Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
com
ال يختلف اثنان على أهمية األخالق ومكانتها العظيمة في اإلسالم ،ولكن في نفس الوقت عند
البحث ال نجد تلك المكانة العظيمة محدد بشكل واضح.
بمعنى ال نجد دور األخالق في اإلسالم ،كما نجد دور أركان اإلسالم ،لذلك رأيت أنه من الضروري تحديد
تلك المكانة العظيمة لألخالق بأدلة ملموسة مفصلة غير مبهمة.
ولقد هداني ربي إلى تحديد تلك المكانة العظيمة لألخالق من خالل تدبر مجموعة من اآليات التي
تتحدث عن مكانة األخالق عمليا والتي سوف أناقشها من خالل المحاور التالية
عند العودة إلى المنهج الرباني الذي علم به رسول هللا الصحابة اإلسالم ،نجد أمرا مغايرا تماما،
حيث نجد الترابط الوثيق بين األخالق اإلسالمية ،والتوحيد ،لدرجة االنصهار التام
عبر عنه في الوحي بأخالقه اإلسالمية الحسنة ،وكذلك الكافر يعبر عنه غالبا
فالمسلم لله إنما ُي َّ
بأخالقه السيئة التي يتصف بها ،والشواهد على ذلك كثيرة منها قوله سبحانه واصفا الكفار:
الحظ كيف جعل من صفاتهم عدم إطعام المسكين ،الذي هو في األساس خلق ،وليس معتقد
بالمعنى األكاديمي للمعتقدات ،سببا في دخولهم النار ،يعدونه مع الكفر بيوم الدين ،حيث أنهم
قدموا ذكر األخالق السيئة التي كانت عندهم ،على الكفر بدين اإلسالم
كذلك نجد ربنا يأمر نبيه بعدم طاعة الكافر واصفا الكافر بأسوء األخالق حيث قال:
القلم ١٣-١٠
كل هذه أوصاف خلقية بحتة ،ومع ذلك هي مرتبطة ترابطا جذريا بالمعتقد الكفري الذي يناقض
اإلسالم ،بمعنى أن هذه األخالق السيئة هي التجلي الظاهر لذلك المعتقد المعاند لحاملها الذي
يخبرنا عنه ربنا في قوله:
القلم ١٥
نفس األسلوب السابق ،أي نعت الكافر بأخالقه السيئة وترتيب العذاب عليها ،نجده في قوله
سبحانه:
الهمزة ٢-١
فهذه أخالق من ال يؤمن بالموت والنشور ،حيث أخبرنا عن هذا الدافع لهذه األخالق السيئة في
قوله:
مال ُه َأ َ
خل َد ُه ﴾ ب َأ َّن َ
حس ُ
﴿ َي َ
الهمزة ٣
مثال اآلخر يثبت التطابق بين سوء األخالق والكفر ،وهو قوله:
2
سكين َف َو ٌ
يل ِ تيم َوال َي ُح ُّض َعلى َط ِ
عام ِ
الم ين َفذلِ َك َّالذي َي ُد ُّع َ
الي َ ك ِّذ ُب ِب ّ
الد ِ ﴿ َأ َرَأ َ
يت َّالذي ُي َ
الماعون ﴾
َ عون
َ راءون َو َي َ
من َ ساهون َّال َ
ذين ُهم ُي َ ين َّال َ
ذين ُهم َعن َص ِ
الت ِهم لم َصلّ َ
لِ ُ
الماعون ٧-١
فالتكذيب بالدين الذي هو معتقد كفري ،يترجم عمليا بدفع األيتام ،وظلمهم ،وعدم الحض على
طعام المسكين ،التي هي أخالق ،كذلك انقطاع الصلة مع هللا تترجم عمليا بالرياء ومنع الماعون.
في المقابل عند الحديث عن اإلسالم وصفات المسلمين نجد في الكتاب والسنة أن اإلسالم إنما
يتجلى في حسن األخالق ،فقد روي عن رسول هللا صلى عليه وسلم يقول فيه:
ففي هذا الحديث يستخدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أداة الحصر والتوكيد “إنما” ليثبت أن
اإلسالم الذي جاء به إنما هو مكارم األخالق.
وهذا ربنا يتحدث عن صفات المتقين الذين أعد لهم مغفرة وجنة عرضها السموات واألرض فيقول:
ولو تتبعنا القرآن والسنة ،لوجدنا أن اإلسالم لم يترك خلقا حسنا إال حض عليه وأمر به ،وكان اإلسالم
يتجلى فيه ،ولم يترك خلقا سيئا إال حذر منه ،وكان منافيا لحقيقة اإلسالم.
3
قبل أن أختم األمثلة التي في الحقيقة يصعب حصرها نظرا لكونها ُج ُّل الوحي ،نأخذ المثال التالي
الذي يعكس أن األخالق هي التجلي العملي لمعتقد الشخص ،فإن كان مؤمنا كانت أخالقه حسنة
وإن كان كافرا كان أخالقه سيئة ،إنه قل الحق سبحانه:
الليل ١٠-٤
واآليات صريحة وواضحة في الترابط بين اإليمان باآلخرة واإلنفاق والعكس صحيح أي الترابط بين
الكفر باآلخرة والبخل.
أي أنه ال إيمان صحيح إال مع خلق حسن يتجلى فيه ،فال يمكن أن يكون المرء مؤمنا وهو سيء
الخلق كما يتصور البعض.
من األدلة الكثيرة على الجانب التعبدي في األخالق قوله سبحانه حاكيا عن المؤمنين:
اإلنسان ١٢-٩
وقوله سبحانه:
قين
اد َالص ِ
تات َو ّ
القان ِ
ِ تين َو
القان َ
ِ نات َو
ؤم ِ نين َو ُ
الم ِ ؤم َالم ِ
مات َو ُ
ِ مين َو ُ
المسلِ َ المسلِ
ُ ﴿ ِإ َّن
الم َت َص ِّد ِ
قات الم َت َص ِّد َ
قين َو ُ عات َو ُ
الخاش ِ
ِ عين َو
الخاش َ
ِ رات َو رين َو ّ
الص ِاب ِ الص ِاب َ
قات َو ّ
اد ِالص ِ
َو ّ
رات َأ َع َّد
اك ِ ثيرا َو ّ
الذ ِ رين هَّللاَ َك ً
اك َ ظات َو ّ
الذ ِ ِ الحاف
ِ ظين ُف َ
روج ُهم َو َ الحاف
ِ مات َو
ِ مين َو ّ
الصاِئ َ الصاِئ
َو ّ
ظيما ﴾
ً غف َر ًة َوَأ ً
جرا َع هَّللاُ َل ُهم َم ِ
4
األحزاب ٣٥
إلى غير ذلك من اآليات الكثيرة الدالة على وجوب األخالق الحسنة نظرا ألمر هللا بها والترغيب فيها
بالمغفرة واألجر العظيم.
إن أخالق الداعية هي أبلغ وسيلة للدعوة ،ألنها خير برهان على صدق دعوة الداعي ،وهذا قد نص
عليه شعيب عليه السالم مخاطبا قومه:
[هود]٨٨ :
فإذا رأى الناس األخالق الحسنة للداعية أقبلوا على اإلسالم حتى قبل أن يكلمهم ،وهذا ما حدث
بالفعل مع دول شرق آسيا ،فماليزيا وأندونيسيا وغيرها من الدول إنما دخلهم اإلسالم بسبب أخالق
التجار المسلمين التي كانت تعكس دينهم
5
لألسف حتى عندما يحاول البعض الرجوع إلى الدين فإنه ال يتعلمه من الوحي باألسلوب الرباني الذي
رأينا كيف يبرز األخالق في اإليمان ،وإنما يتعلمه كمسائل منفردة وشعائر ،وكهذا تظل األخالق
الحسنة في مجال الكمال ال الضروري ومن ثم ال تجد االهتمام الالزم بها منجلي عملي لهذا الدين.
6