Professional Documents
Culture Documents
اجلزائــر
ديسمرب 1995م
بسم هللا الرمحن الرحيم
2
بسم هللا الرمحن الرحيم
مقدمة
ما جيري اليوم يف اجلزائر ،وما يطفو على ساحتها من أزمات سياسية،
اقتصادية وثقافية...اخل يشبه ما ميكن تسميته بـ"أقنعـة األزمـة"؛ فما يدور على
الساحة اجلزائرية هو أن هناك أزمة قُنعت أبقنعة تسرت وجهها ،وختفي حقيقتها عن
إحساس الشعب وتضلل شعوب األمة اإلسالمية عن معرفة حقيقة هذه األزمة أو
الصراع الدائر يف اجلزائر.
وواقع هذه األقنعة -أقنعة األزمة -هو اختالق ظروف حقيقية صعبة
ومشاكل ومهية معقدة ،مثّ التهويل من شأن هذه الظروف واملشاكل املفتعلة لرتكيز
إحساس الشعب هبا ،وتوجيه النظر حنوها فقط ابلرتويج اليومي هلا بشكل مغلوط
وكاذب .الشيء الذي من شأنه تدمري العملية الفكرية السليمة لدى الشعب يف فهم
األزمة وطريقة حلها ،وهذا كله هبدف حرفه عن طريق النهضة الصحيحة اليت أخذ
الشعب اجلزائري يتلمسها كبقية الشعوب اإلسالمية يف العامل اإلسالمي.
وتكمن خطورة هذه األقنعة يف سرتها لوجه األزمة احلقيقي ،وتغطيته تغطية
مستمرة لتبليد حس الشعب ،ألن اهلدف احلقيقي من استمراريتها – أي دوام
الظروف الصعبة واملشاكل الومهية املعقدة -هو منع اإلسالم من الدخول إىل
اجملتمع ،وحتريف ومتييع قضية محلة الدعوة اإلسالمية.
3
وأقنعة األزمة تتمثل أساساً فيما يسمى بـ"أزمة الشرعية"" ،األزمة
القتصادية"" ،اإلرهاب" ،و"أزمة اللغة واهلُوية" .أما وجهها احلقيقي فهو أن
الصراع الدائر يف اجلزائر هو بني اإلسالم والكفر ،بني احلق والباطل ،بني اهلدى
والضالل ،بني اخلري والشر .وبني األمة اإلسالمية – وليس الشعب اجلزائري فقط -
والدول الرأمسالية االستعمارية أورواب (وخباصة فرنسا) وأمريكا .وأدوات الكفر
والباطل والضالل والشر للدول الرأمسالية االستعمارية هذه هي :احلكام واألحزاب
الدميقراطية واالشرتاكية والشيوعية والقومية والوطنية واجلهوية واملدعية لإلسالم
(واإلسالم منها بريء).
/1أزمــة الشرعيــة :ظاهرايً ومن أول وهلة تبدو األزمة متمثلة يف الشرعية؛
أي أن من ابحلكم اغتصب السلطان ،وتوىل رعاية شؤون الناس ابلقوة .ورغم أن
ذلك حقيقة إال أهنا تعترب قناعاً يسرت حقيقة أخرى .والسؤال التايل يوجه التفكري
إىل واقعها ،ومن ممثّ إدراكها :ملاذا استوىل اجليش على احلكم ابلقوة واضطهد
أصحاب الشرعية؟
وأبرز دليل مسكت على أهنم منعوا اإلسالم من الوصول إىل احلكم ال
شيئاً آخر ،وأهنم موجودون يف احلكم (أي العسكريون) للحيلولة دون وصول
اإلسالم إىل احلكم – أي حماربة فكرة الدولة اإلسالمية "اخلالفــة" ال ألي شيء
آخر ،ما جرى يف حوار الظل األخري (أفريل -جوان 1995م) بني كبار العسكريني
5
وقيادة اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ،وانتهاء هذا احلوار ابلفشل بسبب متسك محلة
الدعوة اإلسالمية بفكرة "اإلسالم مصدر وحيد للتشريع" ،مما يعين إصرارهم على
قاطعا ،وأعلنه
ً إقامة الدولة اإلسالمية .فقط رفض العسكريون هذه الفكرة رفضاً
صراحةً على شاشة التلفزيون أمام الشعب اجلزائري حماوالً تضليل هذا األخري
إبيهامه أنه يعيش يف (دولة إسالمية !) مبا أنه شعب مسلم وأن املادة الثانية من
تنص على أن (اإلسالم دين الدولة !) .مما يدل داللة قاطعة على أنه ال
الدستور ّ
هدف هلم من وراء اإلستيالء على احلكم والبقاء فيه إال احليلولة دون وصول
اإلسالم إىل موضع التطبيق والتنفيذ.
وهذا الذي صرح به رضا مالك رئيس احلكومة األسبق ورئيس حزب
التحالف الدميقراطي اجلمهوري؛ فقد قال أهنم ليسوا ضد اإلسالميني كأشخاص
ولكنهم ضد املشروع اإلسالمي وضد تطبيق اإلسالم (جريدة املساء اليومية
1995/08/28م) .ضف إىل ذلك ما قاله الشيخ حسني سليماين للنظام العسكري:
"احكموان ابإلسالم وطبقوا شرع هللا وسوف نتبعكم ونستغين عن كل مفاوضات أو
حتركات .اخرجوا علينا هبذه املفاجأة والشعب كله من ورائكم" (جريدة العامل السياسي
األسبوعية ،عدد ،81ماي 1995م) .وقد قاهلا هلم قبل هذا الشيخ علي بن حاج يف عهد
الشاذيل ،ولكن ال حياة ملن تنادي.
وعلى هذا فاإلستيالء على احلكم ابلقوة حقيقة ،ولكنها استعملت كقناع
لضرب وسرت حقيقة أخرى هي منع اإلسالم من الوصول إىل احلكم ،والعمل على
إقامة حواجز شىت حتول بينه وبني احلكم والشعب.
/2األزمــة القتصادية :ظاهرايً تبدو األزمة يف عدم وجود السيولة الكافية
لتحريك اجلهاز اإلنتاجي وتنشيط االقتصاد ،وما يتبعها من أزمة املديونية ،وما نتج
6
عنها من عدم القدرة على خدمة أعبائها .ومما زاد من جعلها قناعاً؛ حتويل اجتاه
معاجلتها – تعقدها -حسب النظام االقتصادي العاملي الرأمسايل إىل الصندوق
النقدي الدويل الذي جعل من هذه األزمة االقتصادية "القناع" أزمة حقيقية بواسطة
إجراءاته الكالسيكية املعروفة منذ نشأته.
لن خنوض يف الربهنة على أن األزمة االقتصادية اليت يعاين منها الشعب
اجلزائري هي أزمة مفتعلة أكثر من هي حقيقية ،فيكفي ذكر فضيحة اختالس 26
مليار دوالر املوجودة يف البنوك الغربية ،ويكفي معرفة ما مت تسديده خدمة ألعباء
مرات قيمة الدين ،مع عدم استغالل املوارد الدين ،والذي يساوي حوايل مخس ّ
الطبيعية إال مبا نسبته % 20منها.
أ -إهلاء الشعب اجلزائري هبا ،بغرض تنسيته يف فكرة الدولة اإلسالمية
لتصبح لديه نسياً منسياً .فالقصد األول من وراء اختالق الظروف الصعبة لألزمة
االقتصادية ،إهلاء الناس يف مشاكلهم املعيشية ومهوم الرزق حىت تستهلك ج ّل
وقتهم ،وتستحوذ على تفكريهم ،حبيث ال يبقى لديهم الوقت الالزم للتفكري يف غري
مهومهم الشخصية اآلنية املتجددة واملتعددة.
فغالء املعيشة وعدم توفر السلع الضرورية ،يؤدي ابلشعب إىل أن يكون
أكرب مهّه – وقد أصبح -إشباع حاجاته األساسية وليس التثقف ابألفكار
اإلسالمية ،مما ينتج عن ذلك جعل حمور تفكريه إشباع حاجاته العضوية وغرائزه
7
وليس كيفية إيصال اإلسالم إىل احلكم ،وابلتايل يكون مركز تنبهه املصاحل الضيقة
عوض أن يكون اإلسالم وما يقتضيه من فرض وواجب إقامة الدولة اإلسالمية.
ب -فرض سيطرة الكافر املستعمر على االقتصاد اجلزائري جلعله سوقاً
للدول الرأمسالية ،بتحطيم البنية التحتية لالقتصاد الصناعي ،وإفساد الرتبة لفكرة
الصناعات الثقيلة حىت ال تغرس فيها أو لتموت يف مهدها يف حالة قيامها.
ابإلضافة إىل حتطيم االقتصاد الزراعي وجعله عاجزاً عن االنطالق بواسطة املعوقات
امللكية والتموينية والتمويلية.
إن هتافت وهتالك أفراد الشعب اليوم على الطُعم الذي يلقيه النظام له
أدى به إىل االنصراف عن فكرة الدولة اإلسالمية وما يتصل هبا انصرافاً غري طبيعي،
كرد فعل ملا يفتعله النظام من الرفع من األسعار وجتميد ذلك أن انصرافه جاء ّ
األجور وندرة السلع األساسية واخلدمات الضرورية وإجياد البطالة؛ أي أن ما يقوم به
هذا النظام إمنا بقصد إجياد أُهلية صعبة للشعب يتلهى هبا عن اإلسالم وفكرة الدولة
اإلسالمية.
وبتبين اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ملا يسمى "العقد الوطين" تكون قد ختلّت
عن فكرة الدولة اإلسالمية ومحلت املفاهيم الدميقراطية من نظام مجهوري ،تعددية
ضللت لدرجة أهنا اعتقدت أهنا حزبية ،حرايت ،التداول على السلطة...إخل .وقد ُ
تتخل عن مشروعها اإلسالمي بتبين "العقد الوطين" بيان أول نوفمرب ّ مازالت مل
1954م ( الذي مما ينص عليه إقامة الدولة اجلزائرية الدميقراطية االجتماعية ذات السيادة ضمن إطار
املبادئ اإلسالمية) واعتقدت أهنا قد توصلت مع األحزاب املعارضة إىل وضع قواعد
لعبة (الدميقراطية) تسمح للجميع حبرية التعبري حبيث حيتفظ كل حزب بـ"مشروع
تبث براجمها
صرح بذلك آيت أمحد إلذاعة "راديو-بور" للمهاجرين اليت ّ اجملتمع" اخلاص به (كما ّ
من ابريس.جريدة اخلرب اليومية 1995/11/07م) ،متناسية أهنا كفرت يوماً ما ابلدميقراطية،
فتحقق فعالً للنظام ما أراد وهو حرف اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ عن فكرهتا اليت
أنشئت من أجلها وضحى الكثري يف سبيلها.
أما ما يظهر من رفض النظام لوثيقة "العقد الوطين" إمنا ألهنا وثيقة أمريكية
-أي أن أمريكا (يبدو أهنا) حتاول أن جتعل من "عقد روما" أداة لضرب النفوذ
11
األورويب (وخباصة النفوذ الفرنسي) يف اجلزائر -وليس لكوهنا يف غري صاحله وصاحل
فرنسا .فـ"العقد الوطين" يرضي األطراف اجلزائرية مبا فيها النظام (رغم أنه اعتربها "ال
حدث" ألنه ال يريد إال املبادرات اليت يصنعها بنفسه) ،كما يرضي األطراف الدولية وخباصة
أمريكا وفرنسا (فقد أعلنت رضاها عن نتائج ندوة روما) .فأمريكا حبثت على كل
اجلبهات ،ويبدو أهنا جنحت يف إجياد عالقات متعددة؛ ففي الوقت الذي أجرت
فيه اتصاالت يف بداية االنقالب مع بعض القيادات وعلى رأسهم اجلنرال خالد نزار
ومازالت حتتفظ بعالقتها به ،تلتقي يف سفارهتا يف اجلزائر مع بعض أعضاء املكتب
السياسي حلزب جبهة التحرير الوطين ،وتوجد أيضا اتصاالت هلا مع أنور هدام
رئيس البعثة الدبلوماسية يف اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ (وقد نسبت جريدة احلياة يف عددها
11664والصادر يوم اخلميس 1995/01/26م يف ص 4إىل أنور هدام عندما ُسئل عن مستوى
االتصاالت اليت جتريها اإلدارة األمريكية معه ،رفض التحديد بدقة ،قائال أن" :املهم أننا نتصل" وأن
اهلدف "شرح موقفنا" والضغط على احلكم) هذا فضال عن تنشيط عميلها القدمي أمحد بن
بلّة .ويبدو أن فرنسا بدأت تعي عدم قدرة عمالئها على السيطرة على الوضع،
وهلذا حاول الرئيس الفرنسي فرانسوا ميرتان افتكاك مبادرة أمريكا من بني يديها
مبحاولة احتواء "عقد روما" ،عند إعالنه عن ضرورة أن يتوسط اإلحتاد األورويب يف
الصراع الدائر يف اجلزائر ،كما حياول احتواء جمموعة روما بسعيه لعقد مؤمتر
لألحزاب اجلزائرية ملناقشة احللول املطروحة للخروج من األزمة ،وخص ابلذكر
األحزاب اليت شاركت يف ندوة روما.
وهو األمر الذي دعا فرنسا و بعض الدول األوروبية – حىت قبل ندوة
روما -إىل الدفاع عن مصاحل أورواب يف اجلزائر ضد احملاولة األمريكية عن طريق
تنسيق مواقفهما الحتواء اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ،فمحاوالت عمالء فرنسا
12
لتحقيق هذا االحتواء عن طريق فتح الرئيس زروال – منذ أن كان وزيراً للدفاع -
قنوات احلوار مع اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ تكللت ابلفشل الذريع ،وأمريكا أوجدت
اتصاالت أبطراف األزمة قد تستعملها ضدها ،وهلذا ظهر التنسيق الفرنسي-
األمريكي عند حماولة املؤسسة العسكرية االتصال بعبد العزيز بوتفليقة (تلميذ بومدين
العميل األمريكي) قبل انعقاد ندوة الوفاق الوطين املنعقدة أواخر جانفي 1994م
إلقناعه بتويل منصب رئيس اجلزائر ،إال أن اخلالف حول الدور املنوط له جعل
ليعني مكانه زروال.
بوتفليقة يسحب ترشحه ،ن
وعلى إثر هذا الفشل ،ويف انتظار تصيد فرصة احتواء اجلبهة اإلسالمية
لإلنقاذ ،خبلق الظروف اليت تدفعها إىل أحضان النظام ابلشكل الذي يريده ،يعتمد
النظام يف ذلك على دوام األوضاع األمنية متدهورة (وخباصة بعد أن أخذ يسعى بكل
جهده لتشكيل ميليشيات شعبية مسلحة ملقاومة سيطرة احلركات اإلسالمية املسلحة ،وشل حركتها)
مع تنشيطها وخباصة إعالمياً ،لدفع اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ حنو نزع الغطاء
السياسي عن اجلماعات املسلحة (املخرتقة).
إن مما زاد الطني بلّة وزاد من خبث النظام وتسلطه على رقاب العباد،
وجناحه فيما يرمي إليه أن احلركات اإلسالمية املسلحة ابإلضافة إىل اجلبهة
اإلسالمية لإلنقاذ – فضالً عن أهنا ُجّرت أو ُجنر أغلب مسؤوليها وعناصرها إىل
جراً دون إرادة ووعي ،وفق خطة حمكمة من النظام مستغالً اندفاعهم العمل املسلح ّ
احلماسي إىل التغيري ( -مل يتضح رمسياً وحلد اآلن مدى تبين قيادة اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ
املسجونة "الشيخان عباسي مدين وعلي بن حاج" أطلق هللا سراحهما للعمل املسلح رغم أن بعض
مسؤوليها ومعظم عناصرها ينتمون ألغلب احلركات اإلسالمية املسلحة ،وهذا ليس غريباً ألن الكيفية
اليت تسري اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ حبسبها منذ نشوئها كانت بوسائل مرجتلة (كاإلنتخاابت،
اإلعتصام )...وملتوية (تسيري البلدايت ،اإلضراب)؛ أي دون فهم أو ختطيط مسبق ،فال يوجد لديها
تصور اتم للطريق الذي عليها أن تسلكه ،فضالً عن أنه إن كان هلا هذا التصور (املطالبة واملغالبة) ،فإنه
يكتنفه الغموض واإلهبام) ،مل تقم أبي عمل فكري أو سياسي يف سبيل توضيح أفكارها
لتكون هلا الرأي العام الالزم واملساند ،أي أهنا مل تقرن ابلعمل
وأعماهلا (املتبناة) ّ
املسلح كفاحاً سياسياً تكشف به خطط أورواب (وخباصة فرنسا) يف حماربة اإلسالم
واملسلمني أو تتبىن مصاحل الناس عن طريق توضيح وشرح برانجمها السياسي الذي
ستطبقه يف حالة وصوهلا احلكم؛ ألن عدم إماطة اللثام عن حقيقة عالقة هؤالء
14
اجلنراالت ابلكفار وعمالتهم لفرنسا وخيانتهم لألمة ،وعن حقيقة خطتهم اليت
هتدف إىل حماولة استئصال فكرة الدولة اإلسالمية من أوساط الشعب ،يف الوقت
يعرض الشعب إىل خطر ترك العمل ابإلسالم وله ،فضال عن خطر املناسب س ّ
انفرادهم فكرايً وسياسياً وإعالمياً ابلشعب ليضلوه فيفرضوا عليه ما يريدون.
نعم مل تقم بذلك لتستعني ابلشعب على حكامه العمالء ومن ورائهم من
فرنسا (وبعض الدول األوروبية) لتحقيق الدولة اإلسالمية ،بل استعانت أو هي يف
سبيل االستعانة ابلدول الكافرة املستعمرة عدوة اإلسالم واملسلمني ،سواء مباشرة
كالتطلّع إىل أمريكا ،أو غري مباشرة كالتطلع للتنسيق مع األحزاب العميلة اخلائنة
(جبهة التحرير الوطين ،جبهة القوى االشرتاكية ،حزب العمال...اخل) للضغط حملياً أو دولياً على
النظام ،وتركت الساحة السياسية الشعبية كما األوساط السياسية للنظام وأزالمه،
بواسطة وسائل اإلعالم املختلفة وبعض األحزاب ،ينفث مسومه اإلخبارية واإلعالمية
مشوهاً للحقائق وخباصة فكرة الدولة اإلسالمية وقضية محلة الدعوة اإلسالمية .حىت
صرح بذلك على لسان رزاق ابرة رئيس املرصد الوطين حلقوق اإلنسان أن النظام ّ
حني قال..":ما حيدث اليوم هو أن أبشع اإلغتصاابت قامت هبا جمموعات ليست
اتبعة ألي بعد سياسي ،وهم أانس يقتلون وحيرقون ويسرقون ويغتصبون ،وعندما
تطرحون السؤال عن من يتبىن سياسياً هذه األعمال لن جتذوا أحداً"(جريدة اخلرب
اليومية 1995/10/14م).
إن أي عمل -سياسياً و/أو عسكرايً -إن مل يركز على األمة حلملها
على القيام به مع القائم به سوف لن يثمر مهما كان ضخماً ،ألن القضية كل
القضية أن الدولة اإلسالمية ال ميكن إقامتها بدون األمة ،وملا كانت اجلبهة
15
وضللتاإلسالمية لإلنقاذ تريد إقامتها لألمة ال ابألمة ومعها ،فإهنا بعد أن عجزت ُ
( فضال عن أن فكرهتا اليت قامت على أساسها ومن أجلها كانت عامة ،عاطفية ،يشوهبا الغريب عنها،
فهي غري حمددة ،وغري مبلورة ،وغري نقية ،وغري صافية) ُ -مسمت بضرورة التنسيق مع جبهة
التحرير الوطين وجبهة القوى االشرتاكية حتت مربر أهنما أيضا ضحااي للنظام مثلها،
إلجياد ضغط حملي ودويل على النظام ،فسقطت يف شرك حماولة االستعانة ابألجنيب
(عقد روما) وهذا معناه اإلنتحار السياسي ،أي قتل النفس سياسياً؛ ألن حماولة
اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ربط قضيتها بغريها (أمريكا) ووضع يدها بيد غريها (األحزاب
العلمانية ،الوطنية واالشرتاكية) إمنا يعين أهنا لن تصل لتحقيق قضيتها؛ فاألجنيب ال ميكن
أن يعيننا على قضيتنا اليت من أوىل أهدافها أن نطرد األجنيب ،واألحزاب العلمانية
أدوات لألجنيب – مثل النظام -فهل مي ّكننا أو يساعدان األجنيب على حتقيق قضية
من أهدافها األساسية طرده من البالد !؟ لذلك نقول إن استمرت اجلبهة اإلسالمية
لإلنقاذ على هذا االتكال على األحزاب العلمانية والدول الكافرة املستعمرة -
مقضي عليها ابلفشل أو ٌّ فضال عن أنه خمالفة واضحة ألحكام اإلسالم -فإنه
املوت أو خيانة األمة .وهلذا فإنه لن يكون هناك جناح ألن فكرها تسمم ابالتكال
على األجنيب أو الرتويج له.
أما عن هدف النظام ومن ورائه فرنسا من دوام األوضاع األمنية على ما
هي عليه فشيئني اثنني:
16
أ -حماربة فكرة ممارسة السياسة والعمل السياسي على أساس اإلسالم،
لتنفري الشعب وإبعاده ليس فقط عن العمل السياسي على أساس اإلسالم ،بل
وإبعاده عن السياسة – بوصفها سياسة -قدر املستطاع .وخباصة إبعاد املخلصني
لتخلو الساحة السياسية يف اجلزائر للنظام وأزالمه م عن التدخل يف السياسة
وملؤامراهتم ،ليمفرضوا على الشعب أفكارهم السياسية ويسوسونه هبا مبا حيقق أهداف
ويؤمن هلا مصاحلها .ويف الوقت الذي ِّ
الدول الكافرة املستعمرة (وخباصة فرنسا) ّ
يشجع فيه العمل املسلح أبساليبه اخلبيثة بشكل غري مباشر ،بتوريط الناس يف العمل
املسلح (مع أو ضد احلركات املسلحة) حىت أصبحت السياسة مرادفة للقتل
والرعب ،فإنه يشجع أيضاً األحزاب الدميقراطية ،اجلهوية ،الوطنية ،و(املدعية
لإلسالم) ليتم استنزاف جهود الناس يف أعمال هي يف حقيقتها أعمال تضليل
سياسي تعتمد على املغالطة (كاملطالبة ابحلوار) ومؤداها هو التنفيس عن الناس
الذين أرهقهم الضغط األمين والسياسي واالقتصادي بقضااي جزئية اتفهة ،وختديرهم
ابنتظار احللول الومهية أحياانً (انتظار نتائج حوار النظام مع الشيوخ) ،فما كانت
نتيجة هذه األعمال إال كسباً للوقت من قِّبمل مم ْن يتآمرون على هذا الشعب،
وإهلاءًا له هبا وصرف أنظاره عن قضية الدولة اإلسالمية ،وعن العمل السياسي
اإلسالمي الذي ال يعرتف بنظام الكفر وال يتملقه وال يداهنه وال خياف يف هللا لومة
الئم.
إن النظام اجلزائري يدرك أن الذين محلوا السالح يف وجهه غايتهم الوحيدة
الوصول إىل احلكم لتطبيق أحكام اإلسالم ،وهلذا ما فتئ يوضح للغرب أنه حني
17
حيارب اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ واحلركات اإلسالمية املسلحة ،إمنا حيارهبا للحيلولة
دون إقامة الدولة اإلسالمية حفاظاً على الدميقراطية كي يدعمه ويساعده يف البقاء
يصرح عالنية":إن مكافحة اإلرهاب كفاح يف احلكم ،فهاهو وزير اخلارجية دمربي ّ
من أجل الدميقراطية("..جريدة املساء اليومية 1995/09/30-29م) ،فلو كان ما يقصده
إرهاابً حقا لكان قال...":من أجل األمن ،"...ولكنه يعتقد أن هذا الذي يصفه
ابإلرهاب إ ْن هو إال شباب آمنوا أن ال حكم إال هلل وأنه ال طريقة للوصول إىل
احلكم إال العمل املسلح (بعد االنقالب على اختيار الشعب هلم) لتطبيق اإلسالم،
لذلك قال...":كفاح من أجل الدميقراطية "...ألنه يعرف أن تطبيق اإلسالم معناه
قرب الدميقراطية؛ فهي نظام كفر يف نظر اإلسالم ومناقضة له.
ومالنا نذهب بعيداً وفرنسا العدو اللدود لإلسالم واملسلمني نراها جتعل
وشل وجتميد املد اإلسالمي يف القارة األوروبية،
من قناع اإلرهاب وسيلة لضرب ّ
فهي مل جتد – منذ عقود -ولن جتد أفضل من قناع اإلرهاب لضرب وحماربة فكرة
الدولة اإلسالمية ونشاط محلة الدعوة اإلسالمية.
وعلى هذا فـ"اإلرهاب" قناع اهلدف من التسرت به متييع قضية محلة الدعوة
خاصة وضرب فكرة الدولة اإلسالمية واإلسالم عامة ،ابإلضافة إىل مترير خطة
"رأمسلة" االقتصاد وإدماجه يف االقتصاد الرأمسايل العاملي وفق ما ميليه النظام العاملي
اجلديد.
ففرنسا العدوة اللدود لإلسالم ولغته ،منذ احتالهلا اجلزائر سنة 1830م
عملت جاهدة على حمو اللغة العربية ،وتفانت يف طمس الثقافة اإلسالمية ،ليس
فقط هبدف الفصل بني اللغة العربية واإلسالم ،بل وأيضا هبدف اجتثاث اللغة
العربية من جذورها (عقول ونفوس املسلمني يف اجلزائر) .فبدأت ذلك إبغالق
املدارس ،مث تدرجت مع بداية القرن العشرين إىل منع تعلم اللغة العربية ابعتبارها
(لغة أجنبية) ،وعدم السماح ألي شخص أن ميارس تعليمها إال بعد احلصول على
ترخيص خاص ويف حاالت استثنائية ،ومن انحية أخرى عملت على نشر اللغة
والثقافة الفرنسية ،واشرتطت يف كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلم اللغة الفرنسية،
والرتويج لفكرة أن املسلمني (اجلزائريني) مسلمون فرنسيون .هذا من جهة ومن جهة
أخرى اهتمت فرنسا إبحياء والرتويج للهجات احمللية واللسان العامي على حساب
اللغة العربية ،فشجعت اللهجة الرببرية "األمازيغية" ،واتبعت كل سبيل حملاربة اللسان
العريب ،واعتربت اللغة العربية (الفصحى) يف اجلزائر لغة ميتة.
وهلذا فمن الضروري على فرنسا حىت تضمن تبين ذلك من الرببر ،أن
تعطي فرصة لنمو مشاعر التمايز بني عنصري األمة بعد إبعاد الرببر عن اإلسالم
واللغة العربية؛ فقد سعت إىل القيام مبحاوالت خلق فجوة بني الرببر وبني العرب،
فأوجدت تفسريات مغرضة وأحكاماً متحيزة ألحداث التاريخ يف اجلزائر(منها مثال أن
الفتح اإلسالمي "استعمار عريب" ،وأن الرببر هم أصحاب البالد األصليون ،وأن الرببر كان من املمكن
أن يكون هلم مصري أورويب لوال العرب الفاحتني ،بل أن الرببر من أصل أورويب ،وأهنم قريبون من احلضارة
األوربية...اخل) وسعت إلثبات ذلك من خالل أحباث ودراسات (علمية !)
19
استعمارية ،وخلُصت إىل ضرورة احملافظة على خصوصية وهلجة منطقة القبائل
بعيدا عن التطور العام يف اجلزائر؛ أي ضرورة العزل اللغوي
الرببرية (دون بقية الرببر) ً
للقبائل عن بقية الشعب ،واملثابرة يف تقريبهم من فرنسا .فمن جهة سعت فرنسا إىل
عزل منطقة القبائل واحليلولة دون اتصاهلا أو تفاعلها مع ابقي املناطق األخرى،
وراحت هتتم بتاريخ املنطقة قبل اإلسالم حماولة إحياء األعراف والتقاليد والفولكلور
وخاصة اللهجات على حساب الثقافة اإلسالمية واللغة العربية .ومن جهة أخرى
اتبعت فرنسا سياسة تبشريية لتنصري املسلمني يف منطقة القبائل بوجه خاص،
فتعرض رجال وشيوخ العلم (على مستوى الزوااي) للتضييق واملراقبة والنفي والقمع،
وفتحت كثري من املدارس التبشريية وبنيت الكنائس ووجه نشاطها لألعمال اخلريية
واخلدمات االجتماعية لربطها بواقع السكان هناك ،وقام الرهبان والقساوسة (اآلابء
البيض) ابلتدريس يف الكثري من املدارس .وصدرت تعليمات إدارية لتفضيل القبائل
يف كل الظروف على بقية الشعب.
ففرنسا منذ وطأت أرض اجلزائر سنة 1830م عمدت إىل شن هجمة
شرسة على اإلسالم واللغة العربية ،وأخذت حتاول فصلهما عن بعضهما البعض
أبساليب ووسائل شىت (اترة مبنع تدريسها ،واترة إبحياء وتشجيع اللهجة الرببرية "األمازيغية" ،مع
الرتكيز على تعليم اللغة الفرنسية والتدريس هبا ،على اعتبار أن اللغة الفرنسية هي البديلة للغة العربية)
حماولة أن جتري تغيريات جذرية يف الرتكيبة الشخصية واللسانية ،لالستيالء على
العقل والقلب واللسان ملنطقة القبائل.
فما تفعله فرنسا اليوم عن طريق عمالئها ،وخباصة املثقفني منهم ،من
حماربة اللغة العربية حملاربة اإلسالم واملسلمني ،أهنا استبدلت وجهها القدمي – اللغة
الفرنسية -بوجه جديد هو ما يسمى بـ"اللغة األمازيغية" لرتكيز اللغة الفرنسية بني
20
أوساط الشعب (وخباصة بني أهل منطقة القبائل الذين ألف البعض منهم التحدث
ابللغة الفرنسية) وضرب اللغة العربية هبا ،ابعتبار أن هذه اللغة (سـ)تكتب ابألحرف
الالتينية .ففرنسا العدو اللدود لإلسالم واملسلمني فشلت يف حماربة اللغة العربية
ابللغة الفرنسية ،لذا عمدت إىل ما يسمى بـ"اللغة األمازيغية" كمحاولة منها لتحقيق
ذلك؛ فهي من أنشأت "األكادميية الرببرية" سنة 1963م اليت اضطلعت -منذ
نشأهتا -ليس فقط إبنشاء ما يسمى بـ"اللغة األمازيغية" وإحيائها بل وتصفية
واستئصال كل ما له عالقة ابإلسالم فيها .فقد وضعت أجبديتها وقواعدها
وختلصت من كل كلمة هلا عالقة ابإلسالم فيها (مثل التخلص من حتية
اإلسالم...اخل) ،فقد عملت على جعل حروف هذه اللغة حروفاً التينية ،وعمدت
إلىكتابة اإلجنيل ابألجبدية األمازيغية لتهيئة الظروف حنو مدرسة بربرية؛ فرنسية
بتعليمها وثقافتها ،بربرية بتالميذها وبيئتها .وهذا كله وغريه من أجل إجياد وتنشئة
أجيال جتهل اللغة العربية ،أو تعجز عن فهمها أو استعماهلا للحيلولة بينها وبني
اإلسالم؛ فاللغة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ابلعقيدة اإلسالمية – إعجاز القرآن -
ومرتبطة إرتباطاً عضوايً ابإلجتهاد (وببعض العبادات كالصالة) ،ولذا فهي أي
فرنسا تريد من وراء هتميش اللغة العربية وإقصائها بـ"اللغة األمازيغية" ،أن:
-تزيد من إضعاف العقيدة اإلسالمية يف نفوس املسلمني فتبقى فاقدة
احليوية،
-وأن تزيدهم عجزاً عن مواجهة مشكالت احلياة املستجدة ابألحكام
الشرعية املستنبطة من نصوص الكتاب والسنة ابعتبارها معاجلات ملشكالت احلياة،
فيستمرون يف عدم ثقتهم أبحكام اإلسالم مبعاجلة مشكالهتم إما ابملعاجلات الغربية
الكافرة أو بتأويل أحكامه لتوافق تلك املعاجلات.
21
إن الناظر إىل ما جيري من أعمال سياسية وثقافية واليت تصب يف اجتاه
ترسيم اللغة األمازيغية وتدريسها ،والناظر إىل الظروف احمليطة هبذه األعمال
واملالبسات اليت تكتنفها ويربط بينها ،جيد أهنا مصوبة أساساً حنو حماربة فكرة الدولة
اإلسالمية ومحلتها؛ فإحلاح دعاة األمازيغية على تكرار الشكوى من متاعب ال
وجود هلا ،ومن ظلم ال وجود له (احتقار األمازيغية ،هتميش اهلُوية األمازيغية !!...اخل)
الرد حوهلا ...اهلدف منه هو يهولون من شأهنا ،ويكثرون من األخذ و ّ خيرتعوهنا مث ّ
لفت أنظار الناس إليهم لصرف نظرهم عن الصراع الدائر بني محلة الدعوة اإلسالمية
والنظام الكافر من جهة ،ولتخويف الناس من خطر انقسام اجلزائر يف حالة وصول
التيار اإلسالمي إىل احلكم من جهة أخرى (ابعتبار أن دعاة األمازيغية من معارضي قيام
الدولة اإلسالمية).
هلذا فإن قناع األمازيغية ،ما هو إال وسيلة أريد هبا حتقيق أمرين:
أ -ضرب اإلسالم بضرب لغته اليت يُفهم ويُؤدى هبا؛ بزايدة إضعاف
عقيدته يف عقول الناس الذين (سـ)ينشئون بلسان ال يعرف اللغة العربية فال يلمسون
إعجاز القرآن فال يظهر أثره يف نفوسهم من جهة ،وبتعطيل اإلجتهاد يف هذا اجلزء
من األمة فال يوجد فيه جمتهدين يبذلون وسعهم يف استنباط معاجلات ملشكالته
املتجددة من النصوص الشرعية من جهة أخرى.
ولعل مشكلة االنعدام (شبه) الكلي للعلماء وللفقهاء يف اجلزائر (مقارنة
ابلبالد العربية األخرى) يُعلّمون الناس أحكام دينهم ،ومشكلة عدم استعمال اللغة
العربية يف األوساط السياسية والثقافية ،ومشكلة املستوى الثقايف الضعيف واحملدود
حىت عند الفئة املثقفة (سواء الثقافة اإلسالمية أو غريها) ،ملن أكرب الدالئل على جناح
فرنسا وعمالئها يف ضرب اإلسالم بضرب لغته العربية.
22
ب -ختويف الناس من خطر تفتيت ما يسمى بـ(الوحدة الوطنية) إببراز
العداء بني التيار اإلسالمي ودعاة األمازيغية (ذوو اجتاه علماين) لضرب فكرة الدولة
اإلسالمية ،وإجلاء الناس إىل أنصاف احللول اليت ترضي الطرفني حسب ومههم (لقد
وجد قطاع كبري من الش عب يؤيد فكرة بقاء النظام العسكري يف احلكم مع تطبيقه الكفر على أساس أن
استيالء التيار اإلسالمي على احلكم معناه حرب أهلية بينه وبني دعاة األمازيغية ،وهذا كحل وسط بني
الطرفني).
ومل يكتف أعداء اللغة العربية ابستعمال اللغة األمازيغية لتحقيق أغراضهم
اخلبيثة ،بل أضافوا إىل ذلك التشجيع على استعمال اللهجة العامية إلاثرة من
حيتضنها ويدعو هلا جنباً إىل جنب مع األمازيغية .ومن أمثلته:
-ما فعله الرئيس زروال يف بعض خطبه من التكلم ابللهجة العامية ،وقد
اعترب أول رئيس يقوم بذلك.
إن مشكلة اللغة العربية مشكلة سياسية حبتة ،ال عالقة هلا ابللغة العربية
كلغة ،ألن مشكلة اللغة العربية تكمن يف إقصاء اإلسالم عن احلكم ،حيث يقوم
على احلكم واإلدارة ووسائل اإلعالم والرتبية والتعليم يف اجلزائر ،رجال صنعتهم
فرنسا – أم االستعمار الثقايف -وربتهم تربية معينة مقصودة ،وغرست يف نفوسهم
احلقد على اإلسالم ولغته ،بل جعلتهم يعملون هلدم اإلسالم بكل ما يستطيعون،
تدرس كل شيء ابلفرنسية مثالً كمعاهد التكنولوجيا ومعاهد فقامت اجلامعات اليت ّ
الطب واهلندسة واحملروقات ،وقامت اإلدارات اليت تستعمل اللغة الفرنسية (يف الوزارات
واملديرايت والشركات...اخل) ،وقامت املراكز الثقافية الغربية اليت تد ّرس ابلفرنسية
وابإلجنليزية ،وألِّف الناس يف اجلزائر احلديث بغري العربية واستطابوه ،وما ذلك إال
برتتيب وتدبري من فرنسا ومواالة وأتييد من احلكام املسلطني على رقاب الشعب
اجلزائري .فحكامنا ال يسمحون أبداً أن تعم اللغة العربية يف بالدان ،بل يعملون
جاهدين على إقصائها وتثبيت غريها ،ألنه هكذا ُخطط هلم وهكذا ُرسم هلم وال
ميلكون إال السري وفق ما يريد أسيادهم الكفار.
وال نذهب بعيداً إذا علمنا أن التسهيالت اليت رافقت جلوء النظام اجلزائري
إلعادة جدولة ديونه من خالل اندي ابريس الذي لفرنسا – أم االستعمار الثقايف
-فيه نفوذ كبري قد متت من خالل شرط تفوق اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أوىل ،يف
24
(القانون رقم -19 اإلدارة والتعليم ،وجتميد العمل بقانون تعميم استعمال اللغة العربية
05املؤرخ يف 30مجادى الثانية عام 1411هـ املوافق 16يناير 1991م املتضمن تعميم استعمال
اللغة العربية).
وعلى هذا فإن ما مسيناه بـ"أزمة اللغة واهلُوية" ما هي يف احلقيقة إال قناعاً،
اهلدف منه ضرب وحماربة اإلسالم واملسلمني بصفة عامة وضرب وحماربة فكرة
الدولة اإلسالمية ومحلة الدعوة اإلسالمية بصفة خاصة.
*****************************************
هذا هو واقع "أقنعة األزمة" أو أقنعة الصراع الدائر يف اجلزائر:
-1أزمة شرعية؛ يراد هبا احليلولة دون وصول اإلسالم إىل احلكم.
-2أزمة اقتصادية؛ يراد من ورائها إهلاء الشعب اجلزائري عن فكرة الدولة
اإلسالمية ،وتربير "رأمسلة" اإلقتصاد اجلزائري فرضاً للسيطرة الرأمسالية اإلستعمارية
على البالد والعباد.
-3أزمة إرهاب؛ يراد هبا متييع قضية محلة الدعوة اإلسالمية ،وترهيب
الناس من اتباعهم ،ومترير اخلضوع لربانمج الصندوق النقدي الدويل والبنك العاملي
تطبيقاً خلطة "رأمسلة" اإلقتصاد فرضاً للسيطرة الرأمسالية اإلستعمارية على البالد.
وهوية؛ يراد هبا ضرب اللغة العربية إلضعاف اإلسالم يف
-4أزمة لغة ُ
نفوس املسلمني يف اجلزائر إبضعاف فهمهم له عن طريقها ،مع ختويف الشعب من
خطر احلرب األهلية وخطر انقسام اجلزائر إىل دويالت بسبب تناقض التيار
اإلسالمي مع التيار األمازيغي العلماين ،قصد استبعاد فكرة الدولة اإلسالمية من
ذهنه بلجوئه إىل أنصاف احللول.
25
وإننا إذ نبني واقع هذه األقنعة ،وأهداف التقنع هبا ،نرى بعض عمالء
الكفار هنا وهناك يتغنون بتحقيقها؛ أي يتغنون بضرب فكرة اإلسالم السياسي-
الدولة اإلسالمية -وإقصائها من تفكري الشعب ،فها هو سعيد سعدي ،رئيس
حزب التجمع من أجل الثقافة والدميقراطية ،يؤكد ذلك ،إذ قال":لدي القناعة
التامة أبن اإلسالم السياسي قد أقصي هنائياً كحل حتمي ،فلم تعد الغالبية العظمى
كل حالً ملشاكلها" (جريدة اخلرب اليومية تؤمن أبن اإلسالم السياسي يش ّ
1995/10/14م).
وممّا يؤكد خبث النظام العسكري وسعيه جاهداً حملاربة عودة اإلسالم
كدعوة سياسية وضرب فكرة الدولة اإلسالمية -ولو تلفظاً هبا فقط -احلادثة اليت
جرت قبيل انتهاء احلملة اإلنتخابية ،حيث اهتم مرشح حركة اجملتمع اإلسالمي
(محاس) حمفوظ حنناح أبنه استعمل اإلسالم ألغراض سياسية يف محلته اإلنتخابية
(زايرة مسجد كتشاوة ابلعاصمة ،وذكر اإلسالم يف ملصقات دعائية) ،فهرعت هذه احلركة اليت
تدعي العمل ابإلسالم وله تنفي عنها هذه التهمة ،وتربهن على أهنا ال تعمل إلقامة
الدولة اإلسالمية؛ حيث صّرح حمفوظ حنناح قائالً":هل مسعتموين أقول هنا أننا من
أجل دولة إسالمية أو أنين تلفظت ولو بكلمة واحدة عن الشريعة ؟"(جريدة اخلرب
اليومية 1995/11/05م) .وأخذت هذه احلركة اليت تدعي أهنا تعمل ابإلسالم وله ترّكز
على محل شعارات :إحرتام احلرايت الفردية واجلماعية وضماهنا ،محاية حقوق
اإلنسان ،محاية مبادئ الدميقراطية واجلمهورية ...تقيداً بقانون اإلنتخاابت الذي
ينص يف مادته ااـ( )108على وجوب إحرتام الدستور والدفاع عنه ،عدم إستعمال
اإلسالم ألغراض حزبية ،والتمسك ابلدميقراطية وإحرتام التعددية السياسية يف إطار
املبادئ اجلمهورية...اخل ،واليت -أي هذه املادة -توجب أن ينعكس حمتواها يف
26
برانمج أي مرشح لإلنتخاابت الرائسية...فالنظام العسكري أخذ يستعمل بعض
احلركات املسماة (إسالمية !!) لضرب فكرة الدولة اإلسالمية ومتييعها لدى الشعب
اجلزائري.
إن النظام العسكري ويف سبيل استئصال فكرة الدولة اإلسالمية من أذهان
الناس ،ويف سبيل جتميع الشعب اجلزائري حول أي شيء ما عدا اإلسالم أو جتميعه
حول ما يقصي اإلسالم من حياته ،عمد إىل فكرة "الوطنية" العفنة لتحقيق ذلك؛
فقد أخذ ينفخ يف الشعب الروح الوطنية اترة ابلدعوة إىل ما يسمى بـ"مبادئ وقيم
ثورة الفاتح من نوفمرب 1954م وضرورة التجمع حوهلا ،كما جاء يف خطاب
الرئيس زروال ونداءه للشعب اجلزائري...":ليصنع جتمع وطين حول قيم ثورة نوفمرب
اجمليدة"(جريدة املساء اليومية 1995/10/30م) ،واترة أخرى أبن احلركات اإلسالمية
املسلحة حركات غري وطنية حتركها أايدي أجنبية ،وأهنم أبناء حركى (خونة) ،فهذه
احلركات خطر على الوطن وأن الوطن هو الذي يُدافع عنه وليس اإلسالم ألننا كلنا
مسلمني ،لذا فاجلزائر أوالً وقبل كل شيء...
فالنظام يريد من فكرة "الوطنية" عامة ،وفكرة ما يسمى بـ"مبادئ وقيم ثورة
الفاتح من نوفمرب 1954م" خاصة (وهي مبادئ وقيم يراها علمانية تفصل
اإلسالم عن احلياة والدولة واجملتمع) أن تصرف الشعب اجلزائري عن إسالمه وعن
فكرة الدولة اإلسالمية.
هذه بعض احلقائق عما جيري على الساحة اجلزائرية ،على املسلمني يف
اجلزائر ويف غري اجلزائر أن يدركوها ويعلموها إذا كانوا مل يدركوها من قبل ومل
يصحوا من
يعلموها ،لتكون الدافع هلم كي يفيقوا من غفلتهم اليت طال مداها ،وكي ْ
سباهتم العميق الذي استبد هبم ،حىت ابت هذا السبات ميلهم وميجهم.
27
فعلى املسلمني أن يدركوا ويعلموا ...أن حكامهم ما هم إال عمالء
خونة ،نصبتهم الدول الكافرة اإلستعمارية حلماية أنظمتهم الكافرة ،وللحيلولة بني
األمة اإلسالمية وبني استئنافها للحياة اإلسالمية بتطبيق اإلسالم ومحله رسالة هدى
ونور إىل العامل ،...،وأن الدول كلها عدوة لإلسالم واملسلمني ،وأشدها عداوة
الدول الكربى اليت خططت يف املاضي هلدم دولة اإلسالم ،وخططت للحيلولة دون
رجوعها ،وختطط لوأدها يف املهد إذا قامت ،ألن هذه الدول تدرك مدى خطورة
اإلسالم على املبدأ الرأمسايل وخباصة إذا كانت هناك دولة تطبقه وحتمله إىل العامل.