You are on page 1of 30

‫بقلم ‪ :‬أمحـد بن عمــر األوراسي‬

‫اجلزائــر‬
‫ديسمرب ‪1995‬م‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫ك َع ِن الَّ ِذي أَو َحيـنَا إِلَي َ‬


‫ك‬ ‫ادوا لَيَـفتِنُونَ َ‬ ‫َوإِن َك ُ‬
‫وك َخلِيلً )‪َ (73‬ولَولَ‬ ‫ي َعلَيـنَا غَيـ َرهُ َوإِذاً لََّّّتَ ُذ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َت‬‫َ‬ ‫تف‬‫لِ‬
‫دت تَـرَك ُن إِلَي ِهم َشيئاً قَلِيلً )‪ (74‬إِذاً‬ ‫اك لََقد كِ َّ‬ ‫أَن ثَـبَّـتـنَ َ‬
‫ك‬‫ات ُثَّ لَ َِت ُد لَ َ‬ ‫ف المم ِ‬ ‫ع‬ ‫ف اْلي ِاة و ِ‬
‫ض‬ ‫َّألَ َذقـنَ َ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫اك ضع َ ََ َ‬
‫ض‬‫ك ِم َن األَر ِ‬ ‫ادوا لَيَستَ ِف ُّزونَ َ‬
‫صرياً )‪َ (75‬وإِن َك ُ‬ ‫َعلَيـنَا نَ ِ‬
‫ك إِلَّ قَلِيلً‬ ‫جوك ِمنـ َها َوإِذاً لَّ يَـلبَـثُو َن ِخلفَ َ‬ ‫لِيُخ ِر َ‬
‫ك ِمن ُّر ُسلِنَا َولَ َِت ُد‬ ‫)‪ُ (76‬سنَّةَ َمن قَد أَر َسلنَا قَـبـلَ َ‬
‫سنَّتِنَا ََت ِويلً )‪(77‬‬ ‫لِ‬
‫ُ‬

‫س ـورة اإلس ـراء‬

‫‪2‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫مقدمة‬

‫ما جيري اليوم يف اجلزائر‪ ،‬وما يطفو على ساحتها من أزمات سياسية‪،‬‬
‫اقتصادية وثقافية‪...‬اخل يشبه ما ميكن تسميته بـ"أقنعـة األزمـة"؛ فما يدور على‬
‫الساحة اجلزائرية هو أن هناك أزمة قُنعت أبقنعة تسرت وجهها‪ ،‬وختفي حقيقتها عن‬
‫إحساس الشعب وتضلل شعوب األمة اإلسالمية عن معرفة حقيقة هذه األزمة أو‬
‫الصراع الدائر يف اجلزائر‪.‬‬

‫وواقع هذه األقنعة ‪-‬أقنعة األزمة‪ -‬هو اختالق ظروف حقيقية صعبة‬
‫ومشاكل ومهية معقدة‪ ،‬مثّ التهويل من شأن هذه الظروف واملشاكل املفتعلة لرتكيز‬
‫إحساس الشعب هبا‪ ،‬وتوجيه النظر حنوها فقط ابلرتويج اليومي هلا بشكل مغلوط‬
‫وكاذب‪ .‬الشيء الذي من شأنه تدمري العملية الفكرية السليمة لدى الشعب يف فهم‬
‫األزمة وطريقة حلها‪ ،‬وهذا كله هبدف حرفه عن طريق النهضة الصحيحة اليت أخذ‬
‫الشعب اجلزائري يتلمسها كبقية الشعوب اإلسالمية يف العامل اإلسالمي‪.‬‬

‫وتكمن خطورة هذه األقنعة يف سرتها لوجه األزمة احلقيقي‪ ،‬وتغطيته تغطية‬
‫مستمرة لتبليد حس الشعب‪ ،‬ألن اهلدف احلقيقي من استمراريتها – أي دوام‬
‫الظروف الصعبة واملشاكل الومهية املعقدة‪ -‬هو منع اإلسالم من الدخول إىل‬
‫اجملتمع‪ ،‬وحتريف ومتييع قضية محلة الدعوة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وأقنعة األزمة تتمثل أساساً فيما يسمى بـ"أزمة الشرعية"‪" ،‬األزمة‬
‫القتصادية"‪" ،‬اإلرهاب"‪ ،‬و"أزمة اللغة واهلُوية"‪ .‬أما وجهها احلقيقي فهو أن‬
‫الصراع الدائر يف اجلزائر هو بني اإلسالم والكفر‪ ،‬بني احلق والباطل‪ ،‬بني اهلدى‬
‫والضالل‪ ،‬بني اخلري والشر‪ .‬وبني األمة اإلسالمية – وليس الشعب اجلزائري فقط ‪-‬‬
‫والدول الرأمسالية االستعمارية أورواب (وخباصة فرنسا) وأمريكا‪ .‬وأدوات الكفر‬
‫والباطل والضالل والشر للدول الرأمسالية االستعمارية هذه هي‪ :‬احلكام واألحزاب‬
‫الدميقراطية واالشرتاكية والشيوعية والقومية والوطنية واجلهوية واملدعية لإلسالم‬
‫(واإلسالم منها بريء)‪.‬‬

‫فاألزمة احلقيقية أن الكافر املستعمر ممثال يف دول الكفر وعلى رأسها‬


‫أورواب (وخباصة فرنسا وإجنلرتا) منعت املسلمني يف اجلزائر من تسلم السلطة وتطبيق‬
‫اإلسالم‪ ،‬حينما صادرت الطغمة العسكرية اختيار الشعب للمشروع اإلسالمي ممثال‬
‫يف اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ ،‬واحليلولة دون استمرار الدعوة مبنع الدعاة من العمل‬
‫لإلسالم حبمل دعوته فكرايً وسياسياً عن طريق إرهاهبم واعتقاهلم وقتلهم من جهة‪،‬‬
‫وتنفري الناس منهم – أي من الدعاة ‪ -‬إبلصاق هتمة اإلرهاب واألعمال اإلجرامية‬
‫هبم والعمالة لدولة أجنبية من جهة أخرى‪.‬‬

‫فاملسلمون يف اجلزائر‪ ،‬بل يف العامل أمجع‪ ،‬كلهم طرف يف الصراع‪ ،‬وهلذا‬


‫قنّعوا هذه األزمة وهذا الصراع الدائر بني الكفر واإلسالم وبني محلة الدعوة‬
‫اإلسالمية والدول الكافرة وعمالئها‪ ،‬أبقنعة ختفي هذه احلقيقة حىت ال يعتقد‬
‫الشعب أنه املستهدف يف إسالمه‪ ،‬وحىت ال ميتد أتثري الصراع إىل بقية أطراف األمة‬
‫اإلسالمية فتحطم عروش الطواغيت يف مجيع أحناء العامل اإلسالمي‪ ،‬فينتقل الصراع‬
‫‪4‬‬
‫إىل الصدام املباشر بني األمة اإلسالمية والدول الكافرة االستعمارية‪ ،‬وهذا ما خيشاه‬
‫الكافر املستعمر‪.‬‬

‫ولتوضيح واقع األقنعة قناعاً قناعاً نقول‪:‬‬

‫‪ /1‬أزمــة الشرعيــة‪ :‬ظاهرايً ومن أول وهلة تبدو األزمة متمثلة يف الشرعية؛‬
‫أي أن من ابحلكم اغتصب السلطان‪ ،‬وتوىل رعاية شؤون الناس ابلقوة‪ .‬ورغم أن‬
‫ذلك حقيقة إال أهنا تعترب قناعاً يسرت حقيقة أخرى‪ .‬والسؤال التايل يوجه التفكري‬
‫إىل واقعها‪ ،‬ومن ممثّ إدراكها‪ :‬ملاذا استوىل اجليش على احلكم ابلقوة واضطهد‬
‫أصحاب الشرعية؟‬

‫واجلواب على ذلك هو أن اجليش ممثال يف كبار الضباط أومأت إليهم‬


‫فرنسا العدو اللدود لإلسالم واملسلمني ابإلستيالء على احلكم ابلقوة إلبعاد اإلسالم‬
‫عنه (بعد فرتة بومدين األمريكي الوالء توىل احلكم الشاذيل‪ ،‬وأصبح املتنفذون يف اجليش اجلزائري‬
‫فرنسيي الوالء والثقافة والتدريب‪ ،‬فأصبح نفوذ فرنسا واضحاً يف اجلزائر بعد وفاة بومدين)‪ ،‬بدليل أن‬
‫أصحاب الشرعية هم من محلة الدعوة اإلسالمية ممثلني يف اجلبهة اإلسالمية‬
‫لإلنقاذ‪ ،‬والطغمة العسكرية ومن ورائها فرنسا تعلم أن اختيار الشعب اجلزائري‬
‫حلملة الدعوة اإلسالمية إمنا هو اختيار ملشروعهم اإلسالمي‪ ،‬فأرادت ابلتايل منع‬
‫وصول اإلسالم إىل موضع التطبيق والتنفيذ مبنع محلة دعوته من الوصول إىل احلكم‪.‬‬

‫وأبرز دليل مسكت على أهنم منعوا اإلسالم من الوصول إىل احلكم ال‬
‫شيئاً آخر‪ ،‬وأهنم موجودون يف احلكم (أي العسكريون) للحيلولة دون وصول‬
‫اإلسالم إىل احلكم – أي حماربة فكرة الدولة اإلسالمية "اخلالفــة" ال ألي شيء‬
‫آخر‪ ،‬ما جرى يف حوار الظل األخري (أفريل‪ -‬جوان ‪1995‬م) بني كبار العسكريني‬
‫‪5‬‬
‫وقيادة اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ ،‬وانتهاء هذا احلوار ابلفشل بسبب متسك محلة‬
‫الدعوة اإلسالمية بفكرة "اإلسالم مصدر وحيد للتشريع"‪ ،‬مما يعين إصرارهم على‬
‫قاطعا‪ ،‬وأعلنه‬
‫ً‬ ‫إقامة الدولة اإلسالمية‪ .‬فقط رفض العسكريون هذه الفكرة رفضاً‬
‫صراحةً على شاشة التلفزيون أمام الشعب اجلزائري حماوالً تضليل هذا األخري‬
‫إبيهامه أنه يعيش يف (دولة إسالمية !) مبا أنه شعب مسلم وأن املادة الثانية من‬
‫تنص على أن (اإلسالم دين الدولة !)‪ .‬مما يدل داللة قاطعة على أنه ال‬
‫الدستور ّ‬
‫هدف هلم من وراء اإلستيالء على احلكم والبقاء فيه إال احليلولة دون وصول‬
‫اإلسالم إىل موضع التطبيق والتنفيذ‪.‬‬
‫وهذا الذي صرح به رضا مالك رئيس احلكومة األسبق ورئيس حزب‬
‫التحالف الدميقراطي اجلمهوري؛ فقد قال أهنم ليسوا ضد اإلسالميني كأشخاص‬
‫ولكنهم ضد املشروع اإلسالمي وضد تطبيق اإلسالم (جريدة املساء اليومية‬
‫‪1995/08/28‬م)‪ .‬ضف إىل ذلك ما قاله الشيخ حسني سليماين للنظام العسكري‪:‬‬
‫"احكموان ابإلسالم وطبقوا شرع هللا وسوف نتبعكم ونستغين عن كل مفاوضات أو‬
‫حتركات‪ .‬اخرجوا علينا هبذه املفاجأة والشعب كله من ورائكم" (جريدة العامل السياسي‬
‫األسبوعية‪ ،‬عدد‪ ،81‬ماي ‪1995‬م)‪ .‬وقد قاهلا هلم قبل هذا الشيخ علي بن حاج يف عهد‬
‫الشاذيل‪ ،‬ولكن ال حياة ملن تنادي‪.‬‬
‫وعلى هذا فاإلستيالء على احلكم ابلقوة حقيقة‪ ،‬ولكنها استعملت كقناع‬
‫لضرب وسرت حقيقة أخرى هي منع اإلسالم من الوصول إىل احلكم‪ ،‬والعمل على‬
‫إقامة حواجز شىت حتول بينه وبني احلكم والشعب‪.‬‬
‫‪ /2‬األزمــة القتصادية‪ :‬ظاهرايً تبدو األزمة يف عدم وجود السيولة الكافية‬
‫لتحريك اجلهاز اإلنتاجي وتنشيط االقتصاد‪ ،‬وما يتبعها من أزمة املديونية‪ ،‬وما نتج‬
‫‪6‬‬
‫عنها من عدم القدرة على خدمة أعبائها‪ .‬ومما زاد من جعلها قناعاً؛ حتويل اجتاه‬
‫معاجلتها – تعقدها ‪ -‬حسب النظام االقتصادي العاملي الرأمسايل إىل الصندوق‬
‫النقدي الدويل الذي جعل من هذه األزمة االقتصادية "القناع" أزمة حقيقية بواسطة‬
‫إجراءاته الكالسيكية املعروفة منذ نشأته‪.‬‬

‫لن خنوض يف الربهنة على أن األزمة االقتصادية اليت يعاين منها الشعب‬
‫اجلزائري هي أزمة مفتعلة أكثر من هي حقيقية‪ ،‬فيكفي ذكر فضيحة اختالس ‪26‬‬
‫مليار دوالر املوجودة يف البنوك الغربية‪ ،‬ويكفي معرفة ما مت تسديده خدمة ألعباء‬
‫مرات قيمة الدين‪ ،‬مع عدم استغالل املوارد‬ ‫الدين‪ ،‬والذي يساوي حوايل مخس ّ‬
‫الطبيعية إال مبا نسبته ‪ % 20‬منها‪.‬‬

‫ولكننا سنخوض يف الربهنة على أهنا استعملت – أي األزمة االقتصادية‬


‫‪ -‬كقناع لضرب اإلسالم واملسلمني يف اجلزائر وتضليلهم‪ .‬فالغرض من التهويل‬
‫منها‪ ،‬وإجياد ظروفها احلقيقية الصعبة شيئني اثنني ال اثلث هلما‪:‬‬

‫أ‪ -‬إهلاء الشعب اجلزائري هبا‪ ،‬بغرض تنسيته يف فكرة الدولة اإلسالمية‬
‫لتصبح لديه نسياً منسياً‪ .‬فالقصد األول من وراء اختالق الظروف الصعبة لألزمة‬
‫االقتصادية‪ ،‬إهلاء الناس يف مشاكلهم املعيشية ومهوم الرزق حىت تستهلك ج ّل‬
‫وقتهم‪ ،‬وتستحوذ على تفكريهم‪ ،‬حبيث ال يبقى لديهم الوقت الالزم للتفكري يف غري‬
‫مهومهم الشخصية اآلنية املتجددة واملتعددة‪.‬‬

‫فغالء املعيشة وعدم توفر السلع الضرورية‪ ،‬يؤدي ابلشعب إىل أن يكون‬
‫أكرب مهّه – وقد أصبح ‪ -‬إشباع حاجاته األساسية وليس التثقف ابألفكار‬
‫اإلسالمية‪ ،‬مما ينتج عن ذلك جعل حمور تفكريه إشباع حاجاته العضوية وغرائزه‬
‫‪7‬‬
‫وليس كيفية إيصال اإلسالم إىل احلكم‪ ،‬وابلتايل يكون مركز تنبهه املصاحل الضيقة‬
‫عوض أن يكون اإلسالم وما يقتضيه من فرض وواجب إقامة الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫ب‪ -‬فرض سيطرة الكافر املستعمر على االقتصاد اجلزائري جلعله سوقاً‬
‫للدول الرأمسالية‪ ،‬بتحطيم البنية التحتية لالقتصاد الصناعي‪ ،‬وإفساد الرتبة لفكرة‬
‫الصناعات الثقيلة حىت ال تغرس فيها أو لتموت يف مهدها يف حالة قيامها‪.‬‬
‫ابإلضافة إىل حتطيم االقتصاد الزراعي وجعله عاجزاً عن االنطالق بواسطة املعوقات‬
‫امللكية والتموينية والتمويلية‪.‬‬

‫إن هتافت وهتالك أفراد الشعب اليوم على الطُعم الذي يلقيه النظام له‬
‫أدى به إىل االنصراف عن فكرة الدولة اإلسالمية وما يتصل هبا انصرافاً غري طبيعي‪،‬‬
‫كرد فعل ملا يفتعله النظام من الرفع من األسعار وجتميد‬ ‫ذلك أن انصرافه جاء ّ‬
‫األجور وندرة السلع األساسية واخلدمات الضرورية وإجياد البطالة؛ أي أن ما يقوم به‬
‫هذا النظام إمنا بقصد إجياد أُهلية صعبة للشعب يتلهى هبا عن اإلسالم وفكرة الدولة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫هذا عن اهلدف األول من قناع األزمة االقتصادية‪ .‬أما عن اهلدف الثاين‬


‫املتمثل يف فرض السيطرة الرأمسالية على اقتصاد البالد فهو واضح وضوح الشمس يف‬
‫رابعة النهار من أقواهلم وأفعاهلم وعالقاهتم مع الدول الرأمسالية والصندوق النقدي‬
‫الدويل‪ .‬إذ كيف نفسر قول النظام العسكري أبن مشكلة االقتصاد اجلزائري تكمن‬
‫يف زايدة نفقاته عن إيراداته (عجز يف ميزان املدفوعات) رغم أن الذي يقومون به‬
‫لعالج هذه املشكلة ال عالقة له مبعاجلتها؟‬
‫‪8‬‬
‫أي كيف نفسر الرتويج والتطبيق لـ"اقتصاد السوق" الذي هو النظام‬
‫االقتصادي الرأمسايل على أنه احلل األوحد ‪ -‬وهذه مسألة فلسفية تتعلق بوجهة‬
‫النظر يف احلياة ‪ -‬ابلرغم من أنه (أي النظام العسكري) يقول أبن املشكلة تتمثل يف‬
‫أن النفقات أكثر من اإليرادات – وهذه مسألة علمية ال عالقة هلا بوجهة النظر يف‬
‫احلياة ‪-‬؟ أال يعين ذلك تركيزاً لالستعمار؛ برتسيخ السيطرة الرأمسالية على اقتصاد‬
‫البالد؟ وما التوجه مث اخلضوع لربانمج الصندوق النقدي الدويل والبنك العاملي إال‬
‫وجه من الوجوه املكشوفة لفرض هذه السيطرة الرأمسالية وتسوية الطريق لـ"رأمسلة"‬
‫االقتصاد اجلزائري‪.‬‬
‫وعلى هذا فاألزمة االقتصادية قناع أُريد به صرف األذهان عن اإلسالم‬
‫بشكل عام وعن فكرة الدولة اإلسالمية بشكل خاص‪ ،‬ابإلضافة إىل تربير "رأمسلة"‬
‫االقتصاد لفرض السيطرة عليه‪ ،‬لضرب أية حماولة حتريرية شاملة بربط مصاحل الشعب‬
‫ابلنظام االقتصادي الرأمسايل لتصطدم هبذه احملاولة أو إعادهتا إىل االنطالق من‬
‫الصفر أو حرفها عن مسارها الصحيح‪ ،‬لتمديد وإطالة هيمنة الكافر املستعمر على‬
‫الشعب وعلى البالد‪ ،‬لتكون هذه السيطرة الرأمسالية حائالً بني الناس وبني دخول‬
‫اإلسالم إىل جمتمعهم‪ ،‬ووصوله إىل موضع التطبيق والتنفيذ‪.‬‬
‫‪ /3‬اإلرهــاب‪ :‬مل يستعمل أي قناع من األقنعة املار ذكرها يف التضليل‬
‫وحّرفت قضية محلة‬ ‫وسرت احلقائق كما استعمل اإلرهاب لتحقيق ذلك‪ .‬فقد ُميّعت ُ‬
‫الدعوة اإلسالمية يف أذهان الناس وحىت لدى نفس محلة الدعوة اإلسالمية متييعاً‬
‫وحتريفاً بشعاً‪.‬‬
‫فبعدما كان الناس يرون أن انتهاج محلة الدعوة لطريق العمل املسلّح إمنا‬
‫هو من أجل الدفاع عن اختيار الشعب لإلسالم كرد فعل على االنقالب‬
‫‪9‬‬
‫العسكري‪ ،‬ومن أجل الدفاع عن النفس كرد فعل على االعتقاالت والتعذيب‬
‫واالغتياالت اليت استهدفتهم؛ أي من أجل اإلسالم ومن أجل الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫وساندوهم يف ذلك معنوايً ومادايً‪ ،‬أصبح الكثري من الناس‪ -‬بفعل ما يقوم به النظام‬
‫من جرائم وحشية على األبرايء من الناس إبسم احلركات اإلسالمية املسلحة أو بفعل‬
‫أخطائها‪ ،‬وبفعل كذب وتضليل وسائل اإلعالم اليت تصورهم جمرمون دمويون‬
‫وخمربون ال ميتون لإلسالم بصلة‪ ،‬ونتيجة لذلك ‪ -‬قلت أصبح الكثري من الناس‬
‫ممتلئون ابلشك يف احلركات اإلسالمية املسلحة (وخباصة بعد اخرتاقها) وانبعثت‬
‫الريبة يف حقيقة عالقتها ابإلسالم‪ ،‬ويف حقيقة صراعها مع النظام‪ ،‬ويف أعماهلا ويف‬
‫يتحول إىل حالة أشبه‬
‫عناصرها‪ ،‬وخباصة وأن الصراع مؤهل‪ -‬كما يبدو ‪ -‬ألن ّ‬
‫ابحلرب األهلية‪ ،‬حيث أصبح الشعب اجلزائري يعيش يومياً أجواء رعب ال نظري له‪،‬‬
‫نظراً لالعتقاالت واالختفاءات واالغتياالت والتعذيب واالنتقام‪ ،‬أدى إىل أن ينطلي‬
‫كل هذا على اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ ،‬حني احنرفت عن قضيتها‪ ،‬قضية الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬حني ربطت نفسها أبحزاب (املعارضة) اجلزائرية اليت ال عالقة هلا‬
‫ابإلسالم (اشرتاكية‪ ،‬شيوعية‪ ،‬وطنية‪ ،‬مدعية لإلسالم) اجملتمعة يف روما لدى مجاعة سانت‬
‫اجييديو يوم ‪1995/01/13‬م‪ ،‬ومت إعالن ما يسمى بوثيقة "العقد الوطين" (عقد‬
‫روما) حيث إلتزمت معها بـ"حل سياسي سلمي شامل دميقراطي وعادل" على‬
‫أساس عقد وطين يكون إطاره بعض (املبادئ) التالية أدانه‪:‬‬
‫‪ -‬تصريح أول نوفمرب‪1954‬م‪" :‬إعادة إقامة الدولة اجلزائرية الدميقراطية‬
‫واالجتماعية يف إطار مبادئ اإلسالم"‪.‬‬
‫‪ -‬احرتام التناوب السياسي ابالقرتاع العام‪.‬‬
‫‪ -‬أولوية القانون الشرعي‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ -‬ضمان احلرايت األساسية ‪ -‬الفردية واجلماعية ‪ -‬بصرف النظر عن‬
‫العرق واجلنس والدين واللغة‪.‬‬

‫‪ -‬تكريس تعددية األحزاب‪.‬‬

‫‪ -‬إن العناصر التكوينية للشخصية اجلزائرية هي اإلسالم والعروبة‬


‫واألمازيغية‪ .‬وإن الثقافة واللغتني املسامهة يف تنمية هذه الشخصية جيب أن جتد‬
‫مكانتها وتعزيزها املؤسسايت‪.‬‬

‫‪ -‬تلتزم األحزاب ابحرتام دستور ‪ 23‬فيفري ‪1989‬م‪.‬‬

‫وبتبين اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ملا يسمى "العقد الوطين" تكون قد ختلّت‬
‫عن فكرة الدولة اإلسالمية ومحلت املفاهيم الدميقراطية من نظام مجهوري‪ ،‬تعددية‬
‫ضللت لدرجة أهنا اعتقدت أهنا‬ ‫حزبية‪ ،‬حرايت‪ ،‬التداول على السلطة‪...‬إخل‪ .‬وقد ُ‬
‫تتخل عن مشروعها اإلسالمي بتبين "العقد الوطين" بيان أول نوفمرب‬ ‫ّ‬ ‫مازالت مل‬
‫‪1954‬م ( الذي مما ينص عليه إقامة الدولة اجلزائرية الدميقراطية االجتماعية ذات السيادة ضمن إطار‬
‫املبادئ اإلسالمية) واعتقدت أهنا قد توصلت مع األحزاب املعارضة إىل وضع قواعد‬
‫لعبة (الدميقراطية) تسمح للجميع حبرية التعبري حبيث حيتفظ كل حزب بـ"مشروع‬
‫تبث براجمها‬
‫صرح بذلك آيت أمحد إلذاعة "راديو‪-‬بور" للمهاجرين اليت ّ‬ ‫اجملتمع" اخلاص به (كما ّ‬
‫من ابريس‪.‬جريدة اخلرب اليومية ‪1995/11/07‬م)‪ ،‬متناسية أهنا كفرت يوماً ما ابلدميقراطية‪،‬‬
‫فتحقق فعالً للنظام ما أراد وهو حرف اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ عن فكرهتا اليت‬
‫أنشئت من أجلها وضحى الكثري يف سبيلها‪.‬‬

‫أما ما يظهر من رفض النظام لوثيقة "العقد الوطين" إمنا ألهنا وثيقة أمريكية‬
‫‪ -‬أي أن أمريكا (يبدو أهنا) حتاول أن جتعل من "عقد روما" أداة لضرب النفوذ‬
‫‪11‬‬
‫األورويب (وخباصة النفوذ الفرنسي) يف اجلزائر ‪ -‬وليس لكوهنا يف غري صاحله وصاحل‬
‫فرنسا‪ .‬فـ"العقد الوطين" يرضي األطراف اجلزائرية مبا فيها النظام (رغم أنه اعتربها "ال‬
‫حدث" ألنه ال يريد إال املبادرات اليت يصنعها بنفسه)‪ ،‬كما يرضي األطراف الدولية وخباصة‬
‫أمريكا وفرنسا (فقد أعلنت رضاها عن نتائج ندوة روما)‪ .‬فأمريكا حبثت على كل‬
‫اجلبهات‪ ،‬ويبدو أهنا جنحت يف إجياد عالقات متعددة؛ ففي الوقت الذي أجرت‬
‫فيه اتصاالت يف بداية االنقالب مع بعض القيادات وعلى رأسهم اجلنرال خالد نزار‬
‫ومازالت حتتفظ بعالقتها به‪ ،‬تلتقي يف سفارهتا يف اجلزائر مع بعض أعضاء املكتب‬
‫السياسي حلزب جبهة التحرير الوطين‪ ،‬وتوجد أيضا اتصاالت هلا مع أنور هدام‬
‫رئيس البعثة الدبلوماسية يف اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ (وقد نسبت جريدة احلياة يف عددها‬
‫‪ 11664‬والصادر يوم اخلميس ‪1995/01/26‬م يف ص‪ 4‬إىل أنور هدام عندما ُسئل عن مستوى‬
‫االتصاالت اليت جتريها اإلدارة األمريكية معه‪ ،‬رفض التحديد بدقة‪ ،‬قائال أن‪" :‬املهم أننا نتصل" وأن‬
‫اهلدف "شرح موقفنا" والضغط على احلكم) هذا فضال عن تنشيط عميلها القدمي أمحد بن‬
‫بلّة‪ .‬ويبدو أن فرنسا بدأت تعي عدم قدرة عمالئها على السيطرة على الوضع‪،‬‬
‫وهلذا حاول الرئيس الفرنسي فرانسوا ميرتان افتكاك مبادرة أمريكا من بني يديها‬
‫مبحاولة احتواء "عقد روما"‪ ،‬عند إعالنه عن ضرورة أن يتوسط اإلحتاد األورويب يف‬
‫الصراع الدائر يف اجلزائر‪ ،‬كما حياول احتواء جمموعة روما بسعيه لعقد مؤمتر‬
‫لألحزاب اجلزائرية ملناقشة احللول املطروحة للخروج من األزمة‪ ،‬وخص ابلذكر‬
‫األحزاب اليت شاركت يف ندوة روما‪.‬‬

‫وهو األمر الذي دعا فرنسا و بعض الدول األوروبية – حىت قبل ندوة‬
‫روما ‪ -‬إىل الدفاع عن مصاحل أورواب يف اجلزائر ضد احملاولة األمريكية عن طريق‬
‫تنسيق مواقفهما الحتواء اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ ،‬فمحاوالت عمالء فرنسا‬
‫‪12‬‬
‫لتحقيق هذا االحتواء عن طريق فتح الرئيس زروال – منذ أن كان وزيراً للدفاع ‪-‬‬
‫قنوات احلوار مع اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ تكللت ابلفشل الذريع‪ ،‬وأمريكا أوجدت‬
‫اتصاالت أبطراف األزمة قد تستعملها ضدها‪ ،‬وهلذا ظهر التنسيق الفرنسي‪-‬‬
‫األمريكي عند حماولة املؤسسة العسكرية االتصال بعبد العزيز بوتفليقة (تلميذ بومدين‬
‫العميل األمريكي) قبل انعقاد ندوة الوفاق الوطين املنعقدة أواخر جانفي ‪1994‬م‬
‫إلقناعه بتويل منصب رئيس اجلزائر‪ ،‬إال أن اخلالف حول الدور املنوط له جعل‬
‫ليعني مكانه زروال‪.‬‬
‫بوتفليقة يسحب ترشحه‪ ،‬ن‬

‫وعلى إثر هذا الفشل‪ ،‬ويف انتظار تصيد فرصة احتواء اجلبهة اإلسالمية‬
‫لإلنقاذ‪ ،‬خبلق الظروف اليت تدفعها إىل أحضان النظام ابلشكل الذي يريده‪ ،‬يعتمد‬
‫النظام يف ذلك على دوام األوضاع األمنية متدهورة (وخباصة بعد أن أخذ يسعى بكل‬
‫جهده لتشكيل ميليشيات شعبية مسلحة ملقاومة سيطرة احلركات اإلسالمية املسلحة‪ ،‬وشل حركتها)‬
‫مع تنشيطها وخباصة إعالمياً‪ ،‬لدفع اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ حنو نزع الغطاء‬
‫السياسي عن اجلماعات املسلحة (املخرتقة)‪.‬‬

‫ويف مقابل ذلك كان قد أخذ بعض السياسيني واألحزاب يف النشاط‬


‫سياسياً ‪ -‬ابستعمال فكرة احلوار ‪( -‬ميكن أن تكون بعض الدول األوروبية وحىت أمريكا قد‬
‫استعملتهم بطريقة غري مباشرة عن طريق عمالئها وخباصة أن بوتفليقة كان من مؤيدي هذه الفكرة)‬
‫لتصوير بعض أصحاب القرار (خاصة الذين قاموا ابالنقالب) على أهنم فئة‬
‫استئصالية (أصحاب احلل األمين)؛ سياستها استئصال (اإلسالميني والوطنيني) من‬
‫جذورهم‪ ،‬وأهنا سبب الكارثة اليت يعيشها الشعب‪ ،‬وأنه البد من احلوار (أصحاب‬
‫احلل السياسي)‪ ،‬ليخلقوا رأايً عاماً له وحوهلم؛ سياستهم الدعوة إىل اختاذ أسلوب‬
‫احلوار كوسيلة (حضارية) حلقن الدماء وملّ مشل اجلزائريني واحلفاظ على (الوحدة‬
‫‪13‬‬
‫الوطنية)‪ ،‬جلمع الشعب حوهلم‪ ،‬لتشجيع اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ أو دفعها على‬
‫التنازل أو وضعها على األقل يف قفص االهتام‪.‬‬

‫وهلذا فإن ما يسمى بـ"الفئة االستئصالية" (من ورائها فرنسا) و"الفئة‬


‫احلوارية" (حتركها بعض الدول األوروبية وحىت أمريكا من وراء الستار) ما مها يف‬
‫الواقع إال طرفا مقص (أورواب)‪ ،‬هدفه قص فكرة الدولة اإلسالمية وفصلها عن قضية‬
‫اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ واحلركات اإلسالمية املسلحة‪ ،‬حلرفهم عن غايتهم‬
‫وإسالمهم ومتييع قضيتهم لتنفري الشعب منهم وإبعاده عن اإلسالم‪.‬‬

‫إن مما زاد الطني بلّة وزاد من خبث النظام وتسلطه على رقاب العباد‪،‬‬
‫وجناحه فيما يرمي إليه أن احلركات اإلسالمية املسلحة ابإلضافة إىل اجلبهة‬
‫اإلسالمية لإلنقاذ – فضالً عن أهنا ُجّرت أو ُجنر أغلب مسؤوليها وعناصرها إىل‬
‫جراً دون إرادة ووعي‪ ،‬وفق خطة حمكمة من النظام مستغالً اندفاعهم‬ ‫العمل املسلح ّ‬
‫احلماسي إىل التغيري ‪( -‬مل يتضح رمسياً وحلد اآلن مدى تبين قيادة اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ‬
‫املسجونة "الشيخان عباسي مدين وعلي بن حاج" أطلق هللا سراحهما للعمل املسلح رغم أن بعض‬
‫مسؤوليها ومعظم عناصرها ينتمون ألغلب احلركات اإلسالمية املسلحة‪ ،‬وهذا ليس غريباً ألن الكيفية‬
‫اليت تسري اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ حبسبها منذ نشوئها كانت بوسائل مرجتلة (كاإلنتخاابت‪،‬‬
‫اإلعتصام‪ )...‬وملتوية (تسيري البلدايت‪ ،‬اإلضراب)؛ أي دون فهم أو ختطيط مسبق‪ ،‬فال يوجد لديها‬
‫تصور اتم للطريق الذي عليها أن تسلكه‪ ،‬فضالً عن أنه إن كان هلا هذا التصور (املطالبة واملغالبة)‪ ،‬فإنه‬
‫يكتنفه الغموض واإلهبام)‪ ،‬مل تقم أبي عمل فكري أو سياسي يف سبيل توضيح أفكارها‬
‫لتكون هلا الرأي العام الالزم واملساند‪ ،‬أي أهنا مل تقرن ابلعمل‬
‫وأعماهلا (املتبناة) ّ‬
‫املسلح كفاحاً سياسياً تكشف به خطط أورواب (وخباصة فرنسا) يف حماربة اإلسالم‬
‫واملسلمني أو تتبىن مصاحل الناس عن طريق توضيح وشرح برانجمها السياسي الذي‬
‫ستطبقه يف حالة وصوهلا احلكم؛ ألن عدم إماطة اللثام عن حقيقة عالقة هؤالء‬
‫‪14‬‬
‫اجلنراالت ابلكفار وعمالتهم لفرنسا وخيانتهم لألمة‪ ،‬وعن حقيقة خطتهم اليت‬
‫هتدف إىل حماولة استئصال فكرة الدولة اإلسالمية من أوساط الشعب‪ ،‬يف الوقت‬
‫يعرض الشعب إىل خطر ترك العمل ابإلسالم وله‪ ،‬فضال عن خطر‬ ‫املناسب س ّ‬
‫انفرادهم فكرايً وسياسياً وإعالمياً ابلشعب ليضلوه فيفرضوا عليه ما يريدون‪.‬‬

‫نعم مل تقم بذلك لتستعني ابلشعب على حكامه العمالء ومن ورائهم من‬
‫فرنسا (وبعض الدول األوروبية) لتحقيق الدولة اإلسالمية‪ ،‬بل استعانت أو هي يف‬
‫سبيل االستعانة ابلدول الكافرة املستعمرة عدوة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬سواء مباشرة‬
‫كالتطلّع إىل أمريكا‪ ،‬أو غري مباشرة كالتطلع للتنسيق مع األحزاب العميلة اخلائنة‬
‫(جبهة التحرير الوطين‪ ،‬جبهة القوى االشرتاكية‪ ،‬حزب العمال‪...‬اخل) للضغط حملياً أو دولياً على‬
‫النظام‪ ،‬وتركت الساحة السياسية الشعبية كما األوساط السياسية للنظام وأزالمه‪،‬‬
‫بواسطة وسائل اإلعالم املختلفة وبعض األحزاب‪ ،‬ينفث مسومه اإلخبارية واإلعالمية‬
‫مشوهاً للحقائق وخباصة فكرة الدولة اإلسالمية وقضية محلة الدعوة اإلسالمية‪ .‬حىت‬
‫صرح بذلك على لسان رزاق ابرة رئيس املرصد الوطين حلقوق اإلنسان‬ ‫أن النظام ّ‬
‫حني قال‪..":‬ما حيدث اليوم هو أن أبشع اإلغتصاابت قامت هبا جمموعات ليست‬
‫اتبعة ألي بعد سياسي‪ ،‬وهم أانس يقتلون وحيرقون ويسرقون ويغتصبون‪ ،‬وعندما‬
‫تطرحون السؤال عن من يتبىن سياسياً هذه األعمال لن جتذوا أحداً"(جريدة اخلرب‬
‫اليومية ‪1995/10/14‬م)‪.‬‬

‫إن أي عمل ‪ -‬سياسياً و‪/‬أو عسكرايً ‪ -‬إن مل يركز على األمة حلملها‬
‫على القيام به مع القائم به سوف لن يثمر مهما كان ضخماً‪ ،‬ألن القضية كل‬
‫القضية أن الدولة اإلسالمية ال ميكن إقامتها بدون األمة‪ ،‬وملا كانت اجلبهة‬
‫‪15‬‬
‫وضللت‬‫اإلسالمية لإلنقاذ تريد إقامتها لألمة ال ابألمة ومعها‪ ،‬فإهنا بعد أن عجزت ُ‬
‫( فضال عن أن فكرهتا اليت قامت على أساسها ومن أجلها كانت عامة‪ ،‬عاطفية‪ ،‬يشوهبا الغريب عنها‪،‬‬
‫فهي غري حمددة‪ ،‬وغري مبلورة‪ ،‬وغري نقية‪ ،‬وغري صافية) ‪ُ -‬مسمت بضرورة التنسيق مع جبهة‬
‫التحرير الوطين وجبهة القوى االشرتاكية حتت مربر أهنما أيضا ضحااي للنظام مثلها‪،‬‬
‫إلجياد ضغط حملي ودويل على النظام‪ ،‬فسقطت يف شرك حماولة االستعانة ابألجنيب‬
‫(عقد روما) وهذا معناه اإلنتحار السياسي‪ ،‬أي قتل النفس سياسياً؛ ألن حماولة‬
‫اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ربط قضيتها بغريها (أمريكا) ووضع يدها بيد غريها (األحزاب‬
‫العلمانية‪ ،‬الوطنية واالشرتاكية) إمنا يعين أهنا لن تصل لتحقيق قضيتها؛ فاألجنيب ال ميكن‬
‫أن يعيننا على قضيتنا اليت من أوىل أهدافها أن نطرد األجنيب‪ ،‬واألحزاب العلمانية‬
‫أدوات لألجنيب – مثل النظام ‪ -‬فهل مي ّكننا أو يساعدان األجنيب على حتقيق قضية‬
‫من أهدافها األساسية طرده من البالد !؟ لذلك نقول إن استمرت اجلبهة اإلسالمية‬
‫لإلنقاذ على هذا االتكال على األحزاب العلمانية والدول الكافرة املستعمرة ‪-‬‬
‫مقضي عليها ابلفشل أو‬ ‫ٌّ‬ ‫فضال عن أنه خمالفة واضحة ألحكام اإلسالم ‪ -‬فإنه‬
‫املوت أو خيانة األمة‪ .‬وهلذا فإنه لن يكون هناك جناح ألن فكرها تسمم ابالتكال‬
‫على األجنيب أو الرتويج له‪.‬‬

‫إن اهلدف من إلصاق هتمة اإلرهاب ابجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ واحلركات‬


‫اإلسالمية املسلحة هو تربير أعمال النظام العسكري وقمع محلة الدعوة اإلسالمية‬
‫ابإلضافة إىل متييع قضيتهم وحتريفها وتنفري الناس منها ومنهم‪.‬‬

‫أما عن هدف النظام ومن ورائه فرنسا من دوام األوضاع األمنية على ما‬
‫هي عليه فشيئني اثنني‪:‬‬
‫‪16‬‬
‫أ‪ -‬حماربة فكرة ممارسة السياسة والعمل السياسي على أساس اإلسالم‪،‬‬
‫لتنفري الشعب وإبعاده ليس فقط عن العمل السياسي على أساس اإلسالم‪ ،‬بل‬
‫وإبعاده عن السياسة – بوصفها سياسة ‪ -‬قدر املستطاع‪ .‬وخباصة إبعاد املخلصني‬
‫لتخلو الساحة السياسية يف اجلزائر للنظام وأزالمه‬ ‫م‬ ‫عن التدخل يف السياسة‬
‫وملؤامراهتم‪ ،‬ليمفرضوا على الشعب أفكارهم السياسية ويسوسونه هبا مبا حيقق أهداف‬
‫ويؤمن هلا مصاحلها‪ .‬ويف الوقت الذي‬ ‫ِّ‬
‫الدول الكافرة املستعمرة (وخباصة فرنسا) ّ‬
‫يشجع فيه العمل املسلح أبساليبه اخلبيثة بشكل غري مباشر‪ ،‬بتوريط الناس يف العمل‬
‫املسلح (مع أو ضد احلركات املسلحة) حىت أصبحت السياسة مرادفة للقتل‬
‫والرعب‪ ،‬فإنه يشجع أيضاً األحزاب الدميقراطية‪ ،‬اجلهوية‪ ،‬الوطنية‪ ،‬و(املدعية‬
‫لإلسالم) ليتم استنزاف جهود الناس يف أعمال هي يف حقيقتها أعمال تضليل‬
‫سياسي تعتمد على املغالطة (كاملطالبة ابحلوار) ومؤداها هو التنفيس عن الناس‬
‫الذين أرهقهم الضغط األمين والسياسي واالقتصادي بقضااي جزئية اتفهة‪ ،‬وختديرهم‬
‫ابنتظار احللول الومهية أحياانً (انتظار نتائج حوار النظام مع الشيوخ)‪ ،‬فما كانت‬
‫نتيجة هذه األعمال إال كسباً للوقت من قِّبمل مم ْن يتآمرون على هذا الشعب‪،‬‬
‫وإهلاءًا له هبا وصرف أنظاره عن قضية الدولة اإلسالمية‪ ،‬وعن العمل السياسي‬
‫اإلسالمي الذي ال يعرتف بنظام الكفر وال يتملقه وال يداهنه وال خياف يف هللا لومة‬
‫الئم‪.‬‬

‫ب‪ -‬مترير خطة "رأمسلة" االقتصاد اجلزائري إلحكام السيطرة الرأمسالية‬


‫اإلستعمارية عليه‪.‬‬

‫إن النظام اجلزائري يدرك أن الذين محلوا السالح يف وجهه غايتهم الوحيدة‬
‫الوصول إىل احلكم لتطبيق أحكام اإلسالم‪ ،‬وهلذا ما فتئ يوضح للغرب أنه حني‬
‫‪17‬‬
‫حيارب اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ واحلركات اإلسالمية املسلحة‪ ،‬إمنا حيارهبا للحيلولة‬
‫دون إقامة الدولة اإلسالمية حفاظاً على الدميقراطية كي يدعمه ويساعده يف البقاء‬
‫يصرح عالنية‪":‬إن مكافحة اإلرهاب كفاح‬ ‫يف احلكم‪ ،‬فهاهو وزير اخلارجية دمربي ّ‬
‫من أجل الدميقراطية‪("..‬جريدة املساء اليومية ‪1995/09/30-29‬م)‪ ،‬فلو كان ما يقصده‬
‫إرهاابً حقا لكان قال‪...":‬من أجل األمن‪ ،"...‬ولكنه يعتقد أن هذا الذي يصفه‬
‫ابإلرهاب إ ْن هو إال شباب آمنوا أن ال حكم إال هلل وأنه ال طريقة للوصول إىل‬
‫احلكم إال العمل املسلح (بعد االنقالب على اختيار الشعب هلم) لتطبيق اإلسالم‪،‬‬
‫لذلك قال‪...":‬كفاح من أجل الدميقراطية‪ "...‬ألنه يعرف أن تطبيق اإلسالم معناه‬
‫قرب الدميقراطية؛ فهي نظام كفر يف نظر اإلسالم ومناقضة له‪.‬‬

‫ومالنا نذهب بعيداً وفرنسا العدو اللدود لإلسالم واملسلمني نراها جتعل‬
‫وشل وجتميد املد اإلسالمي يف القارة األوروبية‪،‬‬
‫من قناع اإلرهاب وسيلة لضرب ّ‬
‫فهي مل جتد – منذ عقود ‪ -‬ولن جتد أفضل من قناع اإلرهاب لضرب وحماربة فكرة‬
‫الدولة اإلسالمية ونشاط محلة الدعوة اإلسالمية‪.‬‬

‫وعلى هذا فـ"اإلرهاب" قناع اهلدف من التسرت به متييع قضية محلة الدعوة‬
‫خاصة وضرب فكرة الدولة اإلسالمية واإلسالم عامة‪ ،‬ابإلضافة إىل مترير خطة‬
‫"رأمسلة" االقتصاد وإدماجه يف االقتصاد الرأمسايل العاملي وفق ما ميليه النظام العاملي‬
‫اجلديد‪.‬‬

‫‪ /4‬أزمـة اللغـة واهلُويـة‪ :‬يبدو أن األساليب القدمية اليت اختذها الغرب‬


‫الكافر املستعمر يف حماربة اإلسالم واملسلمني ال زالت تلعب نفس الدور الذي‬
‫ُعطي هلا حلد اليوم‪ ،‬ولكن بوجه مغاير للوجه القدمي‪ ،‬ولعل أقدم هذه األساليب‬
‫أ م‬
‫‪18‬‬
‫املستعملة إلضعاف اإلسالم يف نفوس املسلمني إبضعاف فهمهم له ما يتعلق ابللغة‬
‫اليت يُؤدى هبا؛ اللغة العربية‪.‬‬

‫ففرنسا العدوة اللدود لإلسالم ولغته‪ ،‬منذ احتالهلا اجلزائر سنة ‪1830‬م‬
‫عملت جاهدة على حمو اللغة العربية‪ ،‬وتفانت يف طمس الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ليس‬
‫فقط هبدف الفصل بني اللغة العربية واإلسالم‪ ،‬بل وأيضا هبدف اجتثاث اللغة‬
‫العربية من جذورها (عقول ونفوس املسلمني يف اجلزائر)‪ .‬فبدأت ذلك إبغالق‬
‫املدارس‪ ،‬مث تدرجت مع بداية القرن العشرين إىل منع تعلم اللغة العربية ابعتبارها‬
‫(لغة أجنبية)‪ ،‬وعدم السماح ألي شخص أن ميارس تعليمها إال بعد احلصول على‬
‫ترخيص خاص ويف حاالت استثنائية‪ ،‬ومن انحية أخرى عملت على نشر اللغة‬
‫والثقافة الفرنسية‪ ،‬واشرتطت يف كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلم اللغة الفرنسية‪،‬‬
‫والرتويج لفكرة أن املسلمني (اجلزائريني) مسلمون فرنسيون‪ .‬هذا من جهة ومن جهة‬
‫أخرى اهتمت فرنسا إبحياء والرتويج للهجات احمللية واللسان العامي على حساب‬
‫اللغة العربية‪ ،‬فشجعت اللهجة الرببرية "األمازيغية"‪ ،‬واتبعت كل سبيل حملاربة اللسان‬
‫العريب‪ ،‬واعتربت اللغة العربية (الفصحى) يف اجلزائر لغة ميتة‪.‬‬

‫وهلذا فمن الضروري على فرنسا حىت تضمن تبين ذلك من الرببر‪ ،‬أن‬
‫تعطي فرصة لنمو مشاعر التمايز بني عنصري األمة بعد إبعاد الرببر عن اإلسالم‬
‫واللغة العربية؛ فقد سعت إىل القيام مبحاوالت خلق فجوة بني الرببر وبني العرب‪،‬‬
‫فأوجدت تفسريات مغرضة وأحكاماً متحيزة ألحداث التاريخ يف اجلزائر(منها مثال أن‬
‫الفتح اإلسالمي "استعمار عريب"‪ ،‬وأن الرببر هم أصحاب البالد األصليون‪ ،‬وأن الرببر كان من املمكن‬
‫أن يكون هلم مصري أورويب لوال العرب الفاحتني‪ ،‬بل أن الرببر من أصل أورويب‪ ،‬وأهنم قريبون من احلضارة‬
‫األوربية‪...‬اخل) وسعت إلثبات ذلك من خالل أحباث ودراسات (علمية !)‬
‫‪19‬‬
‫استعمارية‪ ،‬وخلُصت إىل ضرورة احملافظة على خصوصية وهلجة منطقة القبائل‬
‫بعيدا عن التطور العام يف اجلزائر؛ أي ضرورة العزل اللغوي‬
‫الرببرية (دون بقية الرببر) ً‬
‫للقبائل عن بقية الشعب‪ ،‬واملثابرة يف تقريبهم من فرنسا‪ .‬فمن جهة سعت فرنسا إىل‬
‫عزل منطقة القبائل واحليلولة دون اتصاهلا أو تفاعلها مع ابقي املناطق األخرى‪،‬‬
‫وراحت هتتم بتاريخ املنطقة قبل اإلسالم حماولة إحياء األعراف والتقاليد والفولكلور‬
‫وخاصة اللهجات على حساب الثقافة اإلسالمية واللغة العربية‪ .‬ومن جهة أخرى‬
‫اتبعت فرنسا سياسة تبشريية لتنصري املسلمني يف منطقة القبائل بوجه خاص‪،‬‬
‫فتعرض رجال وشيوخ العلم (على مستوى الزوااي) للتضييق واملراقبة والنفي والقمع‪،‬‬
‫وفتحت كثري من املدارس التبشريية وبنيت الكنائس ووجه نشاطها لألعمال اخلريية‬
‫واخلدمات االجتماعية لربطها بواقع السكان هناك‪ ،‬وقام الرهبان والقساوسة (اآلابء‬
‫البيض) ابلتدريس يف الكثري من املدارس‪ .‬وصدرت تعليمات إدارية لتفضيل القبائل‬
‫يف كل الظروف على بقية الشعب‪.‬‬

‫ففرنسا منذ وطأت أرض اجلزائر سنة ‪1830‬م عمدت إىل شن هجمة‬
‫شرسة على اإلسالم واللغة العربية‪ ،‬وأخذت حتاول فصلهما عن بعضهما البعض‬
‫أبساليب ووسائل شىت (اترة مبنع تدريسها‪ ،‬واترة إبحياء وتشجيع اللهجة الرببرية "األمازيغية"‪ ،‬مع‬
‫الرتكيز على تعليم اللغة الفرنسية والتدريس هبا‪ ،‬على اعتبار أن اللغة الفرنسية هي البديلة للغة العربية)‬
‫حماولة أن جتري تغيريات جذرية يف الرتكيبة الشخصية واللسانية‪ ،‬لالستيالء على‬
‫العقل والقلب واللسان ملنطقة القبائل‪.‬‬

‫فما تفعله فرنسا اليوم عن طريق عمالئها‪ ،‬وخباصة املثقفني منهم‪ ،‬من‬
‫حماربة اللغة العربية حملاربة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬أهنا استبدلت وجهها القدمي – اللغة‬
‫الفرنسية ‪ -‬بوجه جديد هو ما يسمى بـ"اللغة األمازيغية" لرتكيز اللغة الفرنسية بني‬
‫‪20‬‬
‫أوساط الشعب (وخباصة بني أهل منطقة القبائل الذين ألف البعض منهم التحدث‬
‫ابللغة الفرنسية) وضرب اللغة العربية هبا‪ ،‬ابعتبار أن هذه اللغة (سـ)تكتب ابألحرف‬
‫الالتينية‪ .‬ففرنسا العدو اللدود لإلسالم واملسلمني فشلت يف حماربة اللغة العربية‬
‫ابللغة الفرنسية‪ ،‬لذا عمدت إىل ما يسمى بـ"اللغة األمازيغية" كمحاولة منها لتحقيق‬
‫ذلك؛ فهي من أنشأت "األكادميية الرببرية" سنة ‪1963‬م اليت اضطلعت ‪ -‬منذ‬
‫نشأهتا‪ -‬ليس فقط إبنشاء ما يسمى بـ"اللغة األمازيغية" وإحيائها بل وتصفية‬
‫واستئصال كل ما له عالقة ابإلسالم فيها‪ .‬فقد وضعت أجبديتها وقواعدها‬
‫وختلصت من كل كلمة هلا عالقة ابإلسالم فيها (مثل التخلص من حتية‬
‫اإلسالم‪...‬اخل)‪ ،‬فقد عملت على جعل حروف هذه اللغة حروفاً التينية‪ ،‬وعمدت‬
‫إلىكتابة اإلجنيل ابألجبدية األمازيغية لتهيئة الظروف حنو مدرسة بربرية؛ فرنسية‬
‫بتعليمها وثقافتها‪ ،‬بربرية بتالميذها وبيئتها‪ .‬وهذا كله وغريه من أجل إجياد وتنشئة‬
‫أجيال جتهل اللغة العربية‪ ،‬أو تعجز عن فهمها أو استعماهلا للحيلولة بينها وبني‬
‫اإلسالم؛ فاللغة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ابلعقيدة اإلسالمية – إعجاز القرآن ‪-‬‬
‫ومرتبطة إرتباطاً عضوايً ابإلجتهاد (وببعض العبادات كالصالة)‪ ،‬ولذا فهي أي‬
‫فرنسا تريد من وراء هتميش اللغة العربية وإقصائها بـ"اللغة األمازيغية"‪ ،‬أن‪:‬‬
‫‪ -‬تزيد من إضعاف العقيدة اإلسالمية يف نفوس املسلمني فتبقى فاقدة‬
‫احليوية‪،‬‬
‫‪ -‬وأن تزيدهم عجزاً عن مواجهة مشكالت احلياة املستجدة ابألحكام‬
‫الشرعية املستنبطة من نصوص الكتاب والسنة ابعتبارها معاجلات ملشكالت احلياة‪،‬‬
‫فيستمرون يف عدم ثقتهم أبحكام اإلسالم مبعاجلة مشكالهتم إما ابملعاجلات الغربية‬
‫الكافرة أو بتأويل أحكامه لتوافق تلك املعاجلات‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫إن الناظر إىل ما جيري من أعمال سياسية وثقافية واليت تصب يف اجتاه‬
‫ترسيم اللغة األمازيغية وتدريسها‪ ،‬والناظر إىل الظروف احمليطة هبذه األعمال‬
‫واملالبسات اليت تكتنفها ويربط بينها‪ ،‬جيد أهنا مصوبة أساساً حنو حماربة فكرة الدولة‬
‫اإلسالمية ومحلتها؛ فإحلاح دعاة األمازيغية على تكرار الشكوى من متاعب ال‬
‫وجود هلا‪ ،‬ومن ظلم ال وجود له (احتقار األمازيغية‪ ،‬هتميش اهلُوية األمازيغية !!‪...‬اخل)‬
‫الرد حوهلا‪ ...‬اهلدف منه هو‬ ‫يهولون من شأهنا‪ ،‬ويكثرون من األخذ و ّ‬ ‫خيرتعوهنا مث ّ‬
‫لفت أنظار الناس إليهم لصرف نظرهم عن الصراع الدائر بني محلة الدعوة اإلسالمية‬
‫والنظام الكافر من جهة‪ ،‬ولتخويف الناس من خطر انقسام اجلزائر يف حالة وصول‬
‫التيار اإلسالمي إىل احلكم من جهة أخرى (ابعتبار أن دعاة األمازيغية من معارضي قيام‬
‫الدولة اإلسالمية)‪.‬‬
‫هلذا فإن قناع األمازيغية‪ ،‬ما هو إال وسيلة أريد هبا حتقيق أمرين‪:‬‬
‫أ‪ -‬ضرب اإلسالم بضرب لغته اليت يُفهم ويُؤدى هبا؛ بزايدة إضعاف‬
‫عقيدته يف عقول الناس الذين (سـ)ينشئون بلسان ال يعرف اللغة العربية فال يلمسون‬
‫إعجاز القرآن فال يظهر أثره يف نفوسهم من جهة‪ ،‬وبتعطيل اإلجتهاد يف هذا اجلزء‬
‫من األمة فال يوجد فيه جمتهدين يبذلون وسعهم يف استنباط معاجلات ملشكالته‬
‫املتجددة من النصوص الشرعية من جهة أخرى‪.‬‬
‫ولعل مشكلة االنعدام (شبه) الكلي للعلماء وللفقهاء يف اجلزائر (مقارنة‬
‫ابلبالد العربية األخرى) يُعلّمون الناس أحكام دينهم‪ ،‬ومشكلة عدم استعمال اللغة‬
‫العربية يف األوساط السياسية والثقافية‪ ،‬ومشكلة املستوى الثقايف الضعيف واحملدود‬
‫حىت عند الفئة املثقفة (سواء الثقافة اإلسالمية أو غريها)‪ ،‬ملن أكرب الدالئل على جناح‬
‫فرنسا وعمالئها يف ضرب اإلسالم بضرب لغته العربية‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫ب‪ -‬ختويف الناس من خطر تفتيت ما يسمى بـ(الوحدة الوطنية) إببراز‬
‫العداء بني التيار اإلسالمي ودعاة األمازيغية (ذوو اجتاه علماين) لضرب فكرة الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وإجلاء الناس إىل أنصاف احللول اليت ترضي الطرفني حسب ومههم (لقد‬
‫وجد قطاع كبري من الش عب يؤيد فكرة بقاء النظام العسكري يف احلكم مع تطبيقه الكفر على أساس أن‬
‫استيالء التيار اإلسالمي على احلكم معناه حرب أهلية بينه وبني دعاة األمازيغية‪ ،‬وهذا كحل وسط بني‬
‫الطرفني)‪.‬‬

‫ومل يكتف أعداء اللغة العربية ابستعمال اللغة األمازيغية لتحقيق أغراضهم‬
‫اخلبيثة‪ ،‬بل أضافوا إىل ذلك التشجيع على استعمال اللهجة العامية إلاثرة من‬
‫حيتضنها ويدعو هلا جنباً إىل جنب مع األمازيغية‪ .‬ومن أمثلته‪:‬‬

‫‪ -‬ما فعله الرئيس زروال يف بعض خطبه من التكلم ابللهجة العامية‪ ،‬وقد‬
‫اعترب أول رئيس يقوم بذلك‪.‬‬

‫‪ -‬إقامة إذاعات حملية ابللهجات العامية‪.‬‬

‫‪ -‬إقامة نشاطات تلفزيونية ابللهجة العامية‪.‬‬

‫ليس هذا فحسب بل وأكثر من ذلك حني جعلوا من األمازيغية عنصراً‬


‫من عناصر ما يسمونه بـ(اهلُوية الوطنية)‪ ،‬وراحوا ينقنقون بني أفراد الشعب لبلبلة‬
‫أفكارهم قصد تضليلهم عن اإلسالم وتيئيسهم من فكرة الدولة اإلسالمية‪ ،‬وخباصة‬
‫وهم يعيشون أوضاعاً مزرية يف كل مناحي احلياة‪.‬‬

‫فقد تداعى النظام العسكري على الشعب مع األحزاب العميلة اخلائنة‬


‫بنشر هذه الفكرة والرتويج هلا بشكل مستمر‪ -‬وغريها من األفكار املميتة ‪ -‬قصد‬
‫متييعه وحرفه عن جادة الصواب‪ ،‬فيسقط مصروعاً‪ ،‬مشوش الفكر‪ ،‬ملوث التفكري‪،‬‬
‫‪23‬‬
‫مضطرب البال‪ ،‬مبلد احلس‪ ،‬متناقض املشاعر‪ ،‬ال ينظر للحياة إال مبنظار‬
‫الالمباالة‪ .‬حىت أن هذه الفكرة قد إنطلت على اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ حني‬
‫إلتزمت بـ(مبدأ) أن "األمازيغية" !! عنصر من العناصر التكوينية للشخصية اجلزائرية‬
‫مع اإلسالم (والعروبة !!)‪ ،‬املدرج مع (مبادئ) أخرى ضمن وثيقة "العقد الوطين"‬
‫(عقد روما)‪.‬‬

‫إن مشكلة اللغة العربية مشكلة سياسية حبتة‪ ،‬ال عالقة هلا ابللغة العربية‬
‫كلغة‪ ،‬ألن مشكلة اللغة العربية تكمن يف إقصاء اإلسالم عن احلكم‪ ،‬حيث يقوم‬
‫على احلكم واإلدارة ووسائل اإلعالم والرتبية والتعليم يف اجلزائر‪ ،‬رجال صنعتهم‬
‫فرنسا – أم االستعمار الثقايف ‪ -‬وربتهم تربية معينة مقصودة‪ ،‬وغرست يف نفوسهم‬
‫احلقد على اإلسالم ولغته‪ ،‬بل جعلتهم يعملون هلدم اإلسالم بكل ما يستطيعون‪،‬‬
‫تدرس كل شيء ابلفرنسية مثالً كمعاهد التكنولوجيا ومعاهد‬ ‫فقامت اجلامعات اليت ّ‬
‫الطب واهلندسة واحملروقات‪ ،‬وقامت اإلدارات اليت تستعمل اللغة الفرنسية (يف الوزارات‬
‫واملديرايت والشركات‪...‬اخل)‪ ،‬وقامت املراكز الثقافية الغربية اليت تد ّرس ابلفرنسية‬
‫وابإلجنليزية‪ ،‬وألِّف الناس يف اجلزائر احلديث بغري العربية واستطابوه‪ ،‬وما ذلك إال‬
‫برتتيب وتدبري من فرنسا ومواالة وأتييد من احلكام املسلطني على رقاب الشعب‬
‫اجلزائري‪ .‬فحكامنا ال يسمحون أبداً أن تعم اللغة العربية يف بالدان‪ ،‬بل يعملون‬
‫جاهدين على إقصائها وتثبيت غريها‪ ،‬ألنه هكذا ُخطط هلم وهكذا ُرسم هلم وال‬
‫ميلكون إال السري وفق ما يريد أسيادهم الكفار‪.‬‬

‫وال نذهب بعيداً إذا علمنا أن التسهيالت اليت رافقت جلوء النظام اجلزائري‬
‫إلعادة جدولة ديونه من خالل اندي ابريس الذي لفرنسا – أم االستعمار الثقايف‬
‫‪ -‬فيه نفوذ كبري قد متت من خالل شرط تفوق اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أوىل‪ ،‬يف‬
‫‪24‬‬
‫(القانون رقم ‪-19‬‬ ‫اإلدارة والتعليم‪ ،‬وجتميد العمل بقانون تعميم استعمال اللغة العربية‬
‫‪ 05‬املؤرخ يف ‪ 30‬مجادى الثانية عام ‪ 1411‬هـ املوافق ‪ 16‬يناير ‪1991‬م املتضمن تعميم استعمال‬
‫اللغة العربية)‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن ما مسيناه بـ"أزمة اللغة واهلُوية" ما هي يف احلقيقة إال قناعاً‪،‬‬
‫اهلدف منه ضرب وحماربة اإلسالم واملسلمني بصفة عامة وضرب وحماربة فكرة‬
‫الدولة اإلسالمية ومحلة الدعوة اإلسالمية بصفة خاصة‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫هذا هو واقع "أقنعة األزمة" أو أقنعة الصراع الدائر يف اجلزائر‪:‬‬
‫‪ -1‬أزمة شرعية؛ يراد هبا احليلولة دون وصول اإلسالم إىل احلكم‪.‬‬
‫‪ -2‬أزمة اقتصادية؛ يراد من ورائها إهلاء الشعب اجلزائري عن فكرة الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتربير "رأمسلة" اإلقتصاد اجلزائري فرضاً للسيطرة الرأمسالية اإلستعمارية‬
‫على البالد والعباد‪.‬‬
‫‪ -3‬أزمة إرهاب؛ يراد هبا متييع قضية محلة الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وترهيب‬
‫الناس من اتباعهم‪ ،‬ومترير اخلضوع لربانمج الصندوق النقدي الدويل والبنك العاملي‬
‫تطبيقاً خلطة "رأمسلة" اإلقتصاد فرضاً للسيطرة الرأمسالية اإلستعمارية على البالد‪.‬‬
‫وهوية؛ يراد هبا ضرب اللغة العربية إلضعاف اإلسالم يف‬
‫‪ -4‬أزمة لغة ُ‬
‫نفوس املسلمني يف اجلزائر إبضعاف فهمهم له عن طريقها‪ ،‬مع ختويف الشعب من‬
‫خطر احلرب األهلية وخطر انقسام اجلزائر إىل دويالت بسبب تناقض التيار‬
‫اإلسالمي مع التيار األمازيغي العلماين‪ ،‬قصد استبعاد فكرة الدولة اإلسالمية من‬
‫ذهنه بلجوئه إىل أنصاف احللول‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫وإننا إذ نبني واقع هذه األقنعة‪ ،‬وأهداف التقنع هبا‪ ،‬نرى بعض عمالء‬
‫الكفار هنا وهناك يتغنون بتحقيقها؛ أي يتغنون بضرب فكرة اإلسالم السياسي‪-‬‬
‫الدولة اإلسالمية ‪ -‬وإقصائها من تفكري الشعب‪ ،‬فها هو سعيد سعدي‪ ،‬رئيس‬
‫حزب التجمع من أجل الثقافة والدميقراطية‪ ،‬يؤكد ذلك‪ ،‬إذ قال‪":‬لدي القناعة‬
‫التامة أبن اإلسالم السياسي قد أقصي هنائياً كحل حتمي‪ ،‬فلم تعد الغالبية العظمى‬
‫كل حالً ملشاكلها" (جريدة اخلرب اليومية‬ ‫تؤمن أبن اإلسالم السياسي يش ّ‬
‫‪1995/10/14‬م)‪.‬‬

‫وممّا يؤكد خبث النظام العسكري وسعيه جاهداً حملاربة عودة اإلسالم‬
‫كدعوة سياسية وضرب فكرة الدولة اإلسالمية ‪ -‬ولو تلفظاً هبا فقط ‪ -‬احلادثة اليت‬
‫جرت قبيل انتهاء احلملة اإلنتخابية‪ ،‬حيث اهتم مرشح حركة اجملتمع اإلسالمي‬
‫(محاس) حمفوظ حنناح أبنه استعمل اإلسالم ألغراض سياسية يف محلته اإلنتخابية‬
‫(زايرة مسجد كتشاوة ابلعاصمة‪ ،‬وذكر اإلسالم يف ملصقات دعائية)‪ ،‬فهرعت هذه احلركة اليت‬
‫تدعي العمل ابإلسالم وله تنفي عنها هذه التهمة‪ ،‬وتربهن على أهنا ال تعمل إلقامة‬
‫الدولة اإلسالمية؛ حيث صّرح حمفوظ حنناح قائالً‪":‬هل مسعتموين أقول هنا أننا من‬
‫أجل دولة إسالمية أو أنين تلفظت ولو بكلمة واحدة عن الشريعة ؟"(جريدة اخلرب‬
‫اليومية ‪1995/11/05‬م)‪ .‬وأخذت هذه احلركة اليت تدعي أهنا تعمل ابإلسالم وله ترّكز‬
‫على محل شعارات‪ :‬إحرتام احلرايت الفردية واجلماعية وضماهنا‪ ،‬محاية حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬محاية مبادئ الدميقراطية واجلمهورية‪ ...‬تقيداً بقانون اإلنتخاابت الذي‬
‫ينص يف مادته ااـ(‪ )108‬على وجوب إحرتام الدستور والدفاع عنه‪ ،‬عدم إستعمال‬
‫اإلسالم ألغراض حزبية‪ ،‬والتمسك ابلدميقراطية وإحرتام التعددية السياسية يف إطار‬
‫املبادئ اجلمهورية‪...‬اخل‪ ،‬واليت‪ -‬أي هذه املادة‪ -‬توجب أن ينعكس حمتواها يف‬
‫‪26‬‬
‫برانمج أي مرشح لإلنتخاابت الرائسية‪...‬فالنظام العسكري أخذ يستعمل بعض‬
‫احلركات املسماة (إسالمية !!) لضرب فكرة الدولة اإلسالمية ومتييعها لدى الشعب‬
‫اجلزائري‪.‬‬
‫إن النظام العسكري ويف سبيل استئصال فكرة الدولة اإلسالمية من أذهان‬
‫الناس‪ ،‬ويف سبيل جتميع الشعب اجلزائري حول أي شيء ما عدا اإلسالم أو جتميعه‬
‫حول ما يقصي اإلسالم من حياته‪ ،‬عمد إىل فكرة "الوطنية" العفنة لتحقيق ذلك؛‬
‫فقد أخذ ينفخ يف الشعب الروح الوطنية اترة ابلدعوة إىل ما يسمى بـ"مبادئ وقيم‬
‫ثورة الفاتح من نوفمرب ‪1954‬م وضرورة التجمع حوهلا‪ ،‬كما جاء يف خطاب‬
‫الرئيس زروال ونداءه للشعب اجلزائري‪...":‬ليصنع جتمع وطين حول قيم ثورة نوفمرب‬
‫اجمليدة"(جريدة املساء اليومية ‪1995/10/30‬م)‪ ،‬واترة أخرى أبن احلركات اإلسالمية‬
‫املسلحة حركات غري وطنية حتركها أايدي أجنبية‪ ،‬وأهنم أبناء حركى (خونة)‪ ،‬فهذه‬
‫احلركات خطر على الوطن وأن الوطن هو الذي يُدافع عنه وليس اإلسالم ألننا كلنا‬
‫مسلمني‪ ،‬لذا فاجلزائر أوالً وقبل كل شيء‪...‬‬
‫فالنظام يريد من فكرة "الوطنية" عامة‪ ،‬وفكرة ما يسمى بـ"مبادئ وقيم ثورة‬
‫الفاتح من نوفمرب ‪1954‬م" خاصة (وهي مبادئ وقيم يراها علمانية تفصل‬
‫اإلسالم عن احلياة والدولة واجملتمع) أن تصرف الشعب اجلزائري عن إسالمه وعن‬
‫فكرة الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫هذه بعض احلقائق عما جيري على الساحة اجلزائرية‪ ،‬على املسلمني يف‬
‫اجلزائر ويف غري اجلزائر أن يدركوها ويعلموها إذا كانوا مل يدركوها من قبل ومل‬
‫يصحوا من‬
‫يعلموها‪ ،‬لتكون الدافع هلم كي يفيقوا من غفلتهم اليت طال مداها‪ ،‬وكي ْ‬
‫سباهتم العميق الذي استبد هبم‪ ،‬حىت ابت هذا السبات ميلهم وميجهم‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫فعلى املسلمني أن يدركوا ويعلموا‪ ...‬أن حكامهم ما هم إال عمالء‬
‫خونة‪ ،‬نصبتهم الدول الكافرة اإلستعمارية حلماية أنظمتهم الكافرة‪ ،‬وللحيلولة بني‬
‫األمة اإلسالمية وبني استئنافها للحياة اإلسالمية بتطبيق اإلسالم ومحله رسالة هدى‬
‫ونور إىل العامل‪ ،...،‬وأن الدول كلها عدوة لإلسالم واملسلمني‪ ،‬وأشدها عداوة‬
‫الدول الكربى اليت خططت يف املاضي هلدم دولة اإلسالم‪ ،‬وخططت للحيلولة دون‬
‫رجوعها‪ ،‬وختطط لوأدها يف املهد إذا قامت‪ ،‬ألن هذه الدول تدرك مدى خطورة‬
‫اإلسالم على املبدأ الرأمسايل وخباصة إذا كانت هناك دولة تطبقه وحتمله إىل العامل‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس على املسلمني يف اجلزائر‪ :‬أفراداً‪ ،‬أحزاابً‪ ،‬مجاعات‪،‬‬


‫حركات إسلمية مسلحة وغريهم‪ ،...،‬أن يدركوا حجم املصيبة اليت يعيشوهنا‪،‬‬
‫مصيبة عدم احلكم مبا أنزل هللا‪ ،‬ومصيبة حيلولة النظام العسكري ومن ورائه أورواب‬
‫(وخباصة فرنسا) وأمريكا دون وصول اإلسالم إىل احلكم‪ ،‬وحماولتهم ضرب فكرة‬
‫الدولة اإلسالمية لتمييعها واستئصاهلا من ذهن الشعب اجلزائري‪ ،...‬وأن يدركوا أن‬
‫وجود الشعور بضرورة إنقاذ البالد لدى الشعب اجلزائري غري الناتج عن اإلسالم‬
‫خطر عليه وعلى األمة اإلسالمية‪ ،‬ألنه يكرس إبعاد اإلسالم عن واقعه‪ ،‬وحيقق ما‬
‫يرمي إليه الكافر املستعمر الذي أوجد هذا الشعور لديه بضرب فكرة الدولة‬
‫اإلسالمية وحماولة استئصاهلا من نفسه‪ ،...‬وأن يدركوا أن الواجب عمله أن يكون‬
‫هذا الشعور إسالمياً انجتاً عن تكوين أفكار إسالمية متصلة ابلواقع الذي يعيشه‪،‬‬
‫فال يرضى أبي تغيري إال إىل الواقع الذي يريده اإلسالم؛ إقامة دولة إسالمية تكون‬
‫نقطة إرتكاز لإلنطالق على أساسها يف ضم البالد العربية واإلسالمية األخرى‬
‫جلسم الدولة اإلسالمية لتحقيق وحدة األمة اإلسالمية الكربى اليت تتحمل مسؤولية‬
‫محل اإلسالم رسالة هدى ونور ورمحة إىل العامل أمجع‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫وعلى الذين وهبوا حياهتم وأمواهلم وجهودهم من أجل حتقيق هذا الواقع‬
‫الذي يريده اإلسالم ولو بوضع لبنة واحدة يف أساس بناء هذا الواقع‪ ،‬أن ال تقعدهم‬
‫الدسائس‪ ،‬وتردهم مساوئ النظام الفاسد وسوء وسائل احلياة‪ ،‬وأن ال تكبل أيديهم‬
‫القوى املسلطة عليهم وهم يتلمسون حتقيق حلم الدولة اإلسالمية‪ ،‬فهم ال يرون قيام‬
‫احلياة ابلراحة‪ ،‬وال خلق األمم ابهلدوء‪ ،‬وال إحداث اإلصالح ابلتدرج‪ ،‬بل يبصرون‬
‫احلياة ابلتعب‪ ،‬وإجياد األمم ابلقوة والعزمية‪ ،‬وإحداث اإلصالح ابإلنقالب الشامل‬
‫الكامل‪.‬‬

‫وعلى احلركات اإلسالمية املسلحة اليت تستهدف بطريقتها هذه شخص‬


‫النظام العسكري‪ ،‬الذي وضعه الكافر املستعمر كحجر تعيق حترر الشعب منه‪ ،‬أن‬
‫تدرك أن القناعات واملفاهيم واملقاييس املوجودة يف اجملتمع هي أصل وجود الشر‬
‫الذي نعيشه‪ ،‬وأن خالص الشعب من هذا النظام العسكري وخالص األمة‬
‫اإلسالمية من الكافر املستعمر‪ ،‬الذي أوجد هذه األنظمة املتعفنة‪ ،‬يتم ابستئصال‬
‫هذه القناعات واملفاهيم واملقاييس من اجملتمع عن طريق الصراع الفكري والكفاح‬
‫السياسي وفق ما قام به رسول هللا ‪ ‬يف مكة‪ .‬ألن القيام ابلصراع الفكري والكفاح‬
‫السياسي هو الذي يوجد الوعي السياسي لدى الشعب واألمة‪ ،‬الذي بدونه ال‬
‫ميكن لألمة أن تدرك قيمة اإلسالم يف حياهتا‪ ،‬وال ميكن ضمان سري األمة يف‬
‫مقارعة الكافر املستعمر وعمالئه من احلكام والسياسيني واملثقفني سرياً مستمراً يف‬
‫مجيع الظروف‪ ،‬وألن إقامة الدولة اإلسالمية دون تفهم األمة لألفكار اإلسالمية أبن‬
‫جتعل منها قناعات ومفاهيماً ومقاييساً هلا تباشر تدبر شؤوهنا على أساسها وهم‬
‫وخيال‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫وعلى ذلك جيب أن يتغري فكر هذه األمة أوالً حىت يتم بناء الدولة‬
‫اإلسالمية بناءاً طبيعياً‪ ،‬عن طريق إجياد القناعات واملفاهيم واملقاييس اإلسالمية‬
‫ابلصراع الفكري مع أفكار الكفر الستئصال القناعات البالية واملفاهيم املغلوطة‬
‫واملقاييس املضلة‪ ،‬وابلكفاح السياسي ضد الكافر املستعمر وعمالئه‪ ،‬وتبين مصاحل‬
‫األمة ابإلسالم‪.‬‬
‫فالقضية قضية األمة اإلسالمية وليست قضية احلركات واألحزاب‬
‫اإلسالمية فقط‪ ،‬فهي اليت جيب أن تقيم الدولة اإلسالمية "اخلالفــة"‪ ،‬وهي اليت‬
‫تضمن استمراريتها بعد إقامتها‪ ،‬وهي اليت ستدخل يف عراك مع كل دول العامل‪،‬‬
‫حلمل رسالة اإلسالم إليه‪ ،‬وما احلركات واألحزاب اإلسالمية إال قيادة األمة لتحقيق‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فإىل خوض النضال ابلطريق السياسي من أجل تكوين املفاهيم اإلسالمية‬
‫عن احلياة لدى الشعب اجلزائري ولدى األمة اإلسالمية كلها ندعوكم اي محلة الدعوة‬
‫اإلسالمية يف اجلزائر وغري اجلزائر‪ ،‬وإىل خوض النضال العقائدي ضد مجيع‬
‫اإلجتاهات اليت تناقض اجتاه اإلسالم‪ ،‬وضد مجيع املفاهيم اليت تناقض مفاهيمه‪،‬‬
‫لتحرير األمة من نري اإلستعمار الكافر ومن هيمنة الكافر املستعمر‪ ،‬وحتقيق الغاية‬
‫املنشودة‪ :‬إقامة دولـة اخللفــة اإلسلميــة ومحل الدعوة اإلسالمية إىل العامل‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعاىل الذي أنزل هذا الدين للناس كافة مؤيده وانصره‬
‫ومظهره على الدين كله ولو كره الكارهون‪.‬‬
‫متت الرسالة بفضل هللا وحده ابجلزائر العاصمة يف ديسمرب من عام ‪1995‬م واْلمد هلل رب العاملني‬
‫وصلوات هللا تعاىل وسلمه على سيدان حممد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إبحسان إىل يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫‪30‬‬

You might also like