحالة تفسير العقل ماديا فهو ذاتية الوعي‪ ’،‬أو لغز الخبرة الواعية‪ ،‬أو ما‬
‫يسمى الكيفيات المحسوسة (‪ ،]8[)Qualia‬ويشرح ذلك فيلسوف العقل المعاصر ديفيد تشالمرز فيقول‪:‬‬
‫"إن من الممكن أن نعرف ونعلم كل المعلومات الموضوعية عن شيء ما‪ ،‬مثل حاالت الدماغ وأطوال‬
‫الموجة المتعلّقة برؤية اللون األحمر‪ ،‬ولكن ال توجد معلومات أساسية حول وصف الحالة المرافقة‬
‫الخوض في موضوع الوعي سنوات‬ ‫َ‬ ‫للشعور عند رؤية اللون األحمر"‪ ،‬ويقول‪" :‬لقد تجنّب الباحثون‬
‫عديدة عند دراسة الدماغ والعقل‪ .‬وكانت النظرة السائدة أن العلم الذي يعتمد على الموضوعية ال يستطيع‬
‫استيعاب شيء بهذا القدر من الذاتية ‪ subjectivity‬مثل الوعي‪ .‬فقد ر َّكزت الحركة السلوكية في علم‬
‫النفس ‪ -‬التي سادت في بواكير هذا القرن ـ على السلوك الخارجي‪ ،‬ولم تسمح بأي حديث عن السيرورات‬
‫العقلية الباطنة‪ .‬وبعدها أ ّدى ظهور علم المعرفة ‪ cognitive science‬إلى تركيز االنتباه على‬
‫السيرورات التي تجري داخل الرأس‪ .‬أما الوعي فقد بقي ومازال خارج إطار التناول"[‪.]9‬‬

‫وهناك مقال مشهور للفيلسوف الملحد توماس ناجل بعنوان‪ :‬ما هو الشعور أن تكون خفا ًشا؟ (‬
‫‪ )What Is It Like to Be a Bat‬بيّن فيه كيف أن العلم الطبيعي عاجز تما ًما عن تفسير هذه‬
‫الظواهر الذاتية‪.‬‬

‫وابتكر فيلسوف نمساوي تجربة ذهنية لشرح هذا الشعور أو الخبرة الذاتية‪ ،‬فافترض أن ماري عالمة‬
‫أعصاب في القرن الثالث والعشرين وتتميّز بكونها خبيرة عالمية رائدة في عمليات الدماغ المسؤولة عن‬
‫رؤية األلوان‪ .‬ولكن ماري أمضت عمرها كله في غرفة باألبيض واألسود‪ ،‬ولم تر قط أي لون آخر‪ .‬إنها‬
‫تعرف كل شيء ينبغي معرفته عن السيرورات الفيزيائية في الدماغ (بيولوجيته وبنيته ووظيفته)‪ .‬إن هذا‬
‫الفهم يم ِّك نها من أن تستوعب كل شيء ينبغي معرفته عن المشكالت السهلة‪ :‬الطريقة التي يميّز الدماغ‬
‫بها المنبهات‪ ،‬ويكامل بها المعلومات‪ ،‬وينتج بها التقارير اللفظية‪ .‬ومن معرفتها برؤية اللون فهي تعرف‬
‫الطريقة التي تقابل بها أسماء األلوان األطوال الموجية في الطيف الضوئي‪ .‬ولكن يبقى هناك أمر أساسي‬
‫حول رؤية اللون تجهله ماري‪ :‬أال وهو ما عساها أن تشبه خبرة لون ما كاألحمر‪ .‬وهذا يعني أن هناك‬
‫حقائق عن الخبرة الواعية ال يمكن استنباطها من الحقائق الفيزيائية المتعلقة بوظائف الدماغ‪.‬‬

‫وقد فشلت النظريات المادية األحادية تما ًما في تفسير الكيفيات المحسوسة‪ .‬وأه ّم هذه النظريات‪:‬‬
‫نظرية الهوية‪ ،‬حيث يذهب أنصار هذه النظرية إلى أن الشعور باأللم مثاًل هو نفسه مركز الشعور باأللم‬
‫في الم ّخ ‪ ،‬لكن يشكل على هذه النظرية أن هناك حيوانات ليس لها نفس مركز الشعور اإلنساني ومع ذلك‬
‫تتألّم‪ .‬ولح ّل ذلك ابتكرت نظرية الهوية الرمزية (‪ ،)token‬فتقول هذه النظرية أن من الممكن’ أن يكون‬
‫هناك مك ّو نات أخرى داخل جسم ما غير مركز األلم اإلنساني‪ ،‬ومع ذلك يشعر باأللم‪ .‬ويقال ذلك مقابل‬
‫الهوية النوعية السابقة‪ ،‬التي تحصر األلم بمركز األلم في اإلنسان فقط‪ .‬وعلى الوجهين (الهوية النوعية‬
‫والرمزية) تنكر نظرية الهوية أخصّ شيء في الحاالت العقلية‪ ،‬وهو الشعور نفسه بحالة األلم‪ ،‬لذا لم تقنع‬
‫الكثير من العلماء‪.‬‬
‫وقد دلّل الكثير من المتخ ّ‬
‫ص صين التجريبيين على تجاوز العقل لنطاق العمليات العصبية الدماغية‪،‬‬
‫نذكر على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ -1‬يقول تشارلز شرنجتون ‪ -‬رائد فسيولوجيا الم ّخ والجهاز العصبى‪ ،‬والحاصل على نوبل عام ‪1932‬م‬
‫‪" :-‬إن عملية التغذية واأليض والنمو هي ظواهر تقع داخل نطاق القوانين الفزيائية والكيميائية‪ ،‬أما‬
‫العمليات العقلية فهي تتجاوز تلك القوانين"[‪ .]10‬وهذا القول له مكانته‪ ،‬ألنه صدر عن عالم متخصّص‬
‫في االنعكاسات العصبية‪.‬‬

‫‪-2‬دلّ ل ولدر بنفيلد (من أشهر جراحي األعصاب) على صحة النظرية الثنائية للعقل والمخ‪ ،‬وذلك بعد‬
‫جمع العديد من المالحظات السريرية على المرضي مفتوحي الدماغ ووضع تلك المالحظات في كتاب‬
‫أسماه بـ "غموض العقل ‪ ،"The Mystery of Mind‬واستد ّل بنفيلد على الفروق بين العقل والمخ‬
‫من مالحظاته على استجابات المرضي الذين يتع ّرضون لتنبيهات دماغية‪ ،‬إذ الحظ أن هناك تعارضٌ ين‬
‫االستجابات العصبية وإرادة الشخص‪ .‬وهذا التعارض يدلّل على وجود اختالف بين خصائص العقل‬
‫وخصائص المخ؛ فلو أن الم ّخ يمثّل العقل لكانت اإلثارة المخية تعكس ما يريده الشخص‪ .‬ولكي تتّضح‬
‫هذه الصورة وتبرهن قام بنفيلد بتنبيه للمركز العصبي الخاص بحركة اليد وكنتيجة طبيعية تحركت يد‬
‫المريض‪ ،‬إال أن األمر الذي ينطلق منه بنفيلد هو ما عبّر به المريض من قوله بأن يدي تحركت رغ ًما‬
‫عني‪ .‬وهذا يعني في وجهة نظر بنفيلد أن هناك إرادة ترفض هذه الحركة توجد خارج الم ّخ والذي عبّر‬
‫عنه بالعقل‪ .‬كذلك قام بنفيلد بتنبيه مركز الكالم وعلى إثره عجز المريض عن إخراج الكلمات بمعنى أن‬
‫بنفيلد كان ينبّه مركز الكالم ويطلب من المريض أن يتلفظ بكلمة "فراشة" مثاًل ‪ ،‬وكنتيجة طبيعية عجز‬
‫المريض عن القول بذلك مع رغبته وتحفّزه للتلفّظ بها‪ .‬وبعد أن أوقف بنفيلد تنبيه تلك المنطقة قال‬
‫ك من عقال "فراشة"‪ .‬وهذا األمر في وجهة نظر بنفيلد يشير من جانب‬ ‫المريض بصوت عالي وكأنه ف ّ‬
‫إلى صراع الم ّخ مع اإلرادة "العقل"‪ .‬وبالجملة‪ ،‬فإن مجموعة تلك المالحظات السريرية تؤ ّكد على أن‬
‫مركز العقل ال يخضع لجوانب مادية صرفة‪.‬‬

‫‪-3‬تبنّى جون إيكلز (من ر ّواد مجال فسيولوجيا األعصاب‪ ،‬وحاصل على نوبل عام ‪ )1963‬النظرية‬
‫صصة تقوم على انفصال حقيقي بين الم ّخ والعقل‪ ،‬ووضع لذلك‬
‫ضا‪ ،‬ووضع نظريات متخ ّ‬ ‫الثنائية أي ً‬
‫براهين عديدة نذكر اثنين منها‪:‬‬

‫‪ -‬الحركات اإلرادية تحدث قبل النشاط الدماغي للقشرة الحركية بحوالي ثانيتين‪ .‬األمر الغريب هنا أنه إذا‬
‫كان مصدر إرادة الحركة هي القشرة المخية فإنه من المفترض أن يس ّجل النشاط الكهربائي في القشرة‬
‫الحركية قبل حدوث الحركة‪ ،‬إال أن األمر الذي حصل هو العكس تما ًما‪ .‬حدث هذا األمر أيضًا في وظيفة‬
‫الكالم‪ ،‬إذ الحظ كورنبر أن النطق بالكالم عملية تسبق زيادة نشاط مركز الكالم الدماغي‪ .‬ويستنتج إيكلز‬
‫من هذه الدراسة إلى أن هناك أم ٌر مجهو ٌل يعمل كوسيط بين الم ّخ والحركة اإلرادية‪ ،‬وبين الم ّخ والكالم‬
‫وهو ما نعني به في المفهوم البسيط‪ :‬جانب اإلرادة‪ .‬وعلى هذا يؤ ّكد إيكلز أن المخ شيء والعقل شيء‬
‫آخر‪.‬‬

‫‪ -‬عندما تتع ّر ض القشرة الحسية إلى استثارات كهربائية كانت النتيجة وجود زمن تأخيري يق ّدر بنصف‬
‫ثانية بين استثارة القشرة الم ّخ ية بشكل مباشر وحصول الشعور باإلحساس‪ .‬وهذا الزمن التأخيري هو‬
‫ك الذي يرتكز عليه إيكلز في استنتاجه بوجود فارق بين الم ّخ والعقل‪.‬وينطلق إيكلز في استنتاجه هذا‬ ‫المح ّ‬
‫من مبدأ أنه إذا كانت القشرة الحسية هي المكان الذي يت ّم فيه ترجمة اإلحساسات الجلدية فإنه من‬
‫المفترض أن تنبيهها بشكل مباشر يؤ ّدي مباشرةً إلى الشعور باإلحساس دون أن يكون هناك زمن‬
‫تأخيري‪ .‬إال أن هذا االفتراض لم يتحقّق تجريبيًا مما يؤ ّكد أن الشعور العقلي ال يقتصر وجوده على مادة‬
‫الم ّخ‪ ،‬بل إن هناك دور مك ّمل لعمل الم ّخ‪ ،‬وهو العقل الذي ليس له مظهر مادي[‪.]11‬‬

‫ومن الدراسات‪ $‬الفلسفية المهمة التي تعارض مادية الوعي‪:‬‬


‫دراسة الفيلسوف ديفيد تشالمرز؛ وموضوع هذه الدراسة هو اإلقرار بغموض الخبرات النفسية‪،‬‬
‫صا ظاهرة الوعي‪ .‬وساق شالمرز عددًا من األدلّة تؤ ّكد أن الجانب الذي التفتت إليه الدراسات‬
‫خصو ً‬
‫العصبية في موضوع الوعي جانب ناقص‪ ،‬ألنه انحصر على الجانب الفيزيقي‪ .‬وهذا يعني أن هناك‬
‫رؤية ضيقة تتعلّ ق بمسألة الوعي على أساس أن طبيعة العمليات النفسية ليست مثل طبيعة العمليات‬
‫الفيزيقية[‪.]12‬‬

‫بل ّدلل براهين علماء الفيزياء على غموض الوعي؛’ فقد ناقش العالم الفيزيائي وينبرج في كتابه‬
‫المسمى بكتاب "أحالم النظرية النهائية"إمكانية ض ّم القوانين الطبيعية تحت قانون أوحد‪ .‬ويشير وينبرج‬
‫بأن ث ّمة يوم قادم سيتم ّك ن العلماء فيه من الكشف عن العالقات بين جميع القوى الطبيعية‪ ،‬والعمل على‬
‫إيجاد قانون يض ّمها تحت مظلة واحدة‪ ،‬وسيكون هذا التاريخ موعدًا لتفسير جميع الظواهر الكونية‪ .‬وفي‬
‫هذا إشارة صريحة بأن العلماء سيصلون إلى صياغة قانون أوحد يو ّحد مفهوم القوى الفيزيقية األربع‪،‬‬
‫وهي‪ :‬القوة الكهرومغناطيسية‪ ،‬والقوة النووية الضعيفة‪ ،‬والقوة النووية الشديدة‪ ،‬وقوة الجاذبية‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من هذا االستبشار فإن وينبرج يستثني بش ّدة موضوع له قانون محيّر ال يمكن إخضاعه للقوانين‬
‫الفيزيقية‪ ،‬وهو معضلة الوعي الذي ال يمكن انتماؤه إلى واحد من تلك القوى[‪.]13‬‬

‫نخلص من ذلك أن الوعي لم تفلح المادية في تفسيره‪ ،‬سواء فلسفيًا أو علميًا‪.‬‬

‫مفارقة تفسير العقل داروينيًا‪$:‬‬

‫لو سلّمنا أن العقل قد تط ّو ر عبر ماليين السنين‪ ،‬فكيف يمكن لنا أن نثق في حكمه بأن العقل قد‬
‫تط ّور؟! فالظاهر أن‪" :‬كثي ًرا من المؤمنين بنظرية التط ّور الدارويني ال يدركون التح ّدي‪ ،‬بل التهديد الذي‬
‫تش ّك له النظرية لعقولهم التي يثقون بها ويعتمدون عليها في تصّور وجودهم‪ ،‬فضاًل عن الحكم عليه‪ ،‬بما‬
‫في ذلك تصّورهم لنظرية التط ّو ر وأحكامهم عليها‪ .‬فما هي طبيعة هذا التهديد؟ لنستمع إلى دارون نفسه‬
‫ك فظيع حول ما إذا كانت‬ ‫حيث يقول في رسالة خاصة إلى صديقه وليام جراهام‪" :‬ينتابني دائ ًما ش ّ‬
‫قناعات عقل اإلنسان‪ ،‬والذي بدوره تط ّور من عقول كائنات أدنى‪ ،‬تتمتّع بأي قيمة أو تستحق أدنى ثقة"[‬
‫‪.]14‬‬

‫ضا‪ ،‬فيقول‪" :‬قد تعرض للخاطر بعض األمور من علم‬ ‫وقد تنبّه إدموند هوسرل لهذا اإلشكال أي ً‬
‫الحياة‪ ،‬فنذكر نظرية التط ّو ر الحديثة حيث نما اإلنسان في كفاحه من أجل الوجود بحسب االنتقاء‬
‫الطبيعي‪ ،‬فنما معه عقله بالطبع‪ .‬ومع العقل سائر الصور التي هي أخصّ به‪ ،‬وال سيّما الصور المنطقية‪.‬‬
‫أال يدفعنا ذلك إلى القول بأن الصور والقوانين المنطقية إن هي إال سمة عارضة للنوع البشري‪ ،‬وإنها قد‬
‫تكون مختلفة وتصير كذلك في سياق التطور المقبل"؟[‪]15‬‬

‫ويقول الفيلسوف ألفين بالنتنجا‪" :‬إن قبلت بالمادية والتطوّر معًا فسيكون لديك سبب وجيه لإليمان‬
‫بأن ملكاتك المسؤولة عن إنشاء المعتقدات غير موثوقة‪ ،‬ولكن اإليمان بذلك يعني السقوط في ش ّ‬
‫ك تام‪.‬‬
‫ي من معتقداتك (بما في ذلك معتقداتك عن المادية والتطور!)‪.‬‬‫ي سبب لقبول أ ّ‬ ‫األمر الذي يدرك بدون أ ّ‬
‫ّ‬
‫السبيل المعقول الوحيد هو التخلي عن الدعوى المفضية إلى هذه النتيجة‪ ،‬دعوى أن المادية والتطوّر‬
‫صحيحان معا"[‪.]16‬‬

‫فالحاصل أن التفسير الدارويني للعقل‪ ،‬حتى ولو نجح‪ ،‬ال يمكن الثقة فيه‪ ،‬ألنه لن يكون هناك معيار‬
‫عقلي أصاًل للحكم بالنجاح من عدمه‪.‬‬

‫[‪ ]1‬أو مجرد عقل‪ ،‬كما يذهب الفيلسوف باركلي والمثاليون عموما‪ ،‬وحجج باركلي على نفي المادة‬
‫مشهورة‪ .‬لكن ما يهمنا هنا هو المذهب األحادي المادي المعاصر‪.‬‬
‫[‪ ]2‬معارج القدس في مدراج معرفة النفس ص‪33‬‬

‫[‪ ]3‬وأشهر من صاغ هذا الدليل هو ديكارت في كتبه‪.‬‬

‫[‪ ]4‬في النفس والعقل لفالسفة االغريق واالسالم لمحمود قاسم ص‪107‬‬

‫[‪ ]5‬مشكاة األنوار ص‪45‬‬

‫[‪ ]6‬اللغة ومشكالت المعرفة ترجمة حمزة بن قبالن‪ .‬ص(‪ ،)222‬ص (‪.)235‬‬

‫[‪https://www.youtube.com/watch?v=WGvzheu1JQA ]7‬‬

‫[‪ ]8‬قد يقال إن علماء الذكاء االصطناعي قادرون على ابتكار آلة لها وعي ذاتي‪ّ ،‬‬
‫لكن ذلك أمر مستحيل‬
‫صصين في الوعي أو الذكاء االصطناعي نفسه؛ يقول جون إكليس الحائز على‬ ‫كما أ ّكد الكثير من المتخ ّ‬
‫جائزة نوبل‪" :‬إنه ليس هناك دليل على اإلطالق بأنه يمكن أن تكون ألجهزة الكمبيوتر نوعًا من الوعي أو‬
‫الشعور الذاتي"؛ فالذكاء االصطناعي مج ّرد أوامر برمجية تنفذها آالت مادية‪ ،‬أما اإلنسان والوعي‬
‫الذاتي فأمر يختلف تماما عن البرمجيات الحديثة‪ ،‬بفضل هذه الكيفيات المحسوسة‪.‬‬

‫وفي رؤية مناقضة لبرمجة العقل أو تمثيله اصطناعيا ق ّدم جون سيرل تص ّو ًرا عما أسماه "برهان الغرفة‬
‫الصينية "‪The Chinese Room Argument‬ص ّور فيه وجود شخص إنجليزي ال يعرف اللغة‬
‫الصينية في غرفة مغلقة ولديه تعليمات كتبت باإلنجليزية‪ .‬فعندما تأتيه رموز صينية فإنه يستخدم كتاب‬
‫التعليمات للتعامل معها ثم يرسلها خارج الغرفة‪ .‬ويتوقّع األفراد الذين هم خارج الغرفة أن هذا الشخص‬
‫يعرف اللغة الصينية وهو ليس كذلك‪ .‬يشبه سيرل هذا الشخص بعمل برمجيات الذكاء الصناعي التي‬
‫تتعامل مع المعاني دون أن تعي معناها‪ .‬وهذا يؤكد االختالف الجذري بين عقل اإلنسان وتلك‬
‫البرمجيات‪.‬‬

‫نظريات‪ $‬علمية متضاربة تفسر معنى الوعي عند االنسان‬

‫في مجال العلم والدراسة‪ ،‬تجرى كثير من األبحاث المثيرة في الوقت الحالي‪ ،‬ومن بينها سلسلة من‬
‫التجارب التي تهدف في نهاية المطاف إلى زيادة الوعي البشري‪ ،‬بالمعنى الحرفي للكلمة‪.‬‬

‫ويوضح الكاتب أندرياس كلوث في تقرير نشرته وكالة بلومبرج لألنباء أن الهدف من هذه التجارب هو‬
‫فهم معنى "الوعي" بشكل دقيق وكذلك كيفية عمله‪ ،‬والرد على تساؤالت مثل هل تمتلك الحيوانات وعيا‪،‬‬
‫وهل يمكن أن يخسر االنسان الوعي‪ ’،‬وما إذا كان من الممكن أن تكتسب اآلالت وعيا ذاتيا عبر تقنيات‬
‫الذكاء االصطناعي‪.‬‬

‫وتجرى التجارب الجديدة وفق منهج علمي يعرف باسم "التعاون بين أصحاب اآلراء المتناقضة"‪ ،‬فالبشر‬
‫عادة تكون لديهم نظريات عديدة لتفسير األشياء المختلفة‪ ،‬وبالطبع ال يمكن أن تكون جميع هذه النظريات‬
‫صائبة‪ .‬ولكن كثيرا من النظريات تعيش وتستمر إلى أجل غير مسمى داخل ما يعرف باسم "الصوامع‬
‫الفكرية"‪ ،‬ومن هنا قد يكون الحل هو دعوة أصحاب األفكار المتناقضة للتعرف على نقاط االختالف‬
‫بينهم واخضاعها للدراسة‪ ،‬وهو ما قد يسمح للباحثين بتحديد النظريات الخاطئة‪ ،‬وبالتالي تحقيق نوع من‬
‫التقدم العلمي‪.‬‬
‫وتريد مؤسسة "تمبلتون العالمية لألعمال الخيرية" الرد على بعض من أهم األسئلة الي تشغل العقل‪،‬‬
‫والسيما تلك التي تقع في دائرة العلم‬

‫والروحانيات في آن واحد‪ ،‬ومن بين هذه األسئلة مفهوم الوعي الذي حير البشرية وأثار دهشتها لسنوات‬
‫طويلة‪ ،‬ولعل أشهر من تطرق إلى هذه الفكرة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت صاحب عبارة "أنا‬
‫أفكر‪ ..‬إذن أنا موجود"‪.‬‬

‫ويتساءل كلوث قائال‪" :‬لماذا يمتلك البشر وعيا في المعتاد؟ وما الذي يحدث عندما نفقد هذا الوعي‪ ’،‬في‬
‫حاالت الغيبوبة أو النوم العميق على سبيل المثال أو أثناء السكتات الدماغية أو عند التخدير؟ لماذا ال‬
‫تؤدي إصابة المخيخ الذي يحتوي على ‪ 69‬مليار من بين ‪ 86‬مليار خلية عصبية داخل المخ إلى فقدان‬
‫الوعي‪ ،‬في حين أن تلف جزء آخر من المخ قد يتسبب في غياب الوعي؟"‪.‬‬

‫ويطرح كلوث مزيدا من األسئلة بشأن الوعي‪ ،‬فيتساءل هل يمتلك األجنة أو المواليد وعيا‪ ،‬وهل القردة‬
‫أو النحل أو ذباب الفاكهة لديها وعي‪ ،‬وأخيرا ماذا عن اآلالت التي نصنعها أو المعادالت الخوارزمية‬
‫التي نبتكرها وتستطيع أن تهزمنا في لعبة الشطرنج أو توجه السيارات ذاتية القيادة‪ ،‬هل من الممكن أن‬
‫تمتلك وعيا يوما ما؟‬

‫ويقول الباحث الجنوب افريقي داويد بوتجيتر الذي يدير مشروع مؤسسة تمبلتون إن فريقه البحثي نجح‬
‫في تحديد مجموعة من النظريات القابلة للتصديق بشأن الوعي‪ ،‬ثم جمع هذه النظريات في صورة‬
‫ثنائيات بحيث يمكن من خالل التجارب دحض نظرية واثبات االخرى المقابلة لها‪ .‬ويجري تنفيذ هذا‬
‫النهج البحثي حاليا في ستة مختبرات تنتشر ما بين أوروبا والواليات المتحدة والصين‪ ،‬ويقوم كل مختبر‬
‫بتكرار نفس التجارب على المشاركين من أجل تالفي احتماالت الخطأ‪ ،‬أما النظريتان قيد الدراسة فهما‬
‫"نظرية مساحةالعمل العالمية" التي يؤيدها الباحث ستانيسالس ديهاني من الكلية الفرنسية في باريس‪،‬‬
‫واألخرى هي "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها جوليو تونوني من جامعة ويسكونسن‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫وتشرح الباحثة لوسيا ميلوني من معهد ماكس بالنك البحثي في مدينة فرانكفورت األلمانية نظرية‬
‫"مساحة العمل العالمية" قائلة‪" :‬تخيل لو أننظامك العصبي يجلس في مسرح كبير‪ ،‬وجميع الخاليا‬
‫العصبية تقبع في الظالم تتهامس وتتجاذب الحديث‪ ،‬ولكنها ليست واعية ألي شيء‪ ،‬ثم فجأة يصعد‬
‫شخص ما على خشبة المسرح ثم تضاء جميع األنوار‪ ،‬وهذا الشخص هو "مساحة العمل"‬

‫الذي يجذب انتباه الخاليا العصبية ويوجه لها رسالة معينة‪ ،‬فالشعور الذي يعتمل في النفس عند تلقي هذه‬
‫الرسالة هو الوعي‪.‬‬

‫أما "نظرية المعلومات المتكاملة" التي يؤيدها تونوني‪ ،‬فهي ال تنظر إلى الوعي كما لو كان رسالة‪ ،‬بل‬
‫باعتباره شبكة معقدة من العالقات السببية‪ ،‬ويشرح تونوني فكرته قائال إن شبكة الخاليا العصبية هي مثل‬
‫خريطة ثنائية األبعاد لمدينة ما‪ ،‬ولكن من أجل أن يتلمس االنسان هذه المدينة ويدركها بشكل فعلي‪ ،‬فالبد‬
‫أن تتكامل جميع هذه الخاليا العصبية لتأخذ شكال ثالثي األبعاد‪ ،‬وأن تترك كل خلية تأثيرها على الخاليا‬
‫األخرى‪ ،‬ومن هنا يأتي الشعور بالوعي‪.‬‬

‫ويختلف كل من تونوني وديهاني أيضا فيما يتعلق أيضا بالجزء المسؤول عن الوعي داخل مخ االنسان‪،‬‬
‫حيث يرى ديهاني أن القشرة الجبهية هي المسؤولة عن معظم هذا النشاط‪ ،‬في حين يعتقد تونوني أن‬
‫الجزء الخلفي من المخ هو الذي ينشط عند القيام بهذا العمل الذهني‪ ،‬ومن هنا البد أن تكون إحدى‬
‫النظريتين صحيحة واألخرى خطأ‬
‫اسم الكتاب‪ :‬سوسيولوجية الهوية‪ ،‬جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء‬

‫اسم المؤلف‪ :‬عبد الغني عماد‬

‫مراجعة‪ :‬فادي كحلوس‬

‫الناشر‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‬

‫مكان النشر‪ :‬بيروت – لبنان‬

‫تاريخ النشر‪ :‬شباط‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫المحتويات‬

‫الفصل األول‪ :‬الهوية والثقافة والوعي… التأصيل األيديولوجي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الهوية والثقافة والوعي… التفريغ األيديولوجي‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الثقافة والديناميات البانية للهوية‬

‫الفصل الرابع‪ :‬الدين والتدين واألقليات‪ ،‬مثلث القلق واليقين‬

‫الفصل الخامس‪ :‬في تشكل الهوية الثقافية وتفككها… براديغمات المعرفة والفعل‬

‫الفصل السادس‪ :‬استراتيجيات الهوية الثقافية وإشكالية التصنيف واالنتماء‬

‫الفصل السابع‪ :‬الهوية الثقافية على تخوم العولمة وانقالب الصورة‬

‫الفصل الثامن‪ :‬اإلعالم التواصلي والمجتمع الشبكي‪ ،‬التكنولوجيا كثقافة وهوية‬

‫الفصل التاسع‪ :‬في سوسيولوجيا التعصب والتطرف الهوياتي‬

‫الفصل العاشر‪ :‬االندماج االجتماعي وصناعة الهويات الصلبة‪ ،‬إشكالية المقاربات في العلوم االجتماعية وتنوعها‬

‫الفصل الحادي عشر‪ :‬الهوية العربية وإشكالية التشكل والتفكك‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫يعبّر الكاتب في خالصة كتابه عن خواء المكتبة العربية‪ ،‬من المباحث التي تتناول إشكالية الهوية‪ ،‬ويرى أن‬
‫الكتب التي تتناول اإلشكالية حاصرت ذاتها ضمن ثنائية األصالة والمعاصرة‪ ،‬مع جرعة من التسييس واألدلجة‪،‬‬
‫وقد أسهمت في إنتاج وتعميم وعي هوياتي مزيف ومؤدلج‪ .‬وتح ّولت هذه المباحث إلى مجرد فائض تكميلي‪ ،‬هدفه‬
‫التعبئة’ والتحريض وبيان التمايز والخصوصية واالختالف‪ ،‬وليس التحليل والنقد وإعادة تشكيل وبناء الجسور‬
‫والتواصل‪ .‬ويتأسف الكاتب على االكتشاف المتأخر للحاجة الماسة إلى مقاربات سوسيولوجية علمية عقالنية‪،‬‬
‫‪.‬لمشكالت مجتمعنا العربي وتحدياته الثقافية والحضارية‬

‫يستكمل الكاتب في هذا الكتاب مشروعه البحثي‪ ،‬الذي بدأ بكتاب (سوسيولوجيا الثقافة‪ :‬المفاهيم واإلشكاليات‪ ،‬من‬
‫الحداثة إلى العولمة) وأتبعه بكتاب (الهوية والمعرفة‪ ،‬المجتمع والدين)‪ ،‬منبهًا إلى أن المقاربة السوسيولوجية‬
‫إلشكالية الهوية‪ ،‬هي محور الكتاب الذي بين أيدينا‪ ،‬وقد عالج فيه ‪-‬نقدًا وتفكي ًكا‪ -‬أبرز األدبيات العلمية واألكاديمية’‬
‫المعاصرة التي تناولها‪ ،‬في سبيل توظيف ذلك اإلنتاج الضخم ومفاتيحه النظرية لتحليل إشكالية الهوية‪ ،‬وما‬
‫تطرحه على مجتمعاتنا العربية من تحديات‪ ،‬نشهد آثارها حولنا‪ ،‬تشظيًا وتفك ًكا للمشتركات الجامعة‪ ،‬وتضخ ًما‬
‫‪.‬غير مسبوق لالنتماءات والوالءات الطائفية والمذهبية واالثنية‬

‫يوضح الكاتب‪ ،‬في مقدمة الكتاب‪ ،‬كيفية “تَحقّق الهوية كسيرورة جدلية بالمعنى التكاملي لألضداد”‪ ’،‬شارحًا هذه‬
‫الكيفية على النحو التالي‪ :‬عندما ينحصر مفهوم الهوية الثقافية في اإلرث الثقافي؛ يؤدي ذلك إلى إمكان بناء صور‬
‫للسمات واألنماط والتصرفات والوظائف الفردية والجماعية اللصيقة بحاملي الهوية‪ ،‬فهي تنتقل كإرث إلى حاملي‬
‫الهوية‪ ،‬وتكون السيرورات األولية لعملية إدماج الفرد في الثقافة وتكيفه االجتماعي‪ ،‬ضامنة لكسب هوية موروثة‪،‬‬
‫وهي بدورها تضمن الحفاظ على الثقافة ونقلها إلى األجيال الالحقة‪ .‬وعلى ضوء ذلك؛ يسأل الكاتب‪ :‬هل نحن‬
‫أمام مسار محدد لتشكل الهوية؟ وإذا كنا كذلك؛ فهل نحن أمام مسار مشابه لتفككها؟ وهل تضع هذه المقاربة‬
‫الهويات الثقافية في أنماط حتمية يسودها االنغالق؟ ويجيب‪ :‬الفعل اإلنساني يخضع لديناميات ضبط وتنظيم‪،‬‬
‫بشرط توفر مناخ تسوده الحرية وينتج عنه تجديد’ وإبداع‪ ’،‬فال يمكن اختزال حركة الثقافة والمجتمعات إلى‬
‫“نمطية مماثلة” كونها ليست جامدة أو ميكانيكية‪ ’،‬وبالتالي فالتيار النظري والمنهجي الذي يعتمد’ مقاربة ثقافية‬
‫دينامية‪ ،‬ينظر إلى الفرد بوصفه فاعاًل اجتماعيًا‪ ،‬يؤثر ويتأثر ويفعل ويتفاعل‪ ،‬في بيئة اجتماعية وثقافية محددة‪،‬‬
‫لتصبح التشكيالت االجتماعية‪ ،‬كخيارات الوالء واالنتماء‪ ،‬معطًى يشارك األفراد في تكوينه‪ .‬ومع هذا التصور‬
‫الدينامي للثقافي‪ ،‬تدرك الهوية بحد ذاتها كديالكتيك‪ /‬جدل إنساني واجتماعي‪ ،‬وتكون الهوية في ضوء هذه المقاربة‬
‫سيرورةً تكوّن نسقًا ذا معنى عند الفرد الذي يتفاعل مع آخرين‪ ،‬بالوقت نفسه الذي يتفاعل فيه مع النسق الرمزي‬
‫بشقيه الموروث والسائد‪ ،‬حيث يتطورون معًا‪ .‬ووفق تحقق الهوية كسيرورة جدلية‪ ،‬بالمعنى التكاملي لألضداد‪،‬‬
‫فهي تجيز بذلك بروز الفروق الفردية‪ ،‬ومطابقة الفرد مع الجماعة التي ينتمي إليها‪ ،‬وفي ضوء هذه المقاربة فقط‪،‬‬
‫يمكن فهم‪ :‬كيف يصبح الفرد عاماًل في بناء ثقافته وفي بناء هويته الذاتية‪ ،‬وكيف يكوّن هؤالء األفراد أنظمة ثقافية‬
‫‪.‬جماعية تتخطاهم كأفراد‬

‫الفصل األول‪ :‬الهوية والثقافة والوعي… التأصيل‬


‫األيديولوجي‬
‫قدمت الماركسية تفسيرات جديدة‪ ،‬ما تزال تثير كثي ًرا من النقاش‪ ،‬حيث اعتبرت أن المادة موجودة بشكل مسبق‬
‫عن وعي اإلنسان “األصل هو الطبيعة” فهي المصدر الوحيد لكل األحاسيس والتصورات‪ ،‬وعليه؛ فالوعي‬
‫االجتماعي يتغير بتغير عناصر الوجود االجتماعي‪ ،‬وبحسب ماركس‪ ،‬التاريخ هو التوجيه الواعي للطبيعة‬
‫األساسية في اإلنسان المتمثلة بقدرته التقنية والمسؤولة عن إدراكه عمليات عيشه وحياته‪ ،‬فال يختلف الناس فيما‬
‫بينهم‪ ،‬بسبب اختالفات جوهرية في طبائعهم‪ ،‬ولكن بسبب أنماط عيشهم وطرق عملهم التي يتبعونها إلشباع‬
‫حاجاتهم‪ ،‬وإن تنظيمهم االجتماعي ووعيهم كله أم ٌر يتحدد في ضوء هذه الطرق واألساليب‪ .‬وعلى ذلك؛ فإن‬
‫األفكار ‪-‬بحسب الماركسية‪ -‬هي نتيجة جدلية لعالقات اإلنتاج‪ ،‬حيث ثمة عالقة وثيقة بين الهيمنة’ المادية واألفكار‬
‫السائدة‪ ،‬أي أن أفكار الطبقة المسيطرة هي األفكار السائدة في كل عصر‪ ،‬أي‪ :‬الطبقة التي هي القوة المادية‬
‫السائدة في المجتمع هي في الوقت ذاته القوة الفكرية السائدة‪ ،‬وعليه؛ ال يمكن فصل البنى الفوقية‪ ،‬من سياسية‬
‫وقانونية ودينية‪ ..‬إلخ‪ ،‬عن البناء األساسي التحتي‪ ،‬المتمثل بنمط اإلنتاج‪ .‬والوعي ‪-‬بحسب ماركس وأنجلز‪ -‬ال‬
‫يمكن أن يكون شيًئا آخر أكثر من كونه وجودًا مدر ًكا‪ ،‬فالحياة ال تتحدد عن طريق الوعي‪ ،‬بل الوعي يتحدد’ عن‬
‫‪.‬طريق الحياة‬
‫يقول الكاتب‪ :‬يميز ماركس بين نمطين من الوعي االجتماعي‪ :‬األول تلقائي يعتمد’ على اإلنتاج المباشر وهو وعي‬
‫قطيعي‪ ،‬والثاني هو وعي تأملي يعتمد’ على التفكير‪ ،‬وكال الوعيين ممثالن للواقع المادي الذي تشكل فيه‪.‬‬
‫ويضيف‪ :‬إن الوعي المتأمل هو األيديولوجية‪ ،‬وإن للعامل االقتصادي تأثيرًا مؤكدًا في مظاهر األيديولوجيا‪.‬‬
‫فالمفهوم الماركسي للهوية والوعي ولأليديولوجيا كان له تأثير عميق في الفكر الحديث‪ ،‬وقد تناول غرامشي‬
‫مفهوم الهيمنة الثقافية ومفهوم المثقف العضوي‪ ،‬والتمييز بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني‪ ،‬ورأى أن‬
‫ضا ثقافية وفكرية‪ .‬كما أعاد جورج لوكاش‬ ‫المجتمع يتبنى أفكار الثقافة المسيطرة بالضرورة‪ ،‬فتصبح الهيمنة أي ً‬
‫االعتبار للذات‪ ،‬فالتاريخ عنده ينتج من التفاعل بين الذات والموضوع‪ ،‬في حين ق ّدمت مدرسة فرانكفورت ما‬
‫يتعلق بإشكالية الهوية والوعي واأليديولوجيا ما مضمونه أن الهيمنة’ لم تعد مرتبطة بأنماط اإلنتاج المادية‪ ،‬وإنما‬
‫بالتشكل الحيوي للوعي اإلنساني‪ ،‬حيث تلعب التكنولوجية اإلعالمية الحديثة دورًا مه ًما في صناعة األفكار‬
‫‪.‬والثقافة‪ ،‬وتلعب السلطة‪ ،‬و َمن يملكها‪ ،‬دو َر التحكم في ما يكتسبه الفرد من فكر وثقافة‬

‫يورد الكاتب العديد’ من آراء هربرت ماركيوز في الهوية‪ ،‬ونقتبس‪“ :‬يمارس المجتمع ذو البعد الواحد تزييف‬
‫الهوية ووعي أفراده‪ ،‬فالمجتمع الصناعي زيّف حاجات اإلنسان المادية والفكرية‪ ،‬حيث يمثل الفكر عد ًوا لدودًا‬
‫لمجتمع السيطرة‪ ،‬ألنه يمثل قدرة العقل النقدية”‪ .‬ويعدد’ ويشرح أدوات ووسائل التزييف المستخدمة من قبل‬
‫‪.‬السلطة بحق المجتمع‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الهوية والثقافة والوعي… التفريغ‬


‫األيديولوجي‬
‫يتناول الكاتب مفهوم الوعي كمدخل لإلدراك‪ ،‬عند دوركهايم‪ ،‬فيقول‪ :‬يشير مفهوم الضمير الجمعي عنده إلى‬
‫المجموع الكلي للمعتقدات والعواطف بين أعضاء المجتمع‪ ،‬التي تشكل نسقًا له طابع مميز‪ ،‬يكسب هذا الضمير‬
‫العام واقعًا ملموسًا‪ ،‬فهو يتكون من المثاليات االجتماعية التي تكوّنها نظ ٌم دينية’ وأخالقية واقتصادية‪ .‬يقابل هذا‬
‫المفهوم مفهوم (أنوميا) عند دوركهايم‪ ،‬ويعني الالمعيارية‪ ،‬وينتج عن فقدان القيم والمعايير االجتماعية التي‬
‫تفضي إلى التفكك االجتماعي‪ .‬وهنا يدخل الفرد والمجتمع في أزمة هوية‪ .‬ويرى دوركهايم أن في داخل كل فرد‬
‫مكونات ومعطيات جمعية‪ ،‬تتمثل بالضمير الجمعي‪ ،‬تتشكل من أنساق قيم وأفكار وعادات ورموز تعبّر عن‬
‫شخصية الفرد‪ ،‬وتعبّر عن الجماعة التي ينتمي إليها‪ .‬وهذا الضمير الجمعي هو النواة البانية للهوية الجمعية‪ ،‬وهي‬
‫ذاتها نماذج التفكير والعمل‪ ،‬ويرى دوركهايم أن الجماعة تفكر وتسلك وتشعر بشكل مختلف تما ًما عن أفرادها‪،‬‬
‫‪.‬إذا كانوا منفردين‪ ’،‬فالتجمع يؤدي إلى إنتاج وعي جمعي وهوية اجتماعية‬

‫ينتقل الكاتب إلى تناول أطروحة كارل منهايم‪ ،‬في مقاربة (جدلية األيديولوجيا والطوبى واألفكار كمنظومات)‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ال يجوز ‪-‬بحسب منهايم‪ -‬تحليل الوعي المجتمعي‪ ،‬من خالل مواقع طبقية واحدة‪ ،‬ألنه سيكوّن قراءة‬
‫أيديولوجية‪ ،‬فنحن نخطئ إذا استنتجنا أن األفكار التي تحرك الفرد موجودة في الفرد وحده‪ ،‬فالتفكير يقوم به‬
‫الناس في جماعات معينة‪ ،‬وضمن سياقات كانت قد طورتها لنفسها كأسلوب خاص في التفكير‪ ،‬وهو ما يمكن‬
‫اعتباره تشكاًل لـ “هوية ثقافية”‪ .‬يرى مانهايم أن الناس يعيشون في جماعات ال يوجدون فيها كأفراد منفصلين‪ ،‬بل‬
‫‪.‬يتصرفون مع أو ضد بعضهم‪ ،‬ضمن جماعات متنوعة التنظيم‬

‫حول “الجماعة والمجتمع وسيرورات الوعي والهوية”‪ ،‬يقول الكاتب‪ :‬إن مفهومي الجماعة والمجتمع يعتمدان‬
‫نموذجين من اإلرادة‪ ،‬الجماعة تتضمن اإلرادة الطبيعية‪ ’،‬والمجتمع يتضمن اإلرادة العقلية‪ ،‬مشيرًا إلى أن‬
‫تمايزات العالقات موجودة في كل منهما‪ ،‬ويورد مثااًل على ذلك‪ :‬في الجماعة‪ ،‬هناك عالقات أولية مسيطرة‬
‫(الوالء والنسب والقرابة والدين) وعلى ضوئها يتحدد الوعي بالهوية‪ ،‬أما في اإلرادة الفعلية “المجتمع” فتتميز‬
‫عالقاته بالتعاقدية والنفعية والضبط‪ ،‬ويتحدد فيها الوعي بالهوية على أساس المصالح والتعاقدات واالتحادات‬
‫‪.‬الحرة‬

‫حول التشكل والتفكك‪ ،‬يقول الكاتب‪ :‬بحسب نوربرت إلياس‪ ،‬ليس هناك هوية لـ “األنا” دون هوية لـ “النحن”‪ .‬أي‬
‫ال يمكن الفصل بين الفرد والمجتمع‪ ،‬والعالقة بينهما عالقة تأثر وتأثير‪ ،‬ويطرح عبارة “هوية نحن – أنا”‪،‬‬
‫ويرصد كيف تغيرت “أولوية هوية األنا على النحن” متبنيًا مقاربة سوسيولوجية توفيقية‪ ،‬تجمع بين التصور‬
‫الكلي عند دوركهايم‪ ،‬والقصور الفردي عند ماكس فيبر‪ ،‬فتميزت مقاربته في أنها انبنائية‪ ،‬أي‪ :‬إن الواقع‬
‫االجتماعي يبنى من قبل األفراد الفاعلين المجتمعيين‪ ’،‬ويخلص “إلياس” إلى أن سلطة الدولة هي المحرك الحقيقي‬
‫للحضارة‪ ،‬ويرى أن القرن التاسع عشر كان محوريًا في بروز شكل هوياتي جديد ومسيطر‪ ،‬يتمثل بالنزعة‬
‫‪.‬الهوياتية القومية‪ ،‬وقد أدت هذه النزعة ‪-‬برأيه‪ -‬إلى حربين عالميتين‬

‫عن “الوعي والمعنى في الحياة اليومية الظاهراتية”‪ ،‬يقول الكاتب‪ :‬مسلمات الظاهراتية هي أن العالم الذي نعيش‬
‫فيه مصنوع في وعينا‪ ،‬وال نكران لوجود العالم الخارجي‪ ،‬بل إن العالم الخارجي ال معنى له إال من خالل وعينا‬
‫‪.‬به‪ .‬وتصب الظاهراتية بفهم كيف يصنع البشر من عالمهم عال ًما ذا معنى‬

‫يخلص الكاتب‪ ،‬في هذا الفصل إلى‪ :‬وجود عالقة وثيقة وحاضرة بقوة لدراسة إشكالية الهوية والثقافة من جهة‪،‬‬
‫وبين الوعي االجتماعي واأليديولوجيا من جهة ثانية‪ .‬وتكمن الفكرة األساسية في دراسات الثقافة والهوية والوعي‬
‫‪.‬في تحليل السيرورات التاريخية التي تؤدي إلى تدمير دائم لألشكال االجتماعية القديمة‪ ،‬لتحل محلها أشكال جديدة‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الثقافة والديناميات البانية للهوية‬


‫يبتدأ الكاتب فصله هذا بعبارة‪ :‬إن قدرة اإلنسان على إنتاج الثقافة هي أهم خاصية تميزه عن باقي المخلوقات‪.‬‬
‫ويضيف‪ :‬بما أن اإلنسان كائن اجتماعي‪ ،‬فإن سلوكه يصدر في أشكال وأنماط منتظمة فيها شيء من االطراد‬
‫والتواتر‪ ،‬وقد استخدم الباحثون خالل دراساتهم لهذا االطراد والتواتر ثالثة مفاهيم‪ :‬المجتمع والثقافة والشخصية‪.‬‬
‫فالثقافة ال توجد إال بوجود مجتمع‪ ،‬وعناصر المجتمع األولى هي األفراد‪ ،‬والمجتمع ال يبقى إال بالثقافة‪ ،‬وفيه‬
‫تتكون شخصية اإلنسان‪ .‬لينتقل الكاتب إلى مراحل تطور مفهوم الثقافة وتحوالته‪ ،‬ثم يسلط الضوء على‬
‫الخصائص األساسية للثقافة‪ ،‬التي يتفق عليها علماء األنثروبولوجيا واالجتماع‪ :‬اللغة‪ ،‬الخصوصية التاريخية‪،‬‬
‫استجابة للحاجات اإلنسانية‪ ،‬الشخصية األساسية كمدخل لفهم الثقافة‪ .‬حيث يتناول الكاتب االتجاهات التي تأثرت‬
‫‪.‬بكل خاصية من خصائص الثقافة األساسية‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬الدين والتدين واألقليات‪ ،‬مثلث القلق‬


‫واليقين‬
‫ينطلق الكاتب هنا بجملة من التساؤالت التي تطرحها إشكالية العالقة بين الدين والثقافة والهوية‪ :‬هل تقوم على‬
‫التنابذ والصدام‪ ،‬بحيث حين تحضر الثقافة يتوارى الدين والعكس؟ أم أن الدين حاضر في قلب الثقافة؟ هل الدين‬
‫هو كل الثقافة؟ وهل الثقافة في جوهرها دين؟ هل األسبقية للديني أم الثقافي؟ وهل الدين هو األصل والثقافة هي‬
‫الفرع؟ أم في البدء كانت الثقافة؟‬

‫في معرض إجاباته؛ يتناول الكاتب أبعاد التجانس والتوتر واالحتواء بين الثقافة والدين والتدين‪ ،‬منبهًا إلى أن‬
‫أشكال التدين’ تتأسس على أنظمة مكونة من أربعة عناصر‪ :‬االعتقاد‪ ،‬الشريعة‪ ،‬الطقوس‪ ،‬الجماعة‪ ،‬والمؤسسة‪.‬‬
‫ضا آراء واتجاهات فالسفة‬ ‫لينتقل الكاتب إلى تناول السوسيولوجيا والدين‪ ،‬من حيث المعاني والرموز‪ ،‬مستعر ً‬
‫وعلماء اجتماع كـ هيغل‪ ،‬وماركس‪ ،‬وجورج سيمل‪ ،‬ودوركهايم‪ ،‬متناواًل للبُعدية’ لكل من الرموز والمعاني بين‬
‫الدين والسوسيولوجيا‪ ،‬فالسوسيولوجيا تتعامل مع الدين‪ ،‬باعتباره عال ًما من الرموز والمعاني‪ ،‬ينتج روابط‬
‫اجتماعية وثقافية‪ ،‬تُستعمل بطرق مختلفة‪ ،‬وفي تنظيمات مؤسساتية واجتماعية متعددة تتمتع بجاذبية شعبية ظاهرة‬
‫فعاليتها‪ ،‬وتعيد إنتاجها عبر فاعلين يمدون حقل العالقات المتصلة به‪ ،‬بفاعلية قد تتجاوز المكان والزمان‪ ،‬لكنها‬
‫تبقى على ارتباط بالواقع االجتماعي واالقتصادي والسياسي والتاريخي‪ ،‬من حيث الممارسة‪ ،‬بوصفها فعل ت ّدين‬
‫للجماعة‪ ،‬يتطور بتطور الواقع وهو متصل بدور المؤسسات والبنى االجتماعية عضويًا وتفاعليًا‪ .‬وهو يقوم‬
‫‪.‬بوظائف محددة ويلبي حاجات ظاهرة وخفية‬
‫ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى تناول اإليمان الديني وعالقته بإنتاج الروابط االجتماعية‪ ،‬ويتناول ما بينهما من أثر‬
‫األساطير والطقوس‪ ،‬ثم يتناول طبيعة العالقة بين الدين والتدين والتعصب‪ :‬أهي تالزم أم تواؤم؟ مشيرًا إلى أن‬
‫الخلط بين الدين والتديّن’ وما يؤديه من تنميط الدين في نموذج سلوكي لبعض المتدينين’ وتعميم هذا النموذج‬
‫باعتباره يمثل األصل‪ .‬ويرى الكاتب أن التديّن قد يتبلور في الجانب المعرفي أو العاطفي أو السلوكي من شخصية‬
‫‪:‬اإلنسان بشكل متفاوت‪ ،‬وينتج عنه أنماط من الخبرات الدينية‪ ’،‬يمكن مالحظتها على أكثر من صعيد في‬

‫التدين’ الجوهري‪ :‬الدين غاية بحد ذاته‬

‫التدين’ الغرضي‪ :‬التوجه نحو الدين‪ ،‬بوصفه وسيلة لتحقيق أشياء أخرى كمنفعة سياسية أو اقتصادية‬

‫التدين’ العاطفي‪ :‬خال من المعرفة ويؤدي إلى التعصب والتطرف‪ .‬والدين التفاعلي ويقبع ضمن هذا النمط‪ .‬كما‬
‫يوجد نمط التدين المرضي‪ ،‬وفيه يشعر البعض أنهم يمتلكون رسالة هداية للبشر‪ .‬وينبّه الكاتب إلى أن هذه األنماط‬
‫موجودة في معظم األديان‪ .‬ويجيب الكاتب بعد ذلك على أسئلة تنتمي إلى حقل األقليات والدين وإنتاج المخيال‬
‫الهوياتي‪ ،‬ومن تلك األمثلة‪ :‬هل يتجلى التعصب باتجاه األقليات من قبل األكثرية كمسار نمطي؟ وهل يمكن أن‬
‫يبدأ التعصب من األقليات‪ ،‬وما هي اآلليات التي يتخذها؟‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬في تشكل الهوية الثقافية وتفككها…‬


‫براديغمات المعرفة والفعل‬
‫‪.‬يفيد مصطلح براديغم معنى النموذج أو المثال‪ ،‬كأن نقول أنموذج‪ /‬نمط فكري أو معياري‬

‫يقول الكاتب‪ :‬كل شخصية لها أصولها بالذات كنتاج اجتماعي‪ ،‬فهي ليست مجرد انعكاس للوسط المحيط بها‪ ،‬أي‬
‫أن الوعي االجتماعي السائد يتجسد في الفعل االجتماعي‪ ،‬ألنه ينضوي تحت “بنية معرفية معيارية” زودته بها‬
‫الثقافة ومنظومة القيم والقواعد السلوكية الجماعية‪ .‬وهذه البنية المعرفية المعيارية” بمثابة دليل ومرشد لوجهة‬
‫العقل ومساراته‪ ،‬وتصبح بمنزلة “العناصر البانية للهوية” االجتماعية والثقافية‪ ،‬والتي تميز الثقافة الجمعية‬
‫‪.‬المشتركة والسائدة في جماعة معينة‬

‫وحول “التمثّالت االجتماعية بوصفها أط ًرا ومحددات للعقل والهوية”‪ ،‬يقول الكاتب‪ :‬التمثّل هو نتاج خفي لنشاط‬
‫اإلرادة‪ .‬ويرى دوركهايم أن التمثّالت االجتماعية‪ :‬هي مجموعة من التراكمات القيمية والمعيارية المنتجة من قبل‬
‫المجتمع‪ ،‬والخارجة عن الشعور الذاتي لألفراد االجتماعيين‪ ،‬كما أنها غير قابلة للخضوع لذواتهم الفردانية‪ ،‬بحكم‬
‫طابعها الجمعي الذي ينصهر فيه األفراد إكراهًا وبصيغة قهرية‪ .‬ويؤخذ ‪-‬بحسب الكاتب‪ -‬على دوركهايم أنه لم‬
‫يأخذ بعين االعتبار ردود أفعال األفراد‪ ،‬ومواقفهم اإليجابية أو السلبية من التأثيرات الناشئة داخل األوساط‬
‫االجتماعية التي ينتمون إليها‪ .‬فالفرد بصفته فاعاًل اجتماعيًا ليس مجرد متلق آلي‪ .‬يضيف الكاتب‪ :‬التمثّل كتصور‬
‫وكآراء وأفكار في الحصيلة دور إدراكي مؤسسًا لممارسات عملية‪ ،‬وهي حاضرة وبقوة عند الدفاع عن الهوية‬
‫‪”.‬ضد خطر يتمثل بـ “اآلخر‬

‫في تناول الكاتب لسيرورات االندماج واإلقصاء‪ ،‬يشير إلى أن لمفهوم االندماج االجتماعي دورًا محوريًا في‬
‫تحليل سياقات التفكك والبناء الهوياتي‪ ،‬وهو مفهوم يختلف تحديده من طبيعة مجتمع آلخر‪ :‬ففي المجتمع التقليدي‬
‫تُذاب “األنا” لصالح سلطة “النحن” وبالتالي يختلف وعي االنتماء‪ ،‬بحسب طبيعة المجتمع‪ ،‬ويصبح التضامن في‬
‫‪.‬المجتمع التقليدي “ميكانيكيًا” أما في المجتمعات الحديثة فيكون تضامنًا عضويًا‬

‫‪:‬وفي معرض تناول الكتاب للنماذج الثقافية واأليديولوجية‪ ،‬من حيث التواصل والقطيعة‪ ،‬يورد ما يلي‬

‫إن حركة األفكار والهويات في تحولها إلى أيديولوجيا‪ ،‬تصبح منظومة فكرية لها تنظيمها الذاتي ودفاعها الذاتي‪،‬‬
‫والذي يتسم بصفة توليدية تجعله قاد ًرا على إعادة إنتاجها وحمايتها‪ ،‬وهذا ما عبّر عنه إدغار موران‪ ،‬بقوله‪ :‬كل‬
‫منظومة فكرية هي مغلقة ومفتوحة في آن‪ ،‬فهي مغلقة تحمي نفسها‪ ،‬مفتوحة‪ :‬تغذي التأكيدات لصالحها‪ .‬وهي‬
‫على نوعين‪ :‬منظومات يتصدر فيها االنفتاح كالنظريات‪ ،‬واآلخر يتصدر فيه االنغالق كالمذاهب‪ .‬فالمنظومة‬
‫الفكرية بصيغتها الهوياتية الثقافية العامة‪ ،‬يتصدر فيها االنفتاح‪ ،‬وهي عكس األيديولوجيا‪ .‬كما يتناول الكاتب في‬
‫نهاية هذا الفصل‪ ،‬جزئيات كـ‪ :‬الثقافة كسياسة والثقافة كسلعة والثقافة كهوية‪ ،‬فيقول‪ :‬عندما تبلغ الهيمنة الثقافية‬
‫درجة متقدمة‪ ،‬يصبح معيار التقييم والمفاضلة بين الثقافات محصو ًرا في تقليد “النموذج” المتفوق‪ ،‬وتعيش الثقافة‬
‫المغلوبة أزمة هوية‪ ،‬تحتاج الثقافة ‪-‬بما هي هوية ناقصة في جوهرها‪ -‬إلى أن تستكمل ذاتها بالدولة‪ ،‬لتصبح هي‬
‫‪”.‬ذاتها حقيقية‪ ،‬فقد أرست الثقافة بصفتها سياسة قاعدة “الدولة – األمة‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬استراتيجيات الهوية الثقافية وإشكالية‬


‫التصنيف واالنتماء‬
‫‪.‬يشير استخدام مفهوم استراتيجية الهوية إلى البعد’ المتغير لها‪ ،‬الذي ال يُعد أبدًا حاًل نهائيًا‬

‫يتحدث هذا الفصل حول الفطري والمكتسب في السلوكات البشرية‪ ،‬وعالقة الهوية بالفعل (التفاعل) بين الفرد‬
‫والمجتمع‪ ،‬باعتبار أن التفاعل عامل مولّد ومنظم لممارسات الفرد‪ ،‬أي هو استيعاب الخارجي في الذات‪ .‬كما يتم‬
‫تناول مستويات هذا التفاعل الثالثة‪ :‬الفرد‪ ،‬الجماعة المحلية المحيطة‪ ،‬الحقل االجتماعي‪ .‬كما يتم التطرق إلى‬
‫ديناميات الهوية‪ ،‬ويخص الكاتب من تلك الديناميات؛ المقارنة والتميز‪ ،‬والممكن إيجازها بالقول‪“ :‬ليس هناك‬
‫هوية في حد ذاتها ومن أجل ذاتها‪ ،‬الهوية والغيرية شريكان تربط بينهما عالقة جدلية‪ ،‬ويوازي التماثل‬
‫االختالف‪ ،‬الهوية دائ ًم ا عبارة عن حل وسط أو عملية تفاوض بين “هوية ذاتية” تتحدد بذاتها و”هوية متعددة أو‬
‫‪.‬خارجية” يحددها اآلخرون‬

‫كما يتساءل الكاتب حول أهمية الفروق المجتمعية في فهم التفاوتات المستندة إلى العالقات “البين‪-‬جماعية” وتحت‬
‫أي ظرف تترجم العضوية في جماعة إلى تميز أو توافق أو صراع؟ ومتى وكيف تسعى جماعة مستتبعة إلى‬
‫“تمايز” في العالقة مع الجماعة المسيطرة؟‬

‫بحسب مفهوم استراتيجية الهوية‪ ،‬تبدو الهوية وسيلة لبلوغ هدف معين‪ ،‬وهي تتكون من خالل استراتيجيات‬
‫الفاعلين االجتماعيين‪ .‬كما يتناول الكاتب موضوع “صعود الهويات وتبلورها” شار ًحا ضمن هذا النطاق نموذج‬
‫قائاًل ‪ :‬مراحل دراسة تطور الهوية اإلثنية‪ ،‬نصت على أن استكشاف بلورة الهوية بشكل عام يشكل ”‪“phinney‬‬
‫أهم عوامل التطور النفسي في جيل المراهقة‪ ،‬المرحلة األولى وهي مرحلة الهوية اإلثنية غير المفحوصة؛ يتقبل‬
‫المراهقون من أبناء األقليات االثنية قي َم ثقافة األغلبية ومواقفها‪ .‬وفي المرحلة الثانية؛ وهي مرحلة البحث‬
‫واالستكشاف للهوية االثنية‪ ،‬وهي بمثابة حدث ذي أهمية يصادفه المراهق ويضع انتماءه االثني على المحك‪ .‬في‬
‫المرحلة الثالثة‪ ،‬وهي مرحلة إنجاز واستكمال بلورة الهوية االثنية‪ ’،‬يصل المراهق إلى درجة عميقة من الوعي‬
‫‪.‬والثقة تشكل فيه ‪-‬بكونه عض ًوا في مجموعة اثنية معينة‪ -‬جز ًءا أساسيًا من تصنيفه الذاتي‬

‫أما “بارت”‪ ،‬فيعتبر أن األهم في عملية اكتساب الهوية‪ ،‬هو تلك اإلرادة التي تميز أو تفصل بين “هم” و”نحن”‪.‬‬
‫ليتناول الكاتب أخي ًرا “الهوية والدولة – األمة” كاستراتيجيات إنتاج المعنى‪ ،‬متطرقًا إلى الجماعات المتخيَّلة‬
‫‪.‬بوصفها حقيقة متعينة‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل السابع‪ :‬الهوية الثقافية على تخوم العولمة‬


‫وانقالب الصورة‬
‫المركزي في هذا الفصل هو التحديات الجغرافية والثقافية التي تطرحها العولمة‪ ،‬ليسأل الكاتب‪ :‬في أي اتجاه‬
‫تتدفق المعرفة والثقافة؟ هل تتحرك من العالمي إلى المحلي‪ ،‬أم العكس؟ وهو ما يرتبط عند الكاتب بإشكالية الهوية‬
‫الثقافية‪ ،‬بحيث تنتقل أو تنتشر الثقافات في فضاء حقيقي أو إلكتروني وتتفاعل مع ثقافات أخرى‪ ،‬وما سيحدث من‬
‫تفاعل ثقافي سيأخذ ثالثة أشكال‪ :‬االستيعاب أو التثاقف أو القطيعة‪ .‬مناق ًشا أبعاد كل هذه األشكال‪ ،‬وآخ ًذا بعين‬
‫المركزية الرابط القوي بين اإلرث الثقافي المتراكم بأشكال الهوية ومحتوياتها‪ .‬فالثقافة مالكة لنصاب اإلرث‬
‫الثقافي‪ ،‬وبخاصية انتقاله من خالل السيرورات األولية لعمليات التنشئة االجتماعية وإدماج الفرد وتكيفه‪ ،‬لتبدو‬
‫‪.‬الهوية ضمن هذا المنظور معطًى مستقاًل وجوهرًا قابل للتطور‬

‫كما يستكمل الكاتب في هذا الفصل سردية التطور الدينامي للهوية‪ ،‬وموضوع الهوية كنتاج اجتماعي لعالقات‬
‫القوة‪ ،‬وإشكالية الهوية والتعددية’ الثقافية‪ ،‬فيقول‪ :‬إذا كانت الدولة واحدة والواقع المجتمعي متنوعًا ثقافيًا‪ ،‬فهل من‬
‫الواجب جعل هذا الواقع انعكاسًا لوحدة الدولة أم جعل الدولة انعكاسًا للتنوع الثقافي؟ ليصل الكاتب على نتيجة‬
‫مفادها‪ :‬الدولة أحادية الطائفة وأحادية الثقافة واللغة والدين‪ ’،‬غير ممكنة اليوم العتبارات عملية‪ ،‬وهذا ما يحتم‬
‫‪.‬تأصيل مفهوم المواطنة على أساس الفردانية‬

‫الفصل الثامن‪ :‬اإلعالم التواصلي والمجتمع الشبكي‪،‬‬


‫التكنولوجيا كثقافة وهوية‬
‫وفيه يقدم الكاتب تعريفات لمصطلح العولمة‪ ،‬ويتناول تأثير العولمة في السياسة والثقافة‪ ،‬عبر ما تناوله ستيوارت‬
‫‪:‬هال‪ ،‬من أثر العولمة في الهويات الثقافية‬

‫تآكل الهويات القومية نتيجة لنمو المجانسة الثقافية والحداثة ‪1-‬‬

‫تقوية الهويات القومية وغيرها من الهويات المحلية نتيجة مقاومة العولمة ‪2-‬‬

‫ذبول الهويات القومية واستبدالها بهويات جديدة هجينة ‪3-‬‬

‫لينتقل الكاتب إلى تناول فكرة االتصال كظاهرة طبيعية ثقافية وإبداعية‪ .‬وهو فعل ثقافي واجتماعي وسياسي وليس‬
‫‪.‬تقنيًا وحسب‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل التاسع‪ :‬في سوسيولوجيا التعصب والتطرف‬


‫الهوياتي‬
‫الفرضية األساسية التي يناقشها هذا الفصل‪ :‬اعتبار جماعات العنف والتشدد والتطرف الديني والمذهبي بكل‬
‫تياراتها‪ ،‬تتغذى من السوسيولوجيا قبل األيديولوجيا‪ ،‬وهي إن وظّفت الموروث الديني كرأسمال رمزي‪ ،‬إال أن‬
‫هذا الموروث لن يكتسب طاقة حركية وحيوية‪ ،‬ولن يتحول إلى أيديولوجيا إال في إطار اجتماعي‪-‬سياسي ُمعاش‪.‬‬
‫فالمغذيات الحقيقية للعنف والتطرف موجودة في الواقع الذي يعيش فيه اإلنسان‪ ،‬وهو واقع يؤول فيه القهر‬
‫واالستبداد’ والتهميش السياسي واالجتماعي كمدخالت سياسية واجتماعية محورية‪ ،‬إلى التشدد والتطرف والعنف‪،‬‬
‫‪.‬والعكس صحيح‬

‫ويتناول الكاتب ضمن هذا اإلطار موضوعات مثل‪“ :‬اإلسالم السياسي” و “متى يصبح العنف السياسي شرعيًا”‬
‫و “صناعة العدو واالستثمار في الكراهية” و “تأثير العقلية الدوغمائية في التطرف”‪ ،‬وحول الموضوع األخير‬
‫يبيّن الكاتب أن التعصب الدوغمائي حالة خاصة من التصلب الفكري أو الجمود العقائدي‪ ،‬لذلك فإن األدلجة التي‬
‫يتضمنها يمكن أن تُشحن بعناصر أخرى من الموروث الثقافي والديني والتاريخي‪ ،‬لكن األساس في بناء هرم‬
‫التعصب الدوغمائي يرتكز على عدة عمليات ذهنية ونفسية مترابطة‪ ،‬تتم ممارستها بشكل منتظم ومتدرج‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫التمركز على مرجعية أحادية مغلقة – وهم امتالك الحقيقة – االنتقائية والتأويل – غلبة التبرير على التفسير –‬
‫‪.‬ثقافة التسلط ونفي اآلخر – الحكم المسبق – التعميم – اإلسقاط – التنميط‬
‫‪:‬يعتبر الكاتب أن أغلب التعريفات التي تناولت التعصب الدوغمائي تركزت على عاملين‬

‫األول‪ :‬اعتبره الكاتب تضخي ًما لـ “األنا” في أقصى تجلياتها على المستوى الفردي‪ ،‬أو الـ “نحن” الهوياتية‬
‫‪.‬الخاصة‬

‫الثاني‪ :‬اعتبره الكاتب سلو ًكا يتجلى في صورته التطبيقية “تطرفًا” في العالقات بين الجماعات‪ ،‬يمهد لخلق ذهنية‬
‫‪.‬أكثر مياًل إلى التفكير والتصرف بطريقة غير موضوعية نحو اآلخر‪ ،‬ويهدف إلى إقصائهم ونبذهم‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل العاشر‪ :‬االندماج االجتماعي وصناعة الهويات‪ ‬‬


‫الصلبة‪ ،‬إشكالية المقاربات في العلوم االجتماعية‬
‫وتنوعها‬
‫يتناول الكاتب المقاربات الخمس البارزة اليوم‪ ،‬في حقول العلوم االجتماعية‪ ،‬لدراسة ظاهرة التطرف الهوياتي‪،‬‬
‫وهي المقاربات التي يجري التفاعل معها لكسب الحرب ضد األيديولوجيات المتطرفة‪ ،‬كونها تمثل مداخل‬
‫‪:‬تفسيرية ومنهجية لفهم أعمق لتلك الظاهرة‬

‫المدخل التربوي‪ /‬الثقافي‪-‬التفاعلي‪ :‬فالتعليم هو إحدى أهم الطرائق في سيادة وانتشار التسامح في المجتمعات ‪1-‬‬
‫‪.‬المتنوعة‬

‫‪.‬المدخل التنموي واالقتصادي‪ :‬الحرمان والفقر وفشل التنمية’ من أبرز العناصر المساعدة على نمو التطرف ‪2-‬‬

‫‪.‬المدخل السوسيوبوليتيكي‪ ’:‬غياب الديمقراطية ورسوخ الظلم والشعور بالقمع والعنف المنهجيين ‪3-‬‬

‫المدخل السوسيوسيكولوجي‪ :‬اإلحباط يؤدي إلى العدوان‪ ،‬وع ّد التعصب اتجاهًا يكتسبه األفراد من خالل ‪4-‬‬
‫التنشئة االجتماعية بمؤسساتها المختلفة‪ ،‬ويتناول الكاتب هنا نماذج األطر النظرية لتفسير ظاهرة التعصب‬
‫كظاهرة اجتماعية ونفسية‪ ،‬ومن أبرز هذه النظريات‪ :‬نظريات الصراع بين الجماعات‪ ،‬نظريات التعلم‬
‫‪.‬االجتماعي‪ ،‬النظرية المعرفية‬

‫‪.‬المدخل اإلنثروبولوجي‪ :‬تتبع آليات تعلم الدين وتعليمه ومضمون الكتاب المدرسي لمواد الدين ‪5-‬‬

‫يختتم الكاتب هذا الفصل بقوله‪ :‬مغذيات العنف والتطرف موجودة في الواقع‪ ،‬القهر واالستبداد’ هي مدخالت‬
‫‪.‬سياسية واجتماعية للقابلية للتطرف والعنف‪ ،‬وعكسها الدمج واالعتدال‪ .‬وبحسب شدة المدخالت تكون المخرجات‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل الحادي عشر‪ :‬الهوية العربية وإشكالية التشكل‬


‫والتفكك‬
‫تتلخص إشكالية هذا الفصل بقول الكاتب‪ :‬الهوية حركية مستمرة في التاريخ‪ ،‬تكتسب المعنى والمضمون‪ ،‬كتجربة‬
‫إنسانية خاضعة لصيرورة العيش والصراع وتحديات الواقع‪ ،‬إنها معطيات وعوامل تمنح اإلنسان‪ ،‬بصفته‬
‫الفردية‪ ،‬والمجتمع كإطار تفاعلي للجماعة‪ ،‬الشعور بالوجود واالنتماء والمصير المشترك‪ ،‬حين يضعف هذا‬
‫الشعور ويسير في طريق االضمحالل والضمور‪ ،‬وتواجه الجماعة مصير التفكك‪ .‬إن شيًئا من هذا أصاب الهوية‬
‫العربية في الصميم‪ ،‬األمر الذي يطرح عدة تساؤالت عن األسباب التي أدت إلى ذلك‪ ،‬وهل هي أسباب عرضية‬
‫أم جوهرية؟ هل هي أسباب تتعلق بالبنية الثقافية واالجتماعية العربية بحد ذاتها‪ ،‬أم داخلتها واختلطت معها أسباب‬
‫وعوامل خارجية‪ ،‬دفعت بالوعي العربي نحو منحدر هوياتي طائفي ومذهبي وإثني وقبلي‪ ،‬يعود إلى إحياء‬
‫كيانات ما قبل الدولة الوطنية؟‬

‫يتتبع الكاتب هذه اإلشكالية ويرصدها ابتدا ًء من الفكر اإلصالحي اإلسالمي الذي أطلق بذور الفكر التنويري‪،‬‬
‫وأسس لمشروع إسالمي نهضوي‪ ،‬وطرح “الجامعة اإلسالمية” كصيغة للهوية‪ ،‬أمثال محمد عبده واألفغاني‬
‫والسيد رشيد رضا‪ ،‬مرو ًر ا بتعزز مفهوم “الجامعة العربية” المترافق مع انتشار الفكر القومي في أوروبا‬
‫وانبعاث الروح القومية عند العرب‪ ،‬ليخوض الكاتب بعدها في جزئية الهوية المتنازع على مرجعيتها (عربية أم‬
‫إسالمية) ثم يتطرق إلى الهوية القومية بين أوهام األيديولوجيا ووقائع السوسيولوجيا‪ ،‬وكيف تسبب الطابع‬
‫العسكري ألنظمة الحكم العربية في أزمة الهوية وفشل الدولة القطرية في إدماج مكوناتها األولية القبلية والطائفية‬
‫والمذهبية‪ ’،‬بل عززتها وعمدت إلى توظيفها كأدوات في صراعها لالستحواذ على السلطة‪ ،‬ليخلص الكاتب إلى‬
‫القول‪ :‬الدولة العربية فشلت تما ًما في بناء نماذجها القومية أو الوطنية‪ ،‬بل فشلت أيضًا في بناء الدولة ذاتها‪،‬‬
‫‪.‬كمؤسسات وإطار للمواطنة‬

‫‪ ‬‬

‫تأمالت فلسفية حول مفهوم الوعي الذاتي‬

‫أحمد رباص أحمد رباص‪0‬‬

‫الشخص الواعي تأمالت فلسفية حول مفهوم الوعي الذاتي‬

‫يمكن لعبارة الوعي الذاتي أن يكون لها معنيان‪ .‬فهي تعني أوال معرفة اإلنسان بأفكاره‪ ،‬بأحاسيسه‬
‫وبأفعاله‪ .‬وتعني ثانيا قدرته على الرجوع إلى أفكاره وأفعاله‪.‬‬

‫بصفة عامة‪ ،‬نعتبر الوعي الذاتي جوهر اإلنسان‪ .‬إنه ما يجعل منه ذاتا؛ أي كائنا يربط عالقات خاصة‬
‫بالعالم وبذاته تميزه عن غيره من الحيوانات‪ .‬كل هذه العالقات الخاصة تعني إجماال الفكر (ديكارت) أو‬
‫الروح (هيغل)‪.‬‬

‫أ) الوعي هو ماهية الفكر‬

‫أول فيلسوف تمكن من إعطاء تعريف واضح للوعي هو ديكارت في القرن السابع عشر‪ .‬ففي “خطاب‬
‫في المنهج”‪ ،‬يبحث ديكارت عن حقيقة من شانها التغلب على الشك‪ .‬تمثلت النتيجة النهائية التي أدى إليها‬
‫الشك المنهجي في يقين ال يرقى إليه شك‪ :‬الكوجيتو‪“ ،‬أنا أفكر‪ ،‬إذن أنا موجود”‪.‬‬

‫هذه الحقيقة ذات األهمية القصوى‪“ ،‬أنا أفكر‪ ،‬إذن أنا موجود”‪ ،‬هي أساس الفلسفة‪ .‬إنها تسمح بتعريف‬
‫الروح كجوهر متميز عن الجسد يحدد طبيعة أو ماهية اإلنسان‪ .‬اإلنسان بالتعريف كائن أو جوهر مفكر‪.‬‬

‫هذا الفكر أو المعرفة المباشرة (أنا كائن مفكر‪ .‬الفكر يمثل الشكل الخاص لوجودي) التي يمتلكها اإلنسان‬
‫على نفسه‪ ،‬هو ما يسميه ديكارت الوعي‪ ،‬والذي هو بالتالي وعي ذاتي دائ ًما‪.‬‬

‫ب) كانط‪ :‬الوعي الذاتي ميزة اإلنسان‬

‫بالنسبة إلى كانط‪ ،‬ال يوجد في العالم‪ ،‬كائن منفصل‪ ،‬أو جوهر مفكر يميز اإلنسان‪ .‬األنا بالنسبة له مجرد‬
‫مبدإ ننظم به أفكارنا‪ .‬هذا ال يمنع من أن هذه الطريقة للتفكير أو لتنظيم أفكارنا من خالل ربطها بالذات‪،‬‬
‫تخص اإلنسان وتميزه عن األنواع األخرى‪.‬‬
‫يقول كانط في كتاب “األنثروبولوجيا من وجهة نظر براجماتية” إن الشيء الوحيد الذي يرفع اإلنسان‬
‫بال حدود فوق كل المخلوقات األخرى التي تعيش على األرض هو قدرته على أن يمتلك فكرة عن ذاته‪،‬‬
‫عن األنا‪ .‬من هنا يصبح شخصا؛ وبفضل وحدة الوعي التي تستمر أمام جميع التغييرات التي يخضع لها‪،‬‬
‫يكون واحدا والشخص نفسه‪ .‬تقيم الشخصية فرقًا تا ًم ا بين اإلنسان واألشياء‪ ،‬حسب الترتيب والكرامة‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬تعد الحيوانات جز ًء ا من األشياء‪ ،‬ألن العقل يعوزها‪ ،‬ويمكن التعامل معها والتخلص منها‬
‫حسب الرغبة‪.‬‬

‫يواصل كانط حديثه مالحظا أنه حتى قبل أن يتمكن لإلنسان من أن يقول أنا‪ ،‬تكون هذه الفكرة حاضرة‬
‫بالفعل في الفكر‪ ،‬تماما كما يتعين تصورها على جميع اللغات التي ال تعبر عن دور الشخص المتكلم‬
‫بكلمة معينة عندما تكون بصدد اإلشارة إليه‪ .‬ملكة (التفكير) هاته هي الفهم‪.‬‬

‫وفي الفقرة األخيرة من هذا النص‪/‬المقطع يقول‪“ :‬لكن تجدر اإلشارة إلى أن الطفل‪ ،‬عندما يمكنه التحدث‬
‫جيدا بالفعل‪ ،‬ال يبدأ في التحدث بضمير المتكلم‪ ،‬أوب “أنا”‪ ،‬إال بعد مدة (حوالي عام)‪ .‬حتى ذلك الحين‪،‬‬
‫يتحدث عن نفسه بضمير الغائب (يريد شارل أن يأكل‪ ،‬أن يمشي‪ ،‬إلخ‪ )..‬عندما يبدأ في قول أنا‪ ،‬يبدو أن‬
‫ضوءا جديدا ينيره بطريقة ما؛ من تلك اللحظة فصاعدا‪ ،‬ال يعود إلى طريقته األولى للتعبير عن نفسه‪– .‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬كان فقط يحس بذاته‪ .‬اآلن هو يفكر في ذاته‪”.‬‬

‫يجيب كانط في هذا النص عن السؤال التالي‪“ :‬ما الذي يحدد اإلنسان ويميزه عن األنواع الحية‬
‫األخرى؟” ‪ .‬ما يميز اإلنسان هو أن لديه القدرة على قول أنا‪ ،‬على الرجوع إلى ذاته من أجل أن يتشكل‬
‫كوعي ذاتي أو كذات‪.‬‬

‫أكثر من تمييز‪ ،‬تكون هذه القدرة ميزة “تسمو باإلنسان عن المخلوقات األخرى”‪ .‬ألنه ذات‪ ،‬أنا‪ ،‬يكون‬
‫اإلنسان كائنا مستقال في العالم‪ .‬الذات أو األنا كالهما المبدأ الذي يسمح لنا بتنظيم أفكارنا بطريقة معينة‪،‬‬
‫هو ما يحدد عالقة خاصة بالعالم‪ ،‬باألشياء الخارجية وبذواتنا‪ ،‬لكنه أيضا قيمة تمنحنا الكرامة‪.‬‬

‫• بالنسبة لكانط‪ ،‬الذات هي أوالً وقبل كل شيء مبدأ الهوية‪ .‬على خالف ديكارت الذي افترض وجود‬
‫جوهر مفكر‪ ،‬الوعي عند كانط هو فقط المبدأ الذي يستطيع اإلنسان من خالله تجميع وتنظيم االنطباعات‬
‫المتلقاة‪ .‬إنه يقيم صلة بين العناصر المختلفة التي تشكل تمثيلنا للعالم وأنفسنا‪ ،‬من خالل إعادتها إلى أنا‬
‫يعتبر دائما ثابتا ومتطابقا مع نفسه – على الرغم من تعاقب الحاالت التي يمكن أن تؤثر عليه‪.‬‬

‫كانط يعتمد هنا على النقد الذي وجهه ديفيد هيوم إلى ديكارت‪ ،‬ويتجاوزه‪ .‬إذا فحصت ما يحدث في‬
‫اعماق ذاتي‪ ،‬يقول لنا هيوم‪ ،‬فإنني أدرك فقط انطباعات معينة‪ .‬لن أقوم أبدا باختبار أي شيء يكون هو‬
‫األنا‪ .‬إذن‪ ،‬األنا غير موجود‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يخبرنا كانط‪ ،‬على الرغم من أنني ال أستطيع إثبات وجود األنا‪،‬‬
‫ال يمكنني أثناء االختبار إال أن أعيد تلك التجارب الخاصة إلى مبدأ موحد هو األنا‪.‬‬

‫• لكن األنا هو أيضا ذات أخالقية‪ ،‬أي شخص‪ .‬إنه يحمل أيضا قيمة مطلقة تضع اإلنسان فوق كل‬
‫الكائنات أو األشياء األخرى‪ .‬فاإلنسان كذات عاقلة‪ ،‬بمعنى له القدرة على الحكم‪ ،‬هو صانع تمثالته‪ .‬إنه‬
‫إرادة‪“ ،‬أنا أريد” حر ومستقل ذاتيا (ال أحد يحدده غير ذاته)‪ .‬باعتباره إرادة حرة‪ ،‬هو الكائن الوحيد الذي‬
‫ال يمكن “امتالكه عن إرادة”‪ .‬فعال‪ ،‬إذا كان اإلنسان صانع أفكاره وأفعاله‪ ،‬فهذا يعني أنه ليس أبدا وسيلة‬
‫أو أداة يمكن استخدامها لتحقيق شيء آخر‪ ،‬كما هي الحال في الطبيعة أو األشياء‪ .‬اإلنسان هو دائما غاية‬
‫في حد ذاته‪ .‬كل ما يريده اإلنسان هو غاية اإلنسان‪.‬‬

‫• األنا كوظيفة فهم (أي الملكة التي نفكر بها األشياء عن طريق المفاهيم) تكون كونية‪ .‬كل الناس‪ ،‬حتى‬
‫أولئك الذين ليس لديهم كلمات معينة في لغتهم‪ ،‬يمتلكون هذه الوظيفة‪ ،‬على الرغم من أنها ال تظهر إال‬
‫متأخرة عند الطفل‪.‬‬
‫في الواقع‪ ،‬بمجرد أن تظهر هذه القدرة نفسها‪ ،‬فإنها تشكل لحظة أساسية ال رجعة فيها في تطور اإلنسان‪.‬‬
‫اإلنسان ال يولد إنسانا‪ ،‬بل يصير إنسانا‪ .‬في الطفولة المبكرة‪ ،‬يشبه اإلنسان حيوانا‪ ،‬قادرا ببساطة على‬
‫اإلحساس‪ ،‬على إدراك نفسه بمعرفة بديهية وفورية‪ .‬عندما يكتسب الوعي الذاتي‪ ،‬يتوصل اإلنسان إلى‬
‫الفكر‪ ،‬إلى النشاط الفكري الذي يسمح له بأخذ مسافة عن نفسه وبإدراك نفسه كذات‪ .‬في هذه المرحلة‬
‫يمكننا أن نقول أن الفرد دخل إلى دائرة اإلنسانية‪ .‬وبالتالي فإن الوعي الذاتي هو عالمة على اإلنسانية‬
‫في اإلنسان‪.‬‬

‫ج) هيغل‪ :‬الوعي نتاج حركة مزدوجة نظرية وعملية‬

‫سوف ننطلق في هذه المرحلة من نص لهيغل مكون من أربع فقرات ومقتطف من كتابه “مدخل إلى علم‬
‫الجمال”‪ .‬في الفقرة األولى يقول فيلسوف ينا إن اإلنسان كائن وهب الوعي ويفكر‪ ،‬وهذا يعني أنه مما هو‬
‫كائن‪ ،‬أيا كانت طريقته في الكينونة‪ ،‬يصنع وجودا لذاته‪ .‬توجد أشياء الطبيعة فوريا فقط وبطريقة واحدة‪،‬‬
‫بينما اإلنسان لكونه روحا‪ ،‬له وجود مزدوج؛ إنه موجود‪ ،‬من ناحية‪ ،‬بنفس الطريقة التي توجد بها أشياء‬
‫الطبيعة‪ ،‬ولكن من ناحية أخرى‪ ،‬هو موجود أيضا من أجل ذاته‪ ،‬إنه يتأمل ذاته‪ ،‬ويتمثل نفسه بنفسه‪،‬‬
‫يفكر في ذاته وليس له روح إال من خالل هذا النشاط الذي يشكل وجودا لذاته‪.‬‬

‫في الفقرة الثانية والثالثة من هذا النص يقول هيغل إن اإلنسان يكتسب الوعي الذاتي بطريقتين‪ :‬أوالً‪ ،‬من‬
‫الناحية النظرية‪ ،‬ألنه يجب عليه أن ينظر إلى نفسه ليعي كل حركات وطيات وميول قلب اإلنسان‪،‬‬
‫وبصورة ليتأمل ذاته‪ ،‬ليتمثل هو نفسه ما يمكن أن يقرره الفكر لذاته كجوهر‪ ،‬وليتعرف أخيرا على ذاته‬
‫بشكل حصري‪ ،‬سواء في ما يستمده من أعماقه أوفي المعطيات التي يتلقاها من الخارج‪ .‬ثانياً‪ ،‬يتشكل‬
‫اإلنسان لذاته من خالل نشاطه العملي‪ ،‬ألنه مجبر على أن يجد ذاته‪ ،‬على أن يتعرف على نفسه في ما‬
‫يمنح له على الفور‪ ،‬في ما يُقدم له من الخارج‪ .‬إنه يحقق ذلك عن طريق تغيير األشياء الخارجية‪ ،‬التي‬
‫يضع عليها طابع داخليته والتي يجد فيها قراراته الخاصة‪ .‬وهكذا يتصرف اإلنسان‪ ،‬بحكم حريته كذات‪،‬‬
‫ليزيل عن العالم الخارجي خاصيته الغريبة على نحو شرس وحتى اليستمتع إال باألشياء التي يجد فيها‬
‫شكال خارجيا من واقعه الخاص به‪.‬‬

‫في الفقرة الرابعة واألخيرة يشير هيغل إلى أن هذه الحاجة إلى تعديل األشياء الخارجية مدرجة بالفعل في‬
‫الميول األولى للطفل؛ الولد الصغير الذي يرمي الحجارة في السيل ويتأمل الدوائر التي تتشكل في الماء‪،‬‬
‫يتأمل عمال يتمتع فيه بمشهد من إنتاج نشاطه الخاص‪.‬‬

‫• في الفقرة األولى‪ ،‬يحدد هيجل خصوصية اإلنسان‪ :‬الوعي الذاتي‪ .‬يتميز الوعي الذاتي هنا عن الوعي‬
‫الذي يشير إلى اإلدراك الفوري للعالم‪ .‬الوعي الذاتي هو انعكاسي بشكل أساسي (“لذاته”)‪ ،‬وهذا هو ما‬
‫يشكل الفكر بشكل صحيح‪.‬‬

‫في اللغة الهيغلية (التي استعادها سارتر في وقت الحق)‪ ،‬يعني الوجود لذاته الوجود الموهوب بالوعي‬
‫الذاتي في مقابل الموجود في ذاته‪ ،‬الذي يعني أشياء الطبيعة‪ .‬هذا التمييز لذاته ‪ /‬في ذاته موضح في نهاية‬
‫الفقرة األولى‪.‬‬

‫توجد أشياء الطبيعة فقط على الفور وبطريقة واحدة‪ ،‬في حين أن لإلنسان‪ ،‬ألنه روح‪ ،‬وجود مزدوج؛ من‬
‫ناحية‪ ،‬يوجد بالطريقة نفسها التي توجد بها أشياء الطبيعة‪ ،‬ولكن من ناحية أخرى‪ ،‬فهو موجودة لذاته‪،‬‬
‫يتأمل ذاته‪ ،‬ويتمثل ذاته‪ ،‬ويفكر في ذاته‪ ،‬وهو ليس روحا إال من خالل هذا النشاط‪ .‬الذي يشكل الوجود‬
‫لذاته‪.‬‬

‫يعود هيغل إلى التمييز الموضوع في السطر األول بين الوعي والفكر من خالل معارضة طريقتين‬
‫للوجود في العالم‪ ،‬تلك الخاصة بأشياء الطبيعة وتلك الخاصة باإلنسان‪ .‬الكائنات الحية “واعية” بوسطها‪،‬‬
‫تنحصر في نظام من التفاعالت مع وسطها‪ .‬هذه العالقات فورية‪ .‬الحيوان في عالقة مستمرة مع الوسط‬
‫الطبيعي‪ :‬إنه الطبيعة في الطبيعة‪ .‬إنه يعيش في عالقة خارجية مع ذاته‪.‬‬
‫اإلنسان في عالقته بالعالم وبذاته يؤخذ على النقيض من العالقة “المنقسمة”‪ )1 .‬اإلنسان أيضًا كائن حي‪،‬‬
‫كائن طبيعي‪ ،‬وأيضا‪ ،‬ككائن طبيعي يتم اكتشافه في هذه العالقة المباشرة بالطبيعة‪ .‬ولكن – وهذا أمر‬
‫مهم ألن هذا هو المكان الذي يكمن فيه االختالف – ‪ )2‬كما أنه قادر على االرتداد عن هذه الطبيعة‪ ،‬على‬
‫الخروج من فورية هذه العالقة‪ ،‬للنظر في ذاته على وجه الخصوص‪ ،‬لمراقبة الذات‪ ،‬من حيث عالقتها‬
‫بالطبيعة‪.‬‬

‫حركة البعد عن العالم هذه (ما يسميه هوسرل “‪ )”l’épochè‬والعودة للذات‪ ،‬تحدد الوعي الذاتي أو‬
‫بشكل أعم نشاط الفكر الذي يميز اإلنسان‪ .‬هنا‪ ،‬ال بد من إبداء مالحظة وهي أنه لوصف هذه الحركة‬
‫التي انسحب بها اإلنسان من العالم لمالحظة ذاته في العالم‪ ،‬يضرب برنارد شتيغلر مثل السمك الطائر‪،‬‬
‫الذي ينهض بشكل متقطع فوق وسطه الطبيعي‪.‬‬

‫• يتشكل الوعي الذاتي‪ ،‬حسب هيغل‪ ،‬بطريقتين‪ :‬نظرية وعملية‪ .‬من الناحية النظرية‪ ،‬يتكون الوعي‬
‫الذاتي من خالل المعرفة التأملية المؤدية إلى معرفة الذات بنفسها‪ ،‬إلى أن تغدو هي نفسها موضوعا‬
‫ألفكارها الخاصة‪.‬‬

‫يحيلنا هيغل هنا إلى التقليد الفلسفي‪ .‬منذ القديس أوغسطين وديكارت‪ ،‬تدرس الفلسفة تشكل الوعي الذاتي‬
‫أو الكوجيتو من خالل اقتصارها على وجهة النظر التأملية أو النظرية‪ .‬نظر القديس أوغسطين في كتابه‬
‫“اعترافات” بعمق إلى ثنايا القلب والروح اإلنسانية‪ ،‬ورأى ديكارت في الوعي الذاتي جوهر اإلنسان‪.‬‬

‫ما لم يره التقليد الفلسفي أو استصغره هو أن الوعي الذاتي يتشكل أيضا في نشاط عملي‪ .‬فاإلنسان يتشكل‬
‫لذاته من خالل نشاطه العملي‪ ،‬ألنه مدفوع للعثور على ذاته‪ ،‬للتعرف على ذاته في ما يمنح له بشكل‬
‫فوري‪ ،‬في ما يتم تقديمه له من الخارج‪.‬‬

‫قبل أن يكون موهوبا بملكة تأملية‪ ،‬اإلنسان كائن راغب (هو مدفوع …)‪ .‬هذا التحديد ضروري عند‬
‫هيغل‪ :‬إذا كان اإلنسان يفكر فألنه يرغب‪ ،‬ألن طبيعته الراغبة تدفعه إلى العمل‪ ،‬إلى مواجهة واقع‬
‫خارجي‪.‬‬

‫اإلنسان هو أوال وقبل كل شيء كائن ذو احتياجات‪ .‬في الواقع‪ ،‬حتى يبقى اإلنسان على قيد الحياة ويلبي‬
‫احتياجاته‪ ،‬يتعين عليه أن يعمل‪ ،‬أي أن يحول األشياء الطبيعية من أجل إنتاج سلع مفيدة لوجوده‪ .‬في‬
‫عمله على تحويل الطبيعة‪ ،‬ال يعبر اإلنسان عن نفسه كحيوان يسترشد بغريزته‪ ،‬ولكن ككائن موهوب‬
‫بالفكر‪ ،‬أي أنه قادر على أخذ مسافة تفصله عن نشاطه‪ ،‬قادر على مراقبة ذاته في هذا النشاط ومنح ذاته‬
‫غايات نشاطه‪.‬‬

‫إنه يحقق ذلك عن طريق تغيير األشياء الخارجية التي يدمغها بختم داخليته والتي يستعيد فيها قراراته‬
‫الخاصة‪ .‬فاإلنسان الذي يحول الطبيعة‪“ ،‬يؤنسن” الوسط التي يعيش فيه‪ .‬وحتى لو استخدم قوانين‬
‫الطبيعة‪ ،‬فإن اإلنسان ينتج وسطا اصطناعيا وثقافيا يتم التعبير فيه عن إرادة اإلنسان‪ .‬وهكذا عندما‬
‫يالحظ اإلنسان نتاج عمله‪ ،‬فإن ما يجد فيه ليس الطبيعة بل اإلنسان‪ .‬هكذا يتيح النشاط العملي لإلنسان أن‬
‫يتحقق بشكل ملموس في أعماله‪ ،‬كوعي ذاتي‪ .‬فألنه كائن فاعل في الطبيعة‪ ،‬يكون قادرا‪ ،‬من خالل‬
‫التأمل‪ ،‬على اكتشاف ذاته ومعرفة ذاته كما هو‪ ،‬على أن يتأمل ذاته في عمله كطفل “يتمتع بمشاهدة‬
‫نشاطه الخاص”‪.‬‬

‫على سبيل الختم‪ ،‬نخلص إلى أن ما يسميه هيجل الفكر أو حياة الروح أو الفكر‪ ،‬ال يقتصر على النشاط‬
‫التأملي أو النظري‪ .‬إنه يشمل جميع األنشطة التي تتحرر بها البشرية من نير الطبيعة وتتحقق كوعي‬
‫ذاتي حر قادر على رسم أهدافه بنفسه‪ .‬هذه الحركة لتحقيق اإلنسانية تأخذ شكل التاريخ‪.‬‬
‫د) هل الوعي الذاتي ممكن؟‬

‫من وجهة نظر نقدية‪ ،‬ليس الوعي الذاتي مرادفا بالضرورة للمعرفة الذاتية‪ .‬فإذا لم يكن هناك من ينفي أن‬
‫خصوصية الفكر اإلنساني تكمن في القدرة االنعكاسية التي بواسطتها يضع اإلنسان ذاته كموضوع‬
‫ألفكاره أو أفعاله‪ ،‬فإن العديد من المفكرين سوف يشككون في التأكيد الديكارتي عللى أن الوعي الذاتي‬
‫مرادف دائما للمعرفة الذاتية‪ .‬من هؤالء نخص بالذكر بليز باسكال ودفيد هيوم‪.‬‬

‫• بالنسبة إلى باسكال (القرن السابع عشر)‪“ ،‬ما اإلنسان سوى تمويه‪ ،‬سوى كذب ونفاق”‪ .‬هو كذلك تجاه‬
‫اآلخرين‪ ،‬ولكن تجاه نفسه أيضا ‪“ .‬ال يريد أن تقال له الحقيقة‪ ،‬يتجنب قولها لآلخرين …” هذا االستعداد‬
‫للعيش في والهم متجذر في عمق قلب اإلنسان‪ .‬بل يدخل في طبيعة اإلنسان‪ .‬هكذا يكون اإلنسان محكوما‬
‫عليه بأال يعرف نفسه‪.‬‬

‫• كان هيوم (القرن الثامن عشر) فيلسوفا تجريبيا‪ ،‬وهذا يعني بالنسبة له أن كل معرفة أو علم تقوم على‬
‫الخبرة أو العادة‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬تساءل عن وجود األنا أو “الجوهر المفكر”‪ .‬ووفقا له‪ ،‬فإن جميع‬
‫العناصر التي تشكل نفسيتنا تأتي بشكل مباشر أو غير مباشر من التجربة‪ .‬وبالتالي فإن الذات أو الوعي‬
‫الحميم المفترض للنفس ليست سوى سلسلة من التصورات الخاصة‪ .‬لن أتمكن أبدا من “إدراك نفسي”‬
‫كوحدة متميزة‪ ،‬كما اعتقد ديكارت‪ .‬لذلك ال يوجد كائن أو جوهر من شأنه أن يكون األنا‪.‬‬

‫يقول دفيد هيوم‪“ :‬هناك فالسفة يتخيلون أن لدينا في جميع األوقات وعيا عميقا بما نسميه األنا‪ ،‬وأننا‬
‫نشعر بوجوده ومثابرته في الوجود‪ ،‬وأننا على يقين ببداهة تتجاوز كل برهان من هويته وبساطته‪.‬‬
‫أدخ ل إلى ما هو أكثر حميمية في ما أسميه نفسي‪ ،‬أحصل دائما على إدراك معين أو‬ ‫بالنسبة لي‪ ،‬عندما ِ‬
‫على إدراك آخر‪ :‬إدراك الحار أو البارد‪ ،‬الضوء أو الظالم‪ ،‬الحب أو الكراهية‪ ،‬األلم أو المتعة‪ .‬ال يمكنني‬
‫أبدا إدراك نفسي دون إدراك‪ ،‬وال يمكنني أبدا مالحظة أي شيء آخر غير اإلدراك‪”]…[ .‬‬

‫من وجهة نظر نقدية مرة أخرى‪ ،‬ال يشكل الوعي الذاتي سوى جزء صغير من الجهاز النفسي‪ .‬هذا ما‬
‫برهنت عليه االنتقادات الحاسمة الموجهة لمفهوم الوعي الذاتي من قبل فرويد الذي بين لدى اكتشافه‬
‫للتحليل النفسي أن الوعي الذاتي ليس سوى جزء صغير من نشاط النفس البشرية وأن الذات بعيدة عن أن‬
‫تكون “سيدة في منزلها “‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬فهي موزعة بين ثالثة مستبدين‪ :‬العالم الخارجي‪ ،‬األنا‬
‫األعلى والهو‪.‬‬

‫مفهوم الوعي في علم النفس‬

‫الوعي في علم النفس هو حالة وعي الفرد بأفكاره أو مشاعره وأحاسيسه ‪ ،‬وهو يكون حالة الوعي بشيء‬
‫خارجي أو شيء ما داخل النفس‪ ،‬ومن أجل تجربة الوعي ‪ ،‬يجب أن يكون المرء مستيقظًا وواعيًا ‪ ،‬وهو‬
‫يكون حالة الوعي بشيء خارجي أو شيء ما داخل النفس ‪ ،‬في وقت من األوقات ‪ ،‬كان العديد من‬
‫العلماء ينظرون إلى الوعي بتشكيك ‪ ،‬ولكن في السنوات األخيرة ‪ ،‬أصبح موضوعًا مه ًما للبحث في علم‬
‫النفس وعلم األعصاب ‪ ،‬فالوعي يتجسد من الجهاز العصبي ويمنحنا القدرة على أن نكون مدركين ‪،‬‬
‫ولدينا مجموعة من المشاعر والمعتقدات حول كل من البيئة وأنفسنا ‪ ،‬ووفقًا للفيلسوف جون سيرل ‪ ،‬فإن‬
‫الوعي ظاهرة بيولوجية مثل أي ظاهرة أخرى ‪ ،‬مثل الهضم أو االنقسام الخلوي ويكون للوعي عدة‬
‫وظائف ‪ ،‬وهي تشمل‪:‬‬

‫إدراك البيئة‬

‫التواصل االجتماعي ‪ ،‬والتعامل مع عقول اآلخرين وفهم أفكارهم‬


‫لعب دور حاسم في السيطرة على أفعالنا‬

‫السماح لنا بالتفكير في القضايا واألحداث خارج الحاضر‬

‫دمج وتجميع أنواع مختلفة من المعلومات إلبالغنا بما يحدث‬

‫ويكون األهم من ذلك هو أن الوعي يرتبط باآلليات النفسية التي تتلقى حاليًا مستوى من االهتمام ‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى تركيزها وتنشيطها ‪ ،‬وفي غياب الوعي ‪ ،‬تستمر العديد من عملياتنا النفسية في الخلفية دون أن‬
‫يالحظها أحد‪.‬‬

‫أنواع ومستويات الوعي‬

‫يمكن أن تختلف درجات الوعي بشكل كبير ‪ ،‬من ال شيء ‪ ،‬أثناء الغيبوبة ‪ ،‬إلى درجة عالية عند اليقظة ‪،‬‬
‫ولكي يختبر الفرد محتوى واعيًا يجب أن يكون لديه مستوى وعي غير صفري ‪ ،‬ولقد ميز العلماء بين‬
‫عدة أشكال مختلفة من الوعي ‪ ،‬فيما يلي نتعرف عليها‪:‬‬

‫يقترح نيد بلوك ‪ ،‬وهو فيلسوف في جامعة نيويورك ‪ ،‬أن الوعي بالوصول هو ما يمكن اإلبالغ عنه‬
‫واستخدامه بواسطة العمليات المعرفية األخرى ‪ ،‬مثل اإلدراك والذاكرة ‪ ،‬بينما يظل الوعي الظاهر‬
‫خاصًا وخا ًما وغير ممكن’ الوصول إليه‪.‬‬

‫ويميز الرأي البديل بين مستوى الوعي المنخفض والعالي ‪ ،‬حيث يصف الوعي الهائل بالمشاعر‬
‫واألحاسيس التي تنتمي إلى الحاضر وهو في األساس الطريقة التي تحصل بها الكائنات الحية بأدمغة‬
‫على معلومات حول البيئة ‪ ،‬في حين أن المستوى األعلى من الوعي ‪ ،‬الذي ربما يكون غريبًا على‬
‫البشر ‪ ،‬يسهل العقل والتفكير والشعور بالذات الذي يمتد إلى ما بعد الحاضر‪.‬‬

‫ومع ذلك ‪ ،‬هناك العديد من التحديات التي يتعين على نظريات الوعي التغلب عليها ‪،‬عندما قدم‬
‫‪ Troiani‬و ‪ Price‬و ‪ Schultz‬محفزات للمشاركين خارج مجال رؤيتهم ‪ ،‬أبلغوا عن عدم رؤيتهم‬
‫للصور ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬فإن الوجوه والبيوت المخيفة غير المرئية تسببت في زيادة تنشيط مناطق الدماغ‬
‫المرتبطة بالخوف‪.‬‬

‫نظريات‪ $‬الوعي‬

‫يعتقد الكثيرون أن أجهزة الكمبيوتر المبرمجة بشكل مناسب يمكن أن تصبح واعية ‪ ،‬يعتقد كريستوف‬
‫كوخ خالف ذلك ‪ ،‬حيث قال في مقابلة له ‪ ،‬أن الوعي ليس اختراقًا ذكيًا ‪ ،‬ال تنشأ الخبرة من الحساب ‪،‬‬
‫وقد قلق ستيوارت راسل أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا ‪ ،‬بشأن ما إذا كان سلوك نظام‬
‫الكمبيوتر واعيًا أم ال ‪ ،‬وينحصر قلقه فيما إذا كان الذكاء االصطناعي لديه القدرة على أن يصبح شريرًا‬
‫ويضر المجتمع ‪ ،‬فيما يلي نتعرف على نظريتين للوعي‪:‬‬

‫نظرية المعلومات‪ $‬المتكاملة‪)IIT( $‬‬

‫يعرف نظرية المعلومات المتكاملة الوعي بأنه ناشئ ‪ ،‬يعتقد أن الوعي ينبثق من السلوك المعقد للدماغ ‪،‬‬
‫يصف ‪ Koch‬نظرية المعلومات المتكاملة بأنه يربط بين دراسة طبيعة الوجود والظواهر ‪ ،‬ودراسة‬
‫كيفية ظهور األشياء ‪ ،‬إنها نظرية عميقة ومعقدة ذات أسس رياضية تتنبأ بالظواهر الجديدة ونتائج أبحاث‬
‫التخدير الحديثة ‪ ،‬يحاول ‪ IIT‬تحديد الخصائص األساسية للوعي وتفسيرها في تعقيد النظام األساسي‪.‬‬

‫نظرية مساحة العمل العالمية‬


‫ربما تكون نظرية مساحة العمل العالمية هي النظرية األكثر تأثي ًرا في الوعي ‪ ،‬بينما توجد اختالفات في‬
‫هذا النموذج ‪ ،‬وهناك مجموعة من االفتراضات المشتركة‪:‬‬

‫يعتمد الوعي على العديد من العمليات المتخصصة الالواعية التي تعمل بالتوازي ‪ ،‬على سبيل المثال ‪،‬‬
‫تعمل الحركة وإدراك العمق ومعالجة األلوان معًا في النظام المرئي‪.‬‬

‫يتم دمج المعلومات من كل عملية أثناء معالجة المرحلة المتأخرة‪.‬‬

‫يؤثر محتوى الوعي على العمليات النشطة‪.‬‬

‫االنتباه والوعي مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ‪ ،‬االنتباه يشبه اختيار قناة تلفزيونية والوعي يشبه الصورة على‬
‫الشاشة‪.‬‬

‫وقد قدمت األبحاث دع ًم ا الفتراضات نظرية مساحة العمل العالمية ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬في حين أن النهج يفسح‬
‫المجال لمهام اإلدراك البصري ‪ ،‬فإنه أقل سهولة في تطبيقه على المعرفة الذاتية أو العمليات النفسية‬
‫األخرى‪.‬‬

‫كيفية قياس الوعي‬

‫تقليديًا كان يُقاس الوعي بشكل ذاتي ‪ ،‬أي بسؤال شخص ما عن مدى وعيه بشيء ما ‪ ،‬وما يتم اختباره‬
‫هنا (الوعي الهائل) وما يمكنك اإلبالغ عنه لتلك التجربة من خالل الوصول إلى الوعي‪.‬‬

‫ومع ذلك ‪ ،‬فقد أدى المزيد من البحث إلى إمكانية قياس الوعي بشكل موضوعي وتسجيله باستخدام‬
‫وحدات تعرف باسم فاي ‪.phi‬‬

‫في دراسة أجريت عام ‪ ، 2018‬تم توصيل المرضى بمخطط كهربية الدماغ عبر أقطاب كهربائية‬
‫متصلة بفروة الرأس قبل التخدير ‪ ،‬عندما انجرفوا إلى حالة الالوعي ‪ ،‬كان من الممكن تسجيل موجات‬
‫الدماغ وتتبع االنخفاض في فاي‪.‬‬

‫يصف جوليو تونوني فاي بأنها مقدار الوعي في نظام ‪ ،‬بيولوجي أو اصطناعي ‪ ،‬عادةً ما يكون مرتفعًا‬
‫في نظام الوحدات المتخصصة التي يمكن أن تتفاعل بسرعة وفعالية ‪ ،‬كما يقول يبدو أيضًا أن ‪phi‬‬
‫يختلف داخل الدماغ ‪ ،‬حيث تظهر مناطق مختلفة من تشريح الدماغ درجات متفاوتة من الوعي‪.‬‬

‫دراسات عن الوعي‬

‫التخدير‬

‫كان التخدير حاس ًم ا في الجراحة ألكثر من قرنين من الزمان ‪ ،‬ومن المدهش أن كيف يتحول الشخص‬
‫الواعي إلى فاقد للوعي ظل غير واضح ‪ ،‬وسجلت دراسة أجريت عام ‪ 2018‬من قبل ‪ Kim‬و‬
‫‪ Hudetz‬و ‪ Lee‬و ‪ Mashour‬و ‪ Lee‬موجات الدماغ للمرضى الذين يخضعون للتخدير ‪ ،‬وأكدت‬
‫النتائج التي توصلوا إليها أن الوعي ليس مثل مفتاح التشغيل ‪ ،‬سواء كان مفتوحًا أو مغلقًا ‪ ،‬وبدالً من ذلك‬
‫‪ ،‬مع زيادة جرعة التخدير ‪ ،‬يقع مقياس فاي مقياس للوعي ‪ ،‬إلى النقطة التي يكون فيها كل اإلدراك‬
‫غائبًا ‪ ،‬ويفشل المريض في االستجابة ‪ ،‬حتى لأللم ‪ ،‬تشير األبحاث إلى أن هذا االنخفاض في الوعي قد‬
‫ينتج عن قدرة التخدير على إيقاف اإلثارة داخل الدماغ ومنع تكامل المعلومات‪.‬‬

‫يمكن أن ينخدع الوعي‬


‫على الرغم من أهمية الوعي للتجربة وما يشعر به اإلنسان ‪ ،‬إال أنه ال يمكن االعتماد عليه دائ ًما ‪ ،‬في‬
‫دراسة كالسيكية عُرفت باسم وهم اليد المطاطية ‪ ،‬أخفى المشاركون إحدى أيديهم عن األنظار واستبدلت‬
‫بيد مطاطية شبيهة ‪ ،‬عندما تم ضرب اليد المزيفة ‪ ،‬أفاد المشاركون بأنهم على دراية باليد الجديدة‬
‫وعانوا من إحساس بالملكية ‪ ،‬وعندما تكرر ذلك مؤخ ًرا في الواقع االفتراضي ‪ ،‬وجد الباحثون أن‬
‫الطرف االفتراضي يمكن أن يشعر أيضًا بأنه حقيقي جدًا ‪ ،‬مما يشير إلى أن إحساسنا بالذات ليس‬
‫متماس ًك ا ويمكن أن يمتد إلى األشياء غير الجسدية ‪ ،‬وقد تكون طبيعة ويكون محتوى الوعي أقل وضوحًا‬
‫مما نتخيل‪]1[.‬‬

‫الوعي‪ ..‬ماذا يعني؟ وماذا نريد منه؟ ا‬

‫لسنوسي محمد السنوسي وسط كل هذه األحداث المتتالية التي تمر علينا‪ ،‬نسمع مصطلح “الوعي” يتردد‬
‫بكثرة في الكتابات والسجاالت‪ ،‬ونرى أصواًتا غير قليلة تدعو للتحلي بالوعي‪ ،‬والسترداد الوعي‪،‬‬
‫وللمحافظة على الوعي‪ .‬فما هو “الوعي؟’ وما ضرورته؟ وهل له صلة بمحاوالت االنعتاق الحضاري‬
‫من أسر التخلف واالستبداد والتبعية؟ مفهوم الوعي جاء في “مقاييس اللغة”‪“ :‬الواو والعين والياء‪ :‬كلمةٌ‬
‫ْت ْال َمتَا َع فِي ْال ِوعَا ِء ُأ َوعِّي ِه” (‪ .)124 /6‬وفي‬ ‫ْت ْال ِع ْل َم َأ ِعي ِه َو ْعيًا‪َ .‬وَأوْ َعي ُ‬‫ض ِّم َش ْي ٍء‪َ .‬و َو َعي ُ‬
‫تدل على َ‬
‫َأ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َّش ْي َء‪َ .‬وعَى ال َّش ْي َء َوال َح ِد َ‬
‫يث يَ ِعي ِه َو ْعيًا َو وْ عَاهُ‪َ :‬حفِظَهُ َوفَ ِه َمهُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ي‪ِ :‬ح ْفظُ القَل ِ‬ ‫ْ‬
‫“لسان العرب”‪“ :‬ال َو ْع ُ‬
‫ًأ‬ ‫هَّللا‬
‫ث‪( :‬نَض ََّر ُ ا ْم َر َس ِم َع َمقَالَتِي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫اع‪َ ،‬وفُاَل ٌن وْ عَى ِم ْن فاَل ٍن يْ حْ فَظ َو فهَ ُم‪َ .‬وفِي ال َح ِدي ِ‬
‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫َوقَبِلَهُ‪ ،‬فَه َُو َو ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َأْل‬
‫فَ َوعَاهَا؛ فَرُبَّ ُمبَل ٍغ وْ عَى ِمن َسا ِم ٍع)‪ .‬ا زه َِريُّ ‪ :‬ال َو ِع ُّي ال َحافِظ الكيِّسُ الفقِيهُ” (‪ .)396 /15‬إذن الوعي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬
‫في اللغة يدل على فهم الشيء وحفظه وفقهه واإلحاطة به‪.‬‬

‫أما مفهوم “الوعي” (‪ )Cognition‬فلهذا المصطلح دالالت عديدة‪ ،‬ولكن أهم معانيه تتجلى من خالل‬
‫علمين أساسيين في اإلنسانيات الحديثة‪ :‬علم النفس وعلم االجتماع‪.‬‬

‫في علم النفس‪ :‬يشير مصطلح الوعي أوالً إلى حالة “اليقظة” العادية‪ ،‬ويشير ثانيًا إلى قدرة اإلنسان‬
‫المتميزة الخاصة على الشعور بذاته‪ ،‬وتمايز ذاته عن اآلخرين وعن األشياء والكائنات األخرى‪.‬‬

‫أما علم االجتماع‪ :‬فقد شرع في التركيز على أن الوعي نتاج لتطور فسيولوجي لمخ اإلنسان‪ ،‬ولقدرة‬
‫اإلنسان على العمل وابتكار اللغة‪ ،‬وأن الوعي بهذا الشكل يصبح النتاج المباشر لتفاعل المعرفة المكتسبة‬
‫فرديًّا أو اجتماعيًّا مع الدماغ (المخ)؛ وبالتالي‪ ،‬يصبح الالوعي جز ًءا من الوعي‪ ’،‬ويتبادالن في الوقت‬
‫نفسه التأثير والتأثر” (مصطلحات فكرية‪ ،‬سامي خشبة‪ ،‬ص‪ .255 -253 :‬باختصار وتصرف)‪ .‬إذن‪،‬‬
‫الوعي‪ -‬من ناحية عامة‪ -‬معرفة يكتسبها الفرد من مجتمعه‪ ،‬ومن تفاعله معه؛ وتترسخ هذه المعرفة‬
‫بحيث تصبح مركوزة في الالوعي‪ ’،‬أي في العقل والشعور الباطن لدى اإلنسان؛ ثم هي معرفة قابلة للنمو‬
‫والتطور‪ .‬وإذا أضاف المسلم لهذه المعرفة من المجتمع والحياة‪ ،‬معرفته األساسية التي يستمدها من‬
‫الوحي‪ -‬قرآنًا وسنة‪ -‬فإنه يتك ّو ن لديه وعي متميز ومتمايز؛ إذ عنده ما يفتقده اآلخرون الذين يقصرون‬
‫وعيهم على الماديات وما تدركه الحواس‪ .‬وال يشك عاقل في أن التحلي بالوعي بات ضرورة ملحّة؛‬
‫فالكوارث التي نحياها‪ ،‬والهزائم التي نكتوي بنارها‪ -‬سواء على مستوى الداخل من االستبداد‪ ،‬أو الخارج‬
‫من التبعية‪ -‬إنما هي بسبب غياب الوعي المناسب للتحديات المفروضة‪ ،‬ولآلمال المعلقة‪ .‬ولذا‪ ،‬فقد شكا‬
‫الشيخ محمد الغزالي من غياب الوعي عند األمة‪ ،‬فقال رحمه هللا‪“ :‬الضمير المعتل والفكر المختل ليسا‬
‫من اإلسالم في شيء‪ .‬وقد انتمت إلى اإلسالم اليوم أمم فاقدة الوعي‪ ،‬عوجاء الخطى‪ ،‬قد يحسبها البعض‬
‫أم ًم ا حية ولكنها مغمى عليها‪ .‬والحياة اإلسالمية تقوم على فكر ناضر؛ إذ الغباء في ديننا معصية” (انظر‬
‫مقدمة كتابه‪ :‬كنوز من السنة‪ ،‬ص‪.)7 :‬‬

‫مجاالت الوعي‬
‫أما عن الوعي المطلوب ومجاالته‪ ،‬فيمكن أن نقول إن الوعي المطلوب نوعان‪ :‬وعي بالذات‪ ،‬ووعي‬
‫باآلخر‪ .‬والوعي بالذات يشمل الوعي بها في اختالف الزمان‪ :‬ماضيًا‪ ،‬وحاضرًا‪ ،‬ومستقبالً‪ .‬والوعي بها‬
‫في اختالف المكان‪ :‬وطنًا وإقلي ًما وأمة‪.‬‬

‫فالوعي بالذات ماضيًا‪ :‬أي معرفة من نحن‪ ،‬وكيف نشأنا‪ ،‬وما مسيرتنا‪ ،‬وهل لنا تاريخ نتصل به ونستفيد‬
‫منه‪ ،‬أم إننا نبدأ من نقطة الصفر‪ ،‬كما يزعم البعض‪ .‬وكيف يكون ماضينا زادًا ينير الدرب ويقوّم‬
‫الخطوات‪.‬‬

‫والوعي بالذات حاض ًر ا‪ :‬أي معرفة واقعنا الذي نحياه‪ ،‬في مختلف المجاالت‪ ،‬بدقة؛ فندركه كما هو‪ ،‬دون‬
‫تجميل أو تقبيح‪ ،‬ودون تهويل أو تحقير‪ .‬إضافة للوعي بما يفرضه علينا واقعنا من قضايا واهتمامات‬
‫وأولويات؛ حتى نحسن التعاطي معه‪ ،‬وال ننفصل عنه‪.‬‬

‫والوعي بالذات مستقبالً‪ :‬أي باآلمال المرتجاة‪ ،‬وبالفرص المتوقَّعة‪ ،‬وبكيفية التعامل معها من خالل‬
‫اإلمكانات المتوافرة؛ حتى نجمع بين المثالية والواقعية في وسطية واتزان‪ ،‬وال نجنح يمنة أو يسرة‪.‬‬

‫وأما الوعي بالذات في اختالف المكان‪ ’،‬فهو ضروري ألن أمة اإلسالم أمة واحدة‪ ،‬وال يليق بآحادها‬
‫التقوقع داخل المحيط األصغر‪ .‬وهذه الدوائر الثالثة‪ -‬الوطن‪ ،‬واألمة العربية‪ ،‬واإلسالمية‪ -‬تتكامل وال‬
‫تتعارض‪ .‬وتلك الحقيقة يدركها الغرب جيدًا‪ ،‬ويتعامل معنا على أساسها‪ ،‬رغم أن البعض منا ال ينظر‬
‫أبعد من دائرته الضيقة‪ ،‬ويحسب أنه يستطيع النجاة بمفرده! فمن المفارقات حقًّا أن الغرب يتعامل مع‬
‫األمة اإلسالمية باعتبارها “رقعة شطرنج”‪ ،‬تقف عناصرها المتعددة على أرضية واحدة؛ بينما عناصر‬
‫هذه األمة تتعامل مع نفسها كقطع منفردة‪ ،‬ال صلة تربطها‪ ،‬وال قانون يجمعها! ليتنا ننظر ألنفسنا كما‬
‫ينظر اآلخرون لنا! بجانب هذا الوعي بالذات‪ ،‬هناك الوعي باآلخر‪ ،‬وال تستقيم معرفة الذات حتى نعرف‬
‫اآلخر‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬بضدها تتميز األشياء‪ .‬فيجب أن نعرف كيف يفكر اآلخر‪ ،‬وما نقاط قوته وضعفه‪ ،‬وما‬
‫عوامل التالقي والحوار التي تجمعنا‪ ،‬وأسباب االختالف والنزاع التي تفرقنا‪ .‬وهل “اآلخر” كتلة مصمتة‬
‫ال مفر من الصدام معه‪ ،‬أم هناك “آخر” يمكن الحوار والتفاهم معه على أرضيه مشتركة‪ ،‬و”آخر” غير‬
‫ض ِّي سنوات على‬
‫ممكن معه ذلك‪ .‬لقد رفع العرب بعد هزيمة ‪ 67‬شعار “اعرف عدوك”؛ ورغم ُم ِ‬
‫الهزيمة النكراء التي تركت آثا ًر ا عميقة في تاريخنا المعاصر‪ ،‬ورغم ما تالها من محاوالت للتعرف‬
‫على األعداء‪ ،‬من خالل إقامة مراكز أبحاث ودراسات علمية؛ فإن الواقع يشهد على أن معرفتنا باآلخر‬
‫ليست بالمستوى المطلوب‪ ..‬هذا مجرد مثال!‬

‫جماعية الوعي‬

‫وفيما يتصل بقضية الوعي عمو ًما‪ ،‬نلفت النظر إلى أمرين أساسيين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬أن الوعي يزيد وينقص‪ ،‬وليس أمرًا ثابتًا‪ ..‬فقد يتوافر الوعي عند اإلنسان في وقت ما‪ ،‬ثم‬
‫ينحسر‪ .‬وقد يتوافر الوعي بقضية ما دون قضية أخرى‪ .‬وقد يوجد الوعي بدرجة لكنها درجة غير كافية‪.‬‬
‫فالوعي يزيد بالقراءة‪ ،‬والتجربة‪ ،‬واليقظة‪ ،‬والتأمل‪ ،‬وينقص بأضداد هذه األمور؛ أي الجهل‪ ،‬وعدم‬
‫الخبرة‪ ،‬والغفلة‪ ،‬وإهمال العقل‪.‬‬

‫أما األمر الثاني فهو أننا بحاجة ماسة إلى “الوعي الجماعي”؛ فواقعنا بلغ من التعقيد بحيث ال يستطيع‬
‫فرد‪ -‬مهما كان‪ -‬أن يلم بخرائطه وتشابكاته‪ .‬ولذا‪ ،‬أنشئت المجامع الفقهية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬ومراكز األبحاث‪،‬‬
‫وما يطلق عليه (‪ )Think Tanks‬أي مراكز التفكير‪.‬‬

‫تجريف الوعي وال يخفى على المراقب أن أمتنا قد تعرضت‪ ،‬خاصة في العقود األخيرة‪ ،‬إلصابات أدت‬
‫إلى تجريف الوعي عند أعداد وشرائح ال يستهان بها؛ بحيث أصبحت رؤيتها مش َّوشة‪ ،‬وطريقة إدراكها‬
‫لذاتها‪ ،‬وقيمها‪ ،‬والعالم من حولها؛ طريقة غير سوية‪ .‬األمر الذي يستدعي مضاعفة الجهد ممن يشتغلون‬
‫بالوعي‪ ’،‬ويهتمون بتصحيح مساره‪ .‬إن قضية الوعي ينبغي أن نوليها أهمية تتناسب مع قدرها؛ إذ هي‬
‫قضيةُ حيا ٍة أو موت‪ ،‬وجو ٍد أو فناء‪ ،‬فاعلي ٍة أو خمول!‬

‫الوعي اإلنساني‬

‫هو تجربة ذاتية للواقع الخارجي ‪ ،‬والتي يتم التعبير عنها في التقرير الذاتي لهذه األحداث‪ .‬التعريف‬
‫األوسع لمفهوم الوعي هو خاصية النفس التي يتم من خاللها عرض األحداث الخارجية ‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن مستوى التنفيذ (البيولوجي أو االجتماعي أو الحسي أو العقالني)‪ .‬بمعنى أضيق ‪ ،‬هذه وظيفة دماغية‬
‫خاصة بالناس فقط ‪ ،‬والتي ترتبط بالكالم ‪ ،‬في انعكاسات هادفة ومعممة لظواهر الواقع ‪ ،‬والبناء األولي‬
‫لألفعال في عقل النتائج والتنبؤ بها ‪ ،‬وتتجلى في اإلدارة العقالنية والتحكم الذاتي في اإلجراءات من‬
‫خالل التفكير ‪.‬‬

‫مفهوم الوعي اإلنساني هو موضوع البحث في العديد من العلوم (علم النفس ‪ ،‬الفلسفة ‪ ،‬علم االجتماع) ‪،‬‬
‫يحاول العلماء كشف معنى وجود هذه الظاهرة وحدوثها‪.‬‬

‫الوعي هو مرادف‪ :‬العقل ‪ ،‬الفهم ‪ ،‬التوضيح ‪ ،‬الفهم ‪ ،‬الفكر ‪ ،‬العقل ‪ ،‬وبعد ذلك سيتم استخدامها في‬
‫النص‪.‬‬

‫أشكال الوعي‬

‫هناك الوعي الفردي واالجتماعي‪ .‬األول ‪ ،‬الفرد هو وعي كل فرد بشخصيته الفردية من خالل كيانه‬
‫االجتماعي‪ .‬إنه عنصر الوعي العام‪ .‬ثانيا ً ‪ ،‬مفهوم الوعي العام هو الوعي الفردي المعمم لمختلف‬
‫الشخصيات‪ .‬يحدث هذا التعميم تاريخيا ‪ ،‬في عملية طويلة‪ .‬لذلك ‪ ،‬يعتبر أيضا مجموعة‪.‬‬

‫في الوعي الجماعي ‪ ،‬من الضروري مراعاة سمتين ‪ -‬هذا هو التواصل االجتماعي لألشخاص ‪ ،‬كعامل‬
‫مهم والقوة العامة لهؤالء األشخاص في توحيد قواتهم الفردية‪.‬‬

‫يشكل كل جماعي مجموعة من الشخصيات المختلفة ‪ ،‬ولكن لن تكون كل مجموعة من الشخصيات‬


‫جماعية‪ .‬بنا ًء على ذلك ‪ ،‬ستكون مظاهر الوعي الجماعي دائ ًما مجموعة ‪ ،‬ولن تكون المجموعة جماعية‬
‫دائ ًما‪ .‬العقل الجماعي هو ‪ ،‬أوالً ‪ ،‬مظهر من مظاهر الوعي االجتماعي كفكرة اجتماعية ‪ ،‬وثانيا ً ‪ ،‬تحدد‬
‫هذه الفكرة نشاط األفراد في هذا المجتمع‪.‬‬

‫الوعي الفردي لألفراد العاديين يحدد دائ ًما الوعي الجماعي‪ .‬ولكن نموذجيًا فقط لمجموعة معينة ‪ ،‬والتي‬
‫تتناسب مع تواتر الظهور ‪ ،‬فإن قوة التعبير في أي وقت ‪ ،‬أي ‪ ،‬المجموعة المقبلة ‪ ،‬توجه تطوير هذه‬
‫المجموعة‪.‬‬

‫تعتمد األشكال الجماعية والجماعية للوعي على الوعي العام وتحددها العالقات بين أعضاء المجموعة‪.‬‬
‫وبالتالي ‪ ،‬فإن تلك الظواهر العقلية التي تميز عملية االتصال تمثل مختلف الظواهر في الوعي الجماعي‪.‬‬
‫األخير ‪ ،‬بدوره ‪ ،‬ينقسم إلى عدة أشكال من الوعي‪ .‬األحداث األكثر تحديدًا هي األحداث الضخمة ‪ ،‬فهي‬
‫تشكل مزاجًا عا ًما وتخلق منا ًخا نفسيًا جماعيًا‪ .‬هذه المزاجات ناتجة في الغالب عن العالقات الشخصية‪.‬‬
‫إذا كانت المجموعة تتمتع بعالقات جيدة ودافئة وموثوقة ‪ ،‬فسيكون المناخ النفسي مناسبًا وستكون حل‬
‫مشكالت هذه المجموعة أسهل‪ .‬ولكن إذا تم إدخال شخص ما في مثل هذا الفريق ‪ ،‬وتبديد العداء بين‬
‫أعضاء المجموعة ‪ ،‬بطبيعة الحال ‪ ،‬فإن المناخ النفسي سوف يتدهور ‪ ،‬وسوف تبدأ كفاءة العمل في‬
‫ض ا ‪ ،‬يمكن أن يؤثر التكاثر التربوي على الحالة المزاجية الجماعية في مجموعة ما ‪ -‬وهي‬ ‫االنخفاض‪ .‬أي ً‬
‫تغييرات في الحالة المزاجية تصل إلى حالة مؤلمة وتسببها سلوك فظ وتأثير القائد‪.‬‬

‫شكل آخر من أشكال الوعي الجماعي هو الذعر‪ .‬الذعر هو مظهر من مظاهر الخوف ‪ ،‬وحالة التأثير‬
‫التي تلتقط مجموعة كاملة ‪ ،‬وتحت تأثير التقليد المتبادل ‪ ،‬تزداد حدة‪.‬‬

‫الموضة هي شكل من أشكال الوعي الجماعي ‪ ،‬عندما يبدأ الناس في تقليد بعضهم البعض ‪ ،‬على قدم‬
‫المساواة مع الرأي العام واالعتماد على إخطار وسائل اإلعالم فيما يتعلق بما يجب أن يرتدوه ‪،‬‬
‫وارتداء ‪ ،‬وارتداء ‪ ،‬ونوع الموسيقى لالستماع إليها‪.‬‬

‫ضا شكل من أشكال الوعي الجماعي ‪ ،‬فهو يعزز تركيز كل عضو في حل مهام‬ ‫التفكير الجماعي هو أي ً‬
‫ضا المبادرة‪.‬‬
‫الفريق ‪ ،‬ويجعل من الممكن التفكير فيه وإلقاء الضوء عليه من زوايا مختلفة ‪ ،‬ويشجع أي ً‬
‫يضيف التفكير الجماعي األهمية للقرارات ‪ ،‬وهذا يساهم في تطوير النقد الذاتي لدى كل عضو من‬
‫أعضاء المجموعة ‪ ،‬ويثري معارف وخبرات البعض من خالل اكتساب المعرفة من اآلخرين ‪ ،‬ويخلق‬
‫لهجة عاطفية إيجابية ‪ ،‬ويخلق مواقف المنافسة ‪ ،‬ويحسن األداء ‪ ،‬ويقلل من الوقت لحل المهمة‪ .‬يساهم‬
‫حل مهمة واحدة في ظهور مهام جديدة وبالتالي يحفز تطور المجموعة وتقدمها ‪ ،‬فالتفكير الجماعي يدفع‬
‫الفريق إلى األمام‪.‬‬

‫ينقسم شكل الوعي العام إلى عدة أنواع‪ :‬الدين ‪ ،‬العلم ‪ ،‬القانون ‪ ،‬األخالق ‪ ،‬األيديولوجية والفن‪ .‬أشكال‬
‫مثل الدين والقانون واألخالق والفن ‪ ،‬والظواهر االجتماعية مستقلة نسبيا وتدرسها علوم مختلفة‪ .‬للوعي‬
‫األخالقي والجمالي عالقة يمكن مالحظتها يوميًا ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬غالبًا ما توصف األعمال األخالقية‬
‫بأنها جميلة ‪ ،‬والعكس صحيح ‪ ،‬تسمى األفعال غير األخالقية المقززة أو القبيحة‪.‬‬

‫يستخدم الفن الديني من خالل رسم الكنيسة ‪ ،‬لتعميق المشاعر الدينية ‪ ،‬وبشكل عام ‪ ،‬الوعي الديني لكل‬
‫شخص ومجموعات بأكملها‪ .‬في مجموعات صغيرة ‪ ،‬يعد الوعي الديني ظاهرة من علم النفس الديني‬
‫الذي يتضمن النظرة الدينية العالمية للفرد والجماعات‪.‬‬

‫الشكل الفلسفي للوعي هو النظرية للعالم ‪ ،‬ومعرفة قوانين الطبيعة واإلنسان والمجتمع ‪ ،‬فإنه يحدد‬
‫أساليب معرفتهم‪ .‬إنها تعكس كونها في شكل مفاهيمي ‪ ،‬وتؤدي الوظائف المعرفية واأليديولوجية‪.‬‬

‫الطبيعة العلمية للوعي هي انعكاس منهجي منطقي للعالم من خالل تطبيق النظريات العلمية والحجج‬
‫والحقائق ‪ ،‬ويتم عرضها في عقول الناس في فئات القوانين والنظريات‪ .‬يسمح للشخص بالتفكير في‬
‫الفئات ‪ ،‬وتطبيق مبادئ مختلفة للمعرفة من أجل اكتشافات جديدة‪ .‬يمكن أن ينظر إلى تطبيق الوعي‬
‫العلمي في جميع أنواع مجاالت اإلنسان‪.‬‬

‫ظهرت األخالق ‪ ،‬كشكل من أشكال الوعي ‪ ،‬وتغيرت ‪ ،‬وكذلك علم النفس األخالقي للمجموعة ‪ ،‬التي‬
‫تعمم تجربة التواصل االجتماعي المفيدة في المجموعات وفي الظروف المناسبة‪.‬‬

‫تعتمد أخالقيات الوعي على فئة األخالق ‪ ،‬إنها أقدم أشكال الوعي االجتماعي ‪ ،‬وهي تمر أيضًا بجميع‬
‫مجاالت النشاط البشري (المهنة ‪ ،‬الحياة ‪ ،‬األسرة)‪ .‬ينعكس ذلك في الفئات التي يفكر فيها الشخص‬
‫ويسترشد بها‪ :‬الخير والشر والضمير والكرامة وغيرها‪ .‬يتم تحديد األخالق من خالل آفاق المجتمعات‬
‫والطبقات المحددة‪ .‬في المعايير األخالقية ‪ ،‬يتم عرض القيم العالمية ‪ ،‬بمعزل عن الطبقة االجتماعية ‪،‬‬
‫والقيم األخالقية‪ :‬اإلنسانية ‪ ،‬والشرف ‪ ،‬والمسؤولية ‪ ،‬والرحمة ‪ ،‬والجماعية ‪ ،‬واالمتنان ‪ ،‬والكرم‪.‬‬

‫بدأ الوعي السياسي بالظهور مع تشكيل الدولة والطبقات ومجال السياسة‪ .‬إنه يعكس تفاعل الطبقات‬
‫والجماعات االجتماعية ‪ ،‬والمكان ودورها في سلطة الدولة ‪ ،‬والعالقات بين األمم والدول ‪ ،‬موجهة‬
‫بدوافع اقتصادية‪ .‬إنه يدمج جميع أشكال الوعي االجتماعي‪ .‬تتأثر بمختلف المجاالت‪ :‬الدين ‪ ،‬العلم ‪،‬‬
‫القانون ‪ ،‬لكن القيادة تبقى سياسية‪ .‬كما أنه عنصر من عناصر أداء النظام السياسي في البالد‪ .‬لديه‬
‫مستويين‪ :‬المستوى اليومي العملي والمستوى العقائدي النظري‪ .‬على المستوى النظري العادي ‪ ،‬تترابط‬
‫الخبرة والتقاليد ‪ ،‬العاطفية والعقالنية ‪ ،‬التجربة والتقاليد ‪ ،‬تظهر تلقائيًا ‪ ،‬من نشاط الناس وتجربتهم‬
‫الحياتية‪ .‬كما أنه غير مستقر ‪ ،‬ألنه موجود تحت التأثير واالعتماد على ظروف المعيشة ‪ ،‬وعواطف‬
‫الناس والخبرات المتغيرة باستمرار‪.‬‬

‫يعد استخدام الوعي العادي أمرًا مه ًم ا ألنه يتميز بسالمة فهم الحياة ‪ ،‬ومع المعالجة اإلبداعية يكون أساس‬
‫الوعي النظري‪ .‬يتميز الوعي السياسي النظري باكتمال وعمق انعكاس الواقع السياسي ‪ ،‬الذي يتميز‬
‫بالقدرة على التنبؤ بآراء وتنظيمها‪ .‬يمكنها تطوير برنامج سياسي ‪ ،‬باالعتماد على المجالين االقتصادي‬
‫واالجتماعي‪ .‬هذه األيديولوجية السياسية قادرة على التأثير بفعالية على مستوى الوعي العام‪ .‬فقط‬
‫األشخاص المدربين تدريبا ً خاصا ً الذين يشاركون في فهم قوانين الحياة االجتماعية ويشاركون في‬
‫"اإلبداع السياسي" يعملون على خلق اإليديولوجية‪ .‬يمكن أليديولوجية حسنة التنظيم أن تؤثر على وعي‬
‫المجتمع ككل ‪ ،‬ألنه ليس نظا ًما سهالً لوجهات النظر ‪ ،‬ولكنه دعاية جيدة التنظيم تنتشر في جميع‬
‫قطاعات ومجاالت المجتمع ‪ ،‬التي تستخدم سلطة الدولة وتستخدم وسائل اإلعالم والعلوم والثقافة والدين‪.‬‬

‫في الوعي القانوني ‪ ،‬هناك صلة كبيرة بالمصالح السياسية ‪ ،‬بما في ذلك المصالح السياسية واالقتصادية‬
‫لمختلف الفئات االجتماعية‪ .‬إنه يؤثر على مجاالت مختلفة من الحياة العامة حيث يؤدي الوظائف التالية‪:‬‬
‫التنظيمية والمعرفية والتقييمية‪.‬‬

‫ض ا ‪ ،‬له طابع تاريخي ‪ ،‬ويعتمد تطوره على الظروف االقتصادية والسياسية وظروف‬ ‫إنه قانوني أي ً‬
‫المعيشة ‪ ،‬وينشأ جنبًا إلى جنب مع المظاهر األولى للتنظيم السياسي للمجتمع والقانون والتقسيم إلى‬
‫طبقات ويعكس العالقات بين األفراد والمنظمات والهيئات الحكومية المرتبطة بالحقوق و واجبات ‪،‬‬
‫ضامنهم هو القانون‪.‬‬

‫الوعي االقتصادي يعكس المعرفة ونظريات النشاط االقتصادي واالحتياجات االجتماعية‪ .‬يتم تشكيلها‬
‫تحت تأثير الظروف التاريخية وتحددها الحاجة إلى الوعي بالتغيرات االقتصادية واالجتماعية‪ .‬كما‬
‫تهدف إلى تحسين الواقع االقتصادي‪.‬‬

‫الجوانب البيئية لوعي اإلنسان تؤدي وظائف عامة‪ .‬بادئ ذي بدء ‪ ،‬الوظائف المعرفية والتعليمية‪ .‬إنه‬
‫مرتبط بأشكال أخرى من الوعي‪ :‬األخالقية والجمالية والقانونية‪ .‬تتطلب حالة البيئة أن يكون لدى‬
‫الشخص موقف جمالي وأخالقي تجاه الطبيعة ‪ ،‬وفي حاالت أخرى ‪ ،‬يستسلم الشخص لتأثير الوعي‬
‫القانوني من أجل دفع ثمن األضرار التي لحقت بالطبيعة‪.‬‬

‫يكمن الوعي البيئي في الموقف اإلنساني تجاه الطبيعة ‪ ،‬ووعي اإلنسان نفسه ‪ ،‬كجزء من هذه الطبيعة‪.‬‬
‫المعيار في هذا هو الحاجة الروحية للعناية والرغبة في الحفاظ على جمال الطبيعة‪.‬‬

‫الوعي والالوعي‬

‫حالة الوعي هي حالة الشخص الذي يستطيع فيه أن يرى بوضوح ويفهم كل ما يحدث من حوله وما‬
‫يحدث مباشرة له ‪ ،‬وهو قادر على التحكم في تصرفاته ومراقبة تطور األحداث من حوله‪.‬‬
‫الالوعي ‪ -‬هذه هي األفعال غير المنضبط ‪ ،‬واألفعال الالواعية ومظاهر عقلية خاصة‪ .‬هذان القطبان‬
‫مختلفان في النفس ‪ ،‬لكنهما في التواصل والتفاعل‪.‬‬

‫كان التحليل النفسي هو األول في علم النفس الذي يدرس الوعي الفردي وعالقته الالواعية وكيف يتجلى‬
‫في السلوك‪ .‬وفقًا لهذا االتجاه ‪ ،‬فإن الوعي اإلنساني ال يزيد عن عُشر النفس‪ .‬الجزء األكبر هو‬
‫الالوعي ‪ ،‬حيث يتم تخزين الغرائز والرغبات والعواطف والمخاوف ‪ ،‬ويكونون دائ ًما مع شخص ‪،‬‬
‫ولكن في بعض األحيان يظهرون فقط في تلك اللحظة ويقودون شخص ما‪.‬‬

‫ضا‪ .‬لذلك ‪ ،‬فإن الوعي هو الذي يتحكم فيه‬‫الوعي مرادف للوعي ‪ ،‬وسيتم استخدام هذا المصطلح أي ً‬
‫شخص ‪ ،‬والالوعي هو ما ال يمكن السيطرة عليه ‪ ،‬فقط هو قادر على التأثير على الشخص‪ .‬اإلضاءة‬
‫واألحالم والجمعيات وردود الفعل والغرائز ‪ -‬تظهر بدون إرادتنا ‪ ،‬وكذلك الحدس واإللهام واإلبداع‬
‫واالنطباعات والذكريات والهواجس والتحفظات واألخطاء المطبعية واألمراض واآلالم والمطالبات ‪-‬‬
‫مظاهر الالشعور ‪ ،‬في بعض األحيان يمكن أن يتجلى البعض منهم بشكل كامل لحظة غير مناسبة أو إذا‬
‫كان الشخص ال يتوقع هذا على اإلطالق‪.‬‬

‫وبالتالي ‪ ،‬هناك عالقة بين الالوعي والوعي ‪ ،‬واليوم ال يجرؤ أحد على دحضها‪ .‬كل من الواعي‬
‫والالواعي متشابكان في شخص ويؤثران عليه وعلى بعضهما البعض‪ .‬يمكن أن ينفتح المجال‬
‫الالشعوري على أي شخص ‪ ،‬وهو ما يحدد دوافع وقوى داخلية تنقل الشخص وأفكاره وأفعاله ‪ ،‬خارج‬
‫الوعي‪.‬‬

‫تسترشد بهذه المعرفة ‪ ،‬يمكنك تحسين حياتك إلى حد كبير ‪ ،‬وتعلم الثقة بالحدس ‪ ،‬واالنفتاح على‬
‫اإلبداع ‪ ،‬والعمل على مخاوفك ‪ ،‬واالنفتاح على األفكار ‪ ،‬واالستماع إلى صوتك الداخلي ‪ ،‬وممارسة‬
‫رغباتك المضطهدة‪ .‬كل هذا يتطلب تزويدًا بالقوة والرغبة ‪ ،‬ولكن لكي تفهم نفسك تما ًما وتطور وتحقق‬
‫األهداف وتخلص من المجمعات ‪ ،‬فأنت بحاجة إلى االنخراط في التأمل ومعرفة الذات عميقة‪.‬‬

‫الالوعي يخفف من عقل الحمل غير الضروري ‪ ،‬ويحمي من الحمل الزائد للمعلومات‪ .‬إنه يضع في حد‬
‫ذاته مشاعر سلبية ‪ ،‬ومخاوف ‪ ،‬ومعلومات عن الصدمة النفسية ‪ ،‬وبفضل هذا ‪ ،‬فإنه يحمي الشخص من‬
‫الضغط النفسي واالنهيارات النفسية‪ .‬بدون هذه اآللية ‪ ،‬لن يكون الناس قادرين على تحمل جميع‬
‫الضغوط من العالم الخارجي‪ .‬بفضل التحرر من التجارب السلبية أو المعلومات غير الضرورية التي عفا‬
‫عليها الزمن ‪ ،‬يكون الشخص قادرًا على إدراك نفسه تما ًما‪.‬‬

‫تتجلى حماية الوعي اإلنساني في إطالق سراحه من السيطرة المستمرة على األعمال التي يقوم بها كل‬
‫يوم‪ .‬مثل هذه اإلجراءات ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬تنظيف األسنان بالفرشاة ‪ ،‬واستخدام األجهزة ‪ ،‬وركوب‬
‫الدراجة ‪ ،‬والكثير من األشياء األخرى تصبح آلية وال تتطلب تفسير اإلجراءات‪ .‬كذلك ‪ ،‬فإن الشخص‬
‫البالغ ال يالحظ كيف يصنع الكلمات من الحروف عندما يقرأ ‪ ،‬وال يفكر في اإلجراءات التي يتعين القيام‬
‫بها من أجل المشي‪ .‬وبالمثل ‪ ،‬تصبح اإلجراءات تلقائية في المهن‪.‬‬

‫ألن بعض المعلومات تذهب إلى منطقة الالوعي ‪ ،‬يتم توفير مساحة أكبر بكثير الستيعاب المعلومات‬
‫الجديدة ‪ ،‬والعقل يركز بسهولة أكبر على مهام جديدة مهمة‪ .‬لكن يجب أال ننسى أنه حتى ما حدث في‬
‫الالوعي لم يختف بدون أثر ‪ ،‬فقد تم تخزينه وتحت تأثير نوع من التحفيز ‪ ،‬إنه قادر على الخروج ألنه ‪،‬‬
‫على أي حال ‪ ،‬جزء من شخص‪.‬‬

‫نفسية الوعي والالوعي لها نفس القدر من األهمية للناس ‪ ،‬وال ينبغي االستهانة بوظائف أي منها‪.‬‬

‫الوعي والهوية‬
‫ضا في سياق الوعي الذاتي‪ .‬خصائص الوعي هي أنه ‪ ،‬باعتباره جوهر‬‫يستخدم مفهوم الوعي اإلنساني أي ً‬
‫الشخصية للشخص ‪ ،‬يحتوي على المشاعر واألحاسيس واألفكار والعواطف‪ .‬معنى الوعي الذاتي هو‬
‫أنها عالقة الشخص مع نفسه‪ .‬اتضح أن كال المفهومين جزء من كل واحد‪.‬‬

‫إذا نظرت إلى تاريخ البشرية ‪ ،‬لم يكن لدى الناس البدائيين سوى وعي متخلف ‪ ،‬تطور على مراحل‪ .‬لقد‬
‫بدأت مع حقيقة أن الشخص شعر بجسده على المستوى البدني ‪ ،‬وفهم الحد من قدراته‪ .‬بعد فحص‬
‫جسده ‪ ،‬بدأ باستكشاف العالم الخارجي ‪ ،‬ومن هذا المنطلق اكتسب عقله معلومات جديدة ‪ ،‬مما حفز‬
‫تطوره‪ .‬كلما تع ّر ف الشخص على أشياء مختلفة ‪ ،‬زاد معرفته عن كيفية العثور على اختالفاته وتعلم‬
‫خصائص جديدة‪.‬‬

‫حدث تشكيل الوعي الذاتي في وقت الحق قليال‪ .‬في البداية ‪ ،‬كانت الغرائز الفطرية (التكاثر ‪ ،‬الحفاظ‬
‫على الذات) هي التي توجه الشخص‪ .‬بفضل الوعي الذاتي ‪ ،‬تمكن الشخص من االرتفاع فوق هذه البدائية‬
‫‪ ،‬وقد تيسر ذلك من خالل ظهور التسلسالت الهرمية في المجتمعات‪ .‬كان لكل مجموعة قائد استمع إليه‬
‫الجميع ‪ ،‬ونفذ تعليماته ‪ ،‬وقبل النقد والمديح‪ .‬وهكذا ‪ ،‬أصبح الناس أعلى من غرائزهم ألنهم بدأوا في‬
‫القيام بشيء ليس فقط ألنفسهم وحدهم ‪ ،‬ولكن لكل الجماعة والقائد‪ .‬هذا مظهر من مظاهر الوعي الذاتي‬
‫في العالم الخارجي ‪ ،‬وليس داخل الوعي اإلنساني‪ .‬حتى في وقت الحق ‪ ،‬بدأ الفرد يطيع صوته‬
‫ويتصرف فيما يتعلق "سمع" ‪ ،‬وهذا سمح له أن يرتفع فوق الغرائز ‪ ،‬عابرة الرغبات وغيرها من‬
‫العوامل التي أعاقت التنمية الشخصية‪.‬‬

‫ضا تشكيل الوعي والوعي الذاتي على مراحل‪ .‬في البداية ‪ ،‬يدرك‬‫في تطور اإلنسان الحديث ‪ ،‬يظهر أي ً‬
‫الطفل نفسه تدريجيًا ‪ ،‬ثم يقوده بالغون‪ .‬في وقت الحق ‪ ،‬يتم استبدال المديرين الخارجيين بمديرين‬
‫داخليين‪ .‬لكن هذا التطور لم يصل إلى الجميع‪ .‬في البلدان غير المطورة ‪ ،‬ال يزال هناك مثل هؤالء‬
‫األشخاص الذين يعيشون على نفس الغريزة‪.‬‬

‫بدون الوعي الذاتي ‪ ،‬ال يمكن ألي شخص المضي قد ًما في تطوره الشخصي ‪ ،‬وتحقيق األهداف ‪،‬‬
‫والتوافق مع اآلخرين ‪ ،‬والنجاح‪ .‬بمساعدة الوعي الذاتي ‪ ،‬يرى الشخص ويجعل حياته ما يريد‪ .‬جميع‬
‫األشخاص الناجحين يمتلكون هذا العقار‪ .‬خالف ذلك ‪ ،‬فإنها ال يمكن أن تصبح عقالنية ‪ ،‬وتطوير الذكاء‪.‬‬

‫بالمناسبة ‪ ،‬غالبا ما يتم مقارنة فئات مثل الوعي والذكاء ‪ .‬يعتقد الكثير من الناس أنه إذا كان هناك وعي ‪،‬‬
‫ضا عن الذكاء ‪ ،‬لكن هذه الفئات لها معان مختلفة‪ .‬شخص ذكي ليس دائما واعية‪ .‬قد‬ ‫فإن هذا يتحدث أي ً‬
‫يكون مستوى الوعي لدى غير المتعلمين تعليما عاليا‪ .‬لذلك ‪ ،‬الوعي والذكاء مفاهيم غير متطابقة‪ .‬ولكن‬
‫بمساعدة الوعي الذاتي ‪ ،‬يتم تطوير القدرات الفكرية‪ .‬خصائص الوعي الذاتي والوعي ‪ -‬تشكل حياة‬
‫الشخص المعاصر ‪ ،‬ومساعدته في الحصول على الحرية ‪ ،‬وإال فإنه سيبقى فقط في إطار الرغبات‪.‬‬

‫الوعي في الفلسفة‪$‬‬

‫مفهوم الوعي في الفلسفة هو موضوع صعب للدراسة ‪ ،‬انعكس عليه الكثير من الناس‪ .‬يعد ارتباط‬
‫المفاهيم بين الوعي والدماغ في الفلسفة موضوعًا أكثر صعوبة ‪ ،‬حيث يتم تقديم المفهومين’ على أنهما‬
‫مختلفان تما ًم ا‪ .‬تعريف الوعي هو فكرة ‪ ،‬والدماغ هو الركيزة المادية‪ .‬ولكن ال يزال ‪ ،‬هناك بالتأكيد‬
‫اتصال بينهما‪.‬‬

‫الفالسفة الحديثون واثقون من وجود الوعي فيما يتعلق بالمصادر ؛ فهم يميزون بين العديد من عوامله‪.‬‬
‫األول ‪ ،‬العالم الخارجي والروحي ‪ ،‬الطبيعي والروحي ‪ ،‬ينعكس في الوعي تحت ستار بعض‬
‫التصورات الحسية المفاهيمية‪ .‬هذه المعلومات هي نتيجة للتفاعالت البشرية والوضع الذي يوفر اتصال‬
‫معها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ ،‬البيئة االجتماعية ‪ -‬الثقافية ‪ ،‬والمواقف الجمالية واألخالقية ‪ ،‬واألفعال القانونية ‪ ،‬والمعرفة ‪،‬‬
‫وطرق ووسائل النشاط المعرفي ‪ -‬وهذا يتيح للشخص أن يكون كائنًا اجتماعيًا‪.‬‬

‫ثالثً ا ‪ ،‬هذا هو العالم الداخلي الروحي للشخصية ‪ ،‬وتجربتها الحياتية وتجاربها ‪ ،‬وإعادة التفكير في وضع‬
‫الشخص لخطط‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ ،‬الدماغ عامل كهذا ‪ ،‬ألنه على المستوى الخلوي يضمن عمل الوعي‪.‬‬

‫ضا كعامل ‪ ،‬رابطه يعمل الوعي اإلنساني‪.‬‬


‫خامسًا ‪ ،‬يعمل حقل المعلومات الكونية أي ً‬

‫اتضح أن مصدر الوعي ليس فقط األفكار نفسها (وراء نظرية المثاليين) ‪ ،‬وليس العقل نفسه (وراء‬
‫الماديين) ‪ ،‬ولكن الحقيقة الموضوعية والذاتية التي يعرضها الشخص بمساعدة الدماغ في أشكال الوعي‬
‫الشخصي‪.‬‬

‫يتم دراسة الوعي والدماغ في الفلسفة من عدة طرق‪ .‬واحدة من هذه هي الفيزيائية ‪ -‬وهو اتجاه مادي‬
‫ينكر وجود الوعي باعتباره مادة مستقلة ‪ ،‬ألنه يتولد في المقام األول عن طريق المادة‪.‬‬

‫ض ا مقاربة تدرس مفهوم الوعي وتقدم وجهات نظر متطرفة‪ .‬ينص على أن وعي كل‬ ‫االنعزالية هي أي ً‬
‫شخص موجود كواقع واحد موثوق به‪ .‬العالم المادي هو نتاج الوعي‪.‬‬

‫النهج الموصوفة الحالية المادية المعتدلة والمثالية الموضوعية‪ .‬بالنسبة إلى األول ‪ ،‬يتم تعريف فئة‬
‫الوعي في ذلك على أنه مظهر فريد للمادة ‪ ،‬والذي يسمح لك بعرض نفسك‪ .‬الثاني ‪ ،‬يصر على أنه في‬
‫الوعي هناك عالقة معينة مع المادة ‪ ،‬يتم تعريف وجود الوعي على أنه األولي‪.‬‬

‫في الواقع ‪ ،‬ال يتم تفسير وعي الشخص بالدماغ ‪ ،‬أو على هذا النحو ‪ ،‬من خالل األساليب المذكورة‬
‫أعاله‪ .‬مجاالت أخرى تحتاج إلى استكشاف‪ .‬على سبيل المثال ‪ ،‬هناك وجهة نظر فلكية ‪ ،‬وفقًا لذلك ‪-‬‬
‫معنى الوعي المستقل عن حامل المادة هو هدية من الفضاء ‪ ،‬وهو غير قابل للتجزئة‪.‬‬

‫وفقً ا للنظرية البيولوجية ‪ ،‬فإن القدرة على اإلدراك هي نتاج الطبيعة الحية وهي متأصلة في كل شخص‬
‫على اإلطالق ‪ ،‬حتى في أبسط الكائنات الحية‪ .‬ألن الحياة ليست عفوية ‪ ،‬وتتدفق األنماط من الوعي‪.‬‬
‫جميع الكائنات الحية غرائز فطرية واكتسبت في عملية نشاط حياتهم ‪ ،‬والتي تراكمت جنبا إلى جنب مع‬
‫الخبرة ‪ ،‬كما أنها قادرة على القيام بأعمال معقدة في الهيكل ‪ ،‬وحتى بعض الحيوانات لديها أخالق‬
‫غريبة‪.‬‬

‫ض ا وجهة نظر تتعلق بخاصية الوعي التي تعتبر مالزمة لإلنسان حصريًا‪ .‬لكن ‪ ،‬حتى‬ ‫ولكن هناك أي ً‬
‫الخروج من هذه اإلصدارات المختلفة ‪ ،‬التعاريف ‪ ،‬الفلسفة ال تعطي إجابة واحدة على السؤال حول‬
‫مصدر أصل الوعي‪ .‬العقل البشري في حركة مستمرة ‪ ،‬ونمو ‪ ،‬ألنه تحدث كل يوم أحداث مختلفة‬
‫معها ‪ ،‬والتي يحاول الشخص أن يفهمها‪.‬‬

‫يمكن وصف الوعي واللغة في الفلسفة باختصار بأنها مسألة أخرى تهم الفالسفة‪ .‬للعقل واللغة تأثير‬
‫مباشر يمكن السيطرة عليه‪ .‬عندما يعمل الشخص على تحسين بيانات الكالم ‪ ،‬يغير أيضًا خصائصه‬
‫الخاصة للوعي ‪ ،‬وبالتالي تطوير القدرة على إدراك المعلومات بموضوعية واتخاذ القرارات‪ .‬درس‬
‫المفكرون الفلسفيون القدماء مثل ‪ Heraclitus‬و ‪ Plato‬و ‪ Aristotle‬عالقة الوعي والتفكير واللغة‪.‬‬
‫يمكن تتبع هذا حتى في الكلمة اليونانية "الشعارات" ‪ ،‬والتي تعني حرفيًا أن الفكر ال ينفصل عن الكلمة‪.‬‬
‫يمكن تحديد الوعي واللغة في الفلسفة لفترة وجيزة من خالل اتجاه فلسفي مثل "فلسفة اللغة" ‪ ،‬ويؤكد أن‬
‫قدرة الوعي تؤثر بشكل مباشر على نظرة العالم لشخص ما ‪ ،‬وال سيما خطابه ‪ ،‬وهذا يتدفق إلى‬
‫الخارج ‪ ،‬مما يؤثر أيضًا على التواصل مع اآلخرين‪.‬‬

‫في العصر الحديث ‪ ،‬يحاول العديد من العلماء إيجاد عالقات جديدة في الوعي واللغة‪ .‬على سبيل المثال ‪،‬‬
‫أكدت الدراسات الحديثة أنه في كل شخص في التفكير ‪ ،‬يتم استخدام الصور المرئية التي تتشكل تحت‬
‫تأثير الوعي‪ .‬وبالتالي ‪ ،‬فإن الوعي يوجه عملية التفكير‪ .‬على مقربة من هذا التعريف كان المفكر رينيه‬
‫ديكارت ‪ ،‬الذي قدم مثل هذا التفسير الذي تم ترسيخه إلى األبد في الفلسفة والعلوم األخرى التي يمكن أن‬
‫تكون مهيمنة‪.‬‬

‫يعتقد ديكارت أن هناك مادتين ‪ -‬التفكير والجسدية ‪ ،‬تختلف اختالفًا جوهريًا عن بعضها البعض‪ .‬تعتبر‬
‫أشياء وأحداث المادة الجسدية مكانية ويمكن الوصول إليها للتأمل الخارجي ‪ ،‬وبالتالي فإن الوعي‬
‫واألحداث فيه ليست مكانية ‪ ،‬أي أنه من المستحيل مالحظتها ‪ ،‬لكن يمكن إدراكها من خالل التجربة‬
‫الداخلية لحامل هذا الوعي‪.‬‬

‫المثاليون لم يدعموا مثل هذا الفكر ‪ ،‬لكنهم جادلوا بأن الشخصية هي حالة من الوعي ‪ ،‬مثل الروح التي‬
‫ليس للجسم والبيولوجية فيها أهمية خاصة‪ .‬المعاصرون غير راضين عن هذا الرأي ؛ لذلك ‪ ،‬يلتزم‬
‫الفالسفة الذين يناقشون مشكلة الوعي الفيزيائية الفيزيائية بدرجة أكبر بالمتغيرات المادية‪.‬‬

‫النسخة األكثر اتساقً ا من االتجاه المادي هي نظرية الهوية ‪ ،‬التي تعتقد أن عمليات التفكير والتصورات‬
‫واألحاسيس متطابقة مع حالة الدماغ‪.‬‬

‫الوظيفية ‪ ،‬باعتبارها نظرة أخرى على تعريف الوعي ‪ ،‬تعتبر الظواهر والعمليات حاالت وظيفية للدماغ‬
‫‪ ،‬وليست ظواهر مادية‪ .‬يُع ّر ف الدماغ بأنه نظام متعدد المستويات معقد له خصائص فيزيائية ووظيفية‬
‫وجهازية‪ .‬هذا النهج له عيوب عديدة ‪ ،‬أهمها أن مثل هذا التعريف هو في روح ثنائية الديكارتية‪.‬‬

‫يعتقد بعض مؤيدي الفلسفة الحديثة أننا بحاجة إلى أن ندير ظهورنا لمفهوم ديكارت للشخصية باعتباره‬
‫"رو ًحا في اآللة" ‪ ،‬استنادًا إلى حقيقة أن اإلنسان في البداية حيوان عقالني ‪ ،‬قادر على السلوك الواعي ‪،‬‬
‫ال يمكن تقسيم الشخصية إلى عالمين ‪ ،‬لذلك هناك حاجة تفسير جديد للمفاهيم المتعلقة بقدرة الوعي ‪ -‬من‬
‫األحاسيس البسيطة إلى العمليات الفكرية والوعي الذاتي‪.‬‬

‫ما الوعي؟‬

‫المشكلة الصعبة للوعي‬

‫ما الوعي؟’ قد يبدو هذا سؤااًل بسيطًا‪ ،‬لكنه ليس كذلك؛ فالوعي هو أكثر األشياء التي يمكننا بحْ ثُها‬
‫ض ا في الوقت نفسه‪ .‬يبدو أنه يلزمنا إما استخدام الوعي لدراسته هو نفسه! وهي‬ ‫وضوحًا‪ ،‬وأكثرها غمو ً‬
‫فكرة غريبة نوعًا ما‪ ،‬وإما أن نحرِّ َر أنف َسنا من الوعي الذي نو ُّد دراستَه‪ .‬وال عجب أن الفالسفة والعلماء‬
‫قد بذلوا جهودًا مضنيةً على مدى قرنين من الزمان من أجل الوصول إلى مفهوم الوعي‪ ،‬وال عجب أيضًا‬
‫أن العلماء رفضوا الفكرةَ بر َّمتها لفترات طويلة‪ ،‬بل رفضوا أيضًا دراستَها؛ النقطة اإليجابية أن‬
‫ت في االزدهار بد ًءا من القرن الحادي والعشرين‪ .‬وصل علم النفس‬ ‫«الدراسات الخاصة بالوعي» أخ َذ ْ‬
‫بعض األسئلة المحيِّرة على غرار‪ :‬ما الذي‬ ‫ِ‬ ‫مواجهةُ‬
‫َ‬ ‫وعلم األحياء وعلم األعصاب إلى نقط ٍة يمكن عندها‬
‫ي؟ وهل كان لنا أن نتط َّور من دونه؟ وهل يمكن أن يكون الوعي َو ْه ًما؟ وما الوعي على أي‬ ‫يفعله الوع ُ‬
‫حال؟‬
‫متغلغاًل في هذا األمر كما كان دائ ًما‪ ،‬الفرق‬
‫ِ‬ ‫ال يعني ذلك أن الغموض قد اختفى تما ًما‪ ،‬فالواقع أنه ال يزال‬
‫لمواجه ِة المشكلة على نح ٍو مبا ِش ٍر‪ .‬كيف يمكن إلطالق‬
‫َ‬ ‫اآلن أننا نعرف عن الدماغ ما يكفينا لالستعداد‬
‫النبضات الكهربية من ماليين الخاليا الدماغية أن يُنتج تجربةً واعية ذاتية شخصية؟‬

‫إذا أردنا إحرا َز أيِّ تق ُّدم فيما يتعلَّق بفهم مسألة الوعي‪ ،‬فعلينا التعا ُمل مع هذا األمر بجدية تامة‪ .‬هناك‬
‫الكثير من األشخاص الذين ي َّدعُون أنهم قد وجدوا حاًّل للغز الوعي؛’ فهم يقترحون نظريا ٍ‬
‫ت موحِّ دةً عظمى‬
‫ت روحانيةً حول «قوة الوعي»‪ ،‬وغيرها الكثير‪ ،‬لكن أغلبهم‬ ‫ت ميكانيكيةً كميَّة‪ ،‬ونظريا ٍ‬ ‫ونظريا ٍ‬
‫يتجاهلون الفجوةَ العميقة أو «اله َّوةَ السحيقة» بين العالمين المادي والعقلي؛ وما دام هؤالء األشخاص‬
‫حال من األحوال‪.‬‬
‫يتجاهلون تلك المشكلة‪ ،‬فإنهم لن يتعاملوا بفاعلية مع الوعي بأي ٍ‬

‫شكل ‪ :١-١‬لم ينجح أح ٌد بع ُد في س ِّد اله َّو ِة السحيقة أو الفجو ِة الكبيرة بين ما هو داخلي وما هو خارجي‪،‬‬
‫أو بين العقل والدماغ؛ أو بين ما هو ذاتي وما هو غير ذاتي‪.‬‬

‫ت الفالسفةَ على مدى أكثر‬‫ت إال تجسيدًا معاص ًرا لمسألة العقل‪-‬الجسد الشهيرة التي حي ََّر ِ‬‫تلك المسألة لي َس ْ‬
‫من ألفَ ْي عام‪ .‬المشكلة أنه فيما يتعلَّق بالتجربة اإلنسانية العادية‪ ،‬يبدو أن هناك نو َعيْن من األشياء‬
‫مختلفَيْن تمام االختالف‪ ،‬دون وجود وسيلة واضحة لربطهما معًا‪.‬‬

‫من ناحي ٍة‪ ،‬هناك تجاربُنا الذاتية؛ فيمكنني اآلن مثاًل أن أرى المناز َل واألشجار الموجودة على ت ٍّل بعي ٍد‪،‬‬
‫ت على الطريق الرئيسي‪ ،‬وأن أستمتِ َع بدفء غرفتي وحميميتها‪ ،‬وأن أتساء َل إن‬ ‫ق السيارا ِ‬
‫وأن أسمع بو َ‬
‫ُّ‬
‫صوت الخدش الذي أسمعه صاد ًرا من القطة التي تود أن تدخل غرفتي؛ كلُّ تلك األشياء تجاربُ‬ ‫ُ‬ ‫كان‬
‫شخص آخَ ر‪ .‬قد أتساءل‪ :‬هل تجربتُكَ مع اللون األخضر هي‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫إلى‬ ‫نقله‬ ‫يمكنني‬ ‫ال‬ ‫طابع‬ ‫ولديها‬ ‫خاصة‪،‬‬
‫نفس تجربتي معه؟ أو هل تشم للقهوة نفس الرائحة التي أشمها؟ لكن ال يمكنني الجواب عن ذلك أبدًا‪ .‬تلك‬
‫(وإن كان هناك‬ ‫ْ‬ ‫التجارب غير القابلة للوصف هي ما يطلِق عليه الفالسفة اس َم «التجارب الواعية الذاتية»‬
‫اختالف كبي ٌر حول وجو ِد تلك التجارب من األساس)؛ ف ُح ْمرة ذلك الكوب األحمر الزاهي هي تجربة‬ ‫ٌ‬
‫واعية ذاتية‪ ،‬وهكذا الحال مع نعومة ملمس فرو قطتي ورائحة القهوة‪ .‬تبدو تلك التجارب حقيقيةً‬
‫وواضحةً وال سبيل إلى إنكارها؛ إنها تش ِّك ُل العال َم الذي أحيا فيه‪ ،‬بل إنها كلُّ ما أملك‪.‬‬

‫بأن هناك عالَ ًما ماديًّا خارجيًّا يتسبَّبُ في حدوث تلك التجارب‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإني موقِنة ك َّل اليقين َّ‬
‫ك بشأن تكوين هذا العالَم أو بشأن طبيعته األكثر تحديدًا‪ ،‬لكني ال ُّ‬
‫أشك في وجوده؛ فإني‬ ‫قد تراودني الشكو ُ‬
‫َ‬
‫ب الذي سيجعل القطة تندفع على األرجح إلى الداخل إذا‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أنكرت وجودَه‪ ،‬فلن أتمكنَ من تفسير السب ِ‬ ‫ْ‬
‫إن‬
‫ذهبت إلى الباب وفتحْ تُه‪ ،‬والذي سيجعلك تقرُّ بأن آثار األقدام الموحلة الموجودة على مكتبي — إن أنت‬ ‫ُ‬
‫أتيتَ إلى هنا — هي للقطة‪.‬‬

‫المشكلة أن هذين النوعين من األشياء يبدو أحدهما مختلفًا عن اآلخَ ر تما ًما؛ فهناك أشيا ُء مادية حقيقية‬
‫ت أخرى يمكن قياسها واالتفاق عليها‪ ،‬وهناك التجارب الذاتية مثل الشعور‬ ‫وشكل ووز ٍن وصفا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫حجم‬
‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫لون تلك التفاحة التي أراها أمامي اآلن‪.‬‬
‫باأللم أو إدراك ِ‬

‫على مرِّ التاريخ تبنَّى كثير من الناس قد ًرا من فكرة الثنائية؛ بمعنى أنهم آمنوا بوجود عالَ َميْن مختلفين‬
‫فعاًل ‪ ،‬وهذا هو الحال في معظم الثقافات غير الغربية اليوم‪ ،‬وتشير استطالعات الرأي إلى أن هذا األمر‬
‫ضا‪ .‬وتكاد األديان السماوية الكبرى تكون ثنائيةً تما ًما؛‬‫ينطبق على معظم المثقَّفين الغربيين أي ً‬
‫فالمسيحيون والمسلمون يؤمنون بوجود روح غير مادية وخالدة‪ .‬والهندوس يؤمنون بمفهوم اآلتمان؛ أي‬
‫الذات الداخلية المقدسة‪ ،‬البوذية وحدها هي التي ترفض فكرةَ الروح أو النفس الداخلية الدائمة‪ .‬وحتى بين‬
‫األفراد الذي ال يَدينون بأيِّ دين‪ ،‬تسود فكرةُ الثنائية في الثقافات الغربية؛ فنظريات حركة العصر الجديد‬
‫تتحدث عن قوى العقل والوعي والروح كما لو كانت ق ًوى مستقِلةً بعضها عن بعض‪ ،‬ويؤ ِّكد المعالجون‬
‫تأثير العقل على الجسد كما لو أنهما كيانان أحدهما منفصل عن اآلخَ ر‪ .‬تلك الثنائية متغلغلة‬ ‫َ‬ ‫بالطب البديل‬
‫كيان مستقِلٌّ عن «كلَيْهما»‪.‬‬
‫وكأن «أنا» ٌ‬‫َّ‬ ‫في لغتنا‪ ،‬حتى إننا قد نقول «عقلي» أو «جسدي»‪،‬‬
‫أشهر نظريات‬ ‫َ‬ ‫في القرن السابع عشر‪ ،‬اقت َر َح الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (‪ )١٦٥٠–١٥٩٦‬رسميًّا‬
‫عر ف هذه النظرية باسم الثنائية الديكارتية‪ ،‬وتقوم على فكرة أن العقل والدماغ يتك َّونان من موا َّد‬ ‫الثنائية؛ تُ َ‬
‫مختلفة‪ .‬ووفقًا لديكارت‪ ،‬فإن العقل غير ماديٍّ وغير ممت ٍّد (بمعنى أنه ال يحتلُّ حيِّ ًزا أو مكانًا)‪ ،‬بينما‬
‫الجسد — وباقي العالم المادي — يتك َّو ن من مادة مادية ممتدة‪ .‬المشكلة في هذه النظرية واضحة؛ كيف‬
‫يتفاعل الجانبان؟ اقترح ديكارت أنهما يلتقيان في الغدة الصنوبرية الدقيقة في منتصف الدماغ‪ ،‬لكن هذا‬
‫كيان مادي‪ ،‬والثنائية الديكارتية ال تقدِّم تفسيرًا للسبب‬ ‫يحلُّ جز ًءا بسيطًا من المشكلة؛ فالغدة الصنوبرية ٌ‬
‫وراء إمكانية تفاعُلها — وحدها — مع العالم العقلي‪.‬‬

‫السبب وراء‬
‫َ‬ ‫ي محاولة لوضع نظري ٍة ثنائي ٍة‪ ،‬ومن المرجَّح أن يكون ذلك هو‬ ‫مشكلة التفاعل هذه تفسد أ َّ‬
‫كثير من الفالسفة والعلماء جمي َع أشكال الثنائية رفضًا تا ّمًا لصالح فكرة األحادية‪ .‬لكن الخيارات‬ ‫ٍ‬ ‫رفض‬
‫العقل عنصرًا‬
‫َ‬ ‫المتاحة قليلة وإشكالية في الوقت نفسه؛ فالمثاليون — على سبيل المثال — يجعلون‬
‫لكن يتعيَّن عليهم حينئ ٍذ أن يفسِّروا كيف ولماذا يبدو أن هناك عالَ ًما ماديًّا متَّ ِسقًا‪ .‬أما األحاديون‬
‫أساسيًّا‪ْ ،‬‬
‫المعتدلون فيرفضون فكرة الثنائية‪ ،‬ولكنهم يختلفون حول الطبيعة األساسية للعالَ ِم وكيفية توحيده‪ .‬يوجد‬
‫خيار ثالث هو المادية‪ ،‬وهو أكثر المذاهب شهرةً بين العلماء اليوم؛ يعتقد الماديون أن المادة هي األساس‪،‬‬
‫لكنهم حينئ ٍذ يجدون أنفسهم بصد ِد المسألة التي يدور حولها هذا الكتاب؛ كيف يتسنَّى لهم تفسير الوعي؟‬
‫َّب في تجارب واعية ذاتية َّ‬
‫يتعذ ُر‬ ‫لدماغ ماديٍّ — مك َّون من مواد مادية خالصة — أن يتسب َ‬ ‫ٍ‬ ‫كيف يمكن‬
‫وصفُها؟‬

‫يُطلَق على تلك المشكلة اسم «المشكلة الصعبة» للوعي؛ وهي عبارة صاغها عام ‪ ١٩٩٤‬الفيلسوفُ‬
‫األسترالي ديفيد تشالمرز‪ .‬أراد تشالمرز التمييزَ بين هذه المشكلة الخطيرة الكاسحة وما أسماه‬
‫«المشكالت السهلة»‪ ،‬ووفقًا لما ذكره‪ ،‬فإن المشكالت السهلة هي تلك التي نعرف كيف نحلها من حيث‬
‫ك الحسي‪ ،‬أو التعلُّ َم‪ ،‬أو االنتباهَ‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬
‫المشكالت اإلدرا َ‬ ‫المبدأ‪ ،‬حتى إن لم نكن قد حلَ ْلناها بعدُ‪ ،‬وتتض َّمنُ هذه‬
‫تمييز األشياء أو االستجابة للمؤثِّرات وكيف يختلف النوم عن اليقظة؛ كل هذه األمور‬ ‫ِ‬ ‫الذاكرةَ‪ ،‬وكيفيةَ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ورنت بالمشكلة الصعبة حقا الخاصة بالتجربة نفسها‪.‬‬ ‫مشكالت سهلة على ح ِّد قوله إذا ما قُ ِ‬
‫«أرواح‬
‫ٍ‬ ‫ت االنعكاسيةَ لأللم في ضوء االستجابات الميكانيكية وتدفُّق‬ ‫شكل ‪ :٢-١‬فس ََّر ديكارت االستجابا ِ‬
‫حيواني ٍة » في أنابيب دقيقة‪ .‬لكن عند الحديث عن التجارب الواعية‪ ،‬اقت َر َح أنها جز ٌء من عالَ ٍم عقل ٍّي‬
‫صل بالجسد المادي من خالل الغدة الصنوبرية الموجودة في منتصف الدماغ‪.‬‬ ‫مختلف تما ًما ومتَّ ٍ‬
‫ٍ‬

‫ال يتَّفِق الجمي ُع مع تشالمرز؛ فالبعض يزعم أن المشكلةَ الصعبة ال وجو َد لها‪ ،‬وأنها تعتمد على مفهوم‬
‫خاطئ عن الوعي‪ ،‬أو على التقليل الكبير من أهمية المشكالت «السهلة»‪ .‬تطلِق الفيلسوفة األمريكية‬
‫باتريشيا تشيرتشالند على هذا األمر اس َم «مشكلة خداعية»‪ ،‬قائلةً‪ :‬إننا ال نستطيع أن نقرِّ َر سلفًا أي مشكلة‬
‫ك‬‫سيتضح أنها األصعبُ حقًّا‪ ،‬وتقول‪ :‬إن هذه المشكلة تنبع من الح ْدس الخاطئ بأننا إذا فسَّرْ نا اإلدرا َ‬
‫الحسي والذاكرة واالنتباه وكل التفاصيل األخرى‪ ،‬فسوف يتبقَّى شيء؛ هو «الوعي نفسه»‪.‬‬

‫نوضِّح أواًل ماذا يعني «الوعي‬


‫َ‬ ‫تلك اعتراضات مهمة؛ ولذا فإنه علينا قبل أن نستفيض في الحديث‪ ،‬أن‬
‫نفسه»‪.‬‬

‫تعريف الوعي‬

‫كيف يكون الحال لو كنتَ خفَّا ًشا؟ احت َّل ذلك السؤا ُل الغريب أهميةً في تاريخ دراسات الوعي‪ ’،‬وقد طُ ِرح‬
‫ألول مرة في خمسينيات القرن العشرين‪ ،‬ثم نال الشهرةَ على يد الفيلسوف األمريكي توماس ناجيل عام‬
‫السؤال لتحدِّي مذهب المادية‪ ،‬والكتشاف ما نعنيه بكلمة الوعي‪ ،‬وليرى لماذا‬ ‫َ‬ ‫‪ .١٩٧٤‬استخدم ناجيل هذا‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫يجعل الوعي مشكلةَ العقل‪-‬الجسد معقدة إلى هذا الحد؛ ما نعنيه هنا هو «الذاتية» على ح ِّد قول ناجيل‪ .‬إذا‬
‫كان هناك حا ٌل معيَّن يكون عليه الكائن إذا أصبَ َح خفَّا ًشا — حا ٌل يشعر به الخفَّاشُ نفسه — إذن فالخفَّاش‬
‫واع‪ ،‬وإذا لم يكن هناك حا ٌل معيَّن عندما يكون الكائن خفَّا ًشا‪ ،‬إذن فالخفاش غير ٍ‬
‫واع‪.‬‬ ‫كائن ٍ‬
‫ب أو إنا ٍء أو قطع ٍة بالستيكية على مكتبك‪ ،‬اسأل نفسك اآلن‪ :‬كيف يكون‬ ‫ف ِّكرْ على سبيل المثال في كو ٍ‬
‫الحال لو كنتَ كوبًا؟ من المرجَّح أنك ستُ ِجيب بأنه ال يوجد أيُّ حا ٍل على اإلطالق؛ ألن األكواب ال‬
‫تواجهَ مشكلةً في القول إن األكواب واألواني‬
‫ِ‬ ‫تشعر‪ ،‬وألن الخزف جماد … وهكذا‪ .‬على األرجح لن‬
‫ت واعيةً‪ ،‬لكن انتقِلْ إلى الديدان أو الذباب أو البكتيريا أو الخفافيش‪ ،‬وسوف تجد المشكلة؛ فأنت ال‬ ‫لي َس ْ‬
‫تعرف — أو باألحرى ال يمكنكَ أن تعرف — كيف يكون الحال لو كنتَ دودةَ أرض‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فإنك —‬
‫مثلما يقول ناجيل — إذا ف َّكرْ تَ أن هناك حااًل معيَّنًا تكون عليه لو كنتَ دودةً‪ ،‬فأنت تعتقد أن الدودة ٌ‬
‫كائن‬
‫واع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تعريف الوعي‬

‫ليس هناك تعريف متَّفَق عليه للوعي بشكل عام‪ ،‬لكن التعريفات التالية تعطينا فكرةً ع َّما تعنيه الكلمة‪:‬‬

‫«كيف يكون الحال لو كنتَ …؟»‪ :‬إذا كان هناك حال معيَّن تكون عليه لو أنك حيوان (أو جهاز كمبيوتر‬
‫واع‪ ،‬وإاَّل فهو ليس كذلك‪.‬‬
‫أو طفل رضيع)‪ ،‬فذلك الشيء كائن ٍ‬
‫الذاتية أو الظاهراتية‪ :‬الوعي يعني تجربة ذاتية أو تجربة ظاهراتية؛ والمقصود‪ :‬كيف تبدو األشياء لي‪،‬‬
‫موضوعي؟’‬
‫ٍّ‬ ‫في مقابل ما تبدو عليه على نح ٍو‬

‫التجارب الواعية الذاتية‪ :‬وهي السمات الذاتية التي يتع َّذر وصْ فُها للتجربة‪ ،‬مثل ُح ْمرة اللون األحمر‪ ،‬أو‬
‫الرائحة التي ال يمكن وصْ فُها لزيت التربنتين‪ .‬يزعم بعض الفالسفة أن تلك التجارب ال وجو َد لها‪.‬‬

‫موضوعي؟‬
‫ٍّ‬ ‫المشكلة الصعبة‪ :‬كيف تنشأ تجاربُ ذاتيةٌ من دماغ ماد ٍّ‬
‫ي‬

‫ضرب ناجيل بالخفاش مثاًل ألن الخفافيش مختلفةٌ تما ًما عنَّا؛ فهي تطير‪ ،‬وتعيش معظم حياتها في الظالم‪،‬‬
‫وتتدلَّى رأسًا على عقب من األشجار أو في كهوف رطبة‪ ،‬وتستخدم نظا َم سونار — بداًل من اإلبصار‬
‫متالحقة أثناء طيرانها‪ ،‬ثم تحلِّل األصدا َء التي تعود‬
‫ِ‬ ‫— لرؤية العالم؛ فهي تُطلِق أصواتَ صرير حادة‬
‫إلى آذانها الحساسة‪ ،‬وهكذا تعرف طبيعةَ العالَ ِم حولها‪.‬‬

‫ك هكذا؟ ال فائدةَ من تخي ُِّل نف ِسكَ خفَّا ًشا؛ ألن الخفَّاش‬ ‫كيف سيكون الحال إن كنتَ تدرك طبيعةَ العالم حولَ َ‬
‫الناطق المثقَّف لن يكون خفَّا ًشا طبيعيًّا على اإلطالق‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬إذا أصبحتَ خفا ًشا طبيعيًّا‪ ،‬فليس في‬
‫َّ‬
‫مقدورك التفكير أو الكالم‪ ،‬فلن تستطيع اإلجابةَ على سؤالِكَ‪.‬‬

‫ب ﺑ «ال ُم ِلغز»‪،‬‬‫أشار ناجيل أننا لن نعرف ذلك أبدًا‪ ،‬وخلَص إلى أن المشكلة ال ح َّل لها؛ ولهذا السبب لُقِّ َ‬
‫اللقب أيضًا الفيلسوفُ األمريكي كولين ماكجين‪ ،‬الذي قال‪ :‬إننا نحن البشر «منغلِقون معرفيًّا»‬ ‫َ‬ ‫ويشاركه‬
‫أمل لدينا في فهم الوعي تما ًما مثلما أنه ال أم َل في أن يقرأ أح ُد‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫أنه‬ ‫ذلك‬ ‫ومعنى‬ ‫الوعي؛‬ ‫بفهم‬ ‫ق‬ ‫فيما يتعلَّ‬
‫ب الجريدةَ التي يحملها فَ ِر ًحا في طريق العودة من المتجر‪ ،‬ويتَّفِق معه في ذلك عال ُم النفس ستيفن‬ ‫الكال ِ‬
‫بينكر قائاًل ‪ :‬إننا قد نكون قادرين على فهم معظم التفاصيل الخاصة بكيفية عمل العقل‪َّ ،‬‬
‫لكن الو ْع َي نفسه‬
‫قد يظلُّ بعيدًا عن فهمنا إلى األبد‪.‬‬

‫كثير من العلماء ال يشاركون ناجيل نظرته التشاؤمية‪ ،‬لكن سؤاله أفاد في تذكيرنا بنقط ٍة بالغ ِة الخطورة‬
‫عند الحديث عن الوعي؛ فال جدوى من الحديث عن اإلدراك الحسي أو الذاكرة أو الذكاء أو القدرة على‬
‫ت فيزيائيةً بحتة‪ ،‬ثم نزعم أننا قد فسَّرْ نا الو ْع َي‪ .‬إذا كنتَ تتح َّدث عن‬
‫حلِّ المشكالت باعتبارها عمليا ٍ‬
‫الوعي حقًّا‪ ،‬فعليكَ أن تتعامل بطريقة أو بأخرى مع الذاتية؛ فيتعيَّن عليك أن تح َّل المشكلةَ الصعبة وتف ِّس َر‬
‫ق لتلك العمليات‬ ‫كيف تنبع الذاتية من العالم المادي‪ ،‬أو يتعيَّن عليك — إذا كنتَ تزعم أن الوعي مطابِ ٌ‬
‫الفيزيائية‪ ،‬أو أنه َو ْه ٌم أو حتى غير موجود على اإلطالق — أن تف ِّس َر لماذا «يبدو» حاضرًا بقوة هكذا؛‬
‫القول بأنك تتعامل مع الوعي إال إذا كنتَ تطرح السؤال‪« :‬كيف يكون‬ ‫َ‬ ‫وفي كلتا الحالتين‪ ،‬لن تستطيع‬
‫الحال لو كنتَ …؟»‬
‫ضا اسم الظاهراتية أو الوعي الظاهراتي‪ ،‬وهما مصطلحان‬ ‫يُطلَق على ذلك المعنى األساسي للوعي أي ً‬
‫صاغهما الفيلسوفُ األمريكي نيد بلوك‪ .‬يقارن بلوك بين «الوعي الظاهراتي‪/‬التلقائي» الذي يتعلَّق‬
‫بالكيفية التي تكون عليها عندما تكون في حال ٍة معيَّن ٍة‪ ،‬و«وعي’ اإلتاحة أو الوعي التأملي» الذي يشير إلى‬
‫إتاحة المعلومات الموجودة في عقلنا للتفكير أو توجيه األفعال والكالم‪ .‬الوعي الظاهراتي (أو الظاهراتية‬
‫ث عنه ناجيل‪ ،‬وهو جوهر مشكلة الوعي‪.‬‬ ‫أو الذاتية) هو الذي تح َّد َ‬

‫بعد أن أشرنا إلى ذلك‪ ،‬نكون على استعدا ٍد لتنا ُو ِل واحد ٍة من أهم النقاط الخالفية في الدراسات الخاصة‬
‫بالوعي‪ ’،‬وهذه النقطة تتعلَّق بالسؤال التالي‪ :‬هل الوعي عنص ٌر خارجي نمتلكه — نحن البشر — إضافةً‬
‫كائن لديه‬
‫ٍ‬ ‫إلى قدراتنا الخاصة باإلدراك الحسي والتفكير والشعور‪ ،‬أم أنه جزء جوهري ال يتج َّزأ في أي‬
‫قدرات اإلدراك الحسي والتفكير والشعور؟ هذا هو السؤال األهم الذي يعتمد عليه كلُّ شيء آخَ ر‪ ،‬وربما‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫اختيار ستفكر فيه؛ ألن تبعات ِكال االختيارين مثيرة للدهشة تما ًما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عليك أن تقرِّ َر اآلن أي‬

‫ي عنصرًا خارجيًّا إضافيًّا‪ ،‬فسنو ُّد بطبيعة الحال أن نسأل عن سبب امتالكنا إياه‪،‬‬ ‫من ناحية‪ ،‬إن كان الوع ُ‬
‫ً‬
‫وأن نسأل عن أهميته والوظيفة التي يؤدِّيها وكيف نمتلكه‪ .‬ووفقا لهذا الرأي‪ ،‬من السهل أن نتخي ََّل أننا‬
‫السبب الذي أ َّدى إلى ُّ‬
‫تطو ِر الوعي‪ ’،‬والمزايا التي َحبَانا‬ ‫َ‬ ‫ربما قد تط َّورنا من دونه‪ ،‬وهكذا سنو ُّد أن نعرفَ‬
‫ضا أم ال‪ .‬ووفقًا لهذا الرأي‪ ،‬تكون المشكلة الصعبةُ عسيرةً‬ ‫ت أخرى أي ً‬ ‫بها‪ ،‬وإن كان قد تط َّو َر في كائنا ٍ‬
‫حقًّا‪ ،‬وتكون المهمة التي نحن بصددها هي اإلجابة عن تلك األسئلة الصعبة‪.‬‬

‫من الناحية األخرى‪ ،‬إن كان الوعي جز ًءا ال يتج َّزأ من العمليات الدماغية المعقَّدة‪ ،‬فمن العبث أن نسأل‬
‫معظم تلك األسئلة؛ ووفقًا لهذا الرأي (الذي يُس َّمى في بعض األحيان الوظيفيةَ)‪ ،‬فال جدوى من السؤال‬
‫ك حسي وذاكرةٌ ومشاعرُ‪،‬‬ ‫ي كائ ٍن تط َّو َر بحيث أصبَ َح لديه ذكا ٌء وإدرا ٌ‬
‫تطور الوعي؛’ ألن أ َّ‬
‫ب ُّ‬ ‫عن سب ِ‬
‫ض ا ال جدوى من الحديث عن «الوعي نفسه» أو «التجارب الذاتية التي‬ ‫ضا بالضرورة‪ .‬أي ً‬ ‫يكون واعيًا أي ً‬
‫يتع َّذ ر وصفها»؛ ألنه ما من شيء خارجي يوجد بمعزل عن العمليات والقدرات‪.‬‬

‫مستعص على الحلِّ وال مشكلة صعبة؛ لذا تكون المهمة التي نحن‬ ‫ٍ‬ ‫فيما يتعلَّق بهذا الرأي‪ ،‬ال يوجد لغز‬
‫بصددها مختلفةً تما ًما؛ َأاَل وهي تفسير لماذا «يبدو» لنا أن هناك مشكلة‪ ،‬ولماذا «يبدو» لنا أن لدينا‬
‫تجارب واعية غير مادية َّ‬
‫يتعذر وصْ فُها‪ .‬هنا تبدو فكرةُ الوعي َو ْه ًما؛ ألنه ال الوعي وال المشكلة الصعبة‬ ‫َ‬
‫يكونان كما يبدوان‪ ،‬ولذا يتعيَّن علينا تفسير كيفية ظهور الوهم‪.‬‬

‫ت التبعات المترتِّبة على هذين الرأيَيْن صعبةَ الفهم‪ ،‬فربما نكون بحاج ٍة إلى إحدى التجارب‬
‫إذا كانَ ِ‬
‫الفكرية‪.‬‬

‫الزومبي‬

‫تخيَّلْ شخصًا يُشبِهك تما ًما؛ يتصرَّف مثلك‪ ،‬ويف ِّكر مثلك‪ ،‬ويتح َّدث مثلك‪ ،‬لكنه غير ٍ‬
‫واع على اإلطالق‪.‬‬
‫وعي؛’‬
‫ٍ‬ ‫ذلك الشخص اآلخَ ر الذي يشبهك ليست لديه تجارب واعية شخصية‪ ،‬وكل أفعاله تحدث دون أي‬
‫ذلك الكائن الالواعي — وليس الجثة نصف الميتة المتداولة في الفلكلور الهاييتي — هو ما يُطلِق عليه‬
‫الفالسفةُ اس َم زومبي‪.‬‬

‫من المؤ َّك ِد أنه من السهل تخيُّل الزومبي‪ ،‬لكن هل هم موجودون حقًّا؟ ذلك السؤال الذي يبدو بسيطًا يقودنا‬
‫إلى عالَ ٍم كامل من التعقيدات الفلسفية‪.‬‬

‫َمن يجيبون على السؤال ﺑ «نعم» هم َمن يؤمنون بإمكانية وجود نظامين متكافئين وظيفيًّا؛ أحدهما ٍ‬
‫واع‬
‫واآلخَ ر غير ٍ‬
‫واع ‪ ،‬وفي هذا الجانب نجد تشالمرز الذي يقول إن الزومبي ليسوا كائنات متخيَّلة فقط وإنما‬
‫وجودها وارد؛ في عوالم أخرى إن لم يكن في عالمنا هذا‪ .‬إنه يتخيَّل توءمه الزومبي الذي يتصرَّف مثله‬
‫تما ًم ا لكن بال تجارب واعية‪ ،‬وبال عالم داخلي وال تجارب واعية ذاتية؛ فالظالم يمأل عق َل الزومبي‬
‫أرض زومبي مأهواًل بأفراد من‬
‫ِ‬ ‫كوكب‬
‫َ‬ ‫تشالمرز‪ .‬ف َّك َر فالسفةٌ آخَ رون في تجارب فكرية تتض َّمن‬
‫الزومبي‪ ،‬أو ف َّك روا في أن بعض الفالسفة األحياء هم في الحقيقة زومبي يتظاهرون بالوعي‪.‬‬

‫أما َمن يجيبون على السؤال ﺑ «ال»‪ ،‬فهم الذين يرون فكرةَ الزومبي برمتها مستحيلةً‪ ،‬ومنهم تشيرتشالند‬
‫نظام يمشي ويتكلَّم ويف ِّكر ويلعب‬
‫ٍ‬ ‫والفيلسوف األمريكي دانيال دينيت‪ .‬إنهم يرون الفكرةَ عبثيةً؛ ألن أ َّ‬
‫ي‬
‫ويختار ما يرتديه ويستمتع بعشاء طيب‪ ،‬ويفعل كافةَ األشياء األخرى التي نفعلها؛ يتعيَّن بالضرورة أن‬
‫يكون واعيًا‪ ،‬المشكلة على ح ِّد قولهم أن الناس عندما يتخيَّلون وجو َد الزومبي‪ ،‬فإنهم يتحايلون وال‬
‫الجد‪ .‬إن كنتَ ال تريد التحاي َُل‪ ،‬تذ َّكرْ أنه ال مف َّر من ُّ‬
‫تعذر التمييز‬ ‫يأخذون تعريف الزومبي بما يكفي من ِ‬
‫خارجيًّا بين الزومبي وبين شخص طبيعي‪ ’،‬ومعنى ذلك أنه ال جدوى من سؤال الزومبي عن تجاربه أو‬
‫اختبار فلسفته؛ إذ ال بد أنه يتصرَّف مثلما يفعل الشخص الواعي تما ًما‪ .‬يقول منتقدو هذه الفكرة إنك إذا‬
‫كنتَ تريد اتِّبَاع القواع ِد حقًّا‪ ،‬فستختفي الفكرةُ وسط ما يحيط بها من عبثية‪.‬‬

‫من المفترض اآلن أن يكون مفهو ًما أن الزومبي مجرد وسيل ٍة واضحة للتفكير في السؤال األساسي‪ :‬هل‬
‫البشر — بامتالكها‪ ،‬أم أنه شيء يأتي بالضرورة مع‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الحظ — نحن‬ ‫الوعي سمة خارجية خاصة حالَفَنا‬
‫كلِّ المهارات األخرى مثل اإلدراك الحسي والتفكير والشعور؟ إذا كنتَ تعتقد أنه سمة خارجية‪ ،‬فربما‬
‫تصدِّق أننا تط َّورنا جميعًا إلى كائنات زومبي ال أفراد واعين‪ ،‬بل ربما تصدق أن جارك قد يكون واحدًا‬
‫من الزومبي‪ .‬لكن إذا كنتَ تعتقد أنه مهارة أساسية ال تنفصل عن المهارات البشرية األخرى‪ ،‬إذن فلن‬
‫يكون من المعقول وجود الزومبي‪ ،‬وتصبح الفكرة برمتها عبثيةً‪.‬‬

‫جذابةً إلى ح ٍّد بعي ٍد؛ ألنه من السهل للغاية‬‫أظن أن الفكرة برمتها عبثية‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإنها تظلُّ َّ‬
‫تخيُّل الزومبي‪ .‬لكن مدى سهولة تخيُّل شي ٍء ما ال يقودنا بالضرورة إلى التأ ُّكد من وجوده؛ لذا َد ْعنا نف ِّكر‬
‫مختلف تما ًما من المشكلة نفسها؛ وهو إن كان الوعي يفيد في شيء أم ال‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ب‬
‫في جان ٍ‬

‫شكل ‪ :٣-١‬فكرة زومبي الفيلسوف ال تؤدِّي إال إلى االلتباس‪.‬‬

‫المتداول‪ ،‬وتتل َّخص الفكرة في أن الوعي هو شكل‬‫َ‬ ‫عبارة «قوة الوعي» من العبارات الشائعة في الخطاب‬
‫القوى التي قد تؤثِّر تأثيرًا مبا ِش ًرا في العالم؛ إما بالتأثير في أجسامنا كما يحدث عندما أق ِّرر‬‫من أشكال َ‬
‫أمور مثل العالج الروحاني أو التخاطر أو‬‫ٍ‬ ‫في‬ ‫بالتأثير‬ ‫وإما‬ ‫فيتحرك‪،‬‬ ‫ذراعي‬ ‫ر‬
‫ِّكَ‬ ‫أح‬ ‫أن‬ ‫بوعي‬
‫ٍ‬ ‫«أنا»‬
‫مفهوم «العقل فوق المادة»‪ ،‬وهو األكثر إثارةً للجدل‪ .‬ومثلما فعلنا مع الزومبي‪ ،‬يسهل تخيُّل تلك «القوة»‬
‫ضا؛ فيمكننا أن نتخي ََّل عقلنا الواعي وهو يتحرَّك بصورة أو بأخرى ويؤثِّر في األشياء‪ ،‬لكن هل يوجد‬ ‫أي ً‬
‫الوعي يعني الذاتيةَ أو الظاهراتيةَ‪ ،‬حتى تبدو الفكرةُ أقل‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ر‬ ‫َّ‬
‫ك‬ ‫تتذ‬ ‫إن‬ ‫ما‬ ‫الفكرة؟‬ ‫هذه‬ ‫في‬ ‫منطق‬ ‫أي‬
‫لسؤال مثل‪« :‬كيف يكون الحال لو كنتَ …؟» أن يكون قوةً مؤثِّرةً؟ كيف يمكن ﻟ‬ ‫ٍ‬ ‫منطقيةً‪ .‬كيف يمكن‬
‫ث شي ٍء ما؟‬ ‫«تجربتي» عن خضرة تلك الشجرة أن تُسفِر عن حدو ِ‬

‫إحدى الوسائل الكتشاف إن كان الوعي يمكن أن يكون قوةً مؤثرةً أم ال‪ ،‬هي أن نسأل‪ :‬ماذا سيحدث إذا‬
‫استبعدناه؟ من المؤكد أنه إذا كان للوعي أيُّ تأثير على اإلطالق‪ ،‬فإن ما سيتبقى لن يكون زومبيًّا؛ ألن‬
‫غير مميَّز إطالقًا عن الشخص الواعي‪ ’،‬وهكذا سيتبقى‬
‫الزومبي — بحسب التعريف — ال بد أن يكون َ‬
‫لدينا شخص مختلف عن الشخص الواعي؛ ألنه ال يستطيع … ماذا؟‬

‫قد تف ِّك ر أن الوعي ضروري من أجل اتخاذ القرارات‪ ،‬لكننا نعرف الكثي َر عن كيفية اتخاذ الدماغ‬
‫للقرارات‪ ،‬ويبدو أنه ال يحتاج قوةً خارجيةً لعمل ذلك‪ .‬أي ً‬
‫ضا يمكننا تصني ُع أجهز ِة كمبيوتر في مقدورها‬
‫اتخا ُذ القرارات دون وجود وحدة وعي منفصلة داخلها‪ ،‬وينطبق األمر نفسه على البصر والسمع‬
‫والحركات المسئولة عن التح ُّك م وغير ذلك من القدرات البشرية األخرى‪ .‬ربما تظن أن الوعي مطلوبٌ‬
‫التذو ق الجمالي واإلبداع والوقوع في الحب؛ فإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فعليك أن تُثبِتَ أن تلك‬
‫ُّ‬ ‫من أجل‬
‫األشياء تحدث بفضل الوعي‪ ،‬ال بفضل اآلليات الداخلية لدماغ بارع‪.‬‬
‫كل ذلك يقودنا إلى الفكرة الخرقاء التي تقول إن الوعي ربما ال يؤدِّي وظيفةً‪ ،‬وهناك أشيا ُء غريبةٌ أخرى‬
‫ت الكريكيت أو يلعبون‬ ‫تشير إلى النتيجة نفسها؛ فعلى سبيل المثال‪ :‬ف ِّكرْ في األشخاص الذين يلتقطون كرا ِ‬
‫تنس الطاولة أو يقا ِط عون المحادثات التي تسير بوتيرة سريعة؛ يبدو أن جميع هذه األفعال السريعة تحدث‬
‫عن وعي‪ ،‬لكن هل الوعي نفسه هو الذي يتسبَّب في حدوثها؟ الحقيقة — كما سنرى الحقًا — أن هذه‬
‫األفعال تحدث بسرعة بالغة‪ ،‬وأنها تُنظَّم بفعل أجزا ٍء من الدماغ يبدو أنها غير مرتبط ٍة بالتجربة الواعية‪.‬‬

‫تأثير؟ يتجسَّد أح ُد أشكال تلك الفكرة في نظري ٍة تُس َّمى «الظاهراتية‬


‫ٍ‬ ‫ي بال أيِّ‬
‫هل يمكن إذن أن يكون الوع ُ‬
‫الثانوية»‪ ،‬التي تقوم على أن الوعي منتَ ٌج ثانوي عديم الفائدة أو ظاهرةٌ ثانوية‪ ،‬وهذه فكرة غريبة ج ًّدا‬
‫تستتبع االعتراف بأن الوعي موجود بالفعل‪ ،‬لكن ليس له تأثير على أي شيء؛ وإذا لم يكن للوعي تأثير‬
‫على اإلطالق‪ ،‬فمن الصعب أن نفهم كيف ينتهي بنا الحال إلى أن نشعر بالقلق حياله فضاًل عن الكالم‬
‫عنه‪.‬‬

‫تأثير‪ ،‬هناك طريقة بديلة‬


‫ٍ‬ ‫ت الطريقةَ الوحيدة للقول إن الوعي بال‬ ‫لكن نظرية «الظاهراتية الثانوية» لي َس ِ‬
‫ق الفاخر للطعام مثلنا‪ ،‬ال بد أن‬ ‫ِّ‬
‫وهي القول‪ :‬إن كل الكائنات التي ترى وتشعر وتفكر وتحب وتقدِّر المذا َ‬
‫وار ٌد‪ ،‬وأن ترى أن الوعي له وظيفة‪ .‬خالصة‬ ‫تعتقد حت ًما أنها واعيةٌ‪ ،‬وأن تتخيَّل أن وجود الزومبي أم ٌر ِ‬
‫هذه النظرية أننا مخدوعون؛ فنحن نشعر كما لو أن الوعي قوة أو قدرة خارجية‪ ،‬لكننا مخطئون‪ .‬إذا جا َز‬
‫لنا أن نطلِق اس ًما على هذه النظرية‪ ،‬فربما يكون «االنخداعية»‪.‬‬

‫أظن أن هذه هي الطريقة الصحيحة للتفكير في الوعي‪ ،‬لكنها توحي بأن افتراضاتنا العادية بشأن الوعي‬ ‫ُّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫موغلة في الضالل؛ هل يمكن حقا أن نكون مخطئين إلى هذا الحد؟ ولِ َم يُفترض أن نكون كذلك؟ ربما‬
‫ب على بعض تلك االفتراضات‪ ،‬وأن نتساءل عن مدى موثوقيتها‪.‬‬ ‫يتعيَّن علينا إلقا ُء نظر ٍة عن كث ٍ‬

‫مسرح العقل‬

‫صا‪ ،‬ها أنا ذا داخل المسرح‬‫ربما تكون أبسط الطرق للتفكير في الوعي ما يلي‪ :‬تخي َِّل العق َل مسرحًا خا ًّ‬
‫لكن هذا المسرح متع ِّد ُد األحاسيس؛ وعليه فإني أشعر‬ ‫ي‪َّ ،‬‬ ‫مكان ما داخل رأسي أنظ ُر من خالل عين َّ‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫ضا‪ ،‬ويمكنني استخدام خيالي كذلك؛ فأستحض ُر مشاه َد‬ ‫باللمسات والروائح واألصوات والمشاعر أي ً‬
‫وأصواتًا أراها وكأنها على شاشة عقلية بواسطة عيني الداخلية‪ ،‬أو تُس َمع بواسطة أذني الداخلية‪ .‬كل تلك‬
‫األشياء هي «محتويات الوعي»‪ ’،‬بينما «أنا» جمهور الشخص الذي يختبر تلك التجارب‪.‬‬

‫تيار‪ .‬في القرن‬


‫كنهر أو ٍ‬‫ٍ‬ ‫ق مع صورة مألوفة أخرى للوعي‪ ،‬وهي أنه يسري‬ ‫تلك الصورة المجازية تتطابَ ُ‬
‫التاسع عشر‪ ،‬صاغ وليام جيمس (‪« )١٩١٠–١٨٤٢‬مؤسِّس علم النفس الحديث» عبارةَ «تيَّار الوعي»‪،‬‬
‫ق من الصور واألصوات‬ ‫كبير؛ فحياتنا الواعية تبدو وكأنها تيا ٌر دائ ُم التدفُّ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ويبدو أنها مالئمة إلى ح ٍّد‬
‫واللمسات واألفكار والعواطف ومشاعر القلق ومشاعر الفرحة؛ كلها تحدث لي الواحدة تلو األخرى‪.‬‬

‫ي‬‫داخل رأسي أنظر حولي؛ أختب ُر العالَ َم الخارجي من خالل عين َّ‬ ‫َ‬ ‫مكان ما‬
‫ٍ‬ ‫شكل ‪ :٤-١‬أشعر وكأني في‬
‫الخطاب في‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫أض‬ ‫ثم‬ ‫الشارع‪،‬‬ ‫في‬ ‫بي‬ ‫لتسير‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫وقدم‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫ذراع‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫وأوجِّ‬ ‫عقلي‪،‬‬ ‫بعين‬
‫ِ‬ ‫ي‪ ،‬وأتخيَّ ُل األشيا َء‬
‫وأذن َّ‬
‫ث عنه‬ ‫صندوق البريد؛ لكن الدما َغ ال يعمل بهذه الطريقة‪ .‬هذا هو المسرح الديكارتي التخيُّلي الذي تح َّد َ‬
‫دينيت‪.‬‬

‫جدير بالحديث عنه‪ ،‬لكن‬


‫ٍ‬ ‫التفكير في عقولنا على هذا النحو سهل وبسيط للغاية‪ ،‬لدرج ٍة يبدو معها غي َر‬
‫عند التورُّ ط في حير ٍة عقلي ٍة كما فعلنا مع مشكلة الوعي‪ ،‬يكون من الجدير في بعض األحيان الطعنُ في‬
‫أبسط افتراضاتنا؛ وهي في هذه الحالة تلك التشبيهات التي تبدو في ظاهرها بسيطةً‪.‬‬
‫أقوى تلك االعتراضات يسوقها الفيلسوفُ دانيال دينيت الذي يقول إنه في الوقت الذي يرفض فيه معظ ُم‬
‫الناس فكرةَ الثنائية الديكارتية‪ ،‬فإنهم ال يزالون يتمسَّكون ببقايا التفكير الثنائي في صور ِة ما أسماه‬
‫مكان ما داخ َل العقل‬
‫ٍ‬ ‫ي‪ .‬ال يقتصر األم ُر على تشبيه العقل بالمسرح‪ ،‬لكن الفكرة أنه في‬ ‫المسرح الديكارت َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫وزمان يلتقي عندهما كلُّ شيء‪ ،‬ومن ث َّم «يحدث الوعي»؛’ أي إن هناك‬‫ٍ‬ ‫أو الدماغ ال بد من وجو ِد مكا ٍن‬
‫داخل العقل من أنشط ٍة‪ ،‬بحيث تصبح األشيا ُء بعد هذا الخطِّ واعيةً أو «تدخل حيزَ‬ ‫َ‬ ‫خطَّ نهاي ٍة لما يدور‬
‫غامض‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الوعي»‪ ،‬وذلك على نح ٍو‬

‫ق مع هذه الفكرة؛ ألن‬‫يرى دينيت أن هذه الفكرة خاطئة حت ًما؛ أواًل ‪ :‬ال يوجد داخل الدماغ مرك ٌز يتطابَ ُ‬
‫المعلومات إلى الحواس‪ ،‬ثم تُو َّزع في كل‬
‫ُ‬ ‫تر ُد‬
‫نقاط مركزي ٍة‪ِ ،‬‬‫تفرعي بال ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫الدماغ ما هو إال نظا ُم معالج ٍة‬
‫مكان مركزي أجلس «أنا» فيه وأشاهد العرض بينما‬ ‫ٌ‬ ‫مكان ألغراض مختلفة‪ .‬ووسط هذا كله‪ ،‬ال يوجد‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫تمر األشياء بالوعي‪ ،‬ال يوجد مكان معيَّن عندما تصل إليه األفكا ُر والمدركات تصبح واعية‪ ،‬ال يوجد‬
‫مكان واحد تخرج منه قراراتي‪ .‬بداًل من ذلك‪ ،‬فإن أجزاء الدماغ المختلفة تؤدِّي وظائفَها ويتواصل‬
‫ي في تلك العملية؛ فما الذي يمكن أن‬ ‫ب األم ُر ذلك‪ ،‬دون وجو ِد تح ُّك ٍم مركز ٍّ‬ ‫بعض متى تطلَّ َ‬
‫ٍ‬ ‫بعضها مع‬
‫مسرح الوعي إذن؟‬
‫َ‬ ‫يضار َع‬
‫ِ‬

‫يضيف دينيت أنه من غير المجدي أن نتح َّو َل من التفكير في المسرح على أنه مكان فعلي إلى التفكير فيه‬
‫على أنه عملية مو َّزعة أو شبكة عصبية ممتدة‪ ،‬سيظل المبدأ واحدًا وهو مبدأ خاطئ؛ فليس هناك مكان أو‬
‫يضارع الجز َء الخاص بالوعي من أنشطة الدماغ تار ًكا ك َّل ما عداه غير ٍ‬
‫واع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عملية أو أي شيء آخَ ر‬
‫عرض «في الوعي» كي يرى شخص أو يسمع‪ ،‬وال‬ ‫ق في أن المدخالت تجتمع معًا لتُ َ‬ ‫ليس هناك منط ٌ‬
‫َّ‬
‫ق ما يراه؛ فالدماغ ليس منظ ًما بهذه الطريقة‪ ،‬ولن يعمل لو كان‬ ‫يوجد شخص صغير بالداخل يتصرَّف وف َ‬
‫واع لديه تيار من التجارب — أن يحدث داخ َل‬ ‫ٍ‬ ‫كذلك‪ .‬علينا أن نفهم كيف لهذا الشعور — أني شخصٌ‬
‫دماغ ليس به مسر ٌح داخلي وال عروضٌ وال جمهورٌ‪.‬‬

‫اقتر َح دينيت مصطلح «الماديين الديكارتيين» لوصف أولئك العلماء الذين يزعمون أنهم يرفضون‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫الثنائية‪ ،‬لكنهم في الوقت نفسه يؤمنون بالمسرح الديكارتي‪ .‬ال ِحظ أن دينيت — وليس ديكارت — هو‬
‫َمن صاغ مصطل َح ِي المسرح الديكارتي والمادية الديكارتية‪ .‬قلَّةٌ من العلماء — إذا ُو ِجدت — ينطبق‬
‫عليهم لقبُ الماديين الديكارتيين‪ ،‬لكن كما سنرى الحقًا‪ ،‬األغلبيةُ العظمى تؤمن بشيء يشبه َ‬
‫تيار الوعي أو‬
‫صيبين‪ ،‬وإذا كانوا كذلك‪ ،‬فإن المهمة الملقَاة‬‫تعامل العقل على أنه مسرح داخلي‪ .‬ال شك أنهم قد يكونون ُم ِ‬
‫على عاتق علم الوعي هي توضيح ما الذي يضارع المسرح المجازي في الدماغ وكيف يعمل‪ .‬لكنني‬
‫أظن أنهم مخطئون‪ ،‬وربما تساعدنا االستفاضةُ في توضيح كيفية عمل الدماغ في فهم السبب‪.‬‬

You might also like